الاستشراق الألماني والتراث العربي والإسلامي

عبد القادر بنعبد الله

 

لم تمر حرب على العالم الإسلامي طويلة منهكة، طال أمدها وقويت شوكتها، كتلك الحروب الصليبية في العصور الوسطى، والتي بدأت أحداثها الفعلية في سبع وعشرين نوفمبر 1095م. قادها ملوك أوروبا المسيحية ضد العالم الإسلامي، متخذين الدين ذريعة لأطماعهم، وستاراً لقضاء مآربهم. على إثر الخطبة الشهيرة التي ألقاها البابا أربان الثاني (1042 - 1099) في حشود المسيحيين في حقل فسيح بإفريني في مدينة كليرمون فيرون بجنوب فرنسا، بعد المجمع الديني البابوي الذي حضره أساقفة الكنيسة الكاثوليكية المتردية، والتي صارت تبحث لها عن مخارج لمأزقها ووضعيتها المزرية الخطيرة. فوجه البابا أثناءها دعوة للعالم المسيحي لشن حملة حرب تحت راية الصليب ضد العالم الإسلامي بدءاً من فلسطين. والأصل في كل ذلك الخوف الذي بثته الكنيسة بين أفراد المجتمعات الغربية من دين الإسلام ومبادئه، خصوصاً عندما استولى السلاجقة على بيت المقدس، وانتزعوه عنوة من الدولة الفاطمية، وهددوا بيزنطة.

إن المؤرخين على اختلاف اهتماماتهم وتنوع مشاربهم لا يختلفون في أنها أكبر الحركات التي ظهرت في تاريخ العالم المسيحي، وأكثرهم يرون بأنها امتدت قرنين، لكن المحققين الأثبات يقولون إنها ابتدأت من سنة 1095م، وامتدت آثارها إلى 1400م.حيث ملأت الدنيا وشغلت الناس. لما تمخضت عنها من نتائج في ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية، لأن الصراع دام زمناً طويلاً، وكان مريراً.

وحينما وضعت الحرب أوزارها، انكشف الطرفان الإسلامي والمسيحي عن مدى القوتين الروحية والمادية التي تميز بهما كل طرف، بسبب ذلك الاختلاط والاحتكاك الطويل، حيث عجزت الأمم المسيحية المتجمعة عن تحقيق أهدافها التي سعت من أجلها عن طريق القوة العسكرية. ففكرت في أنواع أخرى من الغزو، لاجتثاث الدين الإسلامي الذي وقف سداً قوياً منيعاً، وحصناً حصيناً مكيناً في وجهها، مكبداً إياها خسائر فادحة، فنوع العالم المسيحي غزوه وكان كل واحد أخطر من الآخر:

1 - الغزو العقدي: وتمثل في التبشير في أوساط الأمم الإسلامية، ولكن نتائجه كانت ضئيلة جداً.

2 - الغزو الثقافي: واستهدف التعرف على ذخائر المسلمين الحضارية، شمل الحضارة والثقافة والدين، وغرضهم من ذلك معرفة نقاط القوة والضعف والتركيز على نقاط الضعف لضرب العالم الإسلامي والقضاء والاستيلاء عليه، وهذا المطمح عندهم تمثل في حركة الاستشراق.

3 - الغزو المسلح: تجلى بعد ذلك في الاستعمار، الذي قسم الأمة الإسلامية، وقهر شعوبها، والذي على إثره تم تشذيب الرقعة الإسلامية الشاسعة، واقتطاع أماكنها المقدسة، منها فلسطين لصالح الصهيونية المتعجرفة.

مفهوم الاستشراق

الاستشراق كما يطلق عليه في اللغات الأنجلوسكسونية orientalism يقوم على الدراسات الغربية لتاريخ الشرق وأممه وحضارته، بكل ما تحويه من لغات وآداب وعلوم وعقيدة وشريعة. ويعني ذلك دراسة البنى الحضارية والثقافية لأمم الشرق.

فالمستشرق هو ذلك الباحث الغربي المطلع على لغات الأمم الشرقية من عربية وعبرية وسريانية، والباحث في حضارتها وأحوالها وعلومها وآدابها.

وقد انتدبت المجامع الكنسية الأولى إبان القرون الوسطى لهذه المهمة أعتى المفكرين من الفطناء والمؤرخين عندها، وتكاد تكون الانطلاقة من بدايات القرن الرابع عشر الميلادي، حينما أعلنت الكنيسة المسيحية البحث في الحضارات الشرقية خصوصاً العربية الإسلامية، والحضارات الشرقية الأخرى من سريانية وعبرية، فالاستشراق ولد أصلاً في رحم الكنيسة، لأن المشجعين الأوائل عليه كانوا بابوات وقساوسة ورهباناً، ثم تبنته الحكومات الغربية، فأسست له المدارس والمعاهد والجامعات، وأنشأت له الجمعيات والمجلات، التي تخصصت في تعلم لغات الشرق، وعقدت لذلك المؤتمرات التي ضمت أقطاباً من الشرق والغرب وحكوماتهم وراءهم، تدعمهم مادياً ومعنوياً، وتبذل التشجيعات، وتوفر المجامع والمخطوطات النادرة. والهدف الأول تسهيل السيطرة على الشرق وخيراته، وإنشاء المستعمرات، وقد ظهر ذلك جلياً في القرن التاسع عشر.

ومهما ظن الظانون واعتقد المعتقدون أن الهدف كان مركزاً على الانتفاع من علوم العرب والإسلام، وحضارة ومدنية الشرق، فإن تطور أمر الاستشراق إلى الأغراض التجارية والاستعمارية كان أبرز أهدافهم وطموحاتهم، يبرر ذلك تسابق الدول العظمى الاستعمارية للتعرف على الشرق، وحضارته، وكشف آثاره، وإحياء آدابه وعلومه وإظهار فنونه، ونشر مصنفاته وكتبه، وأداتها في تحقيق غاياتها الاستشراق. ولا يخفى على أي باحث أو دارس أن علاقات الاستشراق بالحكومات كانت قوية ومتينة، يستمد منها العون المادي والمعنوي إلى أبعد مدى.

نحن لا ننكر أن المستشرقين قد أدوا خدمات جليلة للغة العربية وتاريخها وآدابها، بما حققوه من كتب، وما أنتجوه من بحوث ودراسات علمية، وما نشروه من آثار ومصنفات وكتب علمية وأدبية. ولكن الأقل منهم التزم بالنزاهة العلمية، وأكثرهم جاوز هذه النزاهة في البحث العلمي، وعمل على تشويه الحقائق وطمسها، بل تجاوزوا إلى التشكيك في القيم والمعتقدات الإسلامية، ومطيتهم في ذلك أهواؤهم، وتعصبهم الديني المقيت، وحقدهم الدفين للإسلام والمسلمين، فلم ينسلخ أكثرهم من مأموريته التي انتدب لها، وهي خدمة الاستعمار، والغزو الفكري، والتشكيك في الدين الإسلامي، والطعن في صاحب الشريعة الغراء الأكرم الأعظم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

ولم يسلم من هذه المعرة إلا القليل ممن اعتنق الإسلام، والذي اتسم عمله بالتجرد التام لكشف الحقائق، ودفع الزيف والتحريف. وأسماؤهم معروفة ومشهورة في تاريخ الاستشراق.

أهم مدارس الاستشراق

كانت هناك محاولات قديمة قبل حركة الاستشراق لمعرفة الشرق، سواء تعلق الأمر بالشرق الأدنى أو الأقصى أو الأوسط، فقد وجدت نقوش أثرية قديمة على الأحجار، أو كتابات الرحالات والتجار الذين جابوا أقطار الشرق، أو دون بعضها في الأسفار القديمة تصف الشرق من بعض جوانبه الحضارية، ولكن لم يصبح ذلك علماً قائماً حقيقياً يدرس، له رجاله ومدارسه ومتخصصوه إلا في حقب متأخرة، وتكاد تكون البدايات من إيطاليا وهولندا وبريطانيا والبرتغال وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، وأخذ الاستشراق طابعاً جدياً في القرنين الخامس والسادس عشر.

الاستشراق الألماني

لعل هذا الاستشراق له بريقه الخاص، بدأ قديماً مع العصور الوسطى، وازدهر مع بداية القرن الثامن عشر، ثم بلغ أوجه في القرن التاسع عشر حيث أخذ مساراً علمياً، تميز ببعض المزايا عن مدارس الاستشراق الغربي.. أهمها:

1- أنه لم يظهر ويزدهر مرتبطاً بالاستعمار، كما هو الحال في الاستشراق الفرنسي أو الإنجليزي أو الهولندي، فهولندا كانت تستعمر دولة إسلامية عظيمة هي إندونيسيا، شأنها في ذلك شأن الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والإيطالي الذين استعمروا بقاعاً شاسعة عربية وإسلامية، واستعانوا في إستراتيجيتهم بالمستشرقين. ولو أن بعضهم يرى أن الدولة الألمانية كانت تملك رغبة استعمارية، ولكن النزعة الاستعمارية ظهرت متأخرة، عندما ربطت ألمانيا علاقات مع الأمبراطورية العثمانية لمواجهة بريطانيا وفرنسا والروس.

2 - المعروف عن الاستشراق الألماني أنه لم يرتبط بغايات تبشيرية دينية.

3 - الخاصية الكبرى لهذا الاستشراق أنه امتاز بجدية البحث، والعمق والموضوعية، وكان سباقاً لتحقيق كتب تراث ومراجع وأصول عربية وإسلامية خالدة.

والأعجب أن بعض المستشرقين الألمان قاموا بأعمال جبارة، تعجز عنها أكبر المجامع العلمية العربية، لخبرتهم الكبيرة بالتحقيق العميق والتمحيص الدقيق، ولمنهجيتهم العلمية الراقية، وتجردهم الخالص للبحث العلمي الرصين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هم أول من وضع المعاجم والقواميس العربية:

- فقد وضع فلهم فرايتاغ (ت.1861م)، وهو تلميذ المستشرق الكبير (سلفستر دي ساسي) المعجم العربي اللاتيني في أجزاء أربعة ، حيث كانت اللغة اللاتينية حينئذ هي اللغة العلمية في أوروبا.

- ووضع أوغست فيشر (ت.1949) معجم اللغة العربية الفصحى، وهو صاحب مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، والذي مازال العمل مستمراً فيه إلى اليوم. وكان أمين معهد برلين للغات الشرقية، اشتغل في إحدى دراساته على تراجم حياة الرواة الذين اعتمدهم محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية. ويشهد له بأنه عالم مكين في اللغة العربية، اشتهر بتدريسها والتأليف فيها. وهو من المستشرقين القلائل الذين أكدوا على أهمية فقه اللغة العربية لدراسة الآثار الفلسفية والتاريخية والفقهية والأدبية والعلمية الإسلامية، كما يشهد لذلك المفكر الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي صاحب التآليف الكثيرة في الفلسفة وتاريخها.

 والحق أن مفتاح عقليات الأمم ومعرفة فهومها وأسرار علومها ومعارفها وفنونها ودينها لا يتم إلا بفقه لغتها على نحو جيد، بل كان فيشر على اتصال بعلماء اللغة في مصر قبل الحرب الكونية الثانية، ويعترف له بأنه أعانهم بالبطاقات العلمية، في مشروعهم لإخراج المعجم العربي الكبير، غير أنهم لم يصدروا منه إلا المجلد الأول. ولباع فيشر الطويل في العربية وعلومها، انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وتتلمذ له في ألمانيا مستشرقون جدد ساروا على نهجه.

- وألف هانس فير (ت.1980م) وشراكل (1923م) قاموسيهما. الأول: عربي ألماني، والثاني: ألماني عربي صدر سنة 1974م.

- وأصدرت جامعة توبنجن قاموساً ضخماً للغة العربية اشتغل عليه العالم أولمان سنوات، وصل به إلى حرف الكاف، ثم انتقل العمل عليه إلى جامعة ميونيخ ووصلوا به إلى حرف الميم، ومازال العمل قائماً لإنهائه ويشتغل عليه فريق علمي نشيط. وهذا العمل مشكور، ولكن يلقي الضوء على الأعمال العلمية الإسلامية، ويبين مدى عظمة علماء الإسلام، فقد كتب ابن منظور (ت.711هـ) قاموسه لسان العرب وحده في خمسة عشر مجلداً، يحوي آلاف الصفحات، وقد أتمه كاملاً، في حين أن فريقاً علمياً عتيداً في أوروبا أوتي من الخبرة والوسائل التكنولوجية الحديثة العظيمة لم يستطع إتمام قاموس -وإن كان ضخماً- في اللغة العربية في العصر الحديث، ولربما سيستغرق ذلك أزمنة طويلة، مما يدل على عبقرية وعظمة علماء الإسلام، وقل مثل هذا في تاج العروس للزبيدي، إذ لا يمكن أن يأتي بهذه الأعمال العظيمة إلا عظماء عباقرة، فليس بعجيب أن يندهش لهم علماء الاستشراق، ويولوهم من العناية الفائقة، فيحققوا وينشروا أعمالهم العظيمة الفريدة.

وقد تنوعت اهتماماتهم بالتراث العربي والإسلامي، فشملت جمع المخطوطات النادرة، وحفظها وتحقيقها، وفهرستها ونشرها، وتعريف العالم بها، وبمؤلفيها ومصنفيها. ولولا المستشرقون الألمان لتعرضت هذه المخطوطات النادرة للبتر والضياع، ولذهبت إلى عالم النسيان.

كما عملوا على نشر اللغة العربية في ربوع ألمانيا، واستفادوا من علومها: نحوها وصرفها وبلاغتها. ولا غرو أنها من اللغات السامية العظيمة، امتازت بليونتها، وكثرة اشتقاقها.

والقول الفصل أن المستشرقين الألمان الكبار سحروا بالشرق وعلومه وفلسفاته وفنونه وآدابه، يحسب لهم تاريخياً أنهم أخلصوا في القيام بعلم الاستشراق في جامعاتهم، واجتهدوا في النهوض بدراسة الآثار العربية، وخلفوا تلامذة نجباء يشرفون على أقسام الاستشراق، وقد شملت الدراسات الاستشراقية:

1 - صيانة المخطوطات العربية الإسلامية النادرة وتحقيقها ونشرها:

إن مكتبة وطنية ألمانية واحدة في برلين، فيها الآلاف من المخطوطات، حفظها المستشرقون الألمان، وعملوا على تنظيمها، وقد سهر على فهرستها بطريقة علمية بديعة المستشرق وليم أكوارت في عشرة مجلدات، وهو عمل ليس بالهين، فقد كان أكوارت هذا مشهوراً بشغفه بالشعر الجاهلي، وهو الذي اشتغل طويلاً على شعر معلقات الجاهليين، فحققها ونشرها.

ومثل ذلك الكم من المخطوطات يوجد في مكتبة جامعة توبنجن بجنوب ألمانيا، حيث تختزن نفائس المخطوطات وكتب التراث العربي والإسلامي، والدوريات والمؤلفات الفريدة، التي أنتجتها العبقرية الإسلامية، وقد ساعدهم على ذلك ظهور المطابع عندهم قديماً.

ولم يكتفوا بحفظ وصيانة هذه الآثار والمخطوطات الشيقة، بل عمدوا إلى تحقيقها تحقيقاً علمياً دقيقاً، وبرعوا في ذلك بحكم درايتهم بفقه اللغة المقارن وعلم الفيلولوجيا الذي اشتهرت به أوروبا في العصر الحديث. وأوجدوا لذلك مؤلفات سهلت عليهم مأمورية التحقيق، كما فعل المستشرق الكبير فلوغل صاحب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف، ومعجم شواهد العربية.

كانت مثل هذه الكتب مراجع يعتمدها المستشرق المحقق، تعينه على الغوص في تحقيق التراث. وهذه منهجية رائدة في آليات البحث والتحقيق لا يقوم بها إلا عالم فطن ذكي، فتسنى لهم بذلك تحقيق مجموعة من الآثار وترجمتها ونشرها، نذكر بعضها:

- صحيح البخاري، والفهرست لابن النديم، وكتاب كشف الظنون لحاجي خليفة، وقام بهذا العمل فلوغل.

- وترجم إدوارد لين تاج العروس للزبيدي، أصدر منه ستة مجلدات.

- نشر هنريك فلايشر تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل). ونشر تاريخ الطبري في خمسة عشر مجلداً، ويكاد يكون هذا العمل الجبار أعظم الأعمال الاستشراقية، مع طبقات ابن سعد.

- حقق ونشر فريتز كرنكوف (1872 - 1953م) دواوين: مزاحم العقيلي (ظهر بهولندا سنة (1920م). وشعر طفيل بن عوف الغنوي- رواية أبي حاتم السجستاني عن الأصمعي. والطرماح. وابن حكيم الطائر. كما حقق ونشر معجم الشعراء للمرزباني- وقد نشر بالقاهرة. وطبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي. وطبقات النحاة البصريين للسيرافي. وجمهرة اللغة لابن دريد. والدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني. ونشر قصيدة كعب بن زهير في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها للإمام أبي زكريا التبريزي. وغير هذا كثير مما تركه هذا المستشرق المتفرد تحقيقاً ونشراً ودراسة وترجمة.

 إن المطلع على تحقيقاته ودراساته للكثير من الآثار والمخطوطات يتعجب ويتساءل: كيف فتح له هذا الباب من العلم، إذ لا يفتح إلا لمن وهبه الله تعالى قريحة فذة عالية في العلم، وبصيرة نافذة، وعزيمة قوية يتجشم بها صعاب العربية ومسالكها الوعرة، فيغوص في علومها وآدابها وفنونها، فقد نشر الكتب وكتب في الدوريات ودائرة المعارف الإسلامية، والمجلات، وقد نبه المستشرق كارل بروكلمان على أسماء كثيرة من المخطوطات والآثار التي كان يملكها هذا المستشرق العلامة. والروايات تقول بأنه اعتنق الإسلام.

2 - تأليف البحوث والدراسات عن الفكر الإسلامي:

للتعريف بالفكر العربي والإسلامي انبرى المستشرقون الألمان لدراستهما، والعناية بهما، وأدى بهم طموحهم إلى التأليف في الفكر والأدب العربي، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض مؤلفات كارل بروكلمان، وهو من أشهرهم:

- نشر كارل بروكلمان (1868 - 1956م) كتابه (تاريخ الأدب العربي) في خمسة أجزاء، تناول فيه الأدب العربي من فجر الإسلام إلى زمان صدور كتابه. وهو عمل عظيم رغم ما فيه من أخطاء استدركها عليه النقاد. ويعد من المراجع الأساسية لدارسي الأدب العربي، لا يستغني عنه باحث في مجال التراث والمخطوطات.

- وألف كتابه: تاريخ الشعوب الإسلامية - ترجمه: أمين فارس، ومنير البعلبكي. وقد ذاع صيت هذا الكتاب شرقاً وغرباً، فهو يشمل تاريخ العرب والمسلمين إلى العصر الحديث، وقد وضع في آخر الكتاب دليلاً زمنياً يستعان به على معرفة تاريخ الدول الإسلامية، وطبع سنة 1939م.

- نشر ديوان لبيد بن ربيعة، تحقيق وترجمة ودراسة.

- النحو العربي - ألفه عام 1925م.

كما ألف في اللغات والآداب والعلوم الشرقية، العبرية، والسريانية، والآشورية، والسامية. وقد كان متقناً لكثير من اللغات الشرقية، برع فيها كلاماً وتدريساً، وتأليفاً. ونال حظوة وتقديراً كبيرين في المؤتمرات واللقاءات والمجامع العلمية، داخل ألمانيا وخارجها. وكان عضواً ومراسلاً لأكاديميات العلوم في أوروبا وآسيا وأمريكا والمجمع العربي بدمشق.

وقد رد عليه النقاد أخطاءه التي بثها في كتبه، ونبهوا على افتراءاته على التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية. وللدكتور غيثان بن علي جريس كتاب يرد فيه عليه، أسماه: (افتراءات المستشرق كارل بروكلمان على السيرة النبوية) صدر سنة 1993م وهناك دراسات وأطروحات سعت مشكورة للكشف عن أخطاء وأوهام كثير من المستشرقين.

وقد أورد عبدالرحمن بدوي أسماء المستشرقين الألمان في: موسوعة المستشرقين.

وأما الاستشراق الألماني المعاصر، فقد خبا نجمه، رغم استمراره في ترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية والإسلامية، فلم يعد له جهابذته وعلماؤه الكبار، وأصبح اليوم يهتم بميادين جديدة، كثورة على الاستشراق القديم، من قبيل الدراسات الاجتماعية، وما يرتبط بالسياسة والاقتصاد.

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=4162

 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك