أهل الذمة في الحضارة الإسلامية

أهل الذمة في الحضارة الإسلامية
د. عبد الحليم عويس
أهل الذمة: هم اليهود والنصارى، الذين يعيشون مع المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، وإنما أطلق عليهم لقب (أهل الذمة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم ذمته وأمانته.
كان محمد النبي صلى الله عليه يعرض دينه على النصارى واليهود؛ فإن قبلوه دخلوا الإسلام وإن رفضوه، لم يكرههم على شيء، وإنما سألهم أن يعطوا (الجزية) وهي ثمن حماية المسلمين لهم، وكفهم الأذى عنهم، وقيامهم بحرب الأعداء دونهم.
ولم يسمع عن محمد النبي صلى الله عليه أنه قتل نصرانياً؛ لأنه لم يسلم، أو أنه عذبه أو سجنه أو منعه من التعبد على طريقته، ولم يُنقل عن محمد قط أنه هدم كنيسة أو بيعة.
وقد أوصى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل الذمة فقال: (لَهُم مَا لَنَا وَعَلَيهِم ما عَليْنا، ومَن آَذَى ذِمياً كُنتُ خَصمه يَومَ القِيَامَةِ).
وكان أهل الذمة أحراراً في إقامة شعائر دينهم، وكانوا يرجعون في أحوالهم الشخصية إلى رؤسائهم الدينيين.
ومن مسلَّمات الإسلام - التي نص عليها الوحي؛ قرآنا وسنة -: أن العقيدة لا يمكن الإكراه عليها، بل لا بد فيها من الاقتناع والرضا: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
وأن أماكن العبادة للديانات الإلهية محترمة يجب الدفاع عنها وحمايتها: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيراً﴾ [الحج: 40].
وأن الاختلاف في الأديان لا يحُول دون البر والصلة والضيافة: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: 5].
وأن الجدال مع أهل الأديان يكون بالأدب وبالحسنى والحجة والاقتناع: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]، ولا تجوز البذاءة مع المخالفين، ولا سب عقائدهم ولو كانوا وثنيين: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108].
وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفيها من اليهود عدد كبير، كان من أول ما عمله من شئون الدولة أن أقام بينه وبينهم ميثاقا تحترم فيه عقائدهم وتلتزم فيه الدولة بدفع الأذى، ويكونون مع المسلمين يدا واحدة على من يقصد المدينة بسوء.
كان للرسول جيران من أهل الكتاب، فكان يتعاهدهم ببرّه، ويهديهم الهدايا، ويتقبل منهم هداياهم.
وجاء مرة وفد نصارى نجران، فأنـزلهم في المسجد، وسمح لهم بإقامة صلاتهم فيه، فكانوا يصلون في جانب منه، ورسول الله والمسلمون يصلون في جانب آخر، ولما أرادوا أن يناقشوا الرسول في الدفاع عن دينهم، استمع إليهم وجادلهم، كل ذلك برفق وأدب وسماحة خلق. بل قبِل الرسول من المقوقس هديته، وقبل منه جارية أرسلها إليه وتسرَّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وولدت له إبراهيم الذي لم يعمر إلا أشهراً قليلة. ومن وصاياه للمسلمين: (اسْتوصُوا بالقِبط خيراً؛ فإن لكم فيهم نسباً وصِهراً.
من مظاهر التسامح الديني في الحضارة الإسلامية:
تجاور المساجد الكنائس في ظل حضارتنا الخالدة، وكان رجال الدين في الكنائس يُعطَون السلطة التامة على رعاياهم في كل شئونهم الدينية، ولا تتدخل الدولة في ذلك.
ومن مظاهر التسامح الديني في حضارتنا: أن كثيرا من الكنائس كان يصلي فيها المسلمون والمسيحيون في وقت واحد إبان الفتح الإسلامي.
ومن مظاهر التسامح الديني: أن الوظائف كانت تُعطَى للمستحق الكفء؛ بغضِّ النظر عن عقيدته ومذهبه.
وكذلك كانت الحظوة للشعراء والأدباء لدى الخلفاء والأمراء، بغضِّ النظر عن أديانهم ومذاهبهم، وكلنا يعلم مكانة الأخطل في العهد الأموي.
وكانت الحلقات العلمية في حضرة الخلفاء تجمع بين مختلف العلماء على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
ومن مظاهر التسامح الديني في حضارتنا: الاشتراك في الأعياد الدينية؛ بمباهجها وزينتها، فمنذ العهد الأموي كانت للنصارى احتفالاتهم العامة في الشوارع تتقدمها الصلبان، ورجال الدين بألبستهم الكهنوتية.

د.عبد الحليم عويس
ae@el-wasat.com

المصدر: http://el-wasat.com/portal/Artical-8617.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك