حوارات شعوب الثقافية
حوارات شعوب الثقافية...المفكر والكاتب معن حمدان علي "الحاج" أحب الصفات الى نفسه، عمل بالسياسة مكرها، بعدما رأى طوفان الظلم وسطوة الطغيان، يقضي أمتع أوقاته بين الكتب وعوالم الثقافة، عاشق شديد الوله بالتراث العربي وامتداده الى عصر التنوير الاسلامي، لا يحب الصخب والأضواء، سعيداً باحفاده متفاءلاً بمستقبلهم في وطن عزيز وكريم. مفكر أغنى المكتبة بعشرات الكتب والمؤلفات التي نفد معظمها في مكتبات القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد وطهران وغيرها من العواصم العربية، شديد الثقة بقدرة الثقافة على تعديل مسار المجتمعات، وسد النفق الحاصل في بنية الدولة والمجتمع، وقد آثرها على ضجيج السياسة وصخبها. يعكف اليوم على اعادة النظر في بعض كتاباته ومؤلفاته السابقة، وهو بصدد أصدار مؤلفات جديدة. لم تنل منه السنون، رغم وحشتها وقساوة أيام الغربة والمطاردة الصعبة، حقق كتابه (نواطير الغرب) شهرة ورواجاً واسعاً أيام النظام البائد، وقد تم- من دون كتبه الاخرى- أستنساخه في بغداد والمحافظات العراقية،وتم تداوله على نطاق واسع. ومن الممتع أن نحاور مفكراً يطل على السياسة والحياة والاحفاد من زاوية ثقافية وكان لنا معه هذا الحوار.• عرفنا الحاج حسن السعيد اسماً لمؤلف كتاب (نواطير الغرب) الذي قرأناه خفية أيام العهد البائد، فمن هو حسن السعيد؟ - مواطن عراقي، أحب بلده حد العشق، ولد في قرية تغفو على بحيرة صغيرة بين قلعة صالح والكحلاء، من أب فلاح كادح، وأم رؤوم، أنتقلت العائلة الى بغداد في خريف 1959، أكمل دراسته الابتدائية عام 1963 بتفوق، والثانوية عام 1968، وكلية التربية عام 1972، مارس التعليم في الفاو والكوت وبغداد، وقد حيل بينه وبين اكمال دراسته العليا في القاهرة لنشاطه المناوئ للسلطة، ثم صدر قرار بالقاء القبض عليه بتاريخ 20/10/1979 لكنه تمكن من الافلات باعجوبة، ليلاحق ويطارد، حتى وهو في المنفى الذي دام ثلاثاً وعشرين عاماً، عاد الى الوطن بعد أربعة أيام من سقوط الطاغية ليواصل نشاطه الاعلامي والثقافي، حالماً بفجر واعد، تشرق عليه شمس الحرية، ويسوده العدل الاجتماعي، ويعمه الرخاء والامن والامان...• كيف ينظر الحاج حسن الى الاسلام في الحكم وطوفان العولمة الطاغي بشروطه العلمانية الانسانية والمتوحشة؟- بعد أنهيار المعسكر الاشتراكي، بدأنا نسمع نغمة جديدة، تؤكد الموقف الصعب للرأسمالية، فقد صرح الرئيس الفرنسي ساركوزي بوجوب البحث عن بديل ثالث، وهي نفس العبارة التي قالها سلفه ديستان، فضلاً عن كثير من المفكرين الذين أعربوا عن مخاوفهم من مستقبل الرأسمالية، وخاصة صموئيل هنتنغتون صاحب كتاب (صدام الحضارات) الذي أحدث ضجة كبيرة في العالم، وهو من الكتب المشهورة في المحيط العربي حيث ترجم وطبع أكثر من مرة، والذي يرى فيه أنه لم يبق الا الصراع الحضاري بين الاسلام والرأسمالية، لأنعدام وأفلاس الخيارات الاخرى. ولكن التساؤل المرير هو: هل المسلمون –بواقعهم المتخلف- قادرون على أن يكونوا حملة مشروع حضاري؟ الجواب بالتأكيد هو: لا.وقد ناقشت هذه المسألة في كتابي (حضارة الازمة: ماذا قبل الانهيار؟)• العراق يمر بمنعطف كبير، ماهو رأيك بالخطوات التي تنتهجها الحكومة العراقية الحالية في انتخابات مجالس المحافظات، المصالحة الوطنية، وغيرها؟- لئن أخذنا- بالتعريف السائد عن السياسة بانها "فن الممكنات" فاننا لا نتجنى كثيراً على الوضع القائم- بماله وعليه- حين نطلق عليه توصيفاً يتلائم وهذه المقولة. ان تراكمات ثلاثة عقود ونصف من الاستبداد والقمع والتجهيل المنظم، في تواطئ دولي وأقليمي، ليس من المتوقع أن ينفرج الموقف خلافاً لما هو عليه اليوم، واذا ما أضفنا دوائر التدخلات الفجة من الاصدقاء والاشقاء وطوابيرهم في الداخل.. فان الصورة تبدو أكثر عتمة وأشد قتامة، والعراق تجاوز بشكل مدهش ومثير كل الازمات والمآزق، وأننا نعول على هذه الخصيصة الكامنة في اللاوعي العراقي... وتباشيرها الاولى قد ولدت وهي ظاهرة للعيان.• هل مجتمعاتنا العربية والاسلامية (ثقافية)؟ بمعنى تداولها الثقافة بما تعنيه من التهذيب الفردي والاتساق الاجتماعي؟- مع الاقرار بوجود ثمة تباين في المستوى الثقافي، الا أن هذا لا يغير من الواقع شيئاً حين نعترف بان هذه المجتمعات ما تزال ضمن خانة "التخلف" المثير للأسى، والتدني المروع في مسألة الاقبال على المطالعة لدى الفرد العربي دليل على ذلك، ولن أنسى قول موشيه دايان وزير الدفاع الاسرائيلي السابق حين سئل عن كيفية السماح لنفسه بنشر مخططه لعدوان حزيران 1967 في وسائل الاعلام قبل التنفيذ، فاجاب بمقولته الشهيرة ( ان العرب قوم لا يقرأون)!!!• كيف ترى مسيرتك في عوالم التأليف والكتابة في مجتمعات لا تقرأ الا قليلاً؟- مع أنها عادة الا أنها من جانب التزام أخلاقي وتكليف شرعي على من يجيدها، وأضاءة شمعة في ظلام دامس خير من الاكتفاء بلعن الظلام ان هذا القليل الذي (يقرأ) يستحق أن تتواصل معه، على أمل أن تتسع هذه الدائرة ولو بعد حين.• الثقافة والسياسة، كيف يوازن الحاج بينهما؟- بحكم الالفة والممارسة.. أمسيا في نظري وجهين لعملة واحدة، وأنا في خريف العمر أكثر ميلاً للثقافة، بل أخذت اردد مع نفسي " قاتل الله السياسة، ما دخلت شيئاً الا وأفسدته". هذا من جانب، ومن جانب أخر يبدو أن صراع الحضارات سيكون صراعاً ثقافياً أكثر منه سياسياً أو أقتصادياً، لذلك لابد أن نتسلح بالثقافة وندعوا الى نشرها وتفعيلها بين شرائح المجتمع العراقي – وهي خطوة أولى – بدراسة متأنية، وتخطيط علمي، وهنا لابد من أن أشير الى ضرورة المشاركة الفعلية لكل المؤسسات الحكومية والاهلية.• عرفت بأنك مولع بأحفادك العشرة، كيف توفق في الالتقاء بهم رغم المسؤوليات والمشاغل؟- أولاً أنا سعيد جداً بهم، القريبون يملأون الجوانح والمشاعر، ويضفون على البيت بصخبهم بهجة وحبوراً، والبعيدون أعيش نشوة اللقاء بهم، ولو في فترات متباعدة. أن هذه المشاعر الابوية فطرية تملأ النفس دفئاً أنسانياً، والانسان لا يشعر بها الا حين يعيشها، لذلك فهي لذيذة لمن يمارسها واذا كانت لدى البعض ثقيلة ان لم أقل بغيضة فلانه لم يمر بها أو يقترب منها. • الحاج حسن نصير التجديد والفكر النقدي، كيف نترجم هذه العبارة في كتاباتك؟- منذ عرفت تكليفي- وأنا في مطلع شبابي- وجدت نفسي مصطفاً في خندق التجديد، وهذا لا يعني تجاوزاً للتراث الذي لابد من تنقيته مما علق فيه من شوائب، وفي هذا الاتجاه كتبت عدة بحوث ودراسات عن اشكالية التجديد ورواده مثل (الكواكبي: جدلية الدين والاستبداد)، و(الاسلام والرأي الاخر، تجربة الامام علي نموذجاً) وغيرهما ولدي كتاب ماثل للطبع بعنوان (مشاعل في العتمة: اضاءات عن رواد الوعي الاسلامي الحديث)، يضم الجزء الاول منه التعريف بخمسين شخصية نهضوية من أصل مائة.• لماذا لا يركز الحاج على أمراض المسلمين وعيوبهم بقدر أهتمامه بالغرب في كتاباته؟- في البداية أنا لست متحسساً بالمطلق من الغرب، اللهم الا بمقدار ما يعد تحدياً حضارياً لهويتي، ولازلت أتزود بما يكتبه كبار الكتاب والمفكرين الغربيين، الا أنني كتبت ضد سياسة الرجل الابيض في الهيمنة ومحاولات الاختراق، كما هو في كتابي (المتظاهرون بالاسلام: طلائع الاختراق الغربي) ولكني بالمقابل كتبت أيضاً (الاسلام والغرب: الوجه الاخر) والذي أنصب فيه البحث على كبار الكتاب والمفكرين الذين أعتنقوا الاسلام. ثم أني لم أنس أمراض المسلمين وعيوبهم وكتابي (عبدالرحمن الكواكبي جدلية الاستبداد والدين) خير دليل على ذلك، وأن لم يعرف هذا الكتاب في العراق فيما أشتهر في أوساط المثقفين في بلاد الشام. المصدر:http://www.shaaubmagazine.com/view.783/