الفكر الإسلامي المعاصر وقضايا الجهاد والسلام

أحمد أبو الوفا

تعدّ قضايا الجهاد (أو الحرب) والسلام من الأمور المهمة في العلاقات الدولية، قديمها وحديثها. وقد قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أصناف، جمعهما في طائفتين، هما: 

1- طائفة حروب البغي أو الفتنة: وتشمل الحروب التي تقع نتيجة الغيرة أو المنافسة، وحروب العدوان.

2- حروب الجهاد والعدل: وتتضمن الحروب التي تتم غضبا لله ولدينه (والمسماة في الشريعة بالجهاد)، وحروب الدول مع الخارجين عليها والمانعين لطاعتها (1).

ويقصد بالجهاد لغة بذل الوسع أو الطاقة أو الجهد، واصطلاحا يعني محاربة من يعتدون على الدولة الإسلامية. يقول الرقيشي: "اعلم أن الجهاد لغة: هو بذل الطاقة من المكلف، وشرعا: هو قتال أعداء المسلمين، سواء أكان الأعداء مشركين، أم منافقين من أهل الوفاق في المذهب، أم من أهل الخلاف، وسواء أكانوا مستحلين يعتقدونه حلالا في دينهم وهو خطأ، أم محرّمِين منتهكين مرتكبين لما دانوا بتحريمه، فقتال هؤلاء كلهم يسمى جهادًا، واسم الجهاد اسم جنس يعم الدفاع؛ لأن كل دفاع جهاد، وليس كل جهاد دفاعا، فبينهما عموم وخصوص"(2).

وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تحث على الجهاد وتدعو إليه. من ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الصَّف: 10-11)، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ﴾ (التوبة: 73)، وقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (البقرة: 216)، وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (النساء: 77)، وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ (التوبة: 36)، وقوله: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ َ﴾ (البقرة: 191)، وقوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ (البقرة: 190)، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24)، يقول السالمي: "ففي هذه الآية العظيمة ما لا يخفى من وجوب إيثار الجهاد في سبيل الله على الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة وجميع أحوال الدنيا. فمن عاقه عن الجهاد في سبيل الله شيء من هذه الأحوال المذكورة في الآية فهو إنما يتربص إتيان أمر الله، والمراد بذلك التهديد والتوعد بالعذاب لتارك الجهاد المتعلل بشيء من هذه الأعذار"(3).

ويدعو الإسلام منذ البداية إلى إقامة علاقات دولية سِلمية مع الدول والشعوب الأخرى، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)، ويقول أيضا: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ (الأنفال: 61).

والظاهرة الملحوظة في الإسلام هي «تعدد أدوات أو وسائل التعاون الدولي»؛ إذ لم يحصر الإسلام ذلك في أداة أو أدوات معينة للتعامل؛ بل عدَّد من هذه الأدوات؛ فلم ينظر الإسلام إلى أدوات التعامل الدولي على أنها أما حرب وإما سِلْم؛ وإنما وضع لكل حال ما يناسبه من الأمور وفقاً للظروف المحيطة والعوامل المؤثرة فيه.

وفي شأن قضايا الجهاد والسلام بحث الفكر الإسلامي أصولها وفروعها، ولعل أهم مسألة في ذلك: أساس العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين (هل هي السلم أم الحرب؟).

نشير أولاً إلى الاتجاهات الفقهية بخصوص هذا الموضوع، فإذا انتهينا من ذلك فحقيق بنا أن نذكر رأينا الخاص: 

(أ) الاتجاه الأول: أساس العلاقة هي الجهاد (الحرب) ابتداء: 

مؤدى هذا الاتجاه أن الجهاد في الإسلام يجب أن يمارس ابتداء ودفاعاً(4)، وهو ماض إلى يوم القيامة باعتباره من الفروض التي يلتزم بها المسلمون، فلا يجوز تعطيله لأي عذر إذا كان بالمسلمين قوة، وتتلخص أهم حجج هذا الاتجاه فيما يلي: 

١- أن الجهاد فرض كفاية ابتداء: 

معنى ذلك - وفقاً للإمام الزيلعي الحنفي - أنه: «يجب علينا أن نبدأهم بالقتال وإن لم يقاتلونا لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا المشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ (التوبة: 36)، وقوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ﴾ (التوبة: 29)، وقوله: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ (التوبة: 41)، وقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «الجهاد فرض ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجـال، لا يبطله جـور جـائر ولا عدل عادل»(5)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «أُمـرت أن أقاتل الناس حتى يقولـوا: لا إله إلا الله..»(6) الحديث، وعليه إجماع الأمة.

٢ - الجهاد دعوة قهرية: 

أخذ بهذه الحجة الإمام النووي حيث يقرر: «ولا يجوز إخلاء سَنَةٍ عن جهاد إلا لضرورة، بأن يكون في المسلمين ضعف وفي العدو كثرة، ويُخاف من ابتدائهم الاستئصال، أو لعذر بأن يعز الزاد وعلف الدواب في الطريق، فيؤخر إلى زوال ذلك، أو ينتظر لحاق مدد، أو يتوقع إسلام قوم، فيستميلهم بترك القتال، وقال الإمام: المختار عندي في هذا: مسلك الأصوليين؛ فإنهم قالوا: الجهاد دعوة قهرية، فيجب إقامته بحسب الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بمرة في السنة، ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة»(7).

٣- الجهاد وسيلة لنشر الإسلام(8): 

مؤدى هذه الحجة أن الجهاد وسيلة لإزالة العقبات التي تعترض طريق الدعوة الإسلامية؛ يقول الشوكاني: «أما غزو الكفار، ومناجزة أهل الكفر، وحملهم على الإسلام، أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية، ولأجله بعث الله رسله، وأنزل كتبه... وما ورد في موادعتهم، أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم، وقصدهم إلى ديارهم»(9).

ويقول إمام الحرمين: «فللدعاء إلى الدين الحق مسلكان: أحدهما: الحجة وإيضاح المحجة.

والثاني: الاقتهار بغرار السيوف وإيراد الجاحدين الجاهرين مناهل الحتوف. والمسلك الثاني مرتب على الأول... فإن لم تنجح الدعوة... تطرق إلى استفتاح مسالك النجاح بذوي النجدة والسلاح». ويرى أيضاً أنه يجب وضع السيف فيهم حتى لا يبقى عليها «إلا مسلم أو مسالم»(10).

٤ - الجهاد لا يتنافى وقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾: 

من أصحاب هذا الاتجاه من ذهب إلى أن قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 256) أما أنه يقتصر على: 

- الحالة التي نزلت بشأنها الآية(11). 

- أو أنها منسوخة(12).

5 - أن الإسلام سعي منذ البداية إلى الدخول في صراعات مع العالم الخارجي: 

أخذ بهذا الرأي فقيه لبناني مسيحي بقوله: إن القانون الدولي الإسلامي -نتيجة لضرورة دخوله في صراعات- لم يكن سوى قانون حرب، وإن قانون السلم لم يتم استنباطه إلا بعد ذلك، حينما توقفت حمية الإسلام(13).

(ب) الاتجاه الثاني: أساس العلاقة هي السلم، أما الحرب فهي للدفاع فقط: 

أخذ بهذا الاتجاه خصوصاً اتجاه حديث في الفقه الإسلامي. وفحوى هذا الاتجاه أن الحرب لا يمكن أن تكون أبداً هي الأصل والأساس في علاقات المسلمين بغيرهم؛ وإنما هي تشكل الاستثناء، فالأصل وأساس العلاقة هو السلم لا الحرب. ويكون اللجوء إلى الحرب اضطرارًا لدفع عدوان أو ما شاكل ذلك(14). وتتلخص حجج هذا الاتجاه في الآتي: 

١ - أن القتال في الإسلام يكون فقط أما لرد اعتداء، أو لدفع ظلم، أو لقطع الفتنة. 

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المعْتَدِينَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 190-193)، وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال: 39)، وقال سبحانه وتعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ (الحج: 39 - 40)، وقال تعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125)، كذلك قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 8-9). 

٢ - أن الإسلام حض على إقامة العلاقات السلمية مع غير المسلمين في أكثر من آية، منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (البقرة: 208)، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ (الأنفال: 61)(15)، وقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8)، وقوله تعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء: 90)، وكذلك: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ (النساء: 94). 

٣- أن الإكراه في الدين لا يجوز في الإسلام(16): 

ولهذا يقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ (البقرة: 256)، ويقول سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99). 

لذلك قيل: إن من أخلاقيات الدولة الإسلامية في إطار العلاقات الخارجية «عدم الاستسلام، مع قبول السلام»(17): Ne pas capituler, mais accepter la paix.

ويقول آخرون: «أما من جهة علاقة الحكومة بالحكومات الأخرى في حالتي الحرب والسلم، فإن شعار الحكومة الإسلامية: حرب دفاعية وسلم كريم»(18).

وتقول فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية: «فالعلاقة بين الناس في دستور الإسلام علاقة سلم حتى يضطروا إلى الحرب للدفاع عن النفس أو للوقاية منها، ومع هذا يأمر الإسلام بأن يكتفى من الحرب بالقدر الذي يكفل دفع الأذى، ويأمر كذلك بتأخيرها ما بقيت وسيلة إلى الصبر والمسالمة»(19).

(ج) رأينا الخاص: (نظرية أساس العلاقة هي السلم الذي يدعمه الردع المسلح): 

من الثابت -على حد علمنا- أنه ليس هناك نص صريح في الكتاب أو السُّنة يشير إلى مشكلة أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهل هي السلم أم الحرب. لذلك فإن حل هذه المسألة يكون بالبحث في روح التعاليم الإسلامية نفسها وقواعد الشريعة الكلية التي تتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها. 

ولا شك - في نظرنا- أن الاتجاه الذي ينادي بأن أساس العلاقة هي السلم هو الاتجاه الجدير بالتأييد؛ للأسباب الآتية: 

أولاً: أن ذلك يتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، فضلاً عن اتفاقه مع المجرى العادي للأمور؛ ذلك أن الدهر جرى على حكمه المعروف ورسمه المألوف أن تكون العلاقة السلمية هي الأساس، والحرب الاستثناء. 

ثانياً: أن الإسلام دين سلام وليس بدين الحرب العدوانية، كما أن المسلمين خاضوا (ويخوضون) الحروب وهم لها كارهون. يكفي أن نذكر أن كلمة الإسلام مشتقة من السلام، وسميت الجنة التي وعد بها المؤمنون دار السلام: [لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ (الأنعام: 127)، ﴿وَاللهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلَامِ﴾ (يونس: 25)، كما أن السلام اسم من أسماء الله الحسنى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الملكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ﴾ (الحشر: 23). بل يبدو الارتباط بين الإسلام والسلام في أن القرآن نزل في ليلة سلام: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ* لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ (القدر: 1- 5). 

كذلك يقول تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ (الأنفال: 61﴾، ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء: 90)، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ (الممتحنة: 8). 

ثالثاً: عرف الإسلام منذ البداية أن الحرب العدوانية غير مشروعة. ويكفي أن نذكر هنا قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190). مِمَّا يدل على أن الحرب العدوانية محرمة منذ البداية في الإسلام(20).

لقد حدد الإسلام الحرب في أضيق الحدود، وذلك من نواحٍ أربع: 

١- من الناحية المكانية: قصر الإسلام الحرب على مناطق القتال وحدها، وبالتالي حرم نقل الحرب إلى المناطق المدنية التي يقطنها سكان غير محاربين؛ كذلك فق استبعد الإسلام الحرب في بعض الأماكن (كالمسجد الحرام).

٢- من الناحية الشخصية: قصر الإسلام القتال على المحاربين فقط، أما غير المحاربين (كالنساء والأطفال والشيوخ) فقد نهى الإسلام أتباعه عن قتالهم إلا إذا اشتركوا في الحرب بصورة من الصور.

٣ - من الناحية الموضوعية: لا يبيح الإسلام الحرب إلا إذا وقع عدوان على الدولة الإسلامية، وبالتالي فالإسلام لا يبيح الحرب العدوانية (أي الابتدار بالقتال)؛ وإنما فقط الحرب الدفاعية (رداً على عدوان قائم أو في سبيله إلى الوقوع فعلاً).

٤ - من الناحية الزمنية: حرم الإسلام القتال في أوقات معينة (الأشهر الحرم) رغبة في تحبيب المقاتلين إلى السلم ونبذ الحروب.

رابعاً: عدم استعجال الرسول للحرب(21): من الثابت أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية»(22). كذلك لما استعجل المبايعون (بيعة العقبة الثانية) الإذن بالحرب، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ارفضوا (أي تفرقوا) إلى رحالكم، فقال له العباس بن عبادة: والله الذي بعثك بالحق: إن شئت لنميلن عن أهل مني غداً بأسيافنا؟ قال: فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم»(23).

خامساً: أنه لا يمكن القول بحال: إن الإسلام هو دين السيف أو إنه انتشر بحد السيف؛ فالشواهد كثيرة في الإسلام تبين عكس ذلك، يكفي أن نذكر هنا: 

(أ) قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ (البقرة: 256)(24). 

(ب) الآيات القرآنية التي تبين وجود غير مسلمين بين بني الإنسان، مثل قوله تعالى: 

- ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (التغابن: 2).

- ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ﴾ (آل عمران: 20). 

- ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ (الكهف: 17). 

(جـ) أن الله سبحانه وتعالى أمر في أكثر من موضع بالجدال الحسن مع غير المسلمين عند دعوتهم إلى الدين يقول تعالى: 

- ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ (العنكبوت: 46)(25).

- ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ﴾ (النحل: 125).

- ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: 44). 

(د) أن الدول والشعوب التي انتشر فيها الإسلام بكثرة هي دول وشعوب دخلته عن اقتناع وبلا إكراه. يقول العقاد: «وأيسر مِن استقصاء الحروب وأسبابها في صدر الإسلام أن نلقي نظرة عامة على خريطة العالم في الوقت الحاضر لنعلم أن السيف لم يعمل في انتشار هذا الدين إلا القليل عما عمله الإقناع والقدوة الحسنة، فإن البلاد التي قلت فيها حروب الإسلام هي البلاد التي يقيم فيها اليوم أكثر مسلمي العالم، وهي بلاد أندونيسية والهند والصين وسواحل القارة الإفريقية وما يليها من سهول الصحاري الواسعة»(26).

سادساً: أنه يبدو من القرآن الكريم أن تشريع القتال تم لأول مرة دفعاً للظلم، ونزلت آيات القتال بعد ذلك لمنع الظلم. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39)، وقوله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المتَّقِينَ﴾ (البقرة: 193- 194)، وقال: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ (النساء: 75).

ذلك أنه حينما نزل الإسلام وحتى قبل الهجرة، كان القتال محظورًا بقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ (المؤمنون: 96)، وقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ (المائدة: 13)، وقوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10)، وقوله: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ (الغاشية: 22). 

هذا خير دليل على أن الإسلام لا يبيح الاعتداء، وإنما يبيح "رد الاعتداء"؛ ذلك أن قتال المشركين كان بعد بعثه -صلَّى الله عليه وسلَّم- بثلاث عشرة سنة(27)، وذلك حينما نزلت أول آية تأذن له بالقتال، وهي قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ (الحج: 39). تجدر الإشارة إلى أن آية الإذن بالقتال نزل معها أيضًا قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ (الحج: 41)، ولا شك أن قوله تعالى: ﴿وَأَمَرُوا بِالمعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المنْكَرِ﴾ (الحج: 41) فيه دلالات عديدة، كلها سديدة بخصوص أخلاقيات الجهاد؛ منها: 

- أن أول آية أذنت بالقتال تحتم عدم الخروج عما هو حسن، وترك ما هو منكر. 

- أن تلك الآية تعني عدم قتال من لا يقاتل؛ لأن ذلك يتعارض مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

- لذات السبب تبيح الآية قتال المعتدي؛ لأن ذلك يتفق مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(28).

- أن الآية تحتم عدم قتل من لا يقاتل، ومعاملته بإنسانية ورحمة؛ لأن هذا يتفق مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

وهكذا على كل من يدقون الطبول الزائفة أن الإسلام انتشر بالسيف أن يعوا أن ذلك تقرر فقط عند حدوث اعتداء على الإسلام والمسلمين.

سابعاً: يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13). 

ولاشك أن التعارف يكون -أساساً- بالسلم، لا بالقتل أو القتال، إذا لم يوجد ما يدعوا إليه. ونحن نعتقد أن هذه الآية الكريمة تشير إلى أن خَلْقَ بني البشر من أهدافه التعارف وتبادل العلائق الضرورية لهذا التعارف. ولا جرم أن ذلك يكون -بداهة- بالطرق السلمية؛ إذ لفظة «لتعارفوا» لا يمكن أن تقارب البتة كلمة «لتتقاتلوا».

ثامناً: أن المتأمل لآيات القتال في القرآن الكريم يلحظ أنها تدور حول محورين أساسين، هما: أن يكون القتال في سبيل الله، وأن يكون رداً على اعتداء: 

* فالقتال في الإسلام يكون «في سبيل الله»، ولا شك أن هذا السبيل لا يمكن أن يكون بظلم الآخرين (عن طريق شن الحرب عليهم). والآيات القرآنية كثيرة متظاهرة للتدليل على ذلك، منها قوله تعالى: 

- ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ (التوبة: ١١١).

- ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 244).

- ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ (النساء: 76).

٭ كذلك تدل مجموعة كبيرة أخري من الآيات القرآنية على أن اللجوء إلى القتال يكون لرد اعتداء موجه ضد الدولة الإسلامية. من ذلك قوله تعالى: 

- ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 39-40). 

- ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المتقينَ﴾ (البقرة: 194). 

- ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (النساء: 75). 

تاسعا: هل هناك أفضل -لتأييد رأينا- مِمَّا قاله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، حينما بعث علياً  مبعثاً، فقال له: «امض ولا تلتفت؛ أي لا تدع شيئاً مِمَّا آمرك به، قال: يا رسول الله كيف أصنع بهم؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً، فإن قتلوا منكم قتيلاً فلا تقاتلوهم حتى تريهم إياه، ثم تقول لهم: هل لكم أن تصلّوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم أن تخرجوا من أموالكم الصدقة؟ فإن قالوا: نعم فلا تبغ منهم غير ذلك. والله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مِمَّا طلعت عليه الشمس وغربت»(29). 

عاشرا: مِمَّا يؤكد أن الحرب ليست هي الغرض الأساس للإسلام: ما ذكره العامري بخصوص الجهاد؛ إذ يقول: إن الحروب على أنواع ثلاثة: الجهاد والفتنة والتصعلك: 

«فأما الجهاد فهو الذي يتولاه عمار البلاد، وساسة العباد من الدفاع عن الدين والصيانة للمراتب.

وأما الفتنة فهو ما يقع بين طبقات الأمم من الهيج والقتال؛ لتعصب بلدي أو تعصب نَسَبي.

وأما التصعلك: فهو ما يقصد به من انتهاب المال، واستلاب الأملاك.

فالنوع الأول نتيجة القوة التمييزية، وهو محمود عند ذوي الألباب. وأما النوعان الآخران فأحدهما نتيجة القوة الغضبية، والآخر نتيجة القوة الشهوية، وكلاهما مذموم عند ذوي الألباب»(30). 

حادى عشر: أن خير دليل يؤيد رأينا (أن أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي السلم الذي يدعمه الردع المسلح): قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60)؛ إذ تدل هذه الآية على أن الغاية أو الغرض من إعداد القوة هو «تخويف أو إرهاب» العدو؛ أي ردعه. بعبارة أخرى لما كانت أية حرب لا تتم إلا بالقوة، فإن الغرض من القوة في الإسلام ليس هو الاعتداء على الآخرين؛ بل ردعهم. أما إذا قاموا بعدوان، فهنا تكون الحرب لا محالة؛ إذ في هذه الحالة يكون استخدام القوة - المعدة سلفاً - أمراً واجباً.

ومِمَّا يؤيد رأينا أن الآية السابقة قالت: إن غرض إعداد القوة هو «ترهبون» به عدو الله وعدوكم، ولو كان المقصود من الحرب في الشريعة الإسلامية أن تكون هي أساس العلاقة مع غير المسلمين ابتداء لكان الله سبحانه وتعالى قد استخدم كلمة «تعتدون على» أو «تحاربون». 

والآية تعني "إعداد القوة". والإعداد: "اتخاذ الشيء في مَهَلٍ لوقتِ الحاجة"(31).

أما القوة (أو العدة) فهي: "مما يتخذ للحرب من أسبابه وآلاته كالخيل والإبل والسلاح من السيوف والرماح... والمدافع والرصاص والبارود ونحوها ولقولهم في النظر إلى ذلك كله محل ووجه لا يأباه العقل»(32). فالمقصود إذن «أي قوة كانت، مِمَّا يتقوى به في الحرب»(33). فالآية شملت بعمومها: «لجميع ما يعد للجهاد»(34). 

والغرض من هذه القوة يتمثل في أمرين: 

1- المحافظة على دولة الإسلام: يقول النزوي معلقا على قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾: فينبغي لمن أراد مصادمة الأقران، ومطاعنة الفرسان أن يرتبط الخيل؛ ليحامي بها عن الدين، ويعدها ليعز بها دولة المسلمين (35).

2- تنفيذ الحاكم لواجبه الأساسي في حياطة الدولة والرعية(36)؛ وذلك بدفع أعدائها عنها(37).

أما قوله تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 60) فهي تعني «تخيفون»(38) أعداء المسلمين؛ ذلك «أن المسلمين إذا تأهبوا للدفاع عن أنفسهم ودينهم بكل ما يستطيعونه من آلة حرب فهو يخيف مَنْ عَلِم من أعدائهم ومن لم يعلموا»(39).

وقد بين النبي  الأثر اللازم لعدم توافر نظرية الردع وعدم اعتماد الدولة الإسلامية عليه كأساس من أسس سياستها الخارجية، ويتمثل ذلك الأثر (وهو الأمر المتوافر حالياً بالنسبة للكثير من الدول الإسلامية المعاصرة) في عدم خوف الآخرين من قوة الدول الإسلامية، وبالتالي الاعتداء عليها دونما قوة تردهم أو ترد عليهم. 

من ذلك الحديث المشهور عن رسول الله : «توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أمِنْ قِلّةٍ نحن يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت»(4).

ولا شك أن هذا الحديث(41)دليل على توقع مستقبلي للنبي ، يتفق مع واقع حال معظم الدول الإسلامية حاليًا.

وهكذا يكون أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو السلم ابتداء، والسلم انتهاء، والسلم ما بين ذلك، ما لم يحدث ما يبرر اللجوء إلى القوة لرد عدوان أو لدفع ظلم، فحينئذ يتحتم الجهاد.

هذا القول ليس إلى مرده سبيل ولا لمنكره من الشرع الحنيف أي دليل. إن شواهد الحال تشهد بصدق المقال في أن الحرب ليست هي أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم؛ إذ -كما سبق القول- الآثار ظاهرة والأخبار متظاهرة في أن السلم (الذي يدعمه الردع المسلح) هو الأقرب إلى شريعة المسلمين وليس هذا موضع تطويل في إيراد الدليل.

معني ما تقدم وحاصله أن القول بأن أصل العلاقة هي الحرب مطلقاً أو السلم مطلقاً هو قول وضع في غير محله، وهو فرض مدرسي نظري لا يتطابق وظروف الواقع. وإنما تكون العلاقة الحرب إذا توافرت شروطها، وتكون هي السلم إذا توافرت أركانه. فالإسلام يحبذ حل المنازعات بالطرق السلمية، أما الحرب فهي آخر دواء للداء.

وقد أخذ بهذا الاتجاه رأي في الفقه الإباضيّ الحديث، ويمثله أساسا الإمام الشيخ بيوض؛ إذ يقول: إن «الحرب حالة ضرورية استثنائية تقدر بقدرها»؛ إذ «الأصل في الدنيا هو السلم» كما أن حرب المسلمين «هي حرب دفاع لا هجوم»(42).

ويقرر أيضا هذا الاتجاه -في عبارة وجيزة- أن: "حروب الإسلام كلها دفاع"(43).

كما أن: "قتال المشركين معلل بالحرابة وليس باختلاف الدين"(44).

فالأصل في علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب هو السلام، قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ (الأنفال: 61﴾(45). 

ومن الآراء التي تأخذ بهذا الاتجاه ما جاء في معجم مصطلحات الإباضيّة: 

«والنظر في النصوص القرآنية، وفى عمل رسول الله  في ظل الوضع العالمي الراهن يقتضي أن يكون التعامل مع المشركين على مراحل هي: 

- دعوتهم إلى دين الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. 

- إن لم يقبلوا بالإسلام دينا تبرم معهم معاهدات، يتم بموجبها حماية الإسلام والمسلمين ومسالمتهم.

- إذا نقضوا العهد، ونكثوا الأيمان، أو طعنوا في الدين، أو تعرضوا للمسلمين بالضر وللإسلام بالاستخفاف، فإنهم بذلك قد أعلنوا الحرب، فتطبق عليهم أحكام آية السيف»(46). 

وهكذا يكون الإسلام - في الحرب والسلم - قد وضع على سلوك الدولة الإسلامية حدودا وعلامات حمراء لا يجوز تخطيها أبدًا(47)؛ أعني ضرورة الالتزام بالقواعد المقررة في الشريعة وعدم جواز الخروج عليها؛ ذلك أن الغاية لا تبرر الوسيلة أو الواسطة في الإسلام.

فلا يتوصل مثلا للنصر بالغدر، ولا يتوصل للفتح بنقض العهد، ولا يمكن أن يتم اللجوء إلى اعتداء للحصول على حقوق الغير... إلخ. والذي يجعل الفعل مباحا أو ممنوعا هو الدليل الشرعي المقرر في مصادر الشريعة ومواردها، وليس النتائج التي تترتب عليه أو الغايات المستهدفة. فالوسيلة والغاية حكمها يتوقف على حكم الشرع نفسه، ولذلك قيل: "الوسيلة إلى الحرام حرام"، وكذلك: "كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"(48). 

بهذا تكون قواعد السلام والحرب في الإسلام بمثابة المرآة العاكسة لكل قواعد وآداب الإسلام الكلية ومبادئه العليا وأصوله الثابتة، والتي تدعو إلى السلم، بل وتحرم مجرد ترويع الآدميين أو تخويفهم وتدعو إلى المحبة والمجادلة بالحسنى(49). 

تلك إحدى غايات الدين؛ بل قُلْ: غاية خلق الآدميين، التي أكدها قول رب العالمين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) مقدمة ابن خلدون، دار الشعب، القاهرة، ص241-248.

2) الشيخ الرقيشي: كتاب النور الوقاد على علم الرشاد، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، ص104. انظر أيضا: السيد مهنا بن خلفان البوسعيدي: كتاب لباب الآثار الواردة على الأولين والمتأخرين الأخيار، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، جـ 14، 1407-1987، ص161.

3) الإمام السالمي: تلقين الصبيان ما يلزم الإنسان، مكتبة الاستقامة، مسقط، ص118-119. 

4) وهكذا يتحدث البعض عن «الحرب وبدعة الدفاع»، وأنها لا يمكن أن توصف بأنها دفاعية أو هجومية مقرراً أن الحرب في الإسلام ليست دفاعية؛ وإنما حرب لإزالة العقبات عن طريق الدعوة (الشيخ أحمد محمود الأحمد: ما هي علاقة الأمة المسلمة بالأمم الأخرى، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عدد2، 1394-1974، ص157). ويذهب رأي إلى أن الكفار «يجب قتالهم ابتداء ودفاعاً» (عبد العزيز المحمد السلمان: الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية، ج3، الرياض، 1395-1975، ص58-81). لذلك يقرر رأيٌ أن القول بأن الجهاد في الإسلام هو «للدفاع فقط» بدعة منكرة مخالفة لإجماع علماء المسلمين قاطبة قبل هذا العصر؛ ذلك أن: «الجهاد القتالي مرحلة حتمية من مراحل الدعوة إلى الله، وهو-الجهاد- الذي ينشرها ويوسع قطرها، ويكثر أتباعها، ويعز شأنها، وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في العهد المدني أكبر دليل على ذلك» (د. على بن نفيع العلياني: أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه، دار طيبة، الرياض، 1405-1985، ص318-349، 514-516).

5) أخرجه أبو داود في سننه (2532) والبيهقي في السنن الكبرى ج9، في الغزو مع أئمة الجور؛ وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (2532).

6) أخرجه البخاري في صحيحه (392). 

7) النووي: روضة الطالبين، المكتب الإسلامي، ج10، ص208-209.

8) راجع أيضاً: الرد على من قال: إن دين الإسلام ظهر بسبب القتال والقهر والغلبة وسلب الذراري والأموال، في الإمام القرافي: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، تحقيق د. بكر زكي، مكتبة وهبة، القاهرة، 1407-1987، ص263-267.

9) الشوكاني: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، جـ4، ص518-519.

10) الإمام الجويني: غياث الأمم في التياث الظلم، دار الدعوة، الإسكندرية، 1979، ص144، 154.

11) وهكذا يقول الإمام الخطابي: «وأما قوله سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256] فإن حكم الآية مقصور على ما نزلت فيه من قصة اليهود، فأما إكراه الكفار على دين الحق فواجب، ولهذا قاتلناهم على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية ويرضوا بحكم الدين عليهم» (الإمام الخطابي: معالم السنن-وهو شرح سنن الإمام أبي داود، جـ2، المكتبة العلمية، بيروت، 1401-1981، ص287).

12) وهكذا قيل: إِن الآية المذكورة منسوخة بآية القتال، وأنه يجب أن يدعي جميع الأمم إلى الدخول في الإسلام فإن أبي أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يُقتل لقوله تعالى: ﴿سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ (الفتح: 16). - ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ (التوبة: 73). - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ (التوبة: 123) (تفسير ابن كثير، ج1، ص311). ويقرر أحد أنصار هذا الاتجاه أنه ليس المقصود من قتال أهل دار الحرب حملهم على اعتناق الإسلام بالجبر والإكراه، فهذا ممنوع قال تعالي: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 256)؛ لأنه لو كان هذا هو المقصود لما شرع عقد الذمة وبموجبه تقر الدولة الإسلامية بقاء غير المسلم على عقيدته. فقتال المسلمين لدار الحرب هو لإخضاعهم لسلطان الدولة الإسلامية السياسي وإجراء أحكام الشريعة الإسلامية فيها. ويضيف رداً على من يستند إلى قوله تعالي: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190) أن المسلمين في قتالهم يستعملون حقاً لهم أو يقومون بواجب عليهم هو إزالة المنكر والفساد من الأرض المتمثل بهذه الكيانات الباطلة دار الحرب، ومن استعمل حقاً له أو قام بواجب عليه لا يصح وصفه بالاعتداء (د. عبد الكريم زيدان: الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، في كتابه مجموعة بحوث فقهية، مكتبة القدس-بغداد، مؤسسة الرسالة-بيروت، 1402-1982، ص56-60).

13) يقول صاحب ذلك الرأي:“De par la nécéssité des luttes qu’il eut à soutenir, le droit international ne pouvait donc, en toute logique, qu’être un droit de la guerre; le droit de la paix, de sa paix, ne s’en dégagera que plus tard, lorsque son élan se fut arrêté” (E. Rabbath: Pour une théorie du droit international musulman, R. egyp. DI, 1950, p10). 

14) بيان للناس من الأزهر الشريف، مطبعة المصحف الشريف، القاهرة، جـ2، 1988، ص368؛ الشـيخ محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة، دار الشروق، 1400-1980، ص453 وما بعدها؛ الشيخ محمد أبو زهرة: المجتمع الإسلامي في ظل الإسلام، المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، 1386-1966، ص404 وما بعدها؛ د. محمد كامل ياقوت: الشخصية الدولية في القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق-جامعة القاهرة، 1970، ص382-420. S. Mahmassani: The principles of international law in the light of Islamic doctrine, RCADI, vol. 117, 1966, I, p249, 278. بل يقرر الشيخ السيد سابق أن «حروب الرسول  كانت كلها دفاعاً، ليس فيها شيء من العدوان» (السيد سابق: فقه السنة، مكتبة الخدمات الحديثة، جدة، المجلد الثالث، الطبعة الثالثة، 1406 هـ، ص121). راجع أيضا:

(K. Saiyadain: Islam, in world religions and world peace, The international inter-religious symposium on peace, ed. by H. A. Jack, Beacon press, Boston, 1968, p50-51, 53)

15) بخصوص قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ (الأنفال: 61)، يقول الإمام الشعراني: إن «في ذلك ترجيحاً للصلح على القتل» (الشعراني: الميزان الكبري، المطبعة العامرة الشرفية، مصر، 1318هـ، جـ2، ص155.

16) يقول عبد الرحمن عزام: إن الحرب الدفاعية هي المباحة، وإن «ما جاء من قتال المشركين حيث وُجدوا، والإغلاظ عليهم، والقعود لهم كل مرصد، والتنكيل بهم من خلفهم، وشد الوثاق، هو ما كلفنا به بعد وقوع الحرب، فهو نتيجة لها لا سبب لإعلانها» (عبد الرحمن عزام: الرسالة الخالدة، دار الشروق، القاهرة، 1399-1979، ص118). د. عبد الفتاح حسن: ميثاق الأمم والشعوب في الإسلام، الجامع الأزهر، المحاضرات العامة للموسم الثقافي الأول، القاهرة، 1378-1959، ص283)، وانظر أيضاً أستاذنا الدكتور حامد سلطان: أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، ص112-115؛ د. عبد الخالق النواوي: العلاقات الدولية والنظم القضائية في الشريعة الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1394-1974، ص108؛ د. محمد سلام مدكور: معالم الدولة الإسلامية، مكتبة الفلاح، الكويت، 1403-1983، ص201.

17) راجع: M. A. Draz: La morale du coran, edition Al-Maaref, Le Caire, 1950, p625. ويقول الإمام القشيري: «بعث الله نبيه-عليه الصلاة والسلام-بالرحمة والشفقة على الخلق، ومسالمة الكفار» (لطائف الإشارات للإمام القشيري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1981، ج1، ص636).

18) مولاي محمد علي: الإسلام والنظام العالمي الجديد، ترجمة أحمد جودة السحار، مكتبة مصر، القاهرة، ص93.

19) الفتاوي الإسلامية الصادرة من دار الإفتاء المصرية، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1404-1984، ج10، ص3628؛ د. محمد أبو زيد: السلام في الإسلام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1400-1980، ص354. كذلك قيل إن الجهاد بالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان، راجع الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: الجهاد المشروع في الإسلام، مطابع علي بن علي، الدوحة-قطر، ص20.

20) بعد أن أشار إلى الحروب التي خاضتها الدول غير الإسلامية، وكذلك موقف الفقهاء منها، يقرر رأي أنه بالنظر إلى ذلك:“... il serait injuste d’accuser l’Islam, né quatorze siècles auparavant, d’avoir considéré, dans ses rapports internationaux, l’état de guerre comme l’état normal, ce qui n’est point d’ailleurs le cas” (A. Rachid: L’Islam et droit international, RCADI, 1937, II, p413).

21) بل يذكر البخاري باب «الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم». قيل: إنه  كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم: فالحالة الأولي حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم، والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجي تألفهم (فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، 1414-1993، ج6، ص208).

22) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في صحيحه (2966، 7237/ فتح)؛ ومسلم في صحيحه (1744).

23) الإمام السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، ج4، ص88؛ السيرة النبوية لابن هشام، المرجع السابق، ج1، ص447-448.

24) بخصوص هذه الآية يقول بعضهم: «هذا الأساس الذي وضعه القرآن وحده هو سر نهضته، وإن شئت فقل: هو نار ثورته بل هو نور هدايته، والروح الساري لإحياء العالم بدعوته... لأن سلطان الجيوش والحروب لا تعدو هياكل الأجسام والأشباح، أما سلطان هذا الكتاب فقد امتد إلى النفوس والأرواح» (د. عبد الله شحاتة: علوم التفسير، الهيئة العامة للكتاب، 1985، ص217-218). يقول أيضا الإمام الألوسي: «لا يتصور الإكراه في الدين؛ لأنه في الحقيقة إلزام الغير فعلاً لا يرى فيه خيراً يحمله عليه والدين كله خير... وقيل: إن المراد ليس في الدين إكراه من الله تعالى وقسر بل مبني الأمر على التمكين والاختيار ولولا ذلك لما حصل الابتلاء ولبطل الامتحان» الألوسي: روح المعاني، ج3، ص12-13، راجع أيضاً تفسير ابن كثير، ج1، ص310. ومن أفضل ما قيل للرد على شبهة أن الإسلام دين السيف: ما قاله بعضهم: «كانت مبادئ الإسلام أشد من كل سيف» (د. بكر زكي عوض: القتال-مشروعية وآداباً في الإسلام واليهودية والنصرانية، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، عدد 9، 1412-1991، ص251). ويقرر آخرون أن من واقعية التشريع السياسي الإسلامي «ما يقرره من استحالة التطابق بين وحدة المعتقد الديني الحق، والوحدة الإنسانية بين البشر، قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (يوسف: 103)، وقـال تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99)، وقال : ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ (الغاشية: 22). غير أنه يرى أن الوحدة الإنسانية غاية قصوى من الممكن تحقيقها» (د. فتحي الدريني: خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402-1982، ص296).

25) ذهب قتادة إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وأنه لم يبق معهم مجادلة وإنما يخيرون بين الإسلام أو الجزية أو السيف، وذهب آخرون إلى أنها باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين فيجادل بالتي هي أحسن (راجع تفسير ابن كثير، ج3، ص415).

26) عباس محمود العقاد: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، ص202. كذلك في رده على بعض المستشرقين الذين يذهبون إلى القول: إن الجهاد في الإسلام يعني محاربة غير المسلمين للانتصار عليهم باعتبار أنه واجب مقدس لنشر الإسلام، يقرر د. أحمد غلوش أن مثل هؤلاء الكتّاب يغفلون حتى المعني اللغوي لهذه الكلمة، والتي لا تساوي كلمة «الحرب»، فهذه الكلمة تعني استخدام أكبر قوة لرد المعتدي: “Jihad in Arabic means the exerting of one’s utmost power in repelling an enemy... In language Jihad is far from being synonimous with war” (A. Galwash: The religion of Islam, Islamic congress, vol II, 1959, p189). 

ويؤكد الشيخ شلتوت أن الإسلام لا يرى توقف إنهاء الحرب على أن يسلم المحاربون وحسبه أن يكفوا شرهم، وأن يتعهدوا بوقف الشر (الشيخ محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة، ص454).

27) الإمام السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، ج5، ص28.

28) يقول الشيخ محمد الخضري: إن الله تعالى أنزل آية: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا..﴾ ثم أمرهم بذلك في سورة البقرة: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ﴾ (البقرة: 190-191). ويضيف الشيخ محمد الخضري: "وبذلك لم يكن الرسول  يتعرض إلا لقريش دون سائر العرب، فلما تمالأ على المسلمين غير أهل مكة من مشركي العرب واتحدوا عليهم مع الأعداء أمر الله بقتال المشركين كافة بقوله في سورة التوبة: ﴿وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ (التوبة: 36)، وبذلك صار الجهاد عامًا لكل من ليس له كتاب من الوثنيين، وهذا مصداق قوله عليه السلام: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»"، الشيخ محمد الخضري: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، دار الكتاب الحديث، الكويت، 1988، ص72.

29) راجع شرح كتاب السير الكبير للشيباني، ط جامعة الدول العربية، القاهرة، 1971، ج1، ص78.

30) العامري: كتاب الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق د. أحمد غراب، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1387-1967، ص14، 156. انظر كذلك رده على من قال: إن الإسلام انتشر بالسيف، ص 18-192. كذلك قال ابن جزي: «إذا حُميت أطراف البلاد وسُدت الثغور سقط فرض الجهاد، وبقي نافلة» ابن جزي: قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية، عالم الفكر، القاهرة، 1406-1985، ص138. لذلك قيل: إن الجهاد هو الحرب الدينية الدفاعية The religious defensive war، وإنه لا تغيير لدين تحت تأثير السيف No conversion under pressure of the sword، راجع:

Dr. Ahmad Ghalwash: The religion of Islam, op. cit, vol. II, p183 ss.

31) سعيد الكندي: التفسير الميسر للقرآن الكريم، ج1، ص499.

32) المحقق الخليلي: تمهيد قواعد الإيمان، ج13، ص182-183.

33) أطفيش: تيسير التفسير، جـ5، ص355. ويضيف أيضًا: «والآن يجب على عامة الموحدين ولا سيما السلاطين وأتباعهم أن يستعدوا بالرصاص والبارود والمدافع، ويتعلموا ذلك تعلما كُلّيا محققا، ويعلموه الأجناد؛ لعلهم يزيلون بعض غلبة أهل الشرك. والآية شاملة لهذا بالمعنى والإلحاق والقياس، وكأنها نص فيه » ذات المرجع، ص356 

34) الشيخ الرقيشى: النور الوقاد على علم الرشاد، المرجع السابق، ص111. لذلك من القواعد الفقهية أن «الجهاد منوط بالقوة» معجم القواعد الفقهية الإباضية، ج1، ص421. 

35) النزوي: المصنف، المرجع السابق، ج11، ص29. 

36) يقول الرقيشي: «وأما العدة فهي الآلة التي تقوم بها الحرب من السلاح والخيل والإبل والبارود والرصاص والمدافع، وذلك من لوازم القتال، و(ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب)، وأقول: إن العُدّة لا تعتبر كثرتها وقلتها ومناصفتها؛ وإنما تعتبر كفايتها لتلك الوقعة فقط، وما يكتفى به في تلك الحادثة. وأقول: إن الزمان تغير والحالات والآلات تغيرت وتبدلت، فهذه الآلات الموجودة اليوم عند النصارى والدول من الطيارات والسيارات والمدافع والبنادق وغيرها لا توجد عند أهل عمان خاصة فينبغي أن ينظر لهم من أوجب الله عليه النظر فيهم، ويراعى لهم الأحوال، ويدافع عنهم عدوهم، ويحوطهم عنه بما يلهمه الله من المصالحة عنهم الجائزة شرعا؛ لأن قول الشارع : «من استرعاه الله رعية فلم يحطها أكبه الله على وجهه في النار» شامل لجميع الحياطة بالقتال والدفاع والمصالحة والتقية الجائزة جميعا». الرقيشي: كتاب النور الوقاد على علم الرشاد، ص107. 

37) يقول أطفيش: "سبب السبب ليس سببا حقيقياً، ومن ذلك: أعددت السلاح كي يجيء عدو فأدفعه، فإن مجيء العدو ليس سببا لإعداد السلاح؛ بل لدفع الأعداء المسبب عن مجيئهم» أطفيش: تيسير التفسير، جـ2، 1425-2004، ص215.

38) أطفيش: تيسير التفسير، جـ5، ص356. 

39) سالم بن خلفان: المرجان في أحكام القرآن، جـ4، ص41. 

40) سنن أبي داود ومنه كتاب معالم السنن للخطابي، دار الحديث، حمص، 1393-1973، جـ4، ص483-484. 

41) بحث ابن كثير هذا الحديث تحت عنوان: « إشارة نبوية إلى ما سيكون من تجمع الأمم ضد المسلمين استضعافاً لهم وطمعاً فيهم مع كثرة المسلمين ووفرة عددهم حينئذ » (ابن كثير: النهاية في الفتن والملاحم، دار الريان للتراث، القاهرة، 1986، ج1، ص69) 

42) لأهمية رأى الشيخ بيوض نذكر منه ما قاله بخصوص قوله تعالى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ (محمد: 4)، يقول في تفسيره لها: « قد يتوهم المتوهم أن الله تعالى أعطانا الحرية المطلقة لقتل الكفار كلما وجدناهم، كيفما كان الكافر مشركاً أو يهودياً أو نصرانياً، في حالة حرب أو حالة سلم. وضرب الرقاب كناية عن القتل؛ لأن القتل عندهم يومئذ بالسيف غالبا، وإن قد يكون بالطعن بالرمح أو الخنجر، فليس المعنى كلما لقيتموهم فاضربوا رقابهم؛ كلا؛ وإنما الذي يحدد لنا الوقت الذي تضرب فيه الرقاب هو قوله: [حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (محمد: 4)، وهذا ما يبدو لي أن أستشهد به، ولم أره في التفاسير، وقد رأيت تفسيرين أو ثلاثة، ولم يشيروا إلى هذا، وبين المفسرين خلاف. فقوله: ﴿حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾(الأنفال: 15) وقوله: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾(الأنفال: 67) هذه الآيات تبين وتحدد وقت ضرب الرقاب بوقت الحرب، وهكذا نفهم الآية، وافهموها جيداً؛ لأنها مزلق؛ إذ ربما يخطئ فيها من لا يتدبر فيقول: أنا وجدت كافرا في الطريق فقتلته؛ لأن الله تعالى: يقول ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ (محمد: 4)، كلا! ليس هذا هو مراد الله تعالى؛ وإنما الحرب حالة ضرورة استثنائية تقدر بقدرها، وللحرب أمد محدود، تبتدئ في أوله وتنتهي في آخره؛ إذ الأصل في الدنيا هو السلم» الشيخ بيوض: في رحاب القرآن، ج18، ص425-428. 

43) الشيخ بيوض: في رحاب القرآن، جـ4، ص485 (قاله في معرض تفسيره للآية 40 من سورة الحج). 

44) معجم القواعد الفقهية الإباضية، ج1، ص818. 

45) معجم القواعد الفقهية الإباضية، جـ2، ص1007. 

46) معجم مصطلحات الإباضية، ج1، ص549-550. 

47) فلم يفعل المسلمون مثلا ما كان يفرضه ملك الحبشة على المسلمين هناك؛ فقد كان يفرض عليهم أن يرسلوا له كل عام فتاة ينصرها (راجع: شهاب الدين الجيزاني الشهير بعرب فقهية: تحفة الزمان أو فتوح الحبشة، تحقيق فهيم شلتوت، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1974-1394، ص281). 

48) راجع: د. أحمد أبو الوفا: القانون الدبلوماسي الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1412-1992. ص412-413. 

49) انظر: د. أحمد أبو الوفا: الشريعة الإسلامية وظاهرة الإرهاب الدولي، مجلة البحوث والدراسات العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، عدد 19، 1991، ص5- 37.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/7/145

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك