من يحقّ له التّأويل؟ موقف ابن رشد وإخوان الصّفاء

بقلم: محفوظ أبي يعلا

“هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخرُ متشابهات، فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب”. [ سورة آل عمران، الآية 7].

 يرى ابن رشد أنّ التّأويل بالمتشابهات يحتاج جهدًا لا ينبغي أن يتكلّفه إلّا الخاصّة من النّاس وهم البرهانيون بالطبع وبالصناعة. كما أنّ تأويلهم لا يصحّ إذاعته للعامّة من النّاس، لأنّ ذلك يؤدي إلى التّفرق وإلى ظهور الفرق الكلاميّة. وإذا كان التأويّل ممكنًا فما الغاية منه؟ يجيب ابن رشد: لأنّ ظاهر الشرع قد يعارض البرهان أو العلوم الفلسفيّة البرهانيّة، لذا فإنّ الحلّ هو التّأويّل: “تأويل أهل البرهان لذلك الظاهر بصورة يتّضح منها أنّه في حقيقته لا يتعارض مع ما يؤدي إليه البرهان” [1] .

 غير أنّ ابن رشد ينبّه مع ذلك على أنّه ليس يجب أن تحمّل ألفاظ الشرع كلّها على ظاهرها ولا أن تخرج كلّها عن ظاهرها بالتأويل. لذا اختلف العلماء في المؤول منها وغير المؤول وفق ابن رشد ممّا لم يجعل هناك إجماع على ما يجب أن يحمل على ظاهره من الشرع ولا على ما يجب تأويله.

 ولتوضيح الموضوع أكثر نقول: أن ابن رشد يصنف النصوص الدينيّة إلى ثلاثة أصناف على الشكل التّالي:

 1 ـ صنف لا مجال للتّأويل فيه البتّة وهو المتعلّق بالمبادئ الثلاثة التاليّة :
 أ ـ الإقرار بوجود الله تعالى.
 ب ـ الإقرار بالنبوات.
 ج ـ الإقرار بالسّعادة الأخرويّة والشّقاء الأخروي.

 2 ـ صنف يؤول بسبب تعارض ظاهره مع ما يؤدي إليه البرهان. بيد أنّ هذا التأويل واجب على أهل البرهان فقط. أمّا غير أهل البرهان فالواجب عليهم أخذه عن ظاهره.

 3 ـ صنف متردّد بين هذين الصنفين السّابقين. أي بين الصنف الأوّل المتعلّق بالمبادئ الّتي لا ينبغي تأويلها وبين الصنف الثاني الّذي يجب على أهل البرهان إعمال التأويل فيه. وفي هذه المسألة اختلاف. فهناك من يلحقون هذا النوع من النصوص بالصنف الأوّل، وآخرون يلحقونه بالصنف الثاني الّذي يؤول [2].

 وترتيبًا على ما سبق، فإنّ من يحقّ لهم التّأويل، حسب ابن رشد هم أهل البرهان الرّاسخون في العلم فقط. بل إنّ تأويلهم يكون واجبًا في حالات وجائزًا في حالات أخرى . في حين أنّ الجمهور والعامّة لا يحقّ لهم التّأويل البتّة إذ فرضهم الإيمان بالظاهر كما هو [3]. و أكثر من ذلك، فإنّ ابن رشد يرى أنّ إفشاء التّأويل للجمهور يشوش على عقيدتهم، وقد يؤدي بهم إلى الكفر. يقول ابن رشد في هذا الصدد : “والتأويل الفلسفيّ اليقينيّ ليس ينبغي أن يصرّح به لأهل الجدل فضلاً عن الجمهور. وإذا تعلّق الأمر بظاهر من الشّرع فيه إشكال على الجمهور وغير ممكن تأويله فيهم فينبغي أن يقال فيه: إنّه متشابه لا يعلمه إلا الله” [4]. 

 إنّ المشكلة الّتي تترتب عن إفشاء التّأويل حسب ابن رشد هي قيام الصراعات المذهبيّة وظهور الطوائف والفرق الإسلاميّة من أشعريّة ومعتزلة وغيرها. فلجوء هؤلاء الفرق إلى التأويل جعلهم يتناحرون ويتصارعون“حتّى كفّر بعضهم بعضًا وبدّع بعضهم بعضًا (...) فأوقعوا النّاس من قبل ذلك في شنآن و تباغض وحروب وفرّقوا الشرع وفرّقوا النّاس كلّ التفريق” [5].

 إذن إنّ إفشاء التأويل للجمهور مزّق الدّين، ولم يوظّفه المتكلمون إلّا من أجل استمالة النّاس لأغراض سياسيّة بالأساس، وليسـت لحفظ العقيدة. وهنا يقول الجابري: إنّ التأويل هو عمليّة سياسيّة أو قل: ممارسة للسياسة بواسطة الدّين. بل إنّه كان الوسيلة المفضّلة لممارسة السياسة [6].

 و لئن كانت أفكار ابن رشد الّتي ذكرتها حول التأويل والرّاسخين في العلم مشهورة ومعلومة في الأوساط الفكريّة والأكاديميّة، فإنّني لن أتوقّف عندها في هذا المقال، بل سأسرد موقف جماعة فلسفيّة قلّما يتم ذكرها، وهي جماعة إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء . فما الّذي قالته هذه الجماعة الفلسفيّة في موضوع التأويّل؟ ومن حسب رأيهم يحقّ له أن يقوم بالتّأويل؟ ألا يمكن أن يكونوا قد سبقوا ابن رشد في تحديد ما هو واجب على الخاصّة وما ليس بواجب على العامّة؟

 يقسّم إخوان الصفاء العلوم إلى ثلاثة أجناس: رياضيّة وشرعيّة وفلسفيّة. ويدخلون علم التأويل في الجنس الثاني، أي في العلوم الشرعيّة الّتي وضعت لطب النّفوس وطلب الآخرة. و هذه العلوم تنقسم إلى ستّة أنواع: أوّلها علم التّنزيل، و ثانيها علم التّأويّل والثالث علم الروايات والأخبار، والرّابع علم الفقه والسّنن والأحكام. والخامس علم التّذكار والمواعظ والزّهد والتّصوف، والسّادس علم تأويل المنامات . ويوضّحون فكرتهم هذه بما يلي: “فعلماء التّنزيل هم القرّاء والحفظة، وعلماء التأويّل هم الأئمّة وخلفاء الأنبياء، وعلماء الرّوايات هم أصحاب الحديث، وعلماء الأحكام والسّنن هم الفقهاء ..إلخ ” [7] .

 إذن فهم يعتبرون أنّ علماء التّأويل هم الأئمة وخلفاء الأنبياء. فهل المقصود بالأئمة هنا ما يوافق الفكرالشّيعي في مفهوم الإمامة أم إنّهم يقصدون العلماء بصفة عامّة؟ إنّنا حين نرجع لنصوصهم الأخرى نجدهم يربطون الإمامة بالعقل، ونجد أنّ فكرة الإمامة لم تأخذ في رسائلهم حيزًا يذكر، و لم يتعرّضوا لها إلّا لمامًا. فيقولون في إحدى رسائلهم: “وأعلم أنّ مسألة الإمامة هي أيضًا من إحدى أمّهات مسائل الخلاف بين العلماء، قد تاه فيها الخائضون إلى حجج شتّى، وأكثروا فيها القيل والقال، وبدت بين الخائضين فيها العداوة والبغضاء، وجرت بين طالبيها الحروب والقتال (...) اعلم أنّ الأمّة كلّها تقول إنّه لا بدّ من إمام يكون خليفة لنبيّها في أمّته بعد وفاته، وذلك لأسباب شتّى وخصال عدّة: أحدهما هو أن يحفظ الإمام الشريعة على الأمّة، ويحيي السنّة في الملّة (...) وخصلة أخرى هي أن يَرجع فقهاء المسلمين وعلماؤهم عند مشكلاتهم في أمر الدّين إليه، وعند مسائل الخلاف، فيحكم هو بينهم فيما هم فيه يختلفون ... ويصدرون كلّهم عن رأيه وتدبيره ... فهذا هو الأصل المتّفق بينهم في حاجتهم إلى الإمام” . إنتهى كلام إخوان الصفاء. إنّنا إلى حدود هذه الكلمات نجد أنّ إخوان الصفاء يعبرون عن الرأي القائل بضرورة وجود الإمام. بيد أنّنا في نصوص أخرى نجد أنّ الشروط الواجبة توفّرها في الإمام مستحيلة. فيقولون: “وأمّا من ينبغي أن يكون الإمام، ومن هو، فهم فيه مختلفون على رأيين ومذهبين. فمنهم من يرى ويعتقد أنّه لا ينبغي إلّا أن يكون أفضلهم كلّهم بعد نبيّها [أي نبيّ الأمّة] وأٌقربهم إليه نسبة، و يكون قد نُص عليه، ومنهم من يرى بخلاف ذلك (...) واعلم أنّ الإمامة إنّما هي خلافة، والخلافة نوعان : خلافة النبوة وخلافة المُلك... ونحتاج إلى أن نذكر أولاً خصال النبوة قبل خصال المُلك فنقول: إنّ أوّل خصال النبوة الوحي... ثمّ إظهار الدعوة في الأمّة، ثمّ تدوين الكتاب المنزل بالألفاظ الوجيزة، و تبين قراءته في الفصاحة، ثمّ إيضاح تفسير معانيه وبلوغ تأويله، ثمّ وضع السنن المركبة (...) فأمّا خصال المُلك فأوّلها أخذ البيعة على الأتباع المستجيبين ... وجباية الخراج والعشر والجزية من الملّة (...) ثمّ اعلم أنّ الله تعالى قد جمع لنبيّه محمدعليه الصلاة والسّلام والتحيّة خصال المُلك والنبوة جميعًا ... ولمّا أضاف إلى نبّوته الملك لم يضفها لرغبته [ أي لرغبة النّبي] في الدّنيا وحرصه عليها، ولكن أراد الله تعالى أن يجمع لأمته الدّين والدّنيا جميعًا(...). انتهى كلام إخوان الصفاء.” ويقولون في مقطع آخر: “ وأمّا سبب اختلافهم في الأئمة الّذين هم خلفاء الأنبياء عليهم السّلام في أممهم بعدهم، فمن أجل أن صاحب النّاموس يحتاج في وضعه للنّاموس وتتميمه وتكميله إلى نيف وأربعين خصلة من الفضائل البشريّة والمُلكيّة جميعًا، فإذا أحكم صاحب النّاموس أمر الشريعة وسنن الدّين ومنهاجه، وبيّن المنهاج وأوضح الطريق، ومضى لسبيله بقيت الخصال وراثة في أصحابه وأنصاره الفضلاء من أمّته، و لكن لا تكاد تجتمع كلّها أجمع وراثة في واحد منهم، ولا يخلو أحد من شيء منها” [8].

 ونلاحظ في هذه المقاطع من رسائل إخوان الصفاء أنّهم يقوضون نظريّة الإمامة. لأنّ الإمامة حسب نظرهم هي خلافة نبوّة وخلافة ملك، والنّبوّة والملك يحتاجان إلى ما يزيد عن أربعين خصلة من المستحيل اجتماعها في شخص واحد بعد الرّسول الأعظم، وإنّما تتفرّق بين أصحاب الرّسول وفضلاء الأمّة. يقولون: “فإذا اجتمعت تلك الأمّة بعد وفاة نبيّها، وتعاونت وتعاضدت وتناصرت مع ائتلاف القلوب... بقوا هادين راشدين منصورين على أعدائهم، سعداء في الدّنيا والآخرة جميعًا. ثمّ إذا مضى أولئك على منهاج الّذين تقدموهم، خلفهم من بعدهم قوم آخرون من ذرياتهم وتلامذتهم، متمسكين بسننهم في أي بلد كانوا، وأي منازل نزلوا، هادين راشدين” [9].

 ويعلّق الأستاذ فراس السواح على هذا النّص بقوله: وأغلب الظّن هنا أنّ الإخوان يشيرون إلى أنفسهم وتنظيمهم الّذي يقوم بجميع مهام الإمامة، وإلى مذهبهم الّذي يقوم على حكم العقل. لذلك نجدهم يقولون في مقطع آخر: “واعلم أنّ العقلاء الأخيار إذا انضاف إلى عقولهم القوّة بواضع الشريعة، فليس يحتاجون إلى رئيس يرأسهم ويأمرهم وينهاهم ويزجرهم ويحكم عليهم، لأنّ العقل والقدرة لواضع النّاموس يقومان مقام الرئيس الإمام، فهلم بنا أيّها الأخ أن نقتدي بسنّة الشريعة، نجعلها إمامًا لنا ...”.

 وترتيبًا على ما سبق، يتبيّن لنا أنّ إخوان الصفاء قوَّضوا مفهوم الإمامة الشيعيّة، وجعلوا من الصعوبة بمكان ظهور الإمام. فضلاً عن ذلك، اعتبروا أن الإمامة هي في تنظيمهم وفي مذهبهم الّذي يقوم على حكم العقل.

 وإذن يمكن أن نستنتج أنّ المقصود بالأئمة الّذين يحقّ لهم التّأويل هم الرّاسخون في العلم أو العلماء ورثة الأنبياء. ونجد نصوصًا أخرى تدعم هذا الرأي في رسائلهم. فقد قالوا: “وأولى علوم الدّين بالمتوسّطين بين الخاصّة والعامّة هو التفقّه في أحكامها، والبحث عن السيرة العادلة، والنظر في معاني الألفاظ مثل التّفسير والتّنزيل والتّأويل والنّظر في المحكمات والمتشابهات، وطلب الحجّة والبرهان، أن لا يرضى من الدّين تقليدًا إذا كان يمكنه الاجتهاد ودقّة النّظر.” وأيضًا: “والّذي يصلح للخواص البالغين في الحكمة الراسخين في العلوم من علم الدّين أن يطلبوه، ويليق بهم أن ينظروا فيه ويبحثوا عنه هو النّظر في أسرار الدّين وبواطن الأمور الخفيّة، وأسرارها المكنونة الّتي لا يمسّها إلّا المطهّرون من أدناس الشّهوات، وأرجاس الكِبر والرّياء، وهي البحث عن مرامي أصحاب النواميس في رموزهم وإشاراتهم اللّطيفة المأخوذة معانيها عن الملائكة وما تأويلها وحقيقة معانيها الموجودة في التوراة والإنجيل والزّبور...”. وأكثر من هذا نجد أنّ إخوان الصّفاء يحثّون أتّباعهم على الاجتهاد ووصول المراتب العليا من الفهم والعلم حتّى يصبحون من الرّاسخين في العلم، فيقولون: “فإنّ استوى أن تكون في أعلى المراتب وأعلى الدرجات، فلا ترضَ لنفسك بالدُّون، واجتهد في الطلب، فإنّ الّذين هم فوقك قد كانوا وليست هذه مراتبهم ثمّ اجتهدوا في الطلب وبلّغهم الله كما وعد قال: والّذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” [10]. فإذا من الممكن الوصول لمرتبة الرّاسخين في العلم الّتي تسمح لأصحابها بالتّأويل وبالنّظر في أسرار الدّين وبواطن الأمور الخفيّة عن طريق الاجتهاد في طلب العلم.

 وقد قادتني دراستي هذه إلى العثور على نصّ لإخوان الصّفاء يتشابه لحدّ مّا مع فكرة ابن رشد عن تصنيف النّصوص إلى ثلاثة أنواع . فقد قالوا: “ثمّ اعلم أيدك الله أنّ علم الدّين وآدابه وما يتعلّق به نوعان: فمنها ظاهر جليٌ، ومنها ما هو باطن خفيّ، ومنها ما هو بين ذلك”. ونجدهم يحدّدون ما يصلح للعامّة وما يصلح للخاصّة من النّظر في أمور هذه النّصوص، فاعتبروا أنّ أولى ما يصلح للعامّة من حكم الدّين وآدابه ما كان ظاهرًا جليًّا مكشوفًا، مثل علم الصلاة والصّوم والزّكاة..إلخ. وأمّا ما يصلح للخاصّة فهو النّظر في الرّموز وفي التّأويل وفيما هو خفيٌّ ".

 وبالمحصلة فإنّ إخوان الصّفاء يرون بالتّأويل، وأنّ هذا التّأويل يقوم به الرّاسخون بالعلم، وليس الأئمة المعصومون الّذين يستحيل وجودهم. كما نجدهم يحثّون على الاجتهاد في الطلب قصد القدرة على تأويل النّصوص الدّينيّة .

ختامًا، إنّ خصائص القرآن الكريم من قبيل توجهه إلى شرائح مختلفة من النّاس، وسموه على الزّمان والمكان، ولغته الروحانيّة ..إلخ. قد دعت بالضرورة إلى نشوء علم التّفسير والتّأويل. وإن كان علم التّفسير ينصب على المشكلات اللّغوية، و ترجيح المعاني، فإنّ علم التّأويل ينصبّ على كشف المستويات الباطنيّة للنّص القرآني. نستطيع أن نقول أنّ المفسّر كلّما تجاوز التّفسير الحرفي للقرآن الكريم إزداد توغلاً في التّأويل[11]. ولهذا فإنّ المفسّرين من أهل التّأويل يقرؤون الآية السّابعة من سورة آل عمران على أنّ الواو الواقعة بين الله والرّاسخون في العلم هي واو العطف وليست استئنافيّة. وبالتّالي، فالله والرّاسخون في العلم معه هم الّذين يعرفون تأويل الآيات المتشابهات. ويقول الأستاذ فراس السواح في هذا الصدد: أنّ هذا الرأي هو الأصوب لأنّه لا معنى لامتلاء القرآن الكريم الّذي أنزل لهداية النّاس كافة بآيات لا يعرف تأويلها إلا الله وحده [12]. وهذا الرأي نفسه قالته طائفة من السّلف وأهل السنة وأكثر أهل الكلام ... إذ رأوا أيضًا أنّ النّصوص دلت على معرفة معاني القرآن , و رأوا عجزاً و عيباً و قبحاً أن يخاطب الله عباده بكلام يقرأونه ويتلونه وهم لا يفهمونه [13]. غير أنّ ابن تيميّة يردّ على هذا الرأي فيقول أنّ أصحابه مصيبون فيما استدلوا به من سمع وعقل، لكنّهم أخطئوا في معنى التّأويل الّذي نفاه الله وفي التّأويل الّذي أثبتوه [14]. وقد ذكِر في كتب المتقدّمين أنّ مجاهد كان يعرض المصحف على ابن عبّاس من أوّله إلى آخره مرات، ويسأله عن كلّ آية، فكان ابن عبّاس يجيبه، ولا يقول له في آية معيّنة أنّ تأويلها لا يعلمه إلا الله. وهذا هو ما جعل مجاهد وابن قتيبة لا يتوقّفون عند حدود قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله)، بل جعلوا الوقف عند قوله (والرّاسخون في العلم ) [15]. ولهذا كان التّأويل حسب ابن رشد وإخوان الصّفاء من اختصاص العلماء الرّاسخين في العلم الّذين ذكرهم الله عزّ وجلّ في الآية السّابعة من سورة آل عمران كما تبيّن لنا في هذا المقال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ محمد عابد الجابري، فصل المقال لابن رشد، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، ص 63.

2 ـ المرجع نفسه ص ص 68- 69.
3 ـ المرجع نفسه ص 69. 
4 ـ ابن رشد، فصل المقال، دار المشرق ـ بيروت، ط 2،ص ص 52 و53.
5 ـ الجابري، مرجع سابق، ص 75. 
6 ـ الجابري، نفسه، ص 76.
7 ـ إخوان الصفاء، رسائل إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء، المجلّد الأول، دار صادر، ص 276.
8 ـ فراس السواح، طريق إخوان الصفاء، دار علاء الدّين، ط1، ص ص 229، 230، 231. 
9 ـ فراس السواح، نفسه، ص 231. 
10 ـ رسائل إخوان الصفاء، المجلّد الثالث، ص 512.
11 ـ فراس السواح، مرجع سابق، ص ص 6-7. 
12 ـ فراس السواح، مرجع سابق، ص 10. 
13 ـ ابن تيميّة، التّفسير الكبير، تحقيق وتعليق: عبد الرحمن عميرة، دار الكتب العلمية، ط 1، ص 107.
14 ـ ابن تيمية، نفسه، ص 107.
15 ـ ابن تيمية، نفسه، ص 104- 105. 

المصدر: http://www.alawan.org/article14296.html

الأكثر مشاركة في الفيس بوك