قيم الإسلام وأخلاقيات الحرب والسلام

إبراهيم محمد العناني

عانت الإنسانية منذ بدء الخليقة ويلات الحروب التي يعجز عنها الوصف، وقد أكد الباحثون والمؤرخون على أن أعوام السلام تقل كثيرا عن 1 % وبقية السنين كلها حروب أو نزاعات مسلحة؛ أي أن كامل حياة الإنسان تقريبا قضت في بيئة من القسوة والعنف والمعاناة، التي تتنافى تماما مع آدمية الإنسان وكرامته وحقه في الحياة السليمة الآمنة المطمئنة، التي ما خلق إلا محاطا بها ومتمتعا بخيراتها أصلا. غير أن ظلم الإنسان وجهله قد حطم هذا الأصل رغم توالي تذكيره بمعطياته ومتطلباته وجزاء الخروج عليها، عن طريق الشرائع السماوية، وخاصة خاتمة هذه الشرائع: الشريعة الإسلامية.

لقد أوضحتْ الشريعة الإسلامية، وأكدت سلوكيات المسلمين -بعد ذلك- على المبادئ والأسس الإنسانية للتعامل أثناء الحروب واحترام آدمية الإنسان في معاملة ضحايا الحروب وغير المشاركين في العمليات القتالية. ولم تدرك النظم البشرية الوضعية هذا التوجه الإنساني في العمليات القتالية وعدم المغالاة في استعمال أدوات القتل والتدمير والتعسف في استخدامها، والابتعاد بها عن الغرض الأساس من استخدامها، وهو إضعاف القوة العسكرية للعدو؛ لم تدرك تلك النظم ذلك إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. وقد توالت الجهود الدولية نحو تقنين مبادئ وقواعد التعامل الإنساني أثناء الحروب، والعمل على أنسنة العمليات الحربية، والتأكيد على أن القتل والتدمير ليسا غاية في ذاتهما؛ وإنما هما من الوسائل التي يجب استخدامها في أضيق الحدود وفق ضوابط ومعايير دقيقة، من حيث الأدوات المستخدمة والأشخاص الموجهة إليهم والأماكن المقصود توجيه تلك الأدوات إليها. وتبلورت الجهود المشار إليها في سلوكيات استقرت لتصبح قواعد عرفية، واتفاقيات دولية عامة؛ أهمها اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أغسطس 1949 والبروتوكولين المكملين لهذه الاتفاقات عام 1977.

وكان لفقهاء المسلمين الأوائل فضل السبق في شرح وتوضيح منهج الإسلام والمسلمين في التعامل الإنساني أثناء الحروب (النزاعات المسلحة). وقد دَوّن هؤلاء الفقهاء أو دُوّن عنهم ما ذكروه من تفسيرات وآراء فقهية حول المبادئ والأحكام الإسلامية ضمن مؤلفاتهم الفقهية أو في مؤلفات مستقلة عرفت تحت اسم السِّير أو الجهاد.

وإذا كنا نلمس في زماننا الحالي اهتماما متزايدا من قِبل المجتمع الدولي باحترام آدمية الإنسان -بغض النظر عن جلسه أو دينه أو لغته- فإن نظرة محللة لأسس وأبعاد هذا الاهتمام يتضح منها أنها لا تخرج عن المبادئ العامة ذاتها التي سبق وأرستها الشريعة الإسلامية، وإن كانت هذه الشريعة تحتفظ بكونها أعمق وأشمل من أي تنظيمات وضعية، محلية كانت أو دولية(1).

لقد كانت حاجة الأمم إلى الإصلاح عامة؛ بسبب تفشي الفساد في مشارق الأرض ومغاربها وفي مختلف مناحي الحياة، فجعل الله سبحانه وتعالى رسالة محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، خاتم الأنبياء عامة كذلك، ويندهش عقل الناظر في أحوال البشر حين يرى أن الدين الإسلامي قد جمع إليه الأمة العربية من أدناها إلى أقصاها في أقل من ثلاثين سنة، ثم يتناول من بقية الأمم ما بين المحيط الأطلسي وجدار الصين في أقل من قرن واحد، وهو أمر لم يحدث في تاريخ الأديان، ولذلك ضل الكثير في بيان السبب؛ بينما اهتدى إلى معرفته المنصفون فزال العجب وبطل. إنها رسالة الإسلام، ذلك الدين الذي " جاء به محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وعَقَلَهُ مَنْ وعاه من صحابته ومن عاصرهم، وجرى العمل عليه حينا من الزمن بلا خلاف ولا اعتساف في التأويل ولا ميل مع الشيع.."(2) وقد جاءت رسالة الإسلام دينا ودنيا، عقيدة وشريعة، عبادة ونظاما، بل لقد كانت ثورة اجتماعية ليس لها في الشرق أو الغرب أو في التاريخ القديم أو الحديث شبيهٌ(3).

عنيت الشريعة الإسلامية - من بين ما عنيت - بالإنسان وحقوقه، حيث ضمت مبادئ وأسساً تُبنى عليها كرامة الإنسان واحترام آدميته، بما يصلح وقت السلم ووقت الحرب على سواء. عنيت الشريعة الإسلامية بتحديد وتنظيم العلاقات بين البشر بعضهم مع بعض وكذا حكاما مع محكومين، وأوضحت ما يلزم اتباعه لحفظ المقاصد التي نزلت من أجلها كافة الشرائع السماوية. ومن أجل ذلك شرع الإسلام حقوقا للإنسان، ووضع ضمانات لاحترام آدميته؛ بأن زجر وعاقب على المساس بها ظلما وعدوانا. وقد انطلقت هذه الحقوق من، مجموعة من المقومات وأسست الضمانات عليها وتحددت أبعادها في إطارها. 

في ضوء ما سبق نعرض فيما يلي لأهم القيم الإسلامية ذات الصلة بأنسنة التعامل مع الإنسان بصفة عامة، ثم نعرض للمبادئ الأخلاقية التي أوجب الإسلام مراعاتها خلال الحرب والعمل في إطارها على إحلال السلام.

أولا: قيم الإسلام العامة الهادفة إلى احترام آدمية الإنسان

جاء اهتمام الإسلام بالإنسان واحترام، حاجياته والسعي إلى تحقيقها، من منطق تقدير الإسلام للإنسان فردا أو جماعات، وجاءت عنايةَ الإسلام بالمجتمع الإنساني، وعلاج مشكلاته منذ أن خلق الله آدم في الأرض؛ وذلك لأنه دين إنساني، جاء بتكريم الإنسان وتحريره، ففيه تتعانق المعاني الروحية والمعاني الإنسانية، وتسيران جنبًا إلى جنب، كما أن الإسلام لا يتصور الإنسان فردًا منعزلا ومنفصلا عن أقرانه؛ بل يتصوره دائمًا في مجتمع يتأثر به ويؤثر فيه. وقد أرسى الإسلام مجموعة من القيم والمقومات الكفيلة -باحترامها والعمل وفقا لها- بإبراز مكانة الإنسان في الإسلام سواء في ذلك وقت السلم أم وقت الحرب. ومن تلك القيم والمقومات نذكر: 

1- الكرامة الإنسانية: فقد رأت الشريعة الإسلامية أن بني الإنسان جميعا يستحقون الكرامة؛ قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾(4). وهو ما يوضح أن الإسلام عدّ تكريم الإنسان من دعائمه الأساسية، فأحاطه بعناية خاصة ووضعه موضع التبجيل والإعزاز؛ حيث خلق الإنسان مكرما في هذا الكون، خلق ليسود الكون ويسيطر عليه، وعُدّ الخليفة في الأرض. قال الله تعالى في محكم آياته ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾(5).إن هذه الآيات الكريمات تحمل معنى تمييز بنى الإنسان وتكريمهم؛ فقد فضل الله الإنسان على غيره من خلقه بأن جعله خليفة في الأرض، وسخر له من أجل ذلك كل ما في الكون وجعله تحت إمرته وسيطرته وطوع إرادته. قال سبحانه وتعالى: ﴿وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾(6)، وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾(7)، وقال تعالى: ﴿وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾(8).

ومن مظاهر تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان أن شكّله بحيث يتوافر لديه الاستعداد الكامل للعلم بكل شيء في الكون، فوهبه السمع والبصر والفؤاد وميزه عن باقي خلقه سبحانه بالعقل الذي يمكّنه من الاستقلال في إدراك حقائق الأشياء وأبعادها، فقد علّم آدم الأسماء كلها ولم يعلمها لغيره من الخلق بما فيهم الملائكة، وفضل بنى آدم على كثير ممن خلق تفضيلا. 

هذه الكرامة الإنسانية أوجبت الشريعة الإسلامية احترامها لبنى آدم عامة، دون أية تفرقة بينهم، واحترامها ليس بالأمر القاصر على حال الحياة؛ وإنما يمتد حتى إلى حال الموت، وليس وقت السلم فقط بل في وقت الحرب أيضا. وقد نهى الإسلام عن المثلة بالقتلى والموتى؛ لأنه منافٍ للتقوى ولاحترام آدمية الإنسان. فعن أنس قال: «كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يحث في خطبته على الصدقة، وينهى عن المثلة» رواه النسائي؛ وعن عمران بن حصين قال: «ما خطبنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة» رواه أحمد(9).

2- المساواة الإنسانية: سادت المجتمع الإنساني - ومنه المجتمع العربي - قبل الإسلام العصبية القبلية والجنسية، والتفاخر بالأنساب ومحاولات التمايز الفردي. ومن منطلق التكريم الإلهي للإنسان رفع الإسلام كل امتياز يفرق بين الأجناس البشرية، وقرر أن الجميع مِنْ خلق الله الواحد الأحد، وأنهم جميعا متساوون في الفضل وشرف الاستعداد لبلوغ أعلى درجات الكمال، الذي هيأه الله للنوع الإنساني عموما، على خلاف ما قد تزعمه بعض الأجناس من الاختصاص بمزايا حُرِم منها غيرهم، وتسجيل الخسة على أصناف زعموا أنها لم تبلغ من الشأن بحيث تلحق بهم، لقد عدّ الإسلام الناس جميعا أمة واحدة يتساوى فيها الجميع لتوحد الأصل، ومهما حاولت العصبيات والأهواء بث التفرقة أو التمايز فالإنسانية تضم الجميع في رحابها(10).

وقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بما يوضح هذه الحقيقة ويؤكد عليها باستفاضة. قال الله سبحانه وتعالى في أول سورة النساء: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة..." فالناس بأجناسهم المختلفة قد خلقوا من نفس واحدة، وهو ما يؤكد الأصل الواحد للبشرية جمعاء. وأوضحَ المعنى نفسه قولُه سبحانه وتعالى: ﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة...﴾(11)، وقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾(12).

خلق الله الخلق بين ذكر وأنثى أنسابا وأصهارا وقبائل وشعوبا، وجعل لهم منها التعارف وسيلة للتواصل؛ للحكمة التي قدرها وهو أعلم بها. فاختلاف الناس إلى شعوب وقبائل لم يكن ليؤدي إلى التقاتل والتنازع؛ وإنما كان بقصد التعارف والتعاون في إشباع الحاجات المتبادلة. ولهذا أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء للهداية والإرشاد وتلافى التنازع والخصام بين الشعوب والطوائف؛ حتى تتضح مظاهر التساوي في إطار الأمة الواحدة. قال سبحانه وتعالى: ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾(13).

ومن السنة النبوية ما يؤكد الأصل الواحد للإنسانية والتساوي بين البشر جميعا، فقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في خطبة الوداع: «يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى»(14)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» رواه مسلم(15).

ويقول فقيه الإسلام ابن تيمية: "إن إرادة العلو على الخلق ظلم؛ لأن الناس من جنس واحد، فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ظلم، والناس يبغضون من هو كذلك ويعارضونه،..."(16).

لا تعترف الشريعة الإسلامية -إذن- بوجود امتيازات خاصة لطائفة على أخرى، فالناس جميعا متساوون. ومن هنا كان نبذ الإسلام للعنصرية المتمثلة في اعتقاد التميز من قبل طائفة على أخرى بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو غيرها. 

وبالإضافة إلى الأدلة السابقة التي أوضحت مبدأ المساواة، والتي تضمنت أيضا ما يفيد رفض التمايز أو التعالي بين الناس -أي رفض التفرقة العنصرية-، يمكننا أن نشير أيضا، إلى أدلة أخرى لبيان ذلك: 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾(17)، وقال تعالى: ﴿وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير﴾(18).

ونشير كذلك إلى ما ورد من أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حضر إليه كبار قريش وخاصتهم وقالوا له: كيف نجلس إليك يا محمد وأنت تجلس إلى مثل بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وعمار وغيرهم من العبيد وعامة الناس؟ أطردهم عنك ونحن نحضر مجلسك ونسمع دعوتك، فرفض ذلك الرسول، فقالوا: فاجعل لنا يوما ولهم يوما. وعندئذ نزل قول الله تعالى: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين﴾(19)، فدلَّ ذلك على رفض أي شكل من أشكال العنصرية باعتبارها تتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية. 

وقد حارب الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- التفرقة في المعاملة، واستنكر من يعمل على هذه التفرقة أيا كان أساسها: اللون أو العنصر أو الجنس، ويتضح ذلك من مراجعة ما نقلناه عنه سلفا من أقوال وأحاديث، بالإضافة إلى قوله أيضا: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبيته»(20)، والعصبية المقصودة هنا هو أن ينصر الشخص قومه وهم ظالمون، أو يتضافر أهل وطن على ظلم آخرين، فالعنصرية أو العصبية للقبيلة أو الوطن أو اللون أو اللغة تنكرها الشريعة الإسلامية وتعدها من دعاوى الجاهلية. 

مما سبق يتضح أن الشريعة الإسلامية قد وضعت المساواة وعدم التمييز في مصاف الأسس والمبادئ العامة التي تحكم العلاقات والسلوك الإنساني، وبعبارة أخرى تمثل مقومات أساسية للنظام العام الإسلامي، التي يحظر الخروج عليها أو المساس بها في أي شكل من الأشكال. وبالتالي فهي ترقى بل وتسود على مختلف الحقوق والحريات الإنسانية الأخرى، بمعنى أن احترام الحقوق والحريات المقررة والمعترف بها للإنسان شرعا يتم تحت مظلة مبدأي المساواة وعدم التمييز. 

3- الرحمة والتسامح: ومن المبادئ الأساسية التي قامت عليها السياسة الإسلامية التي رسمتها الشريعة الإسلامية في العلاقة بين الناس بعضهم مع بعض، وبصفة خاصة في تعامل المسلمين مع غير المسلمين: مبدأ الرحمة والتسامح.

الرحمة من صفات الله سبحانه وتعالى، فهو الرحمن الرحيم. هذه الرحمة التي تمثل أصلا من أصول التشريع الإسلاميّ ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (المخاطبة هنا إلى رسول الله محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- هي أساس العمران، وما نزعت من قلب إنسان إلا صار مجردا من أبسط معاني الإنسانية، وما نزعت من قوم إلا كانوا وباء على الأرض. ولقد أكثر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من الحث على الرحمة فقال بعض الصحابة: "يا رسول الله، إنَّا نرحم أزواجنا وأولادنا"، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما هذا أريد إنما أريد رحمة عامة»، ورحمة العامة التي هي هدف الإسلام توجب مراعاة آدمية الإنسان، وإقامة العدل في كل الأوقات، وفي كافة الظروف. يقول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: «الراحمون يرحمهم الرحمن»، «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

ومن أجل بناء العلاقات الإنسانية السليمة بين الأفراد وبين الجماعات دعا الإسلام إلى التسامح المنطقي الذي لا ينطوي على استسلام للشر وإطلاق ليد الخارجين على النظام. ولقد وردت الآيات القرآنية موضحة أن دفع العداوة بالتسامح غير الذليل هو الذي يجلب المحبة والإخاء، ويضفي على العلاقات الإنسانية الهدوء والسلام، والتشجيع على احترام الحقوق المتبادلة، وتجنب العمليات الانتقامية أو الثائرة التي تدفع إليها الأحقاد، والتي في ظلها تهدد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾(21)، ويقول كذلك: ﴿خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾(22). قيل تعليقا على هذه الآية الأخيرة: إن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يسقط من الحقوق ما يقبل الإسقاط، حتى قالت عائشة -رضي الله عنها- في الصحيح: ما انتقم رسول الله لنفسه قط. 

ويراد بالعرف هنا المعروف من الدين المعلوم من مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال المتفق عليه في كل شريعة وأصولها الثلاثة، التي يقال: إن جبريل عليه السلام نزل بها: أن نصل من قطعنا؛ فلا شيء أفضل من صلة القاطع، فإنه يدل على كرم النفس، وشرف الحلم، وخلق الصبر الذي هو مفتاح خيري الدنيا والآخرة(23). وقال سبحانه وتعالى كذلك: ﴿ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مِمَّا يمكرون. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾(24)، وقد قيل في سبب نزول هذه الآيات الكريمات روايتان هما: 

الأولى: أنه لما كانت غزوة أُحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة، فيهم حمزة، فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم (أي لنقضين عليهم بطريقة أشد وأقوى وأقسى) قال: فلما كان فتح مكة أنزل الله آية ﴿وإن عاقبتم...﴾ فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-: «كفوا عن القوم إلا أربعة». 

الثانية: أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد ونظر إليه وقد مثل به، فقال: "رحمة الله عليك، فإنك كنت فعولا للخيرات، وصولا للرحم، ولو حُزْنُ مَنْ بَعْدَك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتَّى. أما والله مع ذلك لأمثلنّ بسبعين منهم، فنزل جبريل عليه السلام - والنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- واقف - بخواتيم النحل: بقوله تعالى: ﴿وإن عاقبتم...﴾ الآيات، فصبر النبي، وكفّر عن يمينه، ولم يمثل بأحد(25). ويتضح من تدبر هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى قد أجاز الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى، بما يؤكد جواز التماثل في القصاص (وأكد ذلك سبحانه وتعالى في مواقع أخرى بقوله في سورة البقرة(26): ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين﴾، وقوله في سورة الشورى(27): ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين﴾، إلا أنه قال: ﴿ولئن صبرتم لهو خير للصابرين﴾ إشارة إلى فضل العفو، بما يؤكد على أن التسامح والإخاء الإنساني هو الأبقى والأصلح ما دام ليس فيه ظلم أو إجحاف أو إذلال. ولقد أعطى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- المثل الأعلى في التسامح في علاقاته مع المشركين وغيرهم في معاهداته وحروبه، وفي معاملته لمن يقع تحت يده من أفراد المعادين له والمحاربين له، وكذلك في التعامل مع غير المسلمين الذين يتواجدون في دار الإسلام.

هذا، ويبرز جانب الرحمة والتسامح في مجال حماية الإنسان واحترام آدميته وقت النزاعات المسلحة؛ فقد أوجب الإسلام المعاملة الإنسانية للجرحى والمرضى والأسرى وغير المقاتلين، وهو ما نوضحه فيما بعد. 

ثانيا: أخلاقيات الحرب والسلام في الإسلام: 

الأخلاق هي لب رسالة الإسلام العظيم إلى البشرية كافة، فقد قال الله سبحانه تعالى واصفا خلق نبيه الكريم ﴿وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان عليه الصلاة والسلام يقول: "اللَّهُم كَمَا أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي"؛ وعن أنس -رضي الله عنه- قال "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أَحْسَنَ الناسِ خُلُقًا" وكانت صفاته الصدق والأمانة والفطنة والتواضع والكرم والصبر. ومن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام في تعاملاته مع خصومه: الحلم والصبر، ولم يلجأ إلى الغدر والمكائد والفتن لمحاربة أحد، أما أخلاقيات النبي في الحروب فإنها تمثل دستورا لكل محارب مسلم عبر العصور حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ إذ تتجاوز في عظمتها كل ما وضعته البشرية من قوانين وأعراف ومواثيق، والتي لم تطبق على أرض الواقع إلا في عصر النبوة، وكيف ينصر الضعيف حتى يحصل على حقه. وعلى رأس هذه الأخلاق الدفاع عن الحق بكل قوة ودون مجاملة أو ضعف أو تهاون، ومع ذلك فإن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- شدد على أن الأصل السلام، وعدّ الحرب هي الاستثناء في القاعدة، وذلك لحماية الحق والضعفاء ونشر دين الله(28).

إن الأزمات التي تتعرض لها البشرية من جراء الحروب لم تكن وليدة نقص فكري أو ثقافي أو اقتصادي بقدر ما هي وليدة أزمة أخلاقية، لذا جاءت جميع الرسل والديانات لترسيخ مبادئ الأخلاق السامية بين الشعوب، فهي تحرم الحروب من أجل الهيمنة والاعتداء على الغير، ودمار كافة المقومات البشرية لإرضاء شهوات ورغبات وميول فئات معينة نحو التوسع على حساب الأخرى، فقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مبيناً الغرض الأساس من البعثة النبوية: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ومكارم الأخلاق هذه هي النظام الأساس في حفظ حقوق الآخرين وعدم الاعتداء، وسلامة المجتمع، وبالتالي التقليل من الخسائر بما يضمن للآخرين التعايش بالصورة الصحيحة. وكانت سيرته -صلَّى الله عليه وسلَّم- تؤكد أن كل من هادَنَه لم يقاتلْه؛ سواء أكان من مشركي العرب أم من غيرهم(29). ومن أبرز الأسس الأخلاقية للحرب والسلام.

أ- حظر اللجوء إلى الحرب ابتداء: لم يشرع القتال في الإسلام إلا للدفاع، ودليل ذلك -رغم الاختلاف بين الفقهاء في التفسير- ما ورد في آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر القتال من بيان أن القتال لم يشرع إلا للدفاع عن النفس وحماية الدعوة إلى الإسلام في مواجهة المناهضين لها، مع النهي صراحة عن الاعتداء والأمر بحسن التعامل. جاء في سورة الممتحنة قوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾(30), وقوله تعالى في سورة الحج: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير﴾(31).

وعن عطاء بن يسار أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعث عليا -رضي الله عنه- مبعثا فقال له: "امض ولا تلتفت -أي لا تدع شيئا مِمَّا آمرك به- قال يا رسول الله! كيف أصنع بهم؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلا، فإن قتلوا منكم قتيلا فلا تقاتلوهم حتى تريهم إياه، ثم تقول لهم: هل لكم إلى أن تقولوا لا إله إلاَّ الله؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم أن تصلوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم أن تخرجوا من أموالكم الصدقة؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك. والله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مِمَّا طلعت عليه الشمس وغربت". وعن عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا بعث بعثا قال: "تألفوا الناس وتأنوا بهم، ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من مدر ولا وبر إلا وأن تأتوني بهم مسلمين أحبُّ إليّ أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم"(32).

وأنكر العديد من كبار المجتهدين وأئمة الإسلام في عهده الأول فرض القتال ابتداء، وأكدوا على تحريم حرب الاعتداء؛ إذ الحرب سيئة في ذاتها؛ لأن فيها هلاك خلق الله، وتخريب ما يحتاج إليه الإنسان في حياته من نعم الله، فهي في حقيقتها شر كبير؛ لكنه لا يفرض إلا للغاية الحميدة التي تبتغى من ورائه من إعلاء كلمة الله والقضاء على فساد المشركين وبغيهم(33).

كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُحلّ الإنسانيةَ محل الوحشية، والنظام محل الفوضى، والعدالة محلة القوة الخالصة. من هذا الجانب تراه -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد وضع قواعد واسعة عامة يمكن من خلالها الحد من نشوب الحروب وإمكانية التقليل من الخسائر عند اشتعالها، علماً أن هذه القواعد والأنظمة هي في حقيقتها أسس أخلاقية.

ب- من المبادئ الإسلامية السامية ضرورة الاستقامة في العلاقات الدوليّة، وتغليب الروح الإنسانيّة في تطبيقها، فيجب مراعاة العهود والمعاهدات والمواثيق، والمحافظة على رهائن العدو، وعدم قتلهم حتى ولو غدر العدو برهائن الأمة. فكان من أسمى المبادئ في القانون الدولي: (وفاء بغدر خير من غدر بغدر)، وهو من مخرجات مبدأ الوفاء بالعهد الذي يمثل أحد دعائم التعامل الإنساني في الإسلام، ومبدأ أن المعاملة بالمثل لا يتم إعمالها في حال الغدر والخيانة؛ حيث إن الخطأ لا يبرر الخطأ، لقول الله تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾(34) ومن مبادئ الإسلام الأساسية مبدأ (الضرورات تبيح المحظورات على أن تقدر بقدرها)، وأكد الإمام الشافعي موافقة ذلك للسنة؛ لأنه يحل الشيء في حال الضرورة فإذا انقضت الضرورة لم يحل"(35).

ج- العلاقة بين المسلمين وبين غير المسلمين تقوم أصلا على السلم وليس الحرب، والحرب ليست غاية في ذاتها، وقامت عالمية الإسلام على أسس راسخة من المساواة والتعاون والتآلف والعدالة وحماية الفضيلة بين الناس جميعا، وهذه الأسس تفرض أن تكون العلاقات الإنسانية تقوم على المودة والتكافل والإخاء، وأن الحرب لا تكون مشروعة إلا من أجل حماية الأمة من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وعلى هذا لم يشرع القتال في الإسلام إلا لدفع فتنة العدو وشره، فلا يجوز قتال إلا هؤلاء الذين يمثلون الفتنة ويكمنون الشر بالفعل أو القول.

في الإسلام‏ ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره‏﴾,‏ وفي معرض أخلاقيات القتال بين المسلمين والمشركين‏,‏ والذي استغرق جزءا كبيرا من سورة الأنفال‏,‏ نجد قوله تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم﴾,‏ وكذا: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين‏﴾(36).

وإذا كان السلم هو الأصل في الإسلام، وإذا كانت الحرب قد شرعت في الإسلام للأسباب والأهداف التي ذكرناها سابقًا؛ فإن الإسلام كذلك لم يترك الحرب هكذا دون قيود أو قانون، وإنما وضع لها ضوابط تحدُّ مِمَّا يُصَاحبها، وبهذا جعل الحروب مضبوطة بالأخلاق ولا تُسَيِّرُهَا الشهوات، كما جعلها ضدَّ الطغاة والمعتدين لا ضدَّ البرآء والمسالمين(37).

د- استقر الإسلام على أنه في حال القتال لا يحل قتل امرأة، ولا صبي، ولا شيخ فانٍ، ولا مُقْعد، ولا أعمى، ولا مقطوع اليد والرجل من خلاف، ولا مقطوع اليد اليمنى، ولا معتوه، ولا راهب في صومعة، ولا سائح في الجبال لا يخالط الناس، وقوم في دار أو كنيسة ترهبوا وطبق عليهم الباب، أما المرأة والصبي فلقول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا تقتلوا امرأة ولا وليدا»، وروي أنه عليه الصلاة والسلام رأى في بعض غزواته امرأة مقتولة فأنكر ذلك، وقال: "هاه ما أراها قاتلت فلم قتلت؟"، إلا إذا شاركوا أو حرضوا على القتال أو أبدوا الرأي والنصيحة فيه. أخرج أبو داود عن أنس أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «انطلقوا باسم الله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»(38)، وجاء في الأحاديث المأثورة عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعن أميري المؤمنين أبي بكر وعمر، -رضي الله عنهما-، ما اتخذه الفقهاء قاعدة في ذكر ما يجوز وما لا يجوز من أساليب القتال ووسائله. فقد أوصى أبو بكر -رضي الله عنه- حين بعث أسامة بن زيد إلى الشام بقوله: "لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تقعروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما أفرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقا اندفعوا باسم الله. وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى الله العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: باسم الله وعلى عون الله، وامضوا بتأييد الله بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا، وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند حمة النهضات وفي شن الغارات. ولا تغلوا عند الغنائم، ونزهوا الجهاد عن عَرَض الدنيا وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم(39).

ومن فتاوى فقهاء الإسلام تحريم التعرض للفلاحين والرعاة والرهبان والعجزة وأصحاب الصوامع في وقت الحرب، إلا إذا اشتركوا فعلاً في القتال، وتحريم التعرض للصغار والنساء حتى ولو تَتَرَّس (أي اتخذوهم دروعا) بهم الأعداء، ومنع التعرض لأي موقع قد يكون فيه بعض هؤلاء. كما قضى بعدم جواز تخريب شيء من أموال العدو وحيواناته وأشجاره، أو هدم أي معلم من معالم الأعداء مثل الأبنية والمعابد والكنائس(40).

وبصفة عامة فإنه لا يحل للمسلمين أن يفعلوا شيئاً مِمَّا يرجع إلى التخريب في دار الحرب أي في بلاد الأعداء؛ لأن ذلك فساد، والله لا يحب الفساد(41) واستدلوا أيضاً بقول الله تعالى: ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد﴾(42). 

في ضوء ذلك، توجه العمليات الحربية إلى فئات معينة تعرف في وقتنا الحالي بالمقاتلين ولا تُوجّه إلى غيرهم، ويوضح ذلك ما ورد في رواية ابن عمر -رضي الله عنه- من أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بعث يزيد بن أبي سفيان على جيش فخرج معه يوصيه فقال:

- "إنك ستلقى أقواما زعموا أنهم قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فذرهم وما فرغوا له أنفسهم". وأوضح الإمام محمد بن الحسن الشيباني أن هذا إذا أغلقوا أبواب الصوامع على أنفسهم فلا يُقتلون، أما إذا كانوا ينزلون إلى الناس ويصعد الناس إليهم فيصدرون عن رأيهم في القتال فإنهم يقتلون.

- "ولا تقتلن مولودا" ويقصد الصبي لقرب عهده بالولادة، فلا يقتل إذا كان لا يقاتِل.

- "ولا امرأة" إذا كانت لا تقاتل، فقد روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل إلى خالد يأمره بعدم قتل الذرية ولا العسيف (أي الأجير). 

- " ولا شيخا كبيرا"، وفي رواية " ولا فانيا" يعني إذا كان لا يقاتل، ولا رأي له في ذلك.

- "ولا تعقرن شجرا بدا ثمره، ولا تحرقن نخلا، ولا تقطعن كرما" وقد روى علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يوصي بذلك، وذكر أبو الحسن الكرخي الحديث بأكمله وقال فيه: "إلا شجر يضركم؛ أي يحول بينكم وبين قتال العدو".

- "ولا تذبحن بقرة ولا شاة، ولا ما سوى ذلك من المواشي إلا للأكل" لما روي أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله(43)، أي: لإطعام الجند.

وإذا كان الإسلام قد أباح استخدام كل ما يؤدي إلى كسر شوكة العدو من عتاد وعدد، فإنه قد حرّم إحراق العدو بالنار بعد ما يقدر عليه؛ أي بعد التغلب عليه وأسر جنوده، وهذا ما كان عليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-. فإذا توقفت الحرب أو انتهت فلا غدر ولا قتل لأسير، ولا يُجهز على جريح، ولا يُتبع فار، ولا يتعرض بسوء إلى أحد من أهل العدو؛ بل يعامل الجميع معاملة إنسانية ليس فيها أي إذلال أو إهدار للكرامة، وإنما تكون المعاملة أساسها الرحمة والعدل والإنصاف. 

وفي الحرب ضرب الرسولُ الكريم أروعَ المثل على الرحمة والعدل والتفضل ومراعاة أعلى آدابها الإنسانية؛ ففي قتاله -كما أوضحنا- لا يَغدر ولا يفسد ولا يَقتل امرأة أو شيخًا أو طفلا، ولا يَتبع مُدبرا، ولا يُجهز على جريح، ولا يُمثل بقتيل، ولا يسيء إلى أسير، ولا يلطم وجها، ولا يتعرض لمسالم، ففي حديث للرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة".

لقد أوجب الإسلام على المسلم احترام النفس البشرية في كل الأوقات وفي كل الأحوال‏,‏ سواء في السلم أو في الحرب‏,‏ فالإسلام لا يرفع الحصانة عن النفس البشرية إلا لأسباب واضحة‏,‏ والقرآن الكريم يقرر هذه الحصانة في العديد من آياته‏,‏ ومنها‏: ‏ قوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق‏﴾, وقد تجلى موقف الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من احترام الإنسان وعدم الإفساد في الحرب في فتح مكة‏,‏ عندما سمع سعد بن معاذ يقول‏: ‏ اليوم يوم الملحمة‏,‏ اليوم تستباح الدماء‏,‏ فقد أخذ الراية من يده وأعطاها لولده‏,‏ وأكد أن الحرب لا تستباح فيها الدماء إلا لضرورات‏.‏ بل إن الإسلام يأمر أتباعه بعدم وضع الأغلال في أيدي الأسارى، وأمر بتركهم أحرارا من دون تقييد أو تحديد لحركتهم، مع العلم أن ذلك ربما يطمعهم بالغدر؛ ولكن الشريعة آثرت الخلُق الرفيع، فكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يأمر بعدم التعرض للعاجزين والممتنعين عن الحرب بقوله: "ولا تصيبوا معسوراً" حيث يأمر الخلق الإسلامي بإطعامه والرفق به واحترام حقوقه كإنسان.

وفي إشارة أخرى إلى أساس أخلاقي آخر من أسس الشريعة السمحاء فقد أمر -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعدم التعرض لكبار السن والنساء والأطفال باعتبارهم غير محاربين، ولا يقوون على حمل السلاح، فعدّهم من غير المشمولين بالحرب والقتل، وأمر بعدم الغدر وألاّ يقتل إلا المقاتل، فقد نهى الإسلام عن قتل غير المقاتلين، قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(44)، قال الشوكاني: "وقال جماعة من السلف: إن المراد بقوله: "الذين يقاتلونكم" من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم".

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».

- عدم قتال العُبَّاد: فكان رسول الله إذا بعث جيوشه يقول لهم: «لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ»، وكانت وصيته للجيش المتجه إلى مؤتة: «‏اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ ‏تَغُلُّوا، ‏وَلاَ ‏تَغْدرُوا، ‏‏وَلاَ ‏تُـمَثِّلوا، ‏وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا، أَوِ امْرَأَةً، وَلا كَبِيرًا فَانِيًا، وَلا مُنْعَزِلاً بِصَوْمَعَةٍ».

- النهي عن قتل المدْبِر والإجهاز على الجريح؛ عن حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم فتح مكة: «ألا لا يُقتل مُدْبر، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن».

ولا شك في أن النهي عن قتل الضعفاء، أو الذين لم يشاركوا في القتال -كالرهبان، والنساء، والشيوخ، والأطفال، أو الذين أجبروا على القتال، كالفلاحين، والأجراء (العمال)- شيء تفرد به الإسلام في تاريخ الحروب في العالم، فما عهد قبل الإسلام ولا بعده حتى اليوم مثل هذا التشريع الفريد المليء بالرحمة والإنسانية، فلقد كان من المعهود والمسلّم به عند جميع الشعوب أن الحروب تبيح للمحارب قتل جميع فئات الشعب من أعدائه بلا استثناء. 

هـ- وفي معاملة الأسرى، روي أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حين فتح مكة مدح المهاجرين والأنصار على ما صنعوا من تخلية سبيل الأسرى؛ فقد روي عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حين فتح مكة أنه بعث خالدا إلى بني جزيمة فقاتلهم بعد ما سمع الأذان منهم، وبعد ما وضعوا السلاح، فأمر بهم فأسروا، ثم قال: ليقتل كل رجل منكم أسيره. فأما بنو سليم ففعلوا ذلك، وأما المهاجرون والأنصار فخلوا سبيل أسراهم. فبلغ ذلك رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: اللهم إني أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد ثلاث مرات، ثم أرسل عليا -رضي الله عنه- فدفع الدية لما أصابه خالد من قليل أو كثير، وقد مدح رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المهاجرين والأنصار على ما صنعوا من تخلية سبيل الأسرى(45).

ولا بأس بأن يفادى أسرى المسلمين بأسرى العدو الذين في أيدي المسلمين، فعن عمران بن الحصين -رضي الله عنهما- أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فادى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل. ولا بأس لأمير السرية أن يفادي الأسرى بالأسرى إذا طلب ذلك أهل الحرب، وطابت أنفس السرية بذلك، الرجال من الأسارى والنساء والصبيان في ذلك سواء ما لم يحكم بإسلامهم(46) وصار من القواعد المقررة جواز مفاداة الأسرى بالأسرى إذا طلب ذلك أهل الحرب وطابت أنفس السرية بذلك(47).

كما أن الإنفاق على الأسير وإكرامه ومساعدته مِمَّا يُثَاب عليه المسلمُ؛ وذلك بحكم ضَعْفِه وانقطاعه عن أهله وقومه، وشِدَّة حاجته للمساعدة، وقد قرن القرآن الكريم بِرَّهُ بِبِرِّ اليتامى والمساكين؛ فقال سبحانه وتعالى في وصف المؤمنين: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾(48)، قال البيضاوي: "مسكينا ويتيماً وأسيرًا يعني أسراء الكفار فإنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يؤتَى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه".

وكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقوم بشؤون الأسرى بنفسه، ويتعهدهم ويرفق بهم، فكانت رحمته أسبق من غضبه، وحلمه وعفوه ورفقه أسبق من انتقامه؛ ذكر ابن كثير أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسرى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، وقد نهى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن إلحاق الأذى بهم، وحث على الرفق بالأسرى فقال: "استوصوا بالأسارى خيرًا".

وفي مسألة التعامل مع الأسرى كان المسلمون لا يرون في بيع السبايا بأسا، وكانوا يكرهون بيع الرجال إلا أن يفادى بهم أسارى المسلمين(49).

و- ومن أخلاقيات الحرب في الإسلام قبول الهدنة إذا جنح الأعداء لها مادامت لا توجد حقوق مسلوبة أو منتهكة بعد، وكذلك شدد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على الوفاء بالعهود، وصدق الله الذي يقول: ﴿وَإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إنهُ هُوَ السمِيعُ الْعليمُ﴾. و"للإمام المهادنة على ترك القتال مدة باجتهاده، وندب ألا تجاوز أربعة أشهر إلا لمصلحة، ولا يجوز شرط فاسد لإبقاء مسلم عندهم، أو إخلاء قرية من المسلمين لهم، أو دفع مال مثلا لهم، أو رد مسلمة إلا لخوف أعظم من ذلك. فإن عقد معهم صلحاً بشرط، ثم استشعر خيانتهم نبذه وأنذرهم، ووجب الوفاء بالشرط وأن يرد رهائن ولو أسلموا، ولا يلزم منه بقاء مسلم عندهم؛ بل يجب علينا فداؤه بعد ذلك ككل أسير بالفيء، ثم مال المسلمين والأسير كواحد منهم، ثم إن تعذر مال المسلمين فماله"(50)، ويقول ابن الهمام الحنفي: "وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقا منهم وكان ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به، لقوله تعالى: ﴿وإن جنحو للسلم فاجنح لها وتوكل على الله﴾. ووادع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كانت خيرا للمسلمين؛ لأن المقصود -وهو دفع الشر- حاصل به، ولا يقتصر الحكم على المدة المروية لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها بخلاف ما إذا لم يكن خيرا؛ لأنه ترك الجهاد صورة ومعنى"(51).

ز- عدم التمثيل بالميت: فقد نهى رسول الله عن المُثْلَة، فروى عبد الله بن زيد قال: "نَهَى النَّبِيُّ عَنِ النُّهْبَى، وَالمُثْلَةِ. وقال عمران بن الحصين: "كَانَ النَّبِيُّ يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنِ المُثْلَةِ". ورغم ما حدث في غزوة أُحُد من تمثيل المشركين بحمزة عمِّ الرسول، فإنه لم يُغيِّر مبدأه، بل إنه هدَّد المسلمين تهديدًا خطيرًا إن قاموا بالتمثيل بأجساد قتلى الأعداء، فقال: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلاَلَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْـمُمَثِّلِينَ". ولم تَرِدْ في تاريخ رسول الله حادثةٌ واحدة تقول بأن المسلمين مثَّلوا بأَحَدٍ من أعدائهم.

وسار على ذات النهج الخلفاء الراشدون، فقد ذكر عن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- أنه قدم على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- برأس يَنَاق البطريق، فأنكر ذلك، فقيل له: يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون ذلك بنا، قال: فاسْتِنانٌ بفارس والروم؟ لا يحمل إليّ رأس؛ إنما يكفي الكتاب والخبر. وفي رواية قال لهم: لقد بغيتم؛ أي تجاوزتم الحد، وبذلك بين خليفة رسول الله أن هذا من فعل الجاهلية وقد نهينا عن التشبه بهم، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن المثلة، وعليه أكد على أن الإنسان محترم بعد موته على ما كان عليه في حياته(52).

وبذلك نهت الشريعة الإسلامية عن التمثيل برجال العدو الذين قُتلوا أو الذين اُستنفدت كافة قوتهم وبقوا بين الحياة والموت يلفظون أنفاسهم الأخيرة, فإيذاؤهم وهم بهذه الحالة يعدّ انتقاماً فيه من البشاعة ما هو خارج عن إطار الخلُق الإنساني مِمَّا ترفضه الشريعة الإسلامية السمحاء، والآدمي محترم بعد موته على ما كان عليه في حياته، فكما يحرم التداوي بشيء من الآدمي الحي إكراما له, فكذلك لا يجوز التداوي بعظم الميت، فقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي"(53).

وهذا ما توصل إليه القانون الدولي والمشرعون الدوليون أخيراً في ضرورة دفن جثث القتلى في أماكن معروفة كي تسهل عملية تسليمهم وعدم العبث بهم، وذلك ما سبق إلى تطبيقه الرسول الكريم -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد كان يعمل ويحث على مداواة جرحى العدو والسماح إلى أفرادهم بحمل جثث قتلاهم وجرحاهم.

ح- عدم الغدر: وهنالك أساس أخلاقي آخر أشار إليه الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديثه آنف الذكر وهو عدم الغدر، وهو نظام يهدف إلى عدم الانقضاض على العدو قبل دعوته إلى الحرب، وإنذاره بادئ الأمر، وقد التزم عليه الصلاة والسلام بذلك أثناء حروبه وأوفى بكافة تعهداته مع العدو، فتراه في صلح الحديبية يلتزم بما سبق الاتفاق عليه حتى بان خلاف ذلك من العدو. أما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكان بثباته على تعاليم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "الوفاء توأم الصدق". وعن بريدة -رضي الله عنه- قال؛ كان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوَدِّع السرايا موصِيًا إياهم: "اغزوا باسم الله وفي سبيل الله، وقاتلوا مَنْ كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا"، ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع إخوانهم المسلمين، بل كانت مع عدوٍّ يكيد لهم، ويجمع لهم، وهم ذاهبون لحربه! وقد وصلت أهمية هذا الأمر عند رسول الله أنه تبرَّأ من الغادرين، ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافرًا؛ فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَمَّن رَجُلاً عَلَى دَمهِ فَقَتَلَهُ، فَأنَا بَرِيءٌ مِنَ القَاتِل، وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ كَافِرًا».

وقد ترسَّخت قيمة الوفاء في نفوس الصحابة حتى إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بلغه في ولايته أنَّ أحد المجاهدين قال لمحارب من الفرس: لا تَخَفْ. ثم قتله، فكتب إلى قائد الجيش: "إنه بلغني أنَّ رجالاً منكم يَطْلُبُونَ العِلْجَ (الكافر)، حتى إذا اشتدَّ في الجبل وامتنع، يقول له: "لا تَخَف"، فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده! لا يبلغنِّي أن أحدًا فعل ذلك إلاَّ قطعتُ عنقه".

"ويقول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إن الغادر يُنصب له لواءٌ يوم القيامة فيُقال: هذه غَدْرة فلان بن فلان"، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به وقال أيضًا: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا ولا تقتلوا أصحاب الصوامع"(54).

ط- النهي عن التدمير والتخريب من غير حاجة، عن صالح بن كيسان قال: لما بعث أبو بكر -رضي الله عنه- يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع خرج أبو بكر -رضي الله عنه- معه يوصيه، ويزيد راكب وأبو بكر يمشي، فقال يزيد: "يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل"، فقال: "ما أنت بنازل وما أنا براكب، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، يا يزيد إنكم ستقدمون بلاداً تؤتون فيها بأصناف من الطعام، فسموا الله على أولها واحمدوه على آخرها، وإنكم ستجدون أقواماً قد حبسوا أنفسهم في هذه الصوامع، فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم، وستجدون أقواماً قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد يعني الشمامسة فاضربوا تلك الأعناق، ولا تقتلوا كبيراً هرمًا، ولا امرأة، ولا وليداً، ولا تخربوا عمراناً، ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع، ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع، ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه، ولا تغدر، ولا تمثل، ولا تجبن، ولا تغلل، ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(55) أستودعك الله وأقرئك السلام.

ك- عدم الإفساد في الأرض: فلم تكن حروب المسلمين حروب تخريبٍ كالحروب المعاصرة، التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان المسلمون يحرصون أشدَّ الحرص على الحفاظ على العمران في كل مكان، ولو كان ببلاد أعدائهم، وظهر ذلك واضحًا في كلمات أبي بكر الصديق، وذلك عندما وصَّى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، وكان مِمَّا جاء في هذه الوصية: "وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ.."، وهو شمول عظيم لكل أمر حميد، وجاء أيضًا في وصيته: "وَلا تُغْرِقنَّ نَخْلاً وَلا تَحْرِقُنَّهَا، وَلا تَعْقِرُوا بَهِيمَةً، وَلا شَجَرَةً تُثْمِرُ، وَلا تَهْدِمُوا بَيْعَةً..".

هذه تفصيلات تُوَضِّح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ لكيلا يظنُّ قائد الجيش أن عداوة القوم تُبيح بعض صور الفساد، فالفساد بشتَّى صوره أمر مرفوض في الإسلام.

لقد أضاف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عناوين أخرى تعدّ قواعد أساسية في الحرب توصلت إلى بعضها البشرية لاحقاً وعدتها ضمن اتفاقياتها المجمع عليها، فمنها (الإعذار) وهو إيضاح الأمر لدى الخصم والناس، وتقديم البينة على ذلك، فقد كان يدعو الخصم إلى حكم الإسلام واستنفاذ كافة حججه بمناقشة مستفيضة من أجل إعطائه فرصاً إضافية للرجوع عن الحرب. كما في معركة صفين حيث قال عمر -رضي الله عنه-: "والله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة، فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي.". ومنها عدم البدء بالقتال فكان عمر يقول: "لا تبدؤوهم بقتال"، فكان عمر يتمسك بذلك من أجل تلافي سفك الدماء وإعطاء الفرصة للخصم للتراجع عن مواقفه في الحرب، وقد أوصى إلى بعض قادته بقوله: "ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب".

نظرة ختامية: 

نعم لقد كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وخلفاؤه الراشدون، حقاً يعطون أكثر مِمَّا يأخذون، فكانوا الأساس في تطبيق الشريعة السمحاء بوجهها الأبيض الناصع، وذلك ما أخذت منه القوانين الدولية بعض مقرراتها وأنظمتها؛ ولكنها اليوم تحارب الإسلام، وتعده نظاماً إرهابياً متخلفاً, رغم ما يرونه أمام أعينهم، وما عرفوه عن طريق مستشرقيهم وغيرهم، من كون الشريعة الإسلامية والقانون الإسلامي هو النظام والسبيل الوحيد الذي يضمن لبني البشر العيش بطمأنينة وسلام(56).

هذه بعض أخلاقيات الإسلام وبعض مظاهر سماحة الإسلام في الحرب وفي السلام، فهل ثمة مقارنة بينه وبين ما نراه من أعداء الإسلام اليوم في حربهم على الإسلام أو حتى في حروبهم بعضهم ضد بعض. وهل من وجه للمقارنة بينها وبين الحرب التي تشتعل اليوم هنا وهناك فلا تبقي ولا تذر(57) فنفس الإنسان لدى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وفي رسالته للإنسانية جمعاء مصونة لا يجوز التعرّض لها بالترويع أو الضرب أو السجن أو الجلد أو المثلة والتشويه حتى في أقسى الظروف وهي الحروب. فعلى أساس احترام النفس الإنسانية كان الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يربي أصحابه. إنها شريعة الإسلام الغراء التي أرست مبادئ أنسنة الحروب قبل أن يتبناها ما يعرف اليوم بالقانون الدولي الإنساني.

جدير بالإشارة أن الفقهاء المسلمين الأوائل -قبل فقهاء القانون الدولي الوضعي بقرون- قد أفردوا في كتاباتهم ومؤلفاتهم أجزاء مستقلة لقواعد العلاقات الدولية في السلم والحرب تحت عناوين "كتاب السير أو الجهاد" أو "أحكام السير"، "والسِّير" جمع سيرة، والسيرة لغة هي الطريقة، وقد استخدمها الفقهاء لبيان طرق التعامل بين المسلمين وغير المسلمين، وبيان ما لهم وما عليهم في السلم وفي الحرب؛ أي بيان أسس العلاقات فيما بين المسلمين وغير المسلمين. ويمكن القول: إن الفقيه الإسلامي "محمد بن الحسن الشيباني" (132- 189هـ/ 749-804م) هو أول من جمع أحكام السير في مؤلف مستقل، سيما كتابيه: السير الكبير والسِيَر الصغير، حيث وضعهما ونقلا عنه بظاهر الرواية وصحتها في القرن الثامن الميلادي. لقد أثبت المستشرقون المطلعون أن الغرب تأثر تأثرا ملموسا بما خلفه العرب من مبادئ وأعراف في مجال العلاقات بين الشعوب، كما أوضحوا أن الفقيه الهولندي جروسيوس -الذي يعد في نظر فقهاء الغرب رائدا في القانون الدولي- كان منفيا في الآستانة بتركيا، الأمر الذي أتاح له فرص الاتصال بالعالم الإسلامي والعربي والتعرف على أنظمته وأعرافه الدولية، وثبت كذلك أن جروسيوس قد تأثر بمن كتب قبله أمثال الأسباني "فرنسبسكو سواريز"، الذي ولد في غرناطة عام 1548 وتوفي في لشبونة عام 1617 الذي تأثر وغيره بما كتبه المسلمون والعرب، وبما تعارفوا عليه من علاقات ومبادئ وقواعد دولية(58).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) راجع في التنظيمات الوضعية لحماية الإنسان، للكاتب، القانون الدولي العام، الطبعة الخامسة، دار النهضة العربية، 2005.

2) الإمام الشيخ محمد عبده، رسالة التوحيد، دار إحياء العلوم، بيروت، الطبعة الأولى 1396ه- 1976م، ص146-129.

3) عبد الرحمن عزام، الرسالة الخالدة، لجنة التعريف بالإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، الكتاب السادس عشر، 1384ه- 1964 م، ص47.

4) سورة الإسراء، آية 70.

5) سورة البقرة، الآيات 30-34. جاء في كتاب أحكام القرآن لابن العربي تعليقا على الآية الأخيرة: أن الأمة قد اتفقت على أن السجود لآدم لم يكن سجود عبادة وإنما كان على أحد وجهين: إما سلام الأعاجم بالتكفي والانحناء والتعظيم، وإما وضعه قبلة كالسجود للكعبة وبيت المقدس وهو الأقوى. أبو بكر محمد بن عبد الله العروف بابن العربي، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البخاري، القسم الأول، دار إحياء الكتب العربية، ص16.

6) سورة الجاثية، آية 13.

7) الجاثية، آية 12.

8) سورة النحل، آية 14.

9) محمد بن علي بن محمد الشوكاني، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، الجزء السابع، الطبعة الأخيرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ص23. ويروى أنه مرت جنازة يهودي فوقف لها النبي  تكريما، فقال له بعض أصحابه " إنها جنازة يهودي" فرد عليهم النبي قائلا «أليست نفسا». الشيخ محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، عدد يوليو 1964، ص317.

10) الشيخ محمد عبده، رسالة التوحيد، ص140.

11) الحجرات، آية 13.

12) الأعراف، آية 189.

13) البقرة، 213.

14) الهيثمي، مجمع الزوائد، ج3.

15) محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، ص5.

16) ابن تيمية، السياسة الشرعية، ص188. 

17) سورة الحجرات، آية 11.

18) سورة المائدة، آية 18.

19) سورة الأنعام، آية 52.

20) الجامع الصغير للسيوطي، 2/466 برقم 7684.

21) سورة فصلت، آية 34.

22) سورة الأعراف، آية 199

23) ابن العربي، أحكام القرآن، القسم الثاني، ص824-825.

24) سورة النحل، الآيات 126-128.

25) ابن العربي، المرجع السابق، القسم الثالث، ص1177- 1178.

26) البقرة، آية 194.

27) الشورى، آية 40.

28) الحسيني محمد الريسhttp://www ebnmaryam.com/vb/t185063.html.

29) دكتور أنور محمود زناتي، الحرب والسلام عند رسول الإسلام. 

http://www.alukah.net/Sharia/0/2758/ixzz22EdwEJD. http://www.albawaba.com/ar

30) الممتحنة، آية 8-9.

31) سورة الحج، آية 39.

32) شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، إملاء محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق الدكتور: صلاح الدين المنجد، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، مطبعة شركة الإعلانات الشرقية، 1971، ج1، ص75- 79.

33) راجع: نجيب الأرمنازي، الشرع الدولي في الإسلام، مطبع ابن زيدون، دمشق، 1930م-1349هـ، ص74 وما بعدها. دكتور جعفر عبد السلام، أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية، رابطة الجامعات الإسلامية، سلسلة فكر المواجهة (23)، 2008، ص139- 145.

34) سورة فاطر، آية 18.

35) الإمام الشافعي، الأم، المرجع السابق، ص475 وما بعدها.

36) دكتور جعفر عبد السلام، أخلاقيات الحرب في الإسلام.

37) د.راغب السرجاني، تفرد الإسلام في أخلاقيات الحروب.

38) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تأليف الإمام علاء الدين أبي بكر مسعود الكاساني الحنفي، الطبعة الثانية، الجزء السابع، دار الكتاب العربي، بيروت 1394هـ/ 1974م، ص101وما بعدها).

39) شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، إملاء محمد بن أحمد السرخسي، ج4، تحقيق: عبد العزيز أحمد، ص1408 وما بعدها. نجيب الأرمنازي، الشرع الدولي في الإسلام، مطبعة ابن زيدون، دمشق، 1930، ص80 وما بعدها.

40) الشافعي، الأم، المرجع الإنساني السابق، ص500 وما بعدها.

41) مشار إليه في شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، إملاء محمد بن أحمد السرخسي، ج1، ص39.

42) سورة البقرة، آية 204-205.

43) شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، المرجع السابق، ج1، ص39 وما بعدها، ج3، ص194 وما بعدها.

44) سورة البقرة، آية 190.

45) المرجع السابق، ص167.

46) السير الكبير، المرجع السابق، ج4، ص1587-1588، 1669. وراجع أيضا؛ شرح فتح القدير، تأليف الإمام كمال الدين محمد عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، بدون تاريخ، ج4، ص305-309.

47) السير الكبير، المرجع السابق، ج1، ص167، ج4، ص1587 وما بعدها.

48) سورة الإنسان، آية 8.

49) الإمام الشافعي، الأم، المرجع السابق، ص490 وما بعدها.

50) الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، تأليف العلامة أبي البركات أحمد بن محمد الصامي المالكي، خرج أحاديثه وفهرسه وقرر عليه بالمقارنة بالقانون الحديث الدكتور مصطفى مال وصفي، الجزء الثاني، دار المعارف بمصر، 1972، ص317.

51) شرح فتح القدير، تأليف الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، ج4، ص293.

52) شرح السير الكبير، ج1، ص110 وما بعدها.

53) المرجع السابق، ص128.

54) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تأليف الإمام علاء الدين أبي بكر مسعود الكاساني الحنفي، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي، 1394هـ/ 1974م، بيروت لبنان، الجزء السابع، ص101.

55) سورة الحديد، آية 25.

56) عبد السلام الرفاعي، من أخلاقيات الحرب في الإسلام.

57) مروان محمد أبو بكر، الحرب في الإسلام.

58) راجع للكاتب، القانون الدولي العام، الطبعة الخامسة، مرجع سابق، المقدمة.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/7/138

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك