بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ

د. محمد المنتار

لم يجمع الله عز وجل لأحد من الأنبياء والمرسلين، فضلا عن الناس أجمعين، اسمين من أسمائه إلا للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة 128] فسماه سبحانه باسمين من أسمائه الحسنى ووصفه بصفتين من صفاته العلى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).

وهي آية كريمة تدل على أن بعث هذا الرسول الذي هو أنفسنا الذي هو متصف بهذه الصفات المشعرة بغاية الكمال، وغاية شفقته علينا هو أعظم منن  الله تعالى، وأجزل نعمة علينا، وقد بين ذلك في مواضع أخر منها قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [سورة آل عمران: 159] وقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الأعراف: 157]

والرأفة أشد الرحمة وأبلغها، والرؤوف: الشديد الرحمة لأنهما صيغتا مبالغة وهما يتنازعان المجرور المتعلق بهما وهو (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)، والرأفة: رقة تنشأ عند حدوث ضر بالمرؤوف به يقال: رؤوف رحيم، والرحمة: رقة تقتضي الإحسان للمرحوم بينهما عموم وخصوص مطلق، ولذلك جمع بينهما هنا وإن كانت لوازمهما مختلفة، وتقديم رؤوف على الرحيم هو الواجب كأنه قال: رؤوف بضعفاء المؤمنين وأولي القربى منهم، ورحيم بهم كلهم وتخصيص رأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين في مقابلة ما أمر به من الغلظة على الكفار والمنافقين لا يعارض كون رسالته رحمة للعالمين كما هو ظاهر فإن هذه الرحمة مبذولة لجميع الأمم لعموم بعثته صلى الله عليه وسلم بمنطوق ومفهوم الآية الكريمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].

والذي ينبغي التنبيه عليه أن هذه الآيات وغيرها قرئت ووضعت في دائرة الفضائل والمناقب الخاصة بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، برسالته وهي لا شك جزء من ذلك ودالة عليه لكن دلالاتها المنهجية أكبر بكثير من ذلك؛ فكون الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته رحمة يضع جملة من القواعد الأصولية تغيب بعضها عن كثير من الأذهان، كلها وعدل كلها وشفاء كلها يغير كثيرا من القضايا: فلا تكليف بما لا يطاق، ولا تبعية لشرائع الإصر والأغلال قبلنا، ولا حرج في هذه الرسالة وشريعتها بأي معنى من معاني الحرج، والأصل حل الطيبات وتحريم الخبائث، والأصل في المنافع الإباحة والأصل في المضار المنع، والأصل في التشريع مراعاة المقاصد ورعاية المصالح، والأصل في العقود الإرادة الحرة، والأصل في العبادة التوقيف.. وغيرها من القواعد واًول الكلية التي تظهر بجلاء رحمة هذا النبي الخاتم، ورأفته صلى الله عليه وسلم ورحمة شريعته ورأفتها مصداقا لقوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 15-16].

المصدر: http://www.alquran.ma/Article.aspx?C=5868

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك