منظومة الحقوق ومقاصد الشريعة عند الفقهاء

معتز الخطيب

مقدمة (في تاريخ مقولة الحقوق):

شكّل الإنسان محور الخطاب القرآني؛ فالقرآن - في مجمله - خطاب الشارع إلى الإنسان، وقد وردت فيه كلمة "الإنسان" نحو (56) مرة، والخطاب الفقهي كله إنما يختصّ ببحث خطاب الشارع المتعلق بأفعال الإنسان/المكلّف. ومن صياغة الإمام الغزالي (505هـ) لعلم أصول الفقه نجد أن الإنسان/المكلف يشغل قطبين من أقطاب علم الأصول الأربعة، وهما: المحكوم عليه: وهو المكلف، والمحكوم فيه [أو به] وهو فعل المكلَّف(1)، فالمحكومُ عليه يشمل أحوال الإنسان وصفاته، بما فيها: "الناسي والمُكرَه والصبيّ، وخطاب الكافر بفروع الشرع، وخطاب السكران ومن يجوز تكليفه ومن لا يجوزُ"، أما المحكوم فيه [أو به] فهو متوجّهٌ إلى بحث أفعال الإنسان/المكلف في خطاب الشارع، وهو ما دفع أحد الأصوليين المعاصرين إلى استنتاج أن "الإنسان في الإسلام - على مقتضى النظر الشرعي- هو إنسان التكليف والمسؤولية قبل أن يكون صاحب حق وحرية"(2).

وبالرغم من أن مقولة "الحقوق" قديمة ومن صميم الخطابين القرآني والفقهي؛ إلا أنه لم يقع الاهتمام بها أو إفرادها - بالمفهوم الحديث - إلا في سياق التفاعل مع فكرة "حقوق الإنسان" التي وُلدت في سياق حركة التنوير الغربي في القرن الثامن عشر وقدّمت مفهومًا جديدًا ومستقلاً لحقوق الإنسان، وهو ما دفع بعض النهضويين العرب في القرن التاسع عشر إلى الانشغال بفكرة الحقوق والحريات، كرفاعة رافع الطهطاوي (ت: 1883م) الذي رأى أن الممالك "تَأَسَّست لحفظ حقوق الرَّعايا بالتسوية في الأحكام والحرية وصيانة النفس والمال والعرض على موجب أحكام شرعية، وأصول مضبوطة مرعية"(3)، ثم تحدث عن "حقوق الرعية"، وهي عنده مشتملة على الحقوق المدنية (الحقوق الخصوصية الشخصية) في مقابلة الحقوق العمومية، ورأى أن "هذه الحقوق هي -في كتب الفقه- عبارة عن المعاملات والأنكحة والفرائض والوصايا والحدود والجنايات والدعاوى والبينات والأقضية، فالحقوق المدنية المذكورة هي حقوق أهل العمران بعضهم على بعض؛ لحفظ أملاكهم وأموالهم ومنافعهم ونفوسهم وأعراضهم وما لهم وما عليهم محافظةً ومُدافعةً، ويتفرع من حقوق المملكة العمومية - أي السياسة والإدارة الملكية، ومن الحقوق المدنية الشخصية - فرع آخر من الحقوق يسمَّى بحقوق الدوائر البلدية، يعني حقوق النواحي والمشيخة البلدية"(4). 

يحاول الطهطاوي - بهذا - أن يمزج بين الموروث الفقهي وثقافته الحديثة التي استقاها مما "أَرْسَتْه الثورة الفرنسية كما عرفه من خلال الدستور الفرنسي الذي لخصه في تلخيص الإبريز في مطلع الثلاثينيات من القرن التاسع عشر"(5)، وقد رأى بعض الباحثين أنه تأثر بفكرة الحقوق الطبيعية، وتحدث عن التمازج بينها وبين أصول الفقه، فإنه يرى أن أغلب النواميس الطبيعية لا يخرج عنها حكم من الأحكام، فهي فطرية خلقها الله مع الإنسان وجعلها ملازمة له في الوجود(6).

ولكن هذا التوجه النهضوي تَحَوّل لاحقًا مع عبد القادر عودة في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين إلى حديث مُشبع بالتميز والتمايز عما سواه، عبر مقولة الاستخلاف التي تشكّل معه رؤية للكون وتفرض حقوقًا وواجباتٍ(7) في مواجهة مقولة "الحق الطبيعي"، وهو ما تَتَابع وتَرَسخ لاحقًا. ففي الثمانينيات أقبل الإسلاميون على صياغة بيانات إسلامية لحقوق الإنسان تُركز على التمايز عن البيانات العالمية وتستدرك عليها بالترافق مع كتابات تنظيرية عمّقت فكرة المقارنة مع تلك المواثيق ونقدها ونقد أسسها وخصوصًا "الحق الطبيعي"(8)، ووصل الأمر مع بعض الكتابات -في سياق "الدفاع عن الإسلام أمام هجمات العلمانيين"- إلى عدِّ حقوق الإنسان في الإسلام "ضرورات فطرية للإنسان من حيث هو إنسان"، وأن الإسلام امتاز على المنظومات الفكرية الأخرى، فارتفع بها من مرتبة "الحقوق" إلى مستوى "الضرورات الواجبة"(9)، بل إن محمد فتحي الدريني يذهب إلى اعتبار "القيمة المحورية التي يدور عليها التشريع الإسلامي كله هي: حق الفرد وحق المجتمع، مما استلزم بالتالي تحديد طبيعة الحق الفردي ومفهومه بوجه خاص وأنه ذو عنصرين: فردي واجتماعي في آن معًا، ومن هنا كان الخلاف جذريًّا بين التشريع الإسلامي وغيره من التشريعات"(10)، وهذا الخلاف الجذري يدفعه إلى القول في موضع آخر: إن "حقوق الإنسان التي تقررت في الإعلان العالمي بوجه خاص وفيما سبقه من المواثيق الدولية: تفتقد عنصر الإلزام، مما جعلها جوفاء بلا معنى، وصورية بلا مضمون عملي"(11)!. 

وجملةُ القول أن الكتابات الإسلامية الكثيرة حول حقوق الإنسان كانت مسكونة بهاجس الغرب والمقايسة عليه، إما للتوافق معه، أو للتمايز عنه، أو لإثبات الأسبقية عليه(12)، فشكلت فكرة "حقوق الإنسان" الغربية مفتاح تلك الدراسات والموجّه لها مع استثمار بعضهم لنصوص فقهية في هذا السياق.

ومقالنا هذا يسعى إلى قراءة منظومة الحقوق داخل بنية الفقه الإسلامي بمعزل عن هاجس المقارنة أو المقايسة؛ بغرض استكشاف الوعي الحقوقي عند الفقهاء: مفهومه ومبناه وحدوده.

أوَّلاً: مفهوم الحق عند الأصوليين والفقهاء

في تحديد مفهوم الحق اتجه علماء الأصول اتجاهين: 

الاتجاه الأول: رأى أن الحق هو الحكم، وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين، بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. فقد عرف بعضم الحق بأنه الموجود أو الموجود من كل وجه، والمراد به هنا حُكْمٌ يَثْبُتُ، وهو ما عزاه القرافي للعلماء، ومشى عليه العز والشاطبي كما سيأتي لاحقًا.

الاتجاه الثاني: رأى أن الحق هو الفعلُ، وهو ما رآه التفتازاني حين تناول الحق ضمن مبحث المحكوم به، وقال: "المحكوم به [يسميه بعضهم المحكوم فيه] هو الفعل الذي تَعَلَّقَ به خطاب الشارع، فلا بد من تَحَقُّقِهِ حِسًّا؛ أي من وجوده في الواقع، بحيث يُدْرَكُ بالحسّ أو بالعقل؛ إذ الخطاب لا يتعلق بما لا يكون له وجودٌ أصلاً"(13). وهو ما ذهب إليه صاحب "تهذيب الفروق" فقال: "حق الله تعالى هو مُتَعَلَّقُ أَمرِهِ ونَهيه الذي هو عَيْنُ عبادته، لا نفسُ أَمْرِهِ ونهيه الْمُتَعَلِّقُ بها"(14)، وقال ابن الشاط من المالكية: "الحق والصواب ما اقتضاه ظاهرُ الحديث من أن الحق هو عين العبادة، لا الأمر المتعلق بها"(15)، وسيأتي مزيد تفصيل في هذا حين الكلام على مفهوم حقوق الله وحقوق العباد لاحقًا.

أما الفقهاء فغالبًا ما يستعملون الحق بمعنى "ما يستحقه الرجل"، ومع ذلك فقد أطلقوه على معانٍ متعددة ومختلفة، منها: 

1- أنهم يطلقونه على ما يشمل الحقوق المالية وغير المالية، مثل قولهم: من باع بثمن حالٍّ ثم أجّله صحّ؛ لأنه حقُّه. 

2- ويطلقونه بمعنى الالتزامات التي تترتب على العقد وتتصل بتنفيذ أحكامه لا بحكم العقد نفسه، مثل تسليم الثمن الحالّ أوَّلاً ثم تسليم المبيع، وذلك في قولهم: من باع سلعة بثمن سلّمه أوَّلاً؛ تحقيقًا للمساواة بين المتعاقدين؛ لأن المبيع يتعين بالتعيين، والثمن لا يتعين إلا بالقبض، فلهذا اشتُرط تسليمه إلا أن يكون الثمن مؤجلاً؛ لأنه أسقط حقه بالتأجيل فلا يسقط حق الآخر. 

3- ويطلقونه على الأرزاق التي تُمنَح للقضاة والفقهاء وغيرهم من بيت مال المسلمين، مثل قول ابن نجيم الحنفي: من له حقٌّ في ديوان الخرَاج كالمقاتلة والعلماء وطلبتهم والمفتين والفقهاء يُفرَض لأولادهم تبعًا.

4- ويطلقونه على مرافق العقار، مثل حق الطريق وحق المَسيل وحق الشرب. 

5- ويطلقونه على الحقوق المجردة وهي المباحات، مثل حق التملك، وحق الخيار للبائع أو للمشتري، وحق الطلاق للزوج وغيره(16).

ثانيًا: الحقوق في مسارب الوعي الفقهي

لا يكاد الباحث في التراث الفقهي يجد تصنيفًا مستقلاً يجمع نظام الحقوق في الشريعة الإسلامية، وهي ليست على نَسَق متكامل وصريح في كتب الفقه؛ فقد بقيت منثورة في مختلف الأبواب بحسب الاختصاص والمناسبة، وفي تعليلات بعض الأحكام بكونها من حقوق الله أو من حقوق الآدميين إلى غير ذلك. ولكن صنّف الحارث بن أسد المُحاسبي (243هـ) كتابًا سماه "الرعاية لحقوق الله" اختص ببيان حقوق الله على العباد، وصنّف القاضي عياض بن موسى (544هـ) كتابًا سماه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، وذكر صاحب "كشف الظنون" كتابًا باسم "هداية الطالب لحقوق الإمام الراتب" للشهاب أحمد بن محمد المنوفي (ولد 847هـ)، وآخر لعبد الوهاب الشعراني (960هـ) باسم "حقوق أخوة الإسلام"، ذكر فيه أن للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على الأمة حقوقاً، وأن للمسلمين بعضهم على بعض حقوقاً، منها: معاشرة الصديق مع الصديق، والشيخ مع المريد، والعالم مع المتعلم، والأمير مع الرعية، والجار مع الجار، والضيف مع المُضيف، والوالد مع الولد، والغني مع الفقير، والزوج مع الزوجة، والقريب مع الغريب، والسيد مع المملوك، والمسلم مع الذمي أو الحربي، والصالح مع الطالح، وذكر أن للمبتدع حقوقًا وشرائط وآدابًا. وفيه تأليف آخر قيل: هو للغزالي(17).

ونجد في أثناء بعض الكتب أبوابًا مفردة لنوع من الحقوق، كما نجد مثلاً بابًا باسم حق الوالدين، وحق الصحبة، وغيرها، وكتب السنة النبوية حافلةٌ بعناوين جملةٍ من الحقوق، ففي الصحيحين أو في أحدهما نجد أبوابًا مثل: حق الضيف، حق الجسم، حق الأهل، لزوجك عليك حقّ، حق الجوار، حق الطريق، إلى غير ذلك، دون الدخول في نصوص الأحاديث نفسها. 

ولكن بما أن نظام الشريعة يدور حول فكرة الحقوق: حقوق الله، وحقوق الآدميين، والحقوق المشتركة بينهما، لم ينفصل التفكير بالحقوق - كمنظومة - عن بنية الفقه نفسه في تفريعاته الكثيرة وتَعَدد اختصاصاته، ولذلك توزعت فكرة الحقوق على كتب فقهية متنوعة ككتب الفقه العام، وكتب الفروق والقواعد الفقهية، وكتب القضاء، وكتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية، وكتب أحكام البنيان والعمران، وكتب التصوف، وغيرها. 

ولكن كتب التاريخ والرحلات والأوقاف تزودنا بالجانب العملي والتطبيقي لمنظومة الحقوق الإسلامية أو الشرعية، وهو ما غَفَلت عنه الكثرة الكاثرة من الدراسات الإسلامية في حقوق الإنسان التي انشغلت بخوض سجالاتٍ مع المواثيق الدولية، فدارت حول النصوص دون البحث في التطبيقات أو السياق التاريخي لمنظومة الحقوق الإسلامية، خصوصًا فيما كان له دورٌ في إنشاء بعض المؤسسات والوظائف القائمة على رعاية نوع أو أنواع من تلك الحقوق التي قررها الفقهاء وحكم بها القضاة والمفتون. 

من تلك الوظائف: وظيفةُ القضاء نفسها التي من شأنها "الفصل بين الخصوم واستيفاء بعض الحقوق العامّة للمسلمين بالنّظر في أموال المحجور عليهم من المجانين واليتامى والمُفلسين وأهل السّفه، وفي وصايا المسلمين وأوقافهم وتزويج الأيامى... والنّظر في مصالح الطّرقات والأبنية وتصفّح الشّهود..."(18)، ووظيفة العدالة، وهي وظيفة دينيّة تابعة للقضاء، وشأنها "القيام بالشّهادة بين النّاس فيما لهم وعليهم تحمّلاً عند الإشهاد وأداءً عند التّنازع وكَتْبًا في السّجلاَّت، تُحفظ به حقوق النّاس وأملاكهم وديونهم وسائر معاملاتهم"(19)، وديوان الأعمال والجبايات وهو "من الوظائف الضّروريّة للمُلك، وهي القيام على أعمال الجبايات وحفظ حقوق الدّولة في الدّخل والخرج، وإحصاء العساكر بأسمائهم وتقدير أرزاقهم وصَرْف أعطياتهم في إبّاناتها، والرّجوع في ذلك إلى القوانين الّتي يرتّبها قَوَمة تلك الأعمال..."(20). 

ونجد في كتب الرحلات والأوقاف أيضًا تجليات عملية لواقع الحقوق في المجتمعات الإسلامية، من ذلك مثلاً أنه كان هناك وَقفٌ للأواني، يحكي ابن بطوطة (779هـ) واقعةً عاينها في دمشق وهي أن طفلاً كسر صَحْفةً أو صحنًا فجمع أجزاءه وذهب إلى صاحب أوقاف الأواني فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، يقول ابن بطوطة: "وهذا من أحسن الأعمال؛ فإن سيد الغلام لا بدّ له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك، فكان هذا الوقف جَبْرًا للقلوب"(21)، وفي كتب العمران العديد من المظاهر العملية لمنظومة الحقوق المتعلقة بالبنيان وحقوق الجوار وما شابه ذلك.

ثالثًا: منظومة الحقوق عند الفقهاء

تشكل الحقوق عند الفقهاء منظومة متكاملة شديدة التشعب، وممزوجة في بنية الفقه نفسه عبر مختلفة أبوابه وتفريعاته، وتَجْليةُ ذلك يحتاج إلى تأمل من خلال بحث فلسفتها ومائيتها، وتقسيم الفقهاء لها، ومبناها، ومعايير الفريق بينها.

1- قِسمة الحقوق: منشؤها وأبعادها

يُجْمعُ الفقهاء على تقسيم الحقوق إلى ضربين: حقوق الله وحقوق الآدميين، وهو الغالب على تقسيمهم(22)؛ ولكنهم يتحدثون في سياق الحِجَاج الفقهي المذهبي وتعليل الأحكام عن حقوق مشتركة بين الله والآدميين، عادة ما يقع فيها الخلاف والجدل الفقهي، وإنما جرت عادة الفقهاء ألا يذكروها ضربًا ثالثًا؛ لأنها لا تخلو إما أن يُغَلَّب فيها حق الله فتدخل فيه، أو حق العبد فتدخل فيه(23).

ولا نعرف على وجه التحديد متى ظهر هذا التقسيم أولَ الأمر، لكن يروي البخاري عن قَتَادة (ت117 أو 118هـ) قوله -في آية ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه﴾-: "كان القوم يَتَّجِرُون؛ ولكنهم كانوا إذا نابهم حَقٌّ من حقوق الله، لم تُلْهِهِم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله حتَّى يؤدوه إلى الله"(24)، وهذا ما انشغل به المحاسبي لاحقًا في كتاب مستقل خصّ أحد أبوابه لمعرفة "حقوق الله بأسبابها وعللها وإرادتها وترتيبها في القيام بها والرعاية لها"(25). 

ولكن هذه القسمة إلى حق الله وحقوق الآدميين تَرِد في مواضع عديدة من كتاب المدونة للإمام مالك، وكتاب الأم للإمام الشافعي(26)، وتتواتر في كتب الفقه عامة، حتَّى إنني أحصيت ورود تعبير "حقوق الآدميين" في كتاب الحاوي للماوردي (450هـ) فوجدته تكرّر نحو (104) مرات في سياق الحجاج الفقهي مع المذاهب الأخرى، أو في سياق تعليل الأحكام من أبواب كثيرة.

ومما يتصل بهذه القسمة إلى حقّ الله وحقّ العباد: الحديث المشهور عن معاذ بن جبل، وفيه يقول له النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يا معاذ، هل تدري ما حقّ الله على عباده، وما حق العباد على الله؟، فيقول معاذ: الله ورسوله أعلم، فيقول النبيّ: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألاّ يعذب من لا يشرك به شيئًا...»(27). فلعل الفقهاء استفادوا هذه القسمة من هذا الحديث؛ مع أنه لا يَرد في كتب الفقه عامةً، فضلاً عن الاستشهاد به في سياق تقسيم الحقوق، وإنما وقع الاستشهاد به من قِبَل فئة قليلة دون سائر كتب المذاهب الأربعة، ولكن ليس في الكلام على الحقوق؛ وإنما في سياق الخلاف الفقهي حول تعبير "حق الله" هل هو يمين أو لا؟(28)، وانفرد كلٌّ من القرافي (والمُحَشّون على كتابه) والشاطبي بالاستشهاد به في سياق الكلام على الحقوق كما سيأتي من كلامهما.

ونظرًا لأن الحقوق تكاد ترادف الأحكام، انشغل الفقهاء كثيرًا بتقسيمات الحق، وتعددت تقسيماتهم له باعتبارات مختلفة: باعتبار اللزوم وعدمه، وباعتبار عموم النفع وخصوصه، وباعتبار وجود العبد وعدمه، وباعتبار إسقاط العبد للحق وعدم قدرته على إسقاط الحق، وباعتبار ما يُسقطه إسلامُ الشخص وما لا يُسقطه، وباعتبار معقولية المعنى وعدم معقوليته، وباعتبار عدم خُلُوّ كل حق من حق لله تعالى وحق للعبد، وباعتبار العبادات والعادات، وباعتبار الحق التام والحق المُخَفَّف، وباعتبار الحق المُحَدَّد وغير المُحَدَّد، وباعتبار الحق المُعَيَّن والمُخَيَّر، وباعتبار الحق المُطلَق والمُقَيَّد، وباعتبار الحق العيني والكفائي، وباعتبار ما يورَث من الحقوق وما لا يورَث، وباعتبار الحق الماليّ وغير المالي، وباعتبار الحق الدِّيَانِيِّ والقضائيّ، أو الدنيوي والأخروي، وغير ذلك(29). 

ومرجعُ هذه التقسيمات المتشعبة جدًّا زاوية النظر، فمنها ما ينظر إلى صاحب الحق، ومنها ما ينظر إلى مَنْ عليه الحق، ومنها ما ينظر إلى الشيء المُسْتَحَقّ، ومنها ما ينظر إلى ما يتعلق به الحق، وهي في الجملة توضح سعة منظومة الحقوق لدى الفقهاء لدرجة تجعل منها نظرية متكاملة تستحق أن تُفرَد بمصنف كامل، وهو ما لم يتم حتَّى الآن وإن أُفردت دراساتٌ لمعالجة مسائل جزئية منها، مثل: الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، والحق والذمة، ومصادر الحق في الفقه، وغيرها(30). 

2- مفهوم حقوق الله وحقوق العباد:

مع كل ما سبق لا نكاد نجد تفسيرًا واضحًا يضبط حقوق الله وحقوق العباد في عامة كتب الفقه المتقدمة، وقد جَرَت عادة الفقهاء أن يُفرِّقوا بين نوعي الحقوق بناء على خصائص كلٍّ منهما أو التمثيل لهما أو التعليل بهما دون تحديد حقيقتهما، والتفريق يقوم على اعتبارات؛ فحقوق الله مبنيّة على المسامحة، فهي تجب ابتداءً ولذلك خُففت، وكانت أوسع من حقوق العباد، ومن هنا تَعَلقت الزكاة بمال دون مال، ولها بدلٌ في الكفارات التي هي مُسْتَحَقَّةٌ لغير مُعيَّنٍ فلا يَصِح التراضي على القيمة، ولا تسقطُ، ويجوز فيها الرجوع إلى اجتهاد مَن عليه الحق كالزكوات والكفارات، وتُراعى فيها النية.

أمَّا حقوق الآدميين فمبنية على المشاحّة والتضييق، ولا بدل لها، فتتعين، وتجب عن معاوضة من بيع أو إجارة أو صَدَاق أو قرض أو غيرها، ولذلك أُكّدت أو ضُيّقت، ولا يجوز العدول في حقوق الآدميين من جنس إلى جنس إلا إن وقع التراضي، ولا تسقط بالأعذار، وتستوي في الوجوب مع العذر والاختيار(31). قال الشافعي في قطاع الطرق: "ومن تاب منهم من قبل أن يُقْدَرَ عليه سقط عنه الحد ولا تسقط حقوق الآدميين، ويَحتمل أن يَسقط كل حق لله بالتوبة"(32).

وقد انشغل أئمة المقاصد والمصالح خاصةً بتحديد مفهوم حقوق الله وحقوق الآدميين أو العباد، وكانت لهم عناية بارزة ومميزة بوضع إطار عام للحقوق سواءٌ في الحديث عن المصالح -كما نجد عند الإمام العز بن عبد السلام- أو في سياق الحديث عن القواعد الكلية -كما نجد لدى القرافي- أو في سياق الحديث عن المقاصد كما نجد لدى الشاطبي، وقد ربط هؤلاء الثلاثة الحقوق بالمصالح، وأداروها عليها بناء على تعليل أحكام الشريعة كلها بجلب المصالح ودرء المفاسد، وفي كلام القرافي والشاطبيّ إحالة مُجملة لهذا المعنى إلى كلام العلماء. 

يقول القرافيّ: "حقه تعالى: أَمْرُه وَنَهْيُه، وحقُّ العبد مصالحه. وكلُّ حقٍّ للعبد ففيه حق لله تعالى، وهو أَمْرُهُ بإيصال ذلك الحق لمستحقه. هذا نص العلماء، والحديث الصحيح خلافه(سئل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ما حق الله على العباد؟ فقال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا») ففسّر حقه تعالى بالمأمور دون الأمر، فيحتمل أن يكون حقيقةً فيتعين المصير إلى تفسير رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- دون العلماء، ويحتمل التجَوّز بالمأمور عن الأمر فيوافق نصوص العلماء"(33). وقد احتدّ ابن الشاط المالكي في نقده لكلام القرافي؛ إذ كيف يُقرّ بما يخالف ظاهر الحديث النبوي، "وكيف يصح القول بأن حق الله تعالى هو أمره ونهيه، والحق معناه اللازم له على عباده، واللازم على العبد لا بد أن يكون مكتَسَبًا لهم، وكيف يصح أن يتعلق الكسب بأمره وهو كلامه وهو صفته القديمة"(34).

وتفسير حق الله بالأمر والنهي - وهو ما مشى عليه أيضًا العزّ بن عبد السلام(35) - يُدير المسألة على التعبّد والامتثال الذي يَلزم عنه الثواب والعقاب، ويُصَيّره طاعةً، وقد قال العزّ في موضع آخر: إن "الحقوق كلها إما فعلٌ للحسنات وإما كَفٌّ عن السيئات"(36)، وقال أيضًا: "ما من حقٍّ للعباد - يَسقط بإسقاطهم أو لا يسقط بإسقاطهم - إلا وفيه حقٌّ لله، وهو حق الإجابة والطاعة، سواءٌ كان الحق مما يُباح بالإجابة أو لا يباح بها"(37). 

لكن ذهب بعضُ متأخري الحنفية إلى تفسير حق الله بمعنى "النفع العام"، وحق العباد بمعنى "النفع الخاص"، وهو مفهوم لا نكاد نعثر عليه في كتب الفقه عامة، فضلاً عن كتب الحنفية المتقدّمين، وأول مَن وقفتُ عليه عرّفه بهذا علاء الدين عبد العزيز البخاري (730هـ) فقد قال: "وحق الله تعالى ما يَتعلق به النفع العام للعالَم، فلا يختص به أحد. ويُنسب إلى الله تعظيمًا أو لئلا يَختص به أحد من الجبابرة، كحُرمة البيت الذي يتعلق به مصلحة العالم؛ باتحاده قبلةً لصلواتهم ومثابةً لاعتذار أَجرامهم، وكحُرمة الزنا؛ لما يتعلق بها من عموم النفع في سلامة الإنسان وصيانة الفُرُش وارتفاع السيف بين العشائر بسبب التنازع بين الزناة. وإنما يُنسَب إليه تعظيمًا؛ لأنه - تعالى - يتعالى عن أن ينتفع بشيء، فلا يجوز أن يكون شيءٌ حقًّا له بهذا الوجه، ولا يجوز أن يكون حقًّا له بجهة التَّخليق؛ لأن الكل سواءٌ في ذلك(38)، بل الإضافة إليه لتشريف ما عَظُم خَطره وقَوِي نفعه وشاع فضله بأن ينتفع به الناس كافة. وحقُّ العبد ما يتعلق به مصلحة خاصة كحرمة مال الغير"(39)، وتابعَ علاءَ الدين البخاريَّ على ذِكر هذا المعنى سعدُ الدين التفتازاني (793هـ)، وابنُ أمير حاج (879هـ)، ومحمد أمين البخاري (أمير بادشاه)(972هـ)، وابن نجيم (970هـ)(40)، وإلى هذا المعنى ذهب ابن تيمية (728هـ) أيضًا فقسم "الحدود والحقوق" قسمين: "فالقسم الأول: الحدود والحقوق التي ليست لقوم معيَّنين؛ بل منفعتها لمطلق المسلمين، أو نوعٍ منهم، وكلُّهم مُحتاجٌ إليها، وتسمَّى حدود الله وحقوق الله، مثل: حد قطاع الطريق والسراق والزناة ونحوهم، ومثل الحكم في الأموال السلطانية، والوقوف والوصايا التي ليست لِمُعَيَّن"(41).

لكنّ أمير بادشاه يورد اعتراضين على هذا التعريف للحقوق، فتعريف حق الله بالنفع العام "يَرِد عليه: الصلاةُ والصوم والحج"، فهي مما لا يتضح فيها وجه النفع العامّ مع أنها حقوق لله، ولذلك يَجزم أمير بادشاه بالقول: "الحقُّ أن يُقال: حق الله ما يكون المستحق هو الله، وحق العبد ما يكون المستحق هو العبد". أما الاعتراض الثاني فهو أن حُرْمَة مال الغير مما يتعلق به النفع العام وهو صيانة أموال الناس"، مع أنها حق للعبد، وهنا يقول أمير بادشاه: "أجيبَ بأنها لم تُشرَع لصيانة أموال الناس أجمع"(42).

3- الحقوق بين المصلحي والتعبدي:

يلحّ الشاطبي في مواضع متعددة على المعنى التعبدي في الحقوق مُتابِعًا العزّ والقرافيّ ومبيّنًا ثلاثة أمور: 

الأول: أن الحقوق كلها راجعة في الأصل إلى الله وإن انقسمت إلى حقوق لله وحقوق للعباد، وأن حقوق العبد إنما ثبتت بإثبات الشرع لها، وأنها رخصة. يقول: "فقد صار إذًا كلُّ تكليف حقًّا لله، فإن ما هو لله فهو لله، وما للعبد فراجعٌ إلى الله من جهة حق الله فيه، ومن جهة كون حق العبد من حقوق الله؛ إذ كان لله ألا يجعل للعبد حقًّا أصلاً"(43). ويفترض اعتراضًا على هذا الكلام مُفادُه: أن هناك حقًّا واحدًا إذًا ولا يبقى حقٌّ واحدٌ يكون فيه العبد مُخَيَّرًا. ويجيب: "هذا القسم الواحد هو المنقسم؛ لأن ما هو حق للعبد إنما ثبت كونه حقًّا له بإثبات الشرع ذلك له، لا بكونه مستحقًّا لذلك بحكم الأصل،... فمن هنا ثبت للعبد حق ولله حق، فأما ما هو لله صِرفًا فلا مقال فيه للعبد، وأما ما هو للعبد فللعبد فيه اختيار من حيث جعل الله له ذلك، لا من جهة أنه مستقلٌّ بالاختيار، وقد ظهر بما تَقدم آنفًا تخيير العبد فيما هو حقه على الجملة"(44). فـ"حقوق الله تعالى -على أي وجه فُرضت- أعظم من حقوق العباد كيف كانت، وإنما فُسح للمكلف في أخذ حقه وطلبه من باب الرخصة والتوسعة لا من باب عزائم المطالب"(45).

والأمر الثاني الذي يؤكده الشاطبي هنا: 

أن الحقوق راجعة إلى معنى التعبد، "والتَّعَبُّدَ رَاجِعٌ إلى عدم معقولية المعنى بحيث لا يصح فيه إجراء القياس، وإذا لم يُعقل معناه دلّ على أن قصد الشارع فيه الوقوف عند ما حدَّه لا يُتَعَّدى"(46)، يقول: "يقول العلماء: إن من التكاليف ما هو حق لله خاصةًّ - وهو راجعٌ إلى التَّعَبُّد - وما هو حقٌّ للعبد، ويقولون في هذا الثاني: إن فيه حقًّا لله كما في قاتل العَمْد، وفي القاتل غيلة: إنه لا عفو فيه، وفي الحدود إذا بلغت السلطان فيما سوى القصاص كالقذف والسرقة لا عفو فيه وإن عفا من له الحق... وما أشبه ذلك من المسائل الدالة على اعتبار التعبد وإن عُقل المعنى الذي لأجله شُرع الحكم(47). ويقرر ما يشبه القاعدة فيقول: "كل ما كان من حقوق الله فلا خيرة فيه للمكلف على حال، وأما ما كان من حق العبد في نفسه فله فيه الخِيَرة"(48).

والثالث: أن كل حكم شرعي فيه حق لله تَعَبديٌّ وحقٌّ للعبد مصلحيٌّ، وأن تغليب حق العبد جاء في مصالحه الدنيوية، وأن المصالح الأخروية تطلق على حق الله، قال: "كل حكم شرعي ليس بخالٍ عن حق الله تعالى وهو جهة التعبد، فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق، فإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجرَّدًا فليس كذلك بإطلاق، بل جاء على تغليب حق العبد في الأحكام الدنيوية، كما أن كل حكم شرعي ففيه حق للعباد إما عاجلاً وإما آجلاً؛ بناء على أن الشريعة إنما وضعت لمصالح العباد، ولذلك قال في الحديث: حق العباد على الله إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئًا ألا يعذبهم، وعادتهم في تفسير حق الله أنه ما فُهم من الشرع أنه لا خِيْرة فيه للمكلف، كان له معنىً معقولٌ أو غير معقول، وحق العبد ما كان راجعًا إلى مصالحه في الدنيا، فإن كان من المصالح الأخروية فهو من جملة ما يُطلق عليه أنه حق لله، ومعنى التعبد عندهم: أنه ما لا يُعقل معناه على الخصوص، وأصلُ العبادات راجعةٌ إلى حق الله، وأصل العادات راجعة إلى حقوق العباد"(49).

والربط بين الحقوق والمصالح بعد تأكيد هذه المعاني الثلاثة لا يُخرجها عن التعبّد ولا يُحيلها إلى حكم العقل، فالشاطبي يقرر بوضوح أن "المصالح -من حيث هي مصالح- قد آل النظر فيها إلى أنها تَعَبديات، وما انبنى على التعبّدي لا يكون إلاَّ تَعبّديًا"(50)؛ لأن "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتَّى يكون عبدًا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارًا،... وإذ ذاك يكون اختياره تابعًا لوضع الشارع، وغرضُه مأخوذًا من تحت الإذن الشرعي لا بالاسترسال الطبيعي"(51).

4- الأحكام والحقوق في النظر الأصولي:

سؤال العلاقة بين الأحكام والحقوق دفع البعض إلى القول - كما أشرنا في مقدمة هذا البحث -: إن الإنسان في النظر الشرعي هو "إنسان التكليف قبل أن يكون صاحب حق وحرية"، في حين دفعَ آخرَ إلى انتقاد المفهوم الفقهي لحقوق الله وحقوق الآدميين الذي يُزاحم - برأيه - المفهومَ الحديث "لحقوق الإنسان" ويجعله ملتبسًا؛ إذ يجعل "الإنسان مكلَّفًا في المقام الأول قبل أن يكون صاحب حقوق"(52). وأصل الإشكال يرجع إلى مرجعية كلٍّ من التصورين، فالفقهاء والأصوليون محكومون إلى النص، ويجعلون مقصد الشريعة إخراج الإنسان عن داعية هواه حتَّى يصير عبدًا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارًا.

والعلاقة بين الحقوق والأحكام يوضحها مفهومهم للحق وموقعه من مباحث علم الأصول، وقد اختلف الأصوليون - كما سبق - في مفهوم الحق فأطلقوه على الحكم وعلى الفعل، ولكن الفقهاء توسعوا أكثر من ذلك، فأطلقوه على معنى ما هو مستَحَقٌّ وعلى معان أخرى، وعن هذا الاختلاف نشأ اختلاف تصرفاتهم وتعبيراتهم في مسألة الحقوق، فنجد بعض الأصوليين من الحنفية إنما تناولوا مسألة الحقوق هذه ضمن باب (المحكوم به)، وهو "الفعل الذي تَعَلّق به خطاب الشارع"(53)، وبعضهم فسّر الأحكام هنا بأنها "جمع حكم بمعنى المحكوم به"(54). وحينما عبروا عن حقوق الله وحقوق العباد قال البزدويّ: "أما الأحكام فأنواع..."، وقال القرافي: "والتكاليف على ثلاثة أقسام..."، وقال الشاطبي: "والأفعال بالنسبة إلى حق الله أو حق الآدمي ثلاثة..."، وهو ما يتنزل على الاختلاف في إطلاق الحق على الفعل أو على الحكم، وسواءٌ فسرنا الحق بالحكم أم بالفعل فإن الأمر يدور في النظر الأصولي ضمن دائرة واحدة هي (التكليف)؛ فالحق أثرٌ للحكم الذي يَثبت عندهم بالشرع، والحكم إنما يتعلق بالفعل، ومن ثم فإن مسألة الحقوق منبثقة عن التكاليف التي ثبتت بخطاب الشارع.

وقد نشأ عن هذا الربط بين الحقوق والأحكام/التكاليف أن الحكم "إذا كان دائرًا بين حق الله وحق العبد لم يصحّ للعبد إسقاط حقه إذا أدى إلى إسقاط حق الله"(55)، وأنه إذا تعارَضَ حق الله وحق العباد فالمُقَدَّم حق الله(56)، و"أن الأوامر والنواهي يمكن أخذها امتثالاً من جهة ما هي حقٌّ لله تعالى مجرَّدًا عن النظر في غير ذلك، ويمكن أخذها من جهة ما تَعَلَّقت بها حقوقُ العباد"(57)، ثم "قد ينفرد حق الله تعالى كالمعرفة والإيمان، وقد ينفرد حق العبد كالديون والأثمان، وقد يختلف العلماء إذا اجتمعا في أيهما يَغْلب كحد القذف"(58).

ولكن هل معنى ذلك أن الأمر في الحقوق آل إلى "إنسان التكليف" لا "إنسان الحقوق" كما أشكل على بعضهم؟ 

ينشأ هذا الإشكال من جهة تَصَوّر معنى "التكليف" وأنه مقابل "للحقوق" وهو ليس كذلك، فالحقوق داخلة في التكليف، والتكليفُ معناه الرجوع إلى خطاب الشارع، وخطاب الشارع مقصوده تحصيلُ مصالح العباد في الدارين، ومن هنا ثبتت حقوق العبد على صفة الإلزام الديانيّ أوَّلاً، وعلى جهة الإلزام القضائي ثانيًا. ثم إن الحقوق عند الفقهاء منظومة فردية وجمعيّة معًا، وصفة التكليف ترجع في محصَّل الأمر إلى الإلزام للفرد في حق نفسه أوَّلاً، وفي حق الآخرين ثانيًا، وهو ما يُبطل تَصور التكليف على أنه واجبات فردية مقيِّدة لحرية الإنسان، وقد نبه الشاطبي إلى نحو هذا المعنى فقال: "تأخير حقوق العباد [على حقوق الله] إنما هو فيما يرجع إلى نفس المكلف لا إلى غيره، أما ما كان من حق غيره من العباد فهو بالنسبة إليه من حقوق الله تعالى"(59). 

والحقوق عند الفقهاء واسعة جدًّا كما سنرى، وليست "حقوقًا بسيطة"، كما أن حقوق الآدميين ليست مقتصرة على "حقين فقط هما القذف بالزنا وحد الجنايات" كما فهم بعضهم(60). ومنشأ الإشكال لديه أنه إنما ربط بين الحقوق والحدود، ومنظومة الحقوق أوسع من ذلك بكثير، وابن تيمية ينتقد مثل هذا التصور فيقول: "مَن قصَر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الجسم فقط فقد قصَّر"(61)، كما أن ذلك الفهم ناتج عن قراءة قاصرة لمفهوم الحقوق عند الفقهاء(62). 

ولكن تَصَور الفقهاء للحقوق السياسية يبقى قاصرًا بالمقارنة مع المفاهيم الحديثة، وهو ما يكاد يغيب تمامًا حتَّى عند فقهاء المصالح والمقاصد، ففي نصّ للشاطبي يوضح فيه حدود "تخيير العبد فيما هو حقه على الجملة"، يقول فيه: "ويكفيك من ذلك اختياره في أنواع المتناولات من المأكولات والمشروبات والملبوسات وغيرها مما هو حلالٌ له، وفي أنواع البيوع والمعاملات والمطالبات بالحقوق، فله إسقاطها وله الاعتياض منها، والتصرف فيما بيده من غير حَجْر عليه، إذا كان تصرفه على ما أُلف من محاسن العادات"(63). 

5- منظومة الحقوق عند العز بن عبد السلام:

تميز الإمام العز بن عبد السلام بتصنيفٍ للحقوق لم أرَ من سبقه إليه، ويحسن أن نختم بحثنا هذا به لأهميته في بيان الحقوق عند الفقهاء لجهات عدة: 

الأولى: من جهة شمولية الحقوق لمظاهر الحياة كلها. 

الثانية: من جهة ربطها بالمصالح والمفاسد. 

الثالثة: من جهة تَجَاوزها لحياة الإنسان إلى مماته. 

الرابعة: من جهة تَجَاوزها لحقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان.

يبدأ العز تقسيم وتصنيف الحقوق بربطها بالمصالح فيقول: "جلب المصالح ودرء المفاسد"، ثم يسرد الأقسام وأمثلتها. والحقوق لديه تدور على قسمين: ما يتعلق بحقوق الخالق، وما يتعلق بحقوق المخلوقين، وعنهما تتفرع جميع الحقوق. 

فالضرب الأول: ما يتعلق بحقوق الخالق، كالطاعة والإيمان وتَرْك الكفر والعصيان. وحقوق الله ثلاثة أقسام: 

أحدها: ما هو خالص لله، كالمعارف والأحوال المبنية عليها، والإيمان بما يجب الإيمان به... 

والثاني: ما يتركب من حقوق الله وحقوق عباده، كالزكاة والصدقات والكفارات والأموال المندوبات والضحايا والهدايا والوصايا والأوقاف، فهذه قُربة إلى الله من وجه ونَفْع لعباده من وجه، والغرض الأظهرُ منها نَفْع عباده وإصلاحهم بما وجب من ذلك، أو ندب إليه؛ فإنه قُربة لباذليه ورِفقٌ لآخذيه. 

الثالث: ما يتركب من حقوق الله وحقوق رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وحقوق المكلف والعباد، ومن أمثلته: الأذان ففيه الحقوق الثلاثة، أما حق الله تعالى فالتكبيرات والشهادة بالوحدانية، وأما حق الرسول فالشهادة له بالرسالة، وأما حق العباد فبالإرشاد إلى تعريف دخول الأوقات في حق النساء والمنفردين، والدعاء إلى الجماعات في حق المقتدي. ويذكر من أمثلة ذلك أيضًا الإقامة والصلاة، والجهاد ويوضح وجه الحقوق الثلاثة في كلٍّ. 

الضرب الثاني: ما يتعلق بحقوق المخلوقين من جلب مصالح ودرء مفاسد، وهو ثلاثة أقسام: 

أحدها حقوق المكلف على نفسه، كتقديمه نفسَه بالكساء والمساكن والنفقات، وكذلك حقوقه في النوم والإفطار وترك الترهب.

والثاني: حقوق بعض المكلفين على بعض، وضابطها جلب كل مصلحة واجبة أو مندوبة، ودرء كل مفسدة محرمة أو مكروهة. وهي منقسمة إلى فرض عين وفرض كفاية، وسنة عين وسنة كفاية، ومنها ما اختُلف في وجوبه وندبه، وفي كونه فرض كفاية أو فرض عين،... ولهذا أمثلة كثيرة جدًّا يسوقها ويُطيل فيها، منها: التسليم عند القدوم، وتشميت العاطس، وعيادة المرضى، والإعانة على البر والتقوى وعلى كل مباح، ومنها ما يجب على الإنسان من حقوق المعاملات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها حكم الحكام والأئمة والولاة بإنصاف المظلومين من الظالمين، وتوفير الحقوق على المستحقين العاجزين، وكذلك أن يدفع حاجات الناس وضروراتهم بحيث لا يُحوِجهم أن يطلبوا ذلك من رب العالمين، والتقاط الأموال الضائعة والأطفال المهملين، وستر الفضائح والكف عن إظهار القبائح، والكف عن الشتم والظلم، وكسوة العراة. 

ثم جعل حقوق العباد على ضربين: أحدهما حقوقهم في حياتهم. والثاني: حقوقهم بعد مماتهم. 

القسم الثالث: حقوق البهائم والحيوان على الإنسان.

ثم قال: إن هذه الحقوق كلها ضربان: أحدهما: مقاصد، والثاني: وسائل ووسائل وسائل. ثم راح يقسم الحقوق إلى ما هو متساوٍ يتخير فيه العبد، وما هو متفاضل يُقَدَّم بعضه على بعض عند تَعَذر الجمع، وما اختُلف في تفاوته وتساويه من حقوق الله، وما يُقَدَّم من حقوق بعض العباد على بعض، وما يتساوى من حقوق العباد فيتخير فيه المكلف، وما يتقدم من حقوق الرب على حقوق عباده، وما يتقدم من حقوق العباد على حقوق الرب، وما اختُلف فيه من تقديم حقوق الله على حقوق عباده(64). 

_________________________

1) انظر: الغزالي، المستصفى من علم الأصول، تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993م، ص8.

2) محمد فتحي الدريني، أصول حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي ومدى أثرها في العلاقات الدولية، مجلة التراث العربي، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، عدد 17، 1984م، ص15.

3) رفاعة الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، تقديم عبده إبراهيم علي، القاهرة بيروت، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، 2012م، ص461.

4) الطهطاوي، مناهج الألباب، ص470، ولكن في المقابل يُقرّ الطهطاوي ص462 للملك بحقوق تسمى "بالمزايا"، من مثل أنه خليفة الله في أرضه، وأن حسابه على ربه فليس عليه في فعله مسؤولية لأحد من رعاياه!.

5) رضوان السيد، الإنسان وحقوقه لدى المسلمين والغربيين، مجلة التسامح، عدد 18، 2007م، ص26.

6) انظر: تقديم عبده إبراهيم علي لمناهج الألباب المصرية، ص37، وقد اعتمد في هذا على أنور لوقا في كتابه: "وصية رفاعة الفكرية". والطهطاوي يتحدث عن الحرية بأنها رخصة وإباحة بالمعنى الفقهي، وهو المعنى الذي سيأتي لاحقًا في كلام الشاطبي، ما قد يشير إلى أن الطهطاوي اطلع على كتاب الموافقات.

7) انظر: عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، (د.م، د.ت) ص12-50، وهو ما يعود فتحي الدريني لتأكيده سنة 1984م في مقاله المشار إليه سابقًا. ويستعمل الفقهاء "الاستخلاف" في سياقات متعددة ليس بينها هذا المعنى المُحْدَث لدى الإسلاميين المعاصرين، فالفقهاء يتكلمون عن (استخلاف الإمام في الصلاة)، وبعضهم يعقد فصلاً خاصًّا لذلك، ويتكلمون عن (استخلاف الإمام للقاضي)، وإذا ما تحدثوا عن "الخليفة" فهو الإمام السياسي. وبعضهم يتحدث عن خلافة رسول الله في تعليم القرآن أو في الأذان والقضاء ونحوها من الوظائف الدينية. انظر: الدر المختار، ج1، ص602، والقرافي، الذخيرة، تحقيق محمد حجي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1994م، ج2، ص283، وشرح مختصر خليل، ج2، ص50، والسرخسي، المبسوط، ج1، ص179، وج10، ص9، وج16، ص37، و65، وتحفة الفقهاء، ج3، ص303. 

8) انظر مثلا: محمد فتحي عثمان، حقوق الإسلام بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، ط1، القاهرة، دار الشروق، 1982م، ص11 حيث يبدأ من المقدمة بتوضيح فكرة الحق الطبيعي. وهو يسرد الحق من الميثاق العالمي ثم يقرر وجوده في الإسلام وأسبقيته لذلك. وقد كان كتاب محمد الغزالي "حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة" الذي صدر في الستينيات، يشير "في الهامش إلى أرقام المواد المتصلة بالبحوث الإسلامية من هذا الإعلان"، كما صرّح في مقدمته التي يتحدث فيها عن السبق الإسلامي وأن هذه بضاعتنا رُدّت إلينا.

9) محمد عمارة، الإسلام وحقوق الإنسان: ضرورات لا حقوق، الكويت، عالم المعرفة، 1985م، ص11-18. ويَعْتبر أن هذا كشف لخاصية إسلامية لم يُسبَق إليها، على حين يقرر فتحي عثمان في كتابه السابق، ص27 أن إقرار الحقوق يقترن بتقرير الواجبات، وهو ما يؤكد عليه أيضًا فتحي الدريني في مقاله السابق، ص21-22، ولكن الدريني يقرر بالاستناد إلى نصوص للشاطبي أن الشريعة هي أساس الحق، وليس الحق صفة ذاتية من صفات الإنسان، أو خاصة من خصائصه الفطرية، وهو ما يناقض ما يحاول عمارة إثباته. انظر: الدريني، النظريات الفقهية، ط4، دمشق، جامعة دمشق، 1997م، ص103 وما بعدها، وأصول حقوق الإنسان، ص14.

10) محمد فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ط4، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1988م، ص8، وكانت طبعته الأولى سنة 1967.

11) فتحي الدريني، أصول حقوق الإنسان في التشريع، ص10.

12) حتى بعض الدراسات العلمية لم تنجُ من الهاجس السياسي والمقارنة مع الغرب، انظر مثلاً: عبد النور بزا، مصالح الإنسان، بيروت، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، في المقدمة، وص82، وص287.

13) سعد الدين التفتازاني (793هـ)، شرح التلويح على التوضيح، القاهرة، صبيح، [د.ت]، ج2، ص299.

14) محمد بن علي بن حسين مفتي، تهذيب الفروق (مطبوع مع الفروق)، ج1، ص157.

15) ابن الشاط، إدرار الشروق على أنواء الفروق، (مع الفروق)، ج1، ص142.

16) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ج18، ص10-11.

17) انظر: حاجي خليفة، كشف الظنون، ج1، ص673.

18) ابن خلدون، المقدمة، تحقيق خليل شحادة، ط2، بيروت، دار الفكر، 1988م، ج1، ص276.

19) ابن خلدون، المقدمة، ج1، ص280.

20) ابن خلدون، المقدمة، ج1، ص302.

21) ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، الرباط، الأكاديمية المغربية، 1417 هـ، ج1، ص331.

22) انظر على سبيل المثال: الماوردي، الحاوي، ج8، ص347، وابن قدامة، المغني، ج10، ص213-214، وهذا شائع في كتب الفقه.

23) لم أجد من أشار إلى هذا المعنى، ولكنني استفدته من بعض نصوص الحنفية الذين يذكرون أنه "لا يُتَصوَّر قسم آخر [أي ثالث] اجتمع فيه حق الله تعالى وحق العبد على التساوي في اعتبار الشارع"، وفي نص آخر يقول: "إنه لا يُتَصَوَّر أيضًا". سعد الدين التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح، ج2، ص300، وابن أمير حاج، التقرير والتحبير، ط2، بيروت، الكتب العلمية، 1983م، ج2، ص104.

24) البخاري، الجامع الصحيح، تحقيق مصطفى البغا، ج3، ص56.

25) الحارث المحاسبي، الرعاية لحقوق الله، تحقيق عبد الحليم محمود، القاهرة، دار المعارف، ص82.

26) مالك، المدونة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1994م، ج4، ص546 وفي مواضع أخرى، والشافعي كتاب الأم، بيروت، دار المعرفة، 1990م، ج6، ص157، و164، و229. 

27) رواه البخاري في مواضع عديدة، منها: ج4، ص29، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، رقم 30.

28) جاء الاستشهاد به في الكتب التالية: الماوردي، الحاوي، ج15، ص275؛ والسرخسي، المبسوط، بيروت، دار المعرفة، 1993م، ج8، ص134؛ والكاساني، بدائع الصنائع، بيروت، الكتب العلمية، 1986م، ج3، ص7؛ والزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، القاهرة، بولاق، 1313هـ، ج3، ص111.

29) انظر تفاصيل هذه التقسيمات وأمثلتها في: الموسوعة الفقهية الكويتية، ج18، ص13-47.

30) الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده للدكتور محمد فتحي الدريني، والحق والذمة للشيخ علي الخفيف كتبه سنة 1945م، ومصادر الحق في الفقه للدكتور السنهوري.

31) استقرأت أغلب هذه الفروق من: الماوردي، الحاوي، ج4، ص292، وج9،ص577، و580، وج10، ص497، و523، وج9، ص481، وج15، ص314، وج17، ص221، وانظر: الجويني، نهاية المطلب، ج6، ص411، والشاطبي، الموافقات، طبعة مشهور، ج3، ص101، وفي الفروق للقرافي بعضها.

32) المزني، مختصر المزني، ملحق بكتاب الأم، ج8، ص372.

33) القرافي، الذخيرة، ج8، ص270، وأكد المعنى نفسه في الفروق، ج1، ص141-142.

34) ابن الشاط، إدرار الشروق، (مع الفروق)، ج1، ص142.

35) العز بن عبد السلام، مقاصد الرعاية (وهو اختصار لكتاب الحارث المحاسبي)، تحقيق إياد الطباع، دمشق، دار الفكر، 1995م، ص12.

36) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ج1، ص178.

37) العز، قواعد الأحكام، ج1، ص167. وقال: "وإذا سقط حق الآدميّ بالعفو فهل يُعَزَّر مَن عليه الحق لانتهاك الحرمة؟ فيه اختلافٌ، والمختار أنه لا يسقط؛ إغلاقًا لباب الجرأة على الله عز وجل".

38) أي باعتبار الخَلْق والتخليق كل الأفعال سواءٌ في حقه تعالى فهو الخالق المتفرد، وباعتبار التضرر والانتفاع هو متعال عن الكل.

39) عبد العزيز البخاري، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، بيروت، دار الكتاب الإسلامي، [د.ت]، ج4، ص134-135.

40) انظر: سعد الدين التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح، ج2، ص300، وابن أمير حاج، التقرير والتحبير، ج2، ص104، ومحمد أمين البخاري أمير بادشاه، تيسير التحرير، بيروت، دار الفكر، ج2، ص174، و181، وابن نجيم، فتح الغفار بشرح المنار، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، 1936م، ج3، ص66.

41) ابن تيمية (728هـ)، السياسة الشرعية، السعودية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1418هـ، ص51.

42) أمير بادشاه، تيسير التحرير، ج2، ص174.

43) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص535-536.

44) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص104-105.

45) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص562.

46) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص538-540.

47) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص535-536.

48) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص101.

49) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص538-540.

50) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص535.

51) الشاطبي، ج2، ص289، 293، ويكرر المعنى نفسه مرات: ج2، ص264، وص328، وج5، ص77، و285.

52) عبد المجيد الشرفي، لبنات في الثقافة والمجتمع، تونس، دار الجنوب، 2011م، ج3، ص163.

53) التفتازاني، شرح التلويح، ج2، ص299. 

54) ابن نجيم، فتح الغفار، ج3، ص66، وانظر: التفتازاني، شرح التلويح، ج2، ص109.

55) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص101.

56) انظر: الشاطبي، ج3، ص550-551.

57) الشاطبي، ج3، ص549.

58) القرافي، الذخيرة، ج8، ص270.

59) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص563.

60) انظر: عبد المجيد الشرفي، لبنات، ج3، ص169، 180.

61) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج11، ص343.

62) اعتمد الشرفي في نقده لفكرة حقوق الله وحقوق الآدميين على كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، والاقتصار عليه قصورٌ في فهم منظومة الحقوق لدى الفقهاء، فكتب السياسة الشرعية إنما تهتم بالجانب السياسي والقضائي من الحقوق فقط.

63) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص104-105.

64) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ج1، ص153-177.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/9/180

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك