كيف يتكون الدين؟ العقيدة والإنسان والمجتمع

ألفرد هوايتهد

1. الدين وارتفاع العامل الإنساني: 

في مراحل مختلفة من التاريخ، تدخل في الاعتبار والفعالية عوامل جديدةٌ، ويظهر تأثيرها في التطور باتجاهاتٍ عليا، أو في تردّي أحوال مجتمعات إنسانية، نتيجة انطلاق دوافع ومشكلات إنسانية يُصبحُ تدخُّلُها حاسماً. خلال آلاف السنين السابقة على المسيح، توقفت الجماعات الدينية عن أن تكون الفئة الدافعة للتقدم. وإذا تأملنا مجمل الأمر، فإنّ تلك المجتمعات أدّت للبشرية خدماتٍ جيدة؛ فبواسطة الأفكار والتصرفات التي طوَّرتها تقدمَ الوعيُ بالوحدة الاجتماعية والمسؤولية الاجتماعية بوتيرةٍ أسرع. فالمقدَّس المشترك أعطى الإحساسَ بالانتماء الكامل للجماعة القَبَلية. فمن خلال تلك الديانات تنامى الإحساسُ بمعانٍ للحياة، لا تقتصر على مجرَّد العمل على البقاء. وقد جلبت الأديان أشكالا دينية محدَّدة، ومهما بلغ من هشاشتها؛ فإنها أعطت مسوِّغاتٍ لتلك الأحاسيس وجسَّدتها.

لكنْ -وفي مرحلةٍ تاريخيةٍ معينةٍ (ورغم الاستمرار في الحفاظ على بنية المجتمعات)- توقفت الأديان عن أن تكون عوامل أو دوافع في التقدم؛ لقد أدّت واجبها، وأنقذت الفضائل القديمة، التي جعلت من الجماعات مجتمعاتٍ كبرى؛ لكنها ما جاهدت فـي اكتسـاب الفضائل الساعيـة لتجعـل مـن حيوات الجماعات "دولة الله" أو مدينته، التي كانت تهدف لإحلالها. لقد كانت دياناتٍ متوسطة القوة والطموح، والتوسُّطُ يقعُ مع المُثُل على حافة الحرب. 

لقد اخترق التفكير الإنساني الأفق المحدود باتجاه البنية الاجتماعية الأُخرى، ودخل العالم كلُّه في أفق الوعي التعبيري الواضح. وقد كانت إمكانية الحراك الفردي مع وجود الأمان النِسبي بين دوافع توسيع التفكير، وكان بوسع القبيلة - التي تتحرك بتوحُّدٍ وسط الأخطار - أن تندفع باتجاه أفكارٍ جديدة؛ بيد أنّ المحيط العدائي يظلُّ كفيلاً بحفظ وتقوية التوحُّد القَبَلي؛لكن الفرد المسافر يقابل الغرباء (الذين يصادفهم) بمودةٍ وبشاشة، وهو يعودُ إلى موطنه، ويدفع باتجاه "العادة" الجديدة؛ أي تجاوُز حدود القبيلة تفكيراً وتصرفاً.

ويمتلئ تاريخ الديانات المعقلَنَة بالتقارير عن الانفلات من الحياة الاجتماعية الروتينية، وعندما نعود بهذا الشأن إلى العهد القديم نجد أنّ إبراهيم ارتحل، واليهود جرى نفيُهُم إلى بابل، وعادوا بشكلٍ عاديٍّ إلى ديارهم بعد جيلين(وفي العهد الجديد) فإنّ اهتداءَ بولس حدث خلال رحلة، وخلال رحلاته تطور لاهوتُه.

إنّ الألف عام السابقة على المسيح كانت عصر الرحلات، ولدى الإغريق يمكن ذكر هيرودوت وتوسيديدس وأفلاطون وكسينوفان وأرسطو مثالاً على روح تلك الحقبة الطويلة. إنّ الإمبراطوريات الكبرى، وطرق الأسفار للتجارة، سهَّلتا الرحلات. كل واحدٍ كان يستطيع السفر، ويجد العالم منعشاً وجديداً، لقد ظهر وعيٌ عالمي.

أما في الهند وفي الصين فقد ظهر الوعي بالعالم بطريقةٍ مختلفة؛. بيد أنه إذا تجاوزنا التفاصيل، فالقواعد العامة كانت واحدة. فالأفراد انفصلوا عن محيطهم الاجتماعي المباشر، وبأشكالٍ أدَّت إلى تقدمٍ فكريٍّ بارز.

وفيما يتعلق بالدين؛ فإنّ الوعي بالعالم بالمقارنة مع الوعي بالمجتمع القريب شكَّل مركز اهتمامٍ بما يعنيه مفهوم الصحة أو الحقيقة؛ فالوعي بالمجتمع يعني وعياً بالناس الذين يعاشرهم المرءُ ويحبهم، فالصحة هنا أو الحقيقة ترتبط بتصور الحفظ والصَّون. فالسلوك الصحيح أنّ الإله وحده هو الذي يحمينا، والخطأ يحدث عندما يظهر كائنٌ يريد بنا السوء أو يعمل على إبادتنا، وفي هذه الحالة فإنّ الدين يصبح جزءًا أو فرعاً من الدبلوماسية.

أمّا الوعي العالمي فإنّ ارتباطاته أقلّ، وهو يميل باتجاه تطوير مفهوم آخر بشأن صحة هذا الأمر أو ذاك، فالأفراد لا يعنون الكثير؛ لأنهم غير معروفين. وهكذا فإنّ التعبير شبه الدنيوي عن رحمة الله يكتسب أهميةً أكبر من الحديث عن الإرادة الإلهية؛ ففي الدين المجتمعي يبحث المرء عن إرادة الله التي تحفظ وتصون؛ أمّا في الرؤية المتطهرة تحت تأثير الوعي العالمي للدين المُعقلَن؛ فإنّ الإنسان يبحث عن خيرية الله ورحمته؛ لكي يكونَ شبيهاً به أو يتخذه مَثَلا. إنه الفرقُ بين العدو الذي يحاول الإنسان تهدئة غضبه، والرفيق الذي يحاول الإنسانُ الاقتداءَ به.

2. المفارقة الختامية: 

إنّ النظر في تاريخ الدين يُثبتُ أنّ التطور باتجاه الدين المعقلن، إنما يحصُلُ نتيجة ظهور وعيٍ عالميٍّ أو وعيٍ بالعالم. إنّ المراحل المتأخرة لديانات الجماعات يسودُها ردُّ الفعل الواعي للطبيعة الإنسانية في مجال تنظيم المجتمع الذي تجد نفسها فيه. وردُّ الفعل هذا يكون تارةً مشاعر وأحاسيس، ترتدي أرديةً من الإيمان والشعائر، ويكون تارةً أخرى تأملاً عقلانياً يسوِّغ ذاتَه من خلال مقاييس انتظام المجتمع وبقائه. فالدين العقلاني هو عبارةٌ عن ردّ الفعل الواعي للإنسان على مجريات الكون والمحيط الذي يجد نفسَه فيه.

لقد تمدَّدت ديانات الجماعات إلى حدود العقلانية، وفي العالم الغربي يبدو ذلك في المراحل الأخيرة لعالم الدين في الدولة الرومانية، وفي تلك المراحل اتخذ البناء الاجتماعي النظرة الأَوسع الممكنة(لتقبُّل العقائد والمذاهب). لقد صار المقدَّس في الدولة الرومانية استناداً إلى الدين يشبهُ ما يمكن لكليةٍ للقانون في جامعةٍ عصريةٍ أن تقرره من أنّ الإجراءات العقابية وحدها ليست قادرةً على أن تمنع تصاعد الجرائم. نعم، لقد كان العالم الفكري للحاكم أغسطس والرجال من حوله لا يختلف كثيراً عن الحالة التي كانت عليها الذهنية الدينية في مراحلها التطورية الأخيرة.

وهناك شكلٌ آخر لدين الجماعات المتحوّل وصلت إليه الأمور لدى اليهود؛فقد كان الدين اليهودي يجسّدُ الأفكار العامة عن طبائع الأشياء، وطرائق التعبير عنها، بحسب ما تقتضيه مصالح الجماعة. وما جرى التوصُّلُ إليه كان ملائماً تماماً للظروف؛ لكنه ما كان متين القِوام، وكان الموضوع متعلِّقاً بأداء الدين وما ينبغي أن تكونَ عليه متعلِّقات ذلك الأداء. في العالم المعاصر؛ فإنّ العالم الديني يتأثر بأعمال رجال الدولة وعمالقة الصناعة والمصلحين الاجتماعيين. وفي حالة اليهود؛ فإنّ الأزمات هي التي قادت إلى ولادة المسيحية، وتشتيت اليهود من خلال القوة العسكرية لروما. والعوامل ذاتُها لعبت أدواراً في تفجير الحرب الكبرى في الزمن الحديث؛ لقد أدّى التطور الديني إلى ظواهر مَرَضية تتعلق بالوعي الذاتي والوطني، وكان ينقُصُ (اليهودية) عنصر المسالمة والتروّي. إنّ العمومية هي ملحُ الدين.

ولهذا السبب؛ فإنّ المسيحية انتشرت بسرعةٍ في الدولة الرومانية وجوارها، وهكذا ظهرت في العالم ديانتان: البوذية والمسيحية. وبالطبع، كان لكلٍّ من الديانتين في مجاليهما منافسون كثيرون؛ لكن يجب علينا أن نتأمَّلعوامل تفوقهما على المنافسين، من مثل وضوح الفكرة، وعموميتها، والبُعْد الأخلاقي، وقوة الاستمرار نتيجة الانتشار. وفيما بعد فإنّ عناصر تفوقهما هذه تعرضت للتهديد من جانب الإسلام. إنما حتى اليوم ما تزال الكاثوليكية والبوذية هما ديانتي الحضارة؛ لكنْ عندما نعود لمقارنة وضْعهما اليوم بوضْعهما بالأمس، نجد أنهما في حالة انهيارٍ وانحطاط؛ فقد أضاعت الديانتان قبضتهما على العالم.

3. الدين والعقيدة: الوعي الديني في التاريخ: 

تدين الديانات العقلانية الكبرى بالاستمرار لظهور الوعي الديني، والذي يبدو - بخلاف ديانات القبيلة وحتى الجماعة- عالمياً. ولأنه عالميٌّ؛ فإنه يظلُّ فريداً أو متفرداً؛ فالدين هو الذي يجعل من الفرد فريداً ومتفرداً. والسببُ في التواصُل بين العالمية والتفرد يكمُنُ في أنّ العالمية تقوم على الانفصال عن المحيط القريب. إنها المسعى لإيجاد المتماسك والعقلاني، اللذين يعينان على قراءة وتفسير التفاصيل المباشرة. إنّ عنصر التفرد في الدين يظهر على خير وجه في الأسفار الكبرى للعهد القديم. في هذه المجموعة من الكتب نجد بحثاً واعياً عن المبادئ العامة. أما الكتب الأُخرى فتظهر فيها أفكارٌ للتعامل مع ما كان يعد حاضراً آنذاك. تلك الكتب تعبّر عن نقائض التفكير في جداليات ذاك الزمان؛ لكنها لا تُبدي قدرةً على تشكيل بُنى (قابلة للاستمرار). في تلك الكتب العاكسة للأحداث، ليس هناك مسعىً لإصلاح المجتمع ولا حتى للتعبير عن ميول معينة؛ بل هناك محاولاتٌ واعية لإعادة صياغة مبادئ عامة.

في سِفر أيوب نجد صورةً لرجلٍ يعاني من عدة أنواعٍ من الأمراض والعلل التي كانت بالنسبة لزمانه معروفةً وسائرة، إنه يمزّق الحكمة الصوفية التي تجدُ في كلّ ما يحدث الأفضَلَ في كل العوالم؛ استناداً إلى عدالة الله الكامنة وراء كل الوقائع الظاهرة. الأساس في سِفر أيوب هو المفارقة بين المبادئ العامة أو الدوغما، والظروف الخاصة أو الطارئة التي تتبين من خلالها قوة تلك المبادئ وفعاليتها. وخلال ذلك السِفْر كلِّه يسري الخوف من أن يعود للظهور ربُّ القبيلة مستفيداً من التأمل العقلاني لفائدة أو فوائد تلك الدوغما.

لا تستطيع ديانةٌ- تضع الوقائع نُصب العين - أن تتعاطى مع الشرّ في العالم باعتباره أمراً تافهاً، والمعْنيُّ هنا ليس الشرّ بالمعنى الأخلاقي؛ بل أيضاً الألم والمُعاناة. يتعاملُ سِفْر أيُّوب مع مسألة الشرّ بما يؤدي إلى عدم التبسيط، الذي يميل إليه الناس السعداء: المُعاني نفسه هو الشرّ بحد ذاته؟ 

كلتا الدينين الكبيرين - المسيحية والبوذية-تجمّع لديهما ميراثٌ ضخمٌ للتعامل مع مشكلة الشرّ، وفي هذه المسألة بالذات يظهر بينهما اختلافٌ شديد:

أمّا البوذية فتعتبر الشر جزءًا طبيعياً في تكوين العالم فيزيقياً، كما في الخبرة الإنسانية. إنّ الحكمة التي يعلّمها الدين البوذي ويطلبها أن يُسلك في الحياة بما يؤدي إلى خلاص الأفراد، الذين صارت أجسادهم وأرواحهم حاملة لهذه الخبرة؛ فإنجيل الخلاص الذي تبشّر به البوذية هو الطريقة التي يستطيع بها الإنسان أن يبلغ هذا الخلاص (من الألم والشر). وإنها لواقعةٌ ميتافيزيقية، والتي تفترض البوذية وجودها في طبيعة الأشياء، ويمكن التعبير عنها أنّ هذا الخلاصَ لا يوصَلُ إليه بمجرد الموت. ولذا فإنّ البوذية بهذا المعنى هي المَثَلُ الأبرز في التاريخ للميتافيزيقا التطبيقية.

أما المسيحية فإنها سلكت طريقاً مختلفاً تماماً؛ لقد كانت المسيحية دائماً تبحث عن ميتافيزيقا تكون هي التي تُنتج الدين، والخطأُ هنا يكمن في نظامٍ ميتافيزيقي هو عبارةٌ عن طريقة تفكير تبسيطية. لقد كافحت المسيحية في تاريخ تطورها في مواجهة صعوبة أُخرى، وهي أنها ما كانت قادرةً على الانفصال بوضوح عن ديانات القبيلة الأقدم.

بيد أنّ المسيحية تملك - مقارنةً بالبوذية - إيجابيةً أُخرى؛ فقد كانت لديها القوة على التطور والتطوير، في حين أنه ما كان ممكناً للبوذية أن تتطور؛ لأنها انطلقت من تصوُّر ميتافيزيقي واضح، ومن المقولات التي انبثقت عن هذا التصور.فالمسيحية تنطلق من تصورٍ مَهولٍ للعالم؛ لكنّ هذا التصوُّر لا ينبثق من مسألة ميتافيزيقية؛ بل من فهمنا للأقوال والتصرفات التي قام بها أُناسٌ متفوّقون. فالعبقريُّ في الدين، الإشارة إلى الوقائع، والسؤال عن إمكانيات التفسير المنتظم لها. في موعظة الجبل، وفي الأمثال، وفي التقارير عن المسيح، تحيلُ الأناجيل ذلك القَصص إلى وقائع كاسحة. أمّا العقدياتُ فقد تكونُ في مرمى البصر أَوْلا؛ بيد أنّ ما يُهمُّ وهو الأساس، هو الوقائع الدينية. لقد ترك بوذا تعاليم هائلة، ولذا فإنّ الحقائق التاريخية في حياته تأتي في المرتبة الثانية. ولذا فإنّ المسيحية في معالجتها لمسألة الشر تبدو أقلّ وضوحاً في أفكارها، وفي مقابل ذلك فإنها تصبح أكثر اهتماماً بقراءة الوقائع. في البدء فإنها تعترف بالشرّ باعتباره جزءًا من طبيعة العالم؛ لكنها تدّعي أنّ هذا الشرّ ليس من الضروري أن يبقى حقيقةً ثابتةً في حيوات الأفراد؛ فهي تعد الشرَّ جزءًا من مسار الأشياء وإن بدا عَرَضياً. ولذا فإنها تترك مساحةً للمثال الذي يتخذ معنى وإمكانية الحقائق الواقعة. تملك المسيحية أو تدعو مثل البوذية إلى الخلاص. إنها تدعو إلى إدراك الشرّ على مستوىً أعلى؛ فهي تتجاوز الشرّ بالخير والحُسْنى. وتعمد البوذيةُ إلى إيضاح مقولاتها بالإشارة إلى الميتافيزيقا التي وضعتها؛ بينما تختلف المسيحية عنها بالإشارة لخطاباتٍ دينيةٍ عُليا في التاريخ.

واستناداً إلى المسألة الرئيسة المتعلقة بالشرّ فإنّ كلاً من المسيحية والبوذية تشيران إلى اختلافٍ ظاهرٍ في الأُسُس، إذا أخذنا العقيدة بالاعتبار: البوذية تنطلق من العقيدة الواضحة؛ بينما تنطلق المسيحية من الوقائع الواضحة. 

والواقع أنّ مشكلة الشرّ واحدةٌ فقط من بين اهتمامات التفكير الديني. أما القضية الأُخرى المهمة فهي السعي نحو الحكمة؛ ففي سِفْر الأقوال للواعظ سليمان - وهو أحد الأسفار المنحولة - وفي سِفْر الحكمة في كتاب يوسع سيراخ؛ نجد تقارير عن تأملاتٍ في المبادئ العامة، والتي تُعْرَضُ في أمثالٍ بسيطةٍ وتأمليةٍ وساخرة. فالسعي نحو الحكمة يجد أَصْلَهُ في محاولات تعميم الخبرة:

أمران أطلبهما أنا منك

فلا تحرمني ولا تمنعني

قبل أن أموت: السوء والكذب

أَبْعِدْهُما عني! 

لا تبتلني بالفقر ولا بالغنى 

وهَبْني القوتَ المكتوب لي

فلو أُتخمْتُ فقد أُنكرُكَ وأقول:

مَن هو السيد؟

وقد أُلجأُ للسرقة إذا افتقرت

فأعتدي على اسم إلهي 

(سِفْر الأقول: 30، 7-9)

إنّ العادة المتمثلة في الاهتمام بالنُذُر الكبرى للأنبياء تصرفُنا عن المواطن المتناثرة التي يبدو فيها العقل السليم للفئات الوسطى، والذي صار جزءًا من التقليد اليهودي؛ ففي تلك المَواطن تبدو وُجوهُ الوعي الحقائقَ الواقعية، حتى عندما لا تكون الأُصول الأخلاقية لذلك شديدة الوضوح:

مرةً أُخرى نظرتُ العالم تحت الشمس

وجدتُ أنّ السريع ليس هو

الذي يحظى بالجائزة

كما أنّ البطل ليس هو الذي يحوز النصر

والحكيم ليس هو الذي يجد الخبز

والعاقل ليس هو الذي يصبح غنياً

كما أنّ المتأنّي ليس هو الذي يحصل على الرضا

بل إنّ الجميع يخضعون (لضرورات) الزمان والمصادفة 

(الواعظ سليمان: 9، 11).

إنّ هذين الاقتباسين يعرضان حقائق عامةً معروفة، والتي أفادتها مئاتُ السنين من التجارب، ومع ذلك فإنها تصبح ديناً على ضوءٍ خافِت. وأول ما يخطر للمتأمّل وبوضوح أنّ الدين العقلاني لا يقتصر في تكونه وتطوره على العواطف المشبوبة؛ بل عليه أن يُثبت حضورَهُ في كل الأمزجة. ففي الظرف المناسب، والزمن الملائم، ولكل من يستطيع أن يدّعي الإيمان أو الامتلاك: الاعتراف بالوسط الذهبي، الذي يعني أنّ الزمن والمصادفة على حدٍ سواء يصنعان الأحداث.

إنّ الواقع أنّ مجموعة المزامير(في العهد القديم) ليست سِفْراً تأملياً؛ بل هي سِفْرٌ تعبيريٌّ مؤكّد، وهي تعبّر عن الحالة العاطفية للإنسان عندما يكون في موقعٍ متأرجحٍ عقلاً وعاطفةً بين العالمية وارتباطات دين القبيلة. فهناك فرحٌ بالقدرة على الخَلْق من جانب إلهٍ متعال، والذي يظلُّ له أيضاً جانبٌ قَبَلي. وبعظمةٍ وفخارٍ هائل يجري تمجيد تلك القوة: 

للرب الأرضُ وما عليها

الدنيا والمقيمون بها

من هذا ملك المجد؟ 

الرب القديرُ هو ملك المجد 

(المزامير: 24).

إنها أدبياتٌ عظيمة! لكنها لا تبحث عن حلولٍ للمشكلات التي عانى منها أيوب؛ فهذا التقديس لمجد الله، القائم على القوة والقدرة، ليس فقط خاطِراً؛بل إنها تعني مفهوماً هائلاً لله، وأخشى أنه حتى الأرض ذاتها لا تستطيع أن تحمل الأقدام التي تطؤها؛ لأنّ الناسَ سيسكرون من جاذبيتها الآسِرة. إنّ هذه الرؤية للكون - في أفق وشكل إمبراطوريةٍ شرقيةٍ يسودها عاهل ضخمٌ متنوّر- تجد اكتمالها في هذه الصورة. وفي سياقها التاريخي، فإنّ هذه الرؤية تعبر عن نهوضٍ ديني. والمزمار الذي اقتبسنا منه يضرب المَثَل الأَوضَح لذلك. ومن جانبٍ آخر؛ فإنّ المزامير تُظهر الكراهية، وهي مزامير ما عادت تُتلى في القداديس العامة؛ إذ الواقع أنّ تمجيد القوة حطّم من القلوب أكثر مما واسى.

البوذية والمسيحية تجد كُلٌّ منهما أصلَها في لحظتين مشبوبتين في التاريخ: حياة المسيح، وحياة بوذا. أما بوذا فقد نشر تعاليمه لتنوير العالم، كما أعطى المسيح حياته، ويكون على المسيحيين أن يدركوا المعنى العميق لذلك. وفي النهاية فإنّ القسم الأكثر قيمةً في تعليم بوذا هو شرح عِبَر حياته.

لا نمتلك سيرةً متصلةً وموثَّقةً لحياة المسيح؛ لكننا نملك ردود الفعل الأولى في صورة تقارير شديدة الحياة من جانب حوارييه وأصحابه بعد عدة سنواتٍ على التجربة، ومن ضمن ذلك ذكرياتهم، وشرحهم أو فهمهم، وصياغاتهم الأُولى (للتجربة ونتائجها). هناك نجد وصفاً ومحاولات لعقلنة الدين اليهودي، جرت بطرائق شديدة السذاجة، يلعب فيها الحدْس دوراً كبيراً من حيث الفهم والتعليل. أمّا خُطَب المسيح وكلماته فإنها لا تشكّل نمطاً من التفكير؛ بل إنها تشكّل أوصافاً للتأمل المباشر. والأفكار معروضة من روح فكره في صُوَرٍ شديدة الحيوية، وليس باعتبارها أفكاراً مجرَّدةً في صورة نظام. فبالحدْس يرى المسيح العلائق بين الناس الجيدين والآخرين السيئين. وتعبيراته لا توضَعُ في صيغة تحليلٍ لخيرية الإنسان أو شروره؛ فهو يتحدث في صورةٍ قريبةٍ من العمل والتصرف، وليس في صورة مفاهيم منتظمة. هو يتكلم في أسفل درجات التجريد التي تسمح بها اللغة، وهو يريد اللغة ذاتها وليس الوقائع. في موعظة الجيل، وفي الأمثال، ليس هناك تأمُّلات منعكسة عن الأشياء والوقائع؛ فالمسيح يجسِّدُ نوعاً من أنواع العقلانية، صادراً عن الحدْس المباشر، وهو بعيدٌ عن كلّ أشكال الجدل؛ إنّ حالة المسيح ليست وصفاً لسلطةٍ قامت، ومجدُهُ يبدو للذين يستطيعون اكتشافه، وليس لكلّ العالم. فقوته تكمن في اللاعنف. وهي تظهر في تمثُّل مثالٍ أعلى، ولذا فإنّ تاريخ العالم ينقسم في هذه اللحظة إلى قسمين متباعدَين.

4. وصف التجربة الدينية:

إنّ عقائد الدين ومقولاته تظهر في تجربة الإنسانية، باعتبارها كشفاً واضحاً عن الحقائق المستورة، وعلى نفس المنوال تبدو مقولات الفيزياء وتجاربها، والتي تبدو في الإدراك الحسّي للإنسانية بوصفها حقائق محرَّرة في صياغةٍ واضحة.

في الفصل السابق استعرضنا التجربة العملية، والآن يكون علينا أن ندرس ونحدّد طبيعتها العامة، لقد ذكرتُ في المحاضرة الأخيرة وصفاً عاماً، فقد قلت: "إنّ الدين هو قوة الإيمان، التي تنظّف داخل الإنسان". كما أنّ "الحياة الدينية هي الفن والنظرية للحياة الإنسانية الداخلية، بقدر ما تتعلق بالإنسان ذاته، وبقدر ما تتعلق بطبيعة الأشياء". والدين أيضاً هو "ما يفكّر فيه المرء انطلاقاً من واحديته وانعزاله".

إنّ هذا البُعْدَ المتصل بأصل الدين العقلاني جوهره واحديته وعزلته وهو الأساس؛ فالدين يتأسَّسُ بنتيجة عوامل وتواصُل ثلاثة مفاهيم في لحظةٍ من لحظات الوعي الإنساني. وهي مفاهيم تكمن علاقاتها بالوقائع والأشياء في تردداتها المتغيرة بعضها مع بعض، ومن خلال الطابع الأول للكون يمكن فهمها. وهذه المفاهيم هي:

1. القيمة الذاتية للفرد الإنساني.

2. والقيمة التي تظهر للأفراد فيما بينهم في هذا العالم.

3. وقيمة العالم الموضوعي، باعتباره جماعة، والعلاقات المتبدلة والخصبة الصافعة للعالم وأفراده، والتي تبدو ضروريةً لوجود كلّ فرد.

إنّ لحظة وعي الدين تنطلقُ من الإحساس بقيمة الذات، ثم تتّسع لتصبح مفهوماً للعالم باعتباره فلكاً أو أُفقاً تنتظم فيه القيم، والتي تتعمق بعلائق بعضها ببعضٍ أو تتدمَّر. إنّ الحدس بالعالم الحقيقي يَهَبُ التصورات الفارغة للمبدأ، الذي يُحدِّدُ درجات القيمة، مضامين خاصةً وواضحة. وهي تُظهر أيضاً عواطف، ونوايا، وشروطاً فيزيقية، باعتبارها جميعاً عوامل تُسهمُ في ظهور القِيم. في عالم وحدانيته وعزلته يسأل العقل: ماذا تستطيع الحياة بطريق القيمة أن تُنتج؟ والفرد لا يستطيع أن يجد هذه القيمة إلى أن يعمل على مزج دعواه الفردية بالكون الموضوعي؛فالدين (في النهاية) يمثّل ولاءً للعالم.

إنّ العقل والروح يضعان نفسيهما تماماً في السياق الكَوني، وهما يتخذانه باعتباره تطوُّرَهما الخاصّ. وعندما تسيطر الخبرة الدينية فإنّ الحياة تصبح من خلال هذا المبدأ الشكلي مشروطةً به، وهو يكون فردياً وعاماً في الوقت ذاته، كما يكون حقيقياً، وهو يتجاوزُ العلم المُنجَز، وفي الوقت نفسِه يدفع للاعتراف كما يسمح بالتجاهُل. وهذا المبدأ ليس صياغةً عَقدية؛ بل إنه حدسٌ بأحداثٍ مباشرة، وفيما يتعلق بالمثال المهمّ إمّا أن يفشل أو ينجح. هناك إذن حقيقةٌ ظاهرة إمّا أن تُبلَغَ أو ألا تُبلَغ. إنه الوحي الصادر عن طبيعةٍ، يمكن إدراكها وفهمها مثلما ندرك ونفهم أخلاق وطبائع أصدقائنا. إنما في هذه الحالة فإن الموضوع هو إدراك الخُلُق أو طبيعة الأشياء، وهو جزءٌ منها.

يقول كثيرون ممن يميلون للسلْب: إنّ الخبرة الدينية لا تعني حدساً مباشراً لدى الشخص المعيَّن أو لدى الفرد المعيَّن؛ إنها طبيعةٌ من الاتجاه للصحة، ووجودها في طبيعة الأشياء يُعدِّلُ الأهداف؛ بحيث إنها تتوافق مع الشروط المتّسقة، وهذه بدورها تضع نفسَها في الاتّساق المثالي. فالاتساق في العالم الحقيقي يتوافق مع طبيعة الأشياء. وليس بالوسع بالطبع القول: إنّ كلّ وجهةٍ للكَون في كلّ تفصيلاتها تتفق مع تلك الطبيعة. بل هناك قدْرٌ معيَّنٌ من التوافق، وقدرٌ معينٌ من الانحراف. وهذا الحدس بالاتساق أو التفاوت يبني الفارق الذي سعى إليه(المؤمن) من خلال خبرته. وما دام التطابق ليس كاملاً؛ فإنّ الشر يظل موجوداً في العالم.

إنّ الشاهد على القول بالعمومية -وحتى وإن كانت لا تعني توافقاً كونياً مع التعاليم - لا يعني بالضرورة وجود رؤيةٍ مباشرةٍ للإله الشخصي؛ فلا بُدَّ من فحصٍ للتفكير الديني في العالم المتحضر، وهنا تكون مصادر الشواهد مُلاحظةً وليست واضحة.

في الهند والصين، وعندما نتأمل التفكير الديني بعناية، نجد أنهم لا يقولون بالإله الأوحد في الكون أو بضرورة ذلك، وهذا يسري على الفلسفة الكونغوشيوسية، والفلسفة البوذية، والفلسفة الهندوسية. ربما يكون ممكناً تجسُّد شخصياتٍ؛ لكنّ الأصل يبقى غير شخصي. وكذلك فإنّ اللاهوت المسيحي اتخذ بشكلٍ أساسيٍّ موقفاً يرى أنه - بالحدْس المباشر - ليس هناك جوهرٌ واحدٌ لهذا العالم. إنها تقول بوجود إله شخصي متفرد باعتباره الحقيقة؛ لكنّ هذا الاعتقاد يتضمن نتائج. ويزعم معظم اللاهوتيين أنّ هذا الاستنتاج معقولٌ وواضحٌ ويستطيع كل الناس ان ينضمُّوا إليه استناداً إلى خبرتهم الشخصية.إنما حتى لو حصل ذلك فإنه يكون استنتاجاً وليس حدْساً مباشراً. وهذا هو التعليم التقليدي للكنيسة الكاثوليكية بالمعنى الضيّق. والتعاليم الأُخرى تُواجَهُ من جانب الكنيسة الكاثوليكية/الرومانية بالاحتقار، شأن ما حصل مع الفلسفة الدينية لروزمينيز.

وكان الفكر الإغريقي قد سلك المسلك نفسه عندما اتجه لبحث الطقوس التقليدية؛ فكلُّ المحاولات في اليونان القديمة لصياغة عقلانيةٍ للدين اصطدمت بالفيتاغوريين وتصوراتهم بشأن الحدْس المباشر بعدالة طبيعة الأشياء، وقد أخذ ذلك باعتباره شرطاً ونقداً ومثالاً (وترك تأثيراتٍ جمة)؛ فالذات الإلهية موجودةٌ في الطبيعة، وهي استنتاجٌ ناجمٌ عن قانون الطبيعة إذا ما سرنا مع هذا الاستنتاج، وبالطبع كانت هناك شعائريات للشخوص الإلهيين في طبائع الأشياء. فالمسألة قيد النقاش تتعلق بشخصٍ إلهي، يشكّل خلاصة طبيعة الأشياء.

إنّ السؤال بشأن الطبيعة الأصلية للخبرة الدينية المباشرة شديد الأهمية للموقف الديني في الأزمنة الحديثة. فإذا اعتبرنا أنّ الخبرة الدينية ناجمةٌ عن الحدس المباشر بالإله؛ فإننا لا يمكن أن نأمل بالحصول على توافُقٍ كبير. إنّ التيارات الرئيسة للتفكير الديني تتقابل وتتناقض فيما يتعلق بهذه المسألة. وبالنسبة لأولئك الذين سيسيرون في هذا السبيل (سبيل تأسيس الإيمان على الحدس المباشر)، هناك أملٌ واحدٌ وهو إحلالُ العاطفة والإحساس محلَّ العقل. وعندها يمكن البرهنة على كل شيء؛ لكنْ ليس للأناس العقلاء. إنّ العقل هو الضمان الحقيقي لموضوعية الدين؛ فهو يضمن له الاتساق العام، الذي تفتقر إليه الهستيريا.

وهناك اعتراضٌ آخر على اتخاذ الحدْس مرجعاً؛ إذ إنه لا يمكن ملاحظته إلاّ في الظروف غير العادية، وهذا الاستنتاج يشجّع على الذهاب إلى أنّ الحدس يصبح وارداً في تلك اللحظات فقط. وهكذا فإنّ كلَّ ما يمكن إيراده عن الظروف العاطفية المرافقة للإحساس بالحدس يمكن أن يُستخدم باعتباره شرحاً وتعليلاً للحدس ذاته. وبذلك فإنّ الحدس يصبح عادةً سيكولوجيةً خاصةً، ولا يمتلك قدرةً برهانيةً عالية. وهذا التفسير السيكولوجي مأساوي؛ لأنه يدمّر كلَّ دليل؛ لأنه وسط الحالات والظروف المتعددة للبيئة والمحيط لا يستطيع أن يُثبت نفسه في كلّ تقلبات المناخات العاطفية. 

ويكون علينا أيضاً أن نقرّر فارقاً معيناً؛ فالحدوسُ يمكنُ لها أن تظهر، بحيث تدخل في الوعي في الظروف غير العادية؛ بيد أنّ الفكرة المحدَّدة تماماً لا بد أن تُعلم أو يُشار إليها. ثم يكون عليها أن تُثبت استقلالها عن غير المهمّ. فقد لا نعرف حقيقةً رياضيةً معينةٍ، ونحتاج إلى إعانةٍ غير عادية من أجل اكتشافها. إنّ الشرح السيكولوجي، والذي لا يكتسب غير قيمةٍ ذاتيةٍ خاصة، يمكنُ أن يدّعي لنفسه سرياناً موضوعياً، إذا عُرفت له شروطٌ محدَّدةٌ (يمكن القياس عليها) وإن في ظروفٍ غير عادية. في هذه الحالات يصبح الحدسُ أوضح؛ إنما لا ينبغي أن يقتصر الأمر على ذلك.

إنّ حكمة التيار الرئيس في اللاهوت المسيحي تكمن في التصور القائل بأنّ الرؤية المباشرة للإله الشخصي لا ينبغي تشجيعُها، وهي تظهر بوضوحٍ هذه الأيام؛ إنما في هذا الشأن ليس هناك إجماع. وأنا لا أُعالج هنا مسألة الآلهة المتعددة في الديانات غير العقلانية، أو الديانات الوثنية كما تُسمَّى؛ لكن عندما نتعامل مع الديانات العقلانية؛ فإنّ أكثرية الآراء تقع في مكانٍ آخر. على أنّ التفسير العقلاني عندما يدخل في الحسبان؛ فإنّ الأعداد تفقد قيمتها. فالعقل يسخر من مسائل الكثرة والأكثرية، ويسود بين القائلين بالرؤية العقلانية للعالم إجماعٌ كبيرةٌ لصالح مصطلح الصحة والاستقامة في طبيعة الأشياء، وبعض ذلك يؤخذ به، وبعضُهُ الآخَرُ لا يؤخَذُ به. وعندما يصل الأمر إلى التوجه الواعي للفعل (الإنساني)؛ فإنّ هناك شروطاً مسبقةً تتقدم وتكون ضروريةً للقرار بنقد بعض الأهداف والتوصل إليها. إنّ الرضا العقلاني أو عدم الرضا عن بعض الأحداث يستند إلى حدسٍ يمكن تعميمُهُ به بحيث يكون كونياً. إنّ هذه الخطوة من الفردي إلى الكوني تستند إلى إحالةٍ على الطبيعة العامة التي تقع في طبيعة الأشياء. وهذا الحدس ليس عبارةً عن اكتشافٍ لشكلٍ من الكلمات؛ بل هو قولٌ بنمط من أنماط الطبيعة. وبالنسبة لروح العلماء وعقليتهم يصبح مقبولاً تعظيم الكلمات. فالأمهات يستطعن الإيقان بأمورٍ كثيرةٍ في قلوبهنّ دونما قدرةٍ على التعبير عنها بشفاههنّ. وهذه الأشياء الكثيرة، وهي معروفة، ينبني عليها الحق الديني، والذي لا يمكن وراءه الاحتجاج بأمرٍ آخر.

ــــــــــــــــــــــــ

*) فصل من كتاب الفيلسوف البريطاني ألفرد هوايتهد بعنوان: «كيفيتكون الدين؟» وقارن بفصلٍ سابق من الكتاب نفسه في مجلة التفاهم، م39، ص423-436.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/10/214

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك