موت القلب وموت الدماغ..
د.محمد علي البار
لا بد من تعريف للموت، ومعرفة علاماته وكيفية تشخيصه. ورغم أن ملايين البشر قد أتوا إلى الدنيا، ثم ماتوا، ورحلوا عنها دون الحاجة إلى طبيب لتشخيص ذلك، إلا أن كثيرًا من الحالات تم فيها تشخيص الموت خطأ، وأدى ذلك إلى دفن بعض الأحياء، ثم تبين أن هؤلاء لم يموتوا بعد، وقد كتب ابن أبي الدنيا كتابًا فيمن عاش بعد الموت: وكذلك كتب (إدجار آلان بو) مجموعة من القصص تحكي حوادث لأشخاص دفنوا وهم أحياء، وكتب (الكونت كارنيس كارنيكي) مجموعة من الاقتراحات والتوصيات، مثل أن يوضع في النعش أعلام وأجراس، وتفتح كوة من القبر بحيث يستخدمها الشخص إذا دفن أثناء غيبوبته وهو لم يمت بعد.
وإذا كان تشخيص الموت لمن عاش ثم فقد الوعي أمرًا عسيرًا في بعض الأحيان، فإن تشخيص الموت في المولود أكثر صعوبة. وقد كان القدماء يُعِدّون الطفل المولود ميتًا، ما لم يستهل صارخًا، وكم من المواليد ينزلون دون أن يبدأوا حياتهم بالصراخ؟! وقد أدى هذا الإجراء إلى دفن آلاف الأطفال المواليد الذين كانوا يعانون من صعوبة ما في التنفس، وبالتالي لم يبدأوا حياتهم بالصراخ.
يقول فضيلة مفتي تونس الشيخ محمد مختار السلامي موضحًا آراء الفقهاء الأقدمين في المولود الذي لم يستهل صارخًا: (يقول خليل بن اسحاق: ولا سقط ما لم يستهل صارخًا، ولو تحرك أو بال، أو رضع). إن هذه الفقرة تجعل مقياس الحياة الصوت. وقد فصل اللخمي ما تكون به الحياة، فقال: اختلف في الحركة والرضاع والعطاس، فقال مالك: لا يكون بذلك حكم الحياة. قال ابن حبيب: وإن أقام يومًا يتنفس ويفتح عينيه ويتحرك حتى يسمع له صوت، وإن كان خفيٌّا، قال إسماعيل: وحركته كحركته في البطن لا يحكم له فيها بحياة. قال عبدالوهاب: وقد يتحرك المقتول. وعارض هذا المازري وقال: لا معنى لإنكار دلالة الرضاع على الحياة، لأنا نعلم يقينًا أنه محال بالعادة أن يرضع الميت. وليس الرضاع من الأفعال التي تكون بين الطبيعة والاختيارية، كما قال ابن الماجشون: إن العطاس يكون من الريح، والبول من استرخاء المواسك(4)، لأن الرضاع لا يكون إلا من القصد إليه، والتشكك في دلالته على الحياة يطرق إلى هدم قواعد ضرورية، والصواب ما قاله ابن وهب وغيره أنه كالاستهلال بالصراخ).
وقد زعم بعض الفقهاء الأقدمين أن عمر - رضي الله عنه - لما طُعِن كان معدودًا في الأموات، رغم أنه كان يتكلم ويعهد. وذلك لأن الطبيب سقاه لبنًا فخرج اللبن من الجرح من بطنه. وقال ابن القاسم: إنه لو قَتل رجل عمر آنذاك لما قُتل به، لأن القاتل هو الأول، وهو أبو لؤلؤة المجوسي، غلام المغيرة بن شعبة، ولو مات مُورِّث لعمر آنذاك لما وَرِثَه لأن عمر نفسه كان معدودًا في الأموات!!.
وهذا كله يدل على شيئين: أولهما: أن الطب كان متأخرًا في تلك الأزمنة، بحيث يعد عمر -رضي الله عنه - في الأموات. ولو حدث مثل ذلك في العصر الحديث لأمكن إنقاذه بسهولة. والثاني: أن تعريف الموت ينبغي أن يترك إلى الفئة المختصة بذلك، وهم الأطباء، والله - سبحانه وتعالى ـ يقول: (فَسْئَلُوآ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل 43).
ولا شك أن تشخيص الموت أمر قد تكتنفه الصعوبات، ولذا فإن تُرِكَ للعامّة فإن احتمال حدوث خطأ في التشخيص سيؤدي إلى الحكم على العديد من الأشخاص بالموت، وهم لا يزالون أحياء.
1 ـ تعريف الموت:
إن تعريف الموت مثل تعريف الحياة، أمر تكتنفه كثير من الصعوبات، رغم أن العلامات الفارقة بين الموت والحياة، وبين الكائن الحي والجماد، أمر يدركه الإنسان بفطرته، كما يدركه بمعارفه. فالكائن الحي يتنفس، ويتغذى، وينمو، ويتكاثر، ويتحرك، ثم تختلف بعد ذلك طرق التنفس والغذاء والنمو، والتكاثر والحركة بأشكالها المتعددة التي لا تعد ولا تحصى، وأصعب تلك الكائنات تحديدًا هي الفيروسات، فهي كالجماد لا تتحرك ولا تنمو ولا تتنفس ولا تتغذى خارج الكائنات الحية، بل تتبلور مثل بعض الجمادات، فإذا ما دخلت إلى جسم الكائن الحي، تحكمت في سِرِّ السِّرِّ فيه، وجعلته عبدًا لها، لا يتحرك إلا بمشيئتها، ولا ينقسم إلا حسب أوامرها، وكل انقسام في الخلية المصابة بالفيروس ينتج فيروسات جديدة، تخرج لتهاجم خلايا أخرى، ولولا أن الله يهب الأجسام الحية القدرة على مقاومة هذا الغزو الفيروسي، لأبادت الفيروسات جميع الكائنات الحية ابتداء من البكتريا، وانتهاء بالإنسان، وما هو أصعب وأشد من الفيروسات مجموعة البرايون التي تسبب جنون البقر وأشباهه فهي مجرد بروتينات ولا يوجد فيها حامض نووي على الإطلاق. ومع هذا تتم العدوى والتكاثر. وقد سببت صدمة لعلماء البيولوجيا.
وفي جسم الكائن الحي المتعدد الخلايا مثل الإنسان أو الحيوان أو النبات تموت ملايين الملايين من الخلايا كل يوم، ويخلق الله بدلاً عنها ملايين أخرى، ويبقى الكائن الحي على قيد الحياة، ما دامت عملية البدء والإعادة مستمرة فيه.
2 ـ المفهوم الديني للموت:
تقرر معظم الأديان والفلسفات الأدبية أن موت الإنسان هو خروج الروح من بدنه، ومغادرته إلى حيث لا نعلم.
وهذا المفهوم موجود لدى الأمم القديمة مثل المصريين القدماء والبابليين والآشوريين والصينيين والهنود والإغريق.
وهو موجود إلى اليوم لدى المسلمين واليهود والنصارى والهنادكة والبوذيين وعقائد الشنتو (اليابان).
ويعتقد البوذيون والهنادكة والشنتو أن الروح تظل حبيسة في الجسد وبالذات في الجمجمة، وأنها لا تنطلق إلا بعد حرق الجثة وانفجار الجمجمة.
ثم إن الهندوك والبوذيين يعتقدون بتناسخ الأرواح، وأن الروح الشريرة تعاد في جسد حقير مثل الكلب أو الخنزير، وتظل في تلك الدورات حتى تتطهر، وأن الروح الصالحة والخيرة تظل تتنقل في الأجساد الخيرة، حتى تصل مرحلة النرفانا، وهي السعادة الأبدية المطلقة في الروح الطليقة المتصلة بالأزل والأبد.
وفي الإسلام يُعدّ الموت خروج الروح من الجسد، وقد وكّل الله ملائكة يقومون بإخراج الروح.
قال تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ).
وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ).
وقال سبحانه: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ).
وقال: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُوآ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوآ أَنفُسَكُمْ).
والآيات بعد ذلك كثيرة في الكتاب العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكلها تصرح بأن الموت هو خروج النفس (الروح) من الجسد بواسطة الملائكة.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ توضح كيفية إخراج الملائكة لروح المؤمن وروح الكافر. وما في الأول من تيسير، حتى تسيل مثل الماء من فم السقاء، وما في الثاني من تنكيل، حتى تخرج كما يخرج السّفُّود المبلل من كومة من الصوف.
والموت هو انتقال الروح من الجسد إلى ما أعد لها من نعيم أو عذاب، والروح مخلوقة مربوبة، خلقها الله - سبحانه وتعالى - ثم هي خالدة، والمقصود بالموت مفارقتها الجسد، قال ابن القيم في تعريف الموت: (والصواب أن يقال إن موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا محضًا فهي لا تموت بهذا الاعتبار).
وقد ذكر الإمام الغزالي: (أن الموت معناه تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما معذبة وإما منعمة، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه، بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات الروح، والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها)، وانتهى إلى القول بأنه: (لا يمكن كشف الغطاء عن كُنه الموت، إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة).
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته: (ونؤمن بِمَلَكِ الموت الموكل بقبض أرواح العالمين).
قال الشارح: (والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب، ويقال لها: اخرجي أيتها الروح الطيبة).
وذكر الدكتور أبو زيد في بحثه القيم: (أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء):
(أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن. وأن حقيقة المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية).
3 - أمارات الموت عند الفقهاء:
إذا قررنا أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، فإننا نقرر أيضًا أن هذا مفهوم ميتافيزيقي (أي من وراء الطبيعة)، ولا نستطيع أن ندركه نحن بحواسنا، إذ إننا نجهل أمر الروح وكنهها، لا نعرف دخولها وخروجها إلا بعلامات تدل عليها.
وقد استدل الفقهاء على الموت ببعض الأمارات، وببعض الأحاديث النبوية، ونذكرها كما جاءت في بحث الدكتور بكر أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي بشيء من الاختصار:
1 - عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الروح إذا قبض أتبعه البصر)(أخرجه مسلم).
2 - عن شداد بن أوس يرفعه: (إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر؛ فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا، فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت) (أخرجه أحمد في مسنده).
فشخوص بصر الميت علامة هامة على قبض روح الميت ومفارقتها لجسده، وقد ذكر الفقهاء علامات الموت عندهم وهي: انقطاع النفس، واسترخاء القدمين وعدم انتصابهما، وانفصال الكفين، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، وانخساف الصدغين، وتقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة وبرودة البدن.
ولا شك أن هذه العلامات كلها ليست علامات مؤكدة على الموت، ما عدا توقف النفس الذي ينبغي أن يستمر لفترة من الزمن، وقد تنبه بعض الفقهاء إلى احتمالات الخطأ في تشخيص الوفاة؛ قال النووي في روضة الطالبين(16): (فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره، أُخّر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره). انتهى.
4 - علامات الموت عند الأطباء:
(أ) توقف النفس والقلب والدورة الدموية:
يُعدّ توقف التنفس والقلب والدورة الدموية توقفًا لا رجعة فيه، العلامة المميزة والفارقة بين الحياة والموت.
صحيح أن الأطباء يستطيعون إيقاف القلب عن العمل لمدة ساعتين، أو أكثر أثناء عملية القلب المفتوح، لكن الدورة الدموية لا تتوقف، ولا لمدة ثوان، وكذلك يوقف التنفس الطبيعي بالتنفس بواسطة المنفسة في جميع حالات التخدير العام، وإجراء العمليات، كما أن التنفس بالمنفسة (Respirator) يستخدم في حالات توقف التنفس، وقد يجري التنفس في حالات الإسعاف بواسطة النفخ في الفم (Mouth to mouth Brealting) أو بواسطة جهاز النفخ (كيس أمبو Ambu bag) الذي يحمله المسعفون في حقائبهم، وفي هذه الحالات جميعًا، فإن التنفس يستمر، ولو بطريقة ميكانيكية غير طبيعية، وذلك غالبًا ما يكون لفترة محدودة من الزمن، بحيث يعود الشخص المصاب إلى التنفس الطبيعي.
وهناك حالات لا يعود فيها الشخص إلى التنفس الطبيعي، ويبقى فيها معتمدًا على المنفسة طوال حياته، كما يحدث في حالات شلل الأطفال، الذي يصيب مراكز التنفس في النخاع المستطيل (Medulla Failure)، وهو الذي يعرف باسم (Poliomyletis Bulbar) شلل الأطفال الذي يصيب بصلة الدماغ.
كما أن المصابين بالفشل الرئوي (Respiratory Failure) يحتاجون لاستخدام المنفسة، وبالذات المنفسة المساعدة، وهي التي تساعد الشخص على التنفس مع وجود تنفسه الطبيعي، ومثالها جهاز منفسة بينيت (Bennette Respirator) أو غيرها من أنواع المنفسات.
ويدرب الأطباء على معرفة توقف الدورة الدموية والقلب توقفًا لا رجعة فيه بالعلامات التالية:
1 - توقف النبض في الشرايين التي كانت تسمى العروق الضوارب، وذلك بجس النبض عند الشريان الكعبري، أو العضدي أو الصدغي أو السباتي.
2- توقف القلب، ويعتمد في ذلك على عدم سماع أصوات القلب بالسماعة الطبية. وينبغي أن يستمر ذلك التوقف التام لمدة خمس دقائق على الأقل، وفي حالات توقف القلب الفجائي ينبغي أن تستمر محاولات الإسعاف بضغط أسفل القفص الصدري وأسفل القص، بضغط متتالٍ بمعدل 60 مرة في الدقيقة، وفي الوقت نفسه يتم التنفس الاصطناعي، بمعدل 10 - 15 مرة كل دقيقة (بواسطة الفم للفم أو جهاز أمبو) ويستخدم جهاز مانع الذبذبات (Defibrillator) لإعادة نبض القلب، وذلك بإعطاء شحنة كهربائية للقلب المدنف العليل.
وتستمر محاولات الإنقاذ هذه لمدة نصف ساعة، وفي بعض الحالات التي تبدو بها بعض علامات تدل على إمكانية عودة الدورة الدموية، إلى أكثر من ذلك.
أما إذا توقفت الدورة الدموية توقفًا تامٌّا لا رجعة فيه، وتوقف التنفس توقفًا تامٌّا كذلك، رغم محاولات الإنقاذ والإسعاف، فيعلن الطبيب آنذاك وفاة الشخص المصاب.
وهناك علامات أخرى ثانوية لتوقف الدورة الدموية، تذكرها كتب الطب الشرعي بصورة خاصة، وأغلبها علامات وفحوص بسيطة، تُجرَى في بعض الحالات التي قد يكون فيها نوع من الشك في حالة الوفاة ولا داعي هاهنا للدخول فيها.
وبطبيعة الحال يتم تشخيص الوفاة بعد توقف القلب، والدورة الدموية، والتنفس توقفًا لا رجعة فيه، ولا يحتاج الأمر الانتظار حتى تحدث التغييرات الرُّمِّيَّة، وإنما يتم التشخيص مبكرًا. ولكن تشترط كثير من القوانين أن لا يتم الدفن إلا بعد مرور بضع ساعات على تشخيص الوفاة، ففي القانون المصري لا يصرح بالدفن إلا بعد مرور 8 ساعات صيفًا، و12 ساعة شتاء (على إعلان الوفاة). ولا يسمح بنقل الجثة من السرير في المستشفى إلى الثلاجة أو المشرحة إلا بعد مرور ساعتين على الأقل من تشخيص الوفاة.
ومن المعلوم أن كثيرًا من خلايا الميت تبقى حية بعد إعلان الوفاة. ولذا نجد أن الخلايا العضلية تستجيب للتنبيهات الكهربائية، وتبقى بعض خلايا الكبد تحول السكر الجلوكوز إلى جلايكوجين.
ولا تموت الخلايا كلها دفعة واحدة، ولكنها تختلف في سرعة موتها وهلاكها بعد موت الإنسان. ويمكن إطالة عمر هذه الخلايا إذا وضعت في محلول مثلج، وخاصة مع الدفق بواسطة مضخة (Cold Pulsatile Perfusion 4c). وهذا ما يتيح استخدام أعضاء وخلايا الميت لشخص آخر مريض محتاج إليها.
5 - موت الدماغ:
إن التعريف الطبي القديم للموت، وهو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس ـ لا يزال ساريًا بالنسبة لمئات الملايين من الوفيات التي تحدث سنويٌّا. ولكن هناك مجموعة من الحالات لا ينطبق عليها هذا المفهوم بسبب التقدم السريع في وسائل الإنعاش. وعلى سبيل المثال يتوفى في بريطانيا في كل عام نصف مليون شخص حسب التعريف القديم للموت، وهو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس توقفًا لا رجعة فيه. ولكن هناك أربعة آلاف حالة لا ينطبق عليها هذا التعريف (8 بالألف من الوفيات) نتيجة التقدم الطبي في وسائل الإنعاش، بحيث يستمر القلب في النبض والرئتين في التنفس بواسطة المنفسة.
وتحدث هذه الحالات أساسًا نتيجة حادثة (سيارة أو غيرها) لشخص سليم في الغالب، وتؤدي هذه الحادثة المروعة إلى إصابة بالغة في الدماغ. وبما أن مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية موجودة في الدماغ، وبالذات في جذع الدماغ، فإن إصابة هذه المراكز إصابة بالغة دائمة تعني الموت.
وعادة ما يقوم الأطباء بمحاولة إنقاذ الحالات المصابة، إذ ربما تكون الإصابة مؤقتة وغير دائمة، فيستخدمون أجهزة الإنعاش بما في ذلك المنفسة التي تقوم بوظيفة الرئتين. وبمساعدة القلب ليستمر في عمله.
وباستخدام هذه الوسائل تستمر الدورة الدموية، ويستمر القلب في الضخ والنبض، وتستمر الرئتان في التنفس، ولكن عند معاودة الفحص يتبين للأطباء أن الدماغ قد أصيب إصابة لا رجعة فيها، وأن الدماغ قد مات. وبالتالي فإن استمرار عمل القلب والمنفسة إنما هو عمل مؤقت لا فائدة منه. إذ إن القلب سيتوقف حتمًا خلال ساعات أو أيام على الأكثر من موت الدماغ، وإن كانت هناك حالة موثقة تبين فيها أن القلب استمر في العمل لمدة 68 يومًا بمساعدة الأجهزة بعد موت الدماغ.
لهذا كله ظهرت مواصفات محددة تتحدث عن موت الدماغ. وكان أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ المدرسة الفرنسية عام 1959 فيما أسمته (مرحلة ما بعد الإغماء) (Coma depasse)، وبدأ الأطباء الفرنسيون يحددون بعض المعالم لموت الدماغ، بينما القلب لا يزال ينبض، والدورة الدموية لا تزال سارية إلى جميع أجزاء الجسم ما عدا الدماغ.
ثم ظهرت المدرسة الأمريكية المتمثلة في اللجنة الخاصة من جامعة هارفارد (Ad Hoc Committee) عام 1968، والتي قامت بدراسة موضوع موت الدماغ، ووضعت مواصفاتها الخاصة له والتي تمثلت في العلامات التالية:
(أ) الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأي مؤثرات.
(ب) عدم الحركة (تلاحظ الجثة لمدة ساعة على الأقل).
(ج) عدم التنفس (عند إيقاف المنفسة).
(د) عدم وجود أي من الأفعال المنعكسة.
(هـ) رسم مخ كهربائي لا يوجد فيه أي نشاط (Flat E.E.G).
ولا يُعدّ رسم المخ إجباريٌّا؛ بل هو أمر اختياري، ومؤكِّدٌ لعلامات موت الدماغ، ثم قامت مجموعة مينيسوتا (عام 1971)، بتقديم مواصفات مشابهة مع اختلاف في التفاصيل لتشخيص موت الدماغ. وأكدت على أن يكون السبب المؤدي إلى موت الدماغ معلومًا. وأن لا يكون هناك أي حركة ذاتية في الجثة، وأن يتوقف التنفس توقفًا تامٌّا بعد إيقاف المنفسة، وأن لا تكون هناك أي أفعال منعكسة، وأن تبقى كل هذه الشروط بدون تغيير خلال 12 ساعة. ودرست الجمعية الطبية الدولية المنعقدة في سيدني باستراليا عام 1968 موت الدماغ، كما درسه في نفس العام المؤتمر العالمي المنعقد في جنيف في 13 ـ 14 يونيه 1968.
ثم قامت الكليات الملكية البريطانية للأطباء بتكوين لجان خاصة لدراسة موت الدماغ، وأصدرت توصياتها، وتعريفاتها بموت الدماغ عام 1976وعام 1979.
وفي عام 1981 أصــدر الرئيس السابق ريجان أمره بتكوين لجنة من كبار الأطباء المختصين والقانونيين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ، وأصدرت اللجنة قرارها وتوصياتها في يوليه 1981.
وقد اعترفت معظم الدول بمفهوم موت الدماغ تدريجيٌّا، إما اعترافًا قانونيٌّا كاملاً، وإما اعترافًا بالأمر الواقع، حيث أوكلت إلى الأطباء مهمة تشخيص الوفاة.
وهكذا بدأت منذ بداية الثمانينيات حقبة جديدة في مجال تشخيص الوفاة لبعض الحالات الخاصة، والتي يتم فيها الموت نتيجة توقف القلب والدورة الدموية، بل نتيجة موت الدماغ.
الخطوات الأساسية لتشخيص موت الدماغ:
هناك ثلاث خطوات أساسية للوصول لتشخيص موت الدماغ، وهي:
(أ) الشروط المسبقة (Preconditions):
وتشمل الآتي:
1- وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملاً، ولا يتنفس إلا بواسطة جهاز المنفسة (Respirator = Ventilator).
2 - وجود تشخيص لسبب هذا الإغماء، ويوضح وجود مرض أو إصابة في جذع الدماغ، أو في كل الدماغ، وهذه الإصابة لا يمكن معالجتها ولا التخفيف منها.
(ب) أهم أسباب موت الدماغ (جذع الدماغ أو كل الدماغ):
وتتلخص في الآتي:
1 - إصابات الحوادث مثل حوادث المرور والطائرات والقطارات وحوادث العمل، أو السقوط من حالق، أو أثناء القفز في المسابح أو في البحر، حيث يقفز الشخص ويرتطم رأسه بحجر. وهذه الحوادث تمثل 50% من جميع حالات موت الدماغ.
وأهم هذه الحوادث حوادث المرور التي تُعَدّ السبب الرئيسي للوفاة للذكور في مقتبل العمر في معظم بلاد العالم. وقد انخفضت حوادث المرور في الولايات المتحدة بنسبة 21% خلال عشر سنوات (1970 ـ 1980)، ولا تزال تُوالي انخفاضها. وكذلك انخفضت تلك الحوادث في أوروبا، وبريطانيا، وكندا، ومعظم دول العالم الصناعي، انخفاضًا كبيرًا بسبب التشدد في إجراءات السلامة، وتشديد العقوبة على من يسوق السيارة وهو سكران، بينما زادت حوادث المرور (السيارات) في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات بنسبة 250% في الفترة من 1971 ـ 1976. وزادت بنسبة 90% في البحرين، و50% في الكويت في نفس الفترة (1971 ـ 1976).
وتذكر الإحصاءات من البحرين والكويت ودولة الإمارات أن الوفيات من حوادث المرور وهي ثلاثة أضعاف ما هي عليه في بريطانيا بالنسبة بكل 100.000 من السكان. وهي في السعودية تماثل دول الخليج الأخرى وربما تزيد عليها.
وفي الكويت تذكر الإحصاءات أن الوفيات الناتجة عن حوادث السيارات تؤدي إلى فقدان 5200 سنة في كل عام، بينما تؤدي جميع السرطانات مجتمعة إلى فقدان 3200 سنة، وأمراض القلب إلى فقدان 2700 سنة، والإسهال وأمراض الجهاز الهضمي (غير السرطان) إلى فقدان 2300.
يحسب فاقد السنين كالتالي:
إذا مات شخص نتيجة حوادث المرور وعمره عشرون عامًا مثلاً ومعدل الأعمار في الكويت ستون عامًا، فإن الفاقد من السنين أربعون عامًا، فإذا تمت معرفة عدد الأشخاص الذين قتلوا ومعرفة أعمارهم عند الوفاة أمكن حساب السنين المفقودة بالمعادلة التالية: عدد القتلى × العمر المفقود.
وقد زادت حوادث المرور في البحرين من 1476 حادثة عام 1970 إلى 23.244 حادثة عام 1983. ويرجع السبب في ذلك إلى الثورة البترولية (ارتفاع سعر البترول عام 1973 وما بعده)، وبالتالي ارتفع عدد السيارات في البحرين من 15.363 سيارة عام 1970 إلى 90.000 سيارة عام 1983(26). والشيء ذاته يقال عن السعودية ودول الخليج الأخرى.
وفي المملكة العربية السعودية قتل عام 1979 بسبب حوادث المرور 2871 شخصًا، وأصيب 16.832 شخصًا إصابات بالغة بسبب حوادث المرور. ومما يزيد المأساة بشاعة أن 75% من هؤلاء القتلى والمصابين كانوا تحت سن الأربعين(28). وفي عام 1983 كانت نسبة الوفيات من حوادث السيارات في السعودية ودول الخليج 37 من كل 100.000 من السكان، بينما كانت النسبة في الولايات المتحدة 21 من كل 100.000 من السكان(28،29،30)، وقد بلغت الوفيات المباشرة لحوادث المرور في المملكة العربية السعودية 3.500 حالة، ثم يتوفى أيضًا بسبب الحادثة في المستشفى حوالي 4.000 شخص. والعدد الإجمالي يقترب من ثمانية آلاف وفاة كل عام، أما الإصابات فقد اقتربت من أربعين ألف إصابة كل عام (عام 2000)، وهي أعلى نسبة في حوادث المرور في العالم.
2 - نزف داخلي في الدماغ بمختلف أسبابه، ويمثل ذلك 30% من جميع حالات موت الدماغ في بريطانيا والدول الصناعية.
3 - أورام الدماغ، والتهاب الدماغ، والسحايا، وخرّاج الدماغ، وتمثل هذه المجموعة حوالي 20% من جميع حالات موت الدماغ.
ويُعدّ الشنق سببًا هامٌّا ـ وإن كان نادرًا ـ لموت جذع الدماغ، وكذلك يُعدّ توقف القلب أو التنفس الفجائي من الأسباب النادرة لموت الدماغ. وهذه الحالات تؤدي ـ بعد إنقاذها في بعض الحالات ـ إلى موت المناطق المخية العليا من الدماغ، بينما يبقى جذع الدماغ حيٌّا وهو ما يؤدي إلى ظهور حالات الحياة النباتية (Vegetative life) التي كثرت في السنوات العشر الأخيرة، بحيث أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على الموارد الصحية، وعلى المجتمع في جميع الدول الصناعية.
الخطوة الثانية للوصول لتشخيص موت الدماغ بعد استيفاء الشروط المسبقة ـ هي عدم وجود سبب من أسباب الإغماء المؤقت، والناتجة عن:
(أ) الكحول والعقاقير مثل الباربيتورات، والعقاقير المنومة والمهدئة الأخرى التي تؤخذ أحيانًا بكميات كبيرة أثناء محاولة الانتحار.
(ب) انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم (Hypothermia) ـ كما يحدث عندما يُفقَد شخص في المناطق الثلجية الباردة.
(ج) حالات الفشل الكلوي أو فشل الكبد.
(د) حالات الإغماء الناتجة عن زيادة السكر في الدم (Hyperglycaemia) أو نقصانه.
(هـ) حالات الإغماء الناتجة عن إصابات الغدد الصماء بزيادة شديدة في الإفراز الهرموني (Hyperglycaemia)، أو نقصان شديد فيه، كما يحدث في الغدة الدرقية والغدة الكظرية والغدة النخامية.
(و) اضطراب الكهارل (الشوارد) (Electrolyte imbalance).
وهناك أسباب أخرى، ولكن هذه المذكورة أهمها.
وينبغي أولاً أن تعالج هذه الأسباب المؤقتة جميعًا قبل أن يتم تشخيص موت الدماغ أو جذع الدماغ.
ولا يعني هذا أن هذه الأسباب لا تسبب الوفاة في بعض الحالات ـ إلا أنه ينبغي التأكد أولاً أن هذه الأسباب قد أدت إلى خلل دائم بالدماغ وجذع الدماغ في تلك الحالات الخاصة.
الفحوصات السريرية لموت الدماغ عندما يتم الفحص ـ لا بد من وجود النقاط التالية ليتم تشخيص موت الدماغ:
(أ) عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
(ب) عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة 10 دقائق، وبشروط معينة، يتم فيها إجراء هذا الفحص الهام، وذلك بإدخال أنبوب (قسطرة) إلى القصبة الهوائية، يمر عبرها الأوكسجين من الأنبوب إلى الرئتين، فإذا لم يحدث تنفس خلال عشر دقائق، فإن ذلك يعني توقف مركز التنفس في جذع الدماغ عن العمل، رغم ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى الحد الذي ينبه مراكز التنفس (أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان (PaCO2 54mm Hg).
وينبغي أن تعاد هذه الفحوص كلها من قبل فريق آخر من الأطباء بعد بضع ساعات من الفحص الأول، وبشرط أن لا يكون بين هؤلاء الأطباء من له علاقة مباشرة بزرع الأعضاء.
فحوصات تأكيدية:
(أ) رسم المخ الكهربائي، وينبغي أن يكون بدون أي ذبذبة (Flat E.E. G).
(ب) عدم وجود دورة دموية بالدماغ، وذلك بتصوير شرايين الدماغ، أو بفحص المواد المشعة (Radionucleotides).
الموقف الفقهي من قضية أجهزة الإنعاش وموت الدماغ:
ما كادت الزوبعة حول قضية أجهزة الإنعاش وموت الدماغ تنتهي في الغرب، حيث بدأت معالم هذه القضية تتضح، ومفهوماته تُحدَّد في نهايات السبعينيات وبداية الثمانينيات ـ إلا وبدأت في العالم الإسلامي، وبدأت المحافل والمجامع الفقهية تناقش هذه القضية الحيوية باجتماعات مطولة مشتركة بين الأطباء والفقهاء. وكان أول من بادر إلى بحث هذه القضية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، حيث عقدت ندوة (الحياة الإنسانية؛ بدايتها ونهايتها) في 24 ربيع الآخر 1405هـ/ 15 يناير 1985 في مدينة الكويت، وباشتراك مجموعة من الأطباء والفقهاء.
ثم ناقش مجمع الفقه الإسلامي ـ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ هذه القضية في دورته الثانية المنعقدة بجدة (10 ـ 16 ربيع الثاني 1406هـ/ 22 ـ 28 ديسمبر 1985).
وبعد مناقشات مستفيضة قرر تأجيل البت في هذا الموضوع إلى الدورة التالية، والتي عقدت في عمان (الأردن) (8 ـ 13 صفر 1407هـ/ 11 ـ 16 أكتوبر 1986).
وصدر فيها القرار التاريخي (رقم 5) بشأن أجهزة الإنعاش حيث قرر المجمع: (أن الشخص قد مات، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا على الوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التالتين:
1 - إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامٌّا، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2 - إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائيٌّا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آليٌّا بفعل الأجهزة المركبة).
وقام المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ببحث هذا الموضوع في دورتيه الثامنة والتاسعة وأصدر قراره في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة (1408هـ).
وأجاز رفع الأجهزة في مثل هذه الحالة ـ إلا أنه لم يُعدّ الشخص ميتًا من الناحية الشرعية، ولا تسري عليه أحكام الموت إلا بعد توقف قلبه ودورته الدموية.
وقد أدى قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان الأردن إلى فتح الطريق أمام زرع الأعضاء من المتوفين، حيث ينبغي أن يكون العضو المستقطع، مثل القلب أو الكبد، أو الكلى، متمتعًا بالتروية الدموية إلى آخر لحظة. وذلك كما يوفره تشخيص موت الدماغ، حيث يستمر الأطباء في التنفس الصناعي، وإعطاء العقاقير، بحيث تستمر الدورة الدموية لحين استقطاع الأعضاء المطلوبة من المتوفى.
وتُعَدّ المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المجال، حيث تم فيها زرع 1.210 كلية من متوفين بموت الدماغ، كما تم فيها أيضًا زرع 90 قلبًا من متوفين بموت الدماغ، و247 قلبًا كمصدر للصمامات، كما تم زرع 215 كبدًا من متوفين دماغيٌّا. وهناك عدد محدود من زرع البنكرياس وزرع الرئتين من متوفين دماغيٌّا، وذلك حتى عام 2001. وقد بلغت حالات الوفاة الدماغية المسجلة في المملكة منذ نهاية عام 1986 (عندما صدرت الفتوى في أكتوبر 1986) وإلى نهاية عام 2001 ميلادية 2.255 حالة، ووافق الأهل فيها على التبرع بالأعضاء بما مجموعه 719 حالة، وهي التي استخدمت لزرع الأعضاء المذكورة أعلاه.
ولا يمكن لأي بلد أن تستخدم مفهوم موت الدماغ قبل أن يكون لديها الإمكانات الطبية المتوافرة والخبرات الطبية الجيدة، ففي المملكة ـ بفضل الله تعالى - 116 وحدة عناية مركزة يمكن فيها تشخيص الدماغ، وذلك حتى نهاية عام 2001، ولا بد من وجود رقابة صارمة ونظام وبروتوكول معين. ولهذا فإننا نرى أن البلدان التي لم يتم فيها الوصول إلى المستوى المطلوب - فإنه لا ينبغي السماح باستخدام مفهوم موت الدماغ للحصول على الأعضاء.
وقد فوجئت بمشاهدة برنامج علمي في القناة التعليمية المصرية يوم السبت 25/1/2003 الساعة العاشرة مساء بتوقيت جدة، حين ظهر مجموعة من أساتذة الطب في مصر العزيزة.
وقال أحد الأساتذة: نحن لسنا بحاجة إلى فتوى لأخذ القرنيّات من المتوفى لأن جميع المستشفيات التعليمية في مصر (الجامعية والتابعة لوزارة الصحة) من حقها أن تأخذ القرنيات من الموتى دون إذن لا من الأهل ولا من المتوفى قبل وفاته ولا من القضاء!. وزاد: ونحن نقوم بأخذ الجثث وتشريحها لمعرفة الأمراض ولتعليم التشريح وتعليم الطلبة دون إذن من أحد وهذا شيء طبيعي - حسب قوله!.
وقد كانت الصدمة بالنسبة لي مروعة؛ فهو يخالف الشرع، والقانون، وأبسط حقوق الإنسان.
والمريض يعاني في بلاد العالم الثالث حيٌّا وميتًا. وجسمه تُنتَهك حُرمَتُه دون رقيب، فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/98901