المذاهب الفقهية والمجتمعات والسلطات في أزمنة الإحياء المعاصر

محمد الرحموني

مقدمة:

يقدم الفقه بطريقة توحي بأنه أحكام إلهية، وأن دور الفقهاء هو عرضها على المؤمنين لتطبيقها. ولكن دارس تاريخ الفقه وأصوله يدرك بكل يسر أنه اجتهاد بشري في إدراك الأحكام المنزلة وفي وصل تلك الأحكام بأحوال المسلمين في كل عصر من العصور؛ فقد كان الفقهاء منذ البداية ينظّرون انطلاقا من واقعهم المعيش وبالرجوع إلى القرآن والسنة؛ أي انطلاقا مما يعرف بالسنة الحية. La tradition vivante

ومن الأحكام الشائعة أن الفقه (وأصوله) مرّ بثلاثة عصور: عصر التأسيس وعصر الازدهار وأخيرا عصر التقليد؛ حيث سيطرت أصول المذاهب وقواعدها على عمل الفقيه وانتفت صلته بالواقع؛ ولكن البحوث الجادة أثبتت الارتباط الوثيق بين الفقه والواقع وتفاعله مع الحياة ولذلك تنوعت المذاهب الفقهية وتعددت، ولذلك أيضا انتشر بعضها واستمر وخفت أو اندثر بعضها الآخر... 

في الأزمنة الحديثة أي منذ عصر النهضة العربية صار للفقه علاقة قوية بالمجتمع وبالسلط السياسية والثقافية والاجتماعية؛ فقد قامت النهضة على أساس مقولة مركزية وهي "اقتباس ما يوافق الشريعة" التي تعني -فيما تعنيه- أن هناك مشتركا بيننا -نحن المسلمين- وبين الآخر/ العالم الغربي. ومن ثمة فقد عمد رواد النهضة ومصلحوها إلى استخدام منظومة المقاصد باعتبارها الأداة المثلى التي تجعلنا ننتمي للعالم انتماء يحفظ هويتنا وذاتيتنا.

ولكن التطورات التي عرفتها البلدان العربية منذ منتصف القرن العشرين -مرحلة الثورة - أدت إلى تراجع هذا الفكر المقاصدي نحو فكر هووي (متعصب للهوية ومتشبث بها) أبرز علاماته مقولات "جاهلية المجتمع" و"الحاكمية" و"تطبيق الشريعة". وقد تمثلت هذه التطورات بالخصوص في " النكبة" وبروز أنظمة وطنية ذات منحى شمولي دكتاتوري. 

هذه العلاقة بين الأنظمة الشمولية والتراجع عن الفكر المقاصدي لم تعمر طويلا فبداية من الثمانينات ارتفعت الأصوات والأقلام الداعية إلى اعتماد مقاصد الشريعة باعتبارها الحل الأمثل؛ حتى ننخرط في منظومة حقوق الإنسان الكونية ونتجنب "الهويات القاتلة".

هذه المسيرة نفسها عرفها "عالم الشيعة"، فقد تأثَّرت إيران منذ القرن الثامن عشر بما كان يحصل في الخلافة العثمانية من إصلاحات وتحولات، فسارت على النهج، وانتهي بها إلى ثورة دستورية دعمها رجال الدين عبر سند شرعي هو "مبدأ البحث عن السياسة العادلة في زمن غيبة الإمام". ومثلما حصل في "عالم السنة"، فقد تراجع هذا المشروع بعد إفشال ثورة مصدق بداية الخمسينات لصالح " ولاية الفقيه"، التي تعلي من سلطة رجال الدين، وتنادي بتطبيق الشريعة. وفي سنة 1988 حصل تحول عميق في فكر الخميني دعا بمقتضاه إلى تحرير الحكومة من سلطة الشريعة.

-I-

الإصلاحات العثمانية: نحو القطع مع الفقه التقليدي

1- تقنين الفقه:

أسهمت الإصلاحات العثمانية بداية من إصلاحات محمود الثاني(1785- 1839) ومرورا بـ "خط شريف كلخانة (1839)" و"خط همايون (1856)"(1) وصولا إلى صياغة الدستور سنة 1876 ومن ثمّ إحياؤه في ظل " تركيا الفتاة" سنة 1908في إدخال مفاهيم جديدة أهمها انفصال الحكومة عن السلطة المطلقة للسلطان عبر إنشاء ديوان الأحكام العدلية، وإصدار مجلة الأحكام العدلية سنة 1876(2). وقد شكل صدور هذه المجلة البداية الفعلية لظاهرة القوننة (تقنين الفقه). والقوننة مشروع مهم يهدف إلى المحافظة على الأصالة الإسلامية أو القومية في القانون؛ ولكن من خلال تقديمها بشكل " عصري" أي أوروبي؛ فقد كتبت المجلة بالتوافق مع المنهجية والصيغة الفرنسيتين، مع أنها استمدت مادتها ومحاورها الأولى من الشريعة(3).

وقد تلت هذه المجلة محاولات فردية كتلك التي قام بها وكيل وزارة الحقانية (العدل) في كتبه الثلاثة " مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان"(طبع سنة 1890)، و"الأحوال الشخصية"، و"العدل والإنصاف في أحوال الأوقاف"(طبع سنة 1893)(4). 

ولمّا كانت جل البلدان العربية خاضعة للنفوذ العثماني آنذاك فقد جرى في بعضها العمل بهذه الإصلاحات القانونية، كما سعت بعض المناطق إلى النسج على منوال مجلة الأحكام العدلية، من ذلك تكليف محمد علي -والي مصر- المفتي الجزائري بوضع قانون مدني مستمد من الشريعة على غرار قانون بونابرت.

تقنين الفقه يعنى أن أحكام الشريعة في صورتها التقليدية لا يمكنها أن تواكب المفاهيم الحديثة -شأن المواطنة والحرية والمساواة أمام القانون- المرتبطة بدورها بمفهوم الدولة/ الأمة. كما يعني في الآن نفسه أن الفقه لا يمكنه أن يستمر خارج الواقع المتغير وغير مواكب لتطور حاجات المجتمع ومقتضيات السلطة.

2- "موافقات" الشاطبي من محمد عبده إلى الطاهر بن عاشور:

كان محمد عبده من أوائل المصلحين الذين نبهوا إلى قيمة مؤلفات الشاطبي، وإذا كان الشيخ عبد الله دراز (1874-1932) هو الذي نهض في مصر تنفيذا لوصية شيخه بتحقيق كتاب "الموافقات"، وإذا كان الشيخ رشيد رضا نشر كتاب الاعتصام رغبة منه في الربط بينه وبين "الموافقات"؛ فإن الشيخ الطاهر بن عاشور قد كان له الفضل والريادة في تدريس الشاطبي، وتحديدا كتاب " الموافقات".

لقد كانت "كليات" الشاطبي خير مسوّغ اعتمده محمد عبده لنشر برنامجه الإصلاحي الذي انطلق فيه من فرضيتين أساسيتين:

• للدين في حياة الأمم -وخاصة تلك التي يعتمد نظامها الاجتماعي على الدين- دور لا مناص منه.

• لتلبية متطلبات الحياة المعاصرة يجب قيام مؤسسات جديدة ومهارات فنية كتلك التي تفوقت شعوب الغرب بفضل فعاليتها على سواها من الشعوب(5).

وبمقتضى هاتين الفرضيتين كان عبده مرتاحا لانتقال السلطة القانونية إلى الدولة الحديثة بعيدا عن المراكز التقليدية للمؤسسات الدينية؛ ولكن بشرط أن يتحد " العالم " و"المجتهد" الحديثين في عملية صنع القانون الذي لا يمكن أن تتم بمعزل عن المصادر المختلفة، فلا يمكن أن تحكم أمة بشكل صحيح إلا من خلال قوانينها وتقاليدها الخاصة. وهنا تظهر الحاجة إلى المجتهد(6).

الطاهر بن عاشور لم يكتف بتدريس " الموافقات"، على ما لذلك من دلالات؛ وإنما أضاف إليه في كتابه " مقاصد الشريعة الإسلامية"، وتمثلت هذه الإضافة في دعوته إلى التخلص نهائيا من مبادئ علم أصول الفقه وقواعده؛ لعدم قدرتها على مسايرة التراجع الحضاري والانهيار السياسي للأمة، وتعويض هذا العلم التقليدي "بتأسيس قول أو اجتهاد جديد في الشريعة يضمن القدرة على التكيف، وينخل الشريعة من مطلعها إلى مقطعها حتى تساير ظروف الانحدار الشامل والسريع"(7). هذا الاجتهاد الجديد يسمى " علم مقاصد الشريعة".

البحث في " مقاصد الشريعة" لدى الطاهر بن عاشور مرتبط ارتباطا قويا ومباشرا بالبحث في نظام الاجتماع الإسلامي(8)، فهو يرى أن هذا المجتمع لا تجدي فيه كثيرا قواعد علم الأصول مما يجعل من الضروري البحث عن قواعد أوسع؛ ذلك أن حركة الفقه غلب عليها منهج تجزيئي في الاستنباط جعل الفقه يتضخم في اتجاه قضايا الأفراد دون عناية كافية بقضايا المجتمع(9).

II- -

الشيعة والثورة الدستورية

1- دور رجال الدين:

أسهم مفهوم العصمة الشيعي بشكل فعال في إعطاء أدوار دينية وسياسية لعلماء الدين؛ إذ أدى هذا المعتقد تدريجيا إلى استقلالية رجال الدين عن السلطة السياسية. وقد تأكدت هذه الاستقلالية من خلال المراكز العلمية الدينية التي مثلتها بالخصوص مدينتا النجف وقم؛ إلا أن النجف انفردت "بشيء لا مثيل له في أي بقعة من بقاع العالم؛ ذلك أن فيها دائما مرجعا أعلى للشيعة هو في الأصل مجتهد من كبار المجتهدين أجمعت الكلمة على الإذعان لرئاسته ومرجعيته"(10)، وبسبب ذلك تحولت النجف إلى مركز ثقافي يعج بالأفكار والاتجاهات والأطروحات... وقد مهد كل ذلك لحركة فكرية غنية برزت تجلياتها منذ أواخر القرن السابع عشر، وذلك من خلال شيوع الأطروحات الإصلاحية أسوة بما كان يحصل في أراضي الخلافة العثمانية. وقد تجسدت هذه الأطروحات بالخصوص في ترسخ منحى أصولي اجتهادي حمله مجتهدون من أمثال محمد باقر البهبهاني (1706-1791)(11) والميرزا محمد حسن الشيرازي (1815- 1895) الذي اقترن اسمه بقضية التنباك(12).

2-الثورة الدستورية:

وضع إيران القاجارية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان وضعا منهارا، تجسّد في الإفلاس الاقتصادي والتداين من البنوك الأجنبية وفي تعسف السلطة السياسية الحاكمة. ورغم تعدد القوى الاجتماعية المناهضة لهذا الوضع فقد لعب رجال الدين دورا رئيسا في المواجهة، فقد "نشطت فئة من صغار علماء الدين بصورة مبكرة في التهيئة للثورة الدستورية؛ إذ جمعت هذه الفئة بين الثقافة الدينية وشيء من الثقافة الحديثة وأسست منذ عام 1902 مجلسا للثورة. وبرز من هذه الفئة: الميرزا نصر الله المعروف بملك المتكلمين (خطيب الثورة)، والسيد جمال الدين الواعظ. وكان هؤلاء -وإن عملوا خارج إطار الحوزات الدينية - على علاقة بكبار العلماء فيها؛ للاستفادة من نفوذهم الشعبي"(13). واستطاعت هذه القوة الاجتماعية/ الدينية من أن تفرض على حكام إيران إصلاحا دستوريا مهما: انتخاب مجلس ينبثق عنه دستور للبلاد.

ولعل الملاحظة الأساسية في هذا السياق أن رجال الدين قد أضفوا قداسة على فكرة الدستور مؤكدين توافقها التام مع أحكام الدين وأوامر الأنبياء بخصوص العدالة ورفع الظلم عن الناس(14).

إننا إزاء فكر مقاصدي يجعل من العدالة مقصداً أساسيا من مقاصد الشريعة الإسلامية (البحث عن السياسة العادلة في زمن غيبة الإمام).

هذا التصوّر المقاصدي نجده مفصلا لدى الميرزا محمد حسين نائيني (ت 1936) في كتابه " تنبيه الأمة وتنزيه الملة"(15):

- الإقرار بمبدأ إسلامية فكرة الدستور الذي هو " مشاركة أفراد الأمة في القرار والولاية، ومساواتهم مع شخص السلطان في جميع نوعيات الملكية من المالية وغير المالية، كما أنه حق للأمة في المحاسبة والمراقبة وتحديد مسؤولية الموظفين(16).

- الدستور هو مما يشترك فيه المسلمون مع العالم، فهو يرى أن الأمم الأوروبية التي تحررت من الحكم الملكي المطلق إنما فعلت ذلك اتباعا للمبادئ الطبيعية وإحاطة بالقوانين الإسلامية(17).

- التبرير الفقهي لضرورة تحديد السلطات والصلاحيات من خلال صيغة الشورى. وهذه الصيغة لا تتناقض مع دور الفقيه في مذهب الإمامية، فهذا الدور -الذي يفرض "نيابة الإمام"، والذي يتمثل في القيام بالوظائف الحسيّة مع عدم ثبوت النيابة العامة في جميع الوظائف- يندرج في نظام شوري حيث تتحقق الشورية الملية العمومية، لا مع البطانة وخواص شخص الوالي فقط بل مع عموم الأمة. ودلالة الآية المباركة " وشاورهم في الأمر" المخاطب بها نفس العصمة وعقل الكل، وقد كلّف بالمشورة مع عقلاء الأمة على هذا المطلب في كمال البداهة والظهور، حيث يعلم بالضرورة أن مرجع ضمير الجمع هو عموم الأمة وقاطبة المهاجرين والأنصار لا أشخاص خاصة(18)

خلاصة فكر الرجل صاغها وجيه كوثراني بالقول: "إن الهيئة الدستورية -المتمثلة بالجمعيات العمومية أو البرلمانات، أو المجالس التمثيلية- هي الصيغة الراهنة التي توصّل إليها تطوّر الحضارة الإنسانية وفقا للمبادئ الطبيعية والقوانين الإسلامية اللتين لا تناقض بينهما"(19).

III- -

من الإسلام الإحيائي إلى الإسلام النضالي

1- فشل الإصلاحات:

تعود أسباب فشل حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده إلى افتقادها إلى قاعدة مشتركة في التعامل مع الفكر الغربي، فباستثناء فترة قصيرة من الزمن التقت فيها وجهات نظر المصلحين (تأييد الثورة الدستورية) فإن عملية التفاعل بين الإسلام والفكر الغربي لم تطلق على مداها(20)، ثم أصيبت عملية التفاعل هذه بانتكاسة كبيرة في مرحلة ما بين الحربين التي تميزت بتزايد النفوذ الغربي في بلاد المسلمين وبإلغاء كمال أتاتورك للخلافة. فرغم أن قسما من النخبة الإسلامية قرر مواصلة جهود المصلحين (رشيد رضا ومحمد الطاهر بن عاشور...) فإن التوجه الذي ساد كان توجها هوويا طهوريا هو في النهاية تراجع عن منجزات الفكر الإصلاحي " فقد تشبث الإسلاميون (آنذاك) بإحياء الخلافة التي ألغاها مصطفى كمال، كما راحو يعيدون النظر في قضية المرأة بدافع الخوف من تجاوزها للحدود الشرعية؛ بينما كان الهم سابقا في مسألة السلطة إقامة سلطة تمثيلية دستورية، كما كان الهمّ سابقا في الجانب النسائي من قبل الدفاع عن الحقوق الشرعية للمرأة المسلمة"(21). والنتيجة المنطقية لذلك اعتبار التفتح على الأطروحات الفكرية الغربية استشراقا، وبالتالي؛ تبشيرا أي غزوا ثقافيا في المحصلة(22). وفي هذا الإطار تفهم الحملات على علي عبد الرازق وطه حسين، كما نفهم كذلك ظهور جمعيات وأحزاب ذات أبعاد ثقافية وتربوية معنية بالدرجة الأولى بمسألة الهوية الخاصة وضرورات صونها(23)، ومن أهم تلك الجمعيات جمعيتا " الشبان المسلمون"(24) و"الإخوان المسلمون".

لقد تميزت هذه الفترة بتراجع الفكر الإصلاحي، ولعل العلامة البارزة عليه الحملة على ما اعتبر تغريبا وتفرنجا(25)، وما إن انتهت الفترة الحديثة مع النكبة بكل تداعياتها السياسية والفكرية(26) حتى تجسدت القطيعة مع الفكر الإصلاحي بظهور مفاهيم جديدة مثل الحاكمية والشمولية والشريعة والجهاد والجاهلية...الخ. وهي مفاهيم تنابذ السلطة والمجتمع كليهما.

2- حاكمية الله وجاهلية المجتمع:

دشّن هذه المرحلة عبد القادر عودة (أعدم سنة 1954) في كتابه الشهير " التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" الذي صدر سنة 1947. وقد بدا واضحا منذ مقدمة الكتاب التراجع الواضح عن مكتسبات مرحلة " النهضة" في المجال الدستوري. فقد أقام سدا منيعا وجدارا حديديا فصل فيه بين الشريعة والقانون وبالنتيجة قطع كل إمكانية تفاعل بينهما. يقول: "تختلف الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية اختلافا أساسيا من ثلاثة وجوه..." سنقتصر على الوجه الأول ففيه الكفاية كما سنبينه لاحقا:

" الوجه الأول: أن القانون من صنع البشر، أما الشريعة فمن عند الله. وكلاهما: الشريعة والقانون يتمثل فيه بجلاء صفات صانعه، فالقانون من صنع البشر ويتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وقلة حيلتهم، ومن ثم كان القانون عرضة للتغيير والتبديل أو ما نسميه التطوّر كما تطورت الجماعة إلى درجة لم تكن متوقعة أو وجدت حالات لم تكن منتظرة. فالقانون ناقص دائما، ولا يمكن أن يبلغ حد الكمال مادام صانعه لا يمكن أن يوصف بالكمال، ولا يستطيع أن يحيط بما سيكون وإن استطاع الإلمام بما كان... أما الشريعة فصانعها هو الله، وتتمثل فيها قدرة الخالق وكماله وعظمته وإحاطته بما كان وبما هو كائن، ومن ثمّ صاغها العليم الخبير بحيث تحيط بكل شيء في الحال والاستقبال؛ حيث أحاط علمه بكل شيء، وأمر جلّ شأنه أن لا تغيير ولا تبديل حيث قال: ﴿لا تبديل لكلمات الله﴾ [يونس: 64]؛ لأنها ليست في حاجة إلى التغيير والتبديل مهما تغيّرت الأوطان والأزمان وتطوّر الإنسان"(27).

من الواضح أن مثل هذه الرؤية ترفع الشريعة فوق التاريخ، ولا تعترف أبدا بأي دور للبشر في صياغتها، ولا ترى فيها أي أثر للمجتمع الإسلامي. وبالتالي ترفض كل منزع اجتهادي أو مقاصدي يمكن من تطوير الفقه الإسلامي وأصوله. ولقد لخص كل من عودة وسيد قطب هذا التصور للشريعة بالقول: إن المجتمع لا يصنع الشريعة؛ وإنما العكس هو الصحيح(28)؛ ولكن الأخطر من ذلك التصوّرات والمفاهيم التي انتشرت بفعل هذه الرؤية وهي بالأساس: 

- الشمولية: فالإسلام وفق هذا التصوّر نظام شامل ولا يحتاج إلى التفاعل مع غيره من الأنظمة خصوصا في مجال التشريع. يؤكد (عودة) ذلك بالزعم أن الشريعة لم تأت لجماعة دون جماعة أو لدولة دون أخرى؛ بل هي شريعة كل أسرة وكل قبيلة وكل دولة. إنها باختصار " الشريعة العالية التي استطاع علماء القانون الوضعي أن يتخيلوها؛ ولكنهم لم يستطيعوا أن يوجدوها"(29). هذه الشمولية أكدها سيد قطب عندما قال بأن الإسلام لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات، مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي لا حق له في الحياة؛ وإنما وجوده مؤقت وبزواله "المحتوم" يشمل الإسلام كل الوجود(30).

- الحاكمية: الزعم بأن القانون من وضع البشر والشريعة من عند الله يحيل مباشرة إلى "الحاكمية"، وتعود هذه الفكرة في الزمن الحديث إلى المفكر الهندي أبي الأعلى المودودي الذي استخدمها أواخر الأربعينات أثناء الصراع على دستور دولة باكستان التي انفصلت عن الهند. وكان الجدل السياسي وقتها يدور حول طبيعة الدولة الوليدة ومستقبلها هل تكون دولة إسلامية أم دولة قومية(31) وبالفعل فقد خصص عودة أكثر من فقرة في كتابه عن الإسلام والأوضاع السياسية للموضوع. يقول في فقرة بعنوان " لله الحكم والأمر" إجابة عن سؤال لمن الحكم؟: "هذا سؤال لا تصعب الإجابة عليه بعد أن علمنا أن الله هو خالق الكون ومالكه، وأنه استعمر البشر واستخلفهم في الأرض وأمرهم أن يتبعوا هداه، وألا يستجيبوا لغيره، فكل ذي منطق سليم لا يستطيع أن يقول بعد أن علم هذا إلا أن الحكم لله، وإنه جلّ شأنه هو الحاكم في هذا الكون مادام هو خالقه ومالكه، وإن على البشر أن يتحاكموا إلى ما أنزل ويحكموا به..."(32). أما سيّد قطب فقد كان أوضح في استخدام المصطلح بمعنى السلطة أو المرجعية السياسية. يقول: "لمّا كان البشر لا يملكون أن يدركوا جميع السنن الكونية ولا أن يحيطوا بأطراف الناموس العام ولا حتى بهذا الذي يحكم فطرتهم ذاتها ويخضعهم له - رضوا أم أبوا- فإنهم من ثمّ لا يملكون أن يشرعوا لحياة البشر نظاما يتحقق به التناسق بين فطرتهم المضمرة وحياتهم الظاهرة. إنما يملك هذا خالق الكون وخالق البشر"(33).

- الجاهلية: رفض الحكم بما أنزل الله يعني تحكيم البشر وتؤدي هذه المعادلة الغريبة إلى تكفير المجتمع استنادا إلى قراءة تبسيطية للآية 44 من سورة المائدة ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. بل إن عودة يربط ربطا محكما بين الإيمان بالله والتسليم بأن لا أحد يضع القوانين غيره(34)، والنتيجة أن رفض القول بالحاكمية يفضي ضرورة إلى الخروج من الملة. هذا التصور بلوره سيد قطب في نعته للمجتمعات المعاصرة بما فيها المجتمعات الإسلامية بالجاهلية؛ لأنها لا تحكم بما أنزل الله(35). ثم هو يثبت العلاقة بين الحاكمية والجاهلية على أساس أن الجاهلية تعني الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية ألا وهي الحاكمية(36) وبالطبع الاعتداء على سلطان الله يستوجب الجهاد بالكيفية التي بيّنها القدماء دون أدنى اجتهاد(37). ولمّا كانت الهجرة من مقدمات الجهاد -وربما من معانيه- دعا قطب إلى هجر هذا المجتمع الجاهلي في تصوراته وعقائده وعاداته وتقاليده وثقافته وآدابه وقوانينه(38)

الشمولية والحاكمية والجاهلية ثالوث يؤدي في المحصلة إلى الانغلاق ورفض الآخر بمقتضى رؤية طهورية لا تاريخية عبّر عنها سيد قطب بكل وضوح: "الإسلام تصور مستقل للوجود والحياة، وهو تصوّر يخالف مخالفة أساسية سائر التصوّرات الجاهلية قديما وحديثا. وقد يلتقي مع هذه التصوّرات في جزئيات عرضية جانبية، ولكن الأصول التي تنبثق منها هذه الجزئيات مختلفة عن سائر ما عرفته البشرية من نظائرها"(39).

-IV-

عودة الفكر المقاصدي

1- ثورة الخميني الثانية:

لم تكن كتابات سيّد قطب ومثيلاتها دون تأثير في جمهور الحركات السياسية الإسلامية فقد كانت فترة السبعينات فترة "تنظيمات الغضب الإسلامي" وهي جماعات تكفيرية جهادية، وقد بلغت ذروة فعلها باغتيال السادات سنة 1981. لقد كانت عملية الاغتيال هي أقصى ما قدرت عليه هذه التنظيمات في صراعها مع السلطات الحاكمة.

انطلاقا من أواخر السبعينات حصلت تطوّرات وجدّت متغيّرات أثّرت بالإيجاب في تطوّر فكر الإسلاميين وبالنتيجة في مواقفهم من المجتمع والدولة. لخّص رضوان السيّد أسباب هذه المتغيّرات في ثلاثة عوامل، أولها: تراجع الاستقطاب الدولي والإقليمي الذي توّج بسقوط الاتحاد السوفياتي. وثانيهما: اقتناع الكثير من حركات الإسلام السياسي بعدم جدوى مواجهة الأنظمة القائمة عن طريق العنف(40). وثالثها: دخول الكثير من الإسلاميين الحياة السياسية عن طريق المشاركة في الانتخابات والعمل الجمعياتي(41). لقد بدأ عهد جديد في علاقة الفكر السياسي الإسلامي المعاصر بالمجتمع وبالدولة؛ إذ بدا أن هناك منزعا عاما لتجاوز فكر الهوية العقدية الذي تلازم مع العنف والانغلاق ورفض الآخر وجسدته المقولات الشهيرة: الشمولية، الحاكمية، الجاهلية.

في مجال الإسلام الشيعي سجّلنا تطوّرا هاما في فكر الخميني بداية من سنة 1988، فقد أكّد في الرسالة التي بعث بها إلى الرئيس خامنائي أن الدولة الإسلامية فرع من أمانة الرسول، وهي واحدة من الفرائض الأولى في الإسلام، وقدمها على جميع الفرائض المشتقة الأخرى كالصلاة والصوم والحج(42). هذه المكانة العالية التي أولاها الخميني للدولة تنطلق من إيمان بأن "الحاكم المسلم بوصفه قدرا من أقدار الله يحظى بمرتبة أعلى من جميع الفرائض السماوية، وبوسعه إبطال أهم القواعد إن رأى في ذلك مصلحة للشعب المسلم ودولته"(43).

وبالفعل فقد أحصت الباحثة الإيرانية أصغر شيرازي في مؤلفها القيّم حول دستور إيران(44) 1022 قانونا أقره المجلس الثوري و1383 قانونا أقرته البرلمانات الإيرانية المتتالية إلى حدود سنة 1995، وهي قوانين لا صلة لها بالشريعة(45). ومع ذلك اعتبر آية الله منتظري كل هذه القوانين إسلامية طالما أن مجلس الأمناء قد أقرها(46).

هذا التوجه المقاصدي دعمه المفكر الإيراني حسن حاج فرج الدباغ المعروف باسم عبد الكريم سروش (ولد سنة 1945)، الذي أكّد أن الفقه ليس العلم الإسلامي الأوحد والأعلى، وذلك في إطار تمييزه بين الدين بوصفه تجلّيا إلهيا أبديا وثابتا وبين المعرفة الدينية التي هي نتاج بشري، وبالتالي تكون متغيرة ومتناسبة مع فهم المجتمع ومع الحقبة التاريخية(47).

2- النهضة من جديد:

تعد حركة النهضة التونسية من أكثر حركات الإسلام اعتدالا من حيث الخطاب والممارسة السياسيين ومن أكثرها استيعابا للفكر المقاصدي، وقد أتيحت لها الفرصة أخيرا لممارسة الحكم ووضع فكرها المقاصدي على المحك، ولعل عدولها عن تضمين الشريعة مصدرا من مصادر التشريع في الدستور المرتقب مكتفية بالفصل الأول(48) وتضمينها مقابل ذلك لحقوق الإنسان بمفهومها الكوني خير تجسيد لفكرها المقاصدي المعبر عنه في كتابات زعيمها راشد الغنوشي.

ويعبر كتابا " حقوق المواطنة" و"الحريات العامة في الدولة الإسلامية" عن هذا التوجه المقاصدي، فنقرأ في الفصل الثاني من " الحريات العامة" (التصوّر الإسلامي للحرية وحقوق الإنسان): "وكان مبحث المقاصد الشرعية الذي اختطه أبو إسحاق الشاطبي في رائعته (الموافقات) قد حظي كما تقدّم بقبول عام لدى المفكرين الإسلاميين المعاصرين كأساس وإطار لنظرية الحقوق والحريات العامة والخاصة في التصوّر الإسلامي"(49).

ظهر المنزع المقاصدي في فكر راشد الغنوشي في ثلاث قضايا رئيسة:

أ‌- الذمة: يرى الغنوشي أن المساواة هي قاعدة التعامل في المجتمع الإسلامي، وأنه لا إكراه في الدين، ووفق هذه القاعدة ينبغي أن يزول مصطلح أهل الذمة من الفكر السياسي الإسلامي؛ ذلك أن المجتمع الإسلامي وإن كان مجتمعا عقائديا فهو مجتمع مفتوح لكل العقائد والأجناس، يتمتع فيه الجميع بحقوق المواطنة إما بعقد الإسلام وإما بعقد الذمة؛ أي المواطنة أو الجنسية(50). ولمّا كانت الدولة الإسلامية دولة عالمية ترتفع فيها المواطنة عن كل الفوارق الجنسية والقومية واللغوية وسواها؛ فإنه لا فرق بين مسلم وغير مسلم في الحقوق، فحقوق الذمي هي حقوق المواطنة نفسها كما تبلورت في العصور الحديثة، فله الحق في المساواة وفي الحرية مثله مثل المسلم من ذلك، وحقه في أن يدافع عن عقيدته أو مذهبه ويظهر محاسنه على بقية المعتقدات(51)، بل من حقه أن يظهر انتقاداته للدين الإسلامي نفسه(52).

ب‌- الردة: يؤكد الغنوشي استنادا إلى آراء محمد عبده وآخرين أن الردة جريمة لا علاقة لها بحرية العقيدة التي أقرها الإسلام، وأنها مسألة سياسية قصد بها حياطة المسلمين وحياطة تنظيمات الدولة الإسلامية من نيل أعدائها، وأن ما صدر من النبي في شأن الردة إنما هو باعتبار ولايته السياسية على المسلمين، وبذلك تكون عقوبة المرتد تعزيرا لا حدّا. وأنها سياسية تقابل الأنظمة الأخرى بجريمة الخروج بالقوة على نظام الدولة ومحاولة زعزعته، وتعالج بما يناسب حجمها وخطرها من معالجات(53).

ت‌- المرأة: أبدى الغنوشي عجبه من الفتاوى المعاصرة القاضية بعزل المرأة عن كل مشاركة في الحياة السياسية استنادا إلى آية القوامة ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ وعلى الحديث النبوي «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». فليس لهذه الفتاوى العجيبة أي سند في كتب التراث التي لم تستثن المرأة من تولي المسؤولية عدا منصب الإمام. بل إن المدقق في الأمر يفضي إلى عدم اعتبار هذا الاستثناء على أساس أن الكثير من القدماء قد خوّلوا لها تولي منصب القضاء الذي يضاهي منصب الإمامة من جهة الشروط، فقد اشترط الفرّاء في الإمام "أن يكون على صفة من يصلح أن يكون قاضيا من الحرية والبلوغ والعقل والعدالة"(54)، أما آية القوامة فهي في رأيه لا تشمل الرئاسة بإطلاق؛ إذ لو كانت كذلك لمنعت المرأة من كل أنواع الرئاسة بما في ذلك رعاية الأطفال أو الإشراف على التجارة أو ما شابه ذلك. وبخصوص الحديث النبوي فقد ورد بخصوص حادثة معينة (ولاية ابنة كسرى ملك فارس)(55).

من الواضح أن "المواطنة" هي الخيط الجامع لهذه القضايا الثلاثة التي شكلت على مدى عقود نقطة ضعف الخطاب الإسلامي، ومن ثمة عجزه عن التصالح مع المجتمع ومع الدولة ومع العالم. ومن الأوضح أنها البوابة الوحيدة التي تمكن الإسلاميين من ممارسة سياسة حديثة منسجمة مع الفكر السياسي الحديث. ولا يكون الفكر السياسي الإسلامي المعاصر كذلك إلا إذا تبنى الفكر المقاصدي: "فإذا كانت السياسة الشرعية تهدف إلى إقامة العدل ومطاردة الجور، وكان الإسلام كما ذكرنا قد اكتفى في شؤون الحكم - غالبا - بتقعيد الكليات؛ ثقة بعقل الإنسان، وتأسيسا لحريته، وتحقيقا لخلود الإسلام وصلاحه لكل زمان ومكان؛ فإن من الطبيعي أن تنفتح السياسة الشرعية على كل التراث البشري في الفكر السياسي تفيد منه أشكالا ووسائل تتساوق مع مقاصد الإسلام وقيمه، ولا تتناقض مع مقصده الأعظم في إقامة العدل"(56).

الخلاصة:

يتبين من خلال علاقة الفقه بالمجتمع والسلطة في الأزمنة الحديثة والمعاصرة طريقتان في التفكير لدى الإسلاميين: فكر الانتماء وفكر الهوية، ولئن كانت الغلبة في النهاية لفكر الانتماء فلسببين اثنين:

- فكر الانتماء جسده الفكر المقاصدي، والفكر المقاصدي -باعتباره اجتهادا- فكر أصيل؛ فهو من طبيعة الفقه نفسه. بين ذلك كل من وائل حلاق وراشد الغنوشي؛ كتب حلاق في مقاله الشهير عن الاجتهاد بأن الذين تحدثوا عن غلق باب الاجتهاد وإعادة فتحه إنما هم يروجون "شبهة" شائعة، فباب الاجتهاد لم يغلق أبدا؛ بل إن الذين لم يمارسوا الاجتهاد تمّ إقصاؤهم من الانتماء لأهل السنة(57)، أما الغنوشي فقد بين أن المنظومات التشريعية التي تنسب إلى فقهاء بعينهم إنما كانت في الحقيقة عملا جماعيا (إجماع الأمة) ارتبط دوما بمشاغل الناس المتجددة، ولذلك فشل كل من عمل على فرض مذهب فقهي بالقوة على شعب من شعوب الإسلام (فشل الفاطميون في فرض مذهبهم في تونس، وكذلك حصل مع الأتراك الحسينيين)(58).

- فكر الهوية الذي جسدته شعارات الشمولية والحاكمية والجاهلية وما نتج عن ذلك من عنف سمّي جهادا إنما كان رد فعل على واقع غير سليم، واقع الدكتاتوريات والقمع ومطاردة الإسلاميين. وضح ذلك رضوان السيد عندما كتب بأن شعار " شمولية الإسلام" إنما هو لمواجهة شمولية الأنظمة، و"الحاكمية" لمواجهة وحدانية الأحزاب في الأنظمة " التقدمية"، و"الجهاد" لمواجهة العنف الثوري وحرب الشعب طويلة الأمد، و"حتمية الحل الإسلامي" لمواجهة حتمية الحل الاشتراكي(59). وعلى هذا الأساس فإن الدعوة إلى تطبيق الشريعة بمفهومها الحرفي (الحدود) كانت -ومازالت- لأجل الاحتجاج على سياسة الإقصاء؛ فهي أداة نضالية ضد السلطات. الأمثلة على ذلك كثيرة فقد عارض الخميني إصلاحات الشاه التي أعطت النساء حق التصويت واعتبر ذلك مخالفا للشريعة؛ ولكن هذا الحق مارسته المرأة الإيرانية منذ اليوم الأول من قيام الجمهورية الإسلامية تحت ولاية الخميني. ونفس المآل عرفته شعارات تطبيق الشريعة في العالم السني؛ فالمسألة -كما قال محقا رضوان السيد- "كانت صراعا على السلطة أو بعبارة أدق من ينشئ هذه الدولة بعد الاستقلال..."(60) وكان لابد من انتصار خصومهم آنذاك؛ لأن الكونية الغربية السائدة لا تسمح بغير ذلك.

وبعد مجيء الإسلاميون عام 2011 إلى السلطة في أكثر من دولة، انقسموا فريقين، فريق الفكر المقاصدي وقد أمسك بالدولة، وفريق "تطبيق الشريعة" وقد اختار المعارضة واستعاد "فقه الهوية"، وبذلك انتقل الصراع من صراع علماني/ إسلامي إلى صراع إسلامي/ إسلامي. ومن الأكيد أن وصول الفريق الثاني إلى السلطة سيرغمه على مواجهة مسألة مشروع الدولة في العالم المعاصر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) صدرا في عهد السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861).

2) لمزيد التفاصيل راجع: سامي زبيدة، الشريعة والسلطة في العالم الإسلامي، ط1، ترجمة عباس عباس، دار المدار الإسلامي، بيروت 2007 ص213-214.

3) المرجع السابق ص227.

4) معتز الخطيب، الفقه والأزمنة المعاصرة، ص8.

5) مجيد خدوري، الاتجاهات السياسية في العالم العربي: دور الأفكار والمثل العليا في السياسة، ط1، الدار المتحدة للنشر، بيروت 1972 ص74.

6) سامي زبيدة، مرجع مذكور ص245.

7) عبد المجيد الصغير نقلا عن الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ط2، تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن 2001، ج 1، ص 95.

8) يرى سامي زبيدة أن محمد عبده تأثر بأوغست كونت الذي يرى أن علم الاجتماع - بوصفه علما وضعيا في النظام الاجتماعي ومصدرا عقلانيا للأخلاق- يجب أن يحل محل الدين. (مرجع مذكور ص241). ونحن نجد أثرا لذلك لدى ابن عاشور.

9) من ذلك مثلا مسألة الرخصة، يقول: " وإن من أعظم ما لا ينبغي أن ينسى عند النظر في الأحوال العامة الاجتماعية باب الرخصة؛ فإن الفقهاء إنما فرضوا الرخص ومثلوها في خصوص أحوال الأفراد، ولم يعرجوا على أن مجموع الأمة قد تعنريه مشاق اجتماعية تجعله بحاجة إلى الرخصة كما قدمناه في فصل الرخص"، مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع مذكور، ج2، ص406.

10) وجيه كوثراني، الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في إيران الصفوية-القاجارية والدولة العثمانية، ط2، دار الطليعة، بيروت 2001، ص127.

11) اشتهر باسم الوحيد البهبهاني هو زعيم المدرسة الأصولية المناوئة للمدرسة الإخبارية. لعب دورا كبيرا في محاربة التصوف. من أهم مؤلفاته: " الرد على شبهات الإخباريين"، " تعليقات على منهج المقال- 

12) لعب الشيرازي دوراً أساسا في دفع الشاه إلى التراجع عن قراره القاضي بمنح شركة التنباك الإنجليزية في عام 1890-1891 السوق الإيرانية وذلك من خلال فتوى نصها: " بسم الله الرحمن الرحيم، استعمال التنباك والتنن حرام بأي نحو كان. ومن استعمله كمن حارب الإمام عجل الله فرجه- لمزيد من التفاصيل راجع: وجيه كوثراني، مرجع مذكور ص129 وما بعدها. وسامي زبيدة، مرجع مذكور ص308.

13) فاضل رسول، الدين والدولة وصراعات الشرعية، نقلا عن وجيه كوثراني، مرجع مذكور، ص134.

14) وجيه كوثراني، مرجع مذكور ص136.

15) ذكر وجيه كوثراني أن الطبعة الأولى لهذا الكتاب صدرت سنة 1909 وقد نقله إلى العربية صالح الجعفري سنة1930 ونشرت الترجمة في مجلة " العرفان" على حلقات بعنوان " الاستبدادية والديمقراطية-

16) وجيه كوثراني، مرجع مذكور ص138.

17) المرجع السابق.

18) نفسه، ص141 -140.

19) نفسه، ص141.

20) مجيد خدوري، مرجع مذكور ص69.

21) رضوان السيّد، الصراع على الإسلام، الأصولية والإصلاح والسياسات الدولية، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت 2005 ص79.

22) المرجع السابق.

23) نفسه، ص80.

24) تأسست هذه الجمعية بالقاهرة سنة 1927 على يد مجموعة من الرجال المتدينين فركزت على الجوانب الدينية كما هو واضح من أهدافها (نشر القيم الإسلامية الدينية والخلقية، السعي إلى تنوير الشباب بالمعرفة وبطريقة تتلاءم مع روح العصر... الخ). من مؤسسيها عبد الحميد سعيد وأحمد تيمور باشا ومحمد الخضر حسين... لمزيد التفاصيل راجع: مجيد خدوري، مرجع مذكور ص83-85.

25) راجع في هذا المجال: محمد جابر الأنصاري، تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 35 نوفمبر 1980 ص53 وما بعدها. (والملاحظ أن المؤلف يعطي عنوانا آخر لهذه المرحلة وهو " إخفاق الليبرالية في الشرق العربي" مستندا في ذلك إلى النقد الذاتي الذي مارسه أغلب دعاة الليبرالية والمتغربين من العرب في تلك الفترة.)

26) حول الآثار الفكرية للنكبة راجع كتابنا: أدبيات النقد الذاتي في الفكر العربي، ط1، دار الحوار، سوريا 2007.

27) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، دار الكاتب العربي، بيروت، سلسلة " الثقافة العامة" د, ت ج1 ص17-18.

28) المرجع السابق ص22، سيّد قطب، نحو مجتمع إسلامي ط8، دار الشروق، القاهرة 1988 ص64.

29) عبد القادر عودة، مرجع مذكور ص16.

30) سيد قطب، معالم في الطريق ط 6، دار الشروق، القاهرة 1979 ص105.

31) رضوان السيد، الإسلام المعاصر: نظرات في الحاضر والمستقبل ط1 دار البراق، تونس 1990 ص29.

32) عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1981. الطبعة الأولى للكتاب صدرت سنة 1950، ص67.

33) سيد قطب، معالم في الطريق، مرجع مذكور، ص100.

34) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي، مرجع مذكور، ص19.

35) سيد قطب، معالم في الطريق، مرجع مذكور، ص6.

36) المرجع السابق ص8.

37) نفسه، ص55 وما بعدها.

38) نفسه، ص17.

39) سيد قطب، معالم في الطريق، مرجع مذكور ص148.

40) لم تكن هذه القناعة حكرا على الإسلاميين بل إن الكثير من المفكرين كانوا يقاسمونهم الرأي. على رأس هؤلاء المفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي. راجع كتابيه: "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي" و "النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين- 

41) رضوان السيّد، الصراع على الإسلام، مرجع مذكور ص90-91.

42) سامي زبيدة، الشريعة والسلطة، مرجع مذكور ص11.

43) المرجع السابق. 

44) العنوان الكامل للكتاب هو " دستور إيران: السياسة والدولة في الجمهورية الإسلامية- صدر بالفارسية أولا ثم ترجم إلى الانجليزية وصدر سنة 1997.

45) نقلا عن سامي زبيدة، الشريعة والسلطة، مرجع مذكور ص336.

46) المرجع السابق، ص. ن.

47) لمزيد التفاصيل حول فكر سروش راجع: المرجع السابق ص356 وما بعدها.

48) جاء في الفصل الأول من مشروع الدستور التونسي الجديد: "تونس دولة حرة، مستقلة, ذات سيادة, الإسلام دينها, والعربية لغتها, والجمهورية نظامها.

49) راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1993، ص43.

50) راشد الغنوشي، حقوق المواطنة: حقوق غير المسلم في المجتمع الإسلامي، ط 2 (مزيدة ومنقحة)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (9)، هيردن، فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية 1993 ص55-56.

51) المرجع السابق ص72.

52) نفسه، ص73.

53) راشد الغنوشي، الحريات العامة، مرجع مذكور ص50.

54) المرجع السابق ص128-129.

55) نفسه، ص129-130.

56) نفسه، ص25.

57) Wael B. Hallaq, WAS THE GATE OF IJTIHAD CLOSED? International Journal of Middle East Studies, Vol. 16, No. 1 (Mar., 1984), p.4.

58) راشد الغنوشي، الحريات العامة، مرجع مذكور ص122-123

59) رضوان السيد، الصراع على الإسلام، مرجع مذكور ص87-88.

60) رضوان السيّد، الإسلام المعاصر، مرجع مذكور ص29.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/10/203

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك