التسامح في الإسلام

التسامح في الإسلام
محمود حمدي زقزوق*
تمهيد:

الإسلام دين عالمي يتَّجه برسالته إلى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وترسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعا في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس، بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم؛ فالجميع ينحدرون من "نفس واحدة"(1).

وعالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى؛ نظرا لأَنَّ التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوما بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات، والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية كبيرة.

والإسلام دين يسعى من خلال مبادئه وتعاليمه إلى تربية أتباعه على التسامح إزاء كُلّ الأديان والثقافات، فقد جعل الله الناس جميعا خلفاء في الأرض التي نعيش فوقها، وجعلهم شركاء في المسؤولية عنها، مسؤولين عن عمارتها ماديا ومعنويا، كما يقول القرآن الكريم: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾(2) أي طلب منكم عمارتها وصنع الحضارة فيها، ومن أجل ذلك ميز الله الإنسان بالعقل، وسلحه بالعلم حتى يكون قادرا على أداء مهمته، وتحمل مسؤولياته في هذه الحياة.

ولهذا يوجه القرآن الكريم خطابه إلى العقل الإنساني الذي يعد أجل نعمة أنعم الله بها على الإنسان، ومن هنا فإن على الإنسان أن يستخدم عقله الاستخدام الأمثل، وفي الوقت نفسه يطلب القرآن من الإنسان أن يمارس حريته التي منحها الله له والتي هي شرط ضروري لتحمل المسؤولية، فالله سبحانه لا يرضى لعباده الطاعة الآلية التي تجعل الإنسان عاجزا عن العمل الحر المسؤول؛ فعلى الإنسان إذن أن يحرص على حريته، وألا يبددها فيما يعود عليه وعلى الآخرين بالضرر.

ومن شأن الممارسة المسؤولة للحرية أن تجعل المرء على وعي بضرورة إتاحة الفرصة أمام الآخرين لممارسة حريتهم أيضا؛ لأنَّ لهم الْـحَقّ نفسه الذي طلبه الإنسان لنفسه، وهذا يعني أن العلاقة الإنسانية بين أفراد البشر هي علاقة موجودات حرة يتنازل كل منهم عن قدر من حريته في سبيل قيام مجتمع إنساني يحقق الخير للجميع.

وهذا يعني بعبارة أخرى أن هذا المجتمع الإنساني المنشود لن يتحقق على النحو الصحيح إلا إذا ساد التسامح بين أفراده، بمعنى أن يحب كل فرد فيه للآخرين ما يحب لنفسه.

التسامح الإيجابي الشامل:

ولا شك في أن وعينا بأننا خطاءون(3) يواكبه في الوقت ذاته وعينا بمسؤوليتنا التي ترتكز عليها كرامتنا الإنسانية، الأمر الذي يمكننا من السلوك القويم المتسامح حيال الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية، والذين ينبغي أن يربطنا بهم رباط التضامن الإنساني المشترك. والتسامح –كما ألمحنا– يقوم على الاعتراف بحرية وكرامة كل إنسان. ونحن مطالبون أخلاقيا ودينيا أن نكون متسامحين مع كُلّ البشر، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والثقافية والدينية والآيديولوجية.

ولا يكتفي الإسلام بتعليم أتباعه هذا التسامح الشامل بوصفه شرطا من شروط السلام الضروري للمجتمع الإنساني، بل يطلب منهم أيضا الالتزام بالسلوك العادل الذي لا يقبل بالآخر فحسب، بل يحترم ثقافته وعقيدته وخصوصياته الحضارية، وخير وصف يمكن أن نطلقه على هذا التسامح أنه تسامح إيجابي وليس تسامحا حياديا، وفي هذا يقول القرآن الكريم: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾(4).

ومن الملاحظ في هذه الآية –وفي آيات أخرى كثيرة– أن القرآن لم يستخدم أسلوب الأمر بطريق مباشر، وَإِنَّمَا استخدم أسلوب التنبيه والتوجيه الذي يتطلب استخدام العقل الإنساني، ومن عادة القرآن أن يعالج المشكلات بطريقة متدرجة تتفق مع ثقافة كُلّ فرد، والإسلام لا يريد أن يقول للناس كلاما ليحفظوه ويعملوا به بطريقة آلية، وَإِنَّمَا يريد تربية النفس وتحقيق الذات والعمل المسؤول الذي يؤدِّى عن اقتناع.

ويشتمل النصّ القرآني الذي أوردناه على ثلاثة أمور، أولها: أن الله -سبحانه وتعالى- لم ينه عن التسامح مع الآخرين، وثانيها: أن التسامح مع الآخرين الذين لم يعتدوا على المسلمين والتعايش الإيجابي معهم بالبر والقسط هو العدل بعينه، وثالثها: التأكيد على أن من يسلك هذا السبيل يحظى بحب الله -سبحانه وتعالى-.

وبهذا الأسلوب المقنع الذي يخلو من الإكراه على فعل شيء ما، أو الامتناع عنه تصل الرسالة القرآنية –رسالة التسامح– إلى النفس في يسر وسهولة، وتحقق الهدف المطلوب، وهو التسامح بين الناس على أوسع نطاق.

التسامح والتعددية:

ومن هنا لا يجوز أن ينظر إلى اختلاف الجماعات البشرية في أعراقها وألوانها ومعتقداتها ولغاتها على أَنَّهَا تمثل حائلا يعوق التقارب والتسامح والتعايش الإيجابي بين الشعوب، فقد خلق الله الناس مختلفين ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك﴾(5) كما يقول القرآن الكريم، ولكن هذا الاختلاف بين الناس في أجناسهم ولغاتهم وعقائدهم لا ينبغي أن يكون منطلقا أو مبررا للنزاع والشقاق بين الأمم والشعوب، بل الأحرى أن يكون هذا الاختلاف والتنوع دافعا إلى التعارف والتعاون والتآلف بين الناس من أجل تحقيق ما يصبون إليه من تبادل للمنافع، وتعاون على تحصيل المعايش، وإثراء للحياة والنهوض بها، ومن هنا يقول القرآن الكريم: ﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾(6)، والتعارف هو الخطوة الأولى نحو التآلف والتعاون في جميع المجالات.

وحتى يمكن الوصول إلى هذا الهدف كان لابد من إيجاد وسيلة للتفاهم، وتبادل المشاعر والأفكار بين الناس، فكانت اللغة التي يتخاطب بها الناس ويعبرون بها عن أغراضهم ومشاعرهم وأفكارهم، ويعد التفاهم عن طريق اللغة أسلوبا راقيا للتواصل بين البشر وتبادل الأفكار الذي يؤدي إلى تبادل المنافع فيما بينهم.

ولا يجوز أن يؤدي الخلاف في الرأي أو في الفكر أو في الاعتقاد إلى إفساد ما بين الناس من علاقات، وهذا ما يعبر عنه القول المشهور: "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، وكما أعطي لنفسي الْـحَقّ في أن يكون لي رأيي الخاص ووجهة نظري المستقلة، فكذلك ينبغي أن أعطي الْـحَقّ ذاته للآخر، فمن حقه أيضا أن يكون له رأيه الخاص ووجهة نظره المستقلة، بل ومن حقِّه أن يكون له معتقده المختلف، فكل فرد في هذا الوجود له شخصيته المستقلة، وقد أعطانا الله رمزا لهذه الاستقلالية يتمثل في عدم اتفاق بصمة إبهام فردين في هذا الوجود مع بعضهما، فالخلاف في الرأي إذن شيء طبيعي وليس أمرا شاذا.

ومن هنا فَإِنَّهُ لا ينبغي أن يضيق المرء صدرا بالآراء المخالفة لرأيه، ليس فقط في مجال الأمور اليومية العادية، بل حتى في أمور الدين والفكر والسياسة، فلا يجوز لطرف من الأطراف أن يدَّعي لنفسه أنه وحده الذي يملك الْـحَقّ المطلق، وأن غيره يقف في الطرف المقابل الذي يتساوى مع الباطل، وقد عبر الإمام الشافعي عن هذا المعنى في تسامح رائع قائلا: "رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب".

وقد بلغت السماحة في الفكر الإسلامي المستنير في هذا الصدد حدا لا نظير له، عبر عنه الشيخ مُـحَمَّد عبده بما "اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم" قائلا: "إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر"، ويعقِّب الشيخ على ذلك قائلا: فهل رأيت تسامحا مع أقوال الفلاسفة والحكماء أوسع من هذا؟(7).

التسامح والحوار:

إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إِلاَّ إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر، وبهذا المعنى فإن الحوار يعنى التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترام الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به، وليس الهدف من الحوار مجرد فكّ الاشتباك بين الآراء المختلفة، أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وَإِنَّمَا هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأساس المتين للتعاون البناء بين الأمم والشعوب. والحوار بهذا المعنى يعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات.

والوعي بذلك كله أمر ضروري يجب أن نعلمه للأجيال الجديدة، وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين، فالواقع المؤلم أَنَّهُ كثيرا ما تحدث مشادات عنيفة تخرج عن نطاق الموضوعية، وربما يتطور الأمر إلى شجار وتماسك بالأيدي بين الأطراف المختلفة في الرأي؛ لأنَّ كل جانب يريد فرض رأيه بشتى السبل، ولا يقتصر ذلك على المستويات الدنيا في المجتمع، بل ينسحب على شريحة لا يستهان بها بين المشتغلين بالفكر وبالثقافة بصفة عامة، حيث يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى حد الخروج عن مناقشة الفكر بالفكر إلى الشتائم والتجريح الشخصي الذي لا صلة له بالنقاش الموضوعي، وإن دل هذا الخروج عن الموضوعية على شيء فَإِنَّمَا يَدُلُّ على ضحالة في الفكر، وقصور في الْـحُجَّة، وفقر في المنطق.

وهذا الخروج عن الموضوعية في الحوار على هذا النحو أمر لا يليق بالإنسان الذي كرمه الله، وفضله على بقية الكائنات، وميزه بالعقل، وجعله خليفة في الأرض ليعمرها بالخير، ويملأها بالعلم، وينشر فيها الْـحَقّ والعدل والأمن والسلام.

ولا جدال في أن الحوار قد أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العصر، ليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات، وَإِنَّمَا على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة. وإذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلا من اللجوء إلى الحوار، فإنَّ على المجتمع الدولي أن يصحح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانية والحضارية إلى صوابها حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل وهو الحوار، فليس هناك من سبيل إلى حل المشكلات وتجنب النزاعات إِلاَّ من خلال الحوار.

ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف –الذي أشارت إليه الآية الكريمة(8)- بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان، على الرغم من الاختلافات فيما بينها كانت دعوة الإسلام إلى الحوار بين الأديان. وذلك لِما للأديان من تأثير عميق في النفوس. ويعد الإسلام أوَّل دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنـا مسلمون﴾(9).

ولم يكتف القرآن بمجرد الدعوة إلى الحوار بين الأديان، بل رسم المنهج الذي ينبغي اتباعه في مثل هذا الحوار، وذلك في قوله تعالى: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إِلاَّ الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾(10).

أما الحكم على الآخرين الذين يشاركوننا في الإنسانية فيجدر بنا أن نتركه لله -جل شأنه-، وخير لنا بدلا من ذلك أن نجتهد في أن نسلك حيالهم مسلكا عادلا متسامحا طالما لم يسيئوا إلينا، فالدين لا يحفل إِلاَّ بالأعمال التي نتحمل نحن مسؤوليتها، ولهذا يقول القرآن الكريم في موضع آخر: ﴿وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا، وإليه المصير﴾(11).

التسامح الديني:

ونظرا لما للدين من عمق عميق في النفوس، فإن الحوار بين الأديان لا يمكن أن يكتب له النجاح إلا إذا ساد التسامح بين المتحاورين، وحل محل التعصب المعتاد بين اتباع الديانات المختلفة، وقد حرص الإسلام كل الحرص على تأكيد هذا التسامح بين الأديان بجعله عنصرا جوهريا من عناصر عقيدة المسلمين.

فالأديان السماوية جميعها تعد – في نظر الإسلام – حلقات متصلة لرسالة واحدة جاء بها الأنبياء والرسل من عند الله ورسله وما أنزل عليهم من وحي إلهي، وفي هذا يقول القرآن الكريم: ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله﴾(12).

ومن أجل ذلك يمتاز الموقف الإسلامي في أيِّ حوار ديني بأنه موقف منفتح على الآخرين، ومتسامح إلى أبعد الحدود، فقد أقر الإسلام منذ البداية التعددية الدينية والثقافية، وصارت هذه التعددية من العلامات المميزة في التعاليم الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، فقد تأسس مجتمع المدينة المنورة بعد هجرة الرسول إليها على التعددية الدينية والثقافية، ومارس المسلمون ذلك من بعده عمليا على مدى تاريخهم الطويل.

ويؤكد ذلك ما يعرفه التاريخ من أن المسلمين لم يُكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، فالحرية الدينية مكفولة للجميع، وتعدّ مبدأ من المبادئ الإسلامية الذي أكده القرآن الكريم في قوله: ﴿لا إكراه في الدين﴾(13) وفي قوله في موضع آخر: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾(14).

ومن القواعد الأساسية المعروفة في الشريعة الإسلامية في شأن التعامل مع أهل الكتاب القاعدة المعروفة: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، أي لهم ما لنا من حقوق، وعليهم ما علينا من واجبات.

الخاتمة:

وَمِـمَّا تقدَّم يتضح لنا بجلاء إلى أي مدى يعد التسامح الإيجابي –بوصفه تسامحا شاملا أو تسامحا دينيا– من العناصر الأساسية في تعاليم الإسلام، وبالتالي من الأهداف التي ترمي إليها التربية الإسلامية.

ومن هنا فإن التزام المسلمين بذلك وحمايتهم لحقوق أتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية أمر يدخل في إطار التزاماتهم الدينية التي تقضي بالحفاظ والدفاع عن الحقوق الإنسانية العامة للجميع، وأي تجاوز أو عدوان على هذه الحقوق يعد تجاوزا وعدوانا على تعاليم الدين، وهو أمر يجب على المسلمين التصدي له بكل الوسائل، وفي هذا الإطار يفهم أيضا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(15).

ومن هنا فَإِنَّهُ ليس من التسامح في شيء الوقوف موقف المتفرج حيال الظلم والقسوة اللذين يتعرض لهما أي إنسان بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو عقيدته.

وفي ختام حديثنا عن التسامح أودّ أن أشير إلى إحدى المأثورات الثابتة عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، والتي تعد نموذجا رائعا على التسامح الإسلامي الإيجابي، فقد كان عمر يتجول كعادته في شوارع المدينة المنورة يتفقد أحوال الرعية، فرأى شيخا طاعنا في السنِّ يتسول في الطريق، فسأل عن أمره وعلم أَنَّهُ يهودي، فحزن الخليفة لِما أصاب هذا الشيخ الهرم مِـمَّا اضطره إلى التسوُّل، وأمر بأن يخصص له –ولنظرائه- معاش ثابت من بيت مال المسلمين يتيح له حياة كريمة، وهذا الخليفة هو نفسه صاحب العبارة الشهيرة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟(16).

ومن هذه الأمثلة –وغيرها كثير- يتجلَّى بوضوح مدى حرص الإسلام على الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته وحقوقه الإنسانية العامة، بصرف النظر عن انتماءاته العرقية أو الدينية أو الثقافية، وذلك كله يعبر تعبيرا لا يقبل التأويل عن التسامح الإسلامي الذي سيظل عنوانا على هذا الدين إلى آخر الزمان.

***********************
الهوامش
*) وزير الأوقاف فِي جمهورية مصر العربية.

1- كما جاء في القرآن الكريم: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ (النسـاء:1).

2- سورة هود: 62.

3- في ذلك إشارة إلى الحديث النبوي: "كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". رواه عن أنس كُلّ من الإمام أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك. (راجع فيض القدير للمناوي جـ5 ص16، دار المعرفة بيروت 1972م).

4- سورة الممتحنة: 8.

5- سورة هود: 118 – 119.

6- سورة الحجرات: 13.

7- راجع الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية للشيخ محمد عبده، ص53، دار المنار بمصر 1373هـ.

8- ﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾ الحجرات: 13.

9- سورة آل عمران: 64

10- سورة العنكبوت: 46.

11- سورة الشورى: 15.

12- سورة البقرة: 285.

13- سورة البقرة: 256.

14- سورة الكهف: 29.

15- رواه كل من الإمام مسلم والحاكم في المستدرك وأصحاب السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (راجع فيض القدير للمناوي، جـ6 ص130).

16- راجع على الطنطاوي: أخبار عمر، ص182 وما بعدها، دمشق 1959.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=2

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك