فقه الاستشارة

تقديم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه أجمعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)([1]) [ سورة آل عمران، الآية: 102 ].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)([2]) [ سورة النسـاء، الآية: 1 ].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)([3])[ سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71 ].

أما بعد:

فمن خلال معايشتي للقرآن الكريم، والوقوف مع آياته، والتفكر بما فيه من دروس ومعالم، وقفت أمام موضوع تكرر ذكره في القرآن الكريم، أمرا وخبرا وممارسة، وذلكم هو موضوع المشاورة والشورى.

وقد قمت بحصر المواضع التي ورد فيها هذا الأمر، ثم تأملت فيها، ورجعت إلى كلام المفسرين وغيرهم، ومن ثم رأيت أن الموضوع مناسب لأن يفرد برسالة تكون زادا للدعاة وطلاب العلم، وبخاصة مع الحاجة الماسة لذلك.

وهذا الموضوع يدخل تحته عدة موضوعات، وهي: الشورى على مستوى الدولة، والتشاور بين الدعاة وطلاب العلم، والاستشارة من أفراد المجتمع المسلم لعلمائهم وعقلائهم، في أمورهم الخاصة والعامة، وحيث إن موضوع الشورى المتعلقة بالدولة المسلمة -وهي التي من واجبات الإمام الشرعية- قد بحثها العلماء قديما وحديثا، وفصلوا فيها بما لا أرى أن الحاجة تدعو إلى تكراره وإعادته، ولأهمية موضوع التشاور بين الدعاة وطلاب العلم فيما يتعلق بقضايا الأمة وشئونها، أحببت أن يكون مدار هذا البحث حول هذا الجانب، دون أن يكون مقتصرا عليه، وإنما سأتناول أصل موضوع الشورى، وأركز البحث حول تأصيله، وبيان حدوده، ومعالمه وآثاره.

وهذا سيكون دافعا للدعاة وطلاب العلم لممارسة الشورى لما سيتضح -بمشيئة الله- من مكانتها وآثارها، وسلبية الفردية وخطورتها.

ونتيجة لذلك -أيضا- سيدرك الفرد أهمية الشورى وثمارها، مما يدعوه إلى مزاولتها في أموره الخاصة والعامة. وقد أسميت هذا البحث: (فقه الإستشارة). وجعلته في عدة مباحث كما يلي:

1- أهمية الموضوع وأسباب البحث فيه.

2- تعريف المشاورة.

3- الشورى في القرآن.

4- وشاورهم في الأمر.

5- وأمرهم شورى بينهم.

6- أهداف الاستشارة وآثارها.

7- أسباب الفردية وعدم الاستشارة.

8- أركان الشورى.

9- معالم في الشورى.

10- الخاتمة.

ونظرا لأن الموضوع من موضوعات فقه القرآن، فقد ربطته ربطا مباشرا بالقرآن الكريم، حيث استخرجت أغلب فصوله ومباحثه منه، وعالجت الموضوع في ضوئه، مستدلا -أيضا- بما ورد في السنة المبينة للقرآن الكريم والشارحة له، إضافة إلى فعل الصحابة الذين نـزل عليهم القرآن، وهم خير من فهمه وطبقه، والتزم به قولا وعملا.

وأسأل الله -جل وعلا- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، فما أحوجنا إلى الالتزام بالكتاب والسنة، ومنهج سلف هذه الأمة، حقيقة لا ادعاء، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

أهمية الموضوع

أهمية الموضوع وأسباب البحث فيه:

وقبل بيان أهمية الموضوع أبين أن إطار البحث هو في مبدأ المشاورة من حيث المكانة والأهمية والأثر، دون أن أدخل في موضوع الشورى المتعلقة بالإمام والدولة. بل إن هدف البحث هو في الشورى بين الدعاة وطلاب العلم، وضرورة التشاور فيما بينهم، في أمورهم العامة والخاصة.

وتبرز أهمية هذا الموضوع من خلال ما يلي:

1- إن الله -سبحانه- أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستشير أصحابه، وأثنى على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم، وجعل من شروط فطام الصبي أن يكون عن تراض وتشاور، وأن يأتمروا بينهم بمعروف.

2- ذكر الله -جل وعلا- في القرآن الكريم أن فرعون -ومن هو في جبروته وطغيانه؟- قد مارس الشورى في أكبر قضية واجهته في ملكه؛ وهي قضية موسى -عليه السلام- فاستشار قومه ماذا يفعل تجاه ذلك؟ (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)([4]) [ سورة الأعراف، الآية: 110 ] وملكة سبأ استشارت قومها في قضيتها مع سليمان -عليه السلام- (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)([5]) [ سورة النمل، الآية: 32 ] وعزيز مصر يأخذ رأي قومه في رؤيا رآها. (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ)([6]) [ سورة يوسف، الآية: 43 ].

3- بيّن الله في سورة يوسف ممارسة إخوة يوسف للشورى مرتين، عند محاولة التخلص من يوسف، وعند حدوث مشكلة السرقة (خَلَصُوا نَجِيّاً)([7]) [ سورة يوسف، الآية: 80 ].

4- ممارسة الرسول صلى الله عليه وسلم للشورى حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه " ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "  ([8])

5- حرص الصحابة -رضي الله عنهم- وبخاصة الخلفاء الأربعة على الاستشارة فيما يعرض لهم.

6- الآثار الإيجابية للشورى، تكسبها أهمية خاصة، وبخاصة إذا أدركنا الآثار السلبية الكبيرة للفردية وعدم التشاور.

7- ما مرت به الأمة من أحداث ومواقف -وبخاصة في العصر الحاضر- أوقعها فيها أفراد وجماعات، لم يقدروا خطورة ما صنعوا، وجسامة ما فعلوا، ومن أبرز أسباب ذلك: انفرادهم بالفعل دون مشورة لإخوانهم، ودون بحث عن الرأي الأصوب في مثل هذه المواقف والأحداث، وكأن الأمر يعنيهم وحدهم.

8- إن بعض الناس يعمل العمل وحده، فإذا جاءت النتيجة على غير ما توقع، ووقع في مشكلة لا يدري أين المخرج منها، جاء باحثا عن الحل مدعيا الاستشارة، وهو في الحقيقة -كما قال أحد مشايخنا- يستنجد لا يستشير، لأن الاستشارة يجب أن تكون قبل الفعل لا بعده  ([9]).

9- لو استغنى أحد عن الاستشارة والمشورة لاستغنى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: قيل: إن الله أمر بالمشاورة نبيه صلى الله عليه وسلم فغيره أولى بالمشورة  ([10]) وصدق الشاعر:  ([11])

عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة 
 

 

كحـدة السيف لا تغني عن البطل 
 

10- قال الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله-: إن الله -تعالى- ذكرها في سورة الشورى بين فرضين الصلاة والزكاة. فقال: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)([12])([13]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ].

ومفهوم كلام الشيخ أن هذا دليل على مكانة الشورى وأهميتها. ومن خلال ما سبق تتضح أهمية الشورى، وأن هذا الموضوع جدير بالبحث والتوضيح؛ لرسم حدوده ومعالمه، وبيان أسسه وقواعده.

تعريف المشاورة:

المشاورة: مصدر شاور، والاسم: الشورى والمشورة -بفتح الميم وضم الشين- أصلها مفعلة -بضم العين.. فوقع فيها نقل حركة الواو إلى الساكن-.

قيل: المشاورة مشتقة من شار الدابة إذا اختبر جريها عند العرض على المشتري.

وفعل شار الدابة مشتق من المشوار، وهو المكان الذي تركض فيه الدواب، وأصله معرب (نشخوار) بالفارسية، وهو ما تبقيه الدابة من علفها.

وقيل: مشتقة من شار العسل، أي: جناه من الوقبة، لأن بها يستخرج الحق والصواب، وإنما تكون في الأمر المهم المشكل، من شئون المرء في نفسه، أو شئون القبيلة، أو شئون الأمة  ([14]).

وقال ابن الجوزي: يقال: إنه من شرت العسل، وأنشدوا

وقاســمها باللـه حقـا لأنتـم 
 

 

ألذ من السلوى إذا ما نشورها. 
 

قال الزجاج: يقال شاورت الرجل مشاورة وشورا، وما يكون من ذلك اسمه المشورة، وبعضهم يقول: المشورة. ويقال: فلان حسن الصورة والشورة، أي: حسن الهيئة واللباس.

ومعنى قولهم: شاورت فلانا: أظهرت ما عنده وما عندي. وشرت الدابة: إذا امتحنتها، فعرفت هيئتها في سيرها. وشرت العسل: إذا أخذته من مواضع النحل. وعسل مشار:

قال الأعشى:

كـأن القـرنفل والزنجبيل 
 

 

باتا بفيها وأريًا مشارا 
 

والأرى: العسل  ([15]).

ومن خلال ما سبق يتضح أن الشورى والمشاورة والمشورة والاستشارة والتشاور متقاربة في المعنى والمدلول، ولذا فأي لفظ استخدمت منها فهو يدل على ما سواه.

الشورى في القرآن:

وردت الشورى في القرآن الكريم في عدة مواضع، وبصيغ متعددة، وسأذكر هذه المواضع مبينا ما ذكره المفسرون حولها  ([16]) حيث إن هذا البحث مستمد من القرآن الكريم، ومعالجتي لهذا الموضوع في ضوئه، إذ هو من فقه القرآن. وسأبدأ بالأدلة القولية، ثم أذكر الأدلة العملية، دون التزام بترتيبها في المصحف، وسأذكر أقوال المفسرين فيما يتعلق بالشورى عند ذكر كل آية.

  الموضع الأول

قوله تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم "

قال -تعالى- في سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)([17]) [ سورة آل عمران، الآية 159 ].

هذه الآية جاء الأمر فيها بالمشاورة صريحا واضحا. (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([18])

قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر -تعالى ذكره- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟ فقال بعضهم: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([19]) [ سورة آل عمران، الأية: 159 ] بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب، وعند لقاء العدو، تطييبا منه بذلك لأنفسهم، وتألفا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم، ويستعين بهم، وإن كان الله U قد أغناه بتدبيره له أموره وسياسته إياه، وتقويمه أسبابه عنهم.

ثم ذكر أقوال العلماء في ذلك، ومن ذلك ما رواه عن قتادة حيث قال:

أمر الله U نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على أرشده.

ثم قال الإمام الطبري: "وقال آخرون: بل أمره بذلك في ذلك -وإن كان له الرأي وأصوب الأمور في التدبير- لما علم في المشورة -تعالى ذكره- من الفضل".

وروي عن الضحاك بن مزاحم قوله: ما أمر الله U نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل.

وقال الحسن: "ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم".

قال الطبري: وقال آخرون: "إنما أمر الله بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه، مع إغنائه بتقويمه إياه، وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم، ويستنوا بسنته في ذلك، ويحتذوا المثال الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره -مع المنـزلة التي هو بها من الله- أصحابه وأتباعه في الأمر، ينـزل بهم من أمر دينهم ودنياهم، فيتشاوروا بينهم، ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملؤهم، لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك، لم يخلهم الله -تعالى- من لطفه، وتوفيقه للصواب من الرأي، والقول فيه.

ثم قال الطبري:

"وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله U أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه، ومكايد حربه، تألفا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفا منه أمته ما في الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنـزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله."

فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه، أو إلهامه إياه صواب ذلك.

وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادق وتآخ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم  ([20]).

وقال ابن الجوزي في تفسيره لهذه الآية:

اختلف العلماء لأي معنى أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه -مع كونه كامل الرأي، تام التدبير- على ثلاثة أقوال:

أحدها: ليستن به من بعده، وهذا قول الحسن وسفيان بن عيينة.

الثاني: لتطييب قلوبهم، وهو قول قتادة، والربيع، وابن إسحاق، ومقاتل، قال الشافعي -رحمه الله-: نظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم " البكر تستأمر فيها نفسها "  ([21]). إنما أراد استطابة نفسها، فإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها  ([22]) وكذلك مشاورة إبراهيم -عليه السلام- لابنه حين أمر بذبحه.

الثالث: للإعلام ببركة المشاورة، وهو قول الضحاك.

  • وقال ابن عاشور في تفسيره للآية:

(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([23]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ] أل في الأمر للجنس، والمراد بالأمر: المهم الذي يؤتمر له، ومنه قولهم: أمْر أمِر. وقال أبو سفيان لأصحابه -في حديث هرقل-: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر. وقيل: أريد بالأمر أمر الحرب، فاللام للعهد.

وظاهر الأمر أن المراد المشاورة الحقيقية التي يقصد منها الاستعانة برأي المستشارين، بدليل قوله -تعالى- عقبه: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([24]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ] فضمير الجمع في قوله: (وَشَاوِرْهُمْ). عائد على المسلمين خاصة، أي: شاور الذين أسلموا من بين من لنت لهم، أي: لا يصدك خطل رأيهم فيما بدا منهم يوم أحد عن أن تستعين برأيهم في مواقع أخرى.

ثم قال: وقد دلت الآية على أن الشورى مأمور بها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما عبر عنه بالأمر، وهو من مهمات الأمة ومصالحها في الحرب وغيره، وذلك في غير أمر التشريع  ([25]).

وأختم ما ذكره المفسرون حول هذه الآية بهذا الكلام لسيد قطب حيث قال:

(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([26]) [ سورة آل عمران، الآية 159 ] "وبهذا النص الجازم يقرر الإسلام هذا المبدأ، وهو نص قاطع، لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي، لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه، أما شكل الشورى، والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير، وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها، وكل شكل، وكل وسيلة تتم بها حقيقة الشورى -لا مظهرها- فهي من الإسلام".

ثم قال كلاماً مهما أذكره -مختصرا-:

"لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة، فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم. اختلفت الآراء قبل معركة أحد، فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها، وتحمست مجموعة أخرى، فرأت الخروج للقاء المشركين، وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف، إذ عاد عبد الله بن أبي بثلث الجيش (كما وقعت الهزيمة في المعركة)."

ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة، أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف، وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة. (هكذا قد يبدو لنا الأمر)، ولكن الإسلام كان ينشئ أمة، ويربيها، ويعدها لقيادة البشرية، وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمة وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تربى بالشورى، وأن تدرب على حمل التبعة، وأن تخطئ لتعرف كيف تصحح خطأها، وكيف تحمل تبعات رأيها وتصرفها، فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ، والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة، المدركة، المقدرة للتبعة.

إن وقوع تلك الأحداث، ووجود تلك الملابسات لم يلغ هذا الحق، لأن الله -سبحانه وتعالى- يعلم أنه لا بد من مزاولته في أخطر الشئون، ومهما تكن النتائج، ومهما تكن الخسائر، فهذه كلها جزئيات، لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة، المدربة بالفعل على الحياة، المدركة لتبعات الرأي والعمل، الواعية لنتائج الرأي والعمل، ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي في هذا الوقت بالذات (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([27]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ].

إن حقيقة الشورى هي تقليب أوجه الرأي، واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة، فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد انتهى دور الشورى، وجاء دور التنفيذ، التنفيذ في عزم وحسم، وفي توكل على الله  ([28]).

* * وبعد: فقد أطلت في تفسير هذه الآية، لأنها أصل في تشريع الشورى، وما بعدها من آيات يدور حول معناها، وإن كان لكل آية مدلوها الذي تتميز به عن غيرها.

  الموضع الثاني: قوله تعالى " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة"

قال -تعالى- في سورة الشورى: مبينا بعض صفات المؤمنين، ومثنيا عليهم في ذلك: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)([29]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ].

قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([30]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] وإذا حزبهم أمر تشاوروا فيما بينهم.

قال ابن زيد: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ)([31]) الأنصار (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ)([32]) وليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([33]) ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا  ([34]).

وقال القرطبي: كان الأنصار قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أمرا تشاوروا فيه، ثم عملوا عليه، فمدحهم الله -تعالى- به  ([35]).

وقال: ابن كثير: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([36]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها، كما قال -تبارك وتعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([37]) [ سورة آل عمران، الآية: 159. ] ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها؛ ليطيب بذلك قلوبهم، وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوفاة حين طعن، جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر  ([38]).

وقال القاسمي: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([39]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] أي لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تدبيرهم، وتيقظهم، وصدق تآخيهم في إيمانهم، وتحابهم في الله -تعالى-  ([40]).

وقال سيد قطب: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([41]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] والتعبير يجعل أمرهم كله شورى، ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة، وهو نص مكي، كان قبل قيام الدولة الإسلامية، فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين، إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم بعد  ([42]).

وقال الأستاذ عدنان النحوي: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([43]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] هي جزء من آية، فلا يستحب أن تؤخذ من دون الآية بتمامها، فستفقد بريقا وروحا ومعان.

والآية جزء من مجموعة من الآيات، قد لا تبدو علاقتها مع الشورى للنظرة الأولى، ولكنها تربط صفات المؤمنين ربط تكامل وتناسق، فإذا أخذت الآية وحدها اختفت ظلال وقواعد.

* وهذه المجموعة من الآيات جزء من سورة سميت الشورى، وقد لا تبدو علاقتها بالشورى لأول وهلة، ولكن التدبر، والتمحيص، وفهم أسلوب القرآن الكريم في البناء والتربية يكشف لنا عظمة ترابط الكلمات مع الآية، والآية مع مجموع الآيات، والمجموعة مع السورة كلها، والسورة كلها مع منهاج الله.

وهنا نجد البون الشاسع بين أن نأخذ الكلمات الثلاث وحدها، وبين أن نأخذها في أجواء منهاج الله على إيمان وعلم وتدبر  ([44]).

  الموضع الثالث: قوله تعالى "فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"

قال -تعالى- في سورة البقرة: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)([45]) [سورة البقرة، الآية: 233 ].

وقال -سبحانه- في سورة الطلاق: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)([46]) [ سورة الطلاق، الآية: 6 ].

هاتان الآيتان في موضوع إرضاع الصبي، ووجوب التشاور حول فطامه، ومن يرضعه ومقدار الأجرة لذلك؟!!

قال الطبري في آية البقرة: قال بعضهم: عني بذلك: فإن أراد فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما.

قال قتادة: إذا أرادت الوالدة أن تفصل ولدها قبل الحولين، فكان ذلك عن تارض منهما وتشاور، فلا بأس به.

وقال مجاهد: التشاور فيما دون الحولين، ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى.

ثم قال الطبري: فإن أرادا فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور، ولا تشاور بعد انقضائه، وإنما التشاور والتراضي قبل انقضاء نهايته  ([47]).

وقال ابن كثير في سورة الطلاق الآية (6). (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)([48]) أي: ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف من غير إضرار ولا مضارة  ([49]).

وقال سيد قطب في آية البقرة: "فإن شاء الوالد والوالدة، أو الوالدة والوارث أن يفطما الطفل قبل استيفاء العامين، لأنهما يريان مصلحة للطفل في ذلك الفطام، لسبب صحي أو سواه فلا جناح عليهما، إذا تم هذا بالرضى بينهما، وبالتشاور في مصلحة الرضيع الموكول إليهما رعايته، المفروض عليهما حمايته"  ([50]).

قال عدنان النحوي في آية سورة الطلاق: "وظلال هذه الكلمات من خلال الآية الكريمة توحي بضرورة التشاور بين الزوجين رعاية لحق المولود، حتى يتم الأمر بينهما على أساس من الحقوق المحددة الواضحة في هذه الآية الكريمة"  ([51]).

  الموضع الرابع: قوله تعالى "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله "

قال -تعالى- في سورة النور: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)([52]) [ سورة النور، الآية: 62 ].

قال ابن كثير: إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاة جمعة، أو عيد جماعة، أو اجتماع في مشورة، ونحو ذلك، أمرهم الله -تعالى- ألا يتفرقوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته  ([53]).

وقال الطبري: (عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ) ([54]) يقول: على أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت، أو صلاة اجتمع لها، أو تشاور في أمر نـزل (لَمْ يَذْهَبُوا)([55]) يقول: لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر، حتى يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.  ([56]).

وقال سيد قطب: والأمر الجامع: الأمر المهم الذي يقتضي اشتراك الجماعة فيه، لرأي أو حرب أو عمل من الأعمال العامة، فلا يذهب المؤمنون حتى يستأذنوا إمامهم، كي لا يصبح الأمر فوضى، بلا وقار ولا نظام  ([57]).

  الموضع الخامس : قوله تعالى "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة"

قوله -تعالى- عن إخوة يوسف: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)([58]) [سورة يوسف، الآيات: 8-10. ] ثم قال بعد ذلك: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)([59]) [ سورة يوسف، الآية: 15 ].

وفي قصة السرقة التي ذكرها الله في آخر السورة، وبعد أن بذلوا محاولاتهم لأن يطلق يوسف سراح أخيهم، فلما عجزوا ماذا حدث؟ قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)([60]) [ سورة يوسف، الآية: 80 ].

فهده الآيات مثال عملي على مزاولة الشورى، وهي منهج قد ألفوه، فقد تشاوروا عندما أرادوا التخلص من يوسف، وتشاوروا عندما وقعوا في مشكلة السرقة.

قال الطبري: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف، أو اطوحوه في أرض من الأرض.

ثم قال: قال ابن إسحاق في قوله -تعالى-: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ)([61]) [ سورة يوسف، الآية: 10 ] ذكر لي -والله أعلم- أن الذي قال ذلك منهم روبيل الأكبر من بني يعقوب، وكان أقصدهم فيه رأيا  ([62]).

وقال ابن كثير: فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه، وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب  ([63]).

قال الطبري في قوله: (وَأَجْمَعُوا)([64]) يقول: وأجمعوا رأيهم وعزموا على أن يجعلوه في غيابة الجب([65]).

وقال ابن كثير: إنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب  ([66]).

ومن خلال ما سبق يتضح أن الأمر كان بينهم شورى، حيث اختلفوا أولا، ثم اتفقوا ثانيا على الرأي الذي أبداه روبيل، أما في قصة السرقة التي وردت في السورة، فقد أخبر -سبحانه- عنهم بقوله: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً)([67]) [ سورة يوسف، الآية: 80 ].

قال ابن الجوزي: (خَلَصُوا نَجِيّاً)([68]) أي اعتزلوا الناس، ليس معهم غيرهم، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون  ([69]).

وقال ابن إسحاق: (خَلَصُوا نَجِيّاً)([70]) أي: خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون؟  ([71]).

وهكذا نجد إخوة يوسف -عليهم السلام - يتشاورون في قضية أخيهم ابتداء وانتهاء، مع أن تشاورهم الأول كان على أمر سوء (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً)([72]) [ سورة الأنفال، الآية: 44 ] وتشاورهم الثاني للخروج من مشكلة ليست من صنيعهم وفوجئوا بها. (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)([73]) [ سورة يوسف، الآية: 76 ].

  الموضع السادس : قوله تعالى "قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري"

قال -تعالى- في سورة النمل، في ذكر ملكة سبأ وقصتها مع سليمان -عليه السلام-:

(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)([74]) [ سورة النمل، الآية: 32 ].

  • قال الطبري: قالت ملكة سبأ لأشراف قومها: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي)([75]) [ سورة النمل، الآية: 32 ] تقول: أشيروا علي في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقي إليّ، فجعلت المشورة فتيا.

(مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)([76]) [ سورة النمل، الآية: 32 ] تقول: ما كنت قاضية أمرا في ذلك حتى تشهدون، فأشاوركم فيه.

قال ابن زيد: دعت قومها تشاورهم  ([77]).

وقال ابن الجوزي: قوله -تعالى-: (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي)([78]) أي: بينوا لي ما أفعل وأشيروا علي، قال الفراء: جعلت المشورة فتيا، وذلك جائز لسعة اللغة.

ثم قال: (حَتَّى تَشْهَدُونِ)([79]) أي: تحضرون، والمعنى: إلا بحضوركم ومشورتكم  ([80])

وقال ابن كثير: في تفسيره لهذه الآيات: لما قرأت عليهم كتاب سليمان استشارتهم في أمرها، وما قد نـزل بها. ولهذا قالت: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)([81]) [سورة النمل، الآية: 32] أي: حتى تحضرون وتشيرون([82]).

قال سيد قطب: وهي تستشير الملأ من قومها في هذا الأمر الخطير، ثم قال: وواضح أنها لا تريد المقاومة والخصومة، ولكنها لا تقول هذا صراحة، إنما تمهد له بذلك الوصف، ثم تطلب الرأي بعد ذلك والمشورة  ([83]).

وقال القاسمي في معنى الآية: (حَتَّى تَشْهَدُونِ)([84]) أي: لا أبت أمرا إلا بمحضركم ومشورتكم، ولا أستبد بقضاء إلا باستطلاع آرائكم، والرجوع إلى استشارتكم  ([85]).

  الموضع السابع: قوله تعالى " قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم"

قال -تعالى- عن قصة فرعون مع موسى: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ)([86]) [سورة الأعراف، الآيات: 109 - 111] وفي سورة الشعراء: (قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)([87]) [ سورة الشعراء، الآيات: 34 - 36. ].

قال الإمام الطبري: قال فرعون للملأ: (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)([88]) [ سورة الأعراف، الآية: 110 ].

يقول: فأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره، بأي شيء تشيرون فيه  ([89]).

وقال ابن الجوزي: قال ابن عباس: ما الذي تشيرون به عليّ  ([90]).

وقال ابن كثير: فلما تشاوروا في شأنه، وائتمروا فيه اتفق رأيهم على ما حكاه الله عنهم في قوله -تعالى-: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ)([91])([92]) [ سورة الأعراف، الآية: 111 ].

  الموضع الثامن: قوله تعالى "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك"

قال -تعالى- في سورة الأنفال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)([93]) [ سورة الأنفال، الآية: 30 ].

قال قتادة ومقسم: تشاوروا فيه ليلة وهم بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأوثقوه بالوثاق، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه  ([94]).

وقال السدي: اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في النبي صلى الله عليه وسلم  ([95]).

وقال ابن زيد: اجتمعوا فتشاوروا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم-  ([96]).

قال ابن الجوزي: قال أهل التفسير: لما بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، اتفقت قريش أن يعلو أمره، وقالوا: والله لكأنكم به قد كر عليكم بالرجال، فاجتمع جماعة من أشرافهم ليدخلوا دار الندوة فيتشاوروا في أمره  ([97]).

  الموضع التاسع: قوله تعالى "يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون"

قال -تعالى- في سورة يوسف حكاية عن العزيز عندما رأى الرؤيا، حيث جمع ملأه، ثم قال لهم: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ)([98]) [ سورة يوسف، الآية: 43 ].

وهذه الآية وإن كانت في الرؤيا، ولكنها تدل على الشورى، حيث جمع أشراف قومه وحكماءهم، ولم يقصر الأمر على من يعبر الرؤيا (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ)([99]) [ سورة يوسف، الآية: 44 ] مما يدل على أنه إذا جاءه أمر مهم جمع الملأ من قومه فشاورهم، وهذه الرؤيا من الأمور المهمة عنده -وهي كذلك-، وفي قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ)([100]) [ سورة يوسف، الآية: 44 ] ما يفهم أنهم قالوا: ليس هذا من اختصاصنا، حيث إن مهمتنا إبداء الرأي في غير الرؤيا، فلها أهلها.

قال ابن الجوزي: فدعا أشراف قومه، فقصها عليهم  ([101]).

قال الزجاج: والملأ الذين يرجع إليهم في الأمور ويقتدي برأيهم  ([102])

وقال القاسمي: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ)([103]) [ سورة يوسف، الآية: 43 ] خطاب للأشراف من قومه  ([104]).

وقد وفق في استشارته حيث وجد في الملأ من دله على من يعبر له رؤياه، وهذا من ثمرات الاستشارة.

النجوى من صور الشورى

الموضع العاشر:

وردت آيات كثيرة في التناجي والنجوى، وإن كانت النجوى ليست خاصة بالشورى والمشاورة، ولكن المشاورة صورة من الصور التي تتم عن طريق النجوى، كما قال -سبحانه- عن قوم فرعون عندما تشاوروا في موسى بناء على طلب فرعون. (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)([105])[ سورة الشعراء، الآية: 35 ] قال -سبحانه- مبينا لحالهم في تشاورهم.

(فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)([106]) [ سورة طه، الآية 62 ].

وكما قال عن إخوة يوسف: (خَلَصُوا نَجِيّاً)([107]) [ سورة يوسف، الآية: 80 ] ولذلك أمر الله أن تكون النجوى بالخير، والتناجي بالبر والتقوى. قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)([108]) [سورة المجادلة، الآية: 9 ].

وكما ذكرت فإن هذه الآية ليست خاصة في الشورى، بل هي أعم من ذلك، ولكن الشورى تدخل فيها من باب أولى  ([109]).

وقبل أن أتجاوز المواضع التي وردت في القرآن الكريم دالة على الشورى، أذكر موضعين أشار إليهما بعض المفسرين، مع أن الدلالة ليست مسلمة بإطلاق، وبخاصة في الموضع الأول، وسأذكر بعض ما قيل حول هذين الموضعين: الموضع الأول:

قال -تعالى- في سورة البقرة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)([110]) [سورة البقرة، الآية: 30 ].

قال ابن عاشور: وقول الله هذا موجه إلى الملائكة على وجه الإخبار، ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس الإنساني، على وجه يزيل ما علم الله أنه في نفوسهم من سوء الظن بهذا الجنس، وليكون كالاستشارة لهم تكريما لهم، فيكون تعليما في قالب تكريم، مثل إلقاء المعلم فائدة للتلميذ في صورة سؤال وجواب، وليسنّ الاستشارة في الأمور، ولتنبيه الملائكة على ما دق وخفي من حكمة خلق آدم، كذا ذكر المفسرون، وعندي -الكلام لابن عاشور- أن هذه الاستشارة جعلت لتكون حقيقة مقارنة في الوجود لخلق أول البشر، حتى تكون ناموسا أشربته نفوس ذريته، لأن مقارنة شيء من الأحوال والمعاني لتكوين شيء ما تؤثر تآلفا بين ذلك الكائن وبين المقارن  ([111]).

وقال في تفسيره لقوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([112]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ].

هذا والشورى ما جبل الله عليه الإنسان في فطرته السليمة، أي: فطره على محبة الصلاح، وتطلب النجاح في المساعي، ولذلك قرن الله -تعالى- خلق أصل البشر بالتشاور في شأنه إذ قال للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)([113]) [ سورة البقرة، الآية: 30 ].

إذ قد غني الله عن إعانة المخلوقات في الرأي، ولكنه عرض على الملائكة مراده؛ ليكون التشاور سنة في البشر، ضرورة أنه مقترن بتكوينه، فإن مقارنة الشيء للشيء في أصل التكوين يوجب إلفه وتعارفه، ولما كانت الشورى معنى من المعاني لا ذات لها في الوجود جعل الله إلفها للبشر بطريقة المقارنة في وقت التكوين  ([114]). الموضع الثاني:

قال -تعالى- في سورة الصافات: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)([115]) [ سورة الصافات، الآية 102 ].

قال الإمام الطبري: فإن قال قائل: أو كان إبراهيم يؤامر ابنه في المضي لأمر الله، والانتهاء إلى طاعته؟ قيل: لم يكن ذلك منه مشاورة لابنه في طاعة الله، ولكنه كان منه ليعلم ما عند ابنه من العزم، هل هو من الصبر على أمر الله على مثل الذي هو عليه، فيسر بذلك أم لا!! وهو في الأحوال كلها ماض لأمر الله  ([116]).

وقال ابن كثير: وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله -تعالى- وطاعة أبيه ([117]).

قال القاسمي: قال الرازي: الحكمة في مشاورة الابن في هذا الباب، أن يطلع ابنه على هذه الواقعة ليظهر له صبره في طاعة، الله فتكون فيه قرة عين لإبراهيم، حيث يراه قد بلغ في الحلم إلى هذا الحد العظيم، وفي الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية، ويحصل للابن الثواب في الآخرة، والثناء الحسن في الدنيا  ([118]).

إن هاتين الآيتين قد تبدو الشورى في ظاهر سياقهما، ولكن عند النظر في تفسيرهما، ندرك أنه لا شورى فيهما، لأن الاستشارة الحقيقية هي استخراج الرأي للإفادة منه من قِبَل المستشير، وذلك بالعمل به إن كان صوابا، وليس من هذا شيء في هاتين الآيتين كما ذكر المفسرون.

فالموضع الأول: الله غني عن رأي أحد من المخلوقين.

والموضع الثاني: قد جاء الأمر فيه من الله، وليس بعد أمر الله أمر ولا خيار (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)([119]) [ سورة الأحزاب، الآية: 36 ].

دلالات يخرج منها المتأمل لآيات الشورى في القرآن الكريم

وبعد:

وبعد أن ذكرت آيات الشورى ومواضعها في القرآن الكريم، وبينت أقوال المفسرين حول هذه الآيات، أجد أن هناك عدة دلالات يخرج منها المتأمل لهذه الآيات أوجزها فيما يلي:

1- إن نـزول قوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([120]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ] بعد وقعة أحد، وما حدث فيها وقبلها من أحداث، له دلالته الكبرى على مكانة الشورى، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه قبل غزوة أحد، هل يقاتلون وهم داخل المدينة، أو يخرجون خارج المدينة؟ فكان رأي بعض الصحابة أن يبقوا داخل المدينة، ورأى آخرون -وأكثرهم من الشباب الذين يتقدون حماسا- أن يكون القتال خارج المدينة لأسباب ذكرها هؤلاء، كما أن أولئك ذكروا أسبابا للبقاء.

وقد حدثت بعد ذلك أحداث لها صلة مباشرة بالشورى، أهمها:

(أ) رجوع عبد الله بن أبي بن سلول إلى المدينة، وتبعه ثلث الجيش، بعد أن خرجوا منها احتجاجا على أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي الشباب، وتركه لرأي الشيوخ  ([121]) ومعلوم ما لهذا التصرف في هذا الوقت الحرج جدا من آثار حسية ومعنوية، يصعب حصرها، ويطول ذكرها.

(ب) وقوع الهزيمة في أحد مما قد يستغله البعض في القدح في نتيجة الشورى، ويجعل ذلك بسببها.

في هذا الوقت، وفي ظل هذه الأوضاع تنـزل آية الشورى قاطعة الطريق على أي محاولة للتشكيك في مبدأ الشورى أو النيل منه، وما حدث مع ضخامته لا يعدو أن يكون حادثة عين لا تقدح في الأصل، لأن حوادث الأعيان تنتهي بانتهاء آثارها، أما الأصل والمنهج فله صفة الاستمرار والشمول  ([122]).

2- ورود الشورى في القرآن جاء في عدة صيغ، فمرة بصيغة الأمر، ومرة بصيغة الخبر، وأخرى على شكل قصة، أو في سياق حدث من الأحداث.

إن تكرار الشورى، وتنوع عرضها يدل على ما لهذا الأسلوب من أثر في رسم المنهج وبيانه، وأهمية ترسيخ هذا المبدأ في حياة الناس، وعامة شئونهم.

3- إن ثناء الله -جل وعلا- على الأنصار لممارستهم للشورى قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([123]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] يرسم للدعاة منهجا في مواجهة الأحداث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما كان يفعله الأنصار قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك فعلوه بعد انتقاله للرفيق الأعلى، حيث استمر المهاجرون والأنصار وغيرهم يمارسون الشورى، وبخاصة عند الأحداث المهمة.

4- مما يستدعي الوقوف والتأمل: ممارسة الشورى من قبل الكفار، كما ذكر الله -جل وعلا- في كتابه الكريم عن فرعون، وملكة سبأ، ومشركي قريش، وغيرهم، وهذا له دلالات عدة، من أهمها أن الكفار أيضا يشتركون في معرفة أهمية المشاورة، وآثارها على الأمم عاجلا وآجلا.

وسياق بعض الآيات يدل على أن القضية ليست قضية عين، بل منهج حياة، وممارسة مستمرة، حيث قالت ملكة سبأ: (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)([124]) [ سورة النمل، الآية: 32 ] فهى لن تقطع بأي أمر من الأمور دونهم، ويبدو أن هذا هو منهجها قبل هذه الحادثة.

ودار الندوة التي اجتمعت فيها قريش للتآمر على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تشاوروا في ذلك، يدل اسمها على أنها خصصت مكانا للاجتماع، والتشاور في الأمور التي تهم قريشا وتغشاها.

الشورى في السنة

مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة وأبي بكر رضي الله عنهما

وشاورهم في الأمر:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير صحابته في مكة، ثم لما قدم المدينة استمر في مشورته لهم، وبعد أحد نـزل قوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([125]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ] وهذه الآية ليس فيها ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستشير صحابته  ([126]) بل هي أشبه بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا)([127]) [ سورة النساء، الآية: 136 ] وبخاصة إذا علمنا الظروف التي نـزلت فيها هذه الآية، حيث كانت بعد غزوة أحد، وقد سبقها استشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في شأن الغزوة، وحدث ما حدث كما سبق بيانه.

وقد استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشورته لأصحابه؛ وتوالت الأدلة القولية والعملية التي تؤكد ذلك، مع أن الأدلة العملية -وهي الأهم هنا- بلغت حدا جعل أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه  ([128]).

وقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر "  ([129]).

ولذلك قال علي رضي الله عنه مترحما على عمر رضي الله عنه بعد أن طعن: ما خلفت أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كثيرا كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر "  ([130]).

ولا شك أن كثرة لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبيه كان لأمور مهمة وعظيمة، ومن ذلك التشاور المستمر في شئون الأمة، وما يجد فيها، ويؤكد ذلك وقائع السيرة وروايتها.

بل إن الأمر أوسع من ذلك، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله "  ([131]).

وبهذا ندرك أن قوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([132]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ] أصبح منهج حياة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده اقتداء به، وتصديقا لقوله -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([133]) إذ مدح الله الأنصار -رضي الله عنهم- لممارستهم الشورى في حياتهم حتى قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

وتوضيحا لما تم إجماله سأذكر بعض وقائع السيرة من مشورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أزمنة مختلفة.

ونظرا لأن المراد هو بيان أن الشورى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أصبحت حقيقة واقعة، ومنهج حياة، وليس المراد هو حصر وقائع الشورى، وذكر تفصيلاتها ودقائقها، فلن ألتزم بحصر تلك الوقائع، ولن أفصل فيها تفصيلا يخرج عن الهدف الذي سيقت له، بل سأذكرها بما يشبه الإجمال، وليس المراد هو التحقيق من صحة كل رواية بذاتها -حيث إن بعض ما يرد قد لا يخلو من ضعف وبخاصة في تفاصيله لا في أصله- ولكن مجموع ما سأذكره من وقائع وشواهد -وبعضها في الصحيحين- يحقق الغرض الذي سيقت من أجله، وهذه مسألة لا بد من التنبه لها ومراعاتها، وتبرز قضية المشاورة من خلال مما يلي:

1- مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لخديجة -رضي الله عنها- منذ بعثته حتى وفاتها  ([134])

2- استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في مكة، ومن أبرز الوقائع في ذلك حادثة الهجرة، واتخاذ الترتيبات لذلك  ([135]).

  مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بدر

3- ما حدث في بدر من مشاورة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في عدة مواضع أهمها:

(أ) استشارته لأصحابه قبل اتخاذ قرار المواجهة مع قريش، فعندما أتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم استشار الناس بعد أن أخبرهم بقدوم قريش، فقام عدد من الصحابة من المهاجرين كأبي بكر والمقداد بن عمرو، وأشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمضي لما أراه الله، فهم موافقون لأي قرار يتخذه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد رأي الأنصار -تنفيذا لما تم الاتفاق عليه في بيعة العقبة-. فقال: " أشيروا علي أيها الناس " فقام سعد بن معاذ، وتكلم عن الأنصار، وكان مما قال: " فامض لما أردت فنحن معك " فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر بعد أن سمع من المهاجرين والأنصار، ولم يخالف في ذلك أحد منهم([136]).

(ب) عندما نـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، وقبل الوصول إلى الماء جاء الحباب بن المنذر، وأشار على رسول الله أن يغير المكان إلى مكان أفضل منه من الناحية الحربية، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَبِل مشورته  ([137]).

(ج) وقمة الاستشارة في هذه الغزوة استشارته في أسارى بدر، فقد روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الناس يوم بدر في الأسارى فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم " فأشار عليه عدد من الصحابة بعدة آراء، وهي تدور على: إطلاق سراحهم، أو الفداء، أو القتل. وكان ممن أشار بالعفو مع الفداء: أبو بكر، وأشار عمر بضرب أعناقهم. وقد أخذ صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر، فأخذ منهم الفداء، وأطلق سراحهم، ونـزل القرآن موافقا لرأي عمر حيث قال -سبحانه-: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)([138])([139]) [ سورة الأنفال، الآيتان: 67، 68 ].

  مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة أحد

4- استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته قبل غزوة أحد، هل يقاتلون من داخل المدينة، أم يخرجون إلى خارجها، وقال: أشيروا علي:

وقد أشار عدد من الصحابة بأن يبقوا داخل المدينة، فإن دخلت قريش عليهم قاتلوهم في الأزقة، ورموهم من فوق الصياصي والآطام، وقد كانت المدينة شبه محصنة، وكان هذا رأي كبار الصحابة، وهو رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يعزم عليهم.

ولذلك قال بعض الفتيان ممن لم يشهدوا بدرا، وكانوا يتشوقون للجهاد ليبلوا كما أبلى أصحاب بدر، حيث إنهم لم يشهدوها، فقد قال هؤلاء: اخرج بنا إلى عدونا، وأيدهم بعض كبار الصحابة كحمزة، وسعد بن عبادة، والنعمان بن ثعلبة، وغيرهم.

وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي هؤلاء، وعندما لبس لامته ودرعه، خشي أولئك أنهم استكرهوه، فعادوا إلى رأيه، فأبى صلى الله عليه وسلم بعد أن عزم على الخروج، فخرج  ([140]).

  مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في قصة الإفك وغزوة الخندق

5- إستشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد في قصة الإفك، وبخاصة ما يتعلق بعائشة -رضي الله عنهم أجمعين--. فأما أسامة فأثنى خيرا، ثم قال: يا رسول الله، أهلك ولا نعلم منهم إلا خيرا. وأما علي فقال: يا رسول الله، إن النساء لكثير، وسل الجارية فإنها تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة يسألها... الحديث  ([141]).

6- وفي غزوة الخندق كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح بينه وبين عيينة بن حصن على ثلث ثمار المدينة على ألا يقاتلوا مع الأحزاب، وقبل إكمال إجراءات العقد والإشهاد عليه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ يستشيرهما في ذلك، فقالا: أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: لا، بل شيء أصنعه لكم، فذكر سعد بن معاذ أنهم لا يرون ذلك، وأيده سعد بن عبادة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيهما، وألغى الكتابة مع عيينة بن حصن  ([142]).

 

مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الحديبية

7- وفي الحديبية شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في أكثر من مرة ومنها:

(أ) لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة قاصدا مكة محرما، ووصل إلى غدير الأشطاط جاءه رجل فقال له: إن قريشا قد جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك، ومانعوك، فقال صلى الله عليه وسلم أشيروا أيها الناس علي: أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا قاتلناه؟ فأشار عليه أبو بكر بالخيار الثاني، فقال صلى الله عليه وسلم " فامضوا على اسم الله تعالى " الحديث  ([143]).

(ب) ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استدعى عمر- رضي الله عنه-، وطلب منه أن يذهب إلى قريش لإخبارها بقصد الرسول صلى الله عليه وسلم من مقدمه إلى مكة، فأشار عليه عمر أن يرسل عثمان بن عفان لأسباب ذكرها، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأيه وأرسل عثمان رضي الله عنه  ([144]).

(جـ) لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب مع سهيل بن عمرو، أمر الصحابة أن يحلوا بالحلق بعد النحر، فما قام منهم رجل واحد، وقال ذلك ثلاث مرات، فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة -رضي الله عنها- وذكر لها ما لقي من الناس، فأشارت عليه أم سلمة أن يخرج ثم ينحر بدنه -ولا يكلم أحدا منهم- ثم يدعو حالقه فيحلقه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل ما أشارت به أم سلمة من النحر والحلق، فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ([145])>

صفحة من التاريخ

نماذج من الشوري في حياة الصحابة رضي الله عنهم

وأمرهم شورى بينهم ذكرت عند تفسير قوله -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([146]) [سورة الشورى، الآية: 38] أن هذه الآية نـزلت في الأنصار قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، حيث كانوا يتشاورون فيما بينهم، وهذه الآية وإن كانت نـزلت في الأنصار، فإن مدلولها أعم من ذلك، حيث إن الصحابة -رضوان الله عليهم- استمروا يمارسون الشورى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر يعدو على الحصر، وسأشير إلى بعض تلك الوقائع بإيجاز، مبينا أن الشورى كانت قبل هجرته صلى الله عليه وسلم وفي أثناء حياته في مكة والمدينة -كما سبق- وكذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فهي منهج حياة مارسها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقا ولاحقا، وهذا معنى قوله -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([147]) [سورة الشورى، الآية: 38 ].

ونأتي الآن إلى ذكر بعض هذه الشواهد:

1- اجتمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في سقيفة بني ساعدة، وتشاوروا فيمن يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مداولة مشهورة اتفق رأيهم على تولية أبي بكر رضي الله عنه فبايعوه على ذلك، في صورة من صور الشورى الرائعة، التي سجلها التاريخ بأحرف من ذهب  ([148]).

2- لما أراد أبو بكر غزو الروم دعا عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبا عبيدة بن الجراح، وعددا من المهاجرين والأنصار، وأخبرهم عما أراد، وبين لهم وجهة نظره في ذلك، ثم قال: وهذا رأيي الذي رأيته، فليشر عليّ أمرؤ برأيه.

فأشار عمر برأيه، وكان مما قال في ختام كلامه: "سرّب إليهم الخيل في أثر الخيل، وابعث الرجال بعد الرجال، والجنود تتبعها الجنود، فإن الله ناصر دينه ومعز الإسلام بأهله".

ثم تكلم عبد الرحمن بن عوف، وكان مما قال: "ما أرى أن نقتحم عليهم اقتحاما، ولكن نبعث الخيول فتغير في قواصي أرضهم، ثم ترجع إليك، وهكذا".

ثم قال أبو بكر: ما ترون.

فقال عثمان بن عفان: "إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحا فاعزم على إمضائه، فإنك غير ظنين".

فقام أغلب من في المجلس، وأيدوا ما قاله عثمان في تفويض الأمر إليه  ([149]).

3- بعد أن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. ارتد بعض العرب، وامتنع آخرون عن أداء الزكاة، فتشاور الصحابة في ذلك، وكان لعمر رضي الله عنه رأي معروف، وخالفه في ذلك أبو بكر رضي الله عنه وثبت أبو بكر على رأيه بعد ذكر الأدلة على صحة ما ذهب إليه، فشرح الله صدر عمر واتفقت كلمة الصحابة على حرب المرتدين، وقتال مانعي الزكاة.

* ولولا هذه الشورى، والمحاورة المدعومة بالدليل لحدث شرخ كبير يصعب رتقه، في وقت كانت الأمة في أمس الحاجة إلى وحدة الكلمة، ورص الصفوف  ([150]).

4- وقد كان عمر رضي الله عنه يستشير كثيرا، ويجمع أهل بدر للمعضلات، قال سعد بن أبي وقاص: ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا ألب لبا، ولا أكثر علما، ولا أوسع علما من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإذا أهم الأمر عمر بن الخطاب دعاه وقاله له: غص غواص.

وذكر البيهقي أن عمر كان يدعو الفتيان، فيستشيرهم.

وعند البيهقي -أيضا- قال ابن سيرين: إن عمر بن الخطاب كان يستشير، حتى إن كان ليستشير المرأة، فربما أبصر في قولها الشيء الحسن فيأخذ به  ([151]). قال ابن عاشور: وكان عمر يكتب لعماله يأمرهم بالتشاور، ويتمثل لهم في كتبه بقول الشاعر:

خليلي ليس الرأي في صدر واحد
 

 

أشـيرا علي بالذي تريان  ([152])
 

وقد استشار عمر ابنته حفصة -رضي الله عنها- في مقدار المدة التي تصبر فيها المرأة عن زوجها.

وكذلك أشارت عليه أن يستخلف من بعده.

وآخر مظهر من مظاهر الشورى في حياة عمر رضي الله عنه اختياره لأهل الشورى، وإسناد أمر الخلافة إليهم، وانتقل إلى الدار الآخرة، وأمر المسلمين شورى بينهم. -فرضي الله عنه وأرضاه-  ([153]).

5- واستمرت الشورى في خلافة عثمان وعلي -رضي الله عنهما-، وسيرتهما تزخر بالشواهد على ذلك، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالفتوحات، أم بإسناد الولايات، أم ما يجد من أحداث كانت تستدعي الشورى، بصوره فردية أو جماعية، فقد كان عثمان يستشير عليا في كثير من الأمور التي تواجه الخلافة الراشدة، وتحتاج إلى الرأي السديد والموقف الحازم، وهو ما اشتهر به أبو الحسن -رضي الله عنهم- أجمعين.

وكذلك كان علي في خلافته، وبخاصة بعد مواجهته للفتن والقلاقل التي كانت تحتاج إلى محض الرأي وصدق المشورة، وقد كان علي يستشير كثيرا من الصحابة، وبخاصة السابقين إلى الإسلام.

ومن خلال ما سبق يتضح لنا جليا معنى قوله -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([154]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ].

أهداف الاستشارة وآثارها

البحث عن الحق والصواب

أهداف الاستشارة وآثارها:

هناك أهداف نسعى لتحقيقها من خلال الاستشارة، وإذا تحققت المشاورة على وجهها الصحيح فإن لها من الآثار الإيجابية ما لا يخفى.

وللتداخل بين الأهداف والآثار فسأذكرهما معا دون تمييز لهما، وبخاصة أن ما سأذكره قد يكون هدفا وأثرا في آن واحد، وسأقتصر على أهم الأهداف والآثار غير مستقص لذلك  ([155]).

1- إن الاستشارة إذا توافر فيها ركنا الإخلاص والمتابعة فهي عبادة لله، يرجو العبد فيها ثواب الله، لأن الله قد أمر بها وشرعها، وفعلها رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان كذلك فهو أمر مشروع متعبد به، سواء أكان عبادة واجبة أم مندوبة  ([156]).

2- البحث عن الحق والصواب ضمن المنهج الشرعي، والوصول إلى أقرب الوسائل الملائمة للأمر المتشاور فيه. قال ابن الجوزي عند تفسيره لقوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([157]) [ سورة، آل عمران، الآية: 159 ].

قال علي رضي الله عنه "الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه".

وقال بعض الحكماء: "ما استُنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا حُصنت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر".

قال ابن الجوزي: "ومن فوائد المشـاورة أنه قد يعزم على أمر، فيبين له الصواب في قول غيره".([158]).

وقال قتادة: "وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على أرشده"  ([159]).

وقال الحسن: "ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم"  ([160]).

وقال الطبري: "فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادق وتآخ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم"  ([161]).

3- تأليف القلوب وجمع الكلمة، وسد منافذ الشر، والقيل والقال، وأدعى لقبول الأمر الناتج عن تشاور.

قال الطبري: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([162]) [سورة آل عمران، الآية: 159] بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب، وعند لقاء العدو، تطييبا منه بذلك أنفسهم، وتألفا لهم على دينهم([163]).

قال قتادة: أمر الله U نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم([164]).

وقال ابن إسحاق: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)([165]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ] أي: لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت عنهم غنيا تؤلفهم بذلك على دينهم  ([166]).

وقال ابن الجوزي: أمر الله نبيه بمشاورة أصحابه، مع كونه كامل الرأي، تام التدبير على ثلاثة أقول:

وذكر الأول ثم قال: الثاني: لتطيب قلوبهم، وهو قول قتادة والربيع وابن إسحاق ومقاتل، قال الشافعي: نظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم " البكر تستأمر في نفسها " إنما أراد استطابة نفسها، فإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها، وكذلك مشاورة إبراهيم -عليه السلام- لابنه حين أمر بذبحه  ([167]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده، وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينـزل فيه وحي  ([168]).

قال ابن عاشور: وعن الشافعي أن هذا الأمر للاستحباب، ولتقتدي به الأمة، وهو عام للرسول صلى الله عليه وسلم وغيره، تطييبا لنفوس أصحابه، ورفعا لأقدارهم  ([169]).

4- القضاء على الفردية والارتجال، وتجنيب الأمة آثار المواقف والقرارات الفردية.

إن الشورى علاج حاسم في مواجهة المواقف الارتجالية والقرارات الفردية، فالشاعر يقول:

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به 
 

 

رغـم الخلاف ورأي الفرد يشقيها 
 

إن هناك فرقا بين أن يتخذ الإنسان قرارا يخصه وحده، أو يتخذ قرارا يؤثر على غيره.

ومن هنا رأينا أن الله -سبحانه- جعل اتخاذ قرار يتعلق بصبي رضيع لا يملكه فرد واحد، وإن كان أقرب الناس إليه، وهو والده أو والدته، وجعل رفع الجناح مشروطا بالتشاور والتراضي بين الوالدين، (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)([170]) [ سورة البقرة، الآية: 233 ].

* فإذا كان هذا ما يتعلق بصبي رضيع، فكيف بما يتعلق بشئون الأمة وأحوالها، أيجوز أن ينفرد به أي فرد من المسلمين؟

5- تنسيق الجهود وتجميعها، والإفادة من الطاقات وعدم تبديدها، والقضاء على الازدواجية والتداخل. وهذا أمر واضح وبيّن، ولذلك قال -سبحانه-: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)([171]) [سورة الأنفال، الآية: 46] فالشورى وسيلة للاجتماع، واستثمار الطاقات، وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى، الذي أمر الله به: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)([172]) [ سورة المائدة، الآية: 2 ].

قال سيد قطب -يرحمه الله- في تفسيره لقوله- تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([173]) [ سورة الشورى، الآية: 38 ] ومع أن هذه الآيات مكية، نـزلت قبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة، فإننا نجد فيها أن من صفة هذه الجماعة المسلمة: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([174]) مما يوحي بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظاما سياسيا للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم عليه أمرها كجماعة  ([175]).

6- التدريب والإعداد، واكتشاف المواهب والطاقات:

أخرج البيهقي أن عمر رضي الله عنه كان إذا نـزل الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يقتفي حدة عقولهم  ([176]).

وقال سعد بن أبي وقاص: "إذا أهم الأمر عمر بن الخطاب دعا ابن عباس وقال له: غص غواص"([177]).

 

قال الأستاذ عدنان النحوي:

فمن خلال مداولة الرأي وبيان الحجة، يبرز مستوى الإيمان والعلم، وتتمايز المواهب والقدرات، وتعرف المعادن والرجال، فالشورى محك، يكاد يكشف أطراف النية، ومنثور الموهبة، وحدود الطاقة. وقال: ولقد تدرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدريبا واسعا من خلال الممارسة، والصحبة على هذه الأمور، في مجالس الشورى، فلما أصبح الأمر في أيديهم سهل عليهم الأمر، ومدرسة الشورى من أعظم مدارس الإسلام عطاء في التدريب، والإعداد، والتربية والبناء  ([178]).

7- الشورى غنهما لك وغرمها على غيرك

قال ابن الجوزي: "ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح في أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه" ([179]).

فإذا بذل الإنسان وسعه وطاقته في تحري الصواب فلم يوفق له، فقد اجتهد، وهو مأجور -إن شاء الله-، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإن وفق للأمر بعد اجتهاده -والشورى من وسائل الاجتهاد- فله أجران، فإذا هو غانم غير غارم على أي حال. ولذلك قال الشاعر  ([180])

إن المشـاور إمـا صـائب غرضا 
 

 

أو مخطئ غير منسوب إلى الخطل 
 

* وقال الآخر:  ([181])

وأكـثر من الشورى فإنك إن تصب 
 

 

تجد مادحا أو تخطئ الرأي تعذر 
 

ومن غنم الاستشارة نضوج الرأي واستوائه فقد قيل: "من شاور الرجال شاركهم في عقولهم".

وهو يؤدي إلى أصالة الرأي، وهو من النضج والاستواء، وذلك عاصم -بإذن الله- من الوقوع في الخطأ، والتصرف غير المحمود، قال الشاعر:  ([182])

أصالـة الـرأي صـانتني عن الخطل 
 

 

وحليـة الفضل زانتـني لدى العطل 
 

** ومن خلال ما سبق يتضح لنا ما للشورى من ثمار وآثار إيجابية، فهي مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر إذا تمت ممارستها وفق الضوابط الشرعية، والأصول المرعية، ولو لم يكن فيها إلا أنها تسد بابا من أبواب الإشاعة المؤذية، والاتهامات الباطلة، والفتنة المرجفه، لو لم يكن لها إلا ذاك لكفى بها خيرا، ولعز مطلبها وفاز طالبها، ورخص -مهما غلا- ثمنها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أسباب الفردية وعدم الاستشارة

الكبر وحب السيطرة

أسباب الفردية وعدم الاستشارة

لماذا يعزف كثير من الناس عن الاستشارة، ويستأثرون بالأمر وحدهم دون مشاورة من حولهم، وتجد أن أغلب قراراتهم -إن لم تكن كلها- تتسم بالفردية؟ إن هناك أكثر من سبب لهذا الأمر، وقد يجتمع في المرء عدة أسباب، وقد يتصف بواحد منها، أو يطرأ له أحدها فيحول بينه وبين الاستشارة.

وسأذكر أهم هذه الأسباب، وبالذات الأسباب المباشرة دون غيرها من الأسباب غير المباشرة، وسأوضح كل سبب حسب ما يقتضيه المقام. والله الموفق والمعين.

1- الكبر والإعجاب بالنفس: الكبر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بطر الحق وغمط الناس "  ([183])

فالمتكبر بسبب بطره للحق وغمطه للناس لا يستشير، ومثاله فرعون الذي قال لقومه: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)([184]) [سورة غافر، الآية: 29] إن إعجاب المرء بنفسه لا يتيح له فرصة ليرى الناس على حقيقتهم، فالغرور يملكه فيصمه ويعميه، ويودي به إلى الاستخفاف بغيره، ومن ثم الاستخفاف بآرائهم وإمكاناتهم.

إن الكبر والإعجاب أصل الداء وموطن البلاء، وما أصيب بهما أحد إلا هلك. إما في دنياه، أو في آخرته، أو فيهما معا، ولذلك ورد في الحديث: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر "  ([185]). وقد ذم الله الكبر فقال -سبحانه-: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)([186]) [ سورة النحل، الآية: 3 ] وفي سورة غافر: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)([187]) [سورة غافر، الآية: 27] وصدق الله العظيم. (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ)([188]) [ سورة غافر، الآية: 56 ].

2- حب السيطرة والتفرد: وهذا يختلف عن الإعجاب والتكبر، وإنما هو مرض آخر، فقد يشعر الإنسان أن استشارته لغيره قد تفقده بعض امتيازاته، سواء الحسية أو المعنوية، فيبقي القرار بيده، وينفرد بالأمر دون غيره، وهذا نوع من التسلط الذي يبتلي به بعض الناس غير مدرك لآثارة السلبية في العاجل والآجل.

3- الشعور بأن الاستشارة ضعف في الرأي وعدم قدرة على اتخاذ القرار:

فهناك من يتصور أن الاستشارة ضعف، حيث تقول له نفسه الأمارة بالسوء: إنك لو كنت قادرا على اتخاذ القرار لما استشرت غيرك، بل توسوس له أن الناس سيقولون ذلك، ويلمزونه به.

وقد أدرك الشاعر هذا الجانب فقال  ([189])

ولا تحسب الشورى عليك غضاضة 
 

 

مكـان الخـوافي قوة للقوادم 
 

والحقيقة التي تخفى على الكثيرين: أن الاستشارة قوة لا ضعف، وحكمة لا طيش.

ويكفي للدلالة على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس استشارة لأصحابه، وهل يدعي مسلم أنه أقوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم حسا أو معنى؟ بل هل يتصور أن مسلما يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضعف لأنه كان كثير المشاورة لأصحابه؟ حاشاه من ذلك!!.

وقل نحو ذلك عن أبي بكر أو عمر -رضي الله عنهما-، وهما من هما في القوة، والصلابة، ورجاحة العقل.

4- عدم إدراك فوائد الاستشارة وخطورة الفردية:

إن للمشاورة فوائد جمة، سبق ذكر أهمها، وهذه الفوائد قد تخفى على بعض الناس، فلا يدرك قيمة الشورى، ويتصور أن ما يذكر حول أهميتها قد يكون مبالغا فيه، ويزداد الأمر خطورة إذا لم يدرك خطورة الفردية والاستقلال بالأمر دون غيره، ولا يعلم الآثار المترتبة على الفردية في القرار، وبخاصة إذا كان الأمر المعني لا يتعلق به وحده، وإنما هو من أمور المسلمين العامة، التي قد يتعدى أثر ضررها إذا وقع، ويصعب حصره والحد منه.

ونظرة متأنية لواقع المسلمين اليوم، وما تقدم عليه بعض الجماعات من مواقف غير محسوبة النتائج يدرك ما أعنيه.

5- ضعف ثقته بالناس ومن حوله:

وقد يكون هذا الأمر ناشئا عن أسباب حقيقية، وقد يكون وهما وشكا ووسوسة -وهو الأغلب-. وإذا ضعفت ثقة الإنسان بمن حوله فلن يأتمنهم على أموره، ولن يثق في مشورتهم وآرائهم.

إن عدم الثقة إن كان ناشئا عن أسباب واقعية كالخيانة -مثلا-، وسطحية الرأي، ونحو ذلك فهذا أمر يعذر فيه الذي لا يستشير هؤلاء، ولكننا نقول له: هب أن هذه الصفة وجدت في بعض الناس، فلن تعدم ثقةً رزينا عاقلا، بعيد النظر، عميق التفكير، أما أن تعمم هذا الأمر على كل الناس فلا يسلم لك ولا يجوز.

أما إذا كان عدم الثقة بسبب صفة اتصف بها ذلك الإنسان، ولا علاقة لهذه الصفة بالرأي، كأن يكون فقيرا، أو من عائلة دون عائلة الأول، أو أقل مرتبة ممن يحتاج إلى الاستشارة، فنقول له: هذه أسباب وهمية لا تبرر عدم استشارته أو سوء الظن فيه، ولذلك قال الشاعر  ([190])

لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به 
 

 

فـالنحل وهـو ذباب طائـر العسل 
 

وكذلك قال الهدهد لسليمان -عليه السلام-: (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)([191]) [سورة النمل، الآية: 22] ولم ينكر عليه سليمان -عليه السلام- مقولته، مع أن الهدهد من أضعف الطيور وأقلها شأنا وقيمة، وثبت صحة ما قاله، بل جاء بأمر جلل عظيم، كان له ما بعده كما في سورة النمل.

6- الاستهتار والاستخفاف:

وهذا يختلف عن الكبر والإعجاب، مع أن بينهما تداخلا، ولكن الذي أعنيه هو عدم المبالاة، وسوء تقدير الأمور، فقد يتصور بعض الناس أن هذا الأمر الذي أقدم عليه يعتبر أمرا هينا، لا أثر له في حياة الناس، أو أنه يكون ضعيف الإحساس، بحيث لا يبالي بما يترتب على هذا الأمر من خطورة قد تجر إلى مصائب يصعب تلافيها وتداركها، وهو كذلك مستخف بالناس، لا يعنيه من عنتهم شيء، ولو كان هو السبب في هذا العنت والمشقة، وهو كما قال -تعالى- واصفا فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)([192]) [سورة الزخرف، الآية: 54].

إن من اتصف بصفة الاستخفاف والاستهتار لن يلجأ إلى الشورى، بل ليس أهلا لأن يكون من أهلها مستشيرا أو مشيرا.

 7- التساهل والتسويف حتى يحل الأمر:

ومن الأسباب أن بعض الناس يرغب في الاستشارة، ويعرف قيمتها وأثرها، بل قد يعزم عليها، ولكنه يسوف ويؤجل، وكل يوم يقول: سأستشير غدا أو بعد غد، وهكذا يماطل نفسه حتى يضيق الوقت، ويصبح أمام واقع لا خيار له في اتخاذ القرار، وقد يتخذ قرارا خاطئا يندم عليه لتفريطه، وتهاونه، وتسويفه، وعدم استشارته.

8- العجلة والخفة وعدم رباطة الجأش: العجلة من الشيطان، ما صاحبت شيئا إلا أثرت فيه  ([193]) ونعني بالعجلة ما كانت في أمرٍ الأصل فيه التريث والتأني.

والعجلة والخفة تفوت على الإنسان فرصة الاستشارة، فيستعجل في تصرفه، مما قد يوقعه في سلبيات لا حصر لها، ومثل ذلك الطيش، وعدم رباطة الجأش عند مواجهة الأحداث، فيندفع الإنسان دون تبصر للعواقب. والتأني هو من سمات العقلاء، وقد حث عليه الشعراء  ([194])

تأن ولا تضق للأمر ذرعـا 
تـأن فحيثمـا المرء تأنى 

 

 

فكم بالنجح يظفر من تأنى 
ينـل نجحا ويدرك ما تمنى 

 

والحماقة من خوارم الحكمة، وهما مما استعصى أمر علاجها على الحكماء:

لكـــل داء دواء يســتطب بــه 
 

 

إلا الحماقة أعيت من يداويها ([195])

 

9- الهوى:

الهوى يعمي ويصم، وما صاحب شيئا إلا شانه، وما نـزع من شيء إلا زانه.

وقد ذم الله الهوى في آيات كثيرة من كتابه، فصاحب الهوى لا يبحث عن القول السديد والرأي الرشيد، وإنما يتبع هواه حيث قاده، قال -سبحانه-: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)([196]) [سورة النجم، الآية: 23 ] وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ)([197]) [سـورة القصص، الآية: 50] وقال: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ)([198]) [ سورة القصص، الآية: 50 ] وقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)([199]) [ سورة محمد، الآية: 16 ].

وقال صلى الله عليه وسلم " إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك " الحديث  ([200]).

ودوافع الهوى وأسبابه كثيرة جدا، وقَلَّ أن يسلم منها أحد، ولكن بالإخلاص والتجرد، ومغالبة النفس، وكثرة الدعاء، وتذكر الآخرة، يعان المسلم على ذلك. (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)([201]) [ سورة النازعات، الآيتان: 40، 41 ].

هذه أهم موانع الاستشارة، واللجوء إلى الفردية في الرأي والمواقف، وعلى المرء أن يكون حذرا من تلبسه بواحدة من تلك الصفات والموانع، وعليه بالمبادرة إلى التخلص مما يجد أنه قد تلبس به أو حام حوله، وليعلم أن الفردية في الرأي لا تأتي بخير، وأن الشورى لا تأتي بشر أبدا، بل إنها لا تأتي إلا بخير إذا كانت على وجهها الصحيح، ويجب أن تكون كذلك، ويكفي في المشاورة أن غنمها لك وغرمها على غيرك، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم.

قال ابن عبدالبر  ([202]) الشورى محمودة عند عامة العلماء، ولا أعلم أحدا رضي الاستبداد، إلا رجل مفتون مخادع لمن يطلب عنده فائدة، أو رجل فاتك يحاول حين الغفلة، وكلا الرجلين فاسق.

قال ابن عاشور: ومثل أولهما قول عمر بن أبي ربيعة:

واســتبدت مــرة واحــدة 
 

 

إنما العاجز من لا يستبد 
 

ومثل ثانيهما قول سعد بن ناشب:

إذا هـمّ ألقى بين عينيه عزمة 
ولـم يستشـر في أمره غير نفسه 

 

ونكّـب عـن ذكر العواقب جانبا 
ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا 

 

أركان الشورى:

للشورى أركان ثلاثة، ولكل ركن من هذه الأركان ضوابطه وشروطه.

أما أركان الشورى فهي:

الأول: المستشير.

الثاني: المستشار.

الثالث: الأمر المتشاور فيه.

أما ضوابط هذه الأركان فهي تختلف من ركن لآخر، وتفصيلها كما يلي:

  الركن الأول: المستشير

أن يكون صادقا في استشارته

هناك أمور يجب أن يلتزم بها المستشير ليصل إلى الثمرة التي يرجوها من استشارته، وبخاصة أن الاستشارة عبادة، يرجو خيرها فى الدنيا، وثوابها في الآخرة، وأهم هذه الأمور ما يلي:

1- أن يكون صادقا في استشارته، متجردا عن الهوى، باحثا عن الحق أينما كان، حيث إن بعض الناس قد يستشير، ولكنه ليس جادا في هذا الأمر، بل قد تكون استشارته لهوى أو غرض في نفسه، غير البحث عن الرأي السديد، والقول الصائب المفيد، قال الطبري: وأما أمته صلى الله عليه وسلم فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادق وتآخ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم  ([203]).

وقال قتادة: "وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على أرشده"  ([204]).

  2- ألا يكون قد اتخذ قراره -فضلا عن البدء فيه- ثم يستشير تحلة قسم، وحتى يقول: قد شاورت فلانا وفلانا، وهذا وإن كان داخلا في الأول، فله خصوصية أخرى.

قال -سبحانه-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([205]). [سورة آل عمران، الآية: 159] قال ابن عاشور: فإذا عزمت بعد الشورى، أي تبين لك وجه السداد فيما يجب أن تسلكه فعزمت على تنفيذه، سواء كان على وفق بعض آراء أهل الشورى، أم كان رأيا آخر، لاح للرسول صلى الله عليه وسلم سداده، فقد يخرج عن آراء أهل الشورى رأي، وفي المثل: (ما بين الرأيين رأي).

وقال: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([206]) والتوكل حقيقة الاعتماد، ثم قال ابن عاشور: فقوله: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([207]) [سورة آل عمران، الآية: 159] دليل على جواب إذا، وفرع عنه، ولو كان التوكل هو جواب إذا لما كان للشورى فائدة، لأن الشورى -كما علمت- لقصد استظهار أنفع الوسائل لحصول الفعل المرغوب، على أحسن وجه وأقربه، فإن القصد منها العمل بما يتضح منها، ولو كان المراد حصول التوكل من أول خطور الخاطر لما كان للأمر بالشورى من فائدة  ([208]).

قال الإمام البخاري: والمشاورة قبل العزم والتبين، لقوله -تعالى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([209])([210]).

وهنا أمر لا بد من بيانه: وذلك لو أن إنسانا عزم على أمر وأراد المضي فيه، ثم بدى له أن يستشير، هل يمنع عزمه السابق من الاستشارة بناء على ما ذكر؟ والجواب واضح، وهو أن هذا العزم لا يمنعه، ولكن لا بد من أن يضرب عن عزمه السابق  ([211]) ثم يستشير، ويعزم على أنه إن بدى له من الاستشارة رأي أفضل مما رأى أن يذهب إليه لا يمنعه عزمه السابق من ذلك.

وإذا لم يبد له شيء جديد في مشاورته فله الحق في الرجوع إلى رأيه الأول والاستمرار فيه.

  3- ألا تكون استشارته لأشخاص اختارهم ليقولوا له ما يحب، لا ما يجب، وهذه مسألة قل أن يسلم منها أحد، وللهوى دخل فيها.

والنفس قد جبلت على حب سماع قول من يوافقها لا من يخالفها.

ولا يعني هذا -أيضا- أن يختار من الناس من يخالفونه، وإنما المراد أن يبحث عمن تتوافر فيه صفات المستشار، وهو الذي يقول الحق ضمن ضوابطه الشرعية كما سيأتي.

ولذلك فقليل من الناس من لا يستشير، ولكن القليل -أيضا- من يستشير على الوجه الصحيح، فليست العبرة بالاستشارة وإنما بكيفيتها. ولذلك فعلى المستشير أن يبحث عمن يقول له ما يجب لا ما يحب أو يبغض، وأن يحذر من الهوى وحظوظ النفس.

ومما يتصل بهذا الموضوع -أيضا- ألا يكون المستشارون من عقلية واحدة، وتفكيرهم متقارب، لأن رأيهم سيكون متقاربا، ومنطلقهم في المشورة متجانسا،.

ولذلك يحسن التنويع في المستشارين؛ بيئة، وتربية، وتخصصا، بل وسنا وتجربة. فإن هذا يثري الاستشارة، وبخاصة إذا كان الأمر ذا أهمية وله ما بعده.

وهذه مسألة تغيب عن البال، وقد لا ينتبه لسلبية مخالفتها، وإيجابية تحقيقها.

  4- أن يختار لكل أمر ما يناسبه كما وكيفا، وذلك أن كل أمر يختلف عن غيره -غالبا-، فهناك أمر يحتاج إلى عدد قليل، وآخر إلى عدد كثير، لأن الاستشارة قد تكون للأمر ذاته فقط، وقد تكون للأمر ذاته، ولأمور تتعلق بالمستشارين، فالأول قد لا يحتاج إلا إلى عدد محدود مما يؤدي إلى الغرض، والثاني قد يحتاج إلى توسيع الاستشارة وتكثير العدد.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وأحيانا يستشير الأنصار، وفي بعض الأمور يستشير المهاجرين، وقد يستشير المهاجرين والأنصار جميعا، وقد يخصص أفرادا مراعيا الأمر ذاته، كما استشار السعدين في ثمار المدينة. وهكذا يختار صلى الله عليه وسلم لكل أمر ما يناسبه عددا ونوعا  ([212]).

قال النحوي: ولم تكن الشورى لدى عمر مجلسا محددا فحسب، لقد كانت مجلسا هنا وهناك، مع هؤلاء وهؤلاء، يتحدد على ضوء الواقع والحاجة، والخطورة والأهمية  ([213]).

  5- أن يطلع المستشار على جميع جوانب الموضوع وملابساته.

وهذا أمر قد يغفل عنه بعض المستشيرين، فيطلعون المستشار على جزء من الموضوع أو بعض جوانبه، وهذا له أثره في إبداء الرأي والمشورة.

إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكيف يتصور الإنسان شيئا لم يطلع على جميع ملابساته وجوانبه، ومن ثم كيف يستطيع أن يأتي بالرأي الملائم والمناسب.

وعدم اطلاع المستشار على جميع جوانب الموضوع له أسباب كثيرة، منها عدم تقدير تأثير ذلك من قبل المستشير، ومنها -وهذا هو الأخطر- أن يعلم أنه لو أطلعه على جميع جوانب الموضوع لأعطاه رأيا لا يرغب فيه، لأن استشارته أصلا لم تكن صادقة، بل لأجل أن يقول: استشرت فلانا وفلانا. وقد يكون في الموضوع جوانب سرية لا يرغب أن يطلع أحدا عليها، وهذا لا يبرر تصرفه، وهو يخالف الأمانة -أيضا- إلا إذا قصد استشارته في جزئية معينة ولم يرد أن يستشيره في كل الموضوع، فهذا أمر آخر.

والخلاصة: أن اطلاع المستشار على جميع جوانب الموضوع شرط لصحة رأيه، وذكره من عداد المستشارين، وإلا فلا.

  6- وأخيرا هناك أمران بعد الاستشارة يجب على المستشير مراعاتهما، وهما:

الأول: أن يحذر من التردد بعد الاستشارة، وعليه بالعزم. قال -سبحانه-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)([214]) [ سورة آل عمران، الآية: 159 ].

قال الطبري: فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به، على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك، وما أشاروا به عليك، أو خالفها، وتوكل -فيما تأتي من أمورك وتدع، وتحاول أو تزاول- على ربك، فتثق به في كل ذلك  ([215]).

ومن أقوى الأدلة في ذلك بعد هذه الآية قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد، حيث عزم بعد الاستشارة، ورفض التردد أو التراجع؛ لما يفضي إليه ذلك من مفاسد جمة.

الثاني: الأمانة وذلك بأن لا يفشي ما قاله المستشارون؛ وأن يكون كتوما، إلا إذا أذنوا بذلك  ([216]). * كما أن من الأمانة أن ينقل آراءهم بدقة، من غير زيادة ولا نقص ولا تحريف، إذا لم يترتب على نقل مشورتهم مفسدة، فإن المجالس بالأمانات كما في الحديث ([217]).

  الركن الثاني: المستشار:

وهو الأساس من هذه الأركان، وذلك أن مشروعية الشورى تدور حوله، إما لأخذ ما لديه من رأي في الأمر المتشاور فيه، أو لتطييب نفسه ومراعاته تحقيقا لمصلحة ودفعا لمفسدة، إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة به.

ولأهمية هذا الركن فسأتناوله من جانبين:

أولا: الصفات التي يجب أن تتوافر فيه.

ثانيا: ما يجب على المستشار.

الجـانب الأول: تكون مراعاته من قبل المستشير قبل استشارته له في مدى تحققه فيه.

أما الجانب الثاني: فتجب مراعاته من قبل المستشار أثناء استشارته وبعدها.

  أولا: صفات المستشار:

نظرا لما للمستشار من أثر في الأمر المتشاور فيه، وحيث إن رأيه معتبر في القضية المطروحة، وبما أن كثيرا من الناس لا يدركون الصفات والشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يستشيرون، ولذلك لو سألت بعضهم: هل استشرت قبل أن تقدم على عملك  ([218])؟ سيقول لك نعم، بل أكثر من واحد، وإذا سألته من استشرت؟ تفاجأ بأنه استشار من ليس أهلا لذلك، ولذلك جاء الرأي معوجا كصاحبه:

مـن غرس الحنظل لا يرتجي 

 

أن يجتني السكر من غرسته ([219])
 

 وكما قال الآخر:

وهـل ينبـت الخطي إلا وشيجه 

 

وتغرس إلا في منابتها النخل 

لذلك كله، وحيث لم أطلع على من كتب في الموضوع بصورة متكاملة، وإنما وجدت إشارات من هنا وهناك، أفدت منها في هذه الصفات  ([220]) وللحاجة الماسة إلى تدوين هذه الصفات، فقد بذلت جهدي، واستثمرت وقتي، واستشرت إخواني ومشايخي، فجاءت حصيلة أشعر أنها تستحق التدوين، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)([221]) [ سورة يوسف، الآية: 76 ] وألخص هذه الصفات فيما يأتي:

 1- التقوى والورع:

الاستشارة أمانة، فالمستشار مؤتمن، ولا أمانة لفاسق ماكر مخادع، قال الشاعر  ([222])

ولا تبـغ رأيا من خئون مخادع 
فمن يتبع في الخطب خدعة خائن 

 

ولا جـاهل غـر قليـل التدبـر 
يعضـد بنـان النـادم المتحسر 

إنك عندما تنشد رأيا من أحد، فإنك تلجأ إليه في أمر له خصوصيته وقيمته، ورأيه قد يكون فاتحة خير لك، وقد يكون عكس ذلك، فإذا لم يكن الرجل تقيا، يراقب الله فيما يقول ويسمع، فقد يعطيك رأيا يأتي بخلاف ما أردت، وقد تكون له أهداف تخالف أهدافك، فيضرك من حيث أردت أن ينفعك.

والتقوى أعم وأشمل مما ارتسم في أذهان كثير من الناس عن التقوى في معناها الخاص، وإنما المراد هو التقوى والورع بمعناهما الشرعي الشامل.

  2- العلم المناسب لمثله:

قال الإمام البخاري: وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء أهل العلم  ([223]). والاستشارة سؤال، والله -جل وعلا- يقول: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([224]) [سورة النحل، الآية: 43] وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا ألب لبا، ولا أكثر علما من ابن عباس- رضي الله عنهما-، ولقد رأيت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يدعوه للمعضلات، ثم يقول: جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله  ([225])..

وإذا أهم الأمر عمر دعاه، وقال له: غص غواص  ([226]). والمراد بالعلم هنا العلم المناسب للقضية المطروحة، والأمر المتشاور فيه، حيث يكون المستشار من أهل ذلك الأمر، لأن الجاهل قد يقوده إلى الطريق المعوج، كما قال الشاعر  ([227]).

ولا تبــغ رأيــا من خئون مخادع 
ومـن يتبـع فـي أمــره رأي جاهل 

 

ولا جــاهل غـر قليـل الـتـدبـر 
يقـده إلى أمر من الـغـي منـكـر 

وأصل العلم ورأسه وذروة سنامه العلم الشرعي، وإذا أطلق العلم فهو المراد بذلك، وغيره من العلوم لا بد من تخصيصه، فمشاورة العلماء دليل على العقل وبعد النظر، لأنهم الرءوس وغيرهم الذنب، قال الشاعر  ([228]).

الـعـلـم زيـن وتشريـف لصـاحـبـه 
كـم سيد بطــل آبـــاؤه نجـــب 

 

فاطـلب هديت فنـون العلم والأدبـا 
كـانوا الـرؤس فأمسـى بعـدهم ذنبا 

وقال الآخر يخاطب طالب العلم  ([229]).

فلعـل يومــا إن حـضرت بمجـلس 

 

كنـت الرئيس وفخـر ذاك المجلس 

3- التجربة:

روى البخاري في الأدب المفرد: لا حكيم إلا ذو تجربة  ([230]).

إن التجربة رصيد ضخم تصقل مواهب المرء، وتزيده خبرة وحنكة، ومن خلال تجربته يستطيع أن يقوم الأمور، ويزنها بميزانها من خلال ما مر به من تجارب وأحداث..

إن التجربة فرع عن العلم، وهي مدرسة عريقة، يتخرج منها عقلاء الرجال، وهي علم مكتسب، يفوق العلم الملقن أحيانا..

والعلم الشامل هو الذي يجمع بين التلقي والتجربة والاكتساب،..

واستشارة قليل التجربة كاستشارة الجاهل، لها آثارها وسلبياتها، ولذا قال الشاعر  ([231]).

ولا تستشر في الأمر غير مجرب
 

 

لأمثـالـه  ([232]) أو حازم متبصر
 

وقال الآخر:

ألـم تـر أن العقـل زيـن لأهـله 

 

ولـكن تمام العقـل طول التجـارب 

4- الأمانة والكتمان

روى أهل السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المستشار مؤتمن"  ([233]).

والأمانة فرع عن التقوى والورع، وأفردتها لأهميتها وأثرها في الشورى..

والكتمان أمانة، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان "  ([234]).

ولذا فمن المهم أن نبحث عن الأمين الكتوم لنفضي له بأمورنا، وأخص شئوننا. إنه لا يستشار إلا في أمر ذي بال، له ما بعده، والأمانة في مثل هذا الأمر لها مكانتها من عدة وجوه أهمها:.

1- أن يكون أمينا في مشورته، حيث يعطيك الرأي الصادق، غير خائن ولا مستهتر..

2- أن يكتم عنك ما استشرته فيه، إلا إذا أذنت له في ذلك.

ومن القصص التي تروى في هذا الجانب قصة شريح القاضي مع ابنه، حيث كانت بين الابن ورجل خصومة، فجاء الابن يستشير والده في مقاضاة ذلك الرجل، ويسأل والده: هل الحق لي فأقاضيه؟ وإن لم يكن لي صالحته!! فقال له والده: أرى أن تقاضيه، فلما تقاضيا عند شريح حكم على ابنه، وأثبت الحق للرجل.

وعندما سأله ابنه: كيف ذاك وقد أشرت علي بمقاضاته؟ قال له: إني خشيت أن يضيع حق ذلك الرجل..

*و الحق أن شريحا كان ناصحا لابنه، فضلا عن نصحه لذلك الرجل، لأن أخذ الحق في الدنيا أهون من أخذه في الآخرة.

ويقابل هذه القصة قصة أخرى حدثت منذ سنوات قريبة، حيث عزم أحد الناس على إقامة مشروع تجاري في منطقة من المناطق، وكان النظام لا يسمح بتعدد المشروع في منطقة واحدة، واختار منطقة ليس فيها مثيل لهذا المشروع، فذهب يستشير أحد التجار الذين أنشأوا مشروعا مماثلا في منطقة أخرى،..

فرحب به التاجر، وطلب منه أوراق المشروع ليبدي ملحوظاته عليها، على أن يراجعه بعد عدة أيام، ففرح هذا الرجل، وسلمه أوراق المشروع. فذهب التاجر من الغد إلى الجهات المعنية، وسجل المشروع باسمه.

وبعد عدة أيام جاءه صاحب المشروع فأعطاه أوراقه، وقد كتب عليها ملحوظاته، فشكره الرجل وانصرف. وعندما ذهب للجهة المعنية لتسجيل المشروع فوجئ أن المشروع مسجل، ومن قِبَل من؟ سجله هذا التاجر الذي ائتمنه واستشاره، ولم يكن أمينا!! فإذا كانت الأمانة مطلوبة في أمور الدنيا، فإنها في أمور الدين والدعوة آكد وأهم، وقليل ما هم..

  5- العقل والرزانة وسداد الرأي:

العقل زينة الرجال، وما أوتي الإنسان بعد الإسلام والعلم خيرا من العقل..

والعقل يكسو المرء مهابة وجلالا. وسداد الرأي دليل على الرزانة والعقل، قال الشاعر  ([235]).

لولا العقول لكـان أدنـى ضيغم 
ولـربـما طعـن الفتى أقـرانـه 

 

أدنــى إلـى شرف من الإنـسـان 
بـالـرأي قبـل تطاعن الأقـران 

وقال الآخر  ([236]).

العقل حلـة فخــر مـن تسـربـلهـا 
والعقــل أفضـل مـا في الناس كلهم 

 

كـانـت لـه نسـبـا تغـنى عن النسب 
بالعقل ينجـو الفتى من حومة الطلب 

ومنـزلة العقل كبيرة، ولذلك وردت الآيات الكثيرة تنعي على الذين لم يؤمنوا، وتسمهم بأنهم لا يعقلون (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)([237]) [سورة البقرة الآية: 44] (أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)([238]) [ سورة الأنبياء، الآية: 67] (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)([239]) [ سورة البقرة، الآية: 171 ] والآيات في هذا كثيرة جدا.. وخلاصة القول:

إن من أهم صفات المستشار وسماته أن يكون عاقلا رزينا، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم، فهل تريد أن تشارك في عقل ضعيف، أو عقل رزين مكتمل؟! وصدق الشاعر  ([240]).

وإن باب أمر عليـك الـتـوى 

 

فشــاور لبيبــا ولا تعصـه 

وقال الآخر  ([241]).

وعـقـل ذي الحـزم مرآة الأمـور بها 

 

يــرى الحـقــائق والمجـهول مجـهول 

6- التخصص:

مما تجدر العناية به أن يكون المستشار متخصصا في الأمر المتشاور فيه، إذا كان هذا الأمر مما يقتضي التخصص  ([242]).

*وذلك لأن الاستشارة نوع من الاستفتاء، والله- جل وعلا- يقول: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([243]) [ سورة النحل، الآية: 43. ].

وقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين في قضية ثمار المدينة..

واستشار عمر- رضي الله عنه- حفصة- رضي الله عنها- في مقدار صبر المرأة عن زوجها، وأخذ بقولها..

والتخصص وإن كان فرعا عن العلم، ولكنه أخص منه. ولا يلزم أن يكون مقياس التخصص هو الحصول على شهادة متخصصة، بل إن من تفرغ لشيء فقد تخصص فيه، فالبناء متخصص في البناء، والمزارع متخصص في الزراعة، وهكذا..

  7- المعايشة للقضية المطروحة والتفاعل معها:

هناك من الناس من يتصف بعدم الإحساس واللامبالاة، وقد تأتي قضية تشغل بال الكثيرين، وتجد التفاعل معها من قطاع كبير من الناس، بينما هناك آخرون كأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد. ومثل هذا النوع من الناس لا يصلح للاستشارة في مثل هذه القضايا العامة.

إن معايشة القضية والتفاعل معها جزء من تصورها وإدراك أبعادها، وهذا من لوازم إبداء الرأي فيها..

إن كون المستشار يعيش في واد والمستشير يعيش في واد آخر قدح في الاستشارة، وضعف في الرأي..

أما القضايا الفردية الخاصة، فالأمر أوسع من ذلك، ولا يلزم فيها ما يلزم في غيرها، لأننا لا نستطيع أن نلزم الناس أن يعيشوا قضايانا الخاصة، وشئوننا الفردية..

  8- الجدية والحزم:

الجدية والحزم من سمات الرجال، والجدية في الرأي فرع عن الجدية العامة للإنسان، فإذا كان جادا في جميع شئونه وأحواله، فإنه سيكون جادا حازما في رأيه ومشورته، وإذا كان عابثا لاهيا متهاونا، فلا تعجب من اعوجاج رأيه وضعف مشورته:.

من يهن يسهل الهوان عليه
 

 

ما لجرح بميت إيـلام  ([244])
 

ولذلك فعلى المستشير أن يكون عارفا بمن يستشير، حتى لا يؤتى على حين غرة:

ولا تستشر في الأمر غير مجرب
 

 

لأمـثـالـه أو حازم متـبصر  ([245])
 

وقال الآخر  ([246])

ولا تعـاشـر سـوى حزم أخـا ثقـة 

 

واربـأ بنفسك أن ترعى مع الهمـل 

وقال الثالث  ([247])

ولا تستشـر غـير ندب حازم يقظ 

 

قد اسـتـوى فيـه إسرار وإعلان 

وبعد:

هذه أهم الصفات التي يجب أن تتوافر في المستشار، وقد لا تجتمع كلها في فرد واحد، بل قد يندر ذلك، ويتم التغلب على هذا الأمر بتعدد المستشارين، بحيث تجتمع هذه الصفات في مجموعهم، وإن لم تتوافر في آحادهم.

مع أن بعض الأمور لا يلزم أن تتوافر لها جميع هذه الصفات، بل إن وجود أغلبها كاف لإنجاح الأمر المتشاور فيه، والوصول إلى الرأي الناضج والقول السديد، وبعض هذه الصفات يكمل بعضا، بحيث لو تخلفت صفة كفت عنها الأخرى.

مع الإشارة إلى أن الأمور المتشاور فيها ليست كلها على درجة واحدة من الأهمية والتأثير، ولذا يجب إنـزال الأمور منازلها، وعدم تضخيم قضية على حساب قضايا أخرى، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، وخير الأمور أوسطها.

 

ثانيا: ما يجب على المستشار:

وهي الأمور التي تجب مراعاتها من قِبَل من يستشار في أمر من الأمور، حيث إن المستشير ما لجأ إلى المستشار إلا ثقة فيه، ورغبة في مساعدته على أمر أشكل عليه، وحرصا على مشاركته له في علمه وعقله وبعد نظره، فيجب أن يكون عند حسن ظنه. ولذلك فإن هناك أمورا يجب أن يعنى بها من يستشار قبل المشورة وأثناءها وبعدها، وأجملها فيما يلي:

1- الصدق في الرأي ومحض النصح والتجرد: إن على المستشار أن يكون صادقا في مشورته، مخلصا في نصيحته، متجردا عن الهوى والأغراض الصارفة عن قول الحق.

ومن الصدق في الرأي أن يقول له ما يعتقد أنه الحق، ولا يجامله في ذلك، فإن بعض المستشارين يقول للمستشير ما يحب لا ما يجب، وبخاصة إذا كان ذا منصب أو مكانة، وهذا من الخيانة والغش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من غشنا فليس منا "  ([248]).

والغش أنواعه كثيرة جدا، ومن أسوأ أنواع الغش: الغش في الرأي، وصديقك من صدَقك لا من صدّقك؛ وإذا وجد المستشار أنه يصعب عليه أن يقول رأيه الصريح في المسألة فليعتذر، فهو خير له وللمستشير.

2- التأني وعدم التسرع: مما يجب على المستشار ألا يتعجل الرأي، وعليه بالتأمل، وطول التفكير، وتقليب الأمور على جميع وجوهها، حتى يتضح له الحق، ويتبين الصواب. إن العجلة من الشيطان، وما ندم من تأنى وصبر:

اصبر قليلا وكن بالله معتصما
 

 

لا تعجلن فإن العجز بالعجل  ([249])
 

وقال الآخر  ([250]).

تـأن ولا تضــق للأمــر ذرعـا 
تــأن فحيثمــا المـرء تـأنـى 

 

فكـم بالـنجـح يظفـر من تأنـى 
ينـل نجـحــا ويـدرك ما تمنـى 

والتـأني مسألة نسبية، تختلف من أمر لآخر، فبعض الأمور تحتاج إلى الأيام والليالي، وأخرى يكفيها ساعات، وقد تكون أقل من ذلك. والمهم هو أن يبتعد عن العجلة القادحة، وألا ينطق برأيه إلا بعد تقليب الأمور على جميع الوجوه والاحتمالات، وما أحسن ما قال الشاعر  ([251])

ومن الرجـال إذا اسـتوت أخـلاقهـم 
حـتى يحــل بكــل واد قلبــه 

 

من يستشـار إذا استشـير فيطـرق 
فـيرى ويعـرف ما يقـول فينطـق 

إن بعض الناس يعطي الرأي قبل أن ينتهي المستشير من كلامه، وهذا مع أن فيه سوء أدب، فهو يدل على العجلة، والخفة، وضعف الرأي، وليس كما يتصور البعض ذكاء وسرعة بديهة، فاحذر أن تكون "بادي الرأي".

3- تصور الأمر على حقيقته: وهذا يستلزم مناقشة المستشير واستيضاحه، وعدم الاكتفاء بما يقول، إلا إذا بين لك أنه لم يخف شيئا، أو علمت ذلك بالقرائن والشواهد.

وقد بينت أن من الواجب على المستشير أن يوضح الأمر على حقيقته، وعدم الاقتصار على جزء منه، ولكن بعض المستشيرين لا يفعل، ذلك لأسباب تختلف من فرد لآخر.

ومن هنا فإن على المستشار أن ينتبه لهذه المسألة، وأن يستوضح الأمر، ويعرف القضية من جميع جوانبها وملابساتها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والرأي حكم قاطع له ما بعده. ولقد رأينا بعض الآراء تنسب لبعض الأفراد مما تكون محل استغراب وتعجب!! فإذا سئل عن هذا الرأي بين لك أنه لم يصور له الأمر كما ظهر، وإنما أعطي جزءا من الموضوع فأبدى رأيه فيه، ثم اتضح أن القضية خلاف ذلك.

4- الأمانة والكتمان: ذكرت أن من صفات المستشار الكتمان والأمانة، وهذا الأمر ذكرته هناك من أجل مراعاته من قبل المستشير، وهنا أذكر هذا الأمر لأهميته، ومن أجل مراعاته من قبل المستشار، فالمستشار مؤتمن، كما ورد في الحديث الذي رواه أهل السنن  ([252])

* وكما أنه يجب على المستشير أن يكتم رأي من استشار إلا إذا أذن له، فكذلك يجب على المستشار أن يكتم الأمر المتشاور فيه إلا إذا أذن له المستشير:

والسر فاكتمه ولا تنطق به
 

 

فهو الأسير لديـك إذ لا ينشب  ([253])
 

والأمانة أعم من الكتمان، فكل ما يتعلق بها يجب مراعاته والأخذ به؛ لأن المستشار مؤتمن..

5- الاستشارة: ومما تجدر الإشارة إليه، أن على المستشار إذا استشير في أمر ذي أهمية، ولم يتضح له الأمر فيه، وكان يعرف من الرجال من له قدرة على إبداء الرأي في هذا الأمر المهم، وقد لا يتمكن المستشير من الوصول إليهم، فإنه يحسن أن يستأذن صاحب الأمر في استشارة من يراه من هؤلاء، فإذا أذن له استشار من يتوسم فيه القدرة على تقدير الأمر، وإبداء الرأي فيه  ([254])مع الحرص على مراعاة الضوابط والشروط التي سبق ذكرها. وأرى أن يقتصر مثل هذا الأمر على الموضوعات والقضايا التي لها أهميتها وتأثيرها، مع أمن عدم حدوث سلبيات من جراء ذلك.

  الركن الثالث: الأمر المتشاور فيه:

وهذا من الأهمية بمكان، وقد غلط في هذا الباب أناس كثيرون، حتى وصل الأمر عند بعض القوم إلى التشاور في شريعة الله أتطبق أم لا؟! وإن كانت هذه الشورى ليست من الإسلام في شيء، وإن زعم أصحابها خلاف ذلك!!

ويمكن أن نحدد الأمر المتشاور فيه بالضوابط التالية:

1- لا يجوز التشاور في أمر فيه نص من كتاب أو سنة، قال الله- تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)([255]) [ سورة الأحزاب، الآية: 36 ] والتشاور نوع من الخيرة المنفية هنا.

وقال الإمام البخاري: "وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء أهل العلم في الأمور المباحة، ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب والسنة لم يتعدوه إلى غيره"  ([256]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده، وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينـزل فيه وحي"  ([257]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- أيضا-: "وإذا استشارهم، فإن بيّن له بعضهم ما يجب اتباعه من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين، فعليه اتباع ذلك، ولا طاعة لأحد في خلاف ذلك، وإن كان عظيما في الدين والدنيا. قال الله- تعالى -: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)([258])([259]) [ سورة النساء، الآية: 59. ].

* وقال البخاري- أيضا-: "فإذا عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله؛ لأنها قد صارت مسألة نص، ومسألة مشروعية لا شورى فيها"  ([260]).

* ويدخل في هذا الواجب والمحرم والمندوب والمكروه، لأنها أمور مشروعة، قال الدكتور مصطفى كمال وصفي: "وذلك لأن الواجب واجب بحكم شرعي، وكذا المندوب أو الحرام أو المكروه، كل ذلك حكمه بدليل شرعي، فيكون اتباعه مسألة مشروعة، وهذه المسائل يجب تطبيق الشرع فيها"  ([261]).

2- لا يجوز التشاور في الأمور الاجتهادية الفقهية، إلا إذا كان بحث المسألة علميا من قِبَل أهل الاختصاص يعتبر تشاورا، وبعض أهل العلم لا يعده من قبيل التشاور..

قال الدكتور مصطفى وصفي: "وأما المسائل الشرعية التي فيها نص، أو التي يطبق فيها النص بالقياس، أو فيها إجماع عند من قالوا به، أو تحقق مصلحة شرعية، أو درء مفسدة  ([262]) فهذه تتم بطريق الاستدلال الشرعي، والاجتهاد المقرر في أصول الفقه على درجة الدقة، وليس على وجه الشورى بسعتها، وحرية التقدير فيها." والاجتهاد ليس شورى، وشتان بين الأمرين ([263]). وقال: "ولا تكون من المباحات التي تجري فيها المشورة لدى خفاء الضرر والمصلحة فيها، لأن استيضاح المصلحة هو اجتهاد، يجب أن يجري بطرق الاجتهاد الشرعية"  ([264]). وهذه المسألة خلافية بين العلماء. قال الدكتور مصطفى وصفي: "ومع ذلك فقد جرى البعض على التوسع، واعتبار المداولة في الاجتهاد شورى، ثم قال: وما تحرجنا إلا للحرص على مجال تطبيق قواعد الاستدلال، والاجتهاد في مجالها، وإخضاع أمور المشروعية لأحوال الاجتهاد، ضبطا لتطبيق الشريعة"  ([265]).

وأقول: لا شك أن تداول المسألة بين العلماء المجتهدين للوصول إلى الحكم الشرعي نوع من الشورى، ولكنه من الشورى المقيدة، أو الشورى الخاصة، وليست من الشورى التي عنيتها في هذا البحث، وهي الشورى التي أعم من ذلك، ولا مشاحة في الاصطلاح.

3- ومن خلال ما سبق فإن الشورى تكون في الأمور المباحة، التي يستوي فيها طرفا الحكم، فلا هي واجبة أو مندوبة، ولا هي حرام أو مكروهة. قال الإمام البخاري: وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها  ([266]).

* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد قيل: إن الله- تعالى- أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم ليستخرج منهم الرأي فيما لم ينـزل فيه وحي، من أمر الحروب، والأمور الجزئية، وغير ذلك"  ([267]).

  • وقال: "وإن كان أمرا تنازع فيه المسلمون، فينبغي أن يستخرج من كل منهم رأيه، ووجه رأيه، فأي الآراء كان أشبه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عمل به"  ([268]).
  • والخلاصة:

إن الشورى تكون في الأمور العامة، والأمور المستجدة، مما لا يدخل تحت ما أشير إليه سابقا من الأمور الشرعية التي لا شورى فيها.

ومن ذلك: الوسائل المباحة، والأساليب المتاحة، ولكل أمر ضوابطه التي تلائمه. والله أعلم.

معالم في الشورى:

بينت فيما مضى الأبواب الرئيسية في الاستشارة، وهناك مسائل مهمة لم ترد فيما سبق، ولا بد من بيانها استكمالا للموضوع، وحيث إنها ليست في موضوع واحد من موضوعات الشورى، فقد جعلت لها عنوانا خاصا أسميته: معالم في الشورى.

1- النصيحة بينها وبين الشورى عموم وخصوص، وذلك أن بعض أنواع النصيحة من المشورة، حيث إن النصيحة قد تكون من باب التذكير لأمر يعلمه الإنسان، كتذكير الإنسان بالله، ونهيه عن المحرمات- مع علمه بها- ونحو ذلك.

وقد تكون من باب التعليم، كبيان الحلال من الحرام لرجل قد وقع في الحرام وهو لا يعلم، فإن هذا من التعليم، وهو نصح له.

ومن النصح أن تدل إنسانا على أمر فيه نجاة له، وقد خفي عليه هذا الأمر، فهذه نصيحة ومشورة. وقد وردت النصيحة في القرآن والسنة، فنوح -عليه السلام- يقول لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ)([269]) [ سورة الأعراف، الآية: 62 ] وهود -عليه السلام- يقول: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)([270]) [ سورة الأعراف، الآية: 68 ] إلى غير ذلك من الآيات. وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو رقية تميم بن أوس الداري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "  ([271]).

وفي الحديث الصحيح- أيضا- قال الصحابي الجليل: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وعلى النصح لكل مسلم"  ([272])..

ومن خلال ما سبق تتضح أهمية النصيحة ومشروعيتها، ومن النصيحة التي وردت في القرآن، وهي من المشورة الصادقة، نصيحة الرجل من آل فرعون لموسى -عليه السلام-،فبعد أن أخبره أن الملأ يتشاورون في قتله، نصحه وأشار عليه بالخروج: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)([273]) [ سورة القصص، الآية:20. ] وقد أخذ موسى بنصيحته ومشورته. (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)([274]) [ سورة القصص، الآية: 21 ] ونجد مقابل ذلك النصيحة الكاذبة والمشورة الموبقة، عندما أشار إبليس على أبينا آدم -عليه السلام- أن يأكل هو وزوجته من الشجرة، وعندما رأى منهما عدم الاستجابة الفورية لمشورته أقسم لهما -كاذبا- إنه ناصح لهما )وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ)([275]) [سورة الأعراف، الآيتان: 21، 22. ].

وبهذا يتضح لنا أن من أنواع النصيحة وأقسامها: أن تشير على إنسان في أمر من الأمور التي ترى فيه خيرا له، ولو لم يطلب منك أن تشير عليه، فإن هذا من باب النصح له، والشفقة عليه، وهو داخل في باب التعاون على البر والتقوى.

ومثل ذلك ما أشار به الحباب بن المنذر في بدر، فعندما نـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر قبل الماء، جاءه الحباب فقال له:

أرأيت هذا المنـزل، أمنـزلا أنـزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنـزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فننـزله، ثم تغور ما وراءه من القليب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أشرت بالرأي "  ([276]).

  من أشير عليه بأمر أن يتقي الله فيما يقال له

2- إذا أشار عليك إنسان برأي - وأنت لم تستشره- ورأيت فيه خيرا، فخد بمشورته ونصحه، كما فعل موسى -عليه السلام-.

وإن كنت عزمت على أمر، فأشير عليك بخير منه، فدع رأيك، وأتِ الذي هو خير، فقد كتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رسالة لعبد الله بن قيس- رضي الله عنه- قال فيها:

لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس، فراجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.

*الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس من كتاب ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق فيما ترى  ([277]).

إن بعض الناس يصعب عليه أن يتراجع عن رأيه، وقد يعتبر ذلك ضعفا ومسبة، وليس هذا الأمر بصحيح، وما قاله عمر- رضي الله عنه- ومن مثل عمر في القوة وسداد الرأي- عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه وقد وافقه القرآن أو وافق القرآن قبل نـزوله مرارا، وما قاله عمر عين الحكمة والبصيرة، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير "  ([278]).

واليمين عزيمة وقسم، ومع ذلك أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى الأفضل حتى لو لم يكن باطلا، فكيف إذا كان الأمر دائرا بين الحق والباطل. وهذه مسألة ضل فيها كثير من الناس.

فعلى المرء إذا أشير عليه بأمر أن يتقي الله فيما يقال له، ولا يأخذه الكبر، ولا يحقرن أحـدا، فإن الهدهد قال لسليمان -عليه السلام-: " أحطت بما لم تحط به ". سورة النمل، الآية: 22. وقد سمع منه سليمان، وأخذ بما قال، كما في سورة النمل.

والشاعر يقول:

لا تحقـر الـرأي يأتيـك الحقـير به
 

 

فالنحـل وهـو ذبـاب طائر العسل  ([279])
 

ولا تغرنك الأشكال والأجسام. واقرأ هذه الدرر:

ترى الـرجـل النحيف فتـزدريه 
ويعجـبـك الـطريــر فتبتليـه 
فما عظم الـرجـال لهم بفـخـر 
ضعــاف الـطير أطـولها جسوما 

 

وفـي أثـوابــه أســد هصــور 
فيخـلف ظنــك الـرجــل الطـرير 
ولـكــن فخــرهـم كـرم وخـير 
ولـم تطـل البــزاة ولـا الصقــور 

3- الاختلاف من طبيعة البشر. ويجب ألا نضيق بالخلاف، وما جاءت الشورى إلا معالجة لهذا الأمر، ومن تصور أن اختلاف المدارك والأفهام يمكن أن يزول فقد تطلب شططا، وتبعا لذلك حدث الاختلاف في أمور كثيرة. (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)([280]) [ سورة هود، الآيتان: 118،119] والمهم في مسألة التشاور أن تلتزم بآداب الشورى وضوابطها، وما يتوصل إليه بعد ذلك فهو خير، سواء اتفق الجميع على القضية المطروحة أم اختلفوا، وأخذ بأرجح الآراء وأرشدها وأقربها للحق.

*وقد اختلف الصحابة -وهم خير القرون- في أمور كثيرة، ولكن هذا الاختلاف لم يخرجهم عن المنهج السوي والطريق القويم.

 

  4- هل الشورى ملزمة أو معلمة

اختلف العلماء في هذه المسألة قديما وحديثا، وقد احتج كل فريق ببعض الأدلة العامة.

وبما أن هذه القضية ليست من أسس هذا البحث، فلن أقف عندها، لأن بسطها يحتاج إلى تأصيل ومناقشة ليس هذا مكانها.

وهي من مسائل الاجتها د التي لم يرد فيها نص قاطع، ولم يجمع المسلمون على قول فيها، فهي مما يسوغ الاختلاف فيه، وقد يتفق قوم على أنها معلمة، وآخرون على أنها ملزمة، وقد يختلف الحكم من حال إلى حال، ومن بلد إلى بلد، ومن عصر إلى عصر، تبعا لاختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان، ومراعاة للمصالح والمفاسد، وفق الضوابط الشرعية التي حررها العلماء وحدودها.

  5- استشارة المرأة

المرأة لها مكانتها في الإسلام، ولها منـزلتها التي شرعها الله لها.

واستشارة المرأة منهج شرعي في حدود اختصاصها وقدرتها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستشير أزواجه، فقد استشار خديجة في مكة، وكانت نعم المعين له، وهي التي دلته بل وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل  ([281]).

واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش في قضية الإفك حيث سألها عن عائشة فلم تقل إلا خيرا ([282]).

واستشار أم سلمة في الحديبية عندما أمر الصحابة بالإحلال فلم يفعلوا، فأشارت عليه بأن يخرج ولا يكلم أحدا، وينحر ثم يحلق فسيفعلون، وهكذا كان، حيث كان رأيها السديد مخرجا من مشكلة أهمت رسول الله صلى الله عليه وسلم  ([283]).

وعمر- رضي الله عنه- استشار حفصة، وأخذ برأيها في قضية صبر المرأة عن زوجها  ([284]).

وأشارت عليه في قضية الاستخلا ف، وسمع منها  ([285]).

ورأي المرأة أحيانا قد يكون خيرا من رأي بعض الرجال، ومن أقوى الأدلة على ذلك رأي ملكة سبأ- بلقيس-، قال الحسن- يرحمه الله-: فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم، وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه، وما سخر له من الجن والإنس والطير  ([286]).

ولذا يحسن استشارة المرأة في حدود اختصاصها، وبخاصة فيما يتعلق بشئون المرأة، في الدعوة وغيرها، وهذا لا يمنع من استشارتها في بعض المسائل العامة استشارة فردية، وفق الضوابط الشرعية، ودون توسع في ذلك، وفي حدود الحاجة إليها.

  6- استشارة الكافر:

استشارة الكافر مسألة مهمة، وقد توسع كثير من المسلمين في هذا الباب، حيث تجد أن كثيرا من المستشارين في بعض شئون المسلمين المالية والاقتصادية والسياسية بل والعسكرية من الكفار.

وأغرب من ذلك أنك تجد من الكفار من يستشار في الأمور الاجتماعية الخاصة، التي لا شأن لهم بها، ولا علم لهم فيها، لاختلاف الدين والبيئة والطبيعة. وهناك من يمنع هذا الأمر بتاتا، من باب سد الذرائع، ويقول: "إن استشارة الكافر فرع عن الاستعانة به"، وكلام العلماء في ذلك معروف  ([287]).

*و الذي أعلمه أنه لا تجوز استشارة الكافر إلا ضمن الضوابط التالية:

1- أن تكون هناك حاجة ماسة إليه، بحيث لا يتيسر من المسلمين من يقوم مقامه.

2- أن يؤمن ضرره على المسلمين.

3- أن يكون ذلك في مسائل الدنيا لا الدين.

وقد توصلت إلى هذه الضوابط من خلال دراستي لكلام العلماء في حكم الاستعانة بالكفار، والضوابط التي ذكرها المجيزون لذلك  ([288]).

*وكذلك كلام العلماء في حكم الزواج من الكتابيات، والشروط التي ذكرت في هذا الباب  ([289]).

وأؤكد أن الأصل الاستغناء عنهم، وعدم اللجوء إليهم، ولكل حالة ما يناسبها.

  7- موضوع الأقلية والأكثرية في الشورى:

يختلف هذا الأمر من قضية لأخرى، فهناك قضايا لا عبرة للأقلية والأكثرية فيها، وإنما العبرة بأصالة الرأي، ولو كان المشير واحدا:

أصالـة الـرأي صانـتني عن الخطل 

 

وحـليـة الفضل زانتني لدى العطل 

*ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقصر الشورى على أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- لقوة رأييهما.

*وكما استشار السعدين دون غيرهما في ثمار المدينة. وأبو بكر- رضي الله عنه- كان يقصر الشورى على عمر أحيانا. وعمر- رضي الله عنه- كان يستشير عليا أو ابن عباس- رضي الله عنهم- دون أن يوسع دائرة الشورى.

وأحيانا تكون الأكثرية معتبرة -مع عدم إغفال نوعية المستشارين- وذلك يرجع لعدة أمور، كأن يكون الأمر من الأهمية بما لا يكفي فيه رأي الفرد والفردين والثلاثة.

وأحيانا يكون ذلك لمراعاة حال المستشارين، كتأليف قلوبهم، ونحو ذلك من الاعتبارات الشرعية المطلوبة.

وكان صلى الله عليه وسلم يستشير الأنصار فقط، وأحيانا المهاجرين، وقد يستشير المهاجرين والأنصار، لمقاصد شرعية يعلمها صلى الله عليه وسلم. وكان أبو بكر يستشير كبار الصحابة، وقد يحصر هذا في عدة أفراد، وأحيانا يوسع ذلك لتشمل عددا كبيرا منهم، كما في حروب الردة وغيرها.

*و عمر قد يقصر الشورى على أهل بدر، وقد يتوسع في ذلك لتشمل المهاجرين والأنصار وغيرهم. ونجد مثل ذلك في سيرة عثمان وعلي- رضي الله عنهم أجمعين-.

وعلى كل الأحوال فليست العبرة بالقلة والكثرة وحدها، وإنما العبرة- أيضا- بالكيفية، فسواء قل العدد أو كثر في ضوء الاعتبارات التي أشرت إليها سابقا، فإن توافر الصفات المطلوبة في المستشار هي الأساس، بحيث تتوافر هذه الصفات في آحادهم أو في مجموعهم كما سبق، والمستشير يجب أن يعنى بهذه المسألة عناية خاصة، ولا ينخدع بكثرة الناس وجمهورهم، فالله- جل وعلا- يقول: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)([290]) [ سورة الأنعام، الآية: 116. ] وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الناس كالإبل المائلة لا تجد فيها راحلة "  ([291]).

ويقول الشاعر  ([292]) :

والنـاس ألــف منهـم كواحـد 

 

وواحـد كالألـف إن أمر عنـى 

وهذه قضية مهمة، ومسألة تغيب عن بال الكثيرين، فاظفر بها تربت يداك.

  8- وسائل الاستشار ة وأخذ الرأي متعددة ومتنوعة، وليست مقصورة على وسيلة واحدة.

*فمن وسائلها الاستشارة المباشرة، وقد تكون لفرد أو جماعة، منفردين أو مجتمعين.

ومن صورها الرسائل والمكاتبات لذوي الرأي.

ومن وسائلها- أيضا- الاستبانات العلمية المدروسة.

وتتعدد الوسائل وتختلف باختلاف الزمان والمكان، ويراعى في ذلك أمور عدة، كالأمر المتشاور فيه، ونوعيات المستشارين، وتخصصاتهم، وأماكن وجودهم، إلى غير ذلك من الاعتبارات المرعية.

وليست العبرة بالوسيلة، وإنما العبرة بالمضمون، فكل وسيلة مشروعة تؤدي إلى تحقيق الغرض، فيمكن استخدامها، والمهم هو مراعاة الضوابط الشرعية في الوسائل والغايات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

  9- رأي العامة:

هناك قضية تتعلق بالشورى في أحد جوانبها، وهي ما يمكن أن نسميه: برأي العامة، أو الجمهور.

وذلك أن بعض الدعاة قد يتخذ موقفا تكون نتائجه سلبية، مما يستغرب مثله من مثله. وإذا سألت هذا الداعية كيف اتخذت هذا الموقف؟ وهل استشرت في ذلك؟ وهل كان موقفك هذا عن دراسة وروية؟! وتفاجأ أن الجواب كما يلي:

إن الناس هم الذين طلبوا مني ذلك، ومن الناس؟ إنهم جمهور ذلك الداعية، أو خليط من الناس، اتصلوا بهذا الداعية مباشرة، أو عبر وسائل الاتصال المتعددة، واقترحوا عليه هذا العمل، بل قد لا يخلوا الأمر من الإلحاح أو الإحراج، مما يجعل الداعية تحت ضغط خاص من هذا الجمهور، ورويدا رويدا يستجيب الداعية لإلحاحهم، ويخضع لمطلبهم.

وقد شغلني هذا الموضوع طويلا، وبخاصة أن بعض الدعاة لا يدرك خطورة هذا الأمر وأبعاده.

وعندما جاءت "أزمة الخليج" فوجئنا أن بعض المحسوبين على الدعوة يتخذون مواقف تؤيد العراق في غزوه للكويت، وهؤلاء وإن كانوا قلة- والحمد لله- ولكن مواقفهم كانت محل استغراب جمهور الدعاة وطلبة العلم.

وكانت المفاجأة أشد وقعا، عندما صرح أحدهم أنه اتخذ هذا الموقف استجابة لرأي الجمهور من أتباعه، وخضوعا لمشورته.

وإبان اهتمامي بهذه المسألة والبحث في شرعيتها، نشرت جريدة (المسلمون) موقفا للدكتور جعفر شيخ إدريس. وملخصه:

إن فضيلته ألقى محاضرة في رابطة الطلاب العرب في أمريكا عن أحداث الخليج، ويبدو أن رأيه في الأحداث لم يعجب عددا من الحاضرين، فقاطعوه واحتجوا على موقفه  ([293]) فأجابهم فضيلته بهدوئه المعهود:

أنتم لا ترضون للعالم أن يكون عالم سلطة، وأنا لا أرضى لنفسي أن أكون عالما تسيره العامة.

وقد أعجبتني هذه الإجابة، ووجدت فيها ضالتي، وتدل على عمق تفكيره وبعد نظره.

*وبعد عدة أيام التقيت مع فضيلة شيخنا العلامة محمد بن عثيمين، وذكرت له إجابة الدكتور جعفر، وطلبت رأيه فيها.

فقال: إن ما ذكره الشيخ صحيح، وأنا أقول- الكلام للشيخ محمد- العلماء ثلاثة:

عالم دولة، وعالم عامة  ([294]) وعالم ملّة.

والعالم الحقيقي هو عالم الملّة، الذي ينطلق من الشرع في أقواله وأفعاله ومواقفه.

وهذه الإجابة من فضيلة الشيخ محمد إجابة عالم ملّة.

ومرت الأيام، وبدأت أعد بحثا في تفسير سورة الحجرات، وإذا بي أقف عند قوله- تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)([295]) [ سورة الحجرات، الآية: 7. ].

فقلت- سبحان الله- !! هذا ماكنا نبغ.

ورجعت إلى بعض كتب التفسير لأتبين مدلولها ومعناها بصورة أشمل، فإذا ابن كثير يقول: فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، لو أطاعكم فيما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم  ([296])..

بينما وجدت أن سيد قطب قد فسر الآية تفسيرا يدل على أن هذه الآية نص في القضية التي تحدثت عنها حيث قال:

ويبدو أنه كان من بعض المسلمين اندفاع عند الخبر الأول الذي نقله الوليد بن عقبة، وأشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعجل بعقابهم، وذلك حمية من هذا الفريق لدين الله، وغضبا لمنع الزكاة. وتنـزل هذه الآية، وفيها يخبرهم الله- تعالى- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أطاعهم فيما يعنّ لهم أنه خير لعنتوا، وشق عليهم الأمر  ([297]).

ومن خلال هذه الآية وتفسيرها يتضح الأمر، فإذا كانت طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض صحابته، وهم خير القرون، وأعدل الناس وأزكاهم، إذا كانت طاعته لهم، واستجابته لمشورتهم  ([298]) في كثير من الأمر تسبب لهم العنت والمشقة، فكيف بطاعة عامة الناس وجمهورهم في القرون المتأخرة، مع قلة العلم والتجربة والتقوى، فالله المستعان.

وبهذا يتضح خطورة هذا النوع من الشورى، لتخلف ضوابط الاستشارة التي سبقت، والأمر يحتاج إلى اعتدال وتوازن وحكمة، فلا يرد كل ما جاء من مثل هؤلاء، فهذا له سلبياته التي لا تخفى، ولا ينساق المرء معه دون روية وتبصر بالعواقب مما يخفى على مثل هؤلاء، فيحصل العنت والمشقة.

  10- آداب الاستشارة:

للاستشارة آداب يجب أن تراعى، من المشير والمستشير.

وقد أشرت إلى بعضها عند الحديث في أركان الشورى، كالأمانة، والكتمان، ونحو ذلك.

ومن الآدا ب التي تجدر الإشارة إليها هنا، احترام كل واحد منهما للآخر، ومن ذلك عدم تسفيه أي واحد منهما لصاحبه، سواء لشخصه أو لرأيه أو للأمر الذي يتشاور فيه.

ومن ذلك أن ينصت المستشار حتى يفرغ المستشير من عرض قضيته، وبعد ذلك ينصت المستشير للمشير حتى ينتهي من إبداء رأيه.

ومن الآداب التي يجب أن يراعيها المستشير أن يختار الوقت المناسب لعرض موضوعه، لأن لذلك تأثيرا على المستشار والأمر المتشاور فيه.

كما أن على المستشار أن يحسن عرض رأيه، وبخاصة إذا كان لذلك الرأي تأثير على نفسية المستشير، وعليه بالتدرج في الحديث حتى يصل إلى مقصوده دون أذى لصاحبه.

ولأضرب لذلك مثلا يوضح المراد:

لو أن شخصا جاءك واستشارك في الزواج من امرأة تعرفها، وأثناء عرضه لموضوعه عرفت مدى حبه للزواج منها، بل ورغبته الشديدة في ذلك، وكأنه ينتظر منك إشارة ليتقدم لخطبتها. ورأيت أن زواجه منها غير مناسب فيحسن ألا تفاجئه بهذا الرأي، بل عليك أن تختار الوقت والأسلوب المناسبين لإبلاغه برأيك، دون مجاملة أو كتمان..

واسلك مثل ذلك في أي قضية أخرى، ولكل حالة ما يناسبها.

  11- أختم هذه (المعالم) بهذه البصيرة، فأقول: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره عن فاطمة بنت قيس، حيث خطبها ثلاثة من الصحابة، فاستشارت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيمن تتزوج منهم، فقال لها: " أما معاوية فرجل ترب، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة بن زيد "  ([299]).

ففي هذا الحديث نجد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشار على هذه الصحابية بأن تنكح أسامة، وذكر لها سبب ذلك فيما يؤخذ على معاوية وأبي جهم.

وهنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصر في الحديث عن الرجلين بما يلزم لتوضيح الأمر المتشاور فيه، ولم يتعد ذلك بكلمة واحدة.

ومن الملحوظ أن البعض إذا استشير في أحد من الناس، أطلق لسانه في الحديث عنه بما له علاقة بالموضوع، وبما ليس له علاقة بذلك.

بل قد يتعدى الأمر إلى الحديث عن أهله مما لا يلزم ذكره، إذ لا ضرورة إلى ذلك لبيان الأمر المتشاور فيه.

وهذه المسألة تساهل فيها كثير من الناس، مع أنها من الغيبة المحرمة، وأعراض الناس مكفولة مصونة، لا تستحل إلا في نطاق ضيق حدده الشارع وبينه، في مسائل معدودة محددة  ([300]).

والشيطان له مداخل معروفة في مثل هذا الأمر، فيجب أن نكون على حذر، فكل كلمة مدونة على صاحبها (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)([301]) [ سورة ق، الآية: 18] (لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)([302]) [ سورة الكهف، الآية: 49] (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)([303]) [ سورة المجادلة، الآية: 6. ].

وجواز الحديث في أصل الموضوع لا يبيح الاسترسال فيه، ويجب أن تكون الإجابة بقدر الحاجة والضرورة. وهذه من المسائل الدقيقة، التي تخفى على بعض الناس، وتحتاج إلى تقوى وورع، يعصم صاحبه من الزلل والخطل.

 

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلي وأسلم على من أعطي جوامع الكلم، وآله وصحبه.. وبعد:

فأجد من المناسب أن أختم هذه الرسالة بكلمتين:

الكلمة الأولى: أوجهها إلى مشايخنا وعلمائنا وقرة أعيننا، أذكرهم فيها بالمسئولية الملقاة على عواتقهم تجاه هذه الأمة عموما، والصحوة خصوصا، فهم القدوة والقادة، فطلاب العلم عنهم يصدرون، والدعاة إياهم يقصدون، والشباب بهم يقتدون، والأمة تنتظر ماذا يقولون، وماذا يفعلون.

ومن هذا المنطلق فمسئوليتهم عظيمة، والأمانة ثقيلة جسيمة، ومن مقتضيات هذه المسئولية أن يفتحوا صدورهم وبيوتهم لطلاب العلم والدعاة ورواد الصحوة، يعلمونهم، ويوجهونهم، ويشيرون عليهم، ويستمعون إلى مشكلاتهم، وشئونهم وشجونهم، وعليهم أن يتحملوا بعض الهنات من بعضهم، فما جاءوهم إلا محبة وثقة وتقديرا. وقد يخطئ المرء ولو كان بصيرا!!

إن هذه البلاد تميزت بميزة لم أجد لها في بقية البلدان مثيلا، ولا نظيرا، ألا وهي قوة الصلة بين العلماء وطلاب العلم، وبين شباب الصحوة وجمهور الأمة، فكلمة العلماء هي الفصل، ومكانتهم هي الأصل، وأعراضهم دونها المهج والأرواح. والأمة بخير ما دامت هذه السمة والمكانة مرعية من جانب الوجود والعدم،.

* فمراعاتها من جانب الوجود بالقيام بحقوق هذه المسئولية تعليما وتوجيها وصدعا بالحق، ومراعاتها من جانب العدم بحمايتها من كيد الكائدين، وإغلاق الباب على الحاسدين والموتورين، من المنافقين والعلمانيين وأعداء هذا الدين.

الكلمة الثانية: أوجهها لإخواني طلاب العلم والدعاة، ولأحبائي شباب هذه اليقظة المباركة، وأوجزها فيما يلي:

1- أن تستمر صلتهم بالعلماء والمشايخ، وألا يسمعوا فيهم قول حاسد أو شانئ.

2- أن يستشيروا علماءهم، وعنهم يصدرون، ومن الحق الذي لديهم يغرفون، ومن بحور علمهم يرتوون، وأن يحذروا الاستغناء أو الاستعلاء، فهما مهلكان.

3- في الوقت الذي أؤكد فيه على وجوب استشارة العلماء -وما كتبت هذه الرسالة إلا من أجل ذلك- فإني أنبه إلى وجوب احترام العلماء، وتقدير ظروفهم، وعدم الإثقال عليهم، وذلك يقتضي الالتزام بآداب الاستشارة، وألا يستشاروا إلا في الأمور ذات البال والشأن، محافظة على أوقات العلماء، وتقديرا للأولويات، فإن الحكمة وضع الشيء في موضعه. وكذلك عليهم أن يختاروا الأوقات المناسبة، والأحوال الملائمة، وأن يحسنوا عرض ما لديهم، وبهذا نحقق معنى الحكمة ومدلولها، وهي: فعل ما ينبغي، كما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، فإذا عرفت فالزم.

أقول هذا لأنني ألحظ أن بعض المحبين لا يراعون هذه المعاني، مما يسبب إثقالا على العلماء، وإزعاجا للمشايخ، وآثار ذلك لا تخفي.

4- وأخيرا فعلى طلاب العلم أن يلتمسوا الأعذار لمشايخهم وعلمائهم، وألا يكون اعتذار العلماء سببا للصد عنهم، فضلا عن الوقيعة فيهم، فما اعتذروا إلا لعذر، فاحملوهم على أحسن المحامل، لتدوم المودة، وتقوى الصلة، وتتحقق القدوة، والله هو الموفق والمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] - سورة آل عمران آية: 102.

[2] - سورة النساء آية: 1.

[3] - سورة الأحزاب آية: 70-71.

[4] - سورة الأعراف آية: 110.

[5] - سورة النمل آية: 32.

[6] - سورة يوسف آية: 43.

[7] - سورة يوسف آية: 80.

[8] - رواه الترمذي "1714". وابن حبان "2872". ضعيف لانقطاعه كما في فتح الباري (5 / 393).

[9] - وهذا هو مدلول قوله -تعالى-: " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ". [سورة آل عمران، الآية: 159]. كما سيأتي -إن شاء الله-.

[10] - السياسة الشرعية ص158.

[11] - انظر: جواهر الأدب 2 / 431 والبيت لأبي بكر المقري.

[12] - سورة الشورى آية: 38.

[13] - انظر: مصنفة النظم الإسلامية ص246.

[14] - انظر: التحرير والتنوير 4 / 146.

[15] - انظر: زاد المسير 1 / 486، وانظر لكل ما سبق: لسان العرب مادة (شار).

[16] - سأذكر أقوال المفسرين حول الآيات دون شرح أو تعقيب إلا نادرا، ثم بعد انتهاء هذا المبحث سأذكر عدة مباحث مستمدة مما ذكر من أقوال المفسرين وغيرهم، في ضوء تلك الآيات.

[17] - سورة آل عمران آية: 159.

[18] - سورة آل عمران آية: 159.

[19] - سورة آل عمران آية: 159.

[20] - انظر لكل ما سبق: تفسير الطبري 4 / 152، 153.

[21] - رواه مسلم "2 / 1037، رقم 1421" وأبو داود "2098" والترمذي "1108" والنسائي "3260 - 3262، وابن ماجة "1870" عن ابن عباس.

[22] - المسألة خلافية بين العلماء، وانظر: ما قاله النووي في شرحه لهذا الحديث، في شرح صحيح مسلم، وغيره من كتب الفقه.

[23] - سورة آل عمران آية: 159.

[24] - سورة آل عمران آية: 159.

[25] - انظر: التحرير والتنوير 4 / 147.

[26] - سورة آل عمران آية: 159.

[27] - سورة آل عمران آية: 159.

[28] - انظر: في ظلال القرآن 1 / 501.

[29] - سورة الشورى آية: 38.

[30] - سورة الشورى آية: 38.

[31] - سورة الشورى آية: 38.

[32] - سورة الشورى آية: 38.

[33] - سورة الشورى آية: 38.

[34] - تفسير الطبري 25 / 37.

[35] - انظر: تفسير القرطبي 16 / 36.

[36] - سورة الشورى آية: 38.

[37] - سورة آل عمران آية: 159.

[38] - انظر: تفسير ابن كثير 4 / 118.

[39] - سورة الشورى آية: 38.

[40] - انظر: تفسير القاسمي 14 / 249.

[41] - سورة الشورى آية: 38.

[42] - في ظلال القرآن (5 / 3165).

[43] - سورة الشورى آية: 38.

[44] - انظر: ملامح الشورى في الدعوة الإسلامية ص45.

[45] - سورة البقرة آية: 233.

[46] - سورة الطلاق آية: 6.

[47] - انظر: تفسير الطبري 2 / 506.

[48] - سورة الطلاق آية: 6.

[49] - انظر:. تفسير ابن كثير 4 / 383.

[50] - انظر: في ظلال القرآن 1 / 254.

[51] - انظر: ملامح الشورى ص58.

[52] - سورة النور آية: 62.

[53] - انظر: تفسير ابن كثير 3 / 306.

[54] - سورة النور آية: 62.

[55] - سورة النور آية: 62.

[56] - انظر: تفسير الطبري 18 / 175.

[57] - انظر: في ظلال القرآن 4 / 2535.

[58] - سورة يوسف آية: 8-10.

[59] - سورة يوسف آية: 15.

[60] - سورة يوسف آية: 80.

[61] - سورة يوسف آية: 10.

[62] - انظر: تفسير الطبري 12 / 155.

[63] - انظر: تفسير ابن كثير 2 / 470.

[64] - سورة يوسف آية: 15.

[65] - انظر: تفسير الطبري 12 / 160.

[66] - انظر: تفسير ابن كثير 2 / 471.

[67] - سورة يوسف آية: 80.

[68] - سورة يوسف آية: 80.

[69] - انظر: زاد المسير 4 / 266.

[70] - سورة يوسف آية: 80.

[71] - انظر: تفسير الطبري 13 / 33.

[72] - سورة الأنفال آية: 44.

[73] - سورة يوسف آية: 76.

[74] - سورة النمل آية: 32.

[75] - سورة النمل آية: 32.

[76] - سورة النمل آية: 32.

[77] - انظر: تفسير الطبري 19 / 153.

[78] - سورة النمل آية: 32.

[79] - سورة النمل آية: 32.

[80] - انظر: زاد المسير 6 / 169.

[81] - سورة النمل آية: 32.

[82] - انظر: تفسير ابن كثير 3 / 362.

[83] - انظر: في ظلال القرآن 5 / 2639.

[84] - سورة النمل آية: 32.

[85] - انظر: في تفسير القاسمي 13 / 4665.

[86] - سورة الأعراف آية: 109-111.

[87] - سورة الشعراء آية: 34-36.

[88] - سورة الأعراف آية: 110.

[89] - انظر: تفسير الطبري 9 / 16.

[90] - انظر: زاد المسير 3 / 238.

[91] - سورة الأعراف آية: 111.

[92] - انظر. تفسير ابن كثير 2 / 236.

[93] - سورة الأنفال آية: 30.

[94] - انظر: تفسير الطبري 9 / 228.

[95] - انظر: تفسير الطبري 9 / 228.

[96] - انظر: تفسير الطبري 9 / 228.

[97] - انظر: زاد المسير 3 / 346.

[98] - سورة يوسف آية: 43.

[99] - سورة يوسف آية: 44.

[100] - سورة يوسف آية: 44.

[101] - انظر: زاد المسير 4 / 229.

[102] - انظر: زاد المسير 4 / 229.

[103] - سورة يوسف آية: 43.

[104] - انظر:- تفسير القاسمي 9 / 3545.

[105] - سورة الشعراء آية: 35.

[106] - سورة طه آية: 62.

[107] - سورة يوسف آية: 80.

[108] - سورة المجادلة آية: 9.

[109] - انظر: تفصيل ذلك في كتاب ملامح الشورى ص66.

[110] - سورة البقرة آية: 30.

[111] - انظر: التحرير والتنوير 1 / 400.

[112] - سورة آل عمران آية: 159.

[113] - سورة البقرة آية: 30.

[114] - انظر: تفسير التحرير والتنوير 4 / 150.

[115] - سورة الصافات آية: 102.

[116] - انظر: تفسير الطبري 23 / 79.

[117] - انظر: تفسير ابن كثير 4 / 15.

[118] - انظر: تفسير القاسمي 14 / 5050.

[119] - سورة الأحزاب آية: 36.

[120] - سورة آل عمران آية: 159.

[121] - انظر: فقه السيرة ص370.

[122] - انظر: في ظلال القرآن 1 / 501.

[123] - سورة الشورى آية: 38.

[124] - سورة النمل آية: 32.

[125] - سورة آل عمران آية: 159.

[126] - وبخاصة أنه ثبت أن رسول الله كان يستشير صحابته قبل ذلك، وأقرب مثال على ذلك استشارتهم في أحد، وقبلها في بدر.

[127] - سورة النساء آية: 136.

[128] - سبق تخريجه ص8.

[129] - رواه الترمذي "3680" وهو حديث ضعيف انظر ضعيف الجامع "5223".

[130] - رواه البخاري "7 / 26، رقم 3677"، ومسلم "4 / 1858، رقم 2389" كلاهما عن ابن عباس.

[131] - أخرجه البخاري (13 / 201، رقم "7198" -فتح-) والإمام أحمد (3 / 39 و88) والنسائي (4202) عن أيى سعيد الخدري رضي الله عنه.

[132] - سورة آل عمران آية: 159.

[133] - سورة الشورى آية: 38.

[134] - انظر: فقه السيرة ص91 و 128.

[135] - انظر: فقه السيرة ص170 و172.

[136] - خرج الألباني هذا الحديث، وأشار إلى رواياته وأسانيده، وبين درجة كل منها، والخلاصة صحة أصل الاستشارة -وهو ما يهمنا هنا- ومن أراد المزيد من التفصيل فليرجع إلى فقه السيرة للغزالي بتخريج الألباني ص239.

[137] - وقد ضعف الألباني هذه القصة بعد ذكره لرواياتها، وانظر فقه السيرة ص340.

[138] - سورة الأنفال آية: 67-68.

[139] - وهذه الاستشارة صحيحة حيث ثبتت في صحيح مسلم وغيره انظر: صحيح مسلم 5 / 156 وتفسير ابن كثير 2 / 325 وفقه السيرة ص254.

[140] - ورد هذا الحديث بطرق وروايات متعددة، وقد حققها الألباني وحكم بصحة الحديث، ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى فقه السيرة للغزالي، بتخريج الألباني ص169.

[141] - انظر: تفسير ابن كثير 3 / 269، وهذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما وانظر: فقه السيرة ص316.

[142] - انظر: سيرة ابن هشام وملامح الشورى للنحوي ص214.

[143] - أخرجه البخاري (7 / 518، رقم 4178، 4179) عن المسور بن مخرمة، ومروان ابن الحكم.

[144] - انظر: سيرة ابن هشام وفقه السيرة ص363.

[145] - انظر: صحيح البخاري وفقه السيرة ص363.

[146] - سورة الشورى آية: 38.

[147] - سورة الشورى آية: 38.

[148] - انظر: كتب السيرة. فالواقعة مشهورة.

[149] - انظر: حياة الصحابة 1 / 651، وملامح الشورى، ص265.

[150] - انظر: كتاب "أبو بكر الصديق" لمحمد رضا ص75 وما بعدها، وملامح الشورى.

[151] - انظر: لكل ما سبق ملامح الشورى ص303.

[152] - انظر: تفسير التحرير والتنوير 4 / 150.

[153] - انظر: ملامح الشورى ص347 وأخبار عمر ص433.

[154] - سورة الشورى آية: 38.

[155] - انظر: ملامح الشورى للنحوي ص32.

[156] - اختلف العلماء في حكم الاستشارة أواجبة أو مندوبة؟! وقد ذكر ابن عاشور خلاف العلماء في ذلك. وفصل فيه، ورجح ما رآه. انظر: التحرير والتنوير 4 / 148.

[157] - سورة آل عمران آية: 159.

[158] - انظر: زاد المسير 1 / 488.

[159] - انظر: تفسير الطبري 4 / 152، 153.

[160] - انظر: تفسير الطبري 4 / 152، 153.

[161] - انظر: تفسير الطبري 4 / 152، 153.

[162] - سورة آل عمران آية: 159.

[163] - تفسير الطبري 4 / 152.

[164] - تفسير الطبري 4 / 152.

[165] - سورة آل عمران آية: 159.

[166] - انظر: تفسير الطبري 4 / 125.

[167] - انظر: زاد المسير 1 / 488.

[168] - السياسة الشرعية ص108.

[169] - انظر: التحرير والتنوير 4 / 148.

[170] - سورة البقرة آية: 233.

[171] - سورة الأنفال آية: 46.

[172] - سورة المائدة آية: 2.

[173] - سورة الشورى آية: 38.

[174] - سورة الشورى آية: 38.

[175] - انظر: الظلال 5 / 3165.

[176] - انظر: ملامح الشورى ص303.

[177] - انظر: ملامح الشورى ص303.

[178] - انظر: ملامح الشورى ص33.

[179] - انظر: زاد المسير 1 / 488.

[180] - البيت لابن أبي بكر المقري كما في جواهر الأدب 2 / 432.

[181] - البيت لعبد الله فكري كما في جواهر الأدب 2 / 443.

[182] - البيت لأبي إسماعيل الطغرائي، كما في جواهر الأدب 2 / 438.

[183] - أخرجه الإمام مسلم (1 / 93، رقم 91) والإمام أحمد (1 / 385 و427) وأبو داود "4092" كلهم عن ابن مسعود.

[184] - سورة غافر آية: 29.

[185] - أخرجه مسلم (1 / 93، رقم 91)، وأبو داود (4092) والترمذي (1999) والإمام أحمد (1 / 385، 427).

[186] - سورة النحل آية: 23.

[187] - سورة غافر آية: 27.

[188] - سورة غافر آية: 56.

[189] - انظر: التحرير والتنوير 4 / 151.

[190] - هذا البيت لأبي بكر المقري كما في جواهر الأدب 2 / 432.

[191] - سورة النمل آية: 22.

[192] - سورة الزخرف آية: 54.

[193] - هناك أمور مخصوصة ليست من العجلة، كتعجيل دفن الميت، وقول موسى، عليه السلام، " وعجلت إليك رب لترضى ". /1 سورة طه، الآية: 84 /1. ونحو ذلك.

[194] - انظر: جواهر الأدب 2 / 478.

[195] - انظر: جواهر الأدب 2 / 488.

[196] - سورة النجم آية: 23.

[197] - سورة القصص آية: 50.

[198] - سورة القصص آية: 50.

[199] - سورة محمد آية: 16.

[200] - أخرجه أبو داود "4341" والترمذي "3060" وابن ماجة "4041" وهو حديث ضعيف راجع السلسلة الضعيفة "1025".

[201] - سورة القصص آية: 40-41.

[202] - انظر: التحرير والتنوير 4 / 150.

[203] - انظر: تفسير الطبري 4 / 153.

[204] - انظر: تفسير الطبري 4 / 152.

[205] - سورة آل عمران آية: 159.

[206] - سورة آل عمران آية: 159.

[207] - سورة آل عمران آية: 159.

[208] - انظر: تفسير التحرير والتنوير 4 / 151.

[209] - سورة آل عمران آية: 159.

[210] - انظر: صحيح البخاري كتاب الاعتصام 9/38 طبعة دار الشعب، ومصنفة النظم الإسلامية ص249.

[211] - مجرد الصدق في الاستشارة والبحث عن الأفضل إضراب عما سبق.

[212] - انظر: مبحث (وشاورهم في الأمر).

[213] - انظر: ملامح الشورى ص346.

[214] - سورة آل عمران آية: 159.

[215] - انظر: تفسير الطبري 4 / 153.

[216] - قد يكون الإذن بالتصريح أو بالقرائن المعتبرة.

[217] - أخرجه أحمد وأبو داود عن جابر -رضي الله عنه-، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ص (1133).

[218] - وبخاصة إذا كان العمل الذي قام به يفتقر إلى الحكمة وبعد النظر.

[219] - انظر: جواهر الأدب 2 / 433، والبيت لعلي الرضا.

[220] - من ذلك بعض كتب التفسير، وملامح الشورى للنحوي.

[221] - سورة يوسف آية: 76.

[222] - انظر: جواهر الأدب 2 / 242، والبيتان لعبد الله فكري.

[223] - انظر: صحيح البخاري كتاب الاعتصام.

[224] - سورة النحل آية: 43.

[225] - انظر: ملامح الشورى ص303.

[226] - انظر: ملامح الشورى ص 303.

[227] - انظر: جواهر الأدب 2 / 443، والبيتان لعبد الله فكري.

[228] - انظر: جواهر الأدب 2 / 450،451.

[229] - انظر: جواهر الأدب 2 / 450،451.

[230] - ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ص (907) والمشكاة رقم (5056).

[231] - انظر: جواهر الأدب 2 / 443، والبيت لعبد الله فكري.

[232] - أي سبقت لك تجربته، ومن جربته فهو ذو تجربة.

[233] - أخرجه أبو داود "5128" والترمذي "2823" وابن ماجة "3745" عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي أيضا عن أم سلمة وابن ماجة عن ابن مسعود، وصححه الألباني في صحيح الجامع " 6700".

[234] - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2 / 166)، وضعفه الشوكاني في الفوائد المجموعة. وصححه الألباني.

[235] - انظر: جواهر الأدب 2 / 453.

[236] - انظر: جواهر الأدب 2 / 453.

[237] - سورة البقرة آية: 44.

[238] - سورة الأنبياء آية: 67.

[239] - سورة البقرة آية: 171.

[240] - البيت لعبد الله بن جعفر الطالبي وانظر: جواهر الأدب 2 / 424.

[241] - انظر: جواهر الأدب 2 / 454.

[242] - لأن هناك أمورا عامة لا تحتاج إلى ذلك.

[243] - سورة النحل آية: 43.

[244] - البيت لأبي الطيب المتنبي.

[245] - انظر: جواهر الأدب 2 / 443، والبيت لعبد الله فكري.

[246] - انظر: جواهر الأدب 2 / 445، والبيت لأحمد الهاشمي.

[247] - انظر: جواهر الأدب 2 / 431، والبيت لأبي الفتح البستي.

[248] - أخرجه مسلم رقم (101،102).

[249] - انظر: جواهر الأدب 2 / 478.

[250] - انظر: جواهر الأدب 2 / 478.

[251] - انظر: جواهر الأدب 2 / 427، والبيتان لصالح بن عبد القدوس.

[252] - سبق تخريجه ص78.

[253] - انظر: جواهر الأدب 2 / 428، والبيت لصالح بن عبد القدوس.

[254] - مع الحرص على ألا يتسلسل الموضوع، وإنما تقدر الأمور بقدرها.

[255] - سورة الأحزاب آية: 36.

[256] - انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، ومصنفة النظم الإسلامية ص250.

[257] - انظر: السياسة الشرعية ص 158.

[258] - سورة النساء آية: 59.

[259] - انظر: السياسة الشرعية ص158.

[260] - انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، ومصنفة النظم الإسلامية ص250.

[261] - انظر: مصنفة النظم الإسلامية ص250.

[262] - هذا مقيد بالمصلحة والمفسدة الشرعية، لا مطلق المصلحة والمفسدة لأن الشورى لم تشرع إلا لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة.

[263] - مصنفة النظم الإسلامية ص251.

[264] - مصنفة النظم الإسلامية ص251.

[265] - انظر: مصنفة النظم الإسلامية ص252.

[266] - انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام. ومصنفة النظم الإسلامية ص250.

[267] - انظر: السياسة الشرعية ص158.

[268] - انظر: السياسة الشرعية ص158.

[269] - سورة الأعراف آية: 62.

[270] - سورة الأعراف آية: 68.

[271] - أخرجه مسلم (1/ 74، رقم 55) وأبو داود "4944" والنسائي " 4200" وأحمد (4 / 102) عن تميم الداري وأخرجه الترمذي "1927" عن أبي هريرة.

[272] - أخرجه البخاري (1/ 166، رقم 57- فتح). ومسلم (1 / 75، رقم 56).

[273] - سورة القصص آية: 20.

[274] - سورة القصص آية: 21.

[275] - سورة الأعراف آية: 21-22.

[276] - قال الألباني في تخريجه لأحاديث فقه السيرة ص240: رواه ابن هشام عن ابن إسحاق قال: فحدثت عن الرجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب، وهذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة، وقد وصله الحاكم، وفي سنده من لم أعرفه، قال الذهبي في تلخيصه: قلت: (حديث منكر)، ورواه الأموي من حديث ابن عباس، كما في البداية، وفيه الكلبي وهو كذاب.

[277] - انظر: أخبار عمر ص182، والوثائق السياسية ص327، وملامح الشورى للنحوي ص331.

[278] - أخرجه مسلم (3 / 271، رقم "1650" وأحمد (2 / 361) والترمذي "1530" عن أبي هريرة وأخرجه البخاري بمعناه عن أبي موسى الأشعري (13 / 537، رقم 7555).

[279] - انظر: جواهر الأدب 2\425، والأبيات للعباس بن مرداس.

[280] - سورة آية: 118-119.

[281] - انظر: فقه السيرة ص91، والقصة في البخاري.

[282] - انظر: تفسير ابن كثير 3 / 270، والحديث صحيح متفق عليه.

[283] - انظر: فقه السيرة ص363، والقصة عند البخاري وأحمد.

[284] - انظر: ملامح الشورى ص328.

[285] - انظر: ملامح الشورى ص349.

[286] - انظر: تفسير ابن كثير 3 / 362.

[287] - انظر: كتاب د. عبد الله الطريقي في حكم الاستعانة بالكافر.

[288] - لأن المسألة خلافية بين العلماء، وانظر: تفصيل ذلك في كتاب د. عبد الله الطريقي في حكم الاستعانة.

[289] - انظر: تفصيل ذلك في كتب أحكام القرآن عند تفسير قوله- تعالى-: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " سورة المائدة، الآية: 5.

[290] - سورة الأنعام آية: 116.

[291] - أخرجه البخاري (11 / 341، رقم "6498" فتح) وأخرجه مسلم (4 / 1973، رقم" 2547") كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[292] - انظر: جواهر الأدب 2 / 417، والبيت لعبيد بن الأبرص الأسدي.

[293] - لست بصدد الحديث عن الموقف، وإنما المهم- هنا- ما يتعلق بموضوعنا.

[294] - أي تسيره العامة، وليس المراد أنه يفيد العامة ويبذل علمه لهم، فهذا مطلوب ومشروع، بل يجب أن يكون العالم كذلك، وهكذا كان العلماء قديما وحديثا.

[295] - سورة الحجرات آية: 7.

[296] - انظر: تفسير ابن كثير 4 / 210، وذكر ابن كثير أن رأيهم ضعيف بالنسبة لمراعاة مصالحهم.

[297] - انظر: في ظلال القرآن 6 / 3341.

[298] - هذا لا يعارض ما سبق من الأمر بمشورتهم، لأن هناك فرقا بين أن يستشيرهم ويختار من يناسب لذلك، وبين أن يشير عليه بعضهم دون استشارة، مما قد تخفى بعض الأمور على المشير مما يعلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ولذلك نجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ بمشورة بعض الصحابة في قتل عبد الله ابن أبي، بل وحاطب بن أبي بلتعة- رضي الله عنه- حيث خفي على المقترحين بعض الأسباب والنتائج والعواقب.

[299] - أخرجه مسلم (1480) ومالك في الموطأ (2 / 580) والشافعي في الرسالة رقم (856).

[300] - ذكر ذلك النووي وفصل في هذه المسألة في كتابه رياض الصالحين، انظر رياض الصالحين تحقيق الألباني ص489 (باب ما يباح من الغيبة).

[301] - سورة ق آية: 18.

[302] - سورة الكهف آية: 49.

[303] - سورة المجادلة آية: 6.

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/86310

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك