علائق الدين بالمجال العام في التصور الإسلامي والتجربة الكلاسيكية الإسلامية

منى أحمد أبو زيد

مدخل: في تفسير العنوان:



ينطوي عنوان هذه الدراسة على ثلاثة مفاهيم أساسية هي: الدين الإسلامي، والمجال العام، والتجربة الكلاسيكية. ويجب علينا قبل الولوج إلى موضوع الدراسة توضيح مقصودنا من كل مفهوم.



أ - الدين الإسلامي:



للدين في اللغة عدة معان: كالسلطان والورع والقهر والطاعة، والعادة، والسيرة، والحساب، والقضاء، والجزاء، والسياسة وغير ذلك(1).



والدين في الاصطلاح يشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له، فإذا وصف بها الطرف الأول كان خضوعًا وانقيادًا، وإذا وصف بها الطرف الثاني كان أمرًا وسلطانًا وحكمًا وإلزامًا، وإذا نظر بها إلى أمر الرباط الجامع بين الطرفين كانت الدستور المنظم لتلك العلاقة.



وقد عرَّف التهانوي الدين بأنه «وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل»(2). وهذا يعني أن الدين يهتم بصالح الإنسان في الدنيا والآخرة.



وقد يظن البعض أن الدين مجموعة شعائر وطقوس تنظم العلاقة بين الخالق والمخلوق ولا شأن له بأمور الحياة الدنيا؛ لأنه يتوخى الحياة الآخرة. وإذا صدق هذا القول على بعض الأديان فإنه لا يصدق على الدين الإسلامي، الذي صرح بأن خير الإنسانية وصلاحها لن يتم إلا بامتزاج أحوال الدين والدنيا، وذلك وفقًا للأثر:«اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».



وقد يظن البعض الآخر أن الواجب على الدين أن يتدخل في مختلف أمور الحياة بكافة تفاصيلها، وهذا غير صحيح؛ لأن الإسلام قد وضع القواعد الدقيقة لكل ما هو ثابت في الحياة، وحدد القيم والمقاصد والمبادئ العامة لكل ما هو متغير، وأوجب على الناس أن يتوخوا هذا بصور متنوعة تتفق مع صالح حياتهم في كل زمان ومكان.



ويمكن تقسيم تعاليم الإسلام إلى الأقسام التالية:



1- قيم وأخلاق تتضمن فلسفة الدين الإسلامي.



2- معاملات اجتماعية واقتصادية وقضائية وتشريعات مدنية.



3- طقوس العبادات.



4- نواميس الكون وقصص الأولين كشواهد ذات دلالة، وعِبر ذات إشارة.



ومن المعتقد أن أهمية هذه البنود بهذا الترتيب؛ أي أن طقوس العبادة على الرغم من أهميتها ليست هي الغاية؛ بل هي السبيل إلى العمل بالقيم المثلى، وحسن المعاملة للوصول إلى السعادة البشرية(3).



ومعظم هذه القيم والقواعد الأخلاقية هي في الوقت نفسه قواعد لضبط العلاقات الاجتماعية والتعامل بين الناس، وقد يعطي أغلب المسلمين العبادات (أو طقوس العبادات) أهمية قصوى، تتجاوز كثيرًا أقسام الدين الأخرى من قيم ومعاملات، وكأنما الدين قد جاء لتحقيق هذه الطقوس فقط، في حين أن القيم الأخلاقية والمعاملات المالية، والآداب العامة هي المقصودة بالدرجة الأولى من التعاليم الدينية، وما طقوس العبادات إلا وسيلة لتحقيق هذه الغاية.



ومن هنا ذكر القرآن العمل الصالح مقترنًا بالإيمان فيما يزيد على ثمانين مرة في آياته. فإن العمل حق للمسلم وواجب عليه في الوقت ذاته، ويقصد بالعمل الصالح العمل المنتج الذي يفيد صاحبه، ويفيد الآخرين. قال تعالى في محكم آياته: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢5].



ودعا الإسلام إلى عدد من القيم، نذكر منها: إحقاق الحق، وتطبيق العدل، وعمل الخير، والرحمة والإيثار، والصدق في القول والعمل، والاستقامة والمودة والعفو، والاعتدال والصبر، والتواضع والحكمة، والموعظة الحسنة، والدعوة إلى العمل عامة، والعمل الصالح بخاصة، والوفاء بالعهود، والدفاع عن الوطن والنفس والدين وغير ذلك من قيم.



ب- المجـال العـام:



هو أحد المصطلحات الفكرية والعملية الحديثة، ويشير إلى كل المؤسسات والمنتديات المستقلة عن الدولة من ناحية، والقطاع الخاص من ناحية أخرى، ويعد المجال العام مجالاً ثالثًا للمجتمع، يستقل عن السلطة الحاكمة، ويستقل أيضًا عن القطاع الخاص الساعي إلى المنفعة الشخصية الضيقة، وهو المكان الذي تتبلور فيه الأفكار، وتتضح فيه الآراء التي تعين المجتمع على التفكير العقلاني والتواصل الجمعي من أجل تحقيق الصالح العام(4).



ويعكس هذا المفهوم فكرة وجود مستوى من الفعل الاجتماعي، ومن الاتصال بين السلطة والمجتمع المدني، مما يشكل فضاءً اجتماعيًا، يتفاعل فيه الأفراد العاديون ويتعاونون.



فالمجال العام يعبر عن المصالح والمشاعر المتجذرة في المجال الخاص، وفي المجتمع المدني، ويضفي قدرًا من الاتساق على المشاعر المتفرقة، وعلى التصورات المشتركة.



وقد حظيت فكرة المجال العام باهتمام واسع، وعلى نطاق عالمي خلال حقبة التسعينيات، خاصة بعد نشر الترجمة الإنجليزية لرسالة الأستاذية التي كتبها بالألمانية الفيلسوف «جورجين هبرماس»، وكانت بعنوان «التحول البنائي للمجال العام» (1989- ونُشرت لأول مرة في عام 1962).



ووفقًا لما ذهب إليه هبرماس فإن الفاعلين في المجال العام الحديث ينتمون بالأساس إلى الطبقات الوسطى المتعلمة، وهو يرسل رسالة إلى الحكام تتعلق بالإرادة الجمعية للفاعلين الاجتماعيين المستقلين، تعبر فيه عن اتجاهاتهم المستقلة عن السلطة الحاكمة. ومن ثم فقد اعتبر المجال العام مدرسة للديمقراطية، ويمكن للحكومة التي تستمد شرعيتها من أساس غير ديمقراطي أن تكبح تطور المجال العام؛ ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا في حدود معينة(5). 



ج- التجربة الكلاسيكية:



والمقصود بهذا اللفظ ما أنتجه علماء الإسلام من مؤلفات نظرية وممارسات عملية تخدم المجال العام، سواء من خلال ممارسات فردية أو جماعية في العصور الوسطى.



فإذا كان مصطلح المجال العام قد ظهر في الغرب حديثًا؛ فإن هذا المفهوم قد طبق في المجتمع الإسلامي تحت مسميات متعددة، وفي مجالات مختلفة، وظهرت له آثار في الفكر والواقع.



وقد حاولت البحوث الحديثة أن تطرح سؤالاً حول ما إذا كان هناك اهتمام بالمجال العام صاحب تطور المجتمعات في العالم العربي والإسلامي، سواء في الحقبة الحديثة أو ما قبل الحديثة، وفتح هذا السؤال المجال لمقارنات تاريخية ودراسات نظرية لمفهوم المجال العام(6).



فقد عرفت المجتمعات الإسلامية مجالات عامة متعددة، وغالبًا ما كانت هذه المجالات تبنى على أهداف دينية لتحقيق مقاصد الدين وقيمه ومبادئه، وحملت الطبقات الثقافية عبء هذه المهمة، وشكل علماء الإسلام ومفكروه بمؤلفاتهم جزءًا من الدراسات النظرية لهذا المجال، الذي تحول في جانب منه إلى مؤسسات تخدم المجتمع، مثل المسجد والمدرسة والوقف والقضاء؛ إذ لم يكتف العلماء والمفكرون بدراسة مبادئ الإسلام وقيمه ومقاصده دراسة نظرية؛ بل حاولوا تحويل هذه المبادئ والقيم إلى أطر مؤسسية تحرك هذه القيم من إطارها الفردي إلى الإطار الاجتماعي. وأخذت تبحث عن المصلحة والاستصلاح والاستحسان والعدالة والإحسان والبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من مبادئ وقيم.



وقام العلماء بدراسة هذه المبادئ دراسة نظرية في مؤلفاتهم، وظهرت ضمن مؤلفات الفقه وأصوله، وعلم الكلام والتصوف والسياسة والفلسفة والاجتماع والاقتصاوحددت كيفية تطبيقها في المجال العام، بحيث لا يتوقف التطبيق على فئة واحدة بل يشمل كافة فئاته بمختلف أنماطه وانتماءاته.



وتعرض هذه الدراسة بعض هذه المبادئ والقيم؛ لنرى كيف حولتها النخبة القائدة من تصورات نظرية إلى تطبيقات عملية تحقق الصالح العام، وتكون صوت الشعب في مواجهة السلطة الحاكمة من ناحية، وأصحاب النفوذ والمصالح الخاصة من ناحية أخرى. فقد عرفت المجتمعات الإسلامية مجالات عامة كثيرة ما زال بعضها مستمرًا حتى الآن، وغالبًا ما قامت هذه المجالات على مبادئ وقيم الدين. وقام العلماء بدور بارز فيها من ناحية وضع الإطار النظري وتحديد القواعد، كما شكلت المؤسسات التي عملوا بها دورًا آخر.



إن العالم المسلم لا يسكن في فضاء بعيد كما هو الحال في حالة الرهبانية، وإنما يعيش داخل مجتمع، ولا يكتفي بتقديم نسق نظري من أجل المعرفة- كما حدث عند فلاسفة اليونان قديمًا- وإنما حول معرفته إلى تطبيقات تخدم المجتمع، وتتفق مع المعايير والقيم الأخلاقية في الإسلام.



ومن هذه القيم التي تحولت إلى مؤسسات تخدم الصالح العام، نختار نماذج ثلاثة:



النموذج الأول: قيمتا البر والإحسان ونظام الوقف الإسلامي.



النموذج الثاني: قيمة العدل وديوان المظالم.



النموذج الثالث: مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومؤسسة الحسبة.



أولاً: علاقة البر والإحسان بالمجال العام:



البر اسم جامع للخيرات كلها. يراد به التخلق بالأخلاق الحسنة مع الناس بالإحسان إليهم، والصدق معهم، ومع الخالق بالتزام أمره واجتناب نهيه.



والبر يُطلق ويراد به العمل الدائم الخالص من المآثم، ويقابله الفجور، والإثم هو اسم جامع للشر.



وقد حثت الشريعة الإسلامية على البر، فهو خُلُق جامع للخير، حاض على التزام الطاعة، وفي هذا قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].



وقد تناول قيمة البر جملة من الصوفية والمتكلمين. فأشار الماوردي (ت455هـ) لهذه الفضيلة قائلاً: «ندب الله تعالى إلى التعاون على البر، وقرنه بالتقوى؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته»(7).



والبر نوعان: صلة، ومعروف. فأما الصلة فهي التبرع ببذل المال في الجهات المحمودة بغير عوض مطلوب. وأما المعروف فيشمل نوعين: القول، والعمل. فأما القول فهو طيب الكلام، والتودد بجميل القول، وهذا يبعث على حسن الخُلُق. وأما العمل فهو بذل الجاه، والمساعدة بالنفس والمعونة في النائبة، وهذا يبعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم(8)، وهذا يؤكد على ضرورة بذل المال دون انتظار لمنفعة تعود على صاحبه.



أما الإحسان فهو فعل ما هو حسن مع الإجادة في الصنع، وهو بالمعنى الشرعي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك.



وكلمة «الإحسان» مشتقة من أَحْسَنَ إحسانا؛ أي أتى بالفعل الحسن على وجه الإتقان، وجاءت مادة «حسن» في القرآن بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة، منها اثنتا عشرة مرة بلفظ (إحسان)، وهذا دليل على أهمية هذه الفضيلة في الإسلام؛ حيث أمر بها الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ [النحل: ٩0].



أما الإحسان في اصطلاح الفلاسفة فهو فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير، وهو إما أن يكون ذاتيًا يبقى ولا ينقطع، وإما أن يكون عرضيًا ينقطع ولا يدوم(9). ويشير مسكويه (ت421هـ) إلى مقام المحسنين، وهو رتبة الذين يعملون بما يعلمون. والمحسن لا يكون كذلك إلا إذا أحب من أحسن إليه(10). والإحسان كما يكون في العبادات يكون أيضًا في المعاملات.



وقد تحققت هاتان الفضيلتان -البر والإحسان- في نظام الوقف، الذي يمثل إحدى دعائم التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم، وقد سبق به المسلمون ما عُرف في أوروبا باسم مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني ومجموعات «الترست» التي يتكاتف فيها الأفراد بدور يخدم الجميع بعيدًا عن تدخل الدولة، من أجل تلبية حاجات المواطنين.



والوقف لغة هو الحبس والمنع، والجمع أوقاف. والموقوف يسمى حبسًا، واصطلاحًا يقصد بالوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة(11).



وتختلف المذاهب الفقهية في تعريف الوقف من حيث التفاصيل؛ إلا أنهم يجمعون على أن المقصد العام للوقف هو إيجاد مورد دائم مستمر لتحقيق غرض مباح من أجل مصلحة معينة(12).



ويرجع نظام الوقف الإسلامي ومشروعيته إلى حديث الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- القائل: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). ومن هنا عُرف الوقف بأنه صدقة جارية تضمن استمرار عمل الإنسان بعد مماته.



كما تستند مشروعية الوقف إلى العديد من الآيات القرآنية، وبشكل مباشر إلى هذا النوع من العمل الاجتماعي الخيري؛ فالله سبحانه وتعالى يؤكد للأفراد وللمجتمع المسلم على أهمية العمل الخيري والصدقة، قائلاً: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩2]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨0] وغيرها من آيات.



ولقد حثّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أصحابه على البذل والعطاء في سبيل الله، وقدم نفسه نموذجًا ومثالاً على قلّة ما يملكه من حطام الدنيا، ونصح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يخصص أرضًا له بخيبر وأن يحبسها للنفع العام. وقدم الرعيل الأول من الصحابة نماذج وقدوة في تقديم وبذل المال لأوجه النفع العام.



ثم انتشرت الأوقاف في شتى بلدان الإسلام، حتى أضحت ظاهرة اجتماعية اقتصادية لعبت دورًا بارزًا في نمو المجتمعات الإسلامية، وكانت عمادًا للحياة الاجتماعية وظاهرة من أهم الظواهر الاقتصادية.



وتزامنت حركة اتساع الأوقاف مع حركة المد في الفتوحات الإسلامية، وزاد من انتشارها دخول الشعوب والأمم إلى الإسلام، حيث حظي الوقف بالقبول لدى أهل البلدان المفتوحة، وأخذ نطاق الوقف يتسع باتساع مكانه، ومن ثم اكتسب سمات وخصائص ووظائف اجتماعية جديدة.



نشأ الوقف في البداية لأغراض دينية محضة؛ إلا أنه مع تطور الزمن اتسع ليشمل العديد من الأغراض، التي تهدف إلى التقرب لله تعالى. وكثير من الأوقاف تتضمن الجانب الديني والجانب الاجتماعي. وتهدف إلى إنفاق الصدقة الجارية في أوجه البر والإحسان. بدءًا من وقف الثغور والمرابطة والجهاد، إلى وقف المدارس والمساجد، وصولاً إلى المستشفيات والمكتبات، ودور الأيتام والمساكين.



ومعنى ذلك أن الوقف قد حقق في تاريخ المجتمع الإسلامي حالة من التوازن الاجتماعي، واستثمرت موارده في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية بمختلف جوانبها.



إن الوقف في الشريعة الإسلامية ليس جانبًا دينيًا تعبديًا فحسب، بل له جوانب اجتماعية واقتصادية تهدف إلى تحقيق الصالح العام، فمن الناحية الاجتماعية، يُعد الوقف نظامًا تكافليًا يشارك فيه الفرد وفق قدرته في وجود مؤسسات أهلية مدنية، ذات خدمات متعددة تعود بالفائدة على المجتمع دون الاعتماد على السلطة الحاكمة.



وقد وجدت أوقاف مخصصة للرعاية الصحية والاجتماعية، فخصصت أوقاف لنوع من الأمراض، كالجذام أو الجدري وغيرها. وهناك أوقاف مخصصة لرعاية العجزة أو الأيتام، أو الإنفاق على السجناء وتجهيز البنات، ومساعدة الأرامل، وإيواء النساء(13). وغيرها من صور التكافل الاجتماعي المستندة إلى تعاليم الإسلام ومبادئه الإنسانية الداعية إلى عمل البر والإحسان.



أما من الناحية الاقتصادية، فاستطاع نظام الوقف أن يحد من إمكانيات توسع اقتصاد السوق الرأسمالي في المجتمع العربي؛ لأن دخول بعض الموارد الاقتصادية في دائرة الوقف كان يعني خروجها من نطاق السوق في الوقت نفسه، حيث كان الهدف الرئيس للوقف هو توفير السلع والخدمات بأسعار رمزية من خلال إنشاء وتمويل مؤسسات ومرافق عامة تقدم أنواعًا مختلفة من الخدمات التعليمية والصحية التي يحتاجها المجتمع بمختلف فئاته إلى جانب تقديم مساعدات نقدية وعينية لبعض الفئات الخاصة(14).



ويعد الوقف الخيري أداة لتحقيق مقاصد الشريعة، أو الإسهام في تحقيقها على أرض الواقع، وهو يمثل تجسيدًا لمكارم الأخلاق، وتعبيرًا عن تجليات الجمال والإبداع في نفسية الفرد، وهو أحد الوسائل التي يمكن للفرد استخدامه لتنزيه نفسه بإخراجها من حيزها الخاص الضيق إلى مجالها العام، الساعي إلى خير المجتمع.



إن توسع الأوقاف الإسلامية وتزايدها يشكلان ميزة خاصة تميز بها النظام المدني الإسلامي منذ عهد الرسالة في المدينة المنورة.



ويرى رضوان السيد أن الذي أبقى على الأوقاف في العصور الإسلامية الوسيطة كان إيمان الناس بها حكامًا ومحكومين، وأنها كانت تؤدي وظائف لا يمكن الاستغناء عنها. وقد كان واضحًا أنها تستند إلى مفهوم للاعتقاد والعمل حسبة واكتسابًا شكل الفلسفة الكبرى للمجتمع الإسلامي(15).



فالنظام الإسلامي قرر منذ البدء أن أي مجتمع إنساني بشكل عام- والمجتمع الإسلامي بشكل خاص -يحتاج إلى أنشطة اجتماعية واقتصادية تتحرر من دافع تعظيم الربح والمنفعة الخاصة، وتهدف إلى البر والإحسان. وهو بهذا تحرر من سلطة الدولة في التحكم في الخدمات، ومن سلطة القطاع الخاص الذي يهدف من وراء عمله إلى تحقيق المنفعة الخاصة.



ثانيًا: علاقة العدالة بالمجال العام



والقيمة الأخرى التي اخترنا عرضها هي قيمة العدالة، التي حولها المفكرون من قيمة أخلاقية ومقصد ديني إلى مؤسسة تخدم الصالح العام لكافة المواطنين.



وتحتل قيمة العدالة منزلة مهمة بين القيم الأخلاقية؛ وذلك لما تنطوي عليه من أهمية خاصة سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي، فالعدالة هي عنوان اجتماع كل القيم في الفرد ودليل كماله. أما في المجتمع فهي تعني توافر سائر الشروط لقيام مجتمع سليم.



والعدالة في اللغة تعني الاستقامة، وهي من أسماء الله تعالى، وتعني في الشريعة الاستقامة على طريق الحق والبُعد عما هو محظور.



ويُعد العدل مبدأ من المبادئ الأساسية في الإسلام، وهو النظام الحقيقي والصالح لكل ما في الوجود، والتنسيق السليم لكل بناء، وميزان الله المبرأ عن كل قصور، وبه يستقيم أمر العالم والإنسان.



والعدالة هدف من الأهداف التي جاء الرسل لإقرارها وإقامتها بين الناس، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢5].



وقد حدد الإسلام للعدل مجالات متعددة منها: عدل الإنسان مع نفسه، والعدل في الأسرة، والعدل مع اليتامى، والعدل مع أهل الكتاب، والعدل مع الأمراء، والعدل في القول والشهادة، والعدل في المعاملات التجارية والمالية، والعدل بين المتخاصمين، والعدل في الحكم، وغيرها من مجالات.



وقد تناول مفكرو الإسلام العدالة من جوانب متعددة، منها ما هو سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو ديني، أو نفسي، أو أخلاقي. ويبرز مفهوم العدل عند الفقهاء كمبدأ دستوري، وكقطب رحى في السياسة الشرعية، باعتبار ما له من مكانة في العمران البشري، وفي قيام أصلح أنظمة الحكم بين الناس.



ويضع محمد عبد الله دراز «العدالة ضمن أخلاق الدولة في القرآن»(16)، ولهذا يروي أن الله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة.



ودرس المتكلمون العدالة في بحوثهم، ولعل أهم مَن بحث هذه القيمة كان فرقة المعتزلة؛ حيث بلغ إعجابهم بهذا المفهوم إلى حد جعله أحد أصولهم الخمسة، مما أطلق عليهم لقب «فرقة العدلية». وعرَّف شيخهم القاضي عبد الجبار (ت415هـ) العدل بأنه هو «توفية حق الغير واستيفاء الحق منه»(17)، فأسبغ بهذا الحد على العدل صبغة الإيجاب الفعال لما أوجبه من توفير حق الغير، ووضع العدل في إطار الروابط الاجتماعية في الحياة الدنيا، ورفض المذهب الشكلي في العدالة، وإقامة التشريع على أسس من العدالة وحرية الإرادة والمصلحة والمنفعة، فبرهن المعتزلة بذلك أنهم بجانب العدالة الجوهرية.



كما ارتبطت العدالة بالسعادة عند فلاسفة الإسلام في تصورهم للمدينة الفاضلة التي يسودها العدل وتعيش في سعادة، وظهرت لديهم صور من المدن الفاضلة، وكانت لهم كتابات متعددة حولها.



إن العدل الذي حفل به التراث الإسلامي، ودعا إليه الشرع دعوة مؤكدة حتى مع العدو، وعن هذا يقول الله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا﴾ [المائدة: 8].



وتعريف العدل عند المتكلمين هو «ما يقتضيه العقل من الحكمة، وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة»(18)، فالعقل يقضي بأن تكون جميع التكاليف الصادرة من الله، والمتعلقة بالإنسان المكلف صدرت عن الحكمة الإلهية، وعلى وجه المصلحة، وهذا التصور يؤكد عناية الله التامة بكل ما يحقق مصلحة للإنسان.



إن هذه الشمولية التي تميز العدالة الإسلامية تتجلى فيما حدده الغزالي (ت505هـ) للمعاملات والسياسة من أهداف ومقاصد، وما أشار إليه من أسرار التشريع الإسلامي في التعاقد، وهذا حين ربط بين عدالة الفرد وعدالة الدولة قائلاً: «العدل في أخلاق النفس يتبعه لا محالة العدل في المعاملة والسياسة»(19).



وطبق الغزالي معايير العدل على المعاملات، ونادى بحظر التعسف في استعمال الحقوق والرخص، وحظر الوسائل التي يصطنعها التجار الجشعون كالاحتكار تربصًا بارتفاع الأسعار، وتلقي الركبان وغير ذلك من صور التزييف والتدليس في البيوع، وذكر هذا في كتابه «إحياء علوم الدين» تحت عنوان «في بيان العدل واجتناب الظلم في المعاملة» قائلاً: «إن المعاملة قد تجرى على وجه يحكم المفتي بصحتها وانعقادها؛ ولكنها تشتمل على ظلم يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى»(20).



وتحولت قيمة العدل من قيمة نظرية يدرسها العلماء داخل مؤلفاتهم إلى تطبيقات عملية في مجال القضاء، ومن أبرز المؤسسات التي تناولت تطبيق هذه القيمة مؤسسة «ديوان المظالم».



وقد أسس هذا الديوان للنظر في شكاوى الشعب ضد رجال الحكم والموظفين، وكان يشترط فيمن تولى هذا الديوان أن يكون رجلاً ذا دين وأمانة، وفي خلقه عدل ورأفة؛ ليكون نافعًا للمتظلمين.



واعتاد مؤلفو كتب الحضارة الإسلامية والنظم الإسلامية تناول ديوان المظالم بعد فراغهم من الكلام عن القضاء؛ لأنه متمم له؛ إذ أن أمر تحقيق العدالة في المجتمع لا يتم فقط في مجالس القضاء العادي، حيث تكون سطوة القاضي- بما له من أعوان- كافية بالنسبة لغالبية العوام، أما ذوو النفوذ ممن لا سبيل للقضاة إلى إخضاعهم للعدالة، فقد شرع لهم قضاء المظالم.



وقد عرَّف الماوردي قضاء المظالم بأنه «قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة»(21). أما ابن خلدون (ت808هـ) فقد عرَّف وظيفة ديوان المظالم بأنها «وظيفة ممزوجة من سطوة السلطة ونصفة القضاء، تقمع الظالم من الخصمين وتزجر المعتدي»(22).



فالعدالة قديمًا وحديثًا مقولة أساسية في القانون والأخلاق والسياسة، قوامها المساواة والموازنة والعدالة، وقد طبقه النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في صدر تبليغ الدعوة بالمدينة المنورة، عندما وضع «صحيفة» تنظم العلاقة بين سكان المدينة من المهاجرين والنصارى واليهووأحد نصوص هذه الصحيفة تنص على أن «كل ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله».



وكان قضاؤه -صلَّى الله عليه وسلَّم- مبنيًا على تحقيق العدل بين الناس، وإنصاف المظلوم، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون مراعاة لأهواء الناس. قال تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤8].



وكان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- والراشدون الأربعة يقضون بين الناس، ويباشرون النظر في المظالم بأنفسهم، وبعد توسع دولة الخلافة وكثرة الداخلين في الإسلام، وزيادة أعباء الدولة ترك أمر التقاضي والتظلم إلى مؤسسات مستقلة، تتولى هذا الأمر لتحقيق العدل والمصلحة بين المواطنين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم من أجل تحقيق الصالح العام.



ثالثًا: علاقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمجال العام:



يُعد هذا المبدأ من أكثر المبادئ إثارة في تاريخ الفكر الإسلامي؛ حيث اختلف المسلمون في مفهومه وحكمه، وكيفية تطبيقه في المجال العام وحدود هذا التطبيق، وهل هو فرض عين أو فرض كفاية أو نافلة؟ وهل يأخذ حكم المأمور به والمنهي عنه، أو يكون تابعًا لقاعدة «جلب المصالح ودرء المفاسد»؟



وقبل الدخول إلى كيفية تطبيق هذا الأصل في المجال العام، لابد أن نتعرف على مفهومه، والدراسات النظرية التي دارت حوله.



والأمر بالمعروف لغةً يعني الكلام الدال على طلب الفعل، أو قول القائل لمن دونه: افعلْ. و(المعروف) اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، و(المنكر) ضد ذلك جميعه. وهو الأمر القبيح.



أما اصطلاحًا، فالأمر بالمعروف هو: أمر بكل ما كان فعله جميلاً، والنهي عن المنكر هو: طلب الكف عن فعل ما ليس فيه رضا الله تعالى، أو هو بتعريف الماوردي الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.



وقد تناول المتكلمون دراسة هذا المبدأ، ورفعه المعتزلة إلى منزلة الأصول الاعتقادية، وحاولوا الالتزام به واستخدموه استخدامًا عمليًا داخل المجتمع المسلم، بالإنكار على الحكام الظلمة ومقاومتهم، ولو بالخروج المسلح، وفي خارج المجتمع المسلم بالدعوة إلى الإسلام بصورة منظمة قائمة على التطوع والحسبة.



وعده الإمام الغزالي أصل الدين، وأساس رسالة المرسلين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الفوضى وهلك العباد.



وكذلك يقرر أهل السنة أن المسلمين قد تواصوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوبيخ تاركه مع الاقتدار عليه، فلا يتخصص بالأمر بالمعروف الولاة؛ بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين، والدليل عليه الإجماع، فإن غير الولاة من المسلمين في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع إقرار المسلمين لهم(23).



وعند أهل السنة أن أحكام الشرع التي لا تحتاج إلى اجتهاد فإن العالم وغير العالم سيان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها. وأما ما يحتاج إلى اجتهاد فليس للعوام أمر فيه ولا نهي.



والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وإذا جار الوالي أو ظلم، وظهر ظلمه وجوره، ولم يستمع إلى النصيحة فلأهل الحل والعقد أن يتفقوا على مقاومته حتى ولو أدى ذلك إلى القتال. وقد وردت في القرآن آيات تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠4]، وقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١١0].



كما وردت جملة أحاديث بهذا المعنى، كما في حديثه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».



وقد تجسد هذا المبدأ عند المسلمين في وظيفة الحسبة، التي عرَّفها ابن خلدون بأنها «وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين»(24).



وقد نشأت الحسبة مفهومًا دينيًا قبل ارتباطها بالنظام الإداري. وأول من احتسب هو رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فقد كان يمر على الأسواق، ويقول للناس: «من غشنا فليس منا».



ويُعد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أول من وضع نظام الحسبة، واستمرت الحسبة في العصر الأموي، ونقلها الأمويون إلى الأندلس وكانت من أهم الوظائف الشرعية عندهم. وصارت وظيفة المحتسب من الوظائف الأساسية في النظام العام الإسلامي منذ القرن الرابع الهجري.



وعمت وظيفة الحسبة ما بين المشرق والمغرب بعد أن اتسعت العواصم العربية وأصبحت أسواقها حافلة بالبضائع وتجارتها واسعة، تموج بالمتبضعين والتجار والوسطاء والحمالين وأصحاب الدواب، فاتسعت مهام المحتسبين.



وأخذت مهمة الحسبة تتطور مع تطور المجتمع الإسلامي، وظهور المستجدات فيه، ووضع الفقهاء الكتب لبيان وجه الشرع في أمر الحسبة من أجل تحقيق الخير والطمأنينة للمجتمع الإسلامي.



والمحتسب إنسان يتصف بسمات معينة، فلا يجلس لوظيفة الحسبة أي إنسان كيفما اتفق؛ بل لابد له من شروط، يأتي على رأسها الأمانة والعدل، وأن يكون «فقيهًا عارفًا بأحكام الشريعة ليعلم ما يأمر به وينهى عنه»(25). هذا إذا كان المجال الذي يقوم به المحتسب يقع في مجال أحكام الدين، أما إذا كان في أحكام الدنيا والمعاملات، فيجب أن يحافظ على العدل والمساواة، ويمنع الاستغلال والاحتكار، ويبحث عن المنكرات ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة، مثل المنع من المضايقة في الطرقات، ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل، وإلزام أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقع من ضررها، والضرب على أيدي المعلمين في الكتاتيب عند تجاوز الحدود في تأديبهم للصبيان والمتعلمين، والنظر في العائلة وصيانتها والنظر في حقوق الإماء والعبيد والمحافظة عليها، والنظر في الربا والبيوع الفاسدة، والنظر في السوق والموازين والمكاييل، ومراقبة الأطباء والصناع والتشهير بالخائن منهم، وغيرها من مجالات الحياة العامة.



ويدل موضوع الحسبة على دقة المسلمين في تحقيق الصالح العام في نظامهم، وبُعد نظرهم في حفظ المجتمع المدني، ويصور لنا مدى سمو مداركهم في النظر في نظام الهيئة الاجتماعية، ويعطينا صورة واضحة عن نظام المدينة المثلى، ونموذجًا لإدارتهم شؤون المدينة الإسلامية على أساس من الصالح العام، الذي يحقق العدل والمساواة والراحة والطمأنينة بين كافة المواطنين.



تلك نماذج فاعلة في حياة المسلمين الفكرية والاجتماعية تكشف لنا أن فكرة المجال العام لم تكن في حضارتهم مجرد إرهاص لتطور أفكار فقط؛ وإنما كانت واقعًا اجتماعيًا وسياسيًا وقضائيًا، أنشئت من أجله النظم، وأقيمت في سبيل تحقيقه العديد من الولايات العامة والخاصة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محمد عبد الله دراز، الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، دار العلم- الكويت، 1990م، ص29.

(2) التهانوي (محمد علي الفاروقي): كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق: لطفي عبد البديع، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة، 1946م، ج2، ص305. 

(3) حيدر غيبة، هكذا تكلم العقل، المفهوم العقلاني للدين، دار الطليعة- بيروت، ط1، 1999م، ص113.

(4) أحمد زايد، مقدمة كتاب «المجال العام- الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام» تأليف: أرماندو سالفاتوري، ترجمة: أحمد زايد، المركز القومي للترجمة- القاهرة، ط1، 2012م، ص8.

(5) أرماندو سالفاتوري، المرجع السابق، ص15، 16.

(6) أرماندو سالفاتوري، المرجع السابق، ص17.

(7) الماوردي (أبو الحسن)، أدب الدنيا والدين، تحقيق: مصطفى السقا، طبع مصطفى البابي الحلبي- مصر، ط4، 1393هـ/1973م، ص184.

(8) الماورد، المصدر السابق، ص201.

(9) جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني- بيروت، 1971م، ج1، ص45.

(10) مسكويه (أحمد بن محمد): تهذيب الأخلاق، تحقيق: ابن الخطيب، القاهرة، 1395هـ، ص135.

(11) نزيه حماد، معجم المصطلحات، المعهد العالمي للفكر الإسلامي- القاهرة، 1966م، مادة «وقف».

(12) منذر قحف، الوقف الإسلامي تطوره- إدارة تنميته، دار الفكر المعاصر- بيروت، دار الفكر- دمشق، 2000م، ص13: 36.

(13) جمعة الزريقي، الإطار التشريعي لنظام الوقف في بلدان المغرب العربي، ضمن كتاب «نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي»، مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت، 2003م، ص138.

(14) إبراهيم البيومي غانم، التكوين التاريخي لوظيفة الوقف في المجتمع العربي، ضمن كتاب «نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي»، ص94-95.

(15) رضوان السيد، فلسفة الوقف في الشريعة الإسلامية، ضمن كتاب «نظام الوقف والمجتمع المدني»، ص53.

(16) محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ترجمة: عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة- بيروت، دار البحوث العلمية- الكويت، ط2، 1412هـ/ 1991م، ص749.

(17) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، تحقيق: عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة- القاهرة، 1965م، ص132.

(18) الشهرستاني (محمد بن عبد الكريم)، الملل والنحل، تحقيق: محمد السيد الكيلاني، مطبعة الحلبي- القاهرة، 1976م، ج1، ص38.

(19) الغزالي (أبو حامد)، ميزان العمل، تحقيق: سليمان دنيا، دار المعارف، ط1، 1964م، ص272.

(20) الغزالي، إحياء علوم الدين، مجلد 2، ص66.

(21) الماوردي (علي بن محمد)، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، الباب السابع، ص63.

(22) ابن خلدون (عبد الرحمن)، المقدمة، دار الفكر العربي- بيروت، 1408هـ/ 1988م، ص22.

(23) الجويني (أبو المعالي)، الإرشاد، تحقيق: محمد يوسف موسى، وعلي عبد المنعم عبد الحميد، مطبعة السعادة- مصر، (ت)، ص368.

(24) ابن خلدون، المقـدمة، ص226.

(25) الشيزري (عبد الرحمن)، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق ومراجعة: السيد الباز العريني، دار الثقافة- بيروت- لبنان، (ت)، ص6.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/11/216

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك