الخلاص في الديانات

بقلم: نبيل فياض وغسان حمدان

قوة الأديان في قوة الأمل – قول قد يبدو مألوفاً. وكلما تعاظمت قوة الأمل، تناثر رماده في أشلاء العالم، كلما ارتفعت منارة الديانات وازداد وميض سحرها، وإن كان في واقع الأمر سراباً. لقد فعلها صموئيل بيكيت، صاغها بلغة هي الأوضح، حين أعلمنا أن أملنا “غودو”؛ انتظار للاشيء. مع ذلك، ورغم العقلانيّة التي ضربت أطنابها في العالم، بما في ذلك بعض أقطار المسلمين، لا يزال “غودو” يفترش شوارع طهران والقدس والفاتيكان ويزد؛ لا يزال كثيرون يعتقدون أن هذا الغودو وحده سيمسك بصخرة سيزيف كي لا تتدحرج إلى أعماق الوادي.

في هذا النص المجمع من مصادر عديدة، نتصدى لموضوعة الخلاص في الأديان الزرادشتيّة، اليهوديّة، المسيحيّة، الإسلام السنّي والإسلام الإثني عشري. وفي هذا البحث نتوخى ما يلي:

1. إعادة الاعتبار لديانة عظيمة أعطت العالم الكثير، ولم تلق ما تستحق حتى الآن؛ مع أن معظم ما نتداوله اليوم من مفاهيم دينيّة يحمل بصمتها الواضحة – الزرادشتيّة.

2. إظهار مدى تأثر المهدي الإثني عشري بمهدي الزرادشتيين، سوشيانت.

3. المقاربة النقديّة لمسألة “المهدي” عند أهل السنّة والجماعة والتركيز على من أنكر وجوده منهم، مثل ابن خلدون. وفي هذا إشارة واضحة إلى أن العقل السنّي عرف كثيراً من المفكرين النقديين، الذين لم يتوانوا قط عن مقاربة ما ننظر إليه في عصرنا “العقلاني” اليوم، على أنه محرمات لا يمكن الاقتراب منها.

سوشيانت: الخلاص الزرادشتي!

ثمة طريقان إلى النهاية ضمن الزرادشتية: نهاية الإنسان كفرد ونهاية العالم ككل. والإثنان مترابطان عبر الدينونة: الدينونة الفردية للنفس وحدها، والدينونة الشاملة بعد القيامة للنفس والجسد معاً. الفرد يُدان اعتماداً على أعماله أو أعمالها، فينتهي أو تنتهي في الجنة أو الجحيم بحسب تلك الأعمال. لكن ثمة دينونة شاملة نهائيّة يقرر عبرها مصير العالم.

يؤمن الزرادشتيون أن العالم سيستمر 12 ألف سنة، تنقسم إلى أربع حقب متمايزة عن بعضها. في الحقبة الأولى يكون الخير والشر منفصلين، في الحقبة الثانية يغزو الشر العالم الخيّر، أما في الثالثة فتستعر أوار الحرب بين القوتين. يعتقد الزرادشتيون أن الحقبة الأخيرة بدأت بولادة زرادشت وما تزال مستمرة. في السنوات الثلاثة آلاف الأخيرة يتوقع الزرادشتيون ظهور ثلاثة مخلصين بين المخلص والمخلّص الآخر ألف سنة. يدعى الأول أوشيدار، أي “الخيّر”. وهذا سيولد من عذراء وهو أيضاً من نسل زرادشت الذي تحفظ نطفته في إحدى البحيرات؛ وحين تأتي عذراء بعمر الخامسة عشرة للإستحمام تتلقح من تلك النطفة ويولد بالتالي المخلّص الأول.

فبحسب اليشت الثالثة عشرة، المقطع 62، من الأفستا؛ نقرأ: « لم يمت زرادشت وبقيت نطفته، إذ يحرسها 999999 من الأخيار والصالحين . وذات يوم، عند نهاية الزمان، ستحبل فتاة عذراء من هذه النطفة وسيولد شخص من هذه العملية ينتصر على الشرور وينقذ العالم». واسم هذه الفتاة العذراء “إِرِدَت فِذري”. وتذكر الأفستا اسمي فتاتين ثانيتين؛ هما “سروتَت فِذري” و“وَنغهوفِذري”. تحبل هذه الصبايا بنطفة زرادشت ويولد ثلاثة موعودين من هذا الحمل الإعجازي. أما اسم آخر مخلوق فهو“أَستوَت إرِتَه” حيث تبدأ قيامة الأموات بظهوره وينتهي العالم المادي. ويكون هذا المخلوق المخلوق الأخير لأهورا مزدا إله الخير عند الفرس.

لقد جاء في كتاب بندهش أحد الكتب الزرادشتية المكتوبة في القرون الإسلامية الأولى والذي يمتلئ بالقصص والروايات الأسطورية - منذ بدء الخليقة حتى قيامة العالم- من وجهة نظر الديانة الزرادشتية، أنه كان للنبي زرادشت ثلاث نساء. وأنه ذهب ثلاث مرات إلى نسائه وضاجعهن ولكن حيواناته المنوية كانت تسقط على الأرض لأنه هناك اعتقاد بولادة ثلاثة أطفال من هذه الحيوانات المنوية عند قيامة العالم. وكما أشرنا، فإنه في نهاية الإثني عشر ألف سنة من عمر العالم ستغتسل عذراء باسم “أَرِدَدبد” [ نلاحظ تغيّر الأسماء هنا] في بحيرة “كيانسه” وستحبل من نطف زرادشت ومن ثم سيولد سوشيانت المنقذ.

ويقول ابراهيم پور داود حول ظهور الموعودين في المذهب الزرادشتي: « ونقول الآن إن ايزد نريوسنك (رسول اهورا مزدا) سيحمل نطف زرادشت من على الأرض ويسلم أمانته لناهيد ملاك الماء لكي تحفظها في بحيرة كيانسو (هامون) ويحرس (99 ألف و999) شخص من الأخيار والصالحين هذه النطف لكي لا تقع بيد قوى الشر (الغيلان) الذين ينوون إزالة هذه النطف».

حين يصل المخلّص الأول إلى عمر الثلاثين، تتوقف الشمس في وضعية الظهيرة عشرة أيام. هذا يحصل قبل أن تهاجم الشمس عالم الكمال. مع مجيء المخلّص تسود بعض أفعال الخير وسوف يعيش الناس ثلاث سنوات بانسجام وسوف تتحسن الظروف ويبدأ إصلاح الكون. وسوف تفنى بعض المخلوقات المؤذية التي تنتمي لقوى الشر، مثل الذباب.

المخلص الثاني يدعى أوشيدار- ماه ويولد بالطريقة ذاتها. ستقف الشمس عشرين يوماً هذه المرة وسوف يستمر الإصلاح ست سنوات ويفنى المزيد من الكائنات الشريرة. سيزداد اقتراب الجنة الأصليّة وحالة الكمال التي كانت للعالم في البداية. يتوقف الناس عن أكل اللحم ويصبحون نباتيين ولا يشربون غير الماء. لكن هذا لن ينهي الشر، فسوف يعاود الظهور بشكل أزهي داهاكا ( أو زاهاك = ضحاك)، وهو وحش كان البطل ثرايتاونا ( تهمورِث ) قد انتصر عليه وسجنه على قمة جبل دَماوَند. لكن الوحش ينجو، فيغزو العالم ويؤذي العناصر المقدّسة، أي النار والهواء والخضرة. يقوم بطل آخر هو كيريسابا (جمشيد) ويخلّص العالم من هذا الوحش وتتناقص من ثم قوة الشر. مع ذلك يخطط أزهي داهاكا للنجاة.

في المرحلة الثالثة والأخيرة، يتم تخيل المخلّص الأخير سوشيانت بالطريقة ذاتها حيث نراه يهزم في نهاية الأمر كل قوى الشر. ويصل العالم إلى حالة كمال مع هزيمة نهائية للمرض والموت وكل قوى الشر والفوضى. ويقيم سوشيانت الموتى من حيث ماتوا. ويساق الناس جميعاً إلى مكان الدينونة حيث يشهدون أفعالهم الخيرة والشريرة. سيذهب الأشرار إلى جهنم والأخيار إلى الجنة ثلاثة أيام وثلاث ليال. الدينونة الأخيرة للفرد لا تتضمن غير النفس، في حين أن الدينونة العامة تتعلق بالنفس والجسد، أي أنها تتضمن قيامة الجسد. والبشر ككائنات كاملة يجتازون اختبارات عديدة، مثل العبور في معدن منصهر. ينسكب المعدن الحار على الأرض منقيّاً إياها ومعيداً إياها إلى حالة كمال وتوحد. ويجتاح جدول المعدن المصهور الأرض حاصداً الناس ومحولهم أطهاراً ومتناسقين أيضاً. أما منحة الخلود فتعطى حين يحتفل سوسشيانت، بوصفه كاهناً، بالذبيحة النهائية حين يموت الحيوان الأخير، الثور، لخدمة الإنسان. ومن شحم الثور والهَوما (مشروب الزرادشتيين المقدّس) الميثولوجيّة من البحر الكوني يتم تحضير أكسير الأبديّة. سيركض أهريمن وأزهي إلى جهنم كي ينجوا وسيدمّر المعدن المصهور جهنم وأزهي. أما أهريمن فيضحي عاجزاً ومن ثم يمحق. مع استواء الأرض واسترداد البشر وحدتهم الأمثوليّة للجسد والنفس تصبح البشريّة من جديد الوحدة التامة للروح والمادة التي نواها الله أصلاً.

وقرب البحيرة إياها، ثمة جبل باسم جبل الرب، يعيش في سفوحه قوم من الموحدين والأتقياء. وفي كل ربيع وبالأخص في عيد النيروز يرسلون بناتهم كي يستحممن في البحيرة. وعندما يقترب وقت ظهور الموعود هوشيدر، ثلاثون سنة قبل شروع ألفيته يعني ثلاثين عاماً قبل انتهاء الألفية العاشرة ، ستستحم عذراء ذات 15 ربيعاً من عائلة وَهوروتش أو بهروز بن فريان والذي تعود أصوله إلى ايسدواستر، ابن زرادشت، في البحيرة، وستتجرع رشفة من الماء وتحبل فورا.

سوشيانت: المعنى وتفاصيل أخرى

لقد تم تعريف المنجي الموعود في الأفستا، كتاب الزرادشتيين المقدّس، المسمى بسوشيانس عادة، على أنه «المخلص والمنقذ». وقد وردت هذه المفردة في اللغة البهلوية بلفظ سوشيانت وسيوسوش المشتقتين من كلمة “سود” بمعنى الفائدة والانتفاع.

وردت هذه الكلمة في الأفستا، بلفظ سئوشيانت (Saoshyant) ؛ أما في البهلوية، اللغة الفارسية القديمة، فنجدها بأشكال مختلفة نذكر منها: سوشيانت، سوشيانس، سوشانس، سوشيوس أو سيوشوس.

وقد وردت كلمة سوشيانس بصيغتي المفرد والجمع في «الجات» أو أناشيد زرادشت النبي. وفي عدد من آيات “الجات”، يطالعنا لقب لزرادشت، في صيغة المفرد، سوشيانت، بمعنى المنقذ أو المنجي. ويمكننا أن نشير إلى هذا المثال:

«متى سندرك، يا مزدا ويا أشاكه، يا من أنت ماهر وقادر على من يبغي قتلي؛ فإن جزاء امرؤ طيب القلب، يجب أن نطلع عليه جيداً؛ لذلك يأمل المنجي (سوشيانت) أن يطلع على قدره».

وقد ذكر سوشيانت ثلاث مرات بصيغة الجمع، في إحداها: «يا أهورا مزدا! إن طريق الحُسن الذي أريتني إياه، لهو طريق المنقذين (السوشيانتيين)».

يبّين من هذه المقاطع أن الاعتقاد بموعود آخر الزمان والذي سينقذ العالم من براثن أهريمن ويعود على البشر بحياة آمنة، كان متجذراً عند الإيرانيين القدماء وربما ينسب إلى مؤسس دين مزديسنا نفسه.

وفي أجزاء أخرى من الجات، حيث ترد كلمة سوشيانت بصيغة الجمع، يكون المقصود بالأمر أصحاب الدين. بعبارة أخرى، إن قادة الدين وخلفاء زرادشت والأبرار والزهاد الذين ينفعون الناس ويهدونهم إلى الطريق القويم ويمسون عاملا للفلاح والسعادة ويزيلون الشوائب عن الدين، يسمون بالسوشيانيين.

وفي أجزاء أخرى حيث ترد المفردة أيضاً بصيغة الجمع، يكون القصد هو الموعودين الثلاثة في مذهب مزديسنا (الزرادشتية) أو أبناء زرادشت المستقبليين، والذين سيظهرون أخيرا ويقومون بإحياء المذهب الزرادشتي وتحديثه ويعمّرون العالم المتلف والمدمر، ويجعلونه جديدا نشطاً .

على كلٍ فإن التفسير الأدق لسوشيانس موجود في أجزاء أخرى من الأفستا، حيث يكون المنقذون ثلاثة أشخاص: 1. اوخشيت ارته، وهومن ينمي القانون المقدس 2. اوخشيت نمنغه، وهو من يقيم الصلاة 3. استوت ارته، وهو الشخص الذي يصل الناس من شعاع نوره إلى الحياة الفانية. ولكن في كتب الروائية البهلوية الأخرى هناك أسماء أخرى للموعود الأول والثاني والثالث.

وجاء بعض من تنبؤات زرادشت حول ظهور وعلائم سوشيانس في كتاب «بهمن يشت». وفي الجزء الأخير من كتاب «زندبهمن ي‍َسن» والذي هو شرح وتفسير للأفستا، تمت الإشارة إلى ظهور مصلح عالمي ونهاية حكومته بفعل يوم الحساب: «إذاً سيطهر سوشيانس الخلق مرة أخرى ويكون آخر شخص ليوم الآخر.» ويقول إن القصد من سوشيانس هنا، هو آخر منقذ لمذهب الزرادشتي.

وبتصريح الأفستا فإن زرادشت ليس أكبر سوشيانس وآخر المنقذين، بل استناداً على هذا الجزء، هم أشخاص يقومون بتحديث العالم ويجعلون البشر خالدون. في ذلك الوقت ينبعث الأموات مرة أخرى وينقشع الموت عن الأرض؛ يظهر سوشيانت ويجدد العالم كما يحلو له.

عندما يسأل گشتاسب الملك عن كيفية ظهور سوشيانس وإداره العالم، يشرح جاماسب الحكيم، تلميذ زرادشت أن: «سوشيانس سيروج الدين في العالم، ويزيل الفقر والشظف، وينقذ الآلهة من جور أهريمن، ويوحد فكر وكلام وعمل شعوب العالم».

وفي كتاب «الزند»، الذي يعتبر من كتب الزرادشتين المقدسة، وبعدما يتم الكلام حول شيوع الفساد في آخر الزمان ويتم التذكير بأن القوة والمجد سيكونان مع أتباع أهريمن الشرير، نقرأ:

عندها ينجد أهورا مزدا الآلهة، وسيكون الانتصار العظيم للآلهة وينقرض الأهريمنيون... وبعد انتصار الآلهة ودحر نسل أهريمن، سيصل العالم إلى سعادته الأساسية، وسيجلس البشر على أريكة السعادة ...



المسلمون والزرادشتيّة:

ينقل «جاماسب» في كتابه الشهير «جاماسب نامه» عن زرادشت قوله: من أبناء الذكور لإحدى بنات النبي والتي اسمها “شمس العالم” و“شاه زمان” سيحكم أحدهم بتفويض من الآلهة وهذا الشخص هو الخليفة الأخير للنبي . دون أن ننسى إن إحدى زوجات الحسين كانت أميرة فارسيّة.

ونقرأ في جزء آخر من الكتاب: سيظهر رجل من بلاد العرب، من أبناء هاشم رجل كبير الوجه، كبير الجسم والساق، ويكون على دين جده، مع جيش عظيم، ويتجه إلى إيران ويعمر الأرض ويملأها عدلا .

ويضيف في كتابه:

إن نبي العرب هو آخر الرسل وسيظهر من جبال مكة... ومن أبناء النبي سيظهر شخص في مكة يصبح خليفته ويكون على دين جده... ومن عدله سيشرب الذئب مع النعجة من غدير واحد وسيتبع العالم كله مذهبه.



الخلاص في اليهوديّة والمسيحيّة:

المسيح المنتظر:

المسيح ( بالعبرية ماشيح מָשִׁיחַ؛ بالآراميّة مشيحا משיחא ؛ بالسريانيّة مشيحوܡܫܺܝܚܳܐ؛ باليونانيّة مسياس Μεσσίας ؛ باللاتينيّة مسياس Messias )؛ وتعني عند الجميع الشخص الذي يُمسح. في التقليد المسياني اليهودي أو الاسكاتولوجيا اليهوديّة، يشير المسيّا إلى ملك مستقبلي لإسرائيل من سلالة داوود، يحكم شعب أسباط إسرائيل الموحد ويعلن الزمن المسياني المميز بالسلم الكوني. بالعبريّة الفصحى يسمّى ملخ هامشيح מלך המשיח، التي تعني الملك الذي يمسح.

يؤمن المسيحيّون أن النبوءات الموجودة في العهد القديم إنما تشير إلى مخلّص روحاني، وهو ما تثبته مقاطع من سفر إشعياء: « ها أن الصبيّة تحمل فتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل » (14:7 ). لكن نلاحظ هنا أن الترجمة السائدة بين المسيحيين للفظة “علماه” العبرانيّة إنما تتبنى الترجمة السبعينية اليونانيّة للعهد القديم. فعلماه لا تعني عذراء، بل صبيّة أو امرأة تزوجت منذ برهة قصيرة. هنالك نص آخر من السفر ذاته: « طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا؛ نزل به العقاب من أجل سلامنا؛ وبجرحه شفينا » ( 5:53 ). وهم يعتقدون، بعكس اليهود، أن يسوع هو المسيح. والنسخة السبعينيّة اليونانيّة من العهد القديم تترجم المواضع التسعة والثلاثين كلها التي ورد فيها التسمية مشيح بلفظ خريستوس Χριστός. في إنجيل يوحنا نجد الترجمة اليونانيّة، مسياس، مرتين ( 41:1؛ 25:4 ).

اليهوديّة:

مفهوم المسيح في التاناخ (العهد القديم) غير شائع ولا موحد المضمون. فالمصطلح مستخدم هنا لوصف الكهنة الإسرائيليين، الأنبياء، والملوك الذين يمسحون بالزيت أثناء تكريسهم لمناصبهم. على سبيل المثال، يقال عن كوروش الكبير، ملك فارس، إنه “مسيح الله” في العهد القديم. وذلك كما يفسّر الأمر الحاخام أرييه قبلان. كذلك فهو يستخدم في العهد القديم لوصف أحد ملوك اليهود، كهنة يهود، أنبياء، الهيكل اليهودي وأدواته والخبز غير المخمر. التاناخ يحتوي عدداً (العدد محط جدل) من النبوءات حول النزول المستقبلي للملك داوود الذي سيمسح باعتباره القائد الجديد للشعب اليهودي.

يعتقد المسيحيّون أن دانيال كان نبيّاً، وأنه ألمح إلى زمن مجيء المسيح، الأمير مشيح ناغيد. لكن الأرجح، إذا ما راجعنا سفر الملوك الثاني، الإصحاح الرابع، أن يكون هذا المشيح عظيم الكهنة أونيا الثالث. وكان هذا قد عزله وقتله رجال أنطيوخس ابيفانس عام 175 تقريبا. تشير نبوءات دانيال إليه على أنه منحدر من نسل داوود، والذي سيعيد بناء أمة إسرائيل، فيقتل الأشرار، ويدين العالم كله في النهاية.

يعتقد اليهود الإصلاحيّون أنه كان ثمة مسحاء عدة – أي كل من مسح من الملوك والكهنة، بمن فيهم داوود وسليمان وهارون وشاؤول. الأخير، وهو أول ملك، يقال إنه “ممسوح من قبل الرب”.

حين يتحدّث اليهود الحاليّون عن مسيح المستقبل، فهم يقصدون مسيحين إثنين: مشيح بن يوسف ومشيح بن داوود. لكن “بن” العبريّة تعني أما ابن فلان أو ينحدر من صلبه. يمكن أن تعني الكلمة أيضاً “بطريقة”، أي سيكون هنالك مشيح بطريقة يوسف أو داوود.

ثمة تفسير حاخامي شائع يقول إنه هنالك مسيح كامن في كل جيل. فالتلمود، الذي غالباً ما يستخدم قصصاً من أجل غايات أخلاقيّة، يخبرنا عن حاخام محترم للغاية يجد المسيح على بوابات روما فيسأله، «متى ستأتي أخيراً؟». واندهش للغاية حين قيل له، «اليوم». وممتلئاً بالفرح والتوقع، انتظر الرجل طول النهار. في اليوم التالي عاد محبطاً ومتحيراً، وسأل، «قلت أن المسيح سيأتي اليوم لكنه لم يأت! ماذا حصل؟» أجاب المسيح، «يقول الكتاب المقدّس، “اليوم”، إذا استمعتم لصوته». لكن التلمود البابلي ايضاً، في رسالة لعابودا زارار، يقول إن عمر العالم ستة آلاف سنة: الألفان الأوليان طوهوبوهو(عماء)؛ الثانيتان، ألفا التوراة؛ والثالثتان ألفا المسيح. ومن أهم أسباب عدم إيمان اليهود بيسوع كمسيح، بعكس المسيحيين والمسلمين، هو مجيئه قبل أوانه.

المسيحيّة:

ظهرت المسيحية عام 30 للميلاد تقريباً كحركة بين اليهود والأغيار الذين اعتقدوا أن يسوع هو المسيح. فالمسيحيون يؤمنون أن يسوع هو المسيح الذي كان اليهود في انتظاره: أول ما فعله أندرياس أنه فتش عن أخيه شمعون وقال له: «وجدنا المسيح». وجاء به إلى يسوع. مع ذلك، فالمفهوم المسيحي للمسيح باعتباره “الكلمة صار جسداً” يختلف عن مثيليه في اليهوديّة والإسلام في أن اللاهوت الأساسي المسيحي يعتبر يسوع إلهاً، كما تقول عقيدة نيقية: «إله من إله، مولود غير مخلوق». في العهد الجديد، غالبا ما يقال عن يسوع إنه “ابن الإنسان”، الذي تفسّره المسيحيّة استناداً إلى سفر دانيال 7: 13-14: « وكنت أنظر في رؤياي ليلا فإذا بمثل ابن الإنسان آت على غمام السماء فبلغ إلى قديم الأيام وقرّب إلى أمامه. وأوتي سلطاناً ومجداً وملكا فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه وسلطانه سلطان ابدي لا يزول وملكه لا ينقرض ». وكما هو معروف، فالآيات من 4:2 إلى 28:7 مكتوبة بالآرامية. ولفظ “بار ناشا الآرامي” ( = بن آدم العبراني )، يعني الإنسان، كما يخاطب الله النبي في سفر حزقيال. لكنها هنا تدل على إنسان يفوق البشر. وهكذا فيسوع ذاته يستخدم هذا اللقب على أنه مطالبة مباشرة بكونه المسيح ( لوقا 24: 45-47؛ متى 20:8 ). والمسيحيّة تمضي في تفسيرها لمقاطع كثيرة من العهد القديم على أنها تتنبّأ بقدوم المسيح، وتعتقد أن العديد من النبؤات المسيانيّة تحققت في رسالة يسوع وموته وقيامته؛ وتحاول الكنيسة بالتالي نشر تفسيرها بأن المسيح هو المخلّص الأوحد، وأن يسوع سوف يعود لإكمال ما تبقى من النبوءة المسيانيّة بشكل بشري. فما هو المجيء الثاني للمسيح؟

رغم أن الاختلافات تعم بين الكنائس وفق انتماءاتها المذهبيّة بالنسبة لمجيء المسيح الثاني، يمكن تعريف هذا المصطلح، وفق معظم من يعتقد به من اللاهوتات المسيحيّة، بأنه العودة المنتظرة ليسوع من السماء، التي صعد إليها بعد صلبه، إلى الأرض؛ حدث تكتمل به سمات النبوءة المسيانيّة، مثل قيامة الموتى، الدينونة الأخيرة للأموات والأحياء والقيام التام لمملكة الله على الأرض، بما في ذلك العصر المسياني. مع ذلك، فالمؤمنون من المسيحيين بالمجيء الثاني يختلفون كثيراً فيما بينهم بخصوص تفاصيل هذا المجيء.

المجيء الثاني يتكرر كثيراً كعقيدة في العهد الجديد، خاصّة في صورة عودة يسوع كمسيح ديّان للأحياء والأموات ( أع 42:10 ) والمسكونة بالعدل ( السابق 31:17 ). وفي هذا اليوم يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح ( روم 2: 5-16)؛ الرب الذي سينير خفايا الظلام (1 كو5:4 )؛ فأمام كرسي المسيح ينال كل واحد بسبب ما صنع، خيراً كان أم شرّاً ( 2 كو10:5 )؛ لأنه سيدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته (2 تيم 1:4)، الذي سيتأنى الأخوة إلى مجيئه ( يعقوب 7:5 ). ومثل سوشيانت تماماً في الميثولوجيا الزرادشتيّة، نجد أنه «سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه » (2 تسا 8:2).

يسوع المسيح سوف يظهر ( 1 تيم 14:6 )، الذي سيدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته ( 2 تيم 1:4 )، والذي انتظاره مترافق بانتظار الرجاء المبارك ومجد الله العظيم (تيطس 13:2).

إن يوم الربّ كلص في الليل هكذا يجيء (1 تسا 2:5). لكن في إنجيل لوقا نجده يوماً لابن الإنسان ( 30:17 ). وإذا ما استشهدنا بنص من خارج الرسائل والأناجيل الإزائيّة، نجد بضع آيات في الإنجيل “اللاهوتي”، يذكرنا هنا أيضاً بسوشيانت، يقول، على لسان المسيح: «إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبديّة وأنا أقيمه في اليوم الأخير» ( يوحنا 40:6 ).

في الأناجيل الإزائية أمثلة عديدة يشير فيها يسوع إلى نفسه بأنه ابن الإنسان، أو يتحدّث عن الدور الذروي لقدوم ابن الإنسان (غالباً “بالمجد” أو “في ملكوته”)؛ وكما لاحظنا آنفاً، يستخدم يسوع لقب ابن الإنسان كأحد أشكال المرجعيّة الذاتيّة مطبقاً على شخصه صورة مسيانيّة هامة من الأقسام الرؤيوية في سفر دانيال عن: “ابن الإنسان”الذي سيأتي“على غمام السماء فبلغ إلى قديم الأيام وقرّب إلى أمامه. وأوتي سلطاناً ومجداً وملكا فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه وسلطانه سلطان أبدي لا يزول وملكه لا ينقرض”.

في الإنجيل اللاهوتي غير الإزائي، يوحنا، نجد أن يسوع يستخدم هنا أيضاً صورة ابن الإنسان في حديثه عن “الأيام الأخيرة” ( 6: 39-54 ). والصورة هنا ترتبط بمقولة قيامة الموتى – مقولة يعاد التأكيد عليها في وصف مارثا لقدوم يسوع بأنه قيامة وعمليّة متواصلة (24:11)؛ وفي قول يسوع لتلاميذه من أنه سيأتي من جديد ليأخذهم إليه فيكونون حيثما يكون، « في بيت أبي » ( 3:14 ).

لكن متى يحين موعد ملكوت الله؟ في مرقس ( 15:1 )، يقول يسوع: “قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله”. وبحسب متى 24 يأتي ملكوت ابن الإنسان بعد دمار الهيكل مباشرة؛ وفي الآية 23:10؛ يقال “ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان”. وهو ما تؤكّد عليه الأناجيل الإزائيّة كلها: “الحق أقول لكم: إن من القيام ها هنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته” ( متى 28:16 ). راجع أيضاً: مرقس 1:9؛ لوقا 27:9.

تتفق الأناجيل الإزائيّة أيضاً على مقولة يبدو أنها مستمدة أساساً من دانيال، تقول إن ابن الإنسان لن يظهر إلا بعد دمار الهيكل: “فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها النبي دانيال قائمة في المكان المقدّس ليفهم القارئ... حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء ... يبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير” ( متى 24: 15، 30 ). راجع أيضاً: مرقس 13: 1-30؛ لوقا 21: 5-32. كذلك تتفق الأناجيل الإزائيّة كلها في أن هذه الأمور ستحدث قبل أن “يمضي هذا الجيل” (متى 34:24؛ مرقس 30:13؛ لوقا 32:13).

في سفر أعمل الرسل، ثمة نوع من الارتباط بين صعود يسوع وعودته الثانية: «إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء » ( 11:1 ). مع ذلك، ففي رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي، هنالك آيتان ليس من السهل فهمهما، في سياق الحديث عن المجيء الثاني: "نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الربّ لا نسبق الراقدين. لأن الربّ نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الربّ في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الربّ.» ( 4: 15-17).

سفر الرؤيا يذخر بصور يوم الدينونة الأخير وبانتصار ملكوت الله، وينتهي هذا السفر غير العادي بعبارة: « تعال، أيها الربّ يسوع ».

المسيح والمهدي عند أهل السنّة والجماعة:

إنّ رأي المسلمين عموماً بالمجيء الثاني للمسيح يتضمّن أنّ عيسى لم يمت، بل رفعه الله إلى السماء، حيث ينتظر أن ينزل في “الأيام الأخيرة”، بعد أن يسود الجور والظلم على الأرض.

سيعود عيسى ليشنّ حرباً على المسيح الدجّال فيهزمه ويدعو الإنسانيّة جمعاء إلى الإسلام. سيكون في صف عيسى جيش من الأخيار، وسوف يحاربون الظلمة؛ ثم يتّحد جيشه بجيش المهدي في آخر معركة في تاريخ الجنس البشري.

المسيح في القرآن:

من شبه المؤكّد أن القرآن، بوضعه الحالي، يضع صعوبات في وجه الباحث يصعب تخطيها: فمن جهة الافتقار إلى وحدة الموضوعات، وقد كانت لنا محاولة لإعادة ترتيب سورة النساء بدت بعدها السورة الشهيرة أكثر تماسكا ومنطقيّة؛ ومن جهة أخرى غياب العامل الكرونولوجي في مسألة ترتيب السور، الأمر الذي يعيق كثيراً تكوين تصوّر عن تطوّر التفكير المحمدي فيما يخص مسألة بعينها. من هنا، في مقاربتنا لمسألة تطوّر فكرة المسيح عند محمد، فقد آثرنا أن نهمل بالكامل الترتيب المتعارف عليه للقرآن، واستعنّا بآخر كرونولوجي، يساعد أكثر في فهم تطور مفهوم المسيح عند محمد، كما أشرنا. مع أننا نعتقد أن ثمة إشكاليات حتى في هذا الترتيب، وكثير من الآيات لم يحسم زمنها: مكي أم مدني. دون أن ننسى الإشارة إلى الجهد الكبير الذي قام به فلوغيل لترتيب القرآن على نحو منطقي.

في القرآن عشرون موضعاً، على الأقل، فيها حديث عن المسيح بشكل أو بآخر. أول إشارة إلى المسيح، باسم عيسى بن مريم [ثمة خطأ واضح في القرآن، حين يدمج محمد بين مريمتين من الكتاب المقدّس: الأولى ذكرت في العهد القديم، وهي أخت موسى وهارون وابنة عمران، والثانية ذكرت في العهد الجديد، وهي أم المسيح – عيسى]، وردت في سورة مريم، 34 (ترتيبها الكرونولوجي 45)، وتتحدث عن نقاش حول شخص المسيح. الذكر الثاني في الزخرف،( ترتيبها 63 )، 41، التي تقول إن عيسى عنده علم الساعة؛ وفي 63، وهنا حديث عن بيّنات عيسى، أي آياته ومعجزاته. وللمرة الأولى نجد حديثاً عن الروح القدس، الأقنوم الثالث في الثالوث المسيحي، في سورة البقرة ( ترتيبها 83 ). لكنه هنا ليس أقنوماً، بل مؤيد لعيسى.

في آل عمران ( ترتيبها 89 )، نطالع للمرّة الأولى الإشارة إلى عيسى ابن مريم على أنه المسيح. وهو الكلمة التي من الله. وهو ما يذكرنا بيوحنا: “في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة [ هو] الله” ( يو1:1 ). كذلك فعيسى وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين (الآية 45). وبعد ذكر لأنصاره (الآية 52)، نجد إشارة هامة توافق الخرستولوجيا التقليدية المسيحيّة، يقال فيها إن الله سيتوفى عيسى (لا المسيح)، ورافعه إليه (الآية 55 من آل عمران). لكنه يخالف تلك الخرستولوجيا بعد آيات قليلة ( 59 )، بقوله إن عيسى، لا المسيح، مخلوق غير مولود. في سورة النساء نجد أصداء لآراء طائفة المشبهة المسيحيّة، حيث ينفي قتل المسيح وصلبه، فالأمر “شبّه لهم”ـ رغم حسّ التناقض مع النص السابق حول موت عيسى (نساء 157؛ ترتيبها 92). في السورة ذاتها نجد للمرّة الأولى سجالا عنيفاً ضد المسيحيين المثلّثين، مع أنه لا ينفي أن المسيح عيسى “رسول الله وكلمته وروح منه” (171)، وهو الأوحد بين كل الأنبياء الذي يحظى بمثل تلك الأوصاف. لكنه عبد الله (172).

النقلة الهامة في سورة الصف ( الآية 6؛ ترتيبها 109 )، هو قول عيسى لبني إسرائيل إن رسولاً بعده سيأتي اسمه أحمد. لكن الأثر الأبيوني واضح هنا في تجاهل المؤمنين بالمسيح من الأمم، واعتبار أن بني إسرائيل انقسموا إلى مؤمنين بالمسيح وكافرين به؛ والله يؤيد المؤمنين على أعدائهم ( الصف 14 ).

في السور المتأخرة زمنيّاً، على عكس السور الأولى، نتفاجأ باللغة العدائيّة ضد القائلين بألوهيّة المسيح (مائدة 17؛ ترتيبها الزمني 112)؛ وحديث المسيح هنا موجه كالعادة إلى بني إسرائيل ( 72 ). لكن الإضافة الوحيدة في المائدة هي تبني اللقب العبراني “صديقة”، في الحديث عن مريم ( 75 ). ونجد في الآية 110 نوعاً من التأنيب الإلهي لعيسى ( وربما لأمه أيضاً)، حيث يذكرهم الله أن كل معجزات عيسى المذكورة في العهد الجديد وغيره من الأسفار المسيحية – الكلام في المهد، تعلم الكتاب والحكمة، خلق الطير من الطين، إبراء الأكمه والأبرص، إحياء الموتى، كف بني إسرائيل عنه – كانت بإيعاز من خالقه. ثم نرى بعد ذلك جدلاً بين عيسى وأتباعه، الذين يريدون اختباره بطلب أن “ينزل” ربه عليهم مائدة من السماء (114). وهنا أيضاً نجد تبرّؤ عيسى من أن يكون قد طلب إلى الناس عبادته وأمه. وهنا للمرّة الأولى أيضاً نتفاجأ بأن المسيحيين يعبدون مريم، الأمر الذي قد يذكرنا ببعض العبادات المنقرضة في التاريخ المسيحي ( 116 ).

أخيراً، ثمة ربط غير مفهوم بين قول لنص أبوكريفي يهودي نادر الوجود، يرى في عزرا (العزير) ابناً لله، وتعميم ذلك على اليهود كافة؛ وقول “النصارى” إن المسيح ابن الله؛ وختم ذلك بقول: “أنّى يؤفكون”. ( التوبة 30؛ الترتيب 113 ).

إذن، لا نجد في القرآن كلّه إشارة إلى عودة ثانية للمسيح – بغضّ النظر عن المهدي.

الحديث النبوي:

إذا كان ثمة إشكاليات كبيرة في تناول النص القرآني أو مقاربة تاريخه، فإن الصعوبات لا تنتهي في التعامل مع السنّة النبويّة: تناقضها الداخلي، أي في المرجع ذاته؛ التناقض بيت المرجع والمرجع الآخر؛ استحالة تحديد صدقيّة الحديث؛ اختلاف الآراء في الجرح والتعديل؛ وتناقض بعضها مع النص القرآني ذاته. لقد طعن عدد من علماء أهل السنّة والجماعة بصحة الحديث النبوي عموماً؛ وكانوا على حقّ. ونحن نرى أن بعد الزمن، في ظل غياب التوثيق ولاموثوقيّة الذاكرة الشفوية، بين وقت النطق بالحديث ووقت تدوينه؛ إضافة إلى الانتشار السرطاني للصراعات السياسيّة التي بدأت عملياً منذ غياب النبي المؤسّس، وحاجة كل طرف لدعم مزاعمه بترسانة لاهوتيّة تنسب إلى النبي، بعد أن أقفل عثمان القرآن – كلّ ذلك أدّى إلى ما يسمّى بصناعة الحديث، أي إنتاج أحاديث “حسب الطلب”، لدعم هذا السياسي أو ذاك. بل إن أشهر المحدثين، أي أبو هريرة، كان على الدوام هدفاً لسهام المشككين والمكذبين، إنْ من القدماء أو من المحدثين. مع ذلك، توخيّاً للموضوعيّة، لا بدّ من مقاربة سريعة لأبرز ما تناول مسألة المهدي من أحاديث نبويّة؛ مع استعراض لمقولات أهم منكري المسألة من مفكري أهل السنة، أي، ابن خلدون. ونبدأ بصحيح البخاري. ففي باب نزول عيسى بن مريم؛ يقال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ». “إمامكم” التي يلوونها لتعني “المهدي”، لا تعني بأية حال وجود إمام بين المسلمين وقت نزول عيسى؛ كذلك فقد أخرجه مسلم «وأمكم منكم»، بمعنى أن المسيح سينزل “فأمكم بكتاب ربكم” وهذا أكثر تساوقاً مع سياق النص. وهذا يتساوق أيضاً مع ذكر صحيح البخاري لظهور جديد لعيسى ابن مريم مع ضدّه الدجّال، دون أيّ إقحام لمسألة المهدي ( صحيح البخاري، الفتن، ذكر الدجال ).

أبو داود، من جهته، يقدّم لنا أيضاً إحدى صور الاسكاتالوجيا الإسلاميّة المتعلّقة بالمجيء الثاني للمسيح وصراعه مع ضدّه، الأعور الدجّال: «‏عن ‏أبي هريرة، ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم؛ ‏قال: ‏ليس بيني وبينه نبي - ‏يعني ‏ ‏عيسى -‏ ‏وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل ‏مربوع ‏إلى الحمرة والبياض بين‏ ‏ممصرتين، ‏كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ‏ويضع ‏ ‏الجزية ‏ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك ‏المسيح الدجال ‏فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم ‏يتوفى فيصلي عليه المسلمون». (الملاحم، خروج الدجال). يؤكّد الأمر ابن ماجه (الفتن، فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج )؛ إضافة إلى ما ذكرناه حول تفرّد المسيح، بين كلّ الأنبياء، بمعرفة “الساعة”: «عن ‏عبد الله بن مسعود ‏قال: لما كان ليلة أسري برسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏لقي ‏‏إبراهيم ‏وموسى وعيسى؛‏ ‏فتذاكروا الساعة فبدءوا ‏بإبراهيم، ‏‏فسألوه عنها؛ فلم يكن عنده منها علم؛ ثم سألوا ‏موسى، ‏‏فلم يكن عنده منها علم؛ فرد الحديث إلى‏ عيسى ابن مريم،‏ ‏فقال: قد عهد إلي فيما دون ‏‏وجبتها -‏ ‏فأما ‏وجبتها ‏‏فلا يعلمها إلا الله! فذكر خروج الدجال؛ ‏‏قال: فأنزل فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم ‏‏يأجوج ومأجوج ‏وهم من كل ‏حدب ‏‏ينسلون ‏فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا أفسدوه فيجأرون إلى الله ‏ ‏فأدعو الله أن يميتهم فتنتن الأرض من ريحهم فيجأرون إلى الله ‏‏فأدعو الله فيرسل السماء بالماء فيحملهم‏ ‏فيلقيهم في البحر؛ ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد ‏الأديم ‏‏فعهد إلي متى كان ذلك كانت الساعة من الناس كالحامل التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها؛ قال ‏العوام: ‏‏ووجد تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ». وليس هنا أدنى ذكر لمهدي مع المسيح.

مع ذلك، كثيرة هي الأحاديث التي يتناقلها المسلمون السنّة حول المهدي المنتظر، مع ربط ذلك أيضاً بعودة المسيح الثانية إلى الأرض. وقد قام العلامة ابن خلدون بتلخيص ذلك في مقدمته، في القسم الأول من الفصل الثالث والخمسين في أمر الفاطمي، وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك. ثم فنّد كل تلك الأحاديث بطريقة علميّة، وفق معايير علوم ذلك الزمان. يقول العلامة التونسي: «اعلم أن في المشهور... ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره. وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتمّ بالمهدي في صلاته ...

يكمل ابن خلدون: جماعة من الأمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود والبزاز وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة ...

وبطريقة الجرح والتعديل يفنّد أهم تلك الأحاديث؛ فينقل عن مالك بن أنس أن أبا بكر الإسكاف، الذي نقل عن النبي قوله: «من كذب بالمهدي فقد كفر»، متهم وضّاع.

عن أبي داود والترمذي، ينقل ابن خلدون حديثين شبه متطابقين، يقول فيهما النبي: يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي؛ ثم ينكر الحديث باعتبار أن أحد ناقليه، عاصم بن أبي النجود، مطعون به. ثم يطعن بحديث آخر لابن داود، يضاف فيه، إن هذا الرجل، المهدي، يملأها [الدنيا] عدلاً كما ملئت جوراً؛ باعتبار أن أحد رواته، قطن بن خليفة، مطعون به. كذلك يطعن بحديث لبن داود ثالث، المضاف فيه هنا أن المهدي من صلب الحسن – لا الحسين – على أساس أن أحد رواته مطعون به. مثله أيضاً مثل حديث غريب، ينقلون فيه عن النبي قوله: يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطىء أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته؛ والطعن هنا في الراوية هارون.

عن ابن داود والحاكم ينقض ابن خلدون عن أم سلمة؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول: المهدي من ولد فاطمة؛ وهنا يطعن بالراوي علي بن نفيل.

يضيف أبوداود تفاصيل أخرى، نقلاً عن أم سلمة، بأن النبي؛ قال: يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة؛ فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه؛ ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم، صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه على الأرض، فيلبث سبع سنين؛ وقال بعضهم تسع سنين. وهنا الطعن في الراوية قتادة.

عن ابن داود والحاكم، ينسب إلى النبي تفاصيل أخرى تتعلّق هنا بشكل المهدي، التي لا تتناسق بالمناسبة مع شكله في المراجع الشيعيّة: المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى... ويبسط يساره وإصبعين من يمينه السبابة والإبهام وعقد ثلاث. وهنا يطعن ابن خلدون بعمران القطّان.

في نص آخر ينسب للحاكم وابن ماجه والترمذي؛ يضاف تفصيل هام يتعلّق بالمادة: يجيء إليه الرجل؛ فيقول: يا مهدي أعطني! قال: فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. وفي لفظ آخر: فتنعم أمتي فيه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط: تؤتى الأرض أكلها ولا يدخر منه شيء، والمال يومئذ كدوس؛ فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول خذ. والراوي محط الطعن هنا هو زيد العمي. مثل ذلك حديث للحاكم، لكن المطعون به في هذه النسخة هو أبو هارون العبدي.

ينقل الحاكم، عن أبي هارون العبدي نصوصاً أخرى تتحدث عن المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً؛ وفي نص يضاف، إنه ينزل على بيت المقدس. والراوية المطعون بنزاهته هنا، الحسن بن يزيد.

من ناحية أخرى، يقدّم لنا ابن حبان رواية ينسب فيها للنبي تفاصيل إضافيّة: إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخبر فلا يعطونه، فيقاتلون وينصرون فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً كما ملؤوها جوراً؛ فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج. لكن ثمة راو مطعون في نزاهته هنا، اسمه يزيد بن أبي زياد.

أما نص ابن ماجه، المهدي منا أهل البيت يصلح الله به في ليلة، فيطعن فيه بياسين العجلي.

للطبراني نص فحواه أن المهدي من أهل البيت؛ وهنا يطعن ابن خلدون بعبد الله بن أبي لهيعة وعمر بن جابر والحضرمي. ثم نطالع نصّاً آخر للطبراني، مليء بالتفاصيل؛ يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: يكون في آخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن؛ فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبوا أشرارهم فإن فيهم الأبدال؛ يوشك أن يرسل على أهل الشام صيب من السماء فيفرق جماعتهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم؛ فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات؛ المكثر يقول بهم: خمسة عشر ألفاً! والمقل يقول بهم: اثنا عشر ألفاً ! وأمارتهم امت امت؛ يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك، فيقتلهم الله جميعاً ويرد الله إلى المسلمين إلفتهم ونعمتهم وقاصيتهم ورأيهم. وهنا الطعن بعبد الله بن لهيعه.

كذلك ينقل الحاكم عن محمد بن الحنفية؛ أنه قال: كنا عند علي رضي الله عنه، فسأله رجل عن المهدي؛ فقال له: هيهات! ثم عقد بيده سبعاً؛ فقال: ذلك يخرج في آخر الزمان! إذا قال الرجل: الله! الله! قتل؛ ويجمع الله له قوماً قزعاً، كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد؛ دخل فيهم عدتهم على عدة أهل بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون؛ وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر. قال أبو الطفيل: قال ابن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم. قال: فإنه يخرج من بين هذين الأخشبين! قلت: لا جرم والله ولا أدعها حتى أموت. ومات بها يعني مكة! وهنا طعن واضح ببشر بن مروان.

أخيراً ينقل ابن ماجه عن النبي قوله: نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة - أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي. وهنا يطعن ابن خلدون بعكرمة بن عمّار.

إن أهمية الجرح والتعديل، كما نراه، تكمن في جانبه السلبي لا الإيجابي. بمعنى أن الجرح والتعديل، كعلم، ينحّي جانباً من وضح عدم أمانته؛ لكنه لا يمكن إلا أن يسمح لنا بأن نتوسع في شكوكنا لتطال أولئك الذين لم “تتوضح” لا أمانتهم، خاصّة وأن الباطن لا يتوافق دائماً مع الظاهر في بيئة كهذه.

المهدي عند الشيعة الإثني عشريين:

طرفان مسلمان، لا يخفى على الباحث الحيادي أبداً تأثرهم بعقائد وأفكار فارس وغيرها قبل الإسلام، تحتل أسطورة المهدي مكانة مركزيّة في عقائدهم: الصوفيّون السنّة، والشيعة، الذين يعتقدون أنه إمامهم الثاني عشر، الذي دخل غيبة كبرى ذات يوم وسوف يعود منها. لكن أسطورة المهدي، وإن لم تصبح عقيدة مركزيّة عند علماء السنّة عموماً، إلا أن أياً منهم لم يشجبها أو يتبرّأ منها.

ومع أننا نميل إلى اعتبار أن “مهدي” كلفظ مشتقة من “هدى” العربيّة، إلى أنه لا يمكن إغفال الجذر الفارسي “مه” في تفسير معنى الكلمة: ويعني القمر. ودون أن ننسى بعض عقائد العلي-إلهيّة بشأن الإمام علي، يمكن القول إن أحد معاني “مهدي” هو “الشخص الذي يمتلك القمر” أو “الذي وجهه على القمر”؛ وهو ما يتوافق مع قول للإمام الإثني عشري السادس، مؤسس المذهب عمليّاً، جعفر الصادق: إن وجه المهدي سيظهر على القمر. مع أن وجهه سيظهر أيضاً على الحجر الأسود في الكعبة.

يمكن اختصار النقاط التي يتفق فيها السنّة مع الشيعة في مسألة المهدي على النحو التالي:

سيكون المهدي من نسل النبي محمد عبر ابنته فاطمة؛ سيكون اسمه محمداً؛ سيحكم سبع سنين، أو تسع، أو تسع عشرة؛ سيقوم بتوزيع الثروات؛ سيترافق مجيئه مع ظهور أشياء سيئة؛ سيرافق ظهوره خروج الدجال؛ سيكون ثمة كسوف وخسوف في شهر رمضان؛ سيبزغ من الشرق نجم قبيل ظهوره؛ سيعيد الدين إلى شكله الأصلي ويقتلع جذور الفساد؛ سيحارب لأجل الإسلام وينشره في أصقاع المعمورة؛ ستكون جبهته عريضة وأنفه أقنى وعيناه كحيلتين؛ سيملأ الكون عدلاً بعدما ما امتلأ بالجور.



مهدي الشيعة الإثني عشريين:

لا شك أن المهدي كرمز أضحى فكرة في غاية القوة ضمن منظومة العقائد الإثني عشرية. فهو إمامهم الثاني عشر والأخير؛ ورغم أن الشكوك تحيط أصلاً بوجوده قط، فالحسن العسكري، والده المفترض، لم ينجب وفق مصادر لا حصر لها، يعتقد الإثنا عشريون أن مهديهم ولد عام 868 للميلاد؛ لكن الله أخفاه عن الناس وهو في الخامسة؛ فهو ما يزال حياً في غيبته بانتظار أمر الله له كي يرجع. وسوف يظهر في مكة بين زاوية الكعبة ومقام إبراهيم، ويدعو الناس إلى مبايعته، ليذهب بعدها إلى الكوفة. سيعود الإمام الغائب مع ثلة من مختاريه؛ وسيكون جزءاً من رجعته أعداءه الذين يقودهم الأعور الدجّال والسفياني. وكما الزرادشتيين تماماً، ستتحارب قوتا الخير والشر في معركة أبوكاليبتيّة أخيرة، حيث سينتصر المهدي وقواته (سوشيانت) على قوى الشر (أهريمن). الإضافة هنا المأخوذة عن المسيحيّة، هي أنه بعد حكم المهدي الأرض بضع سنوات، سيعود من جديد عيسى المسيح.

علامات المهدي بحسب الإثني عشريين:

قبيل ظهوره سيحل بالأرض الموت الأحمر (السيف) والموت الأبيض (الطاعون)؛ ستظهر شخصيّات عديدة، أهمها: الأعور الدجّال؛ السفياني واليماني؛ سيعود العرب للسيطرة على أراضيهم وطرد الغرباء؛ ستعرف سوريّة صراعاً هائلا بحيث تتدمّر؛ سيضرب الموت والخوف أهل بغداد والعراق؛ وستظهر نار في السماء ويغطيهم اللون الأحمر.

سيرة حياة المهدي بحسب الإثني عشريين:

منزلته: الإمام الثاني عشر؛ اسمه: محمد بن حسن بن علي ؛ كنيته: أبوالقاسم؛ ميلاده: 15 شعبان 255 للهجرة = 29 تموز 869 للميلاد؛ مكان الولادة: سامرّاء، العراق؛ حياته: 5 سنوات قبل الإمامة ( 255 – 260 هـ )، الإمامة، الغيبة الصغرى ( 260 – 329 هـ )، الغيبة الكبرى ( 329 – إلى اليوم )؛ ألقابه: المهدي، القائم، الحجة، صاحب الزمان، المنتظر، حجة الله، الغائب، صاحب الأمر، إمام العصر؛ أمه نرجس ولم ينجب. السنة والشيعة السبعيّون وغيرهم لا يعتبرون محمد بن الحسن مهديّاً.

ميلاد الإمام

وردت قصة ميلاد الإمام المهدي في عدد من كتب الشيعة من أهمها بحار الأنوار المجلسي وتثبت بالفعل ولادته من حيث المصداقية التاريخية. ويعتبر كتاب بحار الأنوار مصدر أكاديمي معتبر في المصادر التاريخية. ووردت كالتالي:

عن محمد العطار، عن الحسين بن رزق الله، عن موسى ابن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر، قال: حدثتني حكيمة بنت محمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت: بعث إلي أبومحمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فانها ليلة النصف من شعبان فان الله تبارك والله سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه.

قالت: فقلت له : ومن أمه؟ قال لي: نرجس. قلت له: والله جعلني الله فداك ما بها أثر؟ فقال: هو ما أقول لك.

قالت: فجئت فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة ؟ قالت: فقلت لها: يا بنية إن الله تبارك والله سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة.

قالت: فجلست واستحيت فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة وأفطرت وأخذت مضجعي فرقدت فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة ثم قامت فصلت .

قالت حكيمة : فدخلتني الشكوك فصاح بي أبومحمد من المجلس فقال: لاتعجلي يا عمة فان الأمر قد قرب.

قالت: فقرأت الم السجدة ويس فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك ثم قلت لها: تحسين شيئا؟ قالت: نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك.

قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فطرة فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به ساجدا يتلقى الأرض بمساجده فضممته إلي فإذا أنا به نظيف فصاح بي أبومحمد هلمي إلي ابني يا عمة فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال: تكلم يا بني!

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له. وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم.

قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال: هلمي إلي ابني فجئت بسيدي في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثم أدلى لسانه في فيه. كأنه يغذيه لبنا أو عسلا ثم قال: تكلم يا بني!

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وثنى بالصلاة على محمد وعلى آل محمد، ثم تلا هذه الآية «بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون».

قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال: صدقت حكيمة.

والروايات الشيعية تتحدث عن بعض الأشياء التي قام بها الحسن العسكري بعد مولد الإمام:

* أنّه أكثر من العقائق عن الإمام المهدي، وهذه من خواصه أنه لم يُعق عن مولود على الإطلاق كما عقّ عن الإمام المهدي، حتّى ورد في الروايات: أنه عُقّ عنه ثلاثمائة عقيقة، بل أمر الإمام العسكري عثمان بن سعيد أن يشتري كذا ألف رطل من اللحم وممّا شاكل ويوزّعه على الفقراء، والشيء الملفت للنظر أنّ الإمام نوّع وعدّد الأماكن، مثلاً كتب إلى خواصّه في قم أن يعقّوا وأن يقولوا للناس أن هذه العقيقة بمناسبة ولادة المولود الجديد للامام العسكري وأنّه محمد، وهكذا مثلاً كتب إلى خواصه في بغداد وفي سامراء.

* أنّه كان يحضر مجاميع من خواصّه وشيعته وكان يعرفهم على ولده الإمام المهدي وهذا ظاهر من جملة روايات:

مثلاً في إكمال الدين للشيخ الصدوق عن أبي غانم الخادم: أنّ العسكري أخرج ولده محمداً في الثالث من مولده وعرضه على أصحابه قائلاً: «هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فاذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً خرج فيملأها قسطاً وعدلاً».

وهكذا الرواية السابقة التي رواها شيخ الطائفة الطوسي في الغيبة : أنّ الإمام أطلع أربعين ـ تقريباً ـ من خواص أصحابه على ولده.



أم المهدي

تروي الكتب الشيعية أن أم المهدي هي نرجس الرومية (مليكة) التي يروى أنها من نسل شمعون الصفا وصي المسيح عيسى بن مريم وكانت ابنة قيصر الروم في عهد الحسن العسكري.

ولدت نرجس في القسطنطينية ورأت في منامها السيد المسيح يبشرها بأنها ستتزوج من الحسن العسكري. وفي إحدى انتقالاتها وقعت أسيرة في يد المسلمين وجيء بها إلى بغداد. وتقول الروايات انه في هذه الأثناء وجه علي الهادي أبوالحسن العسكري، أحد خاصته من سامراء إلى بغداد مع رسالة منه باللغة الرومية (اليونانية)، وأوصاه بتسليم هذه الرسالة إلى فتاة أسيرة جليلة في سوق النخاسة، وقد وصف له بالتفاصيل طبيعة المكان وشكل الفتاة. بعد أن وصف للرسول المكان والشيخ البائع والأسيرة الجليلة، وحمّله مائتين وعشرين ديناراً، ليدفعها ثمناً لمالكها. هنالك في بغداد في سوق العبيد ناول المبعوث كتاب الهادي إلى الفتاة التي كانت ترفض بأباء أن يقترب منها أي أحد. حينها قرأت الرسالة انخرطت بالبكاء وراحت تصرخ مهددة بالانتحار إن لم يوافق النخاس على بيعها إلى ذلك المبعوث. فساوم الرسول الشيخ البائع، حتى توقف عند الثمن الذي أرسله الهادي فدفعه إليه، ونقلها بتجليل واحترام إلى سامراء. فلما دخلت على الهادي رحب بها كثيراً، ثم بشرها بولد يولد لها من ابنه الحسن العسكري يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً. ثم بعد ذلك أودعها عند أخته “حكيمة” بنت الجواد لتُعلمها الفرائض والأحكام، فبقيت عندها أياماً. بعدها وهبها الهادي ابنه الحسن العسكري فتزوجها، وهي في مقتبل العمر.

أما أبوه، فيعتقدون أن ولادته ظلّت سريّة خوفاً عليه من الاضطهاد الذي كان يواجهه الشيعة على أيدي الخليفة العباسي، المعتمد. وبرأيهم أنه مات مطلع عام 874 للميلاد ( 8 ربيع الأول، 260 هـ ) حيث عينه الله إماماً ليقود مؤمني عصره.

إعلان إمامته

بعد وفاة الحسن العسكري تروي الروايات أن أخوه جعفر بن علي الهادي (وكان لا يعلم أن للإمام ابنا) ادعى أنه الإمام ودعى لنفسه. ولكنه عندما علم بأمر محمد المهدي تنازل له وأعلن البيعة لأبن أخيه.

لما قبض سيدنا أبومحمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة ، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن ، فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن علي عليهما السلام ، فقيل لهم : إنه قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي.

فسألوا عنه فقيل لهم إنه قد خرج متنزها وركب زورقا في الدجلة يشرب ومعه المغنون، قال: فتشاور القوم فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها.

فقال أبوالعباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره بالصحة. قال: فلما انصرف دخلوا عليه فسلموا عليه وقالوا: يا سيدنا نحن من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: احملوها إلي، قالوا: لا، إن لهذه الأموال خبرا طريفا، فقال: وما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد يقول: جملة المال كذا وكذا دينارا، من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على الخواتيم من نقش.

فقال جعفر: كذبتم تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلا الله. قال: فلما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال لهم: احملوا هذا المال إلي، قالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي عليهما السلام، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلا رددناها إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم.

قال: فدخل جعفر على الخليفة - وكان بسر من رأى - فاستعدى عليهم، فلما أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر، قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام.

فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمد قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إليه مرارا فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلا رددناها إلى أصحابها.

فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب، فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

قال: فبهت جعفر ولم يرد جوابا، فقال القوم: يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها.

فلما أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها، كأنه خادم، فنادي يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم، قال فقالوا: أنت مولانا، قال: معاذ الله، أنا عبد مولاكم فسيروا إليه، قالوا: فسرنا [ إليه ] معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، فإذا ولده القائم سيدنا قاعد على سرير كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه، فرد علينا السلام، ثم قال: جملة المال كذا وكذا دينارا، حمل فلان كذا، وحمل فلان كذا، ولم يزل يصف حتى وصف الجميع .

ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجدا لله عز وجل شكرا لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، وسألناه عما أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئا من المال. فإنه ينصب لنا ببغداد رجلا يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات، قال فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك، قال: فما بلغ أبوالعباس عقبة همدان حتى توفي.

ولعل في أسطورة موت أبيه أحد أبرز الشواهد على اعتقادهم به إماماً. فقد نحّى المهدي عمه جعفر بن علي جانباً، وأم بنفسه المصلين في صلاة الجنازة، وكان عمره خمس سنوات. في تلك اللحظة بالذات، اختفى المهدي ودخل في الغيبة الصغرى.



الغيبة الصغرى ( 874 – 941 ):

موضوع الغيبة عند الشيعة له الكثير من الأبعاد والأبحاث ملخصه. فبعد الإعلان عن نفسه والصلاة على جنازة أبيه أمام الملأ وبعدما بدأت السلطة العباسية في الاستقصاء عنه غاب الإمام عن الأنظار.

ويرى الشيعة أن الغيبة ليست شيء مستحيل أو غير منطقي فكما غاب عيسى في عقيدة أغلب المسلمين وكما يعتقد أهل السنة أن شخصية المسيح الدجال شخصية موجودة منذ أكثر من ألف سنة ولكنها مخفية عن الأنظار وكما يرى بعض المسلمين أيضا أن الخضر يعيش بين الناس ولكنه مختفي، يرى الشيعة إمامهم غائب منتظر غيبه الله عن الأنظار حفاظا على الدين وحفاظا عليه ولحكم لا يعلمها إلا الله.

كما يعتقد الشيعة فإن الإمام ولمدة 72 سنة كان غائبا ولكنه كان يعين نائبا له يتحدث باسمه ويبلغ الناس عنه وهم أربعة نواب الواحد تلو الآخر:

* عثمان بن سعيد العمري

* محمد بن عثمان العمري

* الحسين بن روح

* علي بن محمد السمري



الغيبة الكبرى ( بدأت عام 941 للميلاد؛ 329 هـ ):

في ذلك العام أعلن النائب الرابع أن المهدي أمر بأن يموت النواب الأربعة وأن تنتهي حقبة النيابة وتبدأ حقبة الغيبة الكبرى. وبعدها بستة أيام مات النائب الرابع؛ لا يزال الشيعة بانتظار ظهور المهدي. في العام ذاته، مات علماء شيعة بارزون، مثل علي بن بابويه القمي ومحمد بن يعقوب الكليني.

بدأت الغيبة الكبرى بوفاة السفير السمري سنة 328هـ أو329 هـ. حيث توقفت النيابة وخرجت رسالة من الإمام المهدي على الناس أنه لن يكون هناك نائبا عنه مباشر وبالرغم من أن البعض ادعى النيابة بعد السمري إلا أنهم لم يلاقوا تجمعا أو نجاحا وأوصى الإمام في فترة الغيبة الكبرى أن يرجع الناس إلى الفقهاء الحافظين والعلماء العارفين وهو ما سيتحول إلى ما يعرف بالمرجعية الشيعية وستبقى هذه الغيبة مستمرة حتى يأذن الله.

ومن رسائله التي أوردها الشيخ المفيد «ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم».

ِيعتقد الشيعة الإثنا عشريون إن المهدي المتمم لسلسلة الأئمة، فهو الإمام الثاني عشر والأخير الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا.

يروى أن الإمام الحادي عشر الحسن العسكري أنجب طفلا وهو محمد ( ولم تثبت هذه الحقيقة التاريخية لدى بعض أهل السنة) وظل يحاول إخفاءه عن الناس إلا المقربين منه فقط خوفا على الطفل من سطوة الدولة العباسية التي كانت تنكل بالعلويين في ذلك الوقت حيث إن الحسن العسكري كان في إقامة جبرية في مدينة عسكر ليكون تحت أنظار السلطة.

الانتظار

ينتهج أغلب الشيعة الآن مفهوم الانتظار، فيعتقد الشيعة أنه على الإنسان أن يكون دائما مستعد لظهور الإمام بالبعد عن المعاصي وترقية النفس عن الدنيا والحفاظ على الصلوات والصيام ونشر علوم أهل البيت. وأن يدعو الله دائما بتعجيل الفرج وخصوصا حين يرى الظلم قد استشرى أو فسادا.

ويقول السيد محمد باقر الصدر بهذا الخصوص (إن الإسلام حوَّل فكرة الخلاص من الإيمان بها في الغيب، ومن فكرة ننتظر ولادتها، ومن نبوئه نتطلع إلى مصداقها، إلى واقعاً ننظر فاعليته وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشارك أحزاننا وأفراحنا ويترقب اللحظة الموعودة).

الظهور وإتمام العدل

لكي تتم هذه العملية بالشكل المطلوب والفعال لابد من توفر شروط معينة، وهي التي ذكرها السيد محمد صادق الصدر في موسوعة الإمام المهدي (ع) تحت عنوان شرائط الظهور، وهي بشكل مختصر تتمثل في أربع نقاط أو شروط:

* الشرط الأول : وجود النظرية أو الأطروحة الكاملة لعملية التغيير. وبمعنى آخر وجود الإيديولوجية الفكرية الكاملة والقابلة للتنفيذ في كل الأمكنة والأزمنة والتي تضمن الرفاهية للبشرية جمعاء، وهذا ما تم بالفعل بوجود الشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية الخاتمة.

* الشرط الثاني : وجود القائد المحنك الذي يقود عملية التغيير الشامل. حيث ينبغي أن يمتلك هذا القائد العظيم القابلية الكاملة لقيادة العالم كله ونشر العدل فيه، وهذا أيضا قد حصل والمتمثل في وجود الإمام المهدي (ع) .

* الشرط الثالث : وجود العدد الكافي من الأنصار والمؤازرين للقائد العظيم. الذين يشكلون قاعدة للتغيير ولديهم مستوى عالٍ من الوعي والاستعداد للتضحية بين يدي القائد بحيث يعتمد عليهم في نشر العدل في جميع أنحاء المعمورة ويكونون قادة لجيش الإمام ومقاتلين بين يديه.

* الشرط الرابع: وجود قاعدة شعبية مؤيدة وكذلك استعداد عالمي للتغيير. أي وجود العدد الكافي من المؤمنين المؤيدين للإمام في حال ظهوره، وكذلك وجود استعداد لدى شعوب العالم لقدوم المخلص المنتظر .

من هنا نعرف أن ظهور الإمام (ع) سوف يتحقق لنا متى اجتمعت هذه الشروط في زمن واحد مهما طال الزمن، حيث أن هذه الشروط كفيله بإنجاح عملية التغيير المنشودة، واستحالة تخلف وعد الله لعباده الصالحين.

يكون الظهور في سنة وتر أي: واحد، ثلاثة، خمسة، سبعة، تسعة من السنين الهجرية.

ويبدأ ليلة التاسع من محرم بعد صلاة المغرب والعشاء في الحرم المكي (في الكعبة) وليلة جمعة ويكون أصحابه ومعاونوه في الأرض الـ313، من حوله فيوجه بيانه إلى أهل مكة، ثم يسيطر أصحابه وبقية أنصاره على الحرم في تلك الليلة، وعلى مكة، وفي اليوم الثاني، أي العاشر من محرم، يوجه بيانه إلى شعوب العالم كافة وبجميع اللغات، وتبدأ عملية الظهور المقدس حتى تنتهي بملء الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ويقول شيخ الطائفة أبوجعفر الطوسي بهذا الخصوص: ( الذي نقوله في هذا الباب.. أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده لا يتم إلا بأمور ثلاثة: أحدها يتعلق بالله وهو إيجاده (ع)، والثاني يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها، والثالث يتعلق بنا من العزم على نصرته ومعاضدته والانقياد له).

علامات الظهور

باختصار من مصدر كتاب العلامة الشيخ علي الكوراني (عصر الظهور):

*العلامة الأولى الكبرى:

اجتماع اليهود في أرض فلسطين

«فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا». - الإسراء 104

«وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا». الإسراء 4-7

1- تشير الآيات إلى أن وقت ظهور الإمام يكون فيه اليهود مجتمعين ومسيطرين على المسجد الأقصى، لأن عملية الدخول سوف تكون بالقوة، إلى المسجد (دخول الفاتحين).

2- أنه قبل الظهور مباشرة توجه ضربات لليهود في فلسطين “ليسوؤوا وجوهكم” أي أن هناك ضربات مؤلمة ومذلة سوف يتعرض لها اليهود قبل الظهور.

3- من المعروف في الروايات الإسلامية والمتفق عليها عند الطرفين أن المسلمين سينتصرون في المعركة الأخيرة، وسيكونون بقيادة المهدي.

إذاً هناك أربع إشارات تشير إليها الآيات:

1- اجتماع اليهود في فلسطين “جئنا بكم لفيفا”.

2- احتلالهم للمسجد الأقصى والقدس “وليدخلوا المسجد”.

3- “وليسوؤوا وجوهكم” ضربات موجهة من المقاومة قبل التحرير.

4- قيادة الإمام المهدي للمسلمين في هذه الحرب... وهذا ما ينتظره الآن المسلمون.

*العلامة الثانية الكبرى:

خروج رجل من قم

رجل من قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد لا تزلهم الرياح والعواصف لا يملون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين.

*العلامة الثالثة الكبرى:

قوة عسكرية وإعلامية للإمام قبل الظهور

في تفسير قول القرآن (بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد) عن الصادق: «قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتراً ( أي عدواً ) لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه».

*العلامة الرابعة الكبرى:

“المهدي مبدأه من المشرق” مسند أحمد وسنن الترمذي والبيهقي في الدلائل

أي تبدأ عملية الظهور من المشرق، من قبل بلاد فارس. «تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء القدس».

وهي تشير إلى أن الجيش الذي ينطلق مع الإمام يبدأ تحضيره في خراسان، ويكون هو الجيش الذي يتوجه مع الإمام إلى القدس.

وفي حديث عن الباقر: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا... ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم (أي المهدي عج) قتلاهم شهداء... أما أني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر (أي المهدي عج).

*العلامة الخامسة الكبرى:

العمائم السود من ذرية الرسول يقاتلون أعداء الإمام قبل الظهور

عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق قال: «إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب! أتدري لم ذلك؟» قلت: لا قال: «للذي يلقى الناس من أهل بيته».

من الواضح أن الذرية من بني هاشم سيكون لهم دور سياسي كبير ومميز في العالم الإسلامي يزعج العالم بأجمعه في الشرق والغرب. كما سيكون لهم من النفوذ والقوة.

ومن الواضح أن هذه العمائم السود التي هي من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطلب الحق، وستزعج العالم لأنها لا تستسلم كالآخرين، وكأن رأيهم واحد، فهم من مدرسة واحدة وهي مدرسة أهل البيت عليهم السلام التي تعلمهم هيهات منا الذلة، فتسلم الراية للإمام المهدي في آخر الزمان.

*العلامة السادسة الكبرى:

أبواب القدس



أناس يقاتلون على أبواب بيت المقدس يلقون عناية الإمام الحجة قبل الظهور

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة (الظهور)»

ورد في الرواية عن الإمام المهدي أنه:

«حزب يقاتل على أبواب بيت المقدس أنا منهم وهم مني» (مئتان وخمسون علامة ظهور)

*العلامة السابعة الكبرى:

العراق

دخول قوات غربية إلى العراق

«ورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة...»

*العلامة الثامنة الكبرى:

العراق

إستشهاد نفس زكية في النجف مع 70 من الصالحين

«قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين»

*العلامة التاسعة الكبرى:

العراق

انتقال العلم من النجف إلى قم قبل الظهور

يقول الإمام الصادق: ستخلو الكوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها ثم يظهر العلم ببلد يقال لها قم، وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدّرات وذلك عند قرب ظهور قائمنا

وعن الصادق: وأن البلايا مرفوعة عن قم وأهلها، وسيأتي زمان تكون قم وأهلها حجة على الخلائق، وذلك زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره

*العلامة العاشرة الكبرى:

العراق

خروج السفياني المنتظر وهو شخص يجهز جيوشه للبطش بأتباع آل البيت النبوي قبل ظهور المهدي.

عن جابر بن زيد الجعفي قال سألت أبا جعفر (الإمام الباقر) عن السفياني فقال: « وأنّي لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني يخرج بأرض كوفان، ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم»

العلامة الحادية عشرة الكبرى:

سقوط العراق بيد قوات أجنبية وتعم الفوضى في بغداد

ورد في رواية خطبة البيان عن أمير المؤمنين: ألا يا ويل بغداد من الري من موت وقتل وخوف يشمل أهل العراق إذا حل بهم السيف فيقتل ما شاء الله... فعند ذلك يخرج العجم على العرب ويملكون البصرة

*العلامة الثانية عشرة الكبرى:

الحجاز

آخر حكام الحجاز اسمه عبد الله

عن الإمام الصادق: من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم (أي ظهور الإمام)، ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام، فقلت: يطول ذلك؟ قال: كلا.

*العلامة الثالثة عشرة الكبرى:

العالم

خوف الناس قبل الظهور من الأوبئة والزلازل والأعاصير

في الحديث عن أمير المؤمنين يشير إلى علامات الظهور (نعم قتل فظيع وموت سريع وطاعون شنيع).

وعن الإمام الباقر:

«لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وطاعون (وباء) قبل ذلك»

*العلامة الرابعة عشرة الكبرى:

الكون

دخول مذنّب إلى مدار الأرض فيغيّر كل الطبيعة الفلكية على الأرض

ذكر نعيم بن حماد عن الوليد قال بلغني أنه قال يطلع نجم من قبل المشرق قبل خروج المهدي، له ذنب يضيء لأهل الأرض كإضاءة القمر ليلة البدر.

*العلامة الخامسة عشرة الكبرى:

القادة

الخراساني

الخراساني هو الذي يسلم الراية إلى الإمام المهدي أو يكون أعلى منصب عند أهل (خراسان) حتى يسلم راية الولاية والقيادة إلى الإمام المهدي.

إذا خرجت خيل السفياني (عدو الإمام المهدي) إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي (أي لمبايعته) فيلتقي هو الهاشمي (الخراساني) برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح (قائد الجيش) فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر (منطقة بجنوب إيران) فيكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود (أي تنتصر) وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمنى الناس المهدي (أي لمبايعته كما بايعه أتباعه) ويطلبونه.

ورد في الروايات مواصفات الخراساني كالتالي: 1- سيد هاشمي حسيني. 2- من خراسان. 3- صبيح الوجه. 4- في خده الأيمن خال. 5- في يده اليمنى خال أو خلل (الخال في اللغة علامة ضعف).

العلامة السادسة عشرة الكبرى:

القادة

شعيب بن صالح

عن عمار بن ياسر: المهدي على لوائه شعيب بن صالح.

وفي رواية أخرى: إن على مقدمة جيش المهدي رجلاً من تميم ضعيف اللحية يقال له شعيب بن صالح.

وعن محمد بن الحنفية: ثم تخرج من خراسان رايات سود قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح من تميم، يهزمون أصحاب السفياني، حتى تنزل ببيت المقدس توطئ للمهدي سلطانه.

أما مواصفاته بحسب الروايات كالتالي: 1- شاب أسمر. 2- خفيف اللحية. 3- نحيل. 4- قائد القوات. 5- صاحب بصيرة ويقين وتصميم لا يلين. 6- رجل حرب من الطراز الأول لا ترد له راية. 7- إنه من أهل الري.

*العلامة السابعة عشرة الكبرى:

القادة

اليماني

عن الصادق : وليس في الراويات راية أهدى من راية اليماني، هي راية حق لأنه يدعو إلى صاحبكم فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق، وإلى صراط مستقيم.

ورد في الروايات أن مواصفاته كالتالي:

1- سيد هاشمي. 2- من نسل الإمام الحسين (أي حسيني). 3- اسمه حسن. 4- يماني (إما أن يكون من اليمن من قبائل يمنية أومن اليُمن والبركة). 5- عالم دين. 6- رايته موالية لراية أهل البيت.

*العلامة الثامنة عشرة الكبرى:

السفياني وانقلاب دمشق وأنه سيكون أكبر عدو للإمام المهدي



عن السجاد : إن القائم حتم من الله وأمر السفياني حتم من الله ولا يكون قائم إلا بسفياني.

وعن أمير المؤمنين قال: يخرج ابن آكلة الأكباد (إشارة إلى جدته هند) من الوادي اليابس (سوريا) وهو رجل ربعة (مربوع) وحشي الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور، وأبوه (عتبة بن أبي سفيان) وهو من ولد أبي سفيان، حتى يأتي أرض قرار ومعين فيستوي على منبرها.

العلامتان التاسعة عشرة والعشرون:

آخر العلامات

الصيحة والنفس الزكية

وعن محمد بن مسلم: ينادي مناد من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المشرق والمغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرائيل، الروح الأمين.

وفي رواية يصيح أن الحق مع آل محمد عليهم السلام، وتكون الصيحة في النصف من شهر رمضان، وتقول رواية أخرى إن إبليس يتحير ماذا يفعل بهذه الهزيمة الإعلامية الكبيرة، فينادي في الأرض بنداء مضاد، لكي يربك الناس أن الحق من النصارى، وهذه الصيحة تكون في نفس العام الذي يظهر فيه الإمام.

ومن العلامات التي أشارت إليها الروايات قتل نفس زكية، وإن المهدي لا يخرج حتى تقتل نفس زكية في الكعبة اسمه محمد، وهو حسني النسب أي سيد حسني من نسل الإمام الحسن، والظاهر أنها تكون قبل الظهور بسنة، أوفي نفس سنة الظهور وتعتبر هاتان العلامتان من أواخر العلامات قبل الظهور.

فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض.

السمات المذهبيّة للمهدي الإثني عشري:

يتميّز مهدي الإثني عشريين، بين كل المخلّصين الذي تنتظرهم الشعوب والأديان، بسماته المذهبيّة المعادية لأهل السنّة والجماعة، والتي لا يمكن فهمهما إلا عبر التفسير النيتشوي الذي يرى فيه إن المضطهدين ينتقمون ممن يضطهدهم بخلق عالم ما ورائي، يتخيّلون فيه من يضطهدهم في حالة اضطهاد.

هنا شذرات مما سيفعله الإمام الغائب قبل أن يملأ الأرض عدلا ونورا كما ملأت جورا، حسب روايات الشيعة، في مكة والمدينة فقط: 1) قتل الحجاج بين الصفا و المروة « كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة » وقد عزى المجلسي كلامه إلى كتاب الاختصاص المفيد. 2) قطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم وقتلهم لاحقاً « كيف بكم لو قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة ثم يقال لكم: نادوا نحن سراق الكعبة» و أيضاً: «إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام... وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة وكتب عليها هؤلاء سرقة الكعبة ». « يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهما ويعلا في الكعبة وينادي مناديه هؤلاء سرّاق الله ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف». وسيُكثر القتل في قريش والعرب خاصة! عن أبي عبد الله قال: « إذا قام القائم من آل محمد (عليه السلام) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات». 3) سرقة أموال الحجاج واغتصابها كلما حانت الفرصة: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وأدفع إلينا الخمس»؛ كما جاء في كتب الطوسي وابن إدريس والحر العاملي: «مال الناصب وكل شيء يملكه حلال». 4) القذف العام لحجاج بيت الله الحرام ما عدا الإثني عشريين: « إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى الموقف، لأن في أولئك - يعني حجاج بيت الله - أولاد زناة وليس في هؤلاء أولاد زنا». ويستند فيض الكاشاني كلامه هذا على ما جاء في تفسير العياشي القائل: «ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته فإن علم أن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام فكان مأبوناً وفي فرج الجارية فكانت فاجرة». 5) نزع الحجر الأسود من الكعبة :«يا أهل الكوفة لقد حبكم الله عز وجل بما لم يحب أحد من فضل مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس وصلى إبراهيم .. ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه». 6) هدم الحجرة النبوية، وإخراج جسدي الخليفتين الراشدين، أبي بكر وعمر، وكسر المسجد النبوي: «وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من بها وهما طريان فآمر بهما تجاه البقيع وأمر بخشبتين يصلبان عليهما. فتورقان من تحتهما فيفتن الناس بهما أشد من الأولى ». «فعن أبي عبد الله قال: «هل تدري أول ما يبدأ به القائم (المهدي) عليه السلام؟ قلت: لا، قال: يخرج هذين رطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الريح، ويكسر المسجد». والقصد هنا أبا بكر وعمر. «إذا قدم القائم عليه السلام وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر فيبعث الله تعالى ريحا شديدة وصواعق ورعودا حتى يقول الناس: إنما ذا لذا، فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد، فيأخذ المعول بيده، فيكون أول من يضرب بالمعول ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب المعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه، فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين رطبين فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذريهما في الريح». « وهذا القائم .. هو الذي يشفي قلوب هو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما إن الله أرى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم المهدي والأئمة؛ فقال: «يا رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي وهو راحة لأوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس بهما يومئذ أشد من فتنة العجل والسامري». وعلق المجلسي بعد إيراده هذه الرواية: «يعني باللات والعزى، صنمي قريش، أبي بكر وعمر». وقال تعليقا على رواية أخرى: «لعل المراد بإحداث الحدث، إحراق الشيخين الملعونين». ثم سيبعث عائشة أم المؤمنين من قبرها ويقيم عليها الحدّ. عن أبي جعفر قال: «أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة (عليها السلام) منها». 7) هدم المسجد الحرام والمسجد النبوي «إن القائم سيهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد الرسول(ص) إلى أساسه».

أما سائر العرب ما عدا قريش، فليس بينه وبينهم إلا الذبح! عن أبي عبد الله قال: «ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح وأومأ بيده إلى حلقه». وفي نص آخر لا تستثنى قريش من الذبح، فعن أبي جعفر أنه قال: «لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم». وقد سُئل الإمام الباقر خامس أئمة الشيعة، عن المهدي هل سيسير بسنة محمد، فقال: «هيهات، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سار في أمته باللين، وكان يتألف الناس، والقائم أمر أن يسير بالقتل وأن لا يستتيب أحدا».

وأخيرا ننقل كلام حسين الخراساني أحد آيات الله عند الشيعة: «إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لأخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله لهم تلك الأراضي المقدسة» ويقصد أنهم ينتظرون قدوم المهدي لكي يفتحها .

وسماته اليهوديّة:

«عن حذيفة قال: قال رسول الله (ص): «المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري، يملأ الأرض عدلا كما ملأت جورا، يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء، والطير في الجو». وعن أبي عبد الله قال: «إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)، ولا يحتاج إلى بينة».



كلمة أخيرة:

معظم ماضينا ينتمي إلى زمن الخرافة؛ ومعظم حاضرنا ينتمي إلى زمن العلم. وحين نحكم على الحاضر والمستقبل بمعايير الماضي، هذا يعني مصادرة العلم لصالح الخرافة؛ مصادرة الحاضر والمستقبل لصالح الماضي؛ ومصادرة العقل لصالح النقل.

جاء في خبر وكالة (ايلنا) أنه دعا ممثل مرشد الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي في الحرس الثوري إلى ضرورة إحداث تغييرات واسعة في البلدان المجاورة لإيران «تمهيدا لظهور المهدي المنتظر». لأن هذه البلدان تشكل إلى جانب الحكومة والشعب الإيرانيين مركزا لدعم ثورة المهدي المنتظر حسب تعبيره.

وصرّح علي سعيدي في خطابه أمام رؤساء فروع توجيه وإرشاد القوى المسلحة: « بما أن القوات المسلحة تخضع لأوامر ولي الفقيه، فإنها في الحقيقة تقوم بتنفيذ أوامر المهدي المنتظر». وأضاف أن الحرس الثوري وسائر القوات المسلحة في إيران تحافظ على السلطة الدينية في إيران تمهيدا لظهور المهدي.

المصدر: http://alawan.org/article6028.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك