حركة الاعتماد والوعي المختلف

ناجي الحجلاوي

توطـئـة:



إنّ النّاظر في فلسفة الدّين المتعلّقة بحرمة النّفس البشريّة وضمان حقوقها العينيّة يقف على أنّ من قتل نفسا واحدة متعمّدا فكأنّما قتل النّاس جميعا(1)، وأنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة(2)، وأنّ الفتنة نائمة ملعون من أيقظها، وهي أشدّ من القتل(3) ويلفي حرصا متزايدا على إشاعة روح المحبّة والأخوّة(4)، وأنّ للإسلام فلسفة تعالج -بطريقة ناجعة- ضروب التّفرقة والعصبيّة والطّبقيّة والفساد الاجتماعي والسّياسي والاقتصادي، وأنّها دعوة صريحة للتّعاون والتّكافل والمساواة، كما أنّ الإسلام "يأمر بتطهير القلوب وتهذيب النّفوس؛ لأنّ القلوب الطّاهرة العامرة بالإيمان والنّفوس الصّافية المهذّبة بالمعاني السّامية هي التّي تدفع أصحابها إلى تهذيب عقولهم، كما تدفعهم إلى بناء الحضارة وتحقيق التّقدّم والتّطوّر"(5).

وكلّ هذه عوامل تساعد على تشكيل أرضيّة صُلبة يقف عليها النّاس جميعا بصفة عامّة والّذين يعتقدون المعتقد ذاته بصفة خاصّة. ومن شأن هذه العوامل أيضا أنّها تقوّي الوازع الأخلاقي الّذي يحول دون المنافسة من أجل تحقيق المآرب الشّخصيّة على حساب الآخرين. فهل نجح المسلمون في تمثّل هذه القيم وتحقيقها في حياتهم المعيشة أم بقيت مُثُلا عليا وأفكارا مجرّدة؟ وهل الواقع فعلا على تلك الشّاكلة؟ وبعبارة أخرى: ما نصيب المسلم في الواقع من هذه الأدبيّات؟

اللّحظات الثّلاث:

قبل الإسهاب في تحسّس ما من شأنه أن يشكّل إجابة عن هذه التّساؤلات تجدر الإشارة إلى أنّ الخوض في مسألة الصّراع من أجل السّلطة تُظهر ممارسة السّلطة كعلاقة بين قوّتين غالبا ما تكون علاقة صراع وسجال وتدافع أو تأثير وتأثّر(6). يندرج ضمن إطار أشمل هو علاقة الدّين بالدّولة أو المقدّس والدّنيوي، وقد عُرف هذا المجال من الثّقافة التّراثيّة باسم الأحكام السّلطانيّة(7)؛ والّذي نروم التّركيز عليه ضمن هذا الفضاء المعرفي هو محور التّجاذب بين أطراف متنازعة، وهو تجاذب مولّد للصّراع والتّسارع من أجل امتلاك الأدوات المولّدة للسّلطة والمتحكّمة فيها. ويبدو أنّ البؤرة المولّدة للنّزاعات الفكريّة المغذّية لهذا الصّراع هي عموميّة النّصّ القرآني وطبيعة لغته الإشاريّة والرّمزيّة، ممّا ولّد فراغا دلاليّا سعى المسلمون في بعض الأحيان إلى ملئه بمحاكاة تجارب الأمم المجاورة، والإستفادة من أجهزتهم الإداريّة والتّنظيميّة ولاسيّما زمن التّدوين وبعده.

إنّ القرآن لم ينصّ صراحة على نظام الحكم في صورته النّموذجيّة، ولم يرسم مثاله الأوفى الّذي يجب اتّباعه، ولاسيّما أنّ الرّسول قد صمت عن تعيين من يخلفه، فبقي المجال واسعا أمام المسلمين. ولفظة (الحكم) في كثير من أي القرآن لا تعني نظام الحكم كما توهّمه العديد من الفقهاء والمفسّرين؛ وإنّما كان المراد منها الفهم والرّشد والحكمة والنّبوّة كالّذي أوتيه عيسى ويحيى وموسى، فهم لم يكونوا حاكمين بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، فليس المراد إذا بلفظة الحكم في النّصّ التّأسيسي هو نظام الحكم السّياسي والاجتماعي والاقتصادي للأمّة، كما نفهمه اليوم في أدبنا السّياسي الحديث، بحجّة أنّنا نلفي ضروبا من الحكم في الأمّة الواحدة، في حين أنّ الآية تشير إلى نوع من الحكم واحد. ولمّا جاز أن تكون في الأمّة الواحدة أشكال عديدة من الحكم والشّرائع فقد بطل ما ذهب إليه أولئك الفقهاء والمفسّرون. ومن ثمّ لم يتضمّن القرآن الكريم أيّة آية تتعلّق بالحكم السّياسي أو تحدّد نظامه، ولم تتضمّن الأحاديث الشّريفة -دورها- أيّ حديث في هذا الشأن. وما ذلك إلاّ لأنّ القرآن قد أراد للنّاس أن يبتدعوا شكل حكمهم على نحو ما يريدون على أسس من الفهم الدّيني الّذي يستلزم العدل والفضل(8).

وإذ غاب في النّصّ التّأسيسي ضبط مفهوم الحكم؛ فإنّ المثال الحيّ للفعل السّياسي -كما رسمه الهدي النّبوي وسار عليه أبو بكر وعمر- قد ظلّ حيّا نابضا في عقول النّاس ووجدانهم بالرّغم من أنّ النّظام السّياسي الّذي اتّبعه الصّحابة وسموه الخلافة لم ينصّ عليه لا القرآن ولا الحديث ولا حتّى الإجماع؛ وإنّما هو مجال مفتوح أمام العقل للتّدبير والاستفادة من تجارب الأمم والأخذ بقواعد السّياسة(9).

ولمّا تضاربت بعض الأفهام المتعلّقة بدلالة النّصّ فقد وُجدت بوادر الخلاف والاختلاف بين أبناء الجماعة النّواة منذ وقت مبكّر زمن الاجتماع بالسّقيفة وجثمان الرّسول لم يُوارَ في التّراب. ولقد طرح رحيل النّبيّ وقائد الدّولة الفتيّة في المدينة أسئلة عن محدّدات الدّولة وضوابط العمل السّياسي، وقد ظلّت هذه الأسئلة معلّقة دون إجابة شافية، وزادها غياب النّصّ القاطع غموضا وعوصا(10). إنّ السّقيفة قد تضمّنت وعيا سياسيّا استثنائيّا بما دار فيها من جدال حول الأحقيّة في استخلاف الرّسول(11)، وما تضمّنته من تشاجر، فقد هاج الحاضرون وماجوا وعنّف الخباب بن المنذر الحاضرين، وامتنع سعد بن عبادة وعليّ بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر(12)، وقد كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها على حدّ قول عمر(13).

لقد شهد مسار الوعي السّياسي الإسلامي ثلاث لحظات فارقة: الأولى تتمثّل فيما سجّلته أحداث السّقيفة المشار إليها آنفا، وقيمة السّقيفة حينئذ تكمن في كونها احتضنت أوّل مشكلة سياسيّة اعترضت المسلمين، وقد كادت تشق صفوفهم مهاجرين ضدّ أنصار من جهة ومهاجرين ضدّ مهاجرين من جهة أخرى، هذا داخل المدينة مقر الحكم. أمّا خارجها فقد تعدّد أدعياء النّبوءة وتزايد رافضو الزّكاة. وعموما فقد آل أمر الخلافة إلى أبي بكر" لانعدام من ينافسه من الصّحابة؛ إذ كان أوّل من أسلم من الرّجال، وقد كان بمثابة المستشار الأوّل للرّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولكونه عارفا بأحوال العرب وذا قدرة سياسيّة فائقة، كما أنّه من قبيلة تيم، وهي قبيلة صغيرة ليست في مصافالقبائل الرائدة في الزعامة والقوة التي تبث الخوف في القبائل الأخرى(14).

وأمّا اللّحظة الفارقة الثّانية فتتجلّى في الفتنة الّتي دبّت في صفوف المسلمين وتسبّبت في تقسيمهم شيعا وأحزابا. إنّها الفتنة الّتي انتهت بمقتل عثمان بن عفّان الّذي أبى قاتلوه أن يُدفن في مقابر المسلمين، ومثلوا بجثته تنكيلا، فكسّروا له ضلعا، ودفنوه في مقابر اليهود حتّى وُلي معاوية فأضاف المقبرة التّي دُفن فيها الخليفة الثّالث إلى مقابر المسلمين(15).

لقد ظلّت هذه الفتنة مفتاح كلّ الخلافات السّياسيّة والعقائديّة في المجتمع الإسلامي(16)؛ إذ نشب الاختلاف الفكري والسّياسي بين المسلمين، وامتدّت ظلاله إلى اليوم، فالمسألة السّياسيّة بما تستتبعه من الطّاعة أو الخروج على الخليفة أو الإمام وما يتولّد عن ذلك من صراع على السّلطة هي حجر الزّاوية في علاقة الدّين بالدّنيا أو الإسلام بالسّياسة، وقد تجلّت هذه الثّنائيّات كأوضح ما يكون في ثوّار مصر والمطالبة بدم عثمان، ونصرة عليّ وتقديمه للخلافة، وخروج معاوية، ومعركة الجمل(17) ثمّ صفّين(18)، إنّه صراع فكري ديني تحوّل إلى دموي اختلط فيه الحقّ بالباطل يدّعي فيه كلّ طرف امتلاك الحقيقة صدقا وإيمانا ويخطّئ الأطراف الأخرى. وما خدعة التّحكيم إلاّ دليل على دهاء معاوية الموجّه لتغذية الصّراع وترجيح كفّته لصالح بني أميّة الّذين طالما كادوا للرّسول وناصبوه العداء؛ إذ عدّوه قبل إسلامهم خصما عنيدا ومنازعا قويّا يهدّد شوكتهم ويبدّد أطماعهم في النّفوذ، عوْدا بالمنافحة إلى بدايتها زمن التّنافس على زعامة قريش بين الفرعيْن الكبيريْن وهما بنو هاشم وبنو أميّة، وقد عبّر عمرو بن هشام بن المغيرة عن هذا التّنافس بقوله: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشّرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتّى إذا تحاذينا على الرّكب وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السّماء، فمتى ندرك مثل هذه؟!"(19).

وهكذا يتجلّى أنّ الفكر السّياسي القديم قد ارتبط بالصّراع على الحكم إثر "الفتنة الكبرى" الّتي تلت مقتل الخليفة الثّالث عثمان بن عفّان(20)، وأنّ حلبة الصّراع سياسيّة بالأساس قد زُيّنت بالزّينة الدّينيّة، ولعلّ أنصع دليل على هذا الأمر حرص بني أميّة على إظهار أن لا حادث يجري أو واقعة تقع إلاّ بمشيئة الله دفاعا على سياستهم الغاشمة باسم الدّين؛ إذ إنّ الأساس الدّيني يفحم الخصوم ويبكتهم، وهكذا انتشر التّفكير الجبري(21) الذّي راح ضحيّته معبد الجهني على يد عبد الملك بن مروان كما راح الجعد بن درهم على يد خالد بن عبد الله القسري ذبحا في يوم عيد الأضحى(22).

وأمّا اللّحظة الثّالثة فتبدو في عمليّة التّدوين؛ إذ رسّخ التّدوين بعض السّنن الثّقافيّة المتعلقة بالتّفكير السّياسي، كما وقع تمثّله واستحضاره انطلاقا من التّجارب الإسلاميّة الأولى حيث رسّخ الفقهاء أدبيّات دأب المسلمون على تقليدها معتبرين إيّاها أمرا ملزما، بالرّغم من أنّ هذه الحوادث الّتي تمّ تدوينها قد انقضت وانتهى تأثيرها. وعلى أيّة حال فقد استمدّت لحظة التّدوين قيمتها من كونها أعادت تشكيل الماضي فسكتت عن أشياء وذكرت أشياء أخرى، وقد مثّلت إطارا مرجعيّا ثقافيّا ضاغطا بما تضمّنته من مفاهيم وأدوات فكريّة ورؤى وقيم جماليّة وأخلاقيّة(23).

والّذي تجدر الإشارة إليه أنّه لمّا تسارعت الأحداث واتّسعت رقعة البلاد الإسلاميّة ظلّت الممارسة الفقهيّة تلاحق الواقع، تضفي عليه المشروعيّة، وتبرّر خروقاته المتمثّلة في شقّ عصا الطّاعة في وجه السّلطة المركزيّة، وذلك يبدو فيما يسمّى بولايات الاستيلاء(24)، وعليه فقد أصبح تمرّد الوالي القويّ ومصارعته للّذين ينافسونه على السّلطة عملا مشروعا؛ لأنّ قوّته ضامنة للغلبة، والغلبة شرط ظهور المسلمين بمظهر المناعة والحصانة بدلا من الضّعف والخنوع الجالبيْن لطمع الخصوم والأعداء في الاستحواذ على دار الإسلام.

وعلى هذه الشّاكلة تضاءلت دوائر الاهتمام بالعدالة والمساواة بين الفئات والاحتفال بقيم الحقّ والحرّيّة، فتشكّلت بذلك ما يُمكن تسميته بدوائر الفراغ في الوعي السّياسي العربي والإسلامي، وإذ تُعدّ هذه الدّوائر الفارغة من أهمّ مظاهر التّأزّم في الوعي السّياسي الإسلامي؛ فإنّ من أهمّ تجلّياته البون الشّاسع بين مستوى التّنظير -كاشتراط عنصر القرشيّة في الخليفة- من جهة وبين مستوى الواقع الّذي يتبوّأ فيه العنصر البويهي أو السّلجوقي صدارة الحكم والتّحكّم في الأجهزة الإداريّة والماليّة والسّياسيّة بصفة مطلقة من جهة أخرى. وهكذا قفز الواقع على الفكر الّذي ظلّ مرتخيا متقاعسا، وتطوّرت البنى الاجتماعيّة، وظلّ التّنظير يلاحق هذه البنى ليبرّرها ويضفي عليها المشروعيّة الدّينيّة.

إنّ التّشبّث ببعض المؤسّسات الّتي بدت ضمن التّجارب الأولى في بناء الدّولة الإسلاميّة -زمن الرّسول أو بعده- وما تولّد عن ذلك من مفردات دالّة على أشكال من الأنظمة السّياسيّة -كالخلافة أو الإمارة- هي علامة دالّة على أنّ تلك الأشكال هي مجرّد أنماط عابرة أنتجها العقل البشري في حواره الدّائم مع النّصّ والواقع، إذ النّصّ فضاء دلالي واسع يتّسع إلى إمكانات تأويليّة متعدّدة فلا موجب حينئذ للتّشبّث بأنماط اجتماعيّة أو سياسيّة أفرزها واقع ثقافيّ بعينه محكوم بعلاقة تفاعليّة بين العقل والنّصّ والواقع. ونستدلّ في هذا المقام على تخبّط العقل السّياسي العربي الإسلامي في خطأ منهجي قاتل تسبّب فيه بطش الحكّام وتسلّطهم من جهة، وتذيّل بعض الفقهاء إليهم من جهة أخرى، وهذا الخطأ يتمثّل فيما روّجه هؤلاء الفقهاء من أنّ الاجتهاد لا يستقيم مع النّصّ، ولاسيّما إذا صرّح بالحكم، والحال أنّ الاجتهاد لا يستقيم إلاّ بالنّصّ ومعه.

إنّ عقليّة محافظة تنهض على هذا التّصوّر الخاطئ للنّصّ ترفع شعار التّكفير سلاحا في وجه من يعنّ له تأويله في اقتداء بما يُنسب إلى عمّار بن ياسر من القول بوجوب محاربة المخالفين على التّأويل كما وقعت محاربتهم على التّنزيل، وهكذا ظلّت المنظومة التّقليديّة محكومة بقيديْن: سفاهة الحكّام من جهة، وتقليديّة أغلب العلماء من جهة أخرى(25) فكلّ الخلافات وضروب الانقسام بين المسلمين إنّما تعود -في غالب وجوهها- إلى سبب سياسي وإن عمد أصحابه إلى إظهار مظهر الخلاف العقائدي(26).



إنّ اللّحظات الثّلاث المشار إليها آنفا قد مثّلت المؤثّرات الموجّهة للوعي السّياسي العربي الّذي نجد له امتدادا فعليّا في الواقع التّاريخي. وإذا كانت التّجربة خير دليل على صحّة النّظر والواقع خير دليل على نجاعة الفكرة، فالجدير بالدّارس أن يلقي نظرة على مجريات الوقائع ومسار الأحداث طالما أنّ السّياسة هي فنّ الممكن تطبيقه وليس فنّ التّنظير تأمّلا.

عين على التّاريخ:

يجنح الدّارس إلى استقراء صفحات التّاريخ من أجل الوقوف على منطلقات المسألة السّياسيّة كما وقعت مكابدتها في الواقع، وكما ترسّخت في السّنّة الثّقافيّة الّتي تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، وإذ يلفي النّاظر أنّ أربعة من الخلفاء من خمسة بعدّ عمر بن عبد العزيز(27) قد قُتلوا قتلا بأيادي معارضين لحكمهم وهم مسلمون مثلهم. إنّها تصفية جسديّة تمثّل خلافا حقيقيّا(28) وأوّل ما يتبادر إلى الّذهن هوّ أنّ ألَق الوحي الّذي ظلّ حيّا متدفّقا في حياة الرّسول قد بدأ يخبو في نفوس الكثيرين بمجرّد وفاته. وقد تباينت مظاهر هذا الحياد عن سبيل الوحي، فمنهم من جاهر بالمهجور من الكلام في الدّين والأعراض، ومنهم من رفض الزّكاة معتبرا إيّاها جباية، ممّا حدا بأبي بكر إلى أن يحزم أمر الجيش للتّصدّي لهذا الإجراء عادًّا إيّاه مسّا من السّيادة الرّمزيّة للدّولة الفتيّة وللحفاظ على الرّصيد المالي الموظّف لخدمة المجموعة، فالمُلك بالجند والجند بالمال كما تقول أدبيّات القدامى السّياسيّة. ومنهم من دسّ السّمّ في الطّعام ورفع السّيف في وجه من كان يُعدّ أخا في الدّين. كما يبدو للدّارس أنّ المنازعة في السّلطة والتّطلّع للخلافة هما المحرّكان الأساسيّان للأحداث والموجّهان الرّئيسان للوقائع والتّاريخ(29).

إنّ أبا سفيان الّذي هو شيخ بني أميّة والّذي شهد قبل إسلامة كلّ الغزوات ضدّ الرّسول والمسلمين قد استهزأ بأبي فصيل زمن تولّيه للخلافة، وأبو فصيل كناية عن أبي بكر معتبرا أنّ الخلافة إرث، وأنّ بني أميّة أولى بهذا الإرث لِما أوتوه من قوّة مادّيّة ومناعة قبَليّة، ولمّا آلت الخلافة إلى عثمان أظهر نفوذه في أمور خدشت ضمائر المسلمين منها إعادة عمّه الحَكم بن أبي العاص المعروف بطريد النبيّ إلى المدينة، وأسند الولايات إلى أقربائه: الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة، وعبد الله بن عامر على البصرة، وعبد الله بن أبي سرح على مصر، وسلّم خُمس الغنائم الوافدة من إفريقيّة لمروان بن الحكم. فأثار ذلك حفيظة الهاشميّين وأجّج فيهم نوازع الصّراع والاحتجاج على هذه التّجاوزات، وانتهى المطاف بمقتل عثمان، وآلت الأمور بعد ذلك إلى عليّ بن أبي طالب وسرعان ما قاتله من بايعه بالأمس، وكانت موقعة الجمل، وتمرَّد معاوية فكانت معركة صفّين، وكان التّحكيم نتيجة حيلة سياسيّة، وهكذا سقطت الكرة في بئر بني أميّة وهرع معاوية إلى جمع الّذين اعتبرهم أهل الحلّ والعقد وقام فيهم المغيرة بن شعبة خطيبا فأشار إلى معاوية قائلا: هذا أمير المؤمنين، ثمّ أشار إلى يزيد بن معاوية وقال: فإن مات فهذا، ثمّ أمسك بسيفه وأشهره قائلا ومن أبى فهذا(30) وبهذا الإجراء تحوّلت المؤسّسة السّياسيّة من اعتماد العلاقات الأفقيّة المترفّقة بالنّاس إلى علاقات عموديّة تنهض على التّهديد والتّوعّد وإشاعة الخوف، فكان لبني أميّة قصب السّبق في تغليب القيم الدّنيويّة والمصالح السّياسيّة الآنيّة على القيم الدّينيّة والسّياسة الشّرعيّة، مدشّنين بذلك مجالا خصبا للتّربّص بخصومهم والثّأر منهم، فاستبان من سلوكهم أنّ لفظة الخلافة هي مجرّد عبارة مشحونة بدلالة دينيّة تزيّا بها المُلك، وأنّ الدّين غطاء يواري تسلّطا، وفي هذا الشأن يندرج ما قاله ابن خلدون من أنّ الخلافة" انقلبت إلى الملك، وظهر التّغيّر في الوازع الدّيني الّذي انقلب إلى عصبيّة وسيف. لقد ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلاّ اسمها، وصار الأمر مُلكا بحتا، وجرت طبيعة التّغلّب إلى غايتها، واستعملت في أغراضها من القهر والتّقلّب في الشّهوات والملاذ، ذهب رسم الخلافة، وبقي الأمر ملكا بحتا كما كان الشّأن في ملوك العجم بالمشرق"(31) ولا يخفى على الدّارس أنّ الدّولة الأمويّة قد تعصّبت إلى العروبة، وعدّت المسلمين من غير العرب أناسا من درجة ثانية، أبعدتهم عن المناصب السّياسيّة والقياديّة، وفرضت عليهم ضرائب مضاعفة وقللت عطاءهم وحجّرت الزّواج منهم وخصّتهم بمساجد بعينها وبلباس خاصّ(32)، وهو ما تسبّب في نشأة تيّار مضادّ سيُعرف في فترة لاحقة وبالتّحديد في العصر العبّاسي الأوّل بتيّار الشّعوبيّة الّذي عمد إلى مهاجمة الماضي العربي الإسلامي والطّعن فيه فكرا وثقافة وحضارة. وإن كانت هذه الحركة في منطلقاتها دعوة إلى المساواة بين مختلف الطّوائف في الشّعوب الإسلاميّة. وقد كان أصحابها يُدعون بأهل التّسوية قبل أن يتحوّلوا إلى دعاة تمييز عنصري(33).

ولا غرو في ذلك فبنو أميّة لم يسلم من بطشهم أحد حتّى المقرّبون من الرّسول ذاته؛ إذ نكّلوا بالحسين ثمّ قتلوه ومثّلوا بجثّته، وأغاروا على المدينة ورموا بيت الله بالمنجنيق، ممّا يوكّد أنّ البطش السّياسي إذا استند إلى الدّين ينتج أردأ الصّور القهريّة الّتي عرفتها البشريّة عبر التّاريخ. فهل الصّراع السّياسي في العهد العبّاسي سيشهد انفراجا؟ أم ستزيد مضايقه حدّة؟



ليس حال التّكالب على سدّة الحكم في الدّولة العبّاسيّة بأقلّ ضراوة ووحشيّة من العهد الأموي، فأوّل الخلفاء في هذا العهد هوّ الملقّب بالسّفّاح الّذي سلك سياسة احتكرت الدّين والسّياسة معا؛ إذ عدّ الخلافة أمرا خصّه الله به، وجُعل له الدّين ملاذا حصينا، وكان يقول عن نفسه: أنا السّفّاح المبيح والثّائر المنيح(34) وممّا يُروى أنّه اجتمع لديه بعض الأمويّين فأمر بضربهم، فضُربوا إلى أن أغمي عليهم، ومُدّت فوقهم البُسط، وأكل فوقهم الطّعام وهو يسمع أنين بعضهم إلى أن لفظوا أنفاسهم، فقال بعد شبع: إنّه لم يأكل أشهى ولا ألذّ من ذاك الطّعام(35).

وبعد السّفّاح تقلّد المنصور مقاليد الحكم فصدع بفلسفته العامّة المتعلقة بالسّياسة حين قال:"أيّها النّاس إنّما أنا سلطان الله في الأرض أسوسكم بتوفيقه.. وحارسه على ماله اعمل فيه بمشيئته وإرادته."(36) فليس بغريب حينئذ أن تنطلق يد المنصور لتفعل بالرّعيّة ما تشاء فهو الّذي قتل عمّه عبد الله بن عليّ خوفا من أن ينازعه السّلطة، وانقلب على قائد جيشه أبي مسلم الخراساني الّذي قال له: استبقني لأعدائك، فردّ عليه بقوله: وهل ثمّة من هو أكثر عداوة منك؟

ولقد وصلت الضّغينة بأصحابها بسبب الوصول إلى الحكم والاستيلاء عليه إلى نبش القبور والتّمثيل بالأموات كما فعل العبّاسيّون ببني أميّة حتّى أنّهم وجدوا جثّة هشام بن عبد الملك مازالت بعدُ لم تتغيّر، فضربوه بالسّياط وصلبوه وحرقوه وذرّوا رماده في الرّيح(37). وليس هذا السّلوك العنيف بدعا من أمر السّياسة الغاشمةح إذ أخرج الأمويّون من قبلُ جثّة زيد بن عليّ زين العابدين بعد دفنها وصلبوها أمام النّاس حتّى تحلّلت(38).

وإزاء هذا البطش السّياسي انقسم العبّاسيّون إلى هاشميّين وطالبيّين، وتطلّع الهاشميّون إلى الخلافة، وثار النّفس الزّكيّة محتجّا على العبّاسيّين الّذين غمطوا حقوق المسلمين ولاسيّما من هو أولى بالخلافة منهم، وهو عليّ بن أبي طالب باعتبار أنّ عليّا قد عُرف بإيثاره للحقّ وعدم اتّباع الهوى ولم يخصّ ذا رحم لرحمه(39).

وقد توارثت السّلالات مؤسّسة الخلافة عبر اغتصاب البيعة في إعراض شديد عن مبدأيْ الحرّيّة والاختيار الضّامنيْن لإيلاء القيادة لمن هو أهل لها من الأمّة، إلاّ أنّ مبدأ الوراثة لم يحُلْ دون الصّراع وإثارة الفتن. وإذ تعجّ كتب التّاريخ بالأمثلة الدّالّة على هذا الصّراع فإنّنا نسوق حادثة على سبيل المثال لا الحصر/ وهو مثال موسى الهادي الّذي لمّا آل إليه الأمر وبويع دخل بغداد فوجد النّاس قد بايعوا أخاه الرّشيد فعزم على خلعه من ولاية العهد(40).

وليس خافيا أنّ الانشغال بالطّمع في السّلطة وبريقها غالبا ما يسدّ الأبصار والبصائر، فينقلب الهمّ الأكبر منصبّا على تحقيق أكبر قدر ممكن من الشّهوات والملذّات، وخذ لذلك مثل المقتدر الّذي تولّى الخلافة وهو مازال صبيّا فكان مُلتاثا عربيد لاهيا بما هو فيه من اللّعب والسّرف والتّبذير، أحبّ جارية روميّة حسناء، أسلمها الدّولة وأهدى لها فصّا من الياقوت بثلاثمائة ألف دينار(41) وكانت والدته المدعاة باسم 'شغب' صاحبة نفوذ واسع، تتلاعب بالحكم، وقد أمرت قهرمانتها أن تجلس في مجلس القضاء للمظالم، ممّا حدا بالدّميري إلى وصف الحالة المتردّية الّتي كانت تعيشها البلاد سياسيّا وقضائيّا وثقافيّا، فأشار إلى أنّ الألسن انطلقت في المقتدر وأمّه ووزرائه وعمّاله وقضاته، وكثر السّبي والقتل، ودخل المنجّمون والمتخرّصون على الرّؤساء والنّساء، وقعد الدّجّالون للنّاس في الطّرقات."(42) وقد وجد الصّراع بين المذاهب والعقائد متّسعا ومجالا حيويّا ليشتدّ ويحتدّ كالّذي كان بين الخوارج والمرجئة والشّيعة والسّنّة والمعتزلة.

وإزاء هذه الصّفحات التّاريخيّة المليئة بالصّراع على السّلطة سجّل عليّ حسني الخربوطلي بعض الثّورات السّياسيّة والاجتماعيّة الّتي شهدها المجتمع الإسلامي في عهوده المبكّرة وهي كالتّالي: الثّورة على عثمان بن عفّان، وثورة الحسيْن، وثورة عبد الله بن الزّبير، وثورة التّوّابّين، وثورة الشُّراة، وثورة المختار بن أبي عبيد الثّقفي، وثورة عبد الرّحمن بن الأشعث الملقّب بناصر المؤمنين، وثورة زيد بن عليّ المعروفة بالثّورة المعتدلة، وثورة الزّنج(43). وهو دليل كاف على أنّ اختلالا في التّوازن السّياسي والاجتماعي والقضائي قد دبّ في أوصال النّسيج المجتمعي للأمّة الإسلاميّة منذ وقت مبكّر.

إنّ هذه الثّورات هي بمثابة الاختلاف الّذي سرعان ما تحوّل إلى خلاف، مما أنتج حلبة يصارع فيها المسلمُ المسلمَ، يقتله عمدا، ويعمد في ذلك إلى تشريك العديد من الأمصار الإسلاميّة؛ لتختلط الدّماء وتضيع التّبعة المنجرّة عن ذلك. وقد عبّر أبو ذرّ (ت.32 هـ/ 652م) بآرائه -بطريقة لا لَبس فيها- عن التّفاوت الصّارخ الّذي شهدته بلاد الشّام، ممّا أثار حفيظة معاوية بن أبي سفيان(44).

ولا غرو فيما ذهب إليه أبو ذرّ، إذ تصدّعت البُنى الاجتماعيّة، وانتصرت القيم الدّنيويّة على الدّينيّة، ومازالت الفوارق تتعاظم حتّى أضحى للموالي نفوذ، أخذ يتزايد شيئا فشيئا، ولا أدلّ على ذلك من الصّراع الّذي نشب بين هارون الرّشيد والبرامكة الّذين تمكّنوا من الأجهزة السّياسيّة، وكذلك الأتراك الّذين تعاظم نفوذهم زمن المتوكّل، فقتلوه ونصّبوا ابنه المنتصر خليفة بعده وقد تُرجم الصّراع الدّائر بين الموالي والعرب إلى أشكال متعدّدة: الشّكل الأوّل بدا في حرب ثقافيّة وقيميّة كالذّي كان من أدب بشّار وأبي نوّاس وكلاهما من أصل فارسي، تفنّن الأوّل في محاربة قيمتيْ الحياء وصيانة العرض في مجتمع متديّن يندرج نمط تفكيره وطبيعة سلوكه العامّ في إطار أخلاقي. وتفنّن الثّاني في إشاعة حبّ الخمر في مجتمع يحرّم شربها. وقد تضمّن الشّعر عموما وشعر الهجاء خصوصا روح الصّراع الّذي يذكّر بالعصبيّة القبَليّة(45) وقد وشى كتاب البخلاء للجاحظ (ت:250هـ/ 869م) بأنّ جماعة من أصول غير عربيّة كان ديدنها الأكبر هو محاربة قيمة الكرم عند العرب بتمجيد البُخل وإظهاره بمظهر الصّلاح والاقتصاد في النّفقات وعدم التّبذير. إنّ هذه الحرب الثّقافيّة والحضاريّة اتّخذت لها مبرّرا يتمثّل في العجز عن مجابهة المدّ الإسلامي عن طريق المصارعة العسكريّة والمغالبة عن طريق القوّة، وأمّا الشّكل الثّاني فيتمثّل في مظاهر التّنكيل والتّشفّي في زمن ضعف فيه الخلفاء وهانوا على من وقعت تسميتهم بالموالي، كالّذي جرى بالقاهر الّذي كفّ بصره، وكان عليه ثياب رثّة وبرجليه قبقاب خشبي، فخرج على النّاس يتسوّل قائلا: يا أيّها النّاس تصدّقوا عليّ، بالأمس كنت أمير المؤمنين وأنا اليوم من فقراء المسلمين(46).

ولقد حفر ابن خلدون في الدّوافع النّفسيّة الكامنة وراء الاستماتة في الاحتفاظ بدواليب الحكم والإمساك بأدوات السّلطة رغم ما يترتّب عن ذلك من خسائر مادّيّة وبشريّة، ويبدو ذلك في قوله:"إنّ المغالبة والممانعة إنّما تكون بالعصبيّة لما فيها من النُّعرة والتّذامر واستماتة كلّ واحد منهم دون صاحبه، ثمّ إنّ المُلك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدّنيويّة والشّهوات البدنيّة والملاذ النّفسانيّة فيقع فيه التّنافس غالبا، وقلّ أن يسلّمه أحد لصاحبه إلاّ إذا غُلب عليه فتقع وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة، وشيء منها لا يقع إلاّ بالعصبيّة"(47). ومصداق ما ذهب إليه ابن خلدون باد كأوضح ما يكون في قولة معاوية لمّا أغلظ إليه رجل فعفا عنه وحلم، ولمّا سُئل عن ذلك قال: إنّي لا أحول بين النّاس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا(48).

إنّهم ملوك لا همّ لهم إلاّ التّفنّن في الاستحواذ على السّلطة وتدبير المكائد لمن نافسهم، ملوك يصدق عليهم القول: الواحد منهم غدّار كثير العثار سريع الدّمار(49)، يستند تصوّرهم للفعل السّياسي إلى أنّ من اشتدّت وطأته وجبت طاعته ضاربين بمبدأ الشّورى عرض الحائط.

وحتّى ظاهرة ادّعاء النّبوءة فإنّها مسألة تندرج ضمن الصّراع للاستحواذ على المُلك فبمجرّد ما سرى خبر وفاة الرّسول سارع الأسود العنسي ومسيلمة الكذّاب وسجاح إلى ادّعاء أنّ الوحي قد انتقل من محمّد إليهم.

وبصفة عامّة تكشف الممارسات السّلطويّة الّتي حفلت بها كتب التّاريخ أنّ السّلطان الّذي تمسّكوا به إنّما هو حبل الله المتين وعروته الوثقى ودينه الحنيف متعمّدين الخلط بين القيم السّياسيّة النّسبيّة والمفاهيم الدّينيّة الكليّة فانجرّ عن ذلك اللَّبس المقصود بين سلطة الله وسلطة الحاكم الّذي يُصوّر على أنّه معصوم، فأُنتجت السّياسة بالدّين وأُنتج الدّين بالسّياسة، فمن الدّين استلهم ألقه المقدّس وفيه التُمست فلسفة الحكم والتّحكّم. وقد عمد الجهاز الإداري والعلمي -المتمثّل في الولاّة والفقهاء- إلى الهيمنة على الدّين، فأضحى صلاحه من صلاحهم ونجاعته من نجاعتهم وليس العكس. والنّتيجة المنطقيّة لهذا التّمركز حول الذّات هو توظيف المسألة الدّينيّة -باعتبارها تتمتّع بمصدر علويّ(50) - لخدمة الصّراع من أجل التّسلّط. وتمزّق أوصال الوطن الإسلامي الواحد، فقد أرادت بعض القبائل منذ وقت مبكّر الانفصال عن سلطة الحجاز، وساءهم أنّ الأموال المجباة في أمصارهم ترسل إلى بيت المال في المدينة. ثمّ استبدّ بنو بويه بفارس، وكانت بلاد الشّام بيد بني حمدان، وكانت مصر في يد الإخشيديّين، وكانت إفريقيّة بيد الفاطميّين، وكان الأندلس تحت ملوك الطّوائف. ولا أغرب من استعانة المرء تحت وطأة الصّراع السّياسي بالأعداء كالّذي كان من شأن الخليفة النّاصر الّذي استنجد بالتّتار لحمايته من المستعصم.

وقد اختزل محمّد عابد الجابري صيرورة الوعي السّياسي العربي الإسلامي في لحظات ثلاث؛ إذ أشار إلى أنّه قد تدرّج عبر ثلاث مراحل: الأولى مرحلة الدّعوة الّتي بدأ فيها الوعي بالذّات والشّعور بالكينونة المستقلّة يتبلوران. والثّانية تتجلّى فيما سطّره أبو بكر في خطبة توليته من محدّدات سياسيّة وأخلاقيّة تنمّ عن وعي موضوعي بالمسألة السّياسّة. والثّالثة المرحلة العبّاسيّة الّتي استغل فيها الدّينُ لخدمة الوعي المطلق(51).

الخاتمة:

كثيرا ما يتردّد على الألسن أنّ الإسلام دين ودنيا، ومن ثمّ وجب الوقوف على دلالة هذا العطف بين لفظتيْ الدّين والدّنيا، علما بأنّ لعلماء اللّغة رأيا في هذا المجال مفاده أنّ حرف الواو دالّ على المغايرة والمفاصلة. فمكوّنات الدّين ليست بالضّرورة مماثلة للدّنيا والعكس صحيح وإن كانت بينهما وشائج وصلات. إنّ الفصل بينهما منهجي لا يُخرج صاحبه أبدا من دائرة الإسلام. وإذا أراد الله للإسلام أن ينطبع بطابع الدّين فإنّ النّاس قد أرادوا أن يكون مطبوعا بالسّياسة، في حين أنّ الدّين ذو أبعاد إنسانيّة شاملة وفيه بعض الحقائق الإيمانيّة المطلقة، أمّا السّياسة فهي آنيّة مقيّدة بقيود الحوادث، محدودة بظروف المقام، تنهض أغلب الشّؤون فيها على الرّأي والمكيدة. فالحياة الدّنيويّة ليست كلّها محكومة بالدّين كما يتوهّم الكثيرون، ولو كان كلّ ما صدر عن الرّسول هو بمقتضى الوحي ما عاتبه ربّه. ولعلّ في تصدّي أحمد بن حنبل للمأمون في قضيّة خلق القرآن دليلا على أنّ دوائر اهتمام السّائس تقتصر على شؤون النّاس الدّنيويّة. وأمّا المسائل الدّينيّة فشأنهم مع الله وحده(52).

إنّ جوهر الإشكال لا يكمن في قيام مؤسّسات الدّولة على دعائم أخلاقيّة دينيّة(53)؛ وإنّما الإشكال يتجلّى في عمليّة التّوظيف السّياسي للقيم الدّينيّة، كما أنّ حصر الدّين في السّياسة تعسّف عليه وإضرار به(54). فإن ذهب المرء إلى اعتبار أنّ المنازعات الّتي شهدها المسلمون والاختلافات الّتي ندّت بينهم عبر تاريخهم الطّويل منذ أحداث السّقيفة إنّما هو من قبيل تغليبهم للقيم الدّنيويّة على القيم الدّينيّة فهو لا يجانب الصّواب، ولاسيّما أنّ الجيل الإسلامي الأوّل كان يعي جيّدا الفرق بين ما هو دينيّ وما هو دنيويّ. وانظر -على سبيل المثال- إلى التّفريق المبين في أذهان أنصار عبد الله بن الزّبير وهم يصارعون محمّد ابن الحنفيّة وأتباعه فقد كانوا يتقاتلون في المسجد الحرام، حتّى إذا حانت ساعة الصّلاة انصرفوا لها ثمّ عادوا للقتال(55). وهو ما يدلّ على أنّهم يعدّون خلافهم قد تعلّق بشأن دنيوي هو الجانب السّياسيّ، وليس في مسألة دينيّة. وإذا استقام هذا التّفريق في الأذهان فلا ضير أن تقع الإشارة إلى الأخطاء المنجرّة عن الجري وراء لذّة المنصب وشهوة التّحكّم في رقاب النّاس.

وغير خاف على الدّارس أنّ النّطق باسم الدّين لدى حكّام المسلمين هو المنزلق الّذي جرّهم إلى أن تتسربل أخطاؤهم السّياسيّة بسربال المقدّس الدّيني، فأُنتجت بذلك صورة قاتمة للقائمين بأعباء الخلافة في علاقتهم بالوزراء والمقرّبين من جهة ومدارها الحظوة والمحاباة وعلاقتهم التّسلّطيّة بالمحكومين الّذين يسمّون بالرّعايا من جهة أخرى، ومحورها الاضطهاد والتّنكيل.

وإذ لسنا بسبيل استعراض مظاهر التّأزّم المنجرّة عن الطّمع في السّلطة عبر امتداد التّاريخ الإسلامي؛ لأنّ ذلك مجال يطول الحديث فيه؛ فإنّنا تعمّدنا الإشارة إلى بعض اللّمحات منه لسببين أساسيّين: الأوّل: تحقيق الإفادة ممّا جرى من أحداث على يد أجيال هي أقرب إلى تجربة النّبوءة في إقامة الوحدة السّياسيّة الأولى، وهذه الإفادة تُعرف عادة بالعبرة، وهي عمليّة عقليّة تنهض على النّظر والتّمحيص. والثّاني يتمثّل في أنّ إشكاليّات الفكر تمتدّ في الزّمن، وأغلب موضوعاته تتشابه رغم اختلاف الفترة الزّمنيّة(56). ففي واقع المسلمين الحالي نشهد تغذية لافتة للصّراع من أجل السّلطة بحكم انحياز بعض المؤسّسات الدّينيّة التّقليديّة إلى الأنظمة الحاكمة، وظهور ما يُسمّى بالصّحوة الإسلاميّة الّتي انجرّ عنها تشكّل بعض الحركات الإسلاميّة التّي تقف في صفّ المعارضة، وهي النّاطقة باسم الإسلام السّياسي. وحسبنا حينئذ أن نشير إلى أنّ الفكر السّياسي الإسلامي قد شهد انطلاقته التّأسيسيّة مع حادثة التّحكيم وما انجرّ عنها من فِرق وضروب في الرّؤى، مختلفة ثمّ شهد انتقالا جوهريّا يتمثّل في بلورة رؤية في السّياسة مع الدّولة العبّاسيّة.

ويبدو أنّ المخرج السّليم من أغلب المآزق النّظريّة الّتي يتّخبّط فيها الفكر السّياسي الإسلامي بصفة عامّة، وفي علاقته بالدّين بصفة خاصّة؛ هو تحقيق نهضة شاملة عمادها تجديد الرّوح وتحديث العقل الّذي يؤجّر صاحبه إن اجتهد فأصاب مثلما يثاب إن كان في اجتهاده شيء خطأ(57) ويبدو أنّ الخلل المعرفي الّذي وجب الانتباه إليه هو سقوط العقل السّياسي في التّركيز على البعد الواحد في معالجة قضايا المجتمع المتشعّبة الجوانب، وعليه فإنّ الصّراع على السّلطة متأتّ من التّركيز على معالجة قضايا المجتمع الإسلامي من خلال البعد السّياسي بمفرده. زد على ذلك أنّ أغلب المعالجات في المنظومة الفكريّة التّقليديّة قد ركّزت على الجوانب السّياسيّة الّتي تسمّيها المُلك، والحال أنّها لم تضبط أسسه.

ولعلّ من البدهي أنّ الحكم في الإسلام يرتكز على أسس مدنيّة، جوهرها الحريّة والاختيار فيما يتعلّق بكلّ الأفعال والتّكاليف، ولاسيّما اختيار المحكوم لحاكمه(58)، إلاّ أنّ الواقع التّاريخي قد جرى على غير هذه الصّورة، إذ انزلق الحكّام إلى اعتبار أنفسهم خلفاء الله في الأرض لا خلفاء رسوله في الولاية وتحمّل المسؤوليّة السّياسيّة. وإذ ترتب على هذا الانزلاق فتن وأضغان وصراعات سياسيّة فإنّ السّؤال الّذي يوجّه إليهم: هل الأخطاء الّتي وقعوا فيها كانت بسبب الدّين في حدّ ذاته؟ أم من جرّاء توظيفهم له وإخراج هذا التّوظيف مخرجا سياسيّا؟

إنّ السّياسة مجال حيويّ ينهض على أجهزة فعّالة ومؤثّرة، إذا لم يُتعهّد بالمؤسّسات المراقبة والاحتضان المؤطّر فإنّه سرعان ما يحيد بأصحابه عن جادة السّبيل، فيجلب النّقمة من المحكومين على الولاّة ويتسبّب في الويلات على أبناء المجتمع الواحد. ولا تفوت الدّارس الإشارة إلى أنّ الإسلام في الوقت الّذي لم يُشرّع فيه لنظام حكم محدد فإنّه قد أرسى قيما وموجِّهات تصبّ كلّها في إنتاج ذات قادرة على تحمّل مسؤوليّة الجماعة.

إنّ سلوك الحاكم الّذي ينبع من استغلال موقع الدّفاع عن الدّين قد أرسى الاستبداد وغذّاه، ممّا أدّى إلى الهزائم المتعدّدة كسقوط بغداد وقرطبة والأستانة، وهكذا بات العقل السّياسي العربي يشكو من فراغ معرفيّ ظلّ مبرّرا لتواصل هذا الاستبداد، ممّا فوّت على الوعي السّياسي العربي التّداول السّلمي على السّلطة، ولا أجدر بملء هذا الفراغ من رجل الفكر والثّقافة؛ إذ إنّ التّنوير الّذي يضطلع به العالم من شأنه أن يضرب مقولة المستبدّ العادل والخليفة الّذي يدوم سلطانه باسم الدّين. إنّه دور المثقّف الّذي يتحمّل مسؤوليّته المتمثّلة في اندماجه في النّسيج الاجتماعي؛ إذ لا حريّة خارج الوجود، وهو أقدر النّاس على تحمّل المسؤوليّة والتّصرّف في الحرّيّة، علما بأنّ الحرّيّة الحقيقيّة هي الّتي تتجاوز حدود الأنا لتشمل أفراد المجتمع بأسرهم، وذلك هو المقصود برسالة المثقّف(59) الّتي تنصبّ على التّنمية البشريّة وبناء الذّوات الثّوريّة، ولاسيّما أنّ بناء الإنسان الجديد لن تقوم له قائمة إلاّ إذا أحسّ النّاس بأنّ الإرادة إرادتهم؛ لأنّ المستقبل لهم، ولأنّ رجال الفكر قد درسوا لهم طريق السّير، بحيث لا يكتب لهم كاتب أو يتحدّث إليهم متحدّث إلاّ وقد تركهم أكثر علما وأوضح رؤية لما يعلمونه، بناء على ما قرؤوه أو سمعوه على حدّ عبارة زكيّ نجيب محمود(60). ودون تحقّق ذلك فإنّ الوعي العربي يظلّ في مفترق الدّين والسّياسة يدور حول ذاته في حركة اعتماد، وفي أحسن أحواله يظل وعيا مرتخيا بالقياس إلى حركة الواقع السّيّار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعدّ إبراهيم النّظّام حركة الاعتماد حركة سكونيّة تدور حول محور ثابت، ومقابلها حركة النّقلة. انظر: البغدادي، الفرق بين الفِرق وبيان الفرقة النّاجية منهم، تحقيق: لجنة إحياء التّراث العربي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، ط 5، 1982، ص121.

1) تقول الآية 32 من المائدة 05: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.

2) حدّثنا أحمد بن يونس حدّثنا عبد العزيز الماجشون أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ –صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ». انظر: صحيح البخاري، تحقيق: طه عبد الرّؤوف سعد، مكتبة الإيمان، مصر، 2003، حديث رقم 2447.

3) البقرة 2 الآية 191. 

4) ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات: 49/ 10.

5) عليّ حسني الخربوطلي، 10 ثورات في الإسلام، دار الآداب، بيروت، د.ت، ص11.

6) انظر: جيل دلوز، المعرفة والسّلطة مدخل لقراءة فوكو، تعريب سالم يفوت، باريس، 1986، ص78.

7) وُسم بهذا العنوان كتابان تراثيّان هما: الأحكام السّلطانيّة والولايات الدّينيّة لأبي الحسن الماوردي، تحقيق: وتعليق خالد عبد اللّطيف، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1990. وكتاب الأحكام السّلطانيّة لأبي يعلى الفرّاء، تعليق محمّد حامد الفقي، دار الكتب العلميّة، ط2، 2000. ويمكن العودة أيضا لكتاب القاضي أبي يعلى الفرّاء وكتابه الأحكام السّلطانيّة لمحمّد عبد القادر أبي فارس، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ط2، 1983. وعبد السّلام بن عبد العالي مقال بعنوان: دولة الخلافة بين المشروعيّة والمعقوليّة، تعليق حول دراسة سعيد بن سعيد للماوردي ضمن كتاب جماعي بعنوان مداخلات، طبعة دار الحداثة، بيروت، ط1، 1985، ص139-170.

8) محمّد عمارة، التّراث في ضوء العقل، دار الوحدة، بيروت، ط1، 1980، ص121 وما بعدها. والمستشار محمّد سعيد العشماوي، الإسلام السّياسي، سينا للنّشر، ط3، 1992، ص45-46، 166. وكذلك كتابه أصول الشّريعة، سينا للنّشر، القاهرة، ط3، 1992، ص82، 126.

9) عليّ عبد الرّازق، الإسلام وأصول الحكم، ط1، مطبعة مصر، 1925، ص13. وفهمي جدعان، نظريّة التّراث ودراسات عربيّة وإسلاميّة أخرى، دار الشّروق، ط1، عمّان، 1985، ص65. وحسين أحمد أمين، حول الدّعوة إلى تطبيق الشّريعة الإسلاميّة، دار سعاد الصّباح، الكويت، ط3، 1992، ص115- 118.

10) عبد الإله بلقزيز، تكوين المجال السّياسي الإسلامي النبوّة والسّياسة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، ط1، 2005، ص60.

11) يُعدّ حدث السّقيفة حدثا استثنائيّا؛ لأنّه تمخّض عن ثلاث أطروحات سياسيّة: الأولى ترى أنّ الخلافة يجب أن تكون في قريش. والثّانية ترى تجوز في غير قريش. والثّالثة تنصّ على وجوب قيامها في الهاشميّين تحديدا من قريش. انظر: في هذا المجال أحمد أمين، فجر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، ط11، 1979، ص252-253.

12) يمكن العودة في هذا المجال إلى كتابي الإمامة والسّياسة لابن قتيبة، تحقيق: طه محمّد الزّيني، ج1، دار المعرفة، بيروت، د.ت، ص12-16. وتاريخ الأمم والملوك للطّبري، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1986، 2/233 وما بعدها.

13) الفلتة هي المفاجأة والمباغتة والأمر الّذي يقع من غير إحكام وقيل: الفلتة هي آخر ليلة من الأشهر الحُرُم، فيختلفون فيها أَ من الحلّ هي أم من الحَرَم؟ فيسارع الموتور إلى درك الثّأر، فيكثر الفساد، وتُسفك الدّماء، فشبّه أيّام النّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالأشهر الحرم، ويوم موته بالفلتة في وقوع الشّرّ من ارتداد العرب. انظر: ابن منظور، لسان العرب، مج2، دار صادر، بيروت، د.ت، مادّة "فلت"، ص66- 67.

14) محمّد عابد الجابري، العقل السّياسي العربي محدّداته وتجليّاته، المركز الثّقافي العربي، بيروت، ط2، 1991، ص131.

15) يمكن العودة في هذا المجال إلى ابن الطّقطقي، الفخري في الآداب السّلطانيّة والدّول الإسلاميّة، تحقيق: عبد القادر محمّد مايو، دار القلم العربي، حلب، ط1، 1997، ص104. وابن قتيبة، الإمامة والسّياسة، تحقيق: طه محمّد الزّيني، ج1، ص46. وهشام جعيّط، الفتنة، ترجمة خليل أحمد خليل، دار الطّليعة، بيروت، د.ت، ص112 وما بعدها.

16) نصر حامد أبو زيد، الاتّجاه العقلي في التّفسير، دار التّنوير، د.ت، ص12. 

17) يمكن العودة في هذا المجال إلى سيف بن عمر، وقعة الجمل، جمع وترتيب: أحمد راتب عرموش، دار النّفائس، ط4، بيروت، 1982، ص107-183.

18) تُطلب تفاصيل هذه الحرب في كتاب محمّد بن عليّ بن طباطبا المعروف بابن الطّقطقي وهو "الفخريّ في الآداب السّلطانيّة والدّول الإسلاميّة"، ضبط وتحقيق: عبد القادر محمّد مايو، ص94-99.

19) ابن هشام، السّيرة النّبويّة، تحقيق: طه عبد الرّؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، مج1، ج2، ط1، 1991، ص157.

20) انظر: عبد المجيد الشّرفي، الإسلام والحداثة، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1990، ص187.

21) زهدي جار الله، المعتزلة، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، ط6، 1990 ص16. ومحمّد عابد الجابري، العقل السّياسي العربي "محدّداته وتجلِّياته"، الفصل9، ص299-328.

22) عبد الكريم الشّهرستاني، الملل والنّحل، ج1، تحقيق: محمّد عبد القادر الفاضلي، المكتبة العصريّة، بيروت، 2007، ص67-69. ونصر حامد أبو زيد، الاتّجاه العقلي في التّفسير، ص19.

23) انظر: محمّد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، ط1، د.ت، ص61-62.

24) جاء في الأحكام السّلطانيّة للماوردي وبالتّحديد في تعريف إمارة الاستيلاء، ص76-77، ما يلي:" وأمّا إمارة الاستيلاء التّي تُعقد عن اضطرار، فهي: أن يستولي الأمير بالقوّة على بلاد يقلّده الخليفة إمارتها، ويفوّض إليه تدبيرها وسياستها، فيكون الأمير باستيلائه مستبدّا بالسّياسة والتّدبير، والخليفة بإذنه منفّذا لأحكام الدّين".

25) أنفذ حامد، كبير وزراء المقتدر، الفتوى إلى المقتدر بالله، وبذلك تمّت مهزلة دامية، من أعجب مهازل التّاريخ، بل من أبشع مآسيه، مهزلة اشترك فيها الخليفة وكبير قوّاده مؤنس وحامد من ورائهم حشد ضخم من المنافقين والمرتشين والمحتكرين ومحترفي السّياسة المنتفعين الّذين يسبحون مع التّيّار المنتصر. انظر: طه عبد الباقي سرور، الحسين بن منصور الحلاّج شهيد التّصوّف الإسلامي، دار نهضة مصر للطّبع والنّشر، الفجّالة-القاهرة، د.ت، ص135.

26) عبد السّلام بن عبد العالي مقال بعنوان: دولة الخلافة بين المشروعيّة والمعقوليّة، تعليق حول دراسة سعيد بن سعيد للماوردي ضمن كتاب جماعي بعنوان مداخلات، طبعة دار الحداثة، بيروت، ط1، 1985، ص147.

27) انظر: يوسف القرضاوي، شريعة الإسلام خلودها وصلاحها للتّطبيق في كلّ زمان ومكان، المكتب الإسلامي للطّباعة والنّشر، بيروت، ط2، 1397هـ، ص177.

28) يذهب الدّارسون إلى اعتبار الفتن الّتي عاشها المسلمون منذ وقت مبكّر حروبا أهليّة لأنّها لم تكتف بشقّ الطّبقة السّياسيّة الّتي هي قوام الدّولة. وإنّما كانت بين المجتمع والدّولة من جهة وبين أبناء المجتمع من جهة أخرى. انظر: عبد الإله بلقزيز، تكوين المجال السّياسي الإسلامي النّبوّة والسّياسة، ص68-69.

29) محمّد عمارة، التّراث في ضوء العقل، ص179.

30) انظر: المستشار محمّد سعيد العشماوي، الخلافة الإسلاميّة، سينا للنّشر، ط2، 1992، ص132.

31) ابن خلدون، المقدّمة، تحقيق: عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر، القاهرة، ط3، د.ت، ج2، ص608.

32) مقابلة مع محمّد الطّالبي ضمن كتاب "هموم الثّقافة العربيّة" لفرحان صالح، دار الحداثة، بيروت، ط1، 1988، ص47-48.

33) انظر: إميل توما، الحركات الاجتماعيّة في الإسلام، دار الفارابي، بيروت، ط2، 1981، ص124. وحسين مروّة، تُراثنا... كيف نعرفه، مؤسّسة الأبحاث العربيّة، بيروت، ط1، 1985، ص257، 270.

34) المستشار محمّد سعيد العشماوي، الخلافة الإسلاميّة، ص162.

35) المستشار محمّد سعيد العشماوي، الإسلام السّياسي، ص18.

36) انظر: محمّد عابد الجابري، العقل السّياسي العربي "محدّداته وتجليّاته"، ص365.

37) المستشار محمّد سعيد العشماوي، الخلافة الإسلاميّة، ص163.

38) المستشار محمّد سعيد العشماوي، الإسلام السّياسي، ص18.

39) انظر: ابن الأثير، الكامل في التّاريخ، ج3، بيروت، دار الفكر، 1987، ص30.

40) الدّميري، حياة الحيوان الكبرى، بهامش عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات للقزويني، ط.1، البولاق، مصر، 1920، ج1، ص70..

41) ابن جرير الطّبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص670-680..

42) الدّميري، حياة الحيوان الكبرى، ج1، ص82.

43) انظر: عليّ حسني الخربوطلي، 10 ثورات في الإسلام.

44) انظر: حسن حنفي، قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، ج1، دار التّنوير، بيروت، د.ت، ص177.

45) انظر: مونتغمري وات، الفكر السّياسي الإسلامي "المفاهيم الأساسيّة"، ترجمة صبحي حديدي، دار الحداثة، بيروت، ط1، 1981، ص114-115. وعبد الله العروي، مفهوم الحرّيّة، دار التّنوير، بيروت، ط2، 1984، ص20.

46) المستشار محمّد سعيد العشماوي، الخلافة الإسلاميّة، ص166.

47) ابن خلدون، المقدّمة، تحقيق: عبد الواحد وافي، ج2، ص521.

48) محمّد عابد الجابري، العقل السّياسي العربي محدّداته وتجلّياته، ص237.

49) كمال الدّين الدّميري، حياة الحيوان الكبرى، ج1، ص71.

50) من الأمثلة الدّالّة على هذا التّوظيف هو نسبة الحديث القائل: «الأئمّة من قريش» للرّسول، ولو صحّ هذا الحديث لاحتجّ به عمر وأبو بكر في السّقيفة، ولاسيّما أنّ الأوس والخزرج ليسوا من قريش.

51) محمّد عابد الجابري، العقل السّياسي العربي "محدّداته وتجليّاته"، ص365.

52) محمّد أركون، الإسلام الأخلاق والسّياسة، ترجمة هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، ط1، 1990، ص47.

53) يذهب الماوردي إلى اعتبار أنّ ما جرت عليه أمور العالم واستمرّت عليه عادات الأمم أنّه لم يكن مملكة إلاّ كان أسّها ديانة وأصلها ملّة من الملل عليها بنيت شرائطها وفروضها وجرت أحكامها وحدودها. وهو عين ما ذهب إليه ابن خلدون من أنّ الملك لا يتمّ عزّه إلاّ بالشّريعة. مقدّمة ابن خلدون، تحقيق: عبد الواحد وافي، ج1، ص333. 

54) المستشار محمّد سعيد العشماوي، الإسلام السّياسي، ص15 وص17.

55) ابن سعد، الطّبقات الكبرى، ج5، دار إحياء التّراث العربي، بيروت- لبنان، د.ت، ص57.

56) محمّد عابد الجابري، نحن والتّراث قراءات معاصرة في تراثنا الإسلامي، دار التّنوير، بيروت، ط4، 1985، ص56.

57) انظر: محمّد رضا محرّم، تحديث العقل السّياسي الإسلامي، كتاب الفكر 4، دار الفكر للدّراسات والنّشر والتّوزيع، القاهرة، ط1، 1986، ص7.

58) تحسن العودة في هذا المجال إلى عليّ عبد الرّازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، دراسة محمّد عمارة، المؤسّسة العربية للدّراسات والنّشر، ط. جديدة، 2000، وبالتّحديد، ص176.

59) محمّد عابد الجابري، رؤية تقدّميّة لبعض مشكلاتنا الفكريّة والتّربويّة، دار النّشر المغربيّة، المغرب، ط4، 1983، ص42.

60) زكيّ نجيب محمود، هذا العصر وثقافته، دار الشّروق، بيروت، ط2، 1982، ص74.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/12/239

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك