دور الوقف في دعم المؤسسات الاجتماعية والصحية

الدكتور/ عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

مقـدمـة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المعلمين وقدوة المربين نبينا محمد.                   

أما بعد:

فإن من الأنظمة التي تركت بصماتها البارزة على الحياة في المجتمع الإسلامي طوال عصوره السابقة نظام الوقف.

والمتأمل في نظام الوقف يجده فرصة للمسلم – الواقف – للاستزادة من الخير في حياته وبعد مماته، لما يتصف به الموقوف من الدوام والاستمرارية، يؤكد ذلك قوله @ "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

والمستقرئ للدور الذي قامت به الأموال الوقفية عبر التاريخ يجد أن إسهاماته التنموية لم تقتصر على جانب واحد فقط، بل شملت أوجه نشاط الحياة المختلفة. سواءً كانت تعبدية، أو اجتماعية، أو تعليمية، أو اقتصادية، فكان بذلك الوقف سبباً من أسباب تقدم المجتمع الإسلامي ورقيه.

وفي هذه الورقة نستعرض الدور الرائد للوقف في التعليم ودوره في صناعة الحضارة الإسلامية، وأثره في نشر التعليم والمجالات التي كان يوقف عليها قديماً وفي الجزيرة العربية، وقدمت تصوراً مقترحاً للآلية التي يمكن من خلالها تفعيل الوقف في العملية التعليمية والمجالات التعليمية التي يمكن مساهمة الوقف فيها، وضمت الورقة ذكر أبرز النتائج التي توصلت إليها وتوصيات قدمتها لإعطاء الموضوع مزيداً من الاهتمام والتفعيل.

نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لكل ما فيه صلاح ديننا ودنيانا وأن يجعلنا هداة مهتدين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعريف الوقف لغة، واصطلاحاً:

أ – تعريفه لغة:

قال ابن فارس [1968م، 6/135] "في معجم مقاييس اللغة": الواو والقاف والفاء: أصل واحد يدل على تمكُّث في شيء، ثم يقاس عليه.

ومن أصل التمكث يؤخذ الوقف الشرعي فإنه ماكث الأصل.

والوقف مصدر وقف، ومنه: وقف الأرض على المساكين، وقفاً: حبسها، ووقفت الدابة والأرض وكل شيء. [ابن منظور، 1381هـ، 3/969].

ب – تعريفه اصطلاحاً:

عرفه ابن قدامه [1392هـ، 16/361] ~ بقوله:"تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة" فالمراد بـ " تحبيس الأصل": أي أن يُحَبِّس المالك المكلف الحر الرشيد، أو وكيله المتصف بهذه الصفات ما له المنتفع به مع بقاء عينه، بقطع تصرف الواقف وغيره في هذه العين الموقوفة عن أسباب التملكات، مع قطع ملكه فيها.

والمراد بـ " تسبيل المنفعة": أي إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلة وثمرة وغيرها للجهة المعينة تقرباً إلى الله تعالى. [البهوتي، 1392هـ، 4/241].

 

 

مشروعية الوقف:

القول بصحة الوقف قول أكثر أهل العلم مِنَ السلف ومَنْ بعدهم 
[ابن قدامة، 1392هـ، 16/362]؛ لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها أدلة عامة تشمل الوقف وغيره، ومنها أدلة خاصة بالوقف، فمن الأدلة العامة:

قوله تعالى: â `s9 (#qä9$sYs? §?É9ø9$# 4Ó®Lxm (#qà)ÏÿZè? $£JÏB ?cq?6ÏtéB 4 á 
[آل عمران:92]. عن أنس > – قال: لما نزلت â `s9 (#qä9$sYs? §?É9ø9$# 4Ó®Lxm (#qà)ÏÿZè? $£JÏB ?cq?6ÏtéB4 á [آل عمران: 92] جاء أبو طلحه إلى رسول الله @ فقال: يارسول الله، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه â `s9 (#qä9$sYs?§?É9ø9$# 4Ó®Lxm (#qà)ÏÿZè? $£JÏB ?cq?6ÏtéB 4 á [آل عمران: 92] وإنّ أحبَّ أموالي إليّ بيرحاء، قال: وكانت حديقة كان رسول الله @ يدخلها ويستظل بها ويشرب من مائها، فهي إلى الله U وإلى رسوله @ أرجو بِرَّه وذخره، فضعها أي رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله @: بخ يا أبا طلحة، ذلك مال رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين. [العسقلاني، 1378هـ، 5/387].

1 – قوله @:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". قال النووي في شرح هذا الحديث:"وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه". [المرجع السابق، 5/387].

 

ومن الأدلة الخاصة بالوقف:

1 – ما أخرجه البخاري عن ابن عمر {، أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي @ يستأمره فيها، فقال: يارسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله 
وابن السبيل والضيف، ولا جناح على مَنْ وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول" [المرجع السابق، 5/355].

2 – وعن ابن عباس { أن سعد بن عبادة > توفيت أمه وهو غائب، فأتى النبي @ فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها.

3 – وعن أنس > قال: أمر النبي @ ببناء المسجد، فقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. [المرجع السابق، 5/390].

وأما فضله فهو من أفضل الصدقات التي حَثّ الله عليها، ووعد عليها بالثواب الجزيل لأنها صدقة ثابتة دائمة في وجوه الخير، ولا يكون له هذا الفضل الجزيل إلا إذا كان وقفاً شرعياً حقيقيةً، واقعاً في موقعه، مقصوداً به وجه الله تعالى، موجهة مصارفه إلى وجوه القرب وأبواب البر والإحسان من بناء المساجد والمدارس النافعة، والمشاريع الخيرية، وصلة إلى أهله من ذوي القربى والرحم والفقراء والمساكين، والعاجزين والمنقطعين، ومساعدة أهل الخير والصلاح ونحو ذلك. [ابن بسام، 1393هـ، 2/142].

 

الحكمة من مشروعية الوقف:

عمل الإسلام على وجود الصلة العامة بين المسلمين، وجعلهم متكافلين فيما بينهم وأمرهم بالتعاون في قوله: â(#qçRur$yès?ur ?n?tã Îh?É9ø9$# 3?uqø)­G9$#ur ( á  [المائدة: 2].

واعتبار الصلة العامة، لا يتعارض مع الصلة الخاصة، بل إن الإسلام دعا إلى مراعاتها فقال تعالى: â (#qä9'ré&ur ÏQ%tnö?F{$# öNåkÝÕ÷èt/ 4?n<÷rr& <Ù÷èt7Î/ ?Îû É=»tFÏ. «!$# 3 á [الأنفال: 75]، ولما كانت فكرة الوقف من حيث حبس العين والتصدق بالمنفعة تشكل ضماناً قوياً لأوجه وجهات متعددة فإن فيها من المصلحة العامة والخاصة ما يجعلها تتمشى مع مبادئ التشريع الإسلامي. [الكبيسي، 1977م، 1/136].

ففي الوقف استمرار للنفع العائد من المال الموقوف، فثوابه مستمر لموقفه حياً أو ميتاً، وهو أيضاً مستمر النفع للموقوف عليه ومتجدد الانتفاع منه أزمنة متطاولة.

ولقد ساهم الوقف في الإسلام مساهمة فعَّالة ظهر أثرها في المجتمع الإسلامي على مَرّ العصور في مناحي متعددة منها – على سبيل المثال – : أنه سبب رئيسي في قيام المساجد والمحافظة عليها، فإن أغلب المساجد على مدى التاريخ قامت على تلك الأوقاف، بل إن كل ما يحتاجه المسجد من فرش وتنظيف ورزق القائمين عليه إنما كان مدعوماً بهذه الأوقاف.

ولم يقتصر إسهام الوقف على المساجد بل تعداها إلى بناء المستشفيات والملاجئ ودور الأيتام وحفر الآبار وإقامة السقايات في المدن وعلى طرق المسافرين مما لا يخفى، حتى كانت الأمة الإسلامية بسبب هذه الأوقاف أمة متقدمة، وصارت مضرب المثل للمجتمعات الأخرى.

وكان له دور كبير في مساعدة الضعفاء والمحتاجين والأخذ بأيديهم، وانتشالهم من براثن الفقر والفاقة.

وامتد أثر الوقف إلى الأرحام والأحباب فقوى الصلة بينهما، وذلك بما يوقفه المسلم على قرابته وذوي محبته مما له الأثر الكبير في ترابط الأسر، وإشاعة روح التعاون بين أفرادها وانتشار المحبة والألفة بينهم.

أما دور العلم والمدارس فقد أخذت بنصيب وافر من الوقف فكان معظمها على الأوقاف الإسلامية، والمتتبع لتأريخ المدارس والحلقات العلمية في المساجد والجوامع يلاحظ أن بعضها تعددت الأوقاف عليها حتى بلغت المئات، حتى وصل الأمر إلى أن يصرف مرتب شهري لجميع مَنْ يتلقى العلم في بعض المدارس، مما ساعد على بقائها واستمرارها. ومن ثم فإنها وفرت للمسلمين نتاجاً علمياً ضخماً، وتراثاً إسلامياً خالداً، وفحولاً من العلماء الذين لمعوا في التاريخ كله. [الغصن، 1409هـ، 1/87].

 

شروط صحة الوقف:

يشترط لصحة الوقف سبعة شروط:

1 – كونه من مالك جائز التصرف، وهو المكلف الرشيد، فلا يصح من محجور عليه، ولا منْ مجنون، ويصح ممن يقوم مقام المالك، كوكيله فيه. [ابن ضويان، 1418هـ، 2/596].

2 – كون الموقوف عيناً يجوز بيعها، ويمكن الانتفاع بها دائماً مع بقاء عينها، وهاهنا عدة نقاط:

2/1 – أن سبب اشتراط هذا الشرط، هو أن الوقف يراد للدوام؛ ليكون صدقة جارية [البهوتي، 1390هـ، 5/534]، ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه، وعليه فلا يصح وقف مطعون ونحوه.

2/2 – أن وقف غير المنقول كالعقار صحيح بلا نزاع؛ لفعل أصحاب رسول الله @، قال الإمام أحمد في رواية الأثرم:" إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب رسول الله @". [ابن قدامه، 1399هـ، 3/575].

2/3 – إن الصحيح من المذهب جواز وقف المنقول، قال في الإنصاف [المرداوي، مرجع سابق، 3/65]:" أمّا وقف المنقول؛ كالحيوان، والأثاث، والسلاح، ونحوها، فالصحيح من المذهب صحة وقفها، وعليه الأصحاب، ونَصَّ عليه".

فالحيوان لحديث أبي هريرة > مرفوعاً " من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً واحتساباً فإن شبعه وريَّه وروثه وبوله في ميزان حسناته".

والأثاث والسلاح لقول النبي @:" أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله".

قال الخطابي: الأعتاد: ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد.

2/4 – أنه يصح وقف المشاع، لحديث عمر > أنه أصاب مائة سهم مِنْ خيبر، فاستأذن النبي @ فيهاـ فأذن له في وقفها". وهذا صفة المشاع.

2/5 – أنه لا يصح وقف ما لا يجوز بيعه؛ لإن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وما لا منفعة فيه مباحة فلا يحصل فيه تسبيل المنفعة.

3 – أن يكون الوقف على جهة بِرِّ وقربه: كالفقراء، والمساكين، والحج، والغزو، وكتابة الفقه، والعلم، والقرآن، والسقايات، والقناطر، وإصلاح الطرق، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات، والأقارب، ونحو ذلك من القرب.

لأن المقصود من الوقف التقرب إلى الله تعالى، والله U إنما يثيب العباد على ما أنفقوه فيما يحبه، وأمّا ما لا يحبه فلا ثواب في النفقة عليه.

     قال شيخ الإسلام ابن تيميه ~:" المباحات التي لا يثيب الشارع عليها لا يثيب على الإنفاق فيها، والوقف عليها، ولا يكون في الوقف عليها منفعة، وثواب في الدين، ولا منفعة في الوقف عليها في الدنيا، فالوقف عليها خالٍ من انتفاع الواقف في الدين والدنيا، فيكون باطلاً". [ابن تيميه، مرجع سابق، 31/33].

     وإذا كان هذا المباح، فالمكروه والمحرم مِنْ باب أولى.

4 – يشترط في غير الوقف على المسجد والقنطرة ونحوهما: أن يكون على معين يملك ملكاً ثابتاً، من جهة كمسجد كذا، أو شخص كزيد، لأن الوقف تمليك، فلا يصح على مَنْ لا يملك، ولا على مَنْ لا يستقر ملكه.

وهاهنا عدة نقاط: [ابن قدامه، مرجع سابق، 16/394].

4/1 – قال في الشرح الكبير: " فإن قيل: فقد جوزتم الوقف على المساجد والسقايات وأشباهها، وهي لا تملك؟ قلنا: الوقف هناك على المسلمين، إلا أنه عُيِّن في نفع خاص لهم".

4/2 – لا يصح الوقف على مجهول كرجل ومسجد؛ لصدقه على كل رجل، وكل مسجد.

4/3 – لا يصح الوقف على مبهم كعلى أحد هذين الرجلين أو على أحد هذين المسجدين لتردده، ولأن تمليك غير المعين لا يصح.

4/4 – لا يصح الوقف على مَنْ لا يملك كالعبد والملائكة والجن والبهائم والأموات، لأن الوقف تمليك، فلا يصح على مَنْ لا يملك.

5 – كون الوقف منجزاً، فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فداري وقف، أو إذا ولد لي ولد، أو إذا قدم لي غائبي، ونحو ذلك. لأنه نقل للملك فيما لم يُبَن على التغليب والسراية، فلم يجز تعليقه على شرط كالهبة. ولأنه عقد يبطل بالجهالة، فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع. إلا أن يقول: هو وقف بعد موتي فيصح، ويكون وصية يعتبر خروجه من الثلث، لأنه تبرع مشروط بالموت، فكان وصية، كما لو قال: إذا مٍتُّ فهذا صدقة للمساكين. [ابن قدامه، مرجع سابق، 8/217].

لما ورد أن عمر > أوصى فكان في وصيته: هذا ما أوصي به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أنَّ ثَمْغاً صدقه.

ووقفه هذا كان بأمر النبي @، ولأنه اشتهر في الصحابة ولم ينكر، فكان إجماعاً. [ابن قدامه، مرجع سابق، 16/400].

6 – ألا يشترط في الوقف ما ينافيه: فإن اشترط أن يبيعه متى شاء، أو يهبه، أو يرجع فيه لم يصح الشرط ولا الوقف؛ لأنه ينافي مقتضى الوقف.

7 – أن يوقفه على التأبيد، فلا يصح: وقفته شهراً، أو إلى سنة ونحوها، لأنه إخراج مال على سبيل القربة، فلم يجز إلى مدة كالصدقة. [ابن ضويان، مرجع سابق، 2/600].

وقسم شيخ الإسلام ابن تيميه ~ الشروط التي يشترطها الواقف إلى ثلاثة أقسام [ابن تيميه، 1412هـ، 31/58]:

 

القسم الأول:

عمل يتقرب به إلى الله تعالى، وهو الواجبات والمستحبات التي رغب رسول الله @ فيها، وحَثَّ على تحصيلها، فمثل هذا الشرط يجب الوفاء به.

القسم الثاني:

عمل قد نهى رسول الله @ عنه: نهي تحريم أو نهي تنزيه فاشتراط مثل هذا العمل باطل باتفاق العلماء، لما قد استفاض عن رسول الله @ أنه خطب على منبره فقال:" ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟! مَنْ اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق".

وهذا الحديث وإن خرج بسبب شرط الولاء لغير المعتق، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، عند عامة العلماء.

وهذا مثل اشتراط إقامة صلاة العيد في المدرسة والمسجد مع إقامة المسلمين لها على سنة نبيهم @.

وكذلك اشتراط الإيقاف على القبور، فإن النبي @ قال:"لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج" وبناء المسجد وإسراج المصابيح على القبور معصية لله ورسوله باتفاق العلماء.

القسم الثالث:

عمل ليس بمكروه في الشرع ولا مستحب، بل هو مباح مستوي الطرفين، فالجمهور من العلماء على أنه شرط باطل، ولا يصح عندهم 
أن يشترط إلا ما كان قربة إلى الله تعالى، لأن ذلك هو الذي ينفع الواقف 
بعد موته، فأما الأعمال التي ليست طاعة لله ورسوله فلا ينتفع بها الميت بحال.

 

دور الوقف فـي صناعة الحضارة الإسلامية:

إذا كانت صناعة الحضارة الإسلامية قد مثلت ملحمة عظمى، نهضت بها الأمة على امتداد قرون عديدة.. فإن الوقف قد كان المؤسسة الأم التي مولت صناعة أمتنا لهذه الحضارة الإسلامية فقد مكنت الأوقاف علماء الأمة من الاستقلال الفكري الأمر الذي جعلهم يتولون موقع الصدارة في بناء حضارة الأمة الإسلامية بعيداً عن أي مؤثرات قد تعيق عملية البناء هذه. 
[عمارة، 1993م، 157].

ويعدُّ الوقف من مآثر الإسلام الفاضلة لإصلاح المجتمعات، ومصدر خير للمجتمع الإسلامي والدعوة إلى الله، حيث أوقف المسلمون الدُور والأراضي لبناء المساجد وصيانتها، ودفع مرتبات الأئمة والوعاظ والعاملين بالمساجد. [محمد، 1993م، 108].

كما تناول الوقف الجانب الصحي، فأوقف المسلمون دوراً وأراضي لصالح علاج المرضى من المسلمين، وأوقفوا الوقوف الواسعة على إنشاء المستشفيات، وتطوير الطب والصيدلة والعلوم الأخرى المرتبطة بالطب.

ومن الشواهد التاريخية على ذلك، تلك الأوقاف التي رصدت للبيمارستان المنصوري الذي أنشئ سنة 682هـ لعلاج الملك والمملوك، والكبير والصغير.. وقد خصص لكل مريض فرش كامل، وعين له الأطباء والصيادلة والخدم، كما زود بمطبخ كبير، وألحقت به مدرسة للطب يجلس فيها رئيس الأطباء لإلقاء درس طب ينتفع به الطلبة.

وأوقف السلطان قلاوون كذلك بيمارستاناً آخراً في القاهرة لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء من الأغنياء والفقراء على اختلاف أجناسهم وتباين أمراضهم. ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف ما تدعو حاجة المرضى إليه من سرر أو لحف. [محمد، مرجع سابق، 117].

وإذا كانت الأوقاف سبباً في حفظ كيان المجتمع من الداخل، فإنها كانت كذلك سبباً في حفظ كيانه من الخارج، فلا تكتسحه غارات العدوان، فأرصدت الأوقاف لحراسة الحدود والدفاع عن ديار الإسلام، ومن ذلك أن حدود المسلمين مع الروم كان بها مائة ألف فارس وكان السبب في ذلك أنه ليس من مدينة عظيمة من حد سجستان وكرمان وفارس والجزيرة والعراق إلا بها لأهلها دار ينزلها غزاة تلك البلدة ويرابطون بها إذا وردوها. وتكثر لديهم الصلات، وترد عليهم الأموال. [محمد، مرجع سابق، 123].

وفي مجال العناية بالجوانب الاجتماعية لأفراد المجتمع، اهتم الإسلام برعاية الأيتام، فأمر بعدم قهر اليتيم أو نهره، والإحسان إليه.

ومن الشواهد على ذلك ما نصت عليه وثيقة في حجج الأوقاف التي ترجع إلى عصر سلاطين المماليك من أن يكسى كل يتيم في فصل الصيف قميصاً ولباساً وقبعاً ونعلاً، وفي الشتاء مثل ذلك ويزاد في الشتاء جبة محشوة بالقطن، كما أوقف القاضي الفاضل أوقافاً لتعليم الأيتام بالكتاب، وفي عهد صلاح الدين كان للصبيان الأيتام وقف كبير يأخذ منه المعلم ما يقوم به، وينفق منه عليهم ما يقوم بكسوتهم. [بنعبد الله، 1989م، 271].

كما يلاحظ أن من بين الأموال الموقوفة والموقوف عليها الطرق والآبار ومحطات المياه والخانات والمقابر والجسور والقلاع والأنهار، والسبل بين الحارات لتقديم الماء البارد خاصة في مناطق الازدحام فيها، كما خصصت الملاجئ لرعاية العجزة والأرامل. ومما يذكر حول ذلك أن الخليفة المهدي أمر بحفر نهر يسمى نهر الصلة في العراق وأحيا الأراضي المجاورة له ووقفها. [دنيا، مرجع سابق، 138].

كما لم يهمل المسلمون الخيرون العناية بالمكفوفين، فقد وقفوا عدة وقوف لفائدتهم، وخصصوا من يعلمهم القراءة والكتابة والعلوم المختلفة، ونتيجة لذلك فقد نبغ كثير من أعلام الفكر والأدب الذين جعلوا البصيرة تفوق الباصرة، وهم مكفوفون كأبي العلاء المعري وأبي الحسن الآمدي وابن هشام النحوي والشاطبي وغيرهم من علماء الأمة الإسلامية. [بنعبد الله، مرجع سابق، 281].

فالأوقاف وفرت للمجتمع موارد مالية كبيرة، قد تعجز الدولة آنذاك عن توفيرها، كما أن هذه الموارد كانت ثابتة إلى حد بعيد، مما مكن من التخطيط والعمل الدائب الذي لا ينقطع ولا يتأثر بالمتغيرات الأخرى.

وهذا كله يدلنا على مدى ما بلغه المجتمع الإسلامي من تقدم في الفكر وسمو في العاطفة ونبل في الأخلاق، ومن ثم فإن مجتمعاً هذه حاله لا يمكن أن تنتشر فيه الفاقة أو الاستغلال المادي بين أفراده، لأن الدافع الذي يجعل الإنسان يوقف أمواله لإخوانه المسلمين يمنعه من أن يستغل فقرهم وعوزهم.

ومما تقدم ندرك مدى ما أسهم به الوقف في جميع المجالات التي تهم أفراد المجتمع الإسلامي، مما جعله من الأسباب التي قامت عليها حضارتنا الإسلامية.

 

 

دور الوقف فـي نشر التعليم

أهمية العلم والتعلم:

عنى الإسلام بالعلم عناية كبيرة، فلقد كان أمر الله جل وعلا لنبيه محمد @ بالقراءة في أول سورة نزلت، قال تعالى:" اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما يعلم" وأمر الله لنبيه بالقراءة أمر له ولأمته بطلب العلم.

وقد وردت الكثير من الآيات الكريمة التي تبين أهمية العلم والتعلم وتحث عليهما، وتبين فضيلة طلب العلم.  قال تعالى مبيناً أهمية العلم "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط" وقال تعالى: â $yJ¯RÎ) Óy´ø?s? ©!$# ô`ÏB ÏnÏ?$t6Ïã (#às¯»yJn=ãèø9$# 3 ?á  [فاطر: 28] وقال أيضاً مبيناً فضيلة طلب العلم: â ?wöqn=sù u?xÿtR `ÏB Èe@ä.7ps%ö?Ïù öNåk÷]ÏiB ×pxÿͬ!$sÛ (#qßg¤)xÿtGu?Ïj9 ?Îû Ç`?Ïe$!$# á [التوبة: 122].

كما أكدت السنة النبوية على أهمية العلم والتعلم، فحثت عليهما ورغبت فيهما، يتضح ذلك من كثرة الأحاديث الشريفة التي وردت في فضل العلم وطلبه.

يقول @:"طلب العلم فريضة على كل مسلم" وقال @:"العلماء ورثة الأنبياء"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب: ويقول أيضاً موضحاً فضل التعلم:" إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم".

كل هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تدل دلالة واضحة على أهمية العلم والتعلم، وتؤكد فضلهما وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع المسلم. ومن ثم في ولادة هذه الأمة التي أثمرت الكثير من العلماء والمفكرين في مختلف العلوم والفنون، فحملوا مشاعل العلم والنور والهداية إلى أرجاء المعمورة، وأسهموا في بناء صرح الحضارة الإسلامية التي كان لها الأثر الكبير في إخراج الإنسانية من ظلمات القرون السابقة، وتحرير البشرية من دياجير الجهل والظلم.

ومما سبق من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ندرك أيضاً أن التعلم لا يقف عند حد ولا ينتهي إلى غاية، فالتعلم مستمر وهو ما يعرف بمبدأ "التعلم مدى الحياة".

وهذا المبدأ الذي يقره الإسلام من أهم العوامل التي أسهمت في وجود الحركة العلمية الدائبة في حياة المسلمين وإنشاء المكتبات العامة والخاصة، وتأليف الموسوعات العلمية في العقيدة والفقه والطب والكيمياء، والفيزياء والرياضيات والأدب، وهذا ما جعل ظاهرة التعليم والثقافة شائعة لدى أفراد المجتمع المسلم. [أبو صالح وآخرون، 1411هـ، 37].

إن الرقي الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية في وقت كان الآخرون يعيشون عصر الجهل والفوضى والتسلط والاستبداد لم تكن لتصل إليه إلا بانتشار العلم والتعلم وتهيئة الفرص المختلفة لطلاب العلم والتشجيع الدائم على النهل من مناهل المعرفة.

هذا كله أدى إلى التقدم العلمي في جميع مجالات المعرفة، فأصبح الإنسان يرى في كل مجال من المجالات العلمية عالماً مسلماً يفوق أقرانه، 
وإليه ينسب الفضل الأكبر في هذا الفن، ويعترف له بسبقه فيه من القاصي والداني.

 

المجالات التعليمية التي كان يوقف عليها قديماً:

يعدُّ الوقف من أهم المؤسسات التي كان لها الدور الفعال في تنمية التعليم سواء داخل المساجد أو في المدارس أو في المكتبات أو غيرها من المؤسسات الخيرية الأخرى. حيث رعت الأموال الوقفية عملية التعليم من مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا المتخصصة، فأدى ذلك إلى نقل المسلمين من حياة بسيطة إلى حياة امتازت بالرخاء، بينما بقيت كثير من المجتمعات في ركود لفترة طويلة، ولا يختلف اثنان على أن الحضارة الحديثة اعتمدت اعتماداً كلياً على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من تقدم، فالكثير من الآراء والقوانين وغيرها من المعارف الأخرى اعتبرت أساساً لكثير من النظريات والقوانين والاختراعات الحديثة في جوانب عديدة، كل ذلك تحقق من الأموال الوقفية على التعليم، فلم يكن هناك وزارة للتعليم أو تخصيصات في ميزانية الدولة، وإنما كانت الدولة تعتمد مبدأ الزكاة ومبدأ الصدقات بصورة عامة وتشجع المسلمين على أعمال البر استناداً إلى تعاليم الدين الإسلامي، وتقوم الدولة بالإشراف على الأوقاف ومراقبة تنفيذ الوقفيات وتعيين من يقوم بإدارتها تنفيذاً لشروط الواقفين، وأدت هذه الأوقاف على التعليم إلى مد المجتمع بما يحتاجه من مؤهلين ساهموا في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمعاتهم.

لقد شملت الأموال الموقوفة على التعليم كثيراً من الجوانب المختلفة التي تخدم عملية التعليم والتعلم، ومن أهم هذه الجوانب إنشاء المدارس وتجهيزها وتوفير العاملين فيها من معلمين وغيرهم، وتشجيع طلاب العلم على الانخراط في عملية التعليم من خلال التسهيلات التي وفرت لهم، بالإضافة إلى إنشاء المكتبات وتجهيزها وغير ذلك من الجوانب الأخرى. وفيما يلي توضيح مختصر لكل من هذه الجوانب:

1 – الوقف على المدارس:

لم تقتصر المخصصات الوقفية على بناء المساجد بل شملت كثير من الأوقاف الكتاتيب والمدارس لكون الإنفاق على التعليم قربة لله تعالى، لذا ألحق بالمساجد كتاتيب تشبه المدارس الابتدائية تعلم القراءة والكتابة واللغة العربية والعلوم الرياضية، وقد بلغت الكتاتيب التي تم تمويلها بأموال الوقف عدداً كبيراً، فمثلاً " عد ابن حوقل منها ثلاثمائة كُتْاب في مدينة واحدة من مدن صقلية، وذكر أن الكُتَّاب الواحد كان يتسع للمئات أو الألوف من الطلبة. [السيد،1410هـ،231].

وتتفاوت الأوقاف على المدارس حسب مكانة الواقف وما خصصه من مال، ولم تقتصر الأموال الموقوفة على عمارة المدارس فقط بل شملت صيانة المدرسة وتجهيزها بالأثاث واللوازم المدرسية ودفع مرتبات العاملين فيهـا. وبعض الأوقاف شملت توفير مساكن للطلبة وتقديم الطعام للطلاب والعاملين في المدرسة، كما أن بعض الأوقاف شملت المعالجة الطبية والملابس كما حدث في بعض المدارس الموقوفة في القدس.

والمدارس إذ تتفاوت في إمكاناتها المادية وما تقدمه من خدمات تفاوتت أيضاً في فروع المعرفة التي تدرسها من حيث الكم والكيف، ومن الأمثلة على هذه المدارس ما يلي" [محمد، 1993م، 111]:

المدرسة الصالحية بمصر، وهي أول مدرسة درست المذاهب الأربعة بمصر، حيث أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 641هـ، وأوقفت عليها أوقاف ضخمة.

1 – المدرسة الظاهرية التي أنشأها الظاهر بيبرس في القاهرة سنة 626هـ وأوقف عليها المال وأغدق عليها مما جعلها أجمل مدرسة في مصر، وخصص لها مكتبة ضخمة تحتوي على سائر العلوم.

2 – المدرسة المنصورية في مصر، أنشأها المنصور بن قلاوون سنة 683هـ وتخصصت في تدريس الطب بالدرجة الأولى.

3 – المدرسة المسعودية ببغداد بناها مسعود الشافعي، وجعلها وقفاً على المذاهب الأربعة بجانب تدريس العلوم الطبية والطب.

4 – المدرسة الصلاحية بحلب أوقفها الأمير صلاح الدين يوسف الدوادار.

5 – المدرسة الغياثية أو مدرسة الملك المنصور بمكة المكرمة، بناها المنصور غياث الدين، إذ أنشئت سنة 813هـ وأوقف عليها أموالاً جليلة.

6 – المدارس الأربعة بمكة المكرمة، التي بناها السلطان سليمان القانوني سنة 927هـ، وأوقف عليها أموالاً طائلة لتدريس المذاهب الأربعة.

ومن المدارس التي قامت على الوقف المدارس الطبية التي ألحقت بالمستشفيات والتي كانت منتشرة في مصر، حيث يتعلم الطلاب الطب والحالات السريرية تحت إشراف أساتذتهم.

وينقل الرحالة العربي المشهور ابن جبير انبهاره مما شاهد في القاهرة في مدرسة الإمام الشافعي والتي أوقفها وأوقف بيته عليها، كما انبهر من إحدى مدارس الإسكندرية. [محمد، مرجع سابق، 112].

أما ابن بطوطه فيقول عن مصر والعراق وسوريا أنها عامرة بالمعاهد العلمية الموقوفة، ويذكر أنه استفاد منها، كما وصف أحوال عشرين مدرسة جامعة في دمشق عاشت على أموال البر والخير والوقف، أما في بغداد فلا يختلف عدد المدارس عما شاهده في دمشق. [السيد، مرجع سابق، 254].

 

2 – الوقف على المكتبات:

ساهم المسلمون في تشعب المعرفة وتطورها، وفي تأليف الكتب وصناعة الورق من خلال إيقافهم العديد من الأوقاف على المكتبات، التي عرفت بعدة أسماء مثل خزانة الكتب، وبيت الكتب، ودار الكتب، ودار العلم، وبيت الحكمة، ودار القرآن، ودار الحديث. ويسرت هذه المكتبات العلم للراغبين فيه دون نفقات وعلى مختلف مستوياته، حيث ساهمت الأوقاف في تعضيد أسس التعليم عن طريق إيقاف هذه المكتبات والكتب مما جعل هناك استمرارية في انتشار التعليم، كما أن المدارس والجامعات استلزمت أن يكون فيها دور كتب خاصة بها مما جعل المحسنين يوقفون عليها الأموال اللازمة لها، وقد احتوت هذه الدور أو الخزائن على مختلف العلوم التي صنفت حسب مواضيعها فسهلت على الطلبة والباحثين.

كما شمل الوقف نسخ المخطوطات في عصور ما قبل الطباعة إلى الحد الذي جعل إحدى مكتبات القاهرة في العصر الفاطمي تضم من تاريخ الطبري ذي المجلدات العديدة ألفاً ومائتي نسخة، كما شمل الوقف رعاية المخطوطات وحفظها وصيانتها. [عمارة، مرجع سابق، 162].

ويذكر الكثير من الرحالة أن عشرات المكتبات الموقوفة موجودة في معظم المدن الإسلامية ومنها ما هو مستقل ومنها ما هو ملحق بمدرسة أو مسجد.

والوقف على المكتبات شمل في معظم الحالات عمارتها والإنفاق على العاملين فيها وتوفير الكتب وغير ذلك. [بنعبد الله، مرجع سابق، 157].

ويقول يحيى ساعاتي" وقد انتشرت خزائن الكتب الوقفية في أرجاء العالم الإسلامي منذ القرن الرابع الهجري لدرجة أننا قلما نجد مدينة تخلو من كتب موقوفة وأصبحت هذه المكتبات بما فيها من كتب وقفية قبلة لطلاب العلم تعينهم على التزود بكل جديد وتوفر لهم فرص مواكبة الأفكار والآراء المدونة لمؤلفين من أصقاع العالم الإسلامي" [ساعاتي، 1408هـ، 33].

وتعتبر دور الكتب أو خزائن الكتب من أقدم  أنواع وقف المكتبات ومن هذه الدور دار العلم في الموصل، ودار العلم في البصرة، ودار العلم في بغداد، ودار الحكمة في القاهرة، ودار الكتب في فيروز أباد، ودار كتب الصابئ في بغداد، وخزانة الكتب في حلب، ودار العلم في طرابلس الشام، وخزانة المالكية في مكة المكرمة، ومكتبة شيخ الإسلام عارف حكمة في المدينة المنورة.

كما نالت الجوامع والمساجد اهتماماً كبيراً خلال مراحل التاريخ الإسلامي لإقامة الشعائر التعبدية فيها، بالإضافة إلى استخدام بعضها للتعليم، وكانت المصاحف هي أقدم ما كان يوقف فيها تعداها بعد ذلك إلى مكتبات المساجد والجوامع. ومن الجوامع التي يوجد فيها  مكتبات موقوفة جامع أبي حنيفة في بغداد، والجامع الأزهر في القاهرة، وجامع نيسابور، وجامع حلب، وجامع اصفهان، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، والجامع الأموي في دمشق، والجامع الظاهري بالقاهرة، وجامع القرويين بفاس، وجامع الزيتونه في تونس، والحرم المكي.

ولأهمية الكتاب في عملية التعليم والتعلم اهتم الواقفون على المدارس بتوفير أكبر قدر من الكتب المشتملة على المعارف المختلفة، حيث خصص لها جزء كبير من ريع الأوقاف، ثم أخذت هذه الكتب تزداد من خلال إيقاف العديد من المحسنين سواء من مؤلفاتهم الخاصة أو من شرائهم للكتب وإيقافها أو تزويد القائمين على هذه المدارس بمبالغ لشراء ما يلزم من كتب ومن أقدم المدارس التي احتوت على مكتبة المدرسة البيهقية في نيسابور والتي يعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري تقريباً، ومن المدارس التي احتوت مكتبات ما يلي: [ساعاتي، المرجع السابق، 77].

المدرسة الفخرية في بغداد، والمدرسة النورية في حلب، والمدرسة العادلية في دمشق، والمدرسة الفاضلية بالقاهرة، ومدرسة ابن الجوزي في بغداد، والمدرسة العمرية في دمشق، والمدرسة المستنصرية في بغداد، والمدرسة المؤيدية في تعز، والمدرسة الظاهرية بالقاهرة، والمدرسة الشهابية بالمدينة المنورة، والمدرسة الحجازية بالقاهرة، ومدرسة أعظم شاه في مكة المكرمة، والمدرسة الحفظية في عثالف بعسير، والمدرسة المرجانية في بغداد.

 

3 – الوقف على المعلمين:

ساعد الوقف وبشكل فعال في تقدم العلوم والمعارف المتنوعة من خلال تكفله في حالات كثيرة بصرف استحقاقات للمعلمين في المدارس والمساجد الموقوفة مما جعل هؤلاء المعلمين يحصلون على عيش كريم بالاعتماد على ما تدره الأموال الموقوفة عليهم، حيث استطاعوا أن يستقلوا ويتفرغوا لهذا العمل الشريف.

فبعض الأوقاف شملت الإنفاق على المدارس بما تتطلبه من مصروفات للعاملين من معلمين وخدم وتجهيزات وغيرها، كما أن بعض الأوقاف خصصت للصرف على المعلمين فقط، كما خصصت بعض الأوقاف للصرف على الفقهاء الذين يؤمون المساجين ويعلمونهم ويصلحونهم ليخرج هؤلاء من السجن متقنين لعلم من العلوم. [السيد، مرجع سابق، 245].

وتتفاوت المستحقات التي كانت تدفع للمعلمين حسب الأموال الموقوفة المخصصة وحسب مكانة المدرسة والمعلم.

 

4 – الوقف على المتعلمين:

شجع الوقف المتعلمين على الانخراط في التعليم، والاستفادة من التسهيلات التي وفرت في المساجد والمدارس، والمكتبات من خلال تكفلة بتأمين احتياجات المتعلمين من اللوازم الدراسية المختلفة؛ حيث خصصت بعض الأوقاف لتعليم الطلاب والصرف عليهم  مجاناً وإسكانهم في الأقسام الداخلية التي كانت إما بداخل المدارس أو في أقسام داخلية منفصلة.

والإيقاف على التعليم يستوي في الاستفادة منه الصغير والكبير والغني والفقير فلا يحرم منه أحد بل يستفيد منه كل من طلب العلم، ويرحل الكثير من طلاب العلم إلى أماكن هذه الأوقاف لطلب العلم، كما حدث في القاهرة، حيث أدت التسهيلات إلى أن يفد إلى القاهرة طلاب علم وعلماء من مغرب العالم الإسلامي ومشرقه، كما أن القدس كانت محط رحال الكثير من العلماء والطلبة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي نتيجة لوجود المسجد الأقصى والذي كان منارة للعلم وغيره من المساجد، كما أن بعض الأوقاف عُنيت بتعليم الفقراء وذلك بتدريسهم وإسكانهم ومعالجتهم.

وعندما زار الرحالة ابن جبير المشرق ورأى تعدد المدارس والأوقاف التي تنفق عليها بوفرة مما شجع طلاب العلم على الاستمرار ناشد أبناء المغرب أن يرحلوا إلى ديار المشرق لتلقي العلم إذ نجده يقول:" تكثر الأوقاف على طلاب العلم في البلاد الشرقية كلها وبخاصة دمشق، فمن شاء الفلاح من أبناء مغربنا فليرحل إلى هذه البلاد فيجد الأمور المعينة على طلب العلم كثيرة وأدلها فراغ البال من أمر المعيشة". [السيد، مرجع سابق، 255].

 

دور الوقف فـي نشر التعليم فـي الجزيرة العربية:

عندما قامت الدولة السعودية الأولى بتكاتف وتعاضد الإمام محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت الجزيرة العربية تعيش حالة من الضعف والجهل والتشتت.

فأولت هذه الدولة الناشئة كل ما من شأنه رقي بالفرد اهتماماً كبيراً، وكان نشر  العلم والاهتمام به على رأس تلك الأولويات إداركاً منها لدور العلم في بناء الحضارة وتكوين الدولة بما يتفق وتعاليم الإسلام.

ولقد أسهم أئمة الدولة السعودية الأولى في تطور الحركة العلمية والتعليمية بما بذلوه من جهد في سبيل ذلك.

ومن مظاهر اهتمامهم بالعلم والعلماء، أنهم كلفوا أمير كل بلدة باختيار عدد من أفراد السكان في حدود خمسة عشر رجلاً وإلزامهم بالتعليم وبذل ما يكفيهم من المال، وخصصوا رواتب شهرية لمن يتفرغ للعلم ويلازم حلقاته من أهل المدن والقرى والبوادي. [النويصر، 1419هـ، 21].

ويمكننا توضيح دور الوقف في التعليم في الجزيرة العربية من خلال ما يلي:

1 – بناء المساجد:

يقوم المسجد بعدة وظائف تربوية، فهو يقوم بدور كبير في تربية الفرد وإعداده عقلياً وروحياً واجتماعياً.

ففيه يستمع الفرد إلى آيات القران الكريم تتلى فيقبل على تعلمها وتلاوتها وحفظها وتفسيرها واستنباط الأحكام منها، ويستمع إلى أحاديث رسول الله @. فيتعرف من القرآن والسنة وخطب العلماء ودروسهم على عقائد الإسلام وعباداته، ومبادئه ومفاهيمه وتصوراته ونظمه ومناهج التفكير فيه… وفي ذلك كله تربية للفرد تكون أساساً له في أنماط سلوكه واكتسابها. [أبو صالح وآخرون، 1411هـ، 51].

ومما يدل على أن المسجد لم يكن داراً للعبادة فحسب، بل كان داراً من دور العلم ما ذكره [الشويعر، 1418هـ، 311] عن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم والدروس التي يلقيها فيه، حيث كان ~ إذا صلى الفجر جلس في المسجد يقرأ عليه صغار الطلبة في الأجرومية في النحو، وبعدهم يقرأ عليه متوسطو الطلبة في القطر لابن هشام في النحو، وبعدهم يقرأ عليه كبار الطلبة في ألفية ابن مالك، فإذا انتهوا من قراءة النحو، قرأوا عليه في الفقه، في متن الزاد، فإذا انتهوا شرع أحد الطلاب في قراءة شرح الزاد المسمى الروض المربع، فإذا انتهى من  تقريره على الفقه شرعوا في القراءة عليه في بلوغ المرام.

وإذا صلى الظهر جاءه أهل المطولات وقرأوا عليه في مختلف الكتب، كجامع الترمذي، وصحيح البخاري، فإذا انتهوا قرأوا عليه كتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية وبعد صلاة العصر يقرأ عليه أحد الطلبة في مصطلح الحديث، ثم العقيدة الحموية، وبعد صلاة المغرب يقرأون عليه علم الفرائض والمواريث، وما بين أذان العشاء والصلاة يقرأ عليه في تفسير 
ابن كثير.

واستمر على هذا الترتيب ~ من عام 1339هـ إلى عام 1380هـ.

فكان مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في دخنه جامعة كبيرة، تخرج منها أفواج كثيرة من العلماء شغلوا مناصب مهمة في الدولة.

والوقف كان ولا يزال هو المصدر الرئيس والأول في بناء المساجد في كل مكان، فالمساجد ما هي إلا منشآت وقفية لا تقتصر على إقامة الصلوات فقط بل هي مراكز للتربية والتعليم.

 

2 – الكتاتيب:

الكتاب مؤسسة تربوية إسلامية قديمة، عرفتها المجتمعات الإسلامية، وقد انتشرت  في مناطق كثيرة من الجزيرة العربية كنجد والحجاز والأحساء، وقد ظهرت الحاجة إليها لتعليم الصبية الصغار الذين لا يتحفظون من النجاسة، ويكثرون العبث.

وكان الكتاب يهدف إلى تحفيظ القرآن الكريم، ومبادئ الفقه إلى جانب تعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة والحساب. [الحقيل، 1414هـ، 10].

وغالباً ما يكون الكتاب بجوار المسجد ويشرف عليه إمامه، ويصرف عليه مما يصرف على المسجد.

وقد كان الكثير من الأهالي يوقف على حلقات التعليم في المساجد أو الكتاب شيئاً من نخيلهم بحيث تصرف على هذه الحلقات.

 

3 – المدارس:

لم تنتشر المدارس في الجزيرة العربية بالشكل المعروف إلا بعد ظهور نظام التعليم في المملكة العربية السعودية.

ومن أشهر المدارس تلك التي أنشأها العثمانيون في كل من مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة والاحساء، وكانت المواد التي تدرس فيها باللغة 
التركية وكان ذلك سبباً كافياً للمواطنين للابتعاد عنها وعدم إلحاق 
أبنائهم بها. [المعارف، 1406هـ، 8].

وهذا بدوره أدى إلى قيام الأهالي بالسعي لإنشاء مدارس تتولى تعليم أبنائهم باللغة العربية، فكان إنشاء المدرسة الصولتيه في مكة المكرمة التي أسست على تبرع من سيدة هندية تدعى "صولت النساء" عام 1292هـ حيث خصصت لهذه المدرسة أوقافاً يصرف عليها منها، وتتمثل أهداف المدرسة الصولتية في تثقيف أبناء هـذه البلاد المقدسة والمجاورين لها وإخراج الأمة من ظلمات الجهل إلى نور العلم، والعناية الخاصة بنشر وتعليم العلوم الدينية، وبذل المجهود في تقويم الأخلاق وتهذيبها. [الكثيري، 1419هـ، 4].

كما أُنشئت مدارس أخرى على غرار هذه المدرسة منها مدرسة الفلاح، والمدرسة الفخرية.

وبعد دخول الملك عبد العزيز ~ مكة المكرمة قام بزيارة لكل من مدرسة الفلاح، والمدرسة الفخرية سنة 1344هـ وتبرع للأولى بمائة جنية ذهباً، وعشر ذبائح، وأربعة أكياس من الأرز، وللثانية بخمسين جنيهاً وست ذبائح، وأربعة أكياس من الأرز. [الرشيد، 1419هـ، 24].

ومن جهود الملك عبد العزيز ~ في هذا المجال اهتمامه بنشر الكتب والعناية بها ووقفها على طلبة العلم ابتغاء وجه الله تعالى، مما كان له الأثر الكبير في إحياء التراث الإسلامي، وطباعة العديد من المخطوطات والكتب، وحرصه على وصولها لأيدي الباحثين ونشر العلم والمعرفة، وعنايته بالمكتبات الوقفية.

ويظهر مما تقدم أن الأموال الوقفية ساهمت في تنمية التعليم والدراسة سواءً في داخل المساجد أو في الكتاتيب أو في المدارس، إذ رعت الأموال الوقفية عملية التنمية هذه من مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا في وقت لم يكن هنالك وزارة للتعليم أو مخصصات في ميزانية الدولة، بل إن أغلب علماء هذه الفترة ترعرعوا ونشئوا على ما وضعته أموال الوقف تحت تصرفهم وسهلت لهم حياتهم للتطور.

ومما يؤكد أن العملية التعليمية تتطلب أعباء ونفقات كبيرة متنوعة بحيث لا يقدر على تحملها إلا فئة قليلة في المجتمع، إذ هناك نفقات التعليم والحصول على الكتب ونفقات السفر والإقامة والأكل والشرب واللبس والعلاج لطالب العلم. ودون تحقيق كل هذا عقبات وعقبات أمام معظم فئات المجتمع، هنا يبرز مدى ضخامة الدور الذي أسهم به الوقف في العملية التعليمية ونشرها وتوسيع رقعتها، بحيث تتاح لكل طالب لها مهما كان مستواه الاقتصادي والاجتماعي ومهما كان موطنه وموقعه. [دنيا، 1415هـ، 136].

 

تصور مقترح للآلية التي يمكن من خلالها تفعيل الوقف فـي العملية التعليمية:

يتضح مما سبق الدور البارز الذي أسهم به الوقف في النهضة الشاملة للمجتمع الإسلامي عامة والنهضة العلمية والتعليمية خاصة،في فترة كان المجتمع أحوج ما يكون للعلم. ولكن بعد إنشاء مديرية المعارف عام 1344هـ التي وضعت على عاتقها القيام بشؤون التعليم من فتح للمدارس وتعيين للمعلمين، وتيسير سبل التعلم أمام الراغبين، بل وإلزامهم بحد أدنى من التعليم، نلحظ  إحجام الموسرين عن الوقف في مجال التعليم، واتجاههم بالأموال الوقفية إلى أنشطة أخرى في المجتمع.

ونظراً لأن الطلب على التعليم في ازدياد مستمر، مما يعني الحاجة إلى فتح مزيد من المدارس، وتزويدها بما تقتضيه العملية التعليمية من وسائل وتجهيزات.

الأمر الذي يدعو إلى النظر في إمكان الاستفادة من الأموال الوقفية في مجال العملية التعليمية، وتوجيه الموسرين إلى هذا الجانب بوصفه قربة إلى الله جل وعلا وهو من الصدقة الجارية التي يستفيد منها المسلم في حياته وبعد موته.

وقد يكون من المناسب إيجاد جهة ملحقة بإدارة اقتصاديات التعليم بوزارة المعارف تقوم على تفعيل الوقف في العملية التعليمية، وتتولى استقبال الأموال الوقفية، والصرف منها على ما تحتاجه العملية التعليمية.

ويمكننا أن نحدد بعضاً من المهام التي ينبغي على هذه الجهة القيام بها في سبيل تحقيق هذه الغاية، وهي الاستفادة من الأموال الوقفية في العملية التعليمية:

1 – نشر الوعي بين أفراد المجتمع عامة والموسرين خاصة وتعريفهم بأن الوقف على التعليم قربة إلى الله تعالى وأنه من الصدقة الجارية.

2 – إظهار الدور الرائد الذي أسهم به الوقف في تطور وتقدم المجتمع الإسلامي عامة، وفي مجال التعليم خاصة.

3 – التنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الاستفادة من ريع بعض الأوقاف، أو الوقف المباشر على إنشاء بعض المرافق التعليمية.

4 – التعريف بالمجالات التي من الممكن أن يسهم الوقف فيها في العملية التعليمية سواءً كانت مشاريع إنشائية كبناء المدارس والمصليات، أو تجهيزية كالوسائل والأثاث.

5 – حصر الأوقاف المحبسة على التعليم في نواحي المملكة –قديماً –، وتقديم دراسة لكيفية الاستفادة منها – حالياً – في العملية التعليمية.

6 – وضع الإجراءات واللوائح المنظمة لعملية الوقف في مجال التعليم، بحيث تكون الصورة واضحة تماماً أمام الواقفين، مما يبصر الواقف عند إرادته الوقف في هذا المجال.

7 – دراسة وحصر الاحتياجات التعليمية التي يمكن الإنفاق عليها من الأموال الوقفية، وترتيبها وفق أولويات معينة وضوابط محددة.

 

 

آلية العمل:

وللقيام بهذه المهام فلابد من وضع آلية للعمل تحدد الخطوات الإجرائية التي منها ما يلي:

1 – الاستفادة من أئمة وخطباء المساجد في المملكة – بعد التنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في هذا المجال – للتعريف بأهمية الوقف على التعليم وأنه باب من أبواب البر والخير.

2 – استقطاب عدد من طلبة العلم والواعظين ليتولوا نشر الوعي بين أفراد المجتمع وتعريفهم – وخاصة الموسرين – بهذا المشروع وأهدافه.

3 – تفعيل وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمقروء والمسموع في هذا المجال.

4 – إصدار نشرات تعريفيه توضح المجالات التي من الممكن مساهمة الوقف فيها.

5 – عقد اللقاءات والمؤتمرات بين فترة وأخرى، يتولى فيها علماء الفقه الإسلامي وعلماء التربية مناقشة هذا الموضوع وما يجد فيه، وبحث الوسائل والسبل التي تسهل عملية الاستفادة من الأموال الوقفية في المجال التعليمي.

6 – إعداد الدراسات والبحوث التي من شأنها تفعيل دور الوقف في العملية التعليمية، بحيث تعزز الجوانب الإيجابية وتتلافى الجوانب السلبية – إن وجدت –.

 

 

المجالات التعليمية التي من الممكن مساهمة الوقف فيها:

ويمكن تقسيم هذه المجالات إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي:

أولاً: مجال الإنشاء والبناء:

وهي المجالات التي تكون فترتها العمرية طويلة، بحيث يمكن إنشاؤها ووقفها مباشرة ومن هذه المجالات ما يلي:

1 – بناء المدارس سواء كانت مجمعات تعليمية تضم أكثر من مرحلة دراسية، أو منفردة، وسواءً كانت للتعليم العام، أو مدارس تحفيظ القرآن الكريم.

2 – شراء الأراضي الواسعة الصالحة لأن تكون مدرسة.

3 – بناء الفصول الإضافية في المدارس ذات الكثافة الطلابية العالية.

4 – بناء مكتبات عامة، سواء كانت منفردة أو ملحقة بالمدرسة.

5 – بناء مساكن للطلاب، وخاصة المحتاجين من طلاب معاهد النور أو معاهد التربية الفكرية أو كليات المعلمين، أو الوافدين من مناطق لا توجد فيها مدارس أو جامعات.

6 – بناء معاهد ومؤسسات لرعاية ذوي الحاجات الخاصة كالطلاب الذين يعانون من تخلف عقلي أو صعوبات في التعلم.

7 – بناء المصليات في المدارس.

8 – بناء المظلات في أفنية المدارس وخاصة المدارس الكبيرة.

9 – بناء المعامل والمختبرات.

 

ثانياً: مجال التجهيزات:

ويعنى هذا المجال بتزويد المدارس بما تحتاجه من الأثاث والوسائل والمستلزمات بما يسهم في تحقيق العملية التعليمية لأهدافها التربوية ومنها:

1 – تأثيث المدارس بما تحتاجه من فرش وكراسي وطاولات.

2 – تجهيز المختبرات والمعامل بما يلزم من أدوات مخبرية ومواد كيماوية وأجهزة.

3 – شراء برادات الماء.

4 – شراء المكيفات.

5 – توفير أجهزة الحاسب الآلي.

6 – توفير الوسائل التعليمية كالخرائط والنماذج وغيرها.

7 – توفير الدفاتر والأقلام وغيرها من المستلزمات للطلاب المحتاجين.

8 – تزويد مكتبات المدارس بالكتب النافعة للطلاب.

9 – توفير الحقائب التدريبية في كافة المجالات التعليمية.

 

ثالثاً: مجال الخدمات التربوية:

ويعنى هذا المجال بتقديم الخدمات التربوية المختلفة سواءً كانت للطالب أو العاملين في المدرسة ومنها:

1 – الاهتمام بالموهوبين ورعايتهم.

2 – توفير العلاج لمن يحتاج من الطلاب.

3 – سقاية الطلاب.

4 – تغذية الطلاب المحتاجين.

5 – صيانة المدارس.

6 – القيام بنظافة المدرسة.

7 – نقل الطلاب من وإلى المدرسة.

8 – التكفل بنفقات الطلاب المبتعثين لاستكمال دراساتهم داخلياً وخارجياً.

على أن مجال التجهيزات، ومجال الخدمات التربوية لا يوقف عليهما مباشرة، بل الأولى الصرف على هذين المجالين من ريع الوقف، لأن من شروط الوقف أن تبقى الأصل، وهذا لا يتوفر – غالباً – في هذين المجالين إذ هما مما يستهلك وتنعدم الاستفادة منه بعد فترة زمنية قصيرة.

 

الخاتمة

 

من خلال ما تقدم في ورقة العمل هذه حول دور الوقف في العملية التعليمية يمكن الخروج ببعض النتائج التالية:

1 – أن الوقف قام بدور رائد في تقدم المجتمع المسلم في كافة 
عصوره المختلفة، وساهم مساهمة فعالة في بناء الحضارة الإسلامية.

2 – أن للوقف دوراً بارزاً في النهضة العلمية في المجتمع الإسلامي بما وفره من أموال عظيمة شجعت على طلب العلم، ووفرت لكافة أفراده فرصاً متكافئة في طلبه.

3 – أن المسلمين اهتموا بالوقف، فوقفوا على جوانب كثيرة كالمساجد والمستشفيات والمدارس والسقايات وحفر الآبار وإقامة الجسور ورعاية ذوي الحاجات وغيرها.

4 – أن الحركة العلمية الشاملة في المجتمع الإسلامي المدعومة بالأموال الوقفية لم تكن مقصورة على علم أو تخصص واحد بل 
شملت جميع أنواع العلوم والمعرفة، والوسائل والأدوات المعينة عليها.

 

أهم التوصيات:

1 – العمل على إيجاد تأصيل شرعي للوقف على العملية التعليمية، والمجالات التي يمكن أن يسهم فيها.

2 – إبراز أهمية الوقف ودوره الرائد في صناعة الحضارة الإسلامية، وإسهاماته العظيمة في النهضة العلمية في المجتمع الإسلامي، من خلال نشر الوعي بين أفراد المجتمع عامة، والموسرين خاصة، وتعريفهم بأن الوقف على العملية التعليمية قربة إلى الله تعالى، وأنه من الصدقة الجارية.

3 – إنشاء إدارة مختصة في وزارة المعارف تستقبل الأموال الوقفية، ومن ثم تصرفها على احتياجات العملية التعليمية وفق أولويات محددة وضوابط مدروسة.

4 – التنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لدراسة إمكان الاستفادة من ريع بعض الأوقاف في المجال التعليمي.

5 – دراسة تجارب بعض الدول الإسلامية في مجال الوقف والاستفادة منها بما يحقق المصلحة العامة والفائدة المرجوة من الوقف.

6 – العمل على توسيع مفهوم الوقف حتى لا يحصر في العقارات فقط، ليشمل جميع المجالات التنموية التي تحقق مصلحة عامة لأفراد المجتمع.

7 – دعوة جميع مراكز البحوث الفقهية والتربوية والاقتصادية لدراسة سبل تفعيل الوقف في مجالات التنمية الشاملة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع

 

(1)

ابن فارس ‎– أحمد بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1368هـ.

(2)

ابن منظور – أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، دار صادر، 1381هـ.

(3)

ابن قدامه – موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، المقنع. تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، 1415هـ، دار هجر، القاهرة.

(4)

ابن قدامه – شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد، الشرح الكبير. تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، 1415هـ، دار هجر، القاهرة.

(5)

المرداوي – علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، 1415هـ، دار هجر، القاهرة.

(6)

البهوتي – منصور بن يونس، كشاف القناع، مكتبة النصر الحديثة.

(7)

الكبيسي – محمد عبيد، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، وزارة الأوقاف العراقية، بغداد، 1977م.

(8)

العسقلاني – ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1378هـ.

(9)

ابن بسام – عبد الله بن عبد الرحمن، تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، دار أم القرى للطباعة والنشر، القاهرة.

(10)

ابن تيميه – مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيميه، جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، دار عالم الكتب، الرياض، 1412هـ.

(11)

عمارة – محمد، دور الوقف في النمو الاجتماعي وتلبية حاجات الأمة، ندوة "نحو دور تنموي للوقف"، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، 1993م.

(12)

محمد – علي جمعة، الوقف وأثره التنموي، ندوة " نحو دور تنموي للوقف، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، 1993م.

(13)

بنعبد الله – محمد، ناظر الوقف وتعامله مع حركة التعليم الإسلامي، 
مجلة دعوة الحق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 
1989م.

(14)

دنيا – شوقي أحمد، أثر الوقف في إنجاز التنمية الشاملة، مجلة البحوث، الفقهية المعاصرة، العدد 24، 1415هـ.

(15)

أبو صالح وآخرون، محب الدين، أصول التربية الحديثة، جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، الرياض، 1411هـ.

(16)

السيد – عبد الملك أحمد، الدور الاجتماعي للوقف، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، 1410هـ.

(17)

ساعاتي – يحيى محمود، الوقف وبنية المكتبة العربية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1408هـ.

(18)

النويصر – محمد عبد الله، الجانب العلمي لدى أئمة الدولة السعودية الأولى، مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الرياض، 1419هـ.

(19)

الشويعر – محمد بن سعد، الشيخ محمد بن إبراهيم عالم الديار السعودية وفقيهها، مجلة البحوث الإسلامية، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، العدد 51، 1418هـ.

(20)

الحقيل – سليمان بن عبد الرحمن، نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، الطبعة السادسة، الرياض، 1414هـ.

(21)

الكثيري – راشد بن حمد، دور التعليم الأهلي في التجديد التربوي، مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الرياض، 1419هـ.

(22)

الرشيد – محمد بن أحمد، رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية، مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الرياض، 1419هـ.

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/82427

الأكثر مشاركة في الفيس بوك