الإسلام والحوار الهادف مع غير المسلمين

الإسلام والحوار الهادف مع غير المسلمين

الرياض وائل الظواهر

الفئات الرئيسية للموضوع
المحراب

ا هو معلوم لدى الجميع أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه أيا كان، والله جل وعلا يقرر هذا الأمر في كتابه العزيز فيقول: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .... ويقول سبحانه أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وقال تعالى ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء
ذلك أن الإسلام لا يقبل النفاق بحال من الأحوال، والإسلام كما هو معلوم شيء يستقر في القلب أولا، فكيف يمكن أن يكره الإسلام غير المسلم على الدخول فيه وهو شيء اعتقادي لا بد فيه من موافقة القلب للسان، وهو غير متوفر في حالة الإكراه.
والإسلام أيضا مع هذا يوجب على المسلمين دعوة غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا شك أن هذا الأمر سينشئ نوعا من الحوار ولا بد، إذ أن من حق كل شخص أن يدافع عن معتقده بالأدلة والبراهين، كما أنه لا يمكن لأحد أن يتخلى عن دينه ويدخل دينا آخر إلا إذا استطاع أن يزيل ما في نفسه من تساؤلات واستفسارات.
ويتميز الإسلام عن غيره بوضوح عقيدته وصفائها وعدم وجود ما يناقض العقل السليم والنهج القويم، ولأجل ذلك كان مبدأ الحوار الهادف في الإسلام.
ومع إقرار الإسلام لمبدأ الحوار مع غير المسلمين حول الإسلام وعقيدته وتشريعاته، إلا أن هذا الحوار له أساس يبنى عليه وشروط وضوابط وحدود ينتهي إليها ولا يتجاوزها إلى غيرها، ولعل هذه الأمور كلها تتضح في هذا اللقاء.

بداية يبين معالي الدكتور صالح بن حميد (رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب الحرم المكي الشريف) أن الإسلام جاء خاتما للأديان وهداية للعالمين أجمعين، ودعا الناس إلى عقيدته وشريعته وقيمه الأخلاقية من خلال الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن دون إكراه، معترفا بواقع الخلاف بين أهل البسيطة، يجسد ذلك هذه الآية الجامعة: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون والآية الأخرى: وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم، فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ.
ويضيف الدكتور ابن حميد لقد اعترف تاريخ الإسلام وحضارته بواقع الأديان واللغات والقوميات، وعامل المسلمون أهل الملل الأخرى معاملة كريمة بلا خداع ولا ظلم ولا تعسف... وقد عاش في المجتمع المسلم: اليهودي والنصراني والمجوسي وغيرهم في داخل الدولة الإسلامية، ذلك أن الأصل في علاقة الشعوب والدول على هذه الأرض أن يعيشوا بتفاهم وتعاون من أجل خير الجميع، يأخذ بعضهم من بعض، وليس لأحد أن يفرض على أحد لغته أو دينه أو ثقافته أو مبادئه أو موازينه بالقوة، فهذا النوع من الاختلاف سنة كونية ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم

أسس وضوابط الحوار في الإسلام

وإذا كان ما ذكره الدكتور ابن حميد يوضح قبول الإسلام لمبدأ التفاهم والحوار مع غير المسلمين، فإنه لا بد أن نعلم أن مبدأ الحوار في الإسلام يترفع عن أن يتحول إلى مجرد نقاشات جوفاء ليس من ورائها هدف إلا إضاعة الأوقات وهدر الطاقات.
ثم هو في نفس الوقت مبني على أساس واضح متين. فالله جل وعلا يقول قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ، فهذا هو أساس الحوار من جانبنا كمسلمين وله ضوابط لا بد منها، يوضح ذلك فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الراوي (أستاذ التفسير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا ورئيس لجنة القرآن بمجمع البحوث الإسلامية) حيث يلقي الضوء على بعض الضوابط التي وضعها الإسلام للحوار فيقول: الإسلام يدعو إلى الحوار، ولكن ليس كحوار أصحاب الأهواء، والنظريات المسلمة عند أصحابها مقدما، بل حوار يقوم على الحق والصدق، وبلاغ ما أمر الله بتبليغه، للحفاظ على الإنسان في عاجل أمره وآجله، بمقومات موضوعية وأخلاقية تحفظ بها الحقوق والوجبات، وتصان روابط الناس على أساس من الحق الذي شرعه الله والأمن الذي دعا إليه.

الإسلام ينهى عن الحوار المبني على التمسك بالرأي مسبقا

ويؤكد الشيخ الراوي على أن من ضوابط الحوار في الإسلام أن يبتعد كل البعد عن الهوى، فإن اتباع الأهواء مفسدة ومضيعة، بل يقدم أساسا على إعلان الحق وتوضيحه بدافع من الاستجابة لأمر الله ورسوله، وعندئذ يعلم أن الحوار في الإسلام لغاية، وليس لاتباع هوى وتحقيق ما يتوهم من مغالبة وادعاء نصر على الخصم، ومن تتبع الحوار في القرآن الكريم وجد كيف تكون الحجة وكيف يقوم الدليل في القضية التي يراد إبلاغها، وعند تحديد موضوع الحوار والاتفاق على مبادئ الحوار وقبول الآخر في الحوار دون خروج على الضوابط وآداب الحوار. ولذلك والكلام ما زال للشيخ الراوي- فإنه في الوقت الذي يقر فيه الإسلام مبدأ الحوار فإنه ينهى عن الحوار المبني على التمسك بالرأي مسبقا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: (( إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ))، لأن الكف عن محاورة هؤلاء حفظ للنفس عن الوقوع في حبائل من لا عهد لهم ولا ميثاق، إذ كيف تحاور هؤلاء؟ هؤلاء يكتفى معهم بالبيان الذي جاء به القرآن بلاغا للناس، وإنذارا للعالمين.

من مقاصد الحوار في الإسلام إيجاد مساحة للتفاهم

ويجب أن يعلم أن مقصود الحوار في الإسلام مع الآخرين إنما هو للتعريف بالإسلام وإيجاد مساحة يستطيع الجميع من خلالها التعامل والتفاهم مع المخالفين، ولذا يقول الدكتور عبد الحي الفرماوي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: ليس المقصود من الحوار من أجل أن ننشئ دينا جديدا كما يحاول البوذيون أو كما يحاول اليهود أو كما يحاول كرادلة النصارى وأساقفتهم أو كما يحاول الخبثاء، فلا دين إلا الإسلام، و في ذلك يقول الله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)، لكن إذا كان الحوار حتى تتفق الشعوب وتتفق الأمم على ما كان من دين الله قبل الخلاف وعلى الأصول الواحدة من الإيمان بالله الواحد والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالرسل وبالكتب السماوية ككل في ظل قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين لا تتفرقوا فيه)، وكان الحوار كذلك حتى يكون بيننا مساحة من الود ومساحة من الاتفاق على أن نكون جميعا اتباعا لله سبحانه وتعالى وعبيدا له وقدر مشترك من الإنسانية نتعامل في إطاره، ولكل دين ما يدعو إليه من مبادئ وتشريعات، فلا مانع في ذلك، أما أن يكون كمحاولة للتمييع أو لخلق دين أو هيمنة دين على آخر، -حتى ولو كان الإسلام بالقهر_ فلا .

الإسلام يفرق بين الحوار الجاد والحوار المفتعل
في هذا الشأن يقول الأستاذ الدكتور عبد الستار سعيد (الأستاذ بجامعة الأزهر ): إنه في الوقت الذي يدعو فيه الإسلام للحوار، ويحرص على إرساء قيم مثل حفظ العقل واحترامه واستخدامه من قبل المسلمين حكما بين طرائق البشر وأفكارهم ومذاهبهم، يؤكد على وجوب التفرقة بين الحوار الجاد والمواجهة الشريفة التي تستهدف بيان الحقائق وإقامة الحجج والبراهين، وبين الحوارات المفتعلة التي تهدف إلى نتيجة مرسومة سلفا، وهي زعزعة القاعدة الصلبة، والتي تقضي بأن الإسلام خاتم للأديان، ومحفوظ الكتاب والسنة، وباعتباره دينا عالميا طبق في الأرض لأكثر من ١٤٠٠ عام، ولم تقم فيه هيئات كهنوتية تملك تغيير معالمه وحقائقه، وإنما ظلت المرجعية الدائمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفهم العلماء المشهود لهم بالتقوى والصلاح.
ويضيف الدكتور سعيد: إذا كان الغرض من الحوار هو فهم الآخر وأن يفهمونا فهذا أمر طيب، وطالما أوصلنا ذلك إلى التعايش في سلام وإنصاف بين الطرفين، بالرغم حكم الإسلام بزيف وخطأ ما عليه أهل الكتاب في العقائد .. ورغم ذلك فقد جعل الإسلام لأهل الكتاب منزلة خاصة في التعامل والتعايش ، بل قال الله تعالى في كتابه: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ، فلم يأمر بالجدل بالحسنى فقط وإنما بالتي هي أحسن إلا مع الظالمين منهم والذين خرجوا عن كل حدود الفعل والفكر.

تعدد الشرائع سنة من سنن الله

ويجب أن يستحضر المحاور في ذهنه أمرا هاما وهو أن وجود المخالفين للدين الإسلامي أمر طبيعي، ولو شاء الله لجعل الناس كلهم أمة واحدة ولو شاء لأخذ بأيديهم كلهم إلى الهداية، ولكنه أوضح الملل والشرائع وبينها ثم ترك الأمر إلى الناس يختارون ما شاءوا ثم يكون الحساب في الآخرة
وحول هذه القضية يقول فضيلة الدكتور عبد الله بن حميد: إن الإسلام يرى في تعدد الشرائع والملل والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى، ونظاما كونيا لا تبديل له ولا تحويل، فهو سبحانه القائل: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.

المصدر: http://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=7881

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك