العهد والميثاق في القرآن الكريم

أولاً: المقَدمة

تقديـم: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضّل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله r.

أما بعد:

فإن القرآن الكريم كلام الله جل وعلا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنـزله على رسوله r هداية للناس ومرشدًا إلى الصراط المستقيم، وتكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر:9) .

ولقد قام رسول الله r بتبليغ هذا الكتاب وتعليمه لأمته حتى غدت على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقام صحابته من بعده بحمل رسالة الإسلام، مهتدين ومستمسكين بالقرآن العظيم والسنة المطهرة.

ولأن القرآن تنـزّل عليهم وسمعوه من المصطفى r فقد كانوا خير من يفقهه ويعمل بما فيه، ولذلك فقد أولوه جلّ عنايتهم، تعليمًا وتفسيرًا وتطبيقًا، ولا غرو في ذلك فهم خير القرون وسادة الأمم وقدوة الأجيال.

وسار سلف هذه الأمة على ما سار عليه أولئك الرجال، وتتابعت الأجيال جيلا بعد جيل تحمل هذا القرآن وتتسابق في بيانه، والعمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه.

وعلى مرّ السنين والقرون، ومع ما بذل ويبذل نحو هذا الكتاب العزيز فإنه لا ينقضي عجائبه، ولا تفنى ذخائره، ولا تبلى روائعه، قوي البنيان، ثابت الأركان، واضح البيان.

ولقد تأملت في واقع أمتنا في هذا العصر، فرأيت أنها مهيضة الجناح، تتقاذفها الأمواج، وتميل بها الرياح، تلتفت يمينًا وشمالا تبحث عن منقذ لها، ومركب النجاة بين يديها، تأوي إلى الغرب وتهوي إلى الشرق ويتآمر عليها شراذم البشر وشرار الخليقة وعزّتها ونصرتها ومنعتها باللجوء إلى كتاب ربها، ولكن يا ليت قومي يعلمون فيعملون.

وفي السنوات الأخيرة رأيت كيف أصبحت الدول تعيش في قلاقل ومحن، وباتت الشعوب - وبالأخص الشعوب الإسلامية - لا تأمن على حياتها وممتلكاتها، فلم يعد الإنسان يطمئن إلى عهد ولا إلى ميثاق، توقّع العهود في الصباح وتنقض في المساء،أنشئت الهيئات والمنظمات الدولية، ولكنها أصبحت كلا على الضعفاء وسلاحًا فتّاكًا بيد الأقوياء، وسادت شريعة الغاب ومملكة البحار، القوي يأكل الضعيف، والكبير يقضي على الصغير بل حتى على مستوى الأفراد والجماعات لم يعد للعهود مكانًا، ولا للمواثيق احترامًا، إلا ما ندر ممن يؤمن بالله واتخذ القرآن له دستورًا وأمانًا، وأدركت أن من أسباب شقاء هذه الأمة وبؤسها بعدها عن كتاب ربها، وعدم التزام كثير من أفرادها بعهود الله ومواثيقه، في العقيدة والسلوك والمعاملات والأخلاق والتقدير، ولذلك اختلت الموازين والقيم، وضعفت الأمة وامتلأت المحاكم والسجون، والأكثر حر طليق.

ولإيماني بكتاب ربي طفقت أبحث عن العلاج بين سوره وآياته، فوجدت ذلك جليًا واضحًا، فقد أثار انتباهي كثرة الآيات التي وردت في قضية العهد والميثاق، وشمولها لجميع العصور والأزمنة، منذ أن خلق الله أبانا آدم - عليه السلام - وأخرج الذرية من ظهره فأخذ عليهم العهد والميثاق، إلى رسولنا r - وما جرى على يديه من عهود ومواثيق، بل إن ما يشدّ الانتباه في حديث القرآن عن العهد والميثاق عدم اقتصاره على جانب معين، بل إنّه يتحدث عن العهد والميثاق في جوانب التوحيد والعبادة، ويتحدث عنه في جانب العلاقات الدولية وهكذا، إلى أخصّ أمور الناس كحديثه عن الميثاق في العلاقات الزوجية، وعلاقة الابن بأبيه كقصة يعقوب وبنيه.

ومن هنا ولتخصصي في القرآن وعلومه جاء اختياري لموضوع العهد والميثاق في القرآن الكريم، ورأيت أن هذا موضوع يحتاج إلى جهد وبيان، ودراسة وتوثيق.

ولقد شعرت بصعوبة الموضوع ومشقته، وجلست قرابة ستة أشهر أفكر فيه ومدى قدرتي عليه، فاستشرت  ([1]) واستخرت ثم عزمت وعلى الله توكلت.

وبعد أن استوعبت الموضوع من خلال تنقلي بين المصادر والمراجع واستشارة ذوي الاختصاص وضعت مخططًا عامًا ثم نقحته بعد ذلك أثناء شروعي في كتابة الموضوع حتى أصبح بشكله النهائي الذي هو عليه الآن.

وقد رأيت أن أقسّمه إلى مباحث دون الفصول والأبواب، لأن ذلك هو الأقرب إلى التفسير الموضوعي، وبالأخص مثل هذا الموضوع (العهد والميثاق) وتحت كل مبحث عدد من الفقرات والجزئيات. وقد جاء البحث في أربعة مباحث وخاتمة كما يلي:

المبحث الأول:

وقد اشتمل على ما يتعلق بمعنى العهد الميثاق، وورودهما في القرآن الكريم، وألحقت بذلك أمثلة من ورود العهد والميثاق في السنة النبوية إتمامًا للفائدة ولذلك فقد جاء هذا المبحث كما يلي:

1- العهد والميثاق في اللغة.

2- كلمة العهد في القرآن الكريم ومعناها.

3- كلمة الميثاق في القرآن الكريم ومعناها.

4- هل العهد والميثاق مصطلح واحد؟.

5- الأسلوب القرآني في عرض قضية العهد والميثاق.

6- العهد والميثاق في السنة النبوية الشريفة  ([2]).

 

المبحث الثاني:

العهود والمواثيق التي وردت في القرآن الكريم:

وقد قمت في هذا المبحث بدراسة العهود والمواثيق التي ذكرت في القرآن الكريم دراسة توثيقية حيث اشتمل على دراسة المواثيق والعهود التالية:

1- العهد والميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم.

2- العهد والميثاق الذي أخذه الله على النبيين.

3- العهد والميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل.

4- العهود والمواثيق التي جرت في عهد الرسول r - وهي على نوعين: الأول: عهود ومواثيق باشرها الرسول r مع أصحابها. الثاني: رسائل ومكاتبات بعثها الرسول r وتضمنت بعض العهود والمواثيق. وكل من هذين النوعين يشتمل على عدة أقسام:

المبحث الثالث:

مجالات استعمال مصطلح العهد والميثاق:

وقد ذكرت فيه المجالات التالية:

أولا: العقيدة، وينقسم هذا المجال إلى عدة فروع.

ثانيًا: العبادات.

ثالثًا: الأخلاق.

رابعًا: العلاقات الدولية.

خامسًا: المعاملات.

سادسًا: القضايا الاجتماعية.

سابعا: الجهاد في سبيل الله.

 

المبحث الرابع:

الوفاء بالعهد والميثاق:

ويشتمل هذا المبحث على الموضوعات التالية:

أولا: حكم الوفاء بالعهد والميثاق.

ثانيًا: آثار الوفاء بالعهد والميثاق.

ثالثًا: آثار نقض العهد والميثاق.

خاتمـة:

ثم ختمت هذا البحث بخاتمة: لخصت فيها أبرز ما توصلت إليه من نتائج.

ثم وضعت ثبتًا بالمصادر والمراجع، وفهرسًا للموضوعات.

منهجي في هذا البحث:

أما منهجي في هذا البحث فألخصه بالنقاط التالية:

1- اقتصرت على الآيات التي ورد فيها لفظ العهد أو الميثاق التزامًا بالمنهج الذي اخترته  ([3]).

2- سلكت منهج التفسير الموضوعي في بحثي لقضية العهد والميثاق في القرآن الكريم، وما ورد من جوانب تحليلية فهو مما تقتضيه طبيعة الموضوع، وتفرضه حاجة البحث، مما لا يعارض المنهج المذكور مع ندرة ذلك وعدم التوسع فيه.

3- التزمت بترقيم الآيات وعزوها إلى سورها  ([4]) إلا إذا تكررت الآية في الموضع الواحد عدة مرات فأكتفي غالبًا بترقيمها أوّل مرة، دفعًا للتكرار ولسهولة معرفة موضعها آنذاك.

4- خرّجت الأحاديث من كتب السنة المعتبرة، وبيّنت درجة كثير منها، صحة وضعفًا حسب قوة الاستدلال في الحديث ومكان وروده ودواعي الاستشهاد به.

5- حرصت على اختيار المصادر الأصيلة، وعدم اللجوء إلى البديل من المراجع، إلا إذا كانت طبيعة النص تسمح بذلك، أو عند الضرورة، وقد التزمت العزو لكل مصدر أو مرجع أفدت عنه.

6- لم أترجم للأعلام نظرًا لطبيعة الموضوع والهدف منه، ولأن أغلب الأعلام من المشهورين، مع حرصي على عدم إثقال البحث بالحواشي.

7- الإيجاز والإطناب من فنون البلاغة، وقد دارت بعض مباحث هذا الموضوع بين الإيجاز والإطناب، حسب الاقتضاء ودواعي البيان، وبعضها - وهو الأكثر - لا إيجاز فيه ولا إطناب.

8- اجتهدت في ربط هذا الموضوع بقضايا العصر، لأنني لا أريد أن يخرج بحثًا نظريًا بعيدًا عن الواقع، فالثمرة منه بقدر إفادة الأمة حاضرًا ومستقبلا، وأسأل الله أن أكون قد وفقت في ذلك.

وبعد:

فأحسب - دون تزكية لنفسي أو ثناء على عملي - أني قد قدمت مباحث لم أر من بحثها قبلي، حسب اطلاعي وسؤالي  ([5]) وما سبقت إليه من جزئيات أشرت إليه في موضعه، مفيدًا منه، شاكرًا لأصحابه.

والشكر لله أولا وأخيرًا، وله الحمد والفضل، فما كان من توفيق فمنه جلّ وعلا، وما حدث من قصور أو تقصير فمني والشيطان، وأستغفر الله.

ثم أشكر كل من كان سببًا في إخراج هذا البحث، وكل من قدم لي أي مساعدة حسية أو معنوية، ولهم مني خالص الدعاء بالتوفيق والسداد.

وشكري سلفًا لمن يقدم لي أي ملحوظة تساعد على تمام البحث وكماله، وستجد مني كل عناية وتقدير، وأسأل الله الإخلاص في القول والعمل.

وصلاة وسلامًا على سيد البشر وصفوة الخلق، وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.

 

 

ثانياً: الْمَبْحَث الأوَّل

العهد والميثاق في اللغة

أولا: العهد:

قال ابن فارس: (عَهِدَ) العين والهاء والدال أصل هذا الباب عندنا، دال على معنى واحد، وقد أومأ إليه الخليل، قال: أصله الاحتفاظ بالشيء، وإحداث العَهْدِ به، والذي ذكره من الاحتفاظ هو المعنى الذي يرجع إليه فروع الباب  ([6]) ويأتي العَهْدُ على عدة معانٍ، وهي:

1- العَهْدُ: الموثق واليمين يحلف بها الرجل والجمع كالجمع، تقول: عليّ عَهْدُ الله وَميثاقه، وقيل: وليّ العهد، لأنه ولي المِيْثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة  ([7]) .

2- والعَهْدُ: الوصيّة، يقال عَهِدَ إليّ في كذا: أوصَاني  ([8]) .

3- والعَهْدُ: التقدم للمرء في الشيء، ومنه العَهْد الذي يكتب للولاة، والجمع: عُهود، وقد عَهِد إليه عَهْدًا  ([9]) .

4- والعَهْدُ: الوَفاءُ والحِفَاظُ وَرعايةُ الحُرْمَة  ([10]) .

5- والعَهْدُ:؛ الأمان، قال شمرّ: العَهْد الأمان، وكذلك الذِّمة، تقول: أنا أُعْهِدُكَ من هذا الأمر، أي: أُؤمّنك منه، ومنه اشتقاق العُهْدَة ([11]) .

6- والعَهْدُ: الالتقاء، وَعَهِدَ الشيء عهدًا عَرفه، وَعهِدْتُهُ بمكان كذا أي لَقيته وعَهْدي به قريب  ([12]) .

7- والعَهْدُ؛: ما عَهِدْتَه فَثافَنْتَه، يقال:؛ عَهْدي بفلان وهو شابٌ، أي: أدركته فرأيته كذلك  ([13]) .

8- والعَهْدُ: المَنْزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه، ويقال له: المعُهَد - أيضًا-  ([14]) وكذلك المنـزل المعهود به الشيء يقال له: العَهْدُ، قال ذو الرمة:

هل تعرف العَهْدَ المُحيل رَسْمُهُ  ([15])

9- والْعَهْدُ: أول مطر، والوَلِيُّ الذي يليه من الأمطار، وفي الصحاح: العَهْدُ: المطر الذي يكون بعد المطر، وقد عُهِدَتِ الأرض فهي مَعْهودةٌ أي: مَمْطورة  ([16]) .

10- والعَهْدُ: الزمان، كالعِهْدان - بالكسر -  ([17]) .

11- والعَهْدُ: التّوحيد  ([18]) .

12- والعَهْدُ: الضّمان  ([19]) .

13- والعَهِدُ: الذي يحبّ الولايات والعُهُود، وقال الكميت:

نام المهلّب عنها في إمارته 

 

حتى مضت سنة لم يقضها العَهِدُ 

قال: وكان المهلب يُحِبُ العُهُود  ([20])

14- والعَهْدُ: الإلّ، قال القرطبي: والعَهد يسمى إلا لصفائه وظهوره، قال الجوهري: والإلّ؛: العهد والقرابة، قال حسان:

لعمرك أن إلّك من قريش 

 

كإلّ السقب من رأل النعام  ([21])

هذه أهم المعاني التي وردت لمعنى (العهد) ولم أتطرق لما جاء في معنى تَعهّد وتعاهَد ونحوهما من معان الألفاظ القريبة من معنى العهد.

ثانياً: الميثاق:

قال ابن فارس: وَثَقَ: الواو والثاء والقاف كلمة تدلّ على عَقْد وإحْكام، وَوَثَّقْت الشيء: أحكَمْتَه، وناقة موثَّقة الخلق.

والميثَاق: العَهْد المحكم  ([22]) وقال الفيروزآبادي: المِيثاق: عَقْدٌ يؤكد بيمين وعَهْد، وأخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف  ([23])

وجاءت لفظة (وَثَقَ) وما اشتق منها على عدة معاني، منها:

1- قال الأزهري: الوَثاقَة: مصدر الشيء الوَثيق المُحكم، والفعل اللازم: وَثُقَ وثاقة فهو وَثيق  ([24])

2- والوَثاق: اسم الإيثاق، تقول: أوثقتُهُ إيثاقًا ووَثاقًا، والحبل أو الشيء يُوَثق به: وثاق. والجميع: الوُثُق، منـزلة الرِباط والرُّبُط  ([25])

3- والوثيقةُ في الأمر: إحكامُهُ والأخذ بالثقَة، والجمع؛: الوَثائق  ([26])

4- والمَوْثَق والمِيْثَاق: العَهْدُ، والجمع: المواثِيق على الأصل، وفي المحكم: والجمع: المَواثِق  ([27])

5- والمُواثَقة: المعاهدة  ([28])

6- والثقَةُ: مصدر قولك: وَثِقَ به يَثِق - بالكسر فيهما - وثاقةُ، وَثِقَة: ائتمنه، وأنا واثق به، وهو مَوثُوق به  ([29]) والذي يعنينا في هذا البحث ما كان بمعنى اليمين والمَوْثق والعَهْد المحكم، دون ما سوى ذلك مما يتعلق بهاتين الكلمتين أو اشتقاقهما من معان أخرى.

 

كلمة العهد في القرآن الكريم ومعناها

وردت لفظة (عهد) وما اشتق منها (46) مرة في (36) آية من كتاب الله تعالى في (17) سورة من سور القرآن الكريم  ([30])وسأذكر المعاني التي وردت فيها مع ذكر الآيات التي وردت في كل معنى من المعاني، مع الإشارة إلى أن المفسرين اختلفوا حول بعض معاني الكلمات التي وردت في الآيات، وسأذكر ما اختاره من الأقوال مما أرى أنه ألصق بمعنى الآية دون أن أذكر الأقوال الأخرى التزامًا بمنهج البحث ودفعًا للاستطراد والتكرار، وحتى لا أخرج عن معنى التفسير الموضوعي إلى التحليلي.

1- ورد العهد بمعنى الوصية والأمر في عدة مواضع:

قال تعالى في سورة البقرة: ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) (البقرة: من الآية27).

قال الطبري: قال بعضهم: هو وصية الله إلى خلقه، وأمره إياهم بطاعته، ونهيه إياهم عن معصيته  ([31]) وقال الماوردي: في العهد قولان: أحدهما: الوصية  ([32]) وقال تعالى في سورة البقرة - أيضًا -: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: من الآية125).

إذا عدي (العهد) بإلى كان بمعنى الوصية المؤكد على الموحى للعمل بها، فـ(عهدنا) هنا بمعنى أوحينا وأمرنا  ([33]) وفي سورة آل عمران: ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ) (آل عمران: من الآية183).

قال ابن الجوزي: ( عَهِدَ إِلَيْنَا ) (آل عمران: من الآية183) أي: أمرنا بالتوراة  ([34]) وقال أبو السعود: ( عَهِدَ إِلَيْنَا ) (آل عمران: من الآية183) أمرنا في التوراة وأوصانا  ([35]) وكذلك جاء في سورة الرعد: ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) (الرعد:20). قال القرطبي: هي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده  ([36]) وفي الرعد - أيضًا-: ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) (الرعد: من الآية25)، وهو بمعنى ما في الآية الأولى.

وفي سورة طه قال تعالى: ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) (طـه:115). فالعهد هنا بمعنى الأمر والوصية. قال النسفي: لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه ألا يقرب الشجرة  ([37]) وقال القرطبي: والعهد هنا في معنى الوصية  ([38]) وفي سورة يس: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (يّـس:60).

والعهد هنا بمعنى الوصية، أي ألم أوصيكم وأبلغكم على ألسنة الرسل  ([39]). وفي التحرير والتنوير: والعهد: الوصاية، ووصاية الله بني آدم بألا يعبدوا الشيطان هي ما تقرر واشتهر في الأمم  ([40]).

 

2- وورد العهد بمعنى الوعد والالتزام واليمين:

قال تعالى في سورة البقرة: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (البقرة: من الآية40).

 قال الماوردي: وفي تسمية ذلك عهدًا قولان.. الثاني؛: أنه جعله كالعهد الذي هو يمين للزوم الوفاء بهما جميعًا  ([41]) وقال الطاهر بن عاشور:؛ والعهد هنا هو الالتزام للغير بمعاملة التزامًا لا يفرط فيه المعاهد حتى يفسخاه بينهما  ([42]). وقال تعالى في سورة البقرة: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ) (البقـرة: من الآية80). والمراد بالعهد - هنا - الوعد المؤكد، لأن أصل العهد هو الموعد المؤكد بقسم والتزام  ([43]). وقال تعالى: في سورة البقرة - أيضًا -: (قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: من الآية124). والمراد بالعهد هنا الوعد  ([44]) لأن الله تعالى وعد إبراهيم - عليه السلام - بأن يجعله إمامًا، فلما قال إبراهيم (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (البقرة: من الآية124) أي أن هذا الوعد لي ولبعض ذريتي، قال سبحانه: (قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: من الآية124)  ([45]). وكذلك جاء العهد بمعنى الوعد في قوله تعالى في سورة التوبة: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: من الآية111). قال في زاد المسير: أي: لا أحد أوفى بما وعد  ([46]). وقال ابن كثير: " وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فإنه لا يخلف الميعاد " ([47]). وفي سورة مريم قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) (مريم: من الآية78). قيل هو الوعد  ([48]) وكذلك فسرها في التحرير والتنوير بالوعد  ([49]) والوعد من الله - سبحانه- عهد. ومما جاء بلفظ العهد وهو بمعنى الالتزام واليمين قوله تعالى في سورة التوبة: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (التوبة:75). قال ابن الجوزي أي قال: علي عهد الله  ([50]). وذكر القرطبي أنه بمعنى الارتباط والالتزام، واللام تدل على أنه في معنى القسم  ([51]) وفي سورة الأحزاب: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (الأحزاب: من الآية23). ولقد فسر العهد هنا بالوعد. قال ابن كثير: أن أنس بن النضر قال بعد غزوة بدر وكان قد غاب عن غزوة بدر: لئن أشهدني الله U قتالا للمشركين ليرين الله ما أصنع.. ثم قاتل في أحد حتى قتل ([52]) ففسروا العهد هنا بالوعد المصحوب باليمين. وقال ابن عاشور في تفسير الآية: إنهم حققوا ما عاهدوا عليه فإن العهد وعد، وهو إخبار بأنه يفعل شيئًا في المستقبل  ([53]).

3- وورد العهد بمعنى العقد والميثاق:

قال تعالى في سورة البقرة: ( أوَكُلَّمَا عَهدُوا عَهْداً نَبذَهُ فريقٌ منْهُمْ ) (الأحزاب: من الآية100). قال عطاء: هي العهود التي كانت بين النبي r وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير، ودليله كما قال تعالى في سورة الأنفال: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:56). فهي هنا بمعنى العقد والميثاق  ([54]) وقال تعالى في سورة البقرة - أيضًا-: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) (البقرة: من الآية177). وهي العقود التي تكون بين الإنسان وغيره  ([55]) وقال في سورة الأنفال: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:56). والعهد هنا ما عقده رسول الله r مع اليهود من عقود وعهود ومواثيق بأن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه  ([56])، وقال تعالى في سورة التوبة: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة:1). فالعهد بمعنى العقد والميثاق وهو ما كان بين رسول الله r وبين المشركين وهو على صور مختلفة  ([57]) وكذلك في قوله تعالى في سورة التوبة: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) (التوبة: من الآية4). فالعهد هنا بمعنى العهد في الآية السابقة  ([58]). وكذلك العهد بمعنى العقد والميثاق في قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (التوبة: من الآية7). فمعنى الآية: إن الشأن ألا يكون لكم عقد وميثاق مع أهل الشرك، فما كان العهد المنعقد معهم إلا أمرًا مؤقتًا بمصلحة، ونسبة العهد إلى الله لأنه انعقد بإذنه سبحانه، ونسبته إلى الرسول r لأنه هو الذي قام به  ([59]). وفي سورة المؤمنون قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:8). قال ابن كثير: إذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك  ([60]). وقال ابن عاشور: والعهد: التزام بين اثنين أو أكثر على شيء يعامل كل واحد من الجانبين الآخر  ([61]). وكذلك في سورة المعارج: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المعارج:32). حيث إن المعنى واحد.

 

4- وورد العهد بمعنى الأمانة:

قال تعالى في سورة آل عمران: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76). وحيث إن الآية التي سبقتها في الأمانة: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) (آل عمران: من الآية75).

فقد قال بعض المفسرين إن معنى قوله: (مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ) (آل عمران: من الآية76) أي لم يخن أمانته، لأن الأمانة عهد  ([62]). وفي سورة الأعراف: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) (الأعراف: من الآية102).

قال القرطبي قيل: أراد أن الكفار منقسمون، فالأكثرون منهم من لا أمانة له ولا وفاء  ([63])

وقال الماوردي: قيل إنه محمول على ظاهر العهد، أي: من وفاء بعهده  ([64]).

5- وجاء العهد دالا على ما أخذه الله على بني إسرائيل من وجوب الإيمان به وتصديق رسله:

قال تعالى في سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) (آل عمران: من الآية77).

قال أبو السعود: (بِعَهْدِ اللَّهِ) (آل عمران: من الآية77) أي بدل ما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول r  ([65]).

وقال ابن عاشور: والعهد: عهد التوراة، أي ما اشتملت عليه من أخذ العهد على بني إسرائيل بالعمل بما أمروا به ومن جملة العهد الذي أخذ عليهم أن يؤمنوا بالرسول المصدق للتوراة  ([66]).

6- وجاء العهد بمعنى ما أوجبه الإنسان على نفسه من الأيمان والنذور:

قال تعالى في سورة الأنعام: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) (الأنعام: من الآية152).

قال الماوردي فيه قولان: أحدهما: أن عهد الله كل ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذور وغيره.

والثاني: أنه الحلف بالله أي يلزم الوفاء به إلا في معصية  ([67]).

وقال النسفي: النذر واليمين  ([68]).

7- وجاء العهد بمعنى العهدة والاستيداع والاختصاص:

قال تعالى في سورة الأعراف: (قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) (الأعراف: من الآية134). قال المفسرون: أي بما استودعك من العلم والنبوة  ([69]). وكذلك ما ورد في سورة الزخرف: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) (الزخرف: من الآية49). في معنى الآية السابقة وهي تفيد اختصاصه واستيداعه العلم والنبوة  ([70]) ومخاطبتهم إياه بالساحر مخاطبة تعظيم كما روي عن ابن عباس  ([71]).

8- وجاء العهد بمعنى اليمين:

قال تعالى في سورة التوبة: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) (التوبة: من الآية12). فعبر عن نقض العهد والميثاق بنكث الأيمان تشنيعا للنكث، لأن العهد كان يقارنه اليمين على الوفاء به، ولذلك سمي العهد حلفا  ([72]). وفي سورة الأحزاب: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) (الأحزاب: من الآية15). قال قتادة: قالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن. وذلك أنهم لما غابوا عن بدر أقسموا أن لا يتخلّفوا عن غزوة بعدها  ([73]).

9- وجاء العهد بمعنى البيعة:

قال تعالى في سورة النحل: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) (النحل: من الآية91).

قال القرطبي: قيل: إنها نـزلت في بيعة النبي r على الإسلام  ([74]).

وقال الماوردي: إنه التزام أحكام الدين بعد الدخول فيه  ([75]).

وقال ابن عاشور: وإضافة العهد إلى الله لأنهم عاهدوا النبي r على الإسلام الذي دعاهم إليه فهم قد عاهدوا الله كما قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) (الفتح: من الآية10) وفسرها بالبيعة  ([76]).

وكذلك الآية التي بعدها في سورة النحل: (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (النحل: من الآية95). حيث فسرها بعض المفسرين كالزمخشري والنسفي ببيعة رسول الله r  ([77]).

وفي سورة الإسراء قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: من الآية34).

قال الطاهر بن عاشور: يشمل العهد الذي عاهدوا عليه النبي r وهو البيعة على الإيمان والنصر  ([78]). وفي سورة الفتح: (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح: من الآية10).

قال ابن الجوزي: (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ) (الفتح: من الآية10) من البيعة  ([79]).

وقال القرطبي: قيل في البيعة  ([80]). وذلك أن هذه الآية في بيعة الرضوان  ([81]).

10- وجاء لفظ العهد بمعنى الأعمال الصالحة:

 قال تعالى في سورة مريم: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) (مريم:87).

فسرها بعض المفسرين بالأعمال الصالحة. قال القرطبي: هو لفظ جامع للإيمان وجميع الأعمال الصالحة التي يصل بها صاحبها إلى حيز من يشفع  ([82]).

وقال ابن كثير: هي شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها  ([83]).

 

11- وجاء العهد بمعنى الزمان:

قال تعالى في سورة طه: (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) (طـه: من الآية86).

قال الزمخشري: العهد: الزمان يريد مدة مفارقته لهم، يقال طال عهدي بك، أي طال زماني بحسب مفارقتك  ([84]).

كلمة الميثاق ومعناها في القرآن الكريم

وردت لفظة الميثاق وما في معناها (29) مرة في (25) آية من كتاب الله في عشر سور من سور القرآن الكريم  ([85]).

وسأذكر المعاني التي وردت فيها مع ذكر الآيات التي وردت في كل معنى من معانيها.

1- ورد الميثاق بمعنى العهد الذي أخذه الله على عباده:

قال تعالى في سورة البقرة: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (البقرة: من الآية27).

قال القرطبي: الميثاق: العهد المؤكد باليمين  ([86]).

وقال الماوردي: وفي الكناية التي في ميثاقه قولان:

أحدهما: أنها ترجع إلى اسم الله، وتقديره من بعد ميثاق. والثاني: أنها كناية ترجع إلى العهد، وتقديره، من بعد ميثاق العهد  ([87]).

2- ورد الميثاق بمعنى ما أخذه الله على بني إسرائيل من عهد وميثاق:

قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) (البقرة: من الآية63).

قال مقاتل: إنه أخذ ميثاقهم أن يعملوا بما في التوراة. وقال أبو سليمان الدمشقي: أعطوا الله عهدا ليعملن بما في التوراة  ([88]).

ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة - أيضا -: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ) (البقرة: من الآية83).

قال ابن عاشور: أعطوا الميثاق لموسى على امتثال ما أنـزل الله من التوراة  ([89]).

والآية التي بعدها: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ) (البقرة: من الآية84). هو الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل في العمل بالتوراة  ([90]).

وفي معنى الميثاق الذي ورد في الآيات السابقة جاء في قوله تعالى من سورة البقرة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) (البقـرة: من الآية93). وقد سبق ذكر أقوال بعض المفسرين في الآية [63] لأن اللفظ والمعنى واحد  ([91])

وفي سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) (آل عمران: من الآية187).

فالميثاق هنا هو ما أخذه عليهم بالإيمان بالتوراة وفيها وصف محمد r  ([92]).

وفي سورة النساء: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) (النساء: من الآية154).

وكذلك قوله في الآية التي بعدها: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) (النساء: من الآية155).

فالميثاق في الآيتين هو الميثاق الذي أخذ على بني إسرائيل. قال القرطبي: أي بسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ منهم وهو العمل بما في التوراة  ([93]).

وقال تعالى في سورة المائدة: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (المائدة: من الآية12).

فالميثاق هنا هو ما أخذ على بني إسرائيل من وجوب طاعة الله والعمل بما في التوراة  ([94]).

والميثاق في الآية التي بعدها هو معنى الميثاق في الآية الأولى، (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) (المائدة: من الآية13).

قال ابن كثير: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم  ([95]).

وفي سورة المائدة - أيضا - قال الله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) (المائدة: من الآية70).

قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسوله فنقضوا تلك العهود والمواثيق  ([96]).

قال الزجاج: واليهود هم الذين كذبوا وقتلوا الأنبياء، أما النصارى فقد كذبوا فقط  ([97]).

وقال تعالى في سورة الأعراف: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) (الأعراف: من الآية169).

والميثاق هنا هو ما أخذه على بني إسرائيل من الإيمان بالتوراة كما سبق  ([98]).

قال ابن عاشور: والميثاق: العهد، وهو وصية موسى التي بلغها إليهم عن الله تعالى في مواضع كثيرة  ([99]).

3- وورد الميثاق دالا على ما أخذه الله على النبيين من عهد وميثاق:

قال تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) (آل عمران: من الآية81).

قال القرطبي: قيل: أخذ الله ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا، ويأمر بعضهم بالإيمان بعضا  ([100]). وكذلك جاء في سورة الأحزاب: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7).

قال ابن كثير: أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله، وإبلاغ رسالته، والتعاون والتناصر والاتفاق  ([101]).

4- وجاء الميثاق بمعنى عقد النكاح:

قال تعالى في سورة النساء: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: من الآية21).

قال مجاهد وابن زيد: هو عقد النكاح وقول الرجل نكحت وملكت  ([102]).

وقال ابن كثير: روى عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير أن المراد بذلك العقد  ([103]).

5- وجاء الميثاق بمعنى العقود والعهود والمواثيق التي عقدها رسول الله r مع بعض المشركين:

قال تعالى في سورة النساء: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (النساء: من الآية90).

قال مجاهد وابن زيد لا تقتلوا قوما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد فإنهم على عهدهم.

قال القرطبي: وهو أصح ما قيل في معنى الآية  ([104]).

وكذلك جاء في المعنى نفسه قوله تعالى في سورة النساء - أيضا -: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) (النساء: من الآية92).

قال ابن كثير: فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة فلهم دية قتيلهم  ([105]).

وقال الشافعي: كل من له أمان بذمة أو عهد  ([106]).

وقال الحسن: هم أهل عهد رسول الله r من العرب خاصة. وقال في سورة الأنفال: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (الأنفال: من الآية72).

قال ابن عباس:... إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار بينكم وبينهم ميثاق أي مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا ذمتكم ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم  ([107]).

وقال ابن الجوزي: إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد فلا تغدروا بأرباب العهد  ([108]).

6- وجاء الميثاق بمعنى البيعة التي بايع الصحابة رسول الله r عليها:

قال تعالى في سورة المائدة: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (المائدة: من الآية7).

قال القرطبي: الذي عليه جمهور المفسرين كابن عباس والسدي هو العهد والميثاق الذي جرى لهم مع النبي r على السمع والطاعة في المنشط والمكره إذ قالوا سمعنا وأطعنا، كما جرى ليلة العقبة وتحت الشجرة  ([109]).

وقال ابن كثير: هو ما أخذه عليهم من العهد والميثاق في مبايعة الرسول r على متابعته ومناصرته ومؤازرته، وهذه البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله r عند إسلامهم  ([110]).

7- وجاء الميثاق دالا على ما أخذه على النصارى من عهد وميثاق على لسان عيسى ابن مريم - عليه السلام -:

قال تعالى في سورة المائدة: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ) (المائدة: من الآية14).

قال مقاتل: أخذ عليهم الميثاق كما أخذ من أهل التوراة  ([111]).

وقال ابن كثير: أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول r ومناصرته ومؤازرته.. وعلى الإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض  ([112]).

8- وجاء الميثاق بمعنى العهد الذي كان بين يعقوب وبنيه:

قال تعالى في سورة يوسف: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف:66).

قال السدي: أنه حلفهم بالله  ([113]).

وقال ابن كثير: أي تحلفون بالعهود والمواثيق  ([114]).

والآية الأخرى في المعنى نفسه: (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ) (يوسف: من الآية80).

قال القرطبي: أي عهدا من الله في حفظ ابنه  ([115]).

9- وجاء الميثاق بمعنى العهد والعقد مطلقا مما يكون بين الخلق وخالقهم أو بعضهم مع بعض:

قال تعالى في سورة الرعد: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20).

قال النسفي: ما أوثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد  ([116]).

وقال القرطبي: يحتمل أن يريد به جنس المواثيق، أي: إذا عقدوا في طاعة الله عهد لم ينقضوه  ([117]).

وفي المعنى نفسه جاء قوله تعالى في سورة الرعد - أيضا -: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (الرعد: من الآية25). فالميثاق في هذه الآية في معنى الميثاق في الآية السابقة حيث إن الآيتين متقابلتان  ([118]).

10- وورد الميثاق بمعنى ما أخذه الله على ذرية آدم وهم في صلب أبيهم:

قال تعالى في سورة الحديد: (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8) .

قال مجاهد: هو الميثاق الأول الذي كان وهم في ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه  ([119]).

هذه هي الآيات التي وردت في القرآن الكريم بلفظ العهد أو الميثاق، وقد بينت معاني هذه الآيات حسب ورودها مستدلا بأقوال المفسرين حسب ما ترجح لدي منها معرضًا عن ذكر الخلاف أو التفصيل في ذلك، التزاما بالمنهج الذي ذكرته. ومدار البحث في الفصول القادمة على ما كان بمعنى اليمين والموثق والعهد المحكم، وما يتصل بهذا المعنى، مما أخذه الله على عباده من آدم - عليه السلام - إلى نبينا محمد r.

هل العهد والميثاق مصطلح واحد ؟

من خلال تتبع لفظتي (العهد) و (الميثاق) في القرآن الكريم وفي كتب اللغة اتضح ما يلي:

أن العهد أعمّ من الميثاق، فالعهد يأتي لمعان غير معنى الميثاق فمن ذلك مثلا، الوصية والأمر، يقال عهد إليّ بكذا أوصاني، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) (آل عمران: من الآية183).

قال أبو السعود: عهد إلينا: أمرنا في التوراة وأوصانا  ([120]).

ومنه قوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(البقرة: من الآية125) ، فعهدنا هنا بمعنى أوصينا وأمرنا  ([121]).

- ويأتي العهد بمعنى الزمان، ومنه قوله تعالى: (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) (طـه: من الآية86). قال الزمخشري: العهد الزمان، يريد مدة مفارقته لهم  ([122]).

- ويأتي العهد بمعنى الأمان.

- ويأتي بمعنى الوفاء والحفاظ ورعاية الحرمة تقول مادحًا: فلان كما عهدناه.

- ويأتي بمعنى اللقاء، نقول عهدي بزيد في مكان كذا، أي آخر لقاء لي به كان في مكان كذا.

-       ويأتي العهد بمعنى المنـزل قال ذو الرمة:

هل تعرف العهد المحيل رسمه ؟

أي: المنـزل  ([123]).

- ويأتي العهد بمعنى الاستيداع والعهدة والاختصاص، ومنه ما جاء في قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) (الأعراف: من الآية134). قال المفسرون: أي بما استودعك من العلم والنبوة  ([124]).

- ويأتي العهد لمعان أخرى سبق بيانها عند بيان معاني العهد في اللغة وكذلك عند تفسير معنى العهد الذي ورد في القرآن الكريم.

وجاء العهد - أيضًا - بمعنى الميثاق وهو كثير جدًا، بل إن كثيرًا من الآيات جاءت بلفظ العهد وهي بمعنى الميثاق مثال ذلك قوله تعالى عن اليهود: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (البقرة: من الآية100).

ومنه قوله تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:56).

فقد ذكر المفسرون أنها العهود والمواثيق التي عقدها الرسول r مع اليهود  ([125]).

ومنه قوله تعالى في سورة التوبة: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) (التوبة: من الآية4).

فالعهد هنا هو الميثاق الذي كان بين الرسول r والمشركين  ([126]).

وبذلك يتضح لنا أن (العهد) جاء لمعنى الميثاق ولمعانٍ أخرى فهو أعم من معنى (الميثاق).

- أما (الميثاق) فهو أخص؛ فبتتبع الآيات التي جاء فيها لفظ (الميثاق) نجد أن المفسرين فسروها بالعهد، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في مبحث كلمة الميثاق ومعناها في القرآن الكريم ونأخذ لذلك بعض الأمثلة:

قال تعالى: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (البقرة: من الآية27).

قال القرطبي: الميثاق: العهد المؤكد باليمين  ([127]).

ومثل قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) (البقرة: من الآية63). فالميثاق في هذه الآية وغيرها مما ورد في بني إسرائيل فهو بمعنى العهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم  ([128]).

وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) (الأحزاب: من الآية7).

وقال ابن كثير: أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله وإبلاغ رسالته والتعاون والتناصر والاتفاق  ([129]).

وقال تعالى: (إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (الأنفال: من الآية72).

قال ابن الجوزي: إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد  ([130]).

وبهذا يتضح لنا أن معنى الميثاق حيث ورد في القرآن الكريم فيجوز تفسيره بمعنى العهد، أما لفظ العهد فهو على ثلاثة معاني:

1- العهد بمعنى الميثاق مطابقًا.

2- العهد بمعنى قريب من معنى الميثاق حيث قد يفسر به وبغيره  ([131]).

3- العهد بمعان أخرى غير معنى الميثاق، والخلاصة التي تهمنا هنا أن أغلب الكلمات التي وردت في القرآن الكريم بلفظ العهد والميثاق معناها واحد، وذلك أن ما ورد بلفظ (الميثاق) فمعناها العهد، وما ورد بلفظ (العهد) فكثير منها بمعنى الميثاق، وبهذا يكون أكثر ما ورد بهذين اللفظين معناهما واحد، مع بقاء عدد من الآيات تحمل معنى العهد دون الميثاق.

الأسلوب القرآني في عرض قضية العهد والميثاق

نـزل القرآن بلسان عربي مبين، على أفصح العرب وأقومهم لسانا، وكان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للرسول r حيث تحداهم الله أن يأتوا بمثله، بل أن يأتوا بسورة منه، وعجز العرب وأذعنوا واستسلموا لهذا الإعجاز البياني الرائع، واستمرت تلك المعجزة البيانية على مرّ العصور والأجيال شاهدة على صدق النبي r - وقوة رسالته.

وهذا القرآن المعجزة للبشرية يقف المسلم أمامه منبهرا، يقف بين الإعجاز وبين سلاسة الأسلوب وسهولة العبارة وقوة نفاذها إلى أعماق القلوب، لا تعقيد ولا تكلف ولا تركيب.

يقرأه العالم المتخصص فيشعر بالضعف أمام روعة أسلوبه وبيانه، ويسمعه الأمي فيزداد إيمانه وخشوعه، ويتلوه الأعجمي فيخر لله ساجدًا دون أن يجد تفسيرًا لقوة سلطانه على قلبه.

ولا غرو ولا عجب فهذا كلام الله: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) (النساء: من الآية122) وآيات العهد والميثاق جزء من هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأن هذا القرآن كتاب هداية وبيان ودلالة وإرشاد، فقد عرضت آياته بأسلوب رصين، بل بأساليب متعددة، لئلا تملّ القلوب أو تكل الأفهام، تبدأ الآية بأسلوب رائع ثم تنتهي بأسلوب أخّاذ، وتزداد نبضات القلب في تنقله بين آياته ومعانيه، فلا تمجه الآذان، ولا تتعب فيه الأذهان، تنـزيل من عزيز حكيم.

وقد تأملت في آيات العهد والميثاق فوجدت أنها قد عرضت بعدة أساليب، استمالة للقلوب وإيقاظا للنفوس، ذكرى للمؤمنين وتنبيها للغافلين، وحجة على الكافرين والمعاندين. ويصعب حصر الأساليب التي وردت في عرض قضية العهد والميثاق لتعددها وتنوعها، حسب المقتضى والارتباط، وسأذكر أبرز تلك الأساليب، مكتفيًا منها بمثالين أو ثلاثة، معرضا عن الاستطراد والإطناب.

1- الخبر:

جاءت آيات كثيرة بصيغة الخبر مفيدة عاقبة نقض العهد، أو جزاء الوفاء بالميثاق.

يقول تعالى في سورة البقرة: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (البقرة: من الآيتين 26، 27).

وكما أن الضلال والفسق عاقبة الناقضين لعهد الله، تأتي آية أخرى لتقابل معنى هذه الآية حيث جعل التقوى جزاء من أوفى بعهده: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76)، وهذا الأسلوب رائع، حيث جعل نقض العهد في الآية الأولى ملازما للفسق، وجعل التقوى في الآية الثانية ملازمة للوفاء بالعهد، وهذا فيه من البيان والبديع ما فيه.

وفي آية أخرى يأتي الخبر في سياق التذكير والامتنان (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (البقرة:63، 64).

هذه صيغة تحيي القلوب الميتة، وأسلوب يدعو إلى الشكر والإيمان والوفاء، لمن في قلبه ذرة من كرم أو حياء. ونجد أسلوب المقابلة بصيغة خبرية رائعة، والمقابلة نوع من البلاغة بديع، وهذا الأسلوب له أثره الإيجابي في النفس تلاوة واعتبارا: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) (الرعد: 20، 21) (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: من الآية22).

ثم يذكر ما يقابل ذلك عملا وأثرًا. (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25).

وتتعدد الصيغ الخبرية، وكلها تعرض بأسلوب جميل، فمرة تأتي بسياق الأمر، وأخرى في معرض النهي وثالثة مسبوقة بجملة استفهامية.

2- الأمر:

من الأساليب التي عرضت بها قضية العهد والميثاق أسلوب الأمر، وهو أسلوب يتسابق المؤمنون لتحقيقه والوفاء بالمراد منه، فلا تأخر ولا تلكأ ولا تراجع، وهذا هو مقتضى الإيمان، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40).

وفي سورة الأنعام: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) (الأنعام: من الآية152) وفي النحل: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) (النحل: من الآية91) وفي الإسراء: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: من الآية34).

وهكذا يتكرر الأمر، تعظيما لشأن العهد، وتنبيهًا على وجوب الوفاء به، وعدم الإخلال بمقتضاه، تحقيقًا لعبودية الله وطاعته.

3- النهي:

وكما جاء الأمر، فقد ورد النهي عن نقض العهد والميثاق بصيغة طلبية وبأسلوب خبري.

يقول تعالى في سورة النحل بعد الأمر بالوفاء بالعهد: (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) (النحل: من الآية91)([132])  ([133]). وفي آية أخرى: (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (النحل: من الآية95) وهذا نهي صريح عن نقض العهود والمواثيق. أما الأسلوب الخبري وهو يحمل معنى النهي فقوله تعالى في سورة الرعد: (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد: من الآية20) فمدلوله لا تنقضوا الميثاق لتكونوا من أولي الألباب.

4- الاستفهام:

وقد ورد بصيغة الاستفهام التوبيخي في عدة آيات، منها قوله تعالى في سورة الأعراف موبخًا بني إسرائيل على سوء أفعالهم وخيانتهم للعهد والميثاق: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) (الأعراف: من الآية169).

وفي سورة يس يبين الله ما سيوجه للكافرين يوم القيامة من توبيخ وتقريع لتفريطهم بالعهد الذي عهده الله إليهم فضيعوه (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يّـس:60، 61) وجاء الاستفهام إنكاريا في سورة البقرة: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:80).

وفي سورة التوبة: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) (التوبة: من الآية7)  ([134]).

ويستمر عرض موضوع العهد والميثاق بأسلوب الاستفهام، فيأتي الاستفهام في سورة التوبة بمعنى النفي: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: من الآية111).

وهكذا يكون الاستفهام بأنواعه أحد الأساليب البلاغية التي عرضت فيها قضية العهد والميثاق توبيخا وإنكارا ونفيًا.

5- الإجمال والبيان:

ومن الأساليب التي وردت في القرآن الكريم مبينة قضية العهد والميثاق، الإجمال في موضع، والبيان والتفصيل في موضع آخر. وهذا أسلوب بلاغي رفيع، ففي الإجمال لا إخلال، وفي البيان لا حشو ولا إسهاب. فقد ذكر الله في سورة البقرة أنه قد أخذ الميثاق على بني إسرائيل دون أن يبين أو يفصل في ذلك. (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) (البقرة: من الآية63).

فتتشوق النفوس، وتتطلع الأفئدة لمعرفة ذلك الميثاق، وسرعان ما يأتي البيان والتفصيل في آية أخرى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة: من الآية83) الآية.

وفي المائدة يأتي زيادة بيان وتفصيل لهذا الميثاق: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة:12).

وفي سورة الأحزاب ذكر الله أخذ الميثاق على النبيين ولم يفصل فيه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) (الأحزاب: من الآية7).

ثم فصل وبين في سورة آل عمران ما أجمل هناك: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81).

6- الترغيب والترهيب والوعد والوعيد:

النفس البشرية لها خاصيتها التي فطرها الله عليها، والنوازع التي جبل عليها البشر من أهم ما تجب معرفته لمن يريد التعامل مع تلك النفس، والله سبحانه هو خالق الإنسان، فهو أعلم بسرائره، ومداركه ونوازعه، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14).

وهذه النفس تعيش بين شدّ ولين وقبض وبسط، والترغيب والترهيب من أقوى المؤثرات في هذا المخلوق العجيب، والوعد والوعيد عاملان حاسمان في استقامة البشر وتقويم سلوكهم. ومن هنا كان من أبرز الأساليب القرآنية في قضية العهد والميثاق أسلوب الوعد والوعيد، بل إن أغلب الآيات التي وردت في هذا المجال لا تخلو من أحد هذين الأسلوبين، وفي آيات منها يأتي الجمع بين الترغيب والترهيب في آية واحدة.

والأمثلة كثيرة جدا، ومجرد إلقاء نظرة على تلك الآيات تكشف عن هذه الحقيقة، ونكتفي من القلادة ما أحاط بالعنق. ففي سورة التوبة يعرض القضية عرضًا يهز نفس المؤمن هزًا، ويشوقها إلى وعد الله وترغيبه (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111).

وفي سورة الرعد يذكر الموفين بعهودهم الذين لا ينقضون مواثيقهم ثم يختمها بهذا الجزاء الذي تقبل عليه النفس إقبالا: (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:22-24).

أي جزاء مثل هذا الجزاء، وأي إغراء كهذا الإغراء إلا رؤية وجه الله الكريم، وهو متحقق لمن كان هذا مآله وعقباه. وفي سورة (المؤمنون) تعرض القضية بأسلوب آخر (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (المؤمنون:1) من هم وما هي صفتهم لتنشد هذا الفلاح وتطلبه... (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:8).

ما هو جزاؤهم، وماذا أعدّ الله لهم ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون:10، 11).

وكما جاء الترغيب داعيا، والوعد مناديًا، جاء الوعيد زاجرًا، والترهيب ناهيًا ومحذرًا، ها هي سورة البقرة تقص علينا قصة بني إسرائيل مع مواثيقهم وعهودهم، نقض وإخلاف وفجور، ولكن الجزاء كان رهيبًا ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:85، 86) وفي آل عمران يأتي الوعيد مخيفا: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران:77).

وفي سورة الأنفال يخفق القلب خفقانًا ويضطرب اضطرابًا وهو يتلو تلك الآيات التي لا تدع مجالا للمتلاعبين والخائنين: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال:56-58).

أما الآيات التي جمعت بين الوعد والوعيد فمنها قوله تعالى مبينًا جزاء الوفاء بالميثاق، وعاقبة الكفر والعصيان:... (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة: من الآية12).

 

وبعد:

فهذه أبرز الأساليب التي عرضت بها قضية العهد والميثاق، تبين لنا مدى الجهد الذي بذل، والعناية الفائقة لجلاء تلك القضية، فلا لبس ولا غموض وقد بان الصبح لكل ذي عينين، فلم يبق إلا الالتزام والوفاء، ومن نكث وخان فلا يلومن إلا نفسه، والله له بالمرصاد، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

العهد والميثاق في السنة النبوية الشريفة

استكمالا للبحث واستيعابًا لمصطلح (العهد والميثاق) أجد من المناسب أن أذكر بعض الأحاديث التي وردت فيها كلمة العهد أو الميثاق، لتعطينا دلالة على أهمية هذا المصطلح ومجالات استعماله فأقول وبالله التوفيق.

ورد مصطلح العهد والميثاق في السنة النبوية كثيرا، وعندما رجعت إلى كتب السنة وجدت عشرات الأحاديث التي وردت فيها كلمة العهد أو كلمة الميثاق أو كلاهما.

وسأختار بعض الأحاديث التي تناسب المقام:

أولا: كلمة العهد في الأحاديث النبوية:

ورد في صحيح البخاري في الحديث الطويل الذي رواه عبد الله بن عباس في قصة كتاب رسول الله r إلى قيصر - قال قيصر لأبي سفيان: " فماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة " الحديث. رواه البخاري  ([135]).

وعن عبد الله بن عمرو أن النبي r قال: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " رواه البخاري  ([136]).

وعن علي t قال: قال رسول الله r " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده " رواه أحمد  ([137]).

وروى الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة - في قصة الحديبية أن رسول الله r قال: " يا أبا جندل: اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدًا، وإنا لن نغدر بهم "  ([138]).

وعن زيد بن أثيع قال: سألت عليًا بأي شيء بعثت قال بأربع: " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي r عهد فعهده إلى مدته، ومن لا مدة له فأربعة أشهر " رواه الترمذي  ([139]).

وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله r يقول: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة " رواه أبو داود  ([140]).

وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله r " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي  ([141]).

وقال إبراهيم النخعي: كان أصحابنا ينهونا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد - رواه البخاري  ([142]).

وقال البخاري: باب عهد الله U  ([143]).

 

ثانياً: كلمة الميثاق في الأحاديث النبوية:

روى البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله r في حديث طويل وفيه قصة الرجل - آخر أهل الجنة دخولا - حيث يسأل الله تعالى وفيه: " فلا يزال يدعو، فيقول - الله - لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهود ومواثيق ألا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة " الحديث  ([144]).

وفي حديث الأسود بن سريع عن رسول الله r قال: " أربعة يوم القيامة... " إلى أن قال: " فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل عليهم أن ادخلوا النار " الحديث. رواه أحمد  ([145]).

وعن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهما - قال: " حضرت عصابة من اليهود نبي الله r يومًا فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فلما سألوه قال: "فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعني"، قال: فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق " رواه أحمد  ([146]).

وفي الحديث الذي رواه البخاري في قصة عمر t مع العباس وعلي - رضي الله عنهما - قال عمر لهما: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله r وبما عمل به فيها أبو بكر، وبما عملت به فيها منذ وليتها، وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك. الحديث  ([147]).

وفي حديث الرجل الغني الذي جمع أولاده قبل موته وطلب منهم أن يحرقوه - بعد موته - ثم يذروه قال رسول الله r " فأخذ منهم ميثاقًا وربي " الحديث. رواه أحمد  ([148]).

هذه بعض الأحاديث التي وردت فيها كلمتا العهد والميثاق، ولم أذكر إلا عددًا يسيرًا بما يؤدي إلى الغرض من ذكرها، وإلا فالأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًا، وبخاصة التي ورد فيها لفظ العهد.

 

 

ثالثاً: المبحَث الثَاني 

العهود والمواثيق التي وردت في القرآن الكريم

توطئة:

أثناء تتبعي للآيات التي وردت في العهد والميثاق وجدت أن هذه الآيات تشير مرة إلى العهود مع المشركين، ومرات إلى مواثيق بني إسرائيل، وأخرى لعهود الصحابة، ورابعة إلى عهد ذرية آدم وهكذا، ورأيت لزامًا عليّ كباحث في هذا الموضوع أن أقف مع تلك العهود مبينًا ومحققًا، دارسًا وموثقًا، حيث إن الموضوع لا يكتمل دون أن أوفي هذه القضية حقها من البيان والإيضاح.

وطفقت أنقّب من بين كتب السنّة ومصادر التفسير ومراجع التاريخ وغيرها مما يسهّل مهمتي ويعينني في بغيتي مستعينًا بالله جلّ وعلا، وتوصلت بعد بذل الجهد واستثمار الأوقات إلى بيان أهم تلك العهود والمواثيق وقد جاءت كما يلي:

1- العهد والميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم.

2- العهد والميثاق الذي أخذه الله على النبيين.

3- العهد والميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل.

4- العهود والمواثيق التي جرت في عهد الرسول r وهي على نوعين:

الأول: عهود ومواثيق باشرها الرسول r مع أصحابها، وهي ثلاثة أقسام:

1- عهود ومواثيق أخذها الرسول r على الصحابة.

2- عهود ومواثيق أخذها الرسول r على اليهود.

3- عهود ومواثيق كانت بين الرسول r وبين المشركين.

الثاني: رسائل ومكاتبات بعثها رسول الله r وتضمنت بعض العهود والمواثيق، وأشار إليها القرآن الكريم وهي لأربع فئات:

1- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض القبائل التي دخلت في الإسلام.

2- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض اليهود.

3- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض النصارى.

4- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض قبائل العرب.

وأعود فأقول: إن هذه الدراسة لتلك العهود التي ذكرها القرآن لم أجد من قام بها أو تولى جمع شتاتها وتمحيصها، سوى بعض المباحث منها مما أشرت إليه في موضعه، ولهذا فإنني أحسب أن دراستي لهذه العهود والمواثيق جاءت لتلبي حاجة قائمة، وتسدّ فراغًا في هذا المجال، ومن الله أستمد العون فهو حسبي ونعم الوكيل.

 

أولاً: العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على ذريه آدم

قال الله تعالى في سورة البقرة: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27).

قال ابن جرير و الماوردي والقرطبي وابن كثير: قيل: العهد الذي ذكره الله U هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصفه في قوله في سورة الأعراف: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف:172)([149]).

وقال تعالى في سورة الحديد: (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8).

قال الطبري: عنى بذلك: وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صلب آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، وهو قول مجاهد  ([150]).

وقد اختلف العلماء في هذا الميثاق وكيف أخذه الله من ذريه آدم، ولأهمية هذا الميثاق سأذكر بعض ما ورد فيه من أحاديث، ثم ذكر بعض الآثار عن السلف وبخاصة المفسرين منهم، ثم أبين ما يترجح لي في هذا الموضوع، مسترشدا بالأحاديث والآثار وأقوال المفسرين:

1- الأحاديث:

وردت أحاديث كثيرة عن المصطفى r في بيان إخراج الذرية من ظهر آدم وأخذ الميثاق عليهم، وسأذكر بعضها مع الإشارة إلى درجة كل حديث حسب الإمكان:

عن هشام بن حكيم " أن رجلا أتى رسول الله r فقال: يا رسول الله أنبتدأ الأعمال أم قد مضى القضاء؟ فقال رسول الله r "إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه، ثم قال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار" "  ([151]).

قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني، وفي سنده بقية ابن الوليد، وهو ضعيف، ويحسن حديثه بكثرة الشواهد وإسناد الطبراني حسن  ([152])

وقال الدكتور عبد العزيز العثيم في تخرجه لهذا الحديث: هذا الحديث حسن لذاته  ([153]).

قلت: وبقية صدوق يدلّس كثيرًا، فحديثه فيه ضعف، ولكنه يتقوى بكثرة الشواهد فيصبح حسنًا لغيره.

وعن أنس يرفعه: " أن الله يقول لأهون أهل النار عذابًا، لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به، قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك " رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري  ([154]).

وعن ابن عباس عن النبي r قال: " أخذ الله تعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذريه ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم فتلا فقال: ألست بربكم قالوا: (بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) إلى قوله: (بما فعل المبطلون) " رواه الطبري (واللفظ له) وأحمد والحاكم  ([155]).

قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله الصحيح  ([156]).

وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه  ([157]).

قال ابن كثير: وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم - إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفًا - وأخرجه الحاكم في مستدركه، قال: وقد رواه عن الوارث عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه، وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم عن جبير عن أبيه به، وكذلك رواه عطاء بن السائب وحبيب ابن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت (أي وقفه على ابن عباس)  ([158]).

لكن قال أحمد شاكر: حديث ابن عباس صحيح مرفوع وتعليله بالوقف على ابن عباس غير سديد  ([159]).

نعم وإن رواه هؤلاء الثقات موقوفًا، إلا أنه في حكم المرفوع لما يلي:

1- لأنه من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا عن طريق الوحي.

2- هو تفسير صحابي، وبعض العلماء يقولون أنه بمنـزلة المرفوع إلى النبي r - وممن قال بذلك الحاكم  ([160]) وذكره الزركشي في البرهان  ([161]).

3- أنه أتى مرفوعًا إلى النبي r من طريق صحيح كما قال أحمد شاكر وغيره.

4- أن له شواهد مرفوعة تقوّي رفعه  ([162]) .

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله r (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الأعراف: من الآية172) قال: أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس (شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف: من الآية172) رواه الطبري ([163]) .

ورواه موقوفًا أيضًا  ([164]) ورواه اللالكائي موقوفًا  ([165]) .

في سند هذا الحديث شيخ الطبري عبد الرحمن بن الوليد الجرجاني لم يتكلم فيه بجرح ولا تعديل، وبقية رجال الإسناد ليس فيهم ضعيف.

قال الطبري: والثقات التي يعتمد على حفظهم وإتقانهم حدثوا بهذا الحديث عن الثوري، فوقفوه على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه ([166]).

قال ابن كثير: وهذا أصح، أي وقفه على عبد الله بن عمرو  ([167]).

هذه بعض الأحاديث التي وردت في إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم (أي أخذ الميثاق عليهم) وهناك أحاديث أخرى في إخراج الذرية  ([168]) ولكن لم يذكر فيها الإشهاد فلم أذكرها اقتصارا على جوهر الموضوع.

 

2- الآثار الواردة عن السلف:

روى عن أبيّ بن كعب في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) (الأعراف: من الآية172) الآية. قال: " جمعهم فجعلهم أرواحًا ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السلام أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئًا، إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنـزل عليكم كتبي، قالوا: (شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، فأقروا بذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم) " رواه أحمد والطبري والحاكم واللالكائي  ([169]).

رجال إسناده ثقات إلا الربيع بن أنس فهو صدوق ومحمد بن يعقوب، قال الهيثمي: مستور، قال الهيثمي وبقية رجاله رجال الصحيح ([170]) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي  ([171]).

روي عن ابن عباس قال: " إن الله خلق آدم ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر وقال لهم: من ربكم؟ قالوا: الله ربنا. ثم أعادهم في ظهره حتى تؤكد من أخذ ميثاقه، لا يزاد ولا ينقص منهم إلى يوم القيامة " رواه اللالكائي والطبري  ([172]).

قال محقق شرح أصول اعتقاد أهل السنة بعد ذكر هذا الأثر:

وورد من طريق آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بمعناه رواية أحمد 1/272.

وقال الألباني في رواية المسند وإسناده صحيح (حاشية المشكاة)  ([173]).

وروي عن عطاء في هذه الآية قال: أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم في صلبه  ([174]).

وروي الطبري عن نظر بن عربي - في هذه الآية - قال: أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق ثم ردهم في صلبه  ([175]).

وقال ابن جريج عن مجاهد، قال: إن الله لما أخرجهم قال: يا عباد الله أجيبوا الله - والإجابة: الطاعة - فقالوا: أطعنا، اللهم أطعنا، اللهم أطعنا، اللهم لبيك  ([176]).

وروى الطبري بسنده عن ابن عباس قال: " خلق الله آدم، ثم أخرج ذريته من ظهره، فكلمهم الله وأنطقهم، فقال: ألست بربكم؟ فقالوا: بلى، ثم أعادهم في صلبه، فليس أحد من الخلق إلا قد تكلم، فقال: ربي الله، وإن القيامة لن تقوم حتى يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه "  ([177]).

وعن محمد بن كعب القرظي قال في هذه الآية: أقرّت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها، رواه الطبري  ([178]).

3- أقوال المفسرين:

قال الطبري في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) (الأعراف: من الآية172) الآية، الآية: واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم، فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك، وإقرارهم به  ([179]).

وقال ابن كثير: يخبر تعالى أنه استخرج ذريه بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه  ([180]).

وقال القرطبي: واذكر لهم مع ما سبق من تذكير المواثيق في كتابهم ما أخذت من المواثيق من العباد يوم الذر  ([181]).

وقد ذكر الرازي القول بإخراج الذرية من ظهر آدم وأخذ الميثاق عليهم، ثم عقب على ذلك بقوله: وهذا القول ذهب إليه كثير من قدماء المفسرين كسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، والضحاك، وعكرمة والكلبي  ([182]).

هذه هي أهم الأحاديث والآثار وأقوال المفسرين التي وردت في تفسير هذه الآية وبيان أخذ الميثاق على ذرية آدم وقد خالف في ذلك المعتزلة، وأنكروا أخذ الميثاق بنحو ما ذكر، وردّوا على من قال به، وذكروا حججًا لرد هذا القول ذكرها الرازي وردّ على بعضها ردًا جيدًا، ولطول هذه الحجج والرد عليها آثرت عدم ذكرها  ([183]).

وقد ذكر الزمخشري قول المعتزلة في تفسير هذه الآية وبيان أخذ الميثاق فقال:

معنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم: إخراجهم من أصلابهم نسلا وإشهادهم على أنفسهم، وقوله: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) (الأعراف: من الآية172) من باب التمثيل والتخييل، ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: ألست بربكم، وكأنهم قالوا: بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله r وكلام العرب ([184]).

وقد ذهب بعض المفسرين إلى تفسير الآية بغير تفسير الجمهور، ولم يقولوا بقول المعتزلة، ولكنهم قالوا قولا آخر فسروا به الآية، ومن ذلك تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي لهذه الآية حيث قال: أخرج من أصلابهم ذريتهم وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنًا بعد قرن، وحين أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، أي: قررهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم. قالوا: بلى قد أقررنا بذلك فإن الله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف.

فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ على العقول من العقائد الفاسدة. ثم أشار إلى قول الجمهور وردّه بإجمال دون أن يشير إلى الأحاديث أو الآثار فضلا عن أن يناقشها  ([185]).

وأخيرًا بعد هذا التفصيل - الموجز - فإن الذي يترجح في هذه المسألة: أن الله أخرج ذريه آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم مشهدًا بعضهم على بعض، ومشهدًا  ([186]) الإنسان على نفسه أي أخذ بإقراره، فقال لهم سبحانه وتعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (الأعراف: من الآية172) ؟ فأجابوا: (بَلَى) (الأعراف: من الآية172) .

وهذا هو الذي يدل عليه سياق الآية وجاءت به الأحاديث المفسرة للآية، وقال به بعض الصحابة والتابعين ممن فسّر هذه الآية، وهو قول جمهور المفسرين الذين سبق الإشارة إلى بعضهم حتى نصّ بعض كبار المفسرين كابن عطية والثعالبي على تواتر الأحاديث على إخراج الذرية من ظهر آدم - عليه السلام - وأخذ الميثاق منهم  ([187]). ولا أقول بذلك إلا أن نجمله على التواتر المعنوي ([188]) وفيه نظر أيضًا، ولكنه يدل على قوة هذا القول.

وقال ابن الأنباري: هذا مذهب أصحاب الحديث وكبراء أهل العلم  ([189]).

وقال الخازن: وقد ورد الحديث بثبوت ذلك وصحته فوجب المصير إليه والأخذ به  ([190]).

وقال الشنقيطي بعد أن ذكر قول الجمهور وقول مخالفيهم وهذا الوجه - أي قول الجمهور - يدل عليه الكتاب والسنة، ثم فصل في بيان وجه دلالة الكتاب والسنة على صحة هذا القول. وذلك في معرض ترجيحه لهذا القول والأخذ به  ([191]).

وقال الطحاوي: والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق، ثم فصل ابن أبي العز في بيان ذلك ودلالته من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة  ([192]).

كل ذلك مما يقوي الأخذ بما رجحته وعدم الالتفات إلى ما سواه، مع الإشارة إلى صحة ما ذكره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في ثبوت الفطرة ولكننا لا نجعل ذلك هو الميثاق أو نفسر به الآية.

أما قول المعتزلة فهو تفسير عقلي في مقابلة النصوص فلا يعوّل عليه، وما ذكره الرازي في رد هذا القول فيه الكفاية فليرجع إليه ([193]). والله المستعان.

وأخيرًا وقبل أن أنتقل عن هذا المبحث أذكر أمورًا متمة له مع الاختصار في ذلك:

1- اختلف في مكان الإخراج فقيل في نعمان واد إلى جنب عرفة  ([194]).

وقيل في الهند  ([195]).

وقيل: قبل أن يهبط إلى الأرض وبعد الإخراج من الجنة  ([196]). وقيل غير ذلك، ولم أقف عند هذه المسألة لأنه لا يترتب على العلم بها كبير فائدة، ولا يضر الجهل بذلك.

2- رأى آدم ذريته بعد أن أخرجهم الله من ظهره، ورأى فيهم الأنبياء كالسرج، ورأى الغني والفقير والصحيح والسقيم وقد ورد هذا في عدة آثار، ومن أقواها الأثر المروي عن أبيّ بن كعب  ([197]).

3- قال ابن عباس: لن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول - ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة  ([198]).

4- لا تناقض بين الميثاق والفطرة، بل نقول أن المولود يولد على الفطرة - كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ([199]) لأنه أعطى الميثاق وفيه الإقرار بربوبية الله ووحدانيته، ويبقى على ذلك ويولد عليه، ولكن هذه الفطرة تتغير بما يطرأ على الإنسان من عقائد فاسدة لأسباب كثيرة تصرفه عن فطرته وميثاقه.

5- أن هذا الميثاق ليس كافيًا لإقامة الحجة على الخلق، بل لا بد من إرسال الرسل وإنـزال الكتب، والآيات القرآنية صريحة بأن الله تعالى لا يعذب أحدًا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، وهو دليل على عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة وما ركز من الفطرة ([200]).

قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15).

وقال سبحانه: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165).

6- هناك من قال إن الأرواح خلقت قبل الأجساد  ([201]) وقال آخرون بغير ذلك  ([202]). ولا مصلحة في الخوض في هذه المسألة، والآثار لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقًا مستقرًا ثابتًا  ([203]).

هذا ما تيسر تحقيقه في بيان هذا الميثاق الذي أخذه الله على البشر، وأسأل الله الثبات واليقين إنه نعم المولى ونعم النصير.

ثانيًا: العهد والميثاق الذي أخذه الله على النبيين

قال الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81).

وقال سبحانه في سورة الأحزاب: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7).

اختلف العلماء في الآية الأولى: هل كان أخذ الميثاق من النبيين، أو من أممهم:

فذهب فريق منهم إلى أن الميثاق أخذ من أتباع الأنبياء ولم يؤخذ من النبيين، وتأويل الآية عندهم: وإذا أخذ الله ميثاق أمم النبيين ([204]) أو: وإذا أخذ الله ميثاق أتباع النبيين  ([205]) أو: وإذا أخذ الله ميثاق النبيين على أممهم  ([206]) ونحو ذلك، فأضافوا (ميثاق) إلى (النبيين) وقدّروا محذوفًا كما تقول: عهد الله ويمين الله وميثاق الله  ([207]).

وممن قال بذلك مجاهد والربيع  ([208]) وجعفر الصادق  ([209]) وغيرهم وأدلة من نصر هذا القول ما يلي:

1- روى الطبري بسنده عن مجاهد في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) (آل عمران: من الآية81) قال: هي خطأ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعود (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) (آل عمران: من الآية187)  ([210]).

2- وروى الطبري بسنده - أيضًا - عن الربيع في قوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) (آل عمران: من الآية81) يقول: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) (آل عمران: من الآية187) وكذلك كان يقرؤها الربيع: (وإذا أخذ الله ميثاق الذي أوتوا الكتاب)، إنما هي في أهل الكتاب، قال وكذلك كان يقرؤها أبيّ بن كعب. قال الربيع: ألا ترى أنه يقول: (ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) (آل عمران: من الآية81) يقول: لتؤمنن بمحمد r ولتنصرنه، قال: هم أهل الكتاب  ([211]).

3- ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني قال: ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ عليهم الميثاق يجب أن يؤمنوا بالنبي r ـ عند بعثه وكل الأنبياء يكونون عند مبعث النبي من الأموات، والميت لا يكون مكلفًا لذا فالمكلف غيرهم، وهم أمم النبيين الموجودون عند مبعث النبي r  ([212]).

4- أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق أن من تولى منهم كان فاسقًا، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء - عليهم السلام - وإنما بالأمم  ([213]).

5- أن المقصود من هذه الآية أن يؤمن الذين كانوا في زمان الرسول r ـ وإذا كان الميثاق مأخوذًا عليهم كان ذلك أبلغ في تحصيل هذا المقصود من أن يكون مأخوذًا على الأنبياء - عليهم السلام -  ([214]).

هذه أهم أدلة من قال بالقول الأول من المفسرين وغيرهم  ([215]). وذهب آخرون إلى القول بأن الميثاق قد أخذ على الأنبياء كما يفيد ظاهر الآية.

وممن قال بذلك جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وكثير من المفسرين ومنهم: علي وابن عباس وقتادة والحسن وطاوس والسدي وسعيد بن جبير والطبري وابن كثير وغيرهم  ([216]).

وقد استدل هؤلاء بعدة أدلة أهمها:

1- ظاهر الآية ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (الأحزاب: من الآية7).

2- ما رواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن ثابت قال: " جاء عمر بن الخطاب إلى النبي r فقال: يا رسول الله إني مررت بأخِ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها عليك، قال: فتغير وجه رسول الله r قال عبد الله: فقلت: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد r رسولا، قال: فسرى عن النبي r ثم قال: "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين "  ([217]).

وكذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى قال: حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله r " والله لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حلّ له إلا أن يتبعني "  ([218]).

3- روى الطبري بسنده عن علي بن أبي طالب t قال: لم يبعث الله U نبيًا، آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه، وقرأ الآية  ([219]).

4- ما روي عن ابن عباس وقتادة وطاوس من آثار في ذلك، ([220]) وهذا القول هو الراجح وهو الذي تسنده الأدلة ويوافق ظاهر الآية.

أما القول الأول فلا حجة لهم يعتد بها، وما ساقوه من أدلة لا ينهض بها الاستدلال، ويرد عليها بما يلي:

1- أما ما روي عن مجاهد فقد قال أبو حيان: هذا لا يصح عنه؛ لأن الرواة الثقاة نقلوا عنه أنه قرأ: (مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) (آل عمران: من الآية81) كعبد الله بن كثير وغيره، وإن صحّ ذلك عن غيره فهو خطأ مردود بإجماع الصحابة على مصحف عثمان  ([221]).

2- أما قول الربيع فيرد عليه - أيضًا- بإجماع الصحابة على مصحف عثمان، فإن صحت القراءة عن أبيّ فهي شاذة، وقال الطبري: وأما ما استشهد به الربيع فإن ذلك شاهد على صحة ما قال  ([222]).

3- أما قول أبي مسلم فهو ضعيف من وجهين:

أ- أنه فسر الميثاق ببعض معناه وهو أعم من ذلك كما سيأتي  ([223]).

ب- أنه لا يمتنع أن يؤمن النبيون - عليهم السلام- بمحمد r وإن لم يدركوه، بل هذا جزء من الإيمان لما يلي:

1- حتى يخبروا أممهم، ويأمروهم بالإيمان به إن أدركوه.

2- أن بعض النبيين سيدركه  ([224]) كعيسى - عليه السلام - بعد نـزوله فإنه يحكم بشريعة النبي r ويكون من أتباعه  ([225]).

3- أن الإيمان به عقيدة حتى وإن لم يدركوه، كما نؤمن بالنبيين السابقين لنبينا - r وعليهم أجمعين - وإن لم ندركهم ولن نتبعهم فيما خالف شريعة نبينا محمد r وكما يجب الإيمان بأشراط الساعة وعلاماتها وإن لم يدركها الأكثرون.

4- أما الدليل الرابع، وهو وصف من تولى بأنه من الفاسقين، وهذا لا يليق بالأنبياء فالرد عليه من وجهين:

أ- أن قوله: (فَمَنْ تَوَلَّى) (آل عمران: من الآية82) الآية للمخاطبين وقت نـزول القرآن، أو للأمم بعد أخذ الميثاق على أنبيائهم ([226]).

ب-

أنه على القول بأن الآية في الأنبياء فهي من باب قوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: من الآية65). وقوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (الحاقة:44-46).

5- أما الدليل الخامس، وهو أن المقصود أن يؤمن الذين في زمن النبي r فأخذ الميثاق منهم أولى. وهذا ضعيف من وجهين - أيضًا -:

أ- أنه ليس المقصود أن يؤمن الذين في زمن النبي r فقط، بل أن يؤمن الأنبياء وأممهم بالرسول r وغيره من الأنبياء، كما سيأتي.

ب- أن درجات الأنبياء أعلى وأشرف من درجات الأمم، فصرف الميثاق إلى الأنبياء أقوى في تحصيل المطلوب والأمم تبع  ([227]).

وبما سبق يتبين أن الراجح هو القول: بأن الله أخذ على النبيين ميثاقهم، وأن الأمم تبع لأنبيائهم، فالله قد أخذ الميثاق على النبيين، والأنبياء يأخذون الميثاق على أممهم  ([228]). قال الطبري مرجحًا القول الثاني ورادا الأول:

ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء لأن الله U قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين فسواء قال قائل لم يأخذ ذلك منها ربها، أو قال: لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت  ([229]) وقد نصّ الله U أنه أمرها بتبليغه لأنهما جميعًا خبران من الله عنها، أحدهما أنه أخذ منها، والآخر منهما أنه أمرها فإن جاز الشك في أحدهما جاز في الآخر  ([230]).

وهنا نأتي لبيان العهد والميثاق الذي أخذه الله على النبيين:

قال قتادة: ميثاق الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضًا، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد r ويصدقوه وينصروه  ([231]).

وعن طاووس قال: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم  ([232]).

وقال الحسن: أخذ الله ميثاق النبيين: ليبلغن آخركم أولكم ولا تختلفوا  ([233]).

وهؤلاء فسروا الميثاق بأن بعضهم يؤمن ببعض ويصدق بعضهم بعضًا من أولهم إلى آخرهم.

ولكن ابن عباس وعلي والسدي فسروا الميثاق بأخص من ذلك:

قال علي بن أبي طالب: لم يبعث الله U نبينا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد، لئن يبعث وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه  ([234]).

وبنحو قول علي قال ابن عباس كما ذكر ذلك ابن كثير، وأشار إليه الطبري وابن الجوزي والرازي  ([235]).

ويمثل قول علي قال السدي - أيضًا  ([236]) -:

والراجح في هذه المسألة هو القول الأول، فإن الله أخذ الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمن بعضهم ببعض ويصدق بعضهم بعضًا وينصره ويأخذوا ذلك على أممهم، على أن القول الثاني لا يعارض الأول ولكنه أخص منه وهو صحيح كما قال ابن كثير: وما قاله طاوس وقتادة لا يضادّ ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه  ([237]).

ورجح الطبري ذلك قائلا:

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب من قال: معنى ذلك: الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضًا، وأخذ الأنبياء على أممها وأتباعها الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به، لأن الأنبياء - عليهم السلام - بذلك أرسلت إلى أممها، ولم يدع أحد ممن صدق المرسلين أن نبينا أرسل إلى أمة بتكذيب أحد أنبياء الله U  ([238]).

واختار هذا القول ابن كثير وفسّر به الآية  ([239]).

ولذا فأخذ الميثاق على الأنبياء بالإيمان بمحمد r وتصديقه، وأمر الأمم بذلك من باب أولى.

وأختم هذا المبحث بالنقاط التالية:

1- أن الله أخذ من النبيين العهد والميثاق بأن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضًا، وكل يبلغ أمته ويأمرها بالإيمان بذلك.

2- أن الله أمرهم بذلك فأقروا بالميثاق وأعطوا العهد عليه  ([240]).

3- أن الله أشهدهم على ذلك فشهدوا  ([241])

4- الميثاق الذي أخذ على ذرية آدم - والأنبياء منهم - عام وهذا ميثاق خاص.

5- قال بعض المفسرين: إن أخذ الميثاق على النبيين في ظهر آدم، ([242]) وقيل بعد ذلك  ([243]).

وبهذا يتضح القول في معنى ميثاق النبيين والعهد الذي أخذه الله عليهم، والله أعلم بالصواب.

ثالثًا: العهد والميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل

ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تبين أن الله قد أخذ العهد والميثاق على بني إسرائيل، وقد جاءت هذه الآيات بصيغ متعددة ومواضع متفرقة في كتاب الله فمنها قوله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40).

وقال سبحانه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:63).

وفي آية أخرى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة:83، 84).

وكما جاءت الآية (63) في سورة البقرة جاءت الآية (93) مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الآية: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) (البقرة: من الآية93).

وفي آل عمران عبر عنهم بأهل الكتاب: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187).

وفي سورة المائدة جاء الميثاق مفصلا: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة:12).

وفي سورة الأعراف: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) (الأعراف: من الآية169).

إلى غير ذلك من الآيات التي وردت في القرآن الكريم ومما يلحظ كثرة الآيات التي وردت في بيان أخذ العهد والميثاق على بني إسرائيل حتى أنها تصل إلى ثلث الآيات التي ورد فيها لفظ العهد أو الميثاق  ([244]) ولا غرابة في ذلك؛ فمن تتبع حديث القرآن عن اليهود وقصصهم مع أنبيائهم وغدرهم ونكثهم للعهود والمواثيق أدرك سر كثرة الآيات التي فيها بيان الله سبحانه وتعالى وتذكيره لما أخذ عليهم من عهود ومواثيق، وإيذاء بني إسرائيل لموسى - عليه السلام - وهو الذي أنقذهم من فرعون بعد طول استعباد وبلاء، إيذاء يقف المسلم أمامه حائرًا حول طبيعة وأخلاق هؤلاء البشر.

ولقد صبر موسى - عليه السلام - عليهم صبرا عجيبًا، وعانى من عتوهم وعصيانهم معاناة لا يطيقها إلا أولو العزم من الرسل، ولقد حدثنا القرآن ببعض صور عتوّهم ونفورهم وعنادهم واستكبارهم أمام كل نعمة ينعمها الله عليهم، وبعد كل فرح يهبه الله لهم، نجد أنه في الوقت الذي كان موسى يبذل جهودًا جبارة لإنقاذهم من فرعون وملئه وكان بأمسّ الحاجة إلى طاعتهم وانقيادهم وصبرهم يقولون لموسى كلامًا يصرع الألباب: (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا )(لأعراف: من الآية129).

أي أننا لم نجد في رسالتك خيرًا، فعدمها ووجودها سواء، وجاء الفرج وأنقذهم الله من فرعون بمعجزة من المعجزات الإلهية الكبرى، وأهلك عدوهم فرعون وجنده، فماذا كانت النتيجة. (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف: من الآية138). سبحانك ربي ما أحلمك. هل انتهوا عند هذا الحدّ من الطغيان ونكران الجميل؟ لا: فما مرّ وقت يسير على ذهاب موسى لميقات ربه على الجبل ليتلقى الألواح حتى أضلهم السامري (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) (طـه:88).

ولم يكتفوا بجعله إلهًا لهم بل أشركوا موسى - حاشاه - معهم في شركهم، وليس ذلك فحسب، بل اتهموا موسى بالضلالة والجهالة والنسيان (فنسي) أن هذا إلهه  ([245]).

وانتهت هذه القضية - المؤلمة - ولكنهم لم ينتهوا - فقد منحهم الله المنّ والسلوى وهم في الصحراء، وهذا من أعظم النعم، فماذا حدث هل شكروا؟ لا، وإنما قالوا: (يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) (البقرة: من الآية61).

وماذا بعد، إن قصة البقرة فيها أقوى الدلالات على تمردهم ولحاجتهم وعدم إيمانهم، ويكفي عندما نتمعن في قولهم: (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ) (البقرة: من الآية61) ثلاث مرات لم يقولوا في واحدة منها: ادع ربنا، يكفي دليلا على ما يحمله هؤلاء البشر من صفات خسيسة يتأفف منها الكرام، وفي النهاية: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة: من الآية71). وقصتهم في السبت معروفة: (وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: من الآية154) (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) (البقرة: من الآية65).

وفي آخر المطاف مع موسى، وأمام الأرض المقدسة التي بشرهم الله بدخولها، وكانت أقصى أمنية يتمنونها ماذا حدث (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا) (المائدة: من الآية22) .

نهاية الجبن والخور والضعف، وبعد الإلحاح من موسى وممن آمن معهم وهم قليل "رجلان" ماذا كان الجواب؟ السمع والانقياد والطاعة؟ لا، وإنما (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: من الآية24) عصيان وتمرد وغطرسة وجبن؟  ([246]).

هذه صور موجزة تكشف عن طوية هؤلاء، ومن هنا ندرك سرّ كثرة الآيات التي جاءت تتحدث عمّا أخذه الله عليهم من عهود ومواثيق ومع ذلك فالنتيجة (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (البقرة: من الآية100).

وبعد: فما هو الميثاق الذي أخذ على هؤلاء؟:

بعد الرجوع إلى الآيات التي وردت في بيان أخذ العهد والميثاق على بني إسرائيل نجدها على ثلاثة أوجه:

1- آيات مجملة لم يبين فيها إلا أنه أخذ عليهم العهد والميثاق (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (البقرة: من الآية40).

(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (البقرة: من الآية100).

2- آيات فيها إشارة موجزة إلى نوع الميثاق:

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ) (البقرة: من الآية63). (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) (البقرة: من الآية93).

3- آيات فيها شيء من التفصيل عمّا أخذ عليهم من عهود ومواثيق:

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة: من الآية83). (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة:84). (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: من الآية187). (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (المائدة: من الآية12). (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) (الأعراف: من الآية169).

 

وبالرجوع إلى كتب التفسير وما ذكره العلماء في تفسير هذه الآيات نخلص إلى ما يلي:

1- أن الله أخذ على بني إسرائيل العهد والميثاق أن يؤمنوا بالتوراة جملة، ويعملوا بما فيها تفصيلا. قال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: لما رجع موسى من عند ربه بالألواح قال لقومه من بني إسرائيل: إن هذه الألواح فيها كتاب الله، وأمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه، فقالوا: ومن يأخذ بقولك أنت، لا والله حتى نرى الله جهرة، حتى يطلع الله علينا، فيقول: هذا كتابي فخذوه، فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى، فيقول هذا كتابي فخذوه، قال فجاءت غضبة من الله، فجاءتهم صاعقة فصعقتهم، فماتوا أجمعون، قال: ثم أحياهم الله بعد موتهم، فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله، فقالوا: لا، قال: أي شيء أصابكم؟ قالوا: متنا ثم حيينا، قال: خذوا كتاب الله، قالوا: لا، فبعث الله ملائكته فنتقت الجبل فوقهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطور، قال: خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم، قال: فأخذوه بالميثاق  ([247]).

وذكر القرطبي نحوه وفيه: خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها وألا سقط عليكم الجبل، فسجدوا توبة لله وأخذوا التوراة بالميثاق ([248]).

وقال الرازي: أعطوا العهد والميثاق ألا يعودوا إلى ما كان منهم من عبادة العجل، وأن يقوموا بالتوراة، فكان هذا عهدًا موثقًا جعلوه لله على أنفسهم، وهذا اختيار أبي مسلم  ([249]).

وقال الحسن: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة: من الآية63) يعني التوراة  ([250]).

وقال ابن عباس: الذي آتاهم الله هو التوراة  ([251]).

وقال أبو العالية والربيع: يقول: اقرأوا ما في التوراة واعملوا به  ([252]).

وقال الطبري: وأما العهد: فإنه الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى  ([253]). وقال عند تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) (الأعراف: من الآية169).

قال: هو أخذ الله العهود على بني إسرائيل بإقامة التوراة والعمل بما فيها  ([254]).

2- أن الله أخذ على بني إسرائيل العهد والميثاق أن يؤمنوا بالرسول r إذا بعث، وأن يتبعوه، وأن يبينوا أمره للناس لأنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل.

قال الطبري: فعهد الله وميثاقه: هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها، واتباع محمد r إذا بعث والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم  ([255]).

وقد وردت آثار في هذا المعنى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي وابن جريج وغيرهم  ([256]).

قال ابن كثير: أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد r وأن ينوّهوا بذكره في الناس، فيكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه  ([257]).

وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: من الآية187).

 

3- أخذ الله ميثاق بني إسرائيل على الوفاء له بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات، ويصلوا الأرحام ويتعاطفوا على الأيتام، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به، ويحثّوا على طاعته، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها، ويؤدوا زكاة أموالهم  ([258]) وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة: من الآية83).

4- أخذ الله ميثاق بني إسرائيل بألا يقتل بعضهم بعضًا، وألا يخرجوا غيرهم - من قومهم - من ديارهم.

وهذا قول جمهور المفسرين كقتادة وأبي العالية والطبري  ([259]) والقرطبي  ([260]) وابن كثير  ([261]) وهذا معنى قوله تعالى: â  ø?Î)ur $tRõ?s{r& öNä3s)»sW?ÏB ?w tbqä3Ïÿó¡n@ öNä.uä!$tBÏ? ?wur tbqã_Ì?ø?éB Nä3|¡àÿRr& `ÏiB öNä.Ì?»t?Ï? á([262]) [البقرة: 84].

وقيل: الآية على ظاهرها وأخذ العهد والميثاق عليهم ألا يقتلوا أنفسهم حقيقة  ([263]) أو يرتكبوا ما يؤدي إلى قتل النفس كالقصاص  ([264]) أو إقامة الحرب بدون حق مما يؤدي إلى قتل النفس، وكذلك بأن يرتكبوا ما يؤدي إلى إخراجهم من بيوتهم، فنقض العهد مع رسول الله r كان سببًا في إخراج بني قينقاع وبني النضير.

وقد ذكر هذا القول الرازي  ([265]) والقرطبي  ([266]) والأول أولى مع أن معنى هذا القول صحيح، فإذا كان الأول يفهم من الآية، فإن القول الثاني يفهم منها من باب أولى.

5- لما أراد موسى - عليه السلام - محاربة الجبارين أمره الله بأن يختار من قومه اثني عشر نقيبًا - كفلاء على قومهم - وأمرهم بالذهاب إلى الجبارين، وأخذ منهم الميثاق وأعطاهم الموعد بأنه - سبحانه - معهم وناصرهم على عدوهم إن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمنوا برسل الله وعزّروهم ونصروهم وأقرضوا الله قرضًا حسنًا، مع وعده سبحانه بتكفير ذنوبهم، وإدخالهم الجنة بعد ذلك، إن وفّوا بالعهد والميثاق الذي أخذه عليهم. وكفلهم بذلك نقباؤهم  ([267]).

وهذا معنى الميثاق في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (المائدة: من الآية12).

وقال الربيع بن أنس: هذا خطاب من الله للنقباء الاثني عشر  ([268]).

قال الطبري - معقبا على هذا القول -: وليس الذي قاله الربيع ببعيد من الصواب، غير أن قضاء الله في جميع خلقه أنه ناصر من أطاعه، وولي من اتبع أمره، وتجنب معصيته، وجافى ذنوبه، فإذا كان ذلك كذلك وكان من طاعته إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل، وسائر ما ندب القوم إليه، كان معلومًا أن تكفير السيئات بذلك، وإدخال الجنات به لم يخصص به النقباء دون سائر بني إسرائيل وغيرهم، فكان ذلك بأن يكون ندبًا للقوم جميعًا، وحضًا لخاص دون عام  ([269]).

6- أخذ الله العهد والميثاق على بني إسرائيل بأن يدخلوا الباب سجدًا وألا يعدوا في السبت، وأن يعملوا بما في التوراة. وأخذ عليهم ميثاقًا غليظًا مؤكدًا. قال تعالى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:154).

قال الطبري: أخذ الله عليهم عهدًا مؤكدًا شديدًا، بأنهم يعملون بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم الله عنه مما ذكر في هذه الآية، ومما في التوراة  ([270]) وبنحو ذلك قال ابن كثير  ([271]) 

وقبل أن أتجاوز هذا المبحث أتمّه بما يلي:

1- من خلال الآيات السابقة وبالنظر إلى تفسيرها يتضح أن الله أخذ الميثاق على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة ثم جاءت عهود ومواثيق أخرى لتأكيد الميثاق الأول، والنص على مواثيق خاصة لأهميتها والعناية بها، مع أنها كانت داخلة في الميثاق الأول وهو العمل بما في التوراة، ولا تعارض في ذلك، فهو خاص بعد عام، وكما أخذ الله الميثاق على الناس جميعًا ميثاقًا عامًا، ثم خص منهم بعضهم كالنبيين وبني إسرائيل.

2- أن الله أخذ على بني إسرائيل عدة عهود ومواثيق، فمنها الميثاق العام لجميع ذرية آدم، ثم ميثاق التوراة ثم المواثيق الأخرى كما بينت من المواثيق الخاصة بهم.

3- أن الآيات في كتاب الله التي جاءت مبينة أخذ الميثاق على بني إسرائيل بعضها يبين ميثاقًا خاصًا، وبعضها يؤكد أخذ ميثاق سبق ذكره، فلا يعني أن عدد المواثيق التي ذكرت في القرآن الكريم هي عدد المواثيق التي أخذت على بني إسرائيل، فمثلا أخذ الميثاق عليهم بعد رفع الطور تكرر في القرآن عدة مرات  ([272]) مع أنه ميثاق واحد، وتكرر الميثاق الواحد في عدة آيات، كتكرر قصة موسى وقصص النبيين وغيرها.

4- قال الأصم: الميثاق الذي أخذ عليهم: هو ما أودع الله العقول من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته والدلائل الدالة على صدق أنبيائه ورسله  ([273]). وتفسير الميثاق بهذا القول لا وجه له ولا دليل بل هو من تفسير المعتزلة.

5- أخذ الله العهد والميثاق على النصارى بأن يطيعوه ويؤدوا فرائضه، ويتبعوا رسله، ويصدقوا بهم، كما أخذ عليهم العهد والميثاق على متابعة الرسول r - ومناصرته ومؤازرته واقتفاء آثاره  ([274]).

وهذا معنى الميثاق الذي ذكره الله بقوله: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ) (المائدة: من الآية14).

6- ذكر الله سبحانه وتعالى الميثاق الذي أخذه يعقوب على أبنائه عندما طلبوا أخاهم، وذلك بأن حلفوا يمينًا مغلظًا ليأتين به إذا رجعوا من سفرهم إلا أن يحدث أمر لا يستطيعون له دفعًا ولا ردًا، وأشهدوا الله على ذلك وجعلوه وكيلا، سبحانه وتعالى.

معنى موثقًا من الله: تعطوني ما أثق به من عند الله وهو الحلف. فنسبته إلى الله - جل وعلا - لأنه هو المقسم به سبحانه، فاستمد القوة والثقة من عند الله لاقترانه بلفظ الجلالة  ([275]).

رابعًا: العهود والمواثيق التي جرت في عهد الرسول r

أشار القرآن الكريم إلى بعض المواثيق التي جرت في عهد النبي r وذلك في عدة مواضع من القرآن، وبتتبع كتب التفسير والسنة والسيرة اتضح أن هذه العهود والمواثيق على نوعين:

النوع الأول: عهود ومواثيق باشرها r مع أصحابها واتصفت بالإيجاب والقبول، وهذه أكثرها وأشهرها، وتحدث عنها القرآن أكثر من غيرها، وهي ثلاثة أقسام:

1- عهود ومواثيق أخذها الرسول r على الصحابة.

2- عهود ومواثيق أخذها الرسول r على اليهود.

3- عهود ومواثيق كانت بين الرسول r وبين المشركين.

وسأقف مع هذا النوع من المواثيق والعهود مبينًا له ومفصلا وموثقًا، وذلك للأسباب التالية:

أ- أن القرآن الكريم تحدث عن هذه العهود والمواثيق في عدة مواضع، وصرح ببعضها كبيعة الرضوان.

ب- الأثر العظيم لتلك العهود والمواثيق في تاريخ الدعوة الإسلامية.

ج- إن هذا النوع بدأ قبل هجرة المصطفى r واستمر حتى وفاته.

د- إن الرسول r باشر هذه العهود بنفسه الكريمة، مع أصحابها.

النوع الثاني: رسائل ومكاتبات بعثها رسول الله r وتضمنت بعض العهود والمواثيق، وأشار إليها القرآن الكريم، وهي لأربع فئات:

1- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض القبائل التي دخلت الإسلام.

2- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض اليهود.

3- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض النصارى.

4- عهود ومواثيق أعطاها الرسول r لبعض قبائل العرب.

وهذا النوع سأتحدث عنه بإجمال وذلك لما يلي:

أ- أن القرآن الكريم أشار إليها إجمالا، مع غيرها من العهود والمواثيق.

ب- أن الرسول r لم يباشر كثيرًا منها بنفسه مع أصحابها، وإنما كانت عن طريق الرسل أو بعض الوفود.

ج- أنه لم يكن لأهل هذه العهود مثلما كان لأهل النوع الأول، من أثر مباشر على الإسلام إيجابًا - كالصحابة - رضوان الله عليهم - أو سلبًا كاليهود والمشركين من أهل مكة.

النوع الأول عهود ومواثيق باشرها الرسول r مع أصحابها

وهذا النوع تتمثل فيه وفي أصحابه منعطفات أساسية في تاريخ الإسلام، فنحن ندرك أهمية بيعتي العقبة وأثرهما في النقلة الكبيرة بين مرحلتين من مراحل الدعوة، والعهود والمواثيق مع اليهود ثم مخالفتهم لها، ومن ثم تطهير المدينة منهم مما كان عاملا حاسمًا في انتصار الدولة الإسلامية.

أما صلح الحديبية - العهد مع المشركين - فقد سماه الله فتحًا مبينًا، وجاء فتح مكة أثرًا من آثار هذا العهد، ومن هنا سأقف وقفة تناسب تلك العهود والمواثيق استقراء وبيانًا وتحقيقًا.

1- ما أخذه الرسول r على صحابته:

بايع الرسول r صحابته في عدة مناسبات، والبيعة عهد وميثاق  ([276]) وقد أشار القرآن إلى ذلك فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10).

وهذه بيعة الرضوان  ([277]).

وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (المائدة: من الآية7).

قال ابن كثير: هو ما أخذه عليهم من العهد والميثاق في مبايعة الرسول r  ([278]).

وقال تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20).

وقد فسرها القرطبي ببعض مبايعات النبي r  ([279]) وقال سبحانه: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23).

وقد فسرها كثير من العلماء والمفسرين بأنها في صحابة رسول الله r  ([280])

فمن خلال هذه الآيات فقد سمى الله مبايعات الصحابة لرسوله r عهدًا وميثاقًا، ومن هنا وباستقراء سيرة الرسول r يمكننا أن نقسم مبايعات الرسول r إلى ثلاثة أقسام:

أ- بيعتي العقبة.

ب- بيعة الرضوان.

ج- بيعة الإسلام وغيرها.

وسأبين كل قسم منها بيانًا يعطينا صورة واضحة عن نوع هذا العهد والميثاق الذي أشار إليه القرآن الكريم.

أ- بيعتي العقبة:

أولا: بيعة العقبة الأولى كان رسول الله r يعرض نفسه على القبائل في المواسم وذلك قبل الهجرة، قال ابن إسحاق  ([281])

لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، خرج رسول الله r في الموسم الذي لقيه الأنصار  ([282]) فعرض نفسه على القبائل، كما كان يصنع، فبينما هو عند العقبة الأولى لقي رهطًا من الخزرج، فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، ثم قال بعضهم لبعض: يا قوم: تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه، فأجابوه وأسلموا، وقالوا: إنا تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى الله أن يجمعهم بك، فسنقدم عليك فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك به، ثم انصرفوا  ([283]) فلما كان العام المقبل  ([284]) وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا  ([285]) فلقوا رسول الله r بالعقبة (وهي العقبة الأولى) فبايعوا رسول الله r على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب  ([286]) 

على أي شيء كانت هذه البيعة:

عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله r ليلة العقبة الأولى ونحن اثنا عشر رجلا، فبايعناه بيعة النساء  ([287]) (على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نـزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف - وذلك قبل أن تفرض الحرب - فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئًا فأمركم إلى الله، إن شاء غفر وإن شاء عذب)  ([288]).

ولفظ البخاري: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله r قال: " تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا، فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء الله عاقبه، وإن شاء عفا عنه " قال: فبايعته على ذلك  ([289]).

وقد رواه ابن مندة في كتابه الإيمان بعدة ألفاظ عن عبادة بن الصامت  ([290]) واكتفيت بروايتي البخاري وابن إسحاق لشمولهما.

وقد أرسل معهم رسول الله r - مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين ويصلي بهم  ([291]).

ثانيا: بيعة العقبة الثانية  ([292])

وبعد عام من بيعة العقبة وفي الموسم - موسم الحج تمت بيعة العقبة الثانية والتي فيها من العهود والمواثيق ما سنراه فيما يلي:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله r لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم، مجنة وعكاظ ومنى، يقول: من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة، فلا يجد، حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مضر أو اليمن، فيأتيه قومه أو ذووا رحمة فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك، يمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله، يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله له من يثرب، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من يثر إلا وفيها رهط يظهرون الإسلام ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلا منا، فقلنا: حتى متى نذر رسول الله r يطوف في جبال مكة ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين، حتى توافينا عنده، فقلنا يا رسول الله: علام نبايعك؟ قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة.

فقلنا  ([293]) نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين إلا أنا  ([294]) - فقال: رويدًا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإمّا أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله، وإما أن تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقلنا: أمط يدك يا سعد، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطة  ([295]) ويعطينا على ذلك الجنة. رواه أحمد والبيهقي والحاكم.  ([296]).

وقال الذهبي: قال أبو نعيم: حدثنا زكريا، عن الشعبي قال: انطلق النبي r معه عمه العباس إلى السبعين من الأنصار، عند العقبة تحت الشجرة، قال: ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة، فإن عليكم من المشركين عينًا. قال أسعد: سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك، ثم أخبرنا ما لنا على الله؟ قال: أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قالوا: فذلك لك  ([297]).

وقال ابن هشام: قال ابن إسحاق: " قال أبو الهيثم بن التيهان: يا رسول الله: إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنّا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله r ثم قال: "بل الدم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم" " .

ثم قال رسول الله r " أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا، فأخرجوهم له، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس "  ([298]).

وقال ابن إدريس عن ابن إسحاق: حدثني " عبد الله بن أبي بكر  ([299]) أن رسول الله r قال لهم ابعثوا منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، فقال أسعد بن زرارة: نعم يا رسول الله، قال:فأنت نقيب على قومك  ([300]) ثم سمى النقباء  ([301]).

وقد حضر هذه البيعة ثلاثة وسبعون رجلا  ([302]) وامرأتان هما: أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي، وأم عمارة نسيبة بنت كعب ([303]) .

وبهذا أكون قد أوضحت ما تم في بيعتي العقبة من عهود ومواثيق بين رسول الله r والأنصار- رضي الله عنهم- وأرضاهم، وهم ممن قال الله فيهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23).

ب- بيعة الرضوان

وقعت بيعة الرضوان في غزوة الحديبية في السنة السادسة من الهجرة  ([304]) واشتهرت هذه البيعة ببيعة الرضوان لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه قد رضي عن أصحابها (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح: من الآية18).

سبب هذه البيعة:

قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، عن أياس بن سلمة، قال: قال سلمة: بينما نحن قائلون زمن الحديبية نادى منادي رسول الله r أيها الناس: البيعة، البيعة، نـزل روح القدس -صلوات الله عليه- قال: فسرنا إلى رسول الله r وهو تحت شجرة سمرة، قال: فبايعناه، وذلك قول الله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح: من الآية18) ([305]).

وروى ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر  ([306]) " أن رسول الله r قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله r الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة " رواه الطبري  ([307]).

عدد من شهد هذه البيعة من الصحابة:

وردت أحاديث كثيرة في عدد من شهد هذه البيعة، بعضها صحيح، وبعضها ضعيف  ([308]) وأصح الأحاديث التي وردت في ذلك رواها البخاري ومسلم، ولكن وقع الاختلاف في العدد حتى في روايات البخاري ومسلم، فقد ورد أن العدد كان ألف وثلاثمائة، وذلك عند مسلم  ([309]) وفي البخاري تعليقًا  ([310]).

وورد أن العدد ألف وأربعمائة وهذا عند البخاري  ([311]) ومسلم  ([312]) وهو أكثر الروايات.

وورد أن العدد ألف وخمسمائة وهذا عند البخاري  ([313]) ومسلم  ([314]) - أيضًا -. هذا أصح ما ورد في عدد من شهد البيعة، وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث كالنووي  ([315]) وابن حجر  ([316]) وخلاصة قولهما:

إن العدد كان أكثر من ألف وأربعمائة وأقل من ألف وخمسمائة فمن قال ألف وخمسمائة فقد جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه، ومن قال ألف وثلاثمائة فيحمل على أن هذا ما اطلع عليه هو، وغيره اطلع على أكثر منه والزيادة من الثقة مقبولة.

أما ابن القيم  ([317]) والبيهقي  ([318]) فقد رجحا أن العدد ألف وأربعمائة، وما ذهب إليه ابن حجر والنووي أقرب للعمل بجميع الأحاديث  ([319]). والله أعلم.

على أي شيء كانت البيعة:

لما أشيع أن عثمان t قتل دعا رسول الله r -أصحابه- رضوان الله عليهم- للبيعة- فهبوا إليه جميعًا ليبايعوه، ولم يتخلف سوى رجل واحد- يقال إنه كان منافقًا- وهو الجدّ بن قيس- كما في حديث جابر: فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري، اختبأ تحت بطن بعيره ([320]).

سئل الصحابة -رضوان الله عليهم-: على أي شيء كانت تلك البيعة؟ فأجابوا بعدة إجابات أذكر أصّحها وأهمّها  ([321])

1- أجاب سلمة بن الأكوع t بأنهم بايعوا على الموت:

قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعد، حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله r يوم الحديبية؟ قال: على الموت  ([322]).

وقال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم (يعني ابن إسماعيل) عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله r يوم الحديبية؟ قال: على الموت  ([323]).

2- وأجاب معقل بن يسار وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- بأنهم بايعوا على عدم الفرار:

روى الإمام مسلم عن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي r يبايع الناس وأنا أرفع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، قال: ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعنا على ألا نفر  ([324]).

وروى -أيضًا-: عن جابر t. قال: كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، وقال: بايعناه على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت  ([325]).

وفي لفظ آخر -عن جابر- أيضًا: لم نبايع رسول الله r على الموت وإنما بايعناه على ألا نفر  ([326]).

 

3- وأجاب نافع بأنها كانت على الصبر:

روى البخاري عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله، فسألنا نافعًا على أي شيء بايعهم؟ على الموت؟ فقال: لا، بايعهم على الصبر  ([327]).

هذه أصح الأحاديث التي وردت في بيعة الرضوان وفيها غنية عن سواها، ولكن ورد في بعضها أن البيعة كانت على الموت، وفي بعضها على عدم الفرار، وفي حديث نافع على الصبر، فكيف نوفق بينها:

لقد جمع العلماء بين هذه الروايات وذكروا أنه لا تعارض بينها:

قال الترمذي جامعًا بين حديثي سلمة بن الأكوع وجابر فقال: ومعنى كلا الحديثين صحيح، فقد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا: لا نـزال بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون فقالوا: لا نفر  ([328]).

وقال ابن حجر جامعًا بين هذه الأحاديث: لا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: بل بايعهم على الصبر، أي: على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم إلى ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم  ([329]).

وبهذا يتضح أنه لا تعارض بين الأحاديث التي ثبتت فيما بايع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- في بيعة الرضوان، وهم الذين عناهم الله بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10).

وقال فيهم سبحانه: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18).

رضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا معهم في جنات النعيم.

 

جـ- بيعة الإسلام وغيرها  ([330]) .

بعد بيان ما بايع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- في بيعتي العقبة وبيعة الرضوان، وما كان بينهم وبين الرسول r من عهود ومواثيق أذكر بعض ما ثبت في السنة من مبايعات أخرى كبيعة الإسلام وغيرها مما يدخل في عموم قوله تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20).

وقوله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل:91).

وسأكتفي باختيار بعضها على سبيل البيان لا الاستقصاء.

1- بيعة الإسلام:

روى البخاري عن أبي قلابة قال: حدثني أنس أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله r فبايعوه على الإسلام - الحديث ([331]).

وروى البخاري -أيضًا- عن جابر بن عبد الله أن أعرابيًا بايع رسول الله r على الإسلام  ([332]).

وروى الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن الأسود بن خلف أن أباه الأسود أتى النبي r يبايع الناس يوم الفتح قال: جلس عند قرن مصقلة فبايع الناس على الإسلام والشهادة، قلت  ([333]) وما الشهادة، قال: أخبرني محمد بن الأسود يعني ابن خلف أنه بايعهم على الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله r  ([334]).

وروى الترمذي عن عثمان أنه قال -يوم الدار- فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله r ولا قتلت النفس التي حرم الله، فبم تقتلوني- قال الترمذي هذا حديث حسن  ([335]).

وروى الإمام أحمد في مسنده عن مجاشع بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله هذا مجاشع بن مسعود يبايعك على الهجرة، فقال: لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن أبايعه على الإسلام  ([336]).

وروى ابن مندة عن جرير بن عبد الله قال: أتيت النبي r لأبايعه على الإسلام.

وفي لفظ آخر: بايعنا رسول الله r على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم  ([337]).

ويلحق ببيعة الإسلام ما بايعت عليه الوفود التي قدمت إلى الرسول r في سنة خمس من الهجرة - عام الوفود - وما بعدها، حيث كانت وفود القبائل تأتي إلى رسول الله وتبايعه على الإسلام كوفد مزينة  ([338]) ووفد كنانة  ([339]) ووفد صداء  ([340]) وغيرهم ([341]).

2- بيعة النساء

سبق ذكر بيعة النساء في بيان ما بايع عليه الأنصار -رضي الله عنهم- في بيعة العقبة الأولى، والبيعة هناك كانت للرجال ولكنها شبيهة ببيعة النساء -فسميت بها- وأذكر هنا بيعة النساء كما وردت في السنة الشريفة.

روى الإمام مسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي r قالت كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله r يمتحنّ بقول الله U (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الممتحنة:12).

قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقر بالجنة، وكان رسول الله r إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله r انطلقن فقد بايعتكن، ولا والله ما مست يد رسول الله r يد امرأة قط. غير أنه يبايعهن بالكلام، قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله r على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله r كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: قد بايعتكن كلامًا ([342]).

وروى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي r يبايعن النساء بالكلام بهذه الآية، لا يشركن بالله شيئًا  ([343]).

وعن أم عطية قالت: بايعنا النبي r فقرأ عليّ  ([344])(لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً) (الممتحنة: من الآية12) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها، فقالت: فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل شيئًا فذهبت ثم رجعت، الحديث  ([345]).

وروى ابن عباس " أن رسول الله جاء إلى النساء بعد انتهاء خطبة يوم الفطر ومعه بلال: فقرأ عليهن "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ" إلى آخر الآية ثم قال حين فرغ: أنتن على ذلك؟ وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها نعم يا رسول الله " رواه البخاري ([346]).

3- البيعة على الجهاد

روى الإمام مسلم عن مجاشع بن مسعود السلمي. قال: أتيت النبي r أبايعه على الهجرة، فقال: إن الهجرة قد مضت لأهلها، ولكن على الإسلام والجهاد والخير  ([347]).

وروى البخاري عن مجاشع -أيضًا- قال: أتيت النبي r أنا وأخي فقلت: بايعنا على الهجرة، فقال: مضت الهجرة لأهلها، فقلت: علام تبايعنا؟ قال: على الإسلام والجهاد  ([348]).

وروى البخاري -أيضًا- عن حميد قال: سمعت أنسًا t يقول: كانت الأنصار يوم الخندق تقول:

نحـن الذين بايعـوا محمــدًا 

 

علـى الجهاد مـا حيينـا أبــدًا 

 

فأجابهم النبي r :-

اللهـم لا عيش إلا عيـش الآخــرة 

 

فأكـرم الأنصــار والمهاجـرة  ([349])

4- البيعة على السمع والطاعة

عن عبادة بن الصامت t قال: بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم  ([350]).

وعن عبد الله بن عمر t قال: كنا إذا بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة، يقول لنا: فيما استطعت  ([351]).

5- البيعة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة

عن جرير بن عبد الله قال: " بايعت رسول الله r على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " رواه مسلم وابن منده، واللفظ لمسلم  ([352]).

 

6- البيعة على النصح لكل مسلم

عن زياد بن علاقة أنه سمع جرير بن عبد الله يقول: " بايعت النبي r على النصح لكل مسلم " رواه مسلم  ([353]).

وعن الشعبي عن جرير بن عبد الله قال: " بايعت النبي r -على السمع والطاعة- فلقنني: فيما استطعت -والنصح لكل مسلم- " رواه البخاري ومسلم  ([354]).

7- وأختم هذه المبايعات بقول ابن القيم -رحمه الله- مجملا مبايعة الرسول لأصحابه: وكان النبي r يبايع أصحابه في الحرب على ألا يفروا، وربما بايعهم على الموت، وبايعهم على الجهاد، كما بايعهم على الإسلام، وبايعهم على الهجرة قبل الفتح، وبايعهم على التوحيد، والتزام طاعة الله ورسوله، وبايع نفرًا من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئًا  ([355]).

وبهذا يكون قد اتضح لنا نوع العهود والمواثيق التي أخذها رسول الله r على صحابته، وما وعدهم به إن هم وفوا بذلك، وقد فعلوا -رضي الله عنهم وأرضاهم ومن خلال ما سبق تتضح لنا معاني الآيات التي وردت في هذا الشأن ونقرأ قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (الأحزاب: من الآية23) وقوله سبحانه: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20) وقوله جل وعلا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (المائدة: من الآية7) نقرؤها ومعالمها ومدلولاتها واضحة جلية أمامنا.

2- العهود والمواثيق التي عقدها رسول الله r مع اليهود :

عندما قدم الرسول r إلى المدينة  ([356]) بعد بيعة العقبة الثانية، كانت اليهود هي القوة المسيطرة عليها، وكان كل فريق من الأوس والخزرج يلجأ إلى فريق من اليهود الموجودين هناك ويحالفهم.

ولقد سلك معهم الرسول r منهجًا يتناسب مع المرحلة التي تمر بها الدولة الإسلامية الفتية، وعقد معهم بعض المعاهدات التي تؤمن لهم الحياة الكريمة، في ظل الدولة الإسلامية بحكم أنهم أهل كتاب (أهل الذمة)، ولكن طبيعة اليهود -كما أسلفنا- الغدر والخيانة وعدم الوفاء، ولم يستطيعوا -ولن يستطيعوا لؤمًا وخسة- أن يتخلوا عن تلك الصفات الذميمة، فنقضوا عهودهم مع رسول الله r وكانت نهايتهم بما يتلاءم مع تلك الأفعال حيث أجلى رسول الله صلى الله عيه وسلم بني قينقاع وبني النضير، وقتل رجال بني قريظة ولقد أشار القرآن الكريم إلى طبيعة اليهود مع العهود فقال تعالى:

(الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:56).

والعهد هنا ما عقده رسول الله r مع اليهود من عهود ومواثيق بألا يحاربوه ولا يعاونوا عليه، كما بين ذلك المفسرون  ([357]).

وسأحاول في هذا المبحث أن أبين ما تم بين رسول الله r واليهود من عهود ومواثيق، بما يتناسب مع هذا الموضوع ليضفي عليه البيان والشمول، والله المستعان. وهو حسبنا ونعم الوكيل:

عند الرجوع إلى كتب السيرة نجد أن المؤرخين عندما يتحدثون عن غزوة بني قينقاع أو بني النضير أو غزوة بني قريظة يقدمون لذلك بمقدمات يذكرون فيها أنه كان بين رسول الله r وبين اليهود عهدًا:

روى الطبري عن عاصم بن عمرو بن قتادة: أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله r  ([358]).

وذكر ابن كثير عن عاصم بن عمرو بن قتادة: أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد وحاربوا فيما بين بدر وأحد  ([359]).

وقال الطبري في ذكر جلاء بني النضير: فأقبل أصحاب رسول الله r حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود قد أرادت من الغدر به  ([360]).

ثم قال بعد ذلك عندما رغبت بنو النضير في مساعدة بني قريظة لهم ضد رسول الله r فبلغ كعب بن أسد صاحب بني قريظة فقال: لا ينقض العهد مع رجال من بني قريظة وأنا حي  ([361]).

وقد بحثت في كتب السنة والسيرة عن هذا العهد، وكيف عقد؟ فتوصلت إلى ما يلي:

ذكر مؤرخو السيرة أن رسول الله r عندما قدم المدينة وفي السنة الأولى من هجرته r عقد الألفة بين المهاجرين والأنصار ووداع اليهود الذين كانوا بالمدينة وهم: يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، وكتب في ذلك كتابًا.

وسأذكر ما ورد في هذا الكتاب ثم أبين توثيقه، وما ذكره العلماء في صحة هذه المعاهدة  ([362]).

قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق:

كتب رسول الله r كتابًا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم.

بسم الله الرحمن الرحيم 

هذا كتاب من محمد النبي الأمي (رسول الله)  ([363]) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس - ثم ذكر ما للمهاجرين والأنصار من حقوق وما عليهم من واجبات ثم قال  ([364])

1- وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

2- وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله U وإلى محمد  ([365])

3- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين.

4- وأن يهود بني عوف أمة من المؤمنين  ([366]) لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوقع ([367]) إلا نفسه وأهل بيته.

5- وإن ليهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جثم وبني الأوس وبني ثعلبة وجفنة وبني الشطنة مثل لما ليهود بني عوف  ([368])

6- وأن بطانة يهود كأنفسهم.

7- وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.

8- ولا ينحجر  ([369]) على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم، وأن الله على أثر  ([370]) هذا.

9- وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.

10- وأنه لم  ([371]) يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم.

11- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين  ([372])

12- وأن يثرب حرام جرفها  ([373]) لأهل هذه الصحيفة.

13- وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

14- وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

15- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار. يخاف فساده، فإن مرده إلى الله، وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى  ([374]) ما في هذه الصحيفة وأبره.

16- وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها.

17- وأن بينهم النصر على من دهم  ([375]) يثرب.

18- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه (ويلبسونه)  ([376]) وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.

19- على كل أناس حصتهم  ([377]) من جانبهم الذي قبلهم.

20- وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل الصحيفة وأن البرّ دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره  ([378]).

21- وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.

22- وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن برّ واتقى، ومحمد رسول الله r  ([379]) اهـ.

هذا نص الوثيقة كما أوردها ابن كثير عن ابن إسحاق  ([380]) وكما هي في سيرة ابن هشام  ([381]) والوثائق السياسية لحميد الله  ([382]) وقد اعتمدت البداية لابن كثير أصلا، وأثبت الفروق بين ما في الأصل وغيره - كما سبق - ورواية ابن إسحاق بدون إسناد.

وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الكتاب فأسنده بهذا الإسناد: حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد، حدثنا عيسى بن يوسف، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده، أن رسول الله r كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار - ثم ذكر نحو ما أورده ابن إسحاق  ([383]).

وكذلك وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر إلى رسول الله r عن طريق الزهري  ([384]). كما وردت الوثيقة - أيضًا - في كتاب الأموال لابن زنجوية عن طريق الزهري - أيضًا -  ([385]).

هذه أهم الطرق التي وردت بها الوثيقة كاملة، مع الإشارة إلى أن هناك اختلافًا يسيرًا بينها، كالتقديم والتأخير، أو زيادة عبارات أو بنود قليلة مما لا يؤثر على مضمونها  ([386]).

 

وبعد فماذا قال العلماء حول هذه الوثيقة؟:

اختلف العلماء في هذه الوثيقة اختلافًا كبيرًا، والمجال لا يناسب هنا عرض جميع ما قيل فيها، ولكن نظرًا لأهميتها ولعلاقتها المباشرة بموضوع البحث فإني أختصر ما توصلت إليه حولها بما يلي:

1- ممن أثبت صحة هذه الوثيقة وانتصر لها الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه (محمد رسول الله) فقد ذكر عدة أدلة نصر بها ما ذهب إليه، واستعرض ما قيل فيها وأشار إلى الشواهد التي تؤيد صحتها ثم قال في ختام مبحثه: هذه نصوص وروايات تدل كثرتها واجتماعها على معنى واحد مع اختلاف رواتها زمنًا، واختلاف بعض عباراتها لفظًا على ثبوت هذا الكتاب ثبوتًا علميًا تاريخيًا، وأن النبي r أمر بكتابته ليكون دستورًا للمجتمع المسلم، وموادعة لليهود ما داموا منتهين إلى ما فيه الوفاء  ([387]).

2- ومن أثبتها - أيضًا - وجزم بصحتها د. محمد حميد الله في كتابه مجموعة الوثائق السياسية، وذكر جميع مصادره التي اعتمد عليها في هذه الوثيقة من كتب مخطوطة ومطبوعة وأثبت الفروق بين النسخ التي اعتمد عليها. بل اعتبرها من أولى وأهم الوثائق التي ضمّها كتابه  ([388]).

3- ونجد في المقابل أن هناك من ردّ هذه الوثيقة وحكم بوضعها، كالأستاذ يوسف العش حيث قال: إنها لم ترد في كتب الفقه والحديث الصحيح رغم أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق بدون إسناد، ونقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف: أن كثير بن عبد الله المزني روى هذا الكتاب عن أبيه عن جده، وقد ذكر ابن حبان البستي أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنها، إلا على جهة التعجب  ([389]).

4- وممن ضعف هذا الكتاب الشيخ ناصر الدين الألباني حيث قال: هذا مما لا يعرف صحته، فإن ابن هشام رواه في السيرة: قال ابن إسحاق، فذكر هكذا بدون إسناد، فهو معضل، وقد نقله ابن كثير عن ابن إسحاق  ([390]).

5- وممن قام بدراسة هذه الوثيقة دراسة شاملة اليامي في رسالته (بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة) حيث ذكر هذه الوثيقة بأسانيدها وبرواياتها، ثم ذكر شواهدها من كتب السنة، وبينّ بعد دراسة حديثية مفصلة لكل إسناد ورواية وشاهد أن هذه الوثيقة ضعيفة، مع تفاوت ضعف كل رواية أو شاهد ثم ختم رسالته بقوله: خلاصة البحث:

الحقيقة أن هذه الرواية لا تصح للأسباب التي ذكرناها مما يسقط الاحتجاج بها، لجعلها غير معتمدة للأخذ، وذلك لعدم ثبوت صحتها من الناحية الحديثية، وبفقدانها شروط الرواية الصحيحة التي اشترطها المحدثون في صحة الرواية وقبولها - ثم قال في مكان آخر- فعلى هذا يتضح لك ضعف هذه الصحيفة وما ورد فيها، سوى ما ثبت لفظه أو معناه في أحاديث أخرى  ([391]).

6- وأخيرًا فإن من أفضل الآراء وأعدلها - حسب رأيي - ما توصل إليه د. أكرم العمري بعد دراسته لهذه الوثيقة حيث قال: وبذلك يتبين أن الحكم بوضع الوثيقة مجازفة، لكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة، ثم ذكر أن طريقها ضعيفة وأضاف معقبًا: ولكن نصوصًا من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة، ثم قال: وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة، وإذا كانت الوثيقة بمجموعها لا تصلح للاحتجاج بها في الأحكام الشرعية...، فإنها تصلح أساسًا للدراسة التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية، خاصة وأن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة، كما وأن الزهري علم كبير من الرواد الأوائل ذكرها في كتابه السيرة النبوية، ثم إنّ أهمّ كتب السيرة ومصادر التاريخ ذكرت موادعة النبي r لليهود، وكتابته بينه وبينهم كتابًا، ثم ختم رأيه فيها قائلا:

ثم إن التشابه بين أسلوب الوثيقة وأساليب كتب النبي r الأخرى يعطيها توثيقًا آخر  ([392]).

7- وما ذهب إليه د. العمري هو ما تطمئن إليه النفس، ويتسق مع المنهج العلمي، فلا ندعي الجزم بصحتها، ولا القطع ببطلانها، وبخاصة أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ثابتة في السنة النبوية الشريفة  ([393]).

وأخذ العهد على اليهود ثابت في القرآن والسنة  ([394]).

وبعض ما ورد في الصحيفة من أحكام ورد في أحاديث متفرقة  ([395]).

وأشير هنا إلى أن هذه الوثيقة، غير الصحيفة الثابتة وهي صحيفة علىّ  ([396]) t التي ظنها البعض هي صحيفة المؤاخاة  ([397]).

وبعد: فلا شك أن رسول الله r أخذ على اليهود العهود والمواثيق، وبتتبع كتب السنة والسيرة اتضح لي أن هذه العهود على أنواع:

الأول: العهد والميثاق على متابعته r من قبل بعض اليهود وهو مصداق ما أخذه الله عليهم في التوراة وعلى لسان أنبيائهم - كما سبق -:

1- ودليل هذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حضرت عصابة من اليهود نبي الله r يومًا فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن، ولا يعلمهن إلا نبي، فلما سألوه قال: فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعني، قال: فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق - الحديث  ([398]).

2- وما رواه الطبري عن شهر بن حوشب أن نفرًا من اليهود جاؤا رسول الله r فقالوا: يا محمد أخبرنا عن أربع نسأل عنهن، فإن فعلت اتبعّناك وصدّقناك وآمنّا بك، فقال رسول الله r "عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقنّي"، قالوا: نعم - الحديث ([399]).

الثاني: العهد والميثاق على مسالمة الرسول وأصحابه، وعدم المظاهرة عليهم وهذا خاص بيهود المدينة، على أن يبقوا بالمدينة ما أوفوا بذلك، وأدلة هذا كثيرة نذكر بعضًا منها:

1- قال الطبري - في ذكر غزوة الخندق - وخرج عدو الله حييّ بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي - صاحب عقد قريظة وعهدهم - وكان وادع رسول الله r على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده - إلى أن قال: ويحك يا حييّ، إنك امرؤ مشئوم، إني عاهدت محمدًا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقًا - إلى أن قال الطبري - فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله r  ([400]). (حيث وافق على طلب حييّ بمساعدة اليهود للمشركين ضد المسلمين).

2- وقال ابن سعد في حديثه عن غزوة بني قينقاع:

وكانوا - أي بنو قينقاع - أشجع يهود، وكانوا صاغة فوادعوا النبي r فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد، ونبذوا العهد والمرة ([401]) - ثم قال - فكانوا أول من غدر من اليهود وحاربوا  ([402]).

3- وقال ابن سعد في غزوة بني النضير:

فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا، والله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه  ([403]).

4- قال ابن كثير- في تفسير سورة الحشر: قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )(الحشر: من الآية2) يعني يهود بني النضير، قال ابن عباس ومجاهد والزهري وغير واحد، كان رسول الله r لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدًا وذمة، على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه  ([404]).

5- وقال ابن سعد - في غزوة الأحزاب: وكان بينهم (يعني بني قريظة) وبين رسول الله r عهد فنقضوا ذلك، وظاهروا المشركين ([405]).

6- وقال الطبري: وكان قد وادع حين قدم المدينة يهودها، على ألا يعينوا عليه أحدًا، وأنه إن دهمه بها عدوّ نصروه  ([406]).

الثالث: وهو معاهدة الرسول r ليهود خيبر، حيث عاهدهم مرتين الأولى على الجلاء من خيبر، والمعاهدة الثانية على مزارعتهم لخيبر بعد أن أذن لهم بالبقاء، ومن أدلة ذلك ما يلي:

1- قال ابن القيم في زاد المعاد: وكذلك صالح أهل خيبر لما ظهر عليهم على أن يجليهم منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله r الصفراء والبيضاء، والحلقة - وهي السلاح - واشترط في عقد الصلح ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئًا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم، فغيبوا مسكًا فيه مال وحلى لحييّ بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فسألهم الرسول r فكتموه، فقال الرسول r "العهد قريب والمال أكثر من ذلك"، فأرسل رسول الله r من يبحث عن المال فوجدوه، فقتل رسول الله r ابني أبي الحقيق، وسبى نساءهم وذراريهم وقسّم أموالهم بالنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم من خيبر فقالوا: دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، فصالحهم على ذلك  ([407]).

2- ثبت في الصحيحين  ([408]) أن رسول الله r لما افتتح خيبر عامل يهودها عليها على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث: على أن يعملوها من أموالهم  ([409]) وفي بعضها، وقال لهم النبي r " نقركم ما شئنا "  ([410]) وأقروا بها حتى أجلاهم عمر  ([411]) قال ابن كثير ثم أجلاهم عمر t وأرسل لهم قائلا: من كان عنده عهد من رسول الله r فليأتيني به أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد فليجهز للجلاء  ([412])

هذه بعض الأدلة من كتب السنة والتفسير والسيرة على نوع ما أخذه الرسول r على اليهود من عهود ومواثيق.

ويتضح من خلال كتب التفسير والسيرة والسنة أن الرسول r أخذ عليهم العهد والميثاق أكثر من مرة حيث أخذه عليهم عندما قدم إلى المدينة، ثم أكده في مناسبات متعددة  ([413]) وهذا معنى قوله سبحانه: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:56).

 

3- العهود والمواثيق التي كانت بين الرسول r وبين المشركين:

عقد الرسول r عدة عهود بينه وبين المشركين، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة مواضع فنجد في سورة التوبة قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة:1) وفي سورة الأنفال نقرأ قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (الأنفال: من الآية72).

وفي سورة التوبة - أيضًا - (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) (التوبة: من الآية4). إلى غير ذلك من الآيات التي سبقت الإشارة إليها في عدة مواضع، وفي هذا البحث سأبين نوع هذه العهود والمواثيق التي ذكرها الله في كتابه مستعينًا بالله ومتوكلاً عليه:

أولا: ما تم بين رسول الله r وبين قريش في غزوة الحديبية :

خرج الرسول r من المدينة في السنة السادسة من الهجرة، قاصدًا مكة لأداء العمرة، وقد أخبر الرسول r صحابته بذلك، ولكن لما يعلمون من عداء قريش، وما تحمله في نفسها من ثارات ضد المسلمين بعد الغزوات التي هزمت فيها قريش - مرارًا - فقد أخذ رسول الله r الحيطة واستعد لملاقاتهم إن اقتضى الأمر ذلك، وحتى لا يؤخذوا على حين غرة. وقد علمت قريش بخروج الرسول r وعقدوا العزم على ملاقاته وصده عن البيت الحرام مهما كلفهم ذلك من أمر، وأعدّوا لذلك جيشًا بقيادة خالد بن الوليد  ([414])وعندما علم رسول الله r بما عزمت عليه قريش، شاور أصحابه، فاستقر رأيهم على قتال من واجههم أو صدهم عن البيت الحرام ([415]).

قام خالد بن الوليد بقطع الطريق على المسلمين إلى مكة فلم يكن أمامهم - إن هم استمروا في طريقهم الذي سلكوه - إلا مواجهة جيش خالد وخوض معركة معهم، وكان رسول الله r حريصًا على تحاشي القتال معهم ما أمكن ذلك - لأنه لم يخرج لقتال - كما سبق - لذا فقد سلك طريقًا أفضى بهم إلى الحديبية  ([416]).

المعاهدة وأسبابها:

سبق أن أشرت إلى أن الرسول r شاور أصحابه فأشاروا عليه بقتال من صدّهم عن المسجد الحرام، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - وفيه - فقال رسول الله r " أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله U قد قطع عينًا من المشركين وإلا تركناهم محروبين"، فقال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه، قال: "امضوا على اسم الله "  ([417]).

وفي الحديبية أخذ الرسول r البيعة من أصحابه على الموت وعلى ألا يفروا - كما سبق مفصلا -  ([418]) ولكن رسول الله r بعد أن عزم على المضي إلى مكة وقتال من قاتله غيرّ موقفه فلماذا؟:

نجد الجواب فيما يرويه البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: وسار النبي r حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل  ([419]) فألحت  ([420]) فقالوا: خلأت  ([421]) القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي r ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نـزل بأقصى الحديبية  ([422]).

ثم عرض رسول الله r الصلح على قريش فقبلوه، حيث علموا أن الصحابة - رضي الله عنهم - بايعوا الرسول r على الموت، وأشار عليهم عقلاؤهم بالصلح، وحذروهم مغبة مواجهة الرسول r فخافوا  ([423]).

أما ما تم العهد عليه، فقد رويت عدة أحاديث في هذا الشأن أهمها:

1- ما رواه البخاري في حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة  ([424]).

2- ما رواه البخاري - أيضًا - عن البراء، حيث روى عنه ثلاثة أحاديث  ([425]).

3- حديث ابن عمر الذي رواه البخاري - أيضًا -  ([426]).

4- الحديث الذي أخرجه مسلم عن أنس بن مالك  ([427]).

5- الحديث الذي رواه أحمد عن أنس - أيضًا -  ([428]).

6- حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عن طريق ابن إسحاق وقد أخرجه الإمام أحمد  ([429]).

7- الحديث الذي رواه أبو داود عن طريق ابن إسحاق  ([430]).

وهذه الأحاديث قد وردت بألفاظ مختلفة، وبعضها ذكر الصلح كاملا كحديث مروان والمسور بن مخرمة، وبعضها ذكر جزء منه كحديث عبد الله بن عمر، واختصارًا للموضوع واقتصارًا على ما يعنينا - هنا - أذكر ملخصًا لتلك الشروط التي وردت في هذه الأحاديث فقد تم الاتفاق على:

1- أن يرجع المسلمون ذلك العام ولا يصلوا إلى مكة.

2- تسمح قريش للمسلمين بقضاء عمرتهم في العام المقبل، ويقيمون بمكة ثلاثة أيام.

3- لا يدخلوا مكة بسلاح إلا سلاح الراكب، وأن تكون السيوف بالقرب  ([431]).

4- من جاء إلى النبي r من قريش بغير إذن وليه يرده عليهم، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا ترده إليهم.

5- من أراد أن يدخل في عقد النبي r وعهده دخل فيه وله مثل شرطه.

6- من أراد أن يدخل في عقد قريش وعهدها دخل فيه وله مثل شرطها.

7- أن بينهم عيبة مكفوفة  ([432]).

8- أنه لا أسلال ولا أغلال  ([433]) .

9- توضع الحرب بينهم عشر سنين  ([434]).

 

طرفي الصلح وكاتبه وشهوده:

كان الصلح بين المسلمين وناب عنهم رسول الله r وبين المشركين وناب عنهم سهيل بن عمرو  ([435]).

وكاتب الصلح بين رسول الله r وقريش هو الصحابي الجليل علي بن أبي طالب t.

وقد ثبت هذا في صحيح البخاري  ([436]) ومسلم  ([437]) وغيرهما  ([438])

وأما شهوده فقد ذكر الطبري أنه شهد عليه أناس من المسلمين وأناس من المشركين وهم:

1- أبو بكر الصديق.

2- عمر بن الخطاب.

3- عبد الرحمن بن عوف.

4- عبد الله بن سهيل بن عمرو.

5- سعد بن أبي وقاص.

6- محمود بن مسلمة.

7- مكرز بن حفص بن الأخيف.

8- وعلي بن أبي طالب (كاتب الصحيفة)  ([439]).

وقد ذكر ابن سعد هؤلاء الشهود سوى عبد الله بن سهيل بن عمرو وعلي بن أبي طالب  ([440]) وقال محمد بن مسلمة بدل محمود بن مسلمة، وزاد: عثمان بن عفان وأبا عبيدة عامر بن الجراح وحويطب بن عبد العزى - وكان مشركًا  ([441]).

 

ثانيًا: العهود التي كانت بين رسول الله r وبين غير قريش من المشركين:

كانت هناك عهود ومواثيق - لغير قريش - أبرمها رسول الله r مع بعض القبائل ممن لم يدخلوا في الإسلام وذلك كمدلج، وبني بكر بن وائل وخزاعة، وهؤلاء وأمثالهم ممن أشار إليهم القرآن بقوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة:1).

وقوله: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4).

وقوله: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: من الآية7).

مع اختلاف المعنيين في كل آية من الآيات السابقة حسب موقفهم من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله r.

والعهد الذي كان بين رسول الله r وهؤلاء يتلخص بما يلي:

1- المسالمة بينهم وبين المسلمين، وعدم اعتداء أي طرف على الآخر، ولهم الأمان ومن دخل في حكمهم ورضي في عهدهم قال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (النساء: من الآيتين 89،90)  ([442])

2- نصرة كل طرف للآخر إذا استنصره، إلا أن يكون ضد طرف ثالث له ميثاق مع من طلبت منه النصرة، فلا نصرة إذًا، ولكنه الحياد.

قال تعالى مبينًا حق المؤمنين الذين لم يهاجروا: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال: من الآية72)  ([443])

وقد كان العهد مع بعضهم إلى مدة، وبعضهم لا مدة له  ([444]).

ومن أهم الأدلة على ذلك:

1- روى الإمام أحمد في مسنده عن المسور بن مخرمة ومروان: كان في شروطهم حين كتبوا الكتاب  ([445]) أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله r وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم.  ([446]).

2- وروى ابن حبان عن عبد الله بن عمر قال: كانت خزاعة حلفاء رسول الله r وكانت بنو بكر - رهط بني كنانة حلفاء لأبي سفيان، قال: وكانت بينهم موادعة أيام الحديبية، فأغارت بنو بكر على خزاعة في تلك المدة فبعثوا إلى رسول الله r يستمدونه، فخرج رسول الله r ممدًا لهم في شهر رمضان - الحديث  ([447]).

3-

ويكاد يجمع المؤرخون على أن سبب غزوة فتح مكة نقض العهد من قبل بني بكر، ومساعدة قريش لهم - ضد خزاعة، وهذا نقض للعهد أيضًا - وطلب خزاعة من الرسول r نصرتهم، وفاء للعهد الذي بينهم وبين الرسول r  ([448]) وفي ذلك قال عمرو بن سالم الخزاعي قصيدته المشهورة أمام الرسول r والتي مطلعها:

لا همّ أني ناشد محمدًا 

 

حلف أبينا وأبيه ألا تلدا  ([449])

4- ذكر المفسرون عند تفسير آيات التوبة التي سبق ذكرها أن الرسول r كان قد عاهد بعض المشركين، وسالمهم كخزاعة ومدلج وقبائل بني بكر وغيرهم فمنهم من وفى ومنهم من نقض العهد  ([450]).

وبهذا يتضح لنا ما كان بين الرسول r وبين بعض المشركين من عهود ومواثيق مما أشارت إليه الآيات الكثيرة التي مرّت معنا، كما تبيّن أن بعض المشركين وفى بعهده وميثاقه، وبعضهم نقض ذلك فدارت الدائرة عليه.

النوع الثاني العهود التي أعطاها الرسول r لبعض قبائل العرب وغيرهم

وهذه العهود كانت عن طريق الوفود أو الرسل والمكاتبات، وذلك بعد أن عزّ جانب الإسلام وقويت دولته، فأصبحت القبائل والطوائف تطلب الأمان من الرسول r.

وبتتبع السيرة واستقرائها  ([451]) اتضح لي أن هذا النوع من العهود كان لأربع فئات - كما أسلفت - وهي:

1- العهود التي أعطاها الرسول r لبعض القبائل التي دخلت في الإسلام.

2- عهود أعطاها الرسول r لبعض قبائل اليهود.

3- عهود أعطاها الرسول r لبعض طوائف النصارى.

4- عهود أعطاها الرسول r لبعض قبائل العرب.

وقد ذكرت في مقدمة هذا المبحث أنني سأتكلم عنه بإجمال يختلف عن المنهج الذي سلكته في النوع الأول - حيث فصّلت فيه - وذلك لاختلاف نوع هذه العهود وأثرها على الدولة الإسلامية، ومن ثم جاءت في القرآن الكريم مجملة وقليلة، ومن ذلك قوله تعالى:

(وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (النساء: من الآية92).

وقوله: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (النساء: من الآية90).

ونحو هذه الآيات التي تشمل هؤلاء وغيرهم كبعض من سبق ذكرهم في النوع الأول، وهذا لا يعني أن تلك العهود لا أهمية لها، حاشا وكلا، ولكن مقارنة بالنوع الأول يبرز الاختلاف بينهما، مع الأهمية الحاصلة لكل منهما، وأشير هنا إلى أمر مهم جدًا وهو أنني فيما سأورده من وثائق نبوية لن أقوم ببيان درجتها من الصحة، وإنما اكتفي ببيان موضعها ومصدرها  ([452]) وذلك مرتبط بمنهجي في هذا النوع خصوصًا، تبعًا لاختلاف مبعث الاستدلال وسببه، وبالله التوفيق.

أولا: العهود التي أعطاها r لبعض القبائل التي دخلت في الإسلام

بعث رسول الله r بعض الرسل واستقبل بعض الوفود من القبائل التي أسلمت وكتب لتلك القبائل كتابات فيها عهود وأمان، ومن ذلك كتابته لبني الحارث وبني نهد  ([453]) ولبني معاوية من جرول  ([454]) لأسلم من خزاعة  ([455]). وبني غفار  ([456]) وبني جناب بن كلب  ([457]) وغيرهم  ([458]) من قبائل العرب ممن دخلوا في الإسلام.

وهذه بعض الأمثلة عن نوع تلك العهود:

1- كتب رسول الله r لقيس بن الحصين ذي القصة أمانة لبني أبيه بني الحارث ولبني نهد أن لهم ذمة الله وذمة رسوله، لا يحشرون ولا يعشرون  ([459]) وأن في أموالهم حقًا للمسلمين  ([460]).

2- وكتب رسول الله r لأسلم من خزاعة لمن آمن منهم وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وناصح في دين الله، أن لهم النصر على من دهمهم  ([461]) بظلم، وعليهم نصر النبي r إذا دعاهم ولأهل باديتهم ما لأهل حاضرتهم، وأنهم مهاجرون حيث كانوا  ([462]) .

3- وكتب رسول الله r لبني جناب بن كلب هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني جناب وأحلافهم ومن ظاهرهم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والتمسك بالإيمان والوفاء بالعهد  ([463]) .

4- وكتب لأكيدر هذا الكتاب: وهذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام - إلى أن قال: عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء  ([464]) .

ومما سبق يتضح لنا هذا النوع من العهود والأمان لمن أسلم من قبائل العرب.

 

 

ثانيًا: عهود أعطاها الرسول r لبعض قبائل اليهود

تحدثت في هذا النوع الأول عن العهود التي كانت بين الرسول r وبين اليهود، واليهود الذين تحدثت عن عهودهم - هناك - هم يهود المدينة (بنو قينقاع - بنو النضير - بنو قريظة) ويهود خيبر، وهنا أذكر بعض من كتب لهم الرسول r عهودًا فيها الأمان والذمة.

فقد كتب رسول الله r إلى بني جنبة  ([465]) وهم يهود بمقنا، وكتب لبني غاديا،  ([466]) وهم قوم من يهود، وكتب لأهل جربا وأذرح  ([467]) وهم قوم من اليهود.

وهذه أمثلة لنوع تلك العهود:

1- (هذا كتاب من محمد رسول الله لبني غاديا، أن لهم الذمة وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء)  ([468]).

2- (هذا كتاب من محمد لأهل جربا وأذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل عليم)  ([469]).

 

ثالثًا: العهود التي أعطاها r لبعض طوائف النصارى

لم يواجه r من النصارى كما واجه من اليهود أو من كفار قريش، وذلك لأنهم لم يساكنوه r فبعد مكانهم كان سببًا رئيسًا في ضعف أثرهم في المجتمع المسلم.

ومن أشهر من واجه رسول الله r من النصارى - نصارى نجران حيث وفدوا عليه r وكان بينه وبينهم ما ذكرته كتب التفسير والسيرة، ونـزل فيهم صدر سورة آل عمران  ([470]).

وقد كتب r عهدًا لنصارى نجران  ([471]) وكذلك كتب لنصارى تغلب  ([472]) وإلى أهل أيلة  ([473]) وغيرهم.

وحيث إن من أهم ما كتب r للنصارى من عهود ما كتبه لنصارى نجران، فإني اختار منها  ([474]) مقطعًا ليدل عليها:

1- "ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله، على أنفسهم وملتهم... إلى أن قال: وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله، وذمة النبي أبدًا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا فيما عليهم  ([475]) .

وقد أورد الدكتور محمد حميد الله عددًا من العهود التي كتبها رسول الله r لعدد من نصارى نجران  ([476]).

رابعًا: العهود التي أعطاها r لبعض قبائل العرب

كتب رسول الله r عدة كتابات لبعض قبائل العرب وفيها الأمان والعهد لهم.

ومن ذلك كتابته لبني زرعة  ([477]) وبني جعيل من بلى  ([478]) وبني ضمرة بن بكر  ([479]) وغيرهم  ([480]).

 

وهذا مثال من تلك العهود:

كتب رسول الله r لبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من دهمهم بظلم، وعليهم نصر النبي r ما بلّ بحر صوفة  ([481]) إلا أن يحاربوا في دين الله، وأن النبي إذا دعاهم أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله ورسوله  ([482]).

وقبل أن أنتقل عن هذا المبحث أشير إلى ما يلي:

1- ذكر أحد المفسرين أنه قد جرى بين الرسول r وبين المنافقين بعض العهود فخانوا، وفسّر قوله تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) (الأنفال: من الآية56) بالذين نقضوا العهد من اليهود والمشركين ثم قال: وأخصها المنافقون فقد كانوا يعاهدون النبي r ثم ينقضون عهدهم  ([483]).

والذي أريد أن أنبه إليه هنا، أنه لم يجر بين الرسول r وبين المنافقين أي عهد بصفتهم الاعتبارية كما جرى لليهود والمشركين، حيث لم يكن لهم كيان يتميزون به عن غيرهم من المسلمين، بل عدّهم الرسول r من الصحابة - ظاهرًا -  ([484]) وأجرى لهم وعليهم أحكام المسلمين وسرائرهم إلى الله سبحانه.

ثم إن الآية تقول: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) (الأنفال: من الآية57) والثقف هو الظفر، ولم يكن ولا يمكن أن يكون بينهم وبين الرسول r أي حرب معلنة ظاهرة ما داموا مع المسلمين ظاهرًا.

وهذا لا يعني أنهم يخونوا عهدهم، ولكن هذه العهود كانت لآحادهم كأفراد من المسلمين الذين يعاهدون رسول الله ويبايعونه، ولم يكونوا يصارحون بنقض العهد، بل كانوا يبحثون عن الأعذار وما لا يدانون به ظاهرًا، من الأسباب التي تكون سترًا لغدرهم وخيانتهم. وهذا ما ذكره الله من سيرتهم في آيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة التوبة: (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة: من الآية42).

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (التوبة: من الآية49)، وقوله سبحانه في سورة الأحزاب: (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13).

وقوله بعدها: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً) (الأحزاب:15).

إذًا فالمنافقين قد نقضوا العهود، ولكنها العهود التي كانوا يعطونها للرسول r مع المسلمين كأفراد منهم، لا أنهم قد تميزوا عن المسلمين، لأن هذا لا يمكن أن يكون ويبقون داخل الصف المسلم، ومما أشار إليه القرآن في نقضهم للعهد قوله تعالى في سورة التوبة: (لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (التوبة:75، 76).

2- هناك وثائق منسوبة إلى رسول الله r وفيها بعض العهود لليهود وأخرى للنصارى وهي مكذوبة على رسول الله r وأثر الوضع عليها ظاهر ومن تلك الوثائق ما ادعاه بعض اليهود في وثيقة قالوا أن الرسول r أعفاهم من الجزية  ([485]) وما ادعاه بعض النصارى في أن الرسول عهد لهم بأشياء في نجران  ([486]) وقد قام د. محمد حميد الله ببيانها وكشف زيفها  ([487]).

وبعد: فهذا ما تيسر بيانه مما يتعلق بالعهود والمواثيق التي كانت على عهد رسول الله r وذكرها القرآن الكريم في عدة مواضع.

رابعاً: المبحث الثالث

مجالات استعمال مصطلح العهد والميثاق

بعد النظر والتمعّن والاستقراء للآيات التي ورد فيها لفظ العهد أو الميثاق، وبعد الرجوع إلى تفسير هذه الآيات وما قبلها وما بعدها مما يرتبط بها أو ترتبط به، اتضح لي أن هذا المصطلح استعمل في مجالات كثيرة، ولم يكن حصرًا على الاستعمال في مجال واحد أو مجالين.

فنجد أنه استعمل في مجال تقرير العقيدة وبيانها - بأقسامها المعروفة - وهذا من أوسع المجالات التي استخدم فيها مصطلح العهد والميثاق.

كما نجد أنه قد ورد في بيان العبادات والأمر بها، وفي الحث على التمسك بالأخلاق الفاضلة وإرشاد المسلمين إلى ذلك.

أما في مجال العلاقات بين الدولة المسلمة وغيرها فقد ورد هذا المصطلح ليبين ويرسم كيف تكون تلك العلاقة بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات في أحوال مختلفة من أحوال الدولة الإسلامية.

وفي باب المعاملات الفردية والجماعية فقد ورد ليكون أساسًا وأمانًا للمتعاملين، وليضفي جوّ الثقة لدى من يتعامل مع المسلمين.

وفي القضايا الاجتماعية ورد هذا المصطلح حاسمًا، ومغلقًا، لبعض أبواب الشرّ التي قد تعصف ببنية المجتمع المسلم وتثير فيه القلائل والاضطرابات، وفي مجال الحث على الجهاد في سبيل الله جاء العهد مثيرًا للهمم وموطّنًا للعزائم ومذكّرًا بعواقب الفرار والانهزام.

وهكذا نجد أن مجال استعمال هذا المصطلح واسع في القرآن الكريم، بل نجد أنه قد ورد في بعض الآيات متناولا عدة مجالات في وقت واحد. ومن هنا ولأهمية بيان هذا الجانب فسأقف مع كل آية من آيات العهد والميثاق مبينًا المجال الذي استعملت فيه، وسأسلك في هذا أسلوب التفسير الموضوعي حيث قمت باستقراء الآيات وحصر المجالات التي ورد فيها مصطلح العهد والميثاق، ثم قسّمت المجالات ورتبتها ترتيبًا فنيًا، وذكرت الآيات التي وردت تحت كل مجال من المجالات المختلفة، مبينًا عند كل آية علاقتها بهذا المجال في ضوء جوّ الآية ومعناها، متصلا بما قبلها وما بعدها.

مع التنبيه إلى أن هناك تداخلا في المجالات التي وردت فيها بعض الآيات، ولكنني سأرجح ما يكون أظهر في استعمال الآية وقد تتكرر الآية في أكثر من مجال حسب معناها ومدلولها.

 

أولا: في العقيدة

إن أهم مجالات استعمال مصطلح العهد والميثاق مجال العقيدة والمتتبع للآيات التي ورد فيها لفظ العهد والميثاق يلحظ هذا الجانب بوضوح، بل لا أتعدى الحقيقة إذا قلت: إنّ الآيات التي تبدو متصلة بجانب من الجوانب الأخرى غير مجال العقيدة - ظاهرًا - ترجع في النهاية إلى تحقيق معنى من معاني العقيدة وهذا مرتبط بقضية أساس، ألا وهي: أنه لا انفصال بين الشريعة والعقيدة عند المتعمق في نهاية الأمور ومآلاتها.

والجانب العقدي الذي بدا لي في عدد من الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح عمومًا يتعلق بالإيمان بالله وكتبه ورسله والإيمان بالشرائع المنـزلة.

ومن هنا سأتناول الآيات حسب ما أشرت إليه آنفًا مما يتعلق بجانب العقيدة.

1- الإيمان بالله - سبحانه وتعالى: هذا الجانب من أهم الجوانب، بل هو الأساس الذي تتفرغ عنه جميع مسائل العقيدة، وقد وردت آيات كثيرة تتضمن لفظ العهد والميثاق وتشتمل على وجوب الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - إما تصريحًا أو ضمنًا، ففي أول آية في القرآن يرد فيها لفظ العهد والميثاق نجد الحكم من الله تعالى على من نقض العهد والميثاق بالكفر، ومعنى ذلك أن الالتزام بالعهد والميثاق من صميم الإيمان بالله سبحانه، بل لا إيمان إلا بالالتزام بعهد الله وميثاقه، يقول سبحانه: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) (البقرة: 27،28).

إذًا فنقض العهد والميثاق كفر، والالتزام به إيمان. وفي آية أخرى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) (البقرة: من الآية83).

وفي هذه الآية الكريمة إخبار منه سبحانه بأنه قد أخذ الميثاق على بني إسرائيل بأن يعبدوه وحده لا شريك له، وهذا مقتضى الإيمان به جل وعلا.

وتتواصل آيات العهد والميثاق مبينة كفر من نقض عهد الله وميثاقه، ونافية عنه الإيمان بالله تعالى وهذا تأكيد على وجوب تحقيق معنى الإيمان بالالتزام بميثاق الله وعهده الذي أخذه على عباده خصوصًا وعمومًا.

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:93).

بل نجد أن الآية التالية تربط بين الإيمان والعهد ربطًا قويًا يحدد أن من أهم أسباب نقض العهد والميثاق عدم الإيمان (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100). وفي سورة آل عمران يبين سبحانه أنه أخذ العهد على النبيين بالإيمان به وتصديق رسله، ويطلب من الرسول r مع إخوانه الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:84).

وتتوالى الآيات التي تربط بين الوفاء بالعهد والإيمان به تعالى، حيث نلحظ التلازم الكبير بين نقض العهد والميثاق وبين الكفر بالله في عدد من الآيات التي أشرنا إلى بعضها فيما مضى، ويؤكد ذلك في قوله تعالى في سورة النساء:

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ) (النساء: من الآية155) ثم يقول في آخر الآية (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء: من الآية155) إثبات للكفر ونفي للإيمان، ويؤكد ذلك في الآية التي بعدها مباشرة (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً) (النساء:156)

وقضية الإيمان بالله قضية أساس، من أجلها خلقت البشرية  ([488]) فلا غرو أن يأتي العهد والميثاق ضمانة مؤكدة لوجوب الإيمان به سبحانه وتعالى، بل تتابعت الآيات - آيات العهد والميثاق - في هذا المجال وتنوعت ليستوعب المسلم تلك الحقيقة ويؤمن بها ويحذر أن يكون كبني إسرائيل الذي أدّى بهم نقض العهد والميثاق إلى الكفر واللعن والطرد عن رحمة الله (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (المائدة: من الآية12) ثم بين سبحانه نوع هذا الميثاق وجزاء من التزم به وعمل بمقتضاه، وأن مآله إلى الجنة، أما من نقضه فقد كفر ولم يؤمن، وعبّر عن النقض بالكفر، لأن نقض العهد مساو للكفر بالله، بل هو الكفر بعينه (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة: من الآية12) وكما أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بأن يؤمنوا ويصدقوا رسله، فقد أخذ الميثاق على الذين قالوا إنا نصارى (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ) (المائدة: من الآية14) والميثاق هو الميثاق والنهاية هي النهاية (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة: من الآية17)

وهكذا تستمر الآيات في الدعوة إلى الإيمان بالله منبهة إلى ما أخذه الله على البشر من عهد وميثاق، ومشنّعة على أولئك الذين لم يحترموا عهودهم فلم يحققوا الإيمان في أنفسهم: (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) (الأعراف: 101،102) وفي سورة الأنفال يصف فئة من البشر بمجوعة صفات كل واحدة منها كافية للزجر والتهديد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، هذه الفئة لا تؤمن بالله لوقوعها في الكفر، وهي بذلك شرّ الدواب على البسيطة، ما سر هذا الأمر؟ وما سبب خروجها من الإيمان؟. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55، 56)

وهذا الأسلوب من أساليب القرآن الرائعة في الوصول إلى الحقائق والأهداف، فالعهد والميثاق لم يكن إلا من أجل الإيمان، فليس مرادًا لذاته ولكن لما يؤدي إليه، فالإيمان هو الهدف والغاية، ولكنه يجعل للوسيلة قوة تبدو أنها في مستوى الغاية، لتكون لها المهابة في البقاء والصيانة، محافظة على الأصل والغرض، وفي مجال الإيمان نفسه وبأسلوب بلاغيّ بديع، يشير إلى الشيء بذكر ما يقابله ويضاهيه، مستخدمًا لفظ العهد  ([489]) الذي قد أخذ على بني آدم مذكرًا بهم ومرشدًا (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يّـس:60) .

ويتكرر التذكير بالميثاق كوسيلة حاسمة وملجئة لتحقق الإيمان الذي أمر الله به عباده (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد:7) أمر ووعد، ولكن الوعد وحده قد لا يكفي، بل لابد من أمر يكون معينًا ودافعًا لهم، فمن لم يغره الوعد فها هو التذكير والوعيد (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8) .

وكما بدأت آيات العهد والميثاق في القرآن الكريم في مجال الإيمان نجد خير ختام لهذه الآيات في المجال نفسه، فكما أن آخر آية ([490]) ذكر فيها لفظ الميثاق وردت في سورة الحديد، وهي في صميم مجال الإيمان - كما أسلفت - نجد أن آخر آية ورد فيها لفظ العهد جاءت في سورة المعارج، مبينة وصف المؤمنين - كما في سورة المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:8) فكما كانت البداية كانت النهاية.

ومن خلال ما مضى يتضح لنا أن مجال الإيمان - وهو أخص أبواب العقيدة - من أوسع المجالات التي ورد فيها مصطلح العهد والميثاق، ويزداد الأمر وضوحًا إذا تذكّرنا أن أهمّ العهود والمواثيق ما أخذه الله على آدم وذريته عند إخراج الذرية، وفي أي مجال؟ أنه الإقرار بعبودية الله جل وعلا، وهل ذلك إلا الإيمان بالله وحده وصدق الله العظيم (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد: من الآية8).

 

 

الإيمان بالكتب المنـزلة

الركن الثالث من أركان الإيمان أن يؤمن المسلم بكتب الله التي أنـزلها على رسله، ولقد حفل هذا الركن بالاهتمام في آيات كثيرة نـزلت على رسولنا r آمرة له بالإيمان بالكتب وداعية إلى ذلك. (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:136) .

وفي آخر سورة البقرة يقرر حقيقة إيمانية (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) (البقرة: من الآية285) .

ويأتي الأمر للرسول r في سورة آل عمران: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:84) .

وهكذا نلحظ الاهتمام بهذا الجانب من جوانب العقيدة الذي لا يتم الإيمان دون تحقيقه، وفي سياق هذا الاهتمام جاء مصطلح العهد والميثاق في مجال الدعوة إلى الإيمان بكتب الله المنـزلة على رسله، وقد تنوعت الأساليب التي ورد فيها هذا المصطلح، تبعًا لأساليب القرآن البديعة الرائعة. ولقد شدّ انتباهي كثرة الآيات التي وردت في مجال الإيمان بالكتب متضمنة لفظ العهد والميثاق مما أضفى أهمية على استعمال هذا المصطلح تكشف عن الدور  ([491]) الذي يؤديه ضمن الأساليب القرآنية المتنوعة.

وأول آية ورد فيها لفظ العهد والميثاق جاءت في سياق الرد والتشنيع على الذين لا يؤمنون بوحي الله ويبحثون عن المطاعن التي يوجهونها لكتاب الله المنـزل - القرآن - ليصدوا الناس عنه.

فمن وسائل المشركين وأعوانهم للصدّ عن دين الله أن روّجوا لمقولة صدقها بعض المنافقين وتحمسوا لها، حيث قالوا: إن هذا القرآن ليس كلام الله وكيف يكون كلامه وفيه ألفاظ يتنـزه عنها الباري، ففيه ضرب الأمثلة بالعنكبوت وبالذباب، وهذا أمر لا يصدر عن الله، مما ينفي أن يكون هذا القرآن كلام الله  ([492]). وهنا ردّ الله - سبحانه وتعالى - عليهم ردًا حاسمًا قاطعًا: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (البقرة: من الآية26) ولا شك أن هناك مؤمن ومكذب (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة: من الآية26) ومن هؤلاء الفاسقون؟ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (البقرة: من الآية27) وفي النهاية (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة: من الآية27) عدم إيمان بوحي الله ونقض للعهد والميثاق والنتيجة كفر وضلال وفسق وخسران.

وفي آية أخرى يدعو سبحانه وتعالى بني إسرائيل للوفاء بالعهد الذي عاهدوا عليه، ومن صميم هذا العهد أن يؤمنوا بالتوراة، وفي التوراة وجوب الإيمان بمحمد r والكتاب المنـزل عليه (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُـونِ) (البقرة:40، 41) هذا هو مقتضى العهد الذي بينهم وبين الله جل وعلا: إيمان بالمنـزل، وعدم كفر وابتعاد عن الرشوة بالتوراة، وتحقيق ذلك تحقيق للتقوى (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (البقرة: من الآية41) .

وأخذ الميثاق على بني إسرائيل عند رفع الطور كان بإلزامهم بأخذ التوراة والعمل بما فيها، وهل التوراة إلا أحد كتب الله المنـزّلة؟.

ولقد تكررت الآيات التي بيّنت أخذ الميثاق على بني إسرائيل بالإيمان بالتوراة، إيماء لأهمية الميثاق ووجوب الوفاء به: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:63) .

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) (البقرة: من الآية93) (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) (النساء: من الآية154) (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (الأعراف: من الآية171) .

وفي مجال الإيمان بكتاب الله، يخاطب سبحانه بني إسرائيل مذكرًا لهم بالمواثيق التي أخذها عليهم ومبينًا مغبة تلاعبهم بكتاب الله، مدّعين أن عملهم هذا وفاء بعهد الله وميثاقه، والأمر ليس كذلك: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) (البقرة: من الآية83) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ) (البقرة: من الآية84) .

وبعد أن بيّن سبحانه نقضهم لتلك المواثيق هددهم قائلا: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: من الآية85) وهكذا نجد التلازم القوي بين الوفاء بالعهد والميثاق وبين الإيمان بكتب الله وآياته المنـزلة.

والحديث عن بني إسرائيل وما أخذ عليهم من مواثيق حديث طويل، ولكن القرآن الكريم في سياق حديثه عنهم يركز على الربط المباشر بين عهودهم وكفرهم بكتب الله: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100) ما العهد الذي نبذوه؟ (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:101) ويدعو القرآن الكريم اليهود والنصارى للإيمان بالنبي المرسل والكتاب المنـزل.

وذلك بعد أن ذكر تلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم، آمرًا لهم بالإيمان بكتابه ورسوله ناهيًا أن يكونوا كأسلافهم الذين نقضوا العهود والمواثيق، ولقد تكرر لفظ الميثاق ثلاث مرات تمهيدًا لطلب الإيمان بالرسول والكتاب الذي معه.

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ) (المائدة: من الآية12) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) (النساء: من الآية155) وفي النهاية (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (المائدة:15) .

وزيادة بنو إسرائيل للتوراة، وتحريفهم لما فيها تبعًا لأهوائهم وانسياقًا وراء شهواتهم يقف منها القرآن موقفًا حازمًا مشنعًا فعلتهم ومذكرًا لهم بميثاقهم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) (الأعراف: من الآية169) .

ويأتي العهد والميثاق في سورة الرعد بصيغة بديعة تلفت الانتباه وتشد الأنظار وهي تحمل الدعوة إلى الإيمان بكتاب الله المنـزل بأسلوب قرآني رائع: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الرعد:19) من هم؟ ما صفتهم؟ بماذا يتميزون؟ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20) .

وهكذا ومن خلال ما سبق يبرز استعمال مصطلح العهد والميثاق في مجال الدعوة إلى الإيمان بكتب الله المنـزلة، وتذكير الذين كفروا من أهل الكتاب بما أعطوه من عهود وما أخذ عليهم من مواثيق بأن يؤمنوا بالتوراة وما فيها، ومقتضى ذلك أن يؤمنوا بالإنجيل والقرآن، كما أن على أمة كل نبي أن تؤمن بالكتاب المنـزل عليه وسائر كتب الله المنـزلة على أنبيائه، وأمة محمد r وهو خاتم الأنبياء وهي آخر الأمم من عقيدتها أن تؤمن بالقرآن وجميع كتب الله المنـزلة، وهذا من مقتضى العهد الميثاق.

 

الإيمان بالأنبياء والرسل

ورد استعمال مصطلح العهد والميثاق في مجال وجوب الإيمان بأنبياء الله ورسله، وذلك في عدة آيات في كتاب الله، فالميثاق الذي أخذ على بني إسرائيل وذكر في القرآن مرات عديدة كان يتضمن وجوب الإيمان برسل الله سبحانه وبالأخص نبينا محمد r حيث جاء اسمه وصفته في التوراة، وقد سبق بيان ذلك في مبحث نوع الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل مما يغني عن الإعادة. ويشير القرآن إلى ذلك بقوله: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:100، 101) .

فالرسول r هو المصدّق لما معهم، والذي معهم هو التوراة، وفي التوراة وجوب الإيمان بالرسول r وقد أعطوا العهد وأخذوا عليهم الميثاق بالإيمان بها وما فيها.

وأخذ الميثاق على النبيين كان في مجال وجوب الإيمان برسل الله سابقهم ولا حقهم فالسابق يؤمن باللاحق ويبشر به، واللاحق يؤمن بالسابق ويصدّق بما جاء به (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81) .

إنه من أهم المواثيق وأكدها وأشملها، فليس خاصًا بالنبيين بل الأمم مطالبة بما أخذ على أنبيائها من الإيمان والتصديق برسل الله فالميثاق ميثاقهم والعهد عهدهم (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:82) وبعد أن بين سبحانه الميثاق الذي أخذه على النبيين أمر محمدًا r أن يؤمن بذلك، ويعلنه على الملأ: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) (آل عمران: من الآية84) وليس ذلك فقط، فلا يتحقق الميثاق إلا بإعلان: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: من الآية136) .

والذين استخدموا عهد الله  ([493]) ذريعة للتكذيب بالرسل يرد الله عليهم ما ادعوه وما افتروه ويكشف لرسوله r أن هذا ديدنهم وسنة فيمن كان قبلهم، يرثها المتأخر عن المتقدم ويورثها السابق للاحق: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) (آل عمران:183،184) .

ولقد أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بالإيمان بمحمد r ولا يتم الإيمان به إلا أن يصاحب ذلك دعوة الناس إلى الإيمان به وبيان أنه على الحق، مستدلين على ذلك بما معهم من التوراة والإنجيل، مما لم يكن عند غيرهم من الأمم الوثنية التي كانت تنظر إلى اليهود والنصارى نظرة تقدير واحترام لدينهم الذي يتميزون به عن غيرهم (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: من الآية187) .

وجاء الميثاق في سورة النساء في سياق الآيات التي تتحدث عن وجوب الإيمان برسل الله جميعًا، مبيّنة كفر من فرق بين أحد منهم، مذكرة بني إسرائيل بالمواثيق التي أخذت عليهم في ذلك، يقول جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:150-152) .

ثم يذكر الله سبحانه قصة أهل الكتاب مع موسى - عليه السلام - وأخذ الميثاق عليهم وماذا كانت النهاية؟ هل آمنوا بالله ورسله؟ وهل عزّروا الأنبياء ووقّروهم؟ بهذا يكون الوفاء بالميثاق ولكن: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:155) الآيات.

وتبين لنا آية الميثاق في سورة المائدة نوع ميثاق بني إسرائيل وما اشتمل عليه، فتذكر أن الإيمان بالرسل وإجلالهم ونصرهم من أهم بنود هذا الميثاق الذي لم ينفذ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (المائدة: من الآية12) الآية.

ثم يبين أنه قد أخذ الميثاق على النصارى كما أخذه على اليهود، ولكن كما مرد أولئك على الكفر والعصيان سار هؤلاء على طريقتهم واستنّوا بسنّتهم السيئة، ومع ذلك فالله سبحانه يدعو من جاء بعدهم من أهل الكتاب للإيمان بهذا الرسول الكريم r ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وما أخفوه من كتبهم، ويعفوا عن كثير مما كان عليهم، وبهذا يتم وفاؤهم بالميثاق الذي أخذه عليهم وعلى أسلافهم، وإلاّ فمصيرهم مصير من درج قلبهم، اللعّن والطّرد وقسوة القلوب، والعداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وهذا ما كان منهم، فتحقق وعد الله فيهم ويوم القيامة سوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون.

وفي آية أخرى يذكر الميثاق وإرسال الرسل، وهذا يقتضي منهم أن يأخذوا الميثاق ويؤمنوا بهؤلاء الرسل، ولكن الموقف هو الموقف، والأسلوب هو الأسلوب عند متقدّميهم ومتأخريهم (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) (المائدة:70) .

ويصف الله سبحانه الذين كذبوا الرسل وبما جاءوا به بالفسق وعدم الوفاء بالعهد وهي الخيانة بعينها: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (الأعراف:102) .

وكما بيّن في سورة (آل عمران) أنه سبحانه قد أخذ الميثاق على النبيين يبين ذلك - مرة أخرى - في سورة الأحزاب ولكن بصيغة أخرى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7) وقد بيّنت أن هذا الميثاق يتضمن - كما أشارت آية آل عمران أن يصدق بعضهم بعضًا ويؤمن بعضهم ببعض.

وكما دعا المؤمنين في سورة الحديد إلى الإيمان به سبحانه دعاهم للإيمان برسوله r وذكرهم بالميثاق الذي أخذه عليهم ليكون أدعى للقبول والإجابة: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد:7) (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8) .

وهكذا ترد آيات العهد والميثاق في مجال الدعوة والإيمان بالرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وقد وردت بأساليب عديدة وألفاظ متنوعة لتصل من خلال ذلك إلى تحقيق هذا الهدف العظيم، فعدم الإيمان بالرسل نقض للعهد والميثاق، والإيمان برسول دون رسول أو بنبي دون آخر كفر بواح وتفريق بين رسل الله، والمؤمنون يقولون ويعتقدون (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (البقرة: من الآية285) وبهذا يكون أداء الميثاق والوفاء بالعهد ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.

 

الإيمان بالشرائع المنـزلة

أرسل الله رسله وأنـزل كتبه إلى البشرية بدين واحد، وعقيدة واحدة، لم تتغير ولم تتبدل من لدن نوح - عليه السلام - إلى خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين نبينا محمد r.

وإن كان هناك من اختلاف فهو في فروع الشريعة وما يتصل بها من أحكام وكما أن شريعة النبي الواحد يدخلها النسخ فالشرائع كذلك، لأن لكل أمة ما يناسبها وما يلائم حاجاتها ومصالحها، والله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير.

والقرآن الكريم يقرر في أكثر من موضع أن دين الله الإسلام: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ) (آل عمران: من الآية19) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران: من الآية85) ونوح يقول لقومه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: من الآية72) ويقول الله عن إبراهيم الخليل: (وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) (آل عمران: من الآية67) وموسى يقول لقومه: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس: من الآية84) .

وإبراهيم وصّى بنيه ويعقوب - أيضًا -: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة: من الآية132) .

والحواريون قالوا: (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: من الآية52) والمسلمون أمروا أن يقولوا: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: من الآية136) .

هذا هو دين الله أولا وآخرًا، وماضيًا وحاضرًا، وهذا ما أخذ الله عليه الميثاق من البشر بأن يعبدوه وحده لا شريك له، ومقتضى العبادة أن يكونوا مسلمين، ولكن الأهواء والشهوات تعصف في قلوب كثير من الناس فتختل عندهم الموازين، وتتغير المفاهيم، فيؤمنون برسول دون آخر، وبشريعة دون أخرى، فهاهم اليهود يدعون الإيمان بشريعة موسى ويكفرون برسالة عيسى بن مريم، واليهود والنصارى كل يدعي الإيمان بشريعته ويكفرون بما أنـزل على محمد r إنه التعصب الأعمى والضلال المبين. ومن أجل بيان أن الشريعة واحدة، كما أن الرب واحد، أخذ الله الميثاق على الناس بالإيمان بجميع الشرائع المنـزلة إيمانًا مجملا، والشريعة الناسخة إيمانًا مفصلا، وبعد أن ذكر الله الميثاق الذي أخذه على النبيين بأن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضًا، حكم على من خالف ذلك من الأمم بأنه من الفاسقين ثم قال سبحانه: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) .

ثم أمر نبيه r أن يعلنها عقيدة واحدة: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: من الآية136) .

وفي سورة المائدة ذكر الله ما أخذه على اليهود والنصارى من مواثيق، ومما تتضمّنه هذه المواثيق أن يؤمنوا برسل الله وما معهم من شرائع من عند الله، ولكنهم كفروا وتمردوا فنقضوا عهودهم ومواثيقهم، ويدعو الله - سبحانه - من كان من اليهود والنصارى على عهد رسول الله r أن يؤمنوا بهذا النبي وبشريعته التي معه وفيها لهم الخير والفلاح: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:16) ولكنهم نقضوا مواثيقهم وخانوا عهودهم - إلا القليل منهم - فكفروا بالإسلام وتولوا وهم معرضون.

ويأمر الله رسوله r أن يدعو أهل الكتاب قائلا: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (المائدة: من الآية68) وذلك لما جاء بعض اليهود إلى رسول الله r وقالوا: إنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الحق والهدى، ولا نؤمن بك، ولا نتبعك، فأنـزل الله هذه الآية  ([494]) مبينة أن الشريعة واحدة وكلها من عند الله فالكفر بالبعض كفر بالكل، والكفر بواحدة كفر بالله جل وعلا، ثم ذكرهم بما أخذه عليهم من ميثاق: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) (المائدة: من الآية70) الآية.

وهكذا نرى مدى استعمال مصطلح العهد والميثاق في مجال الإيمان بالشرائع المنـزلة على أنبياء الله وأنها من عند الله، أولها يخبر عن آخرها، وآخرها يكمل أولها، ورب نوح - عليه السلام - هو الذي أرسل محمدًا r وهو الذي بعث موسى - عليه السلام - وأمرنا أن نذعن له قائلين: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: من الآية136). (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138) .

وقد اتضح لنا فيما مضى المجالات التي تم فيها ورود مصطلح العهد والميثاق في باب العقيدة، وتبين أثر هذا المصطلح في تقرير العقيدة، وبيانها والذود عن حماها، ودعوة الناس إلى الوفاء بعهودهم ومواثيقهم التي عاهدوا الله عليها، في الإيمان به وتصديق رسله وما معهم من كتب وشرائع.

 

ثانيًا: في العبادات

أمر الله سبحانه عباده بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وجاء الأمر بالعبادة مجملا ومفصلا، فنجد مثل قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) وقوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ) (النساء: من الآية36) وكما جاء الأمر بالعبادة مجملا جاء مفصلا كقوله جل وعلا: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43) وقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: من الآية73) وغيرها من الآيات، ومن هنا فإن من أوسع المجالات التي استعمل فيها لفظ العهد والميثاق مجال الأمر بالعبادة في فروعها المتنوعة، فنجد في أمر الله لبني إسرائيل بالوفاء بالعهد يقول لهم سبحانه:

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة: من الآية40) وبعد أن يأمرهم سبحانه بالإيمان بما أنـزل وينهاهم عن كتمان الحق، وكل ذلك من العهد الذي أخذه عليهم يقول لهم آمرًا: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43) وذلك من الوفاء بالعهد الذي طالبهم به، وخوفهم عاقبة التفريط فيه.

وفي بيان الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )(البقرة: من الآية83) ففي هذه الآية تضمن الميثاق جملة من الأمور التعبدية التي أمر الله بها بني إسرائيل أن يقوموا بها ويؤدوها على وجهها.

وفي سورة المائدة نجد أن الآية المباشرة لآية القيام للصلاة وكيفية الوضوء والتيمم هي قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ) (المائدة: من الآية7) .

وكما جاءت آية البقرة مبينة لنوع الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل جاءت آية المائدة كذلك مبينة الميثاق متضمنًا بالعبادة: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ) (المائدة: من الآية12) .

وقد ذكر الله أخذ الميثاق على بني إسرائيل في سورة الأعراف، وبعد آية الميثاق مباشرة جاء قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف:170) ثم جاء بعدها متصلا بيان رفع الطور على بني إسرائيل وأمرهم بأخذ التوراة وإعطاء الميثاق على ذلك. ويأتي ذكر العهد في سورة التوبة بصيغة الاستفهام الإنكاري الذي يحمل في ذاته التعجب: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:7) .

ثم يذكر أسباب عدم جواز استمرار العهد وأنه لابد من إنهائه عاجلا أم آجلا، ولكن القرآن بأسلوبه الرائع للوصل إلى غاياته ينقلنا نقلة أخرى يتغير معها الحكم والوصف: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة: من الآية11) .

لا عهد مع المشركين، ولكن إن تابوا وعبدوا الله حق عبادته بإقامة أهم أركان العبادة: الصلاة والزكاة، فإن لهم عهدًا آخر، وهو عهد الأخوة في الله، أقوى وثاقًا وأشد رباطًا.

ويأتي ذكر العهد - أيضًا - في ركن من أركان العبادة التي أمر الله بها، وهي الزكاة وسائر فروع النفقة في سبيل الله  ([495]) دليلا على أهمية هذا الركن ووجوب أدائه، وسوء عاقبة من خان عهده في ذلك: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (التوبة:75) الآيات .

وفي آية المبايعة في سورة التوبة يأتي وصف المؤمنين الذي يفون ببيعهم - وهو عهد مع الله - يشتمل على عدة أنواع من العبادة تؤهل صاحبها لنيل رضاء الله والحصول على الجنة، وفاء بعهد الله ووعده: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) (التوبة: من الآية112) ([496]) .

ثم هم مع ذلك يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، ومن صفات أولي الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق أنهم: (صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: من الآية22) .

وفي سورة (المؤمنون) وهو يعدد صفات المؤمنين نلحظ أنه جاء بعد آية العهد مباشرة أن من صفاتهم المحافظة على الصلاة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المؤمنون:8، 9) وكأن هذا إيماء إلى أن الصلاة من العهد فهم يراعونها بالمحافظة عليها، وفي هذا المعنى جاء قوله r " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "  ([497]).

ومثل ذلك جاءت آية العهد في سورة المعارج حيث تلتها - بعد آية - آية المحافظة على الصلاة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المعارج:32-34) .

وهذا تأكيد لما سبق ودليل على قوة صلة العهد بالعبادات، ومن هنا جاء استخدام مصطلح العهد والميثاق في مجال العبادات، حيث أن أمور الشريعة والعبادة والعقيدة شيء واحد يبتغي فيها المؤمن تحقيق مرضاة الله والوفاء بعهده معه، لينال ما وعده الله به، وينجو من عذاب الله وعقابه الذي توعد به: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27).

 

ثالثًا: في الأخلاق

من الأمور التي عنيت بها الشرائع السماوية على اختلاف أزمانها وأماكنها أن يتحلى المنتمون إلى الشريعة بالأخلاق الفاضلة والصفات المثلى، والأخلاق: مجموعة من أنماط السلوك الحسن تسود المجتمع ويتلبس بها الفرد، وبها عن طريقها تخلو المجتمعات من خوارم المروءة وقبيح العادات.

ولقد جاء القرآن والسنة بالحث على حسن الخلق والتحلي بمكارم الأخلاق.

ويكفي هنا أن أشير إلى قوله تعالى مادحًا رسوله الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) .

أما الأحاديث فكثيرة جدًا منها قوله r فيما يرويه عبد الله بن عمر: " إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا " رواه البخاري  ([498]).

وروى البخاري تعليقًا قال: قال أبو ذر لما بلغه مبعث النبي r - قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق  ([499]) .

وروى الإمام مالك عن علي بن أبي طالب أن رسول الله r قال: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "  ([500]).

وروى - أيضًا - قوله r " بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق "  ([501]) .

وروى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله r " إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله "  ([502]) .

مما مضى يتضح مدى اهتمام الإسلام بالأخلاق الفاضلة لما لها من أثر قوي على بنية المجتمع المسلم وقوة الدولة الإسلامية. ومن هنا فقد جاء العهد والميثاق في القرآن الكريم في مجال الالتزام بالأخلاق النبيلة والسلوك الحسن، ففي سورة البقرة يأمر الله بني إسرائيل بالوفاء بالعهد، والوفاء خلق رفيع، كما أن الغدر والخيانة خلق ذميم: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (البقرة: من الآية40) .

وعندما كذب بنو إسرائيل وتألوا على الله - وهذا من أحسن الأخلاق - ردّ الله عليهم ردًا كشف كذبهم ودناءتهم حتى مع الله جل وعلا. (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:80) وقد تضمن الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل بعض الأخلاق التي يجب أن يتحلوا بها (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: من الآية83) ثم اتضح لنا أنهم ارتكبوا خلقين ذميمين، وهما عدم التحلي بتلك الأخلاق الفاضلة وأشد من ذلك نقضهم الميثاق وعدم الوفاء به (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة: من الآية83) .

وإذا كانت الكلمة السيئة تعبر عن سوء الخلق فكيف بقتل الإنسان لأخيه الذي هو في مقام النفس لقربه ووجوب القيام بحقه، وإيذاء المرء لجاره خلق ذميم وأسوء منه إخراجه من داره بدون حق، لذلك أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بالكف عن هذه الأخلاق الدنيئة، بل وأقررهم على ذلك تأكيدًا واهتمامًا. (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة:84) ولكن يأبى اليهود - كعادتهم - إلا الشقاق وسوء الأخلاق  ([503]). وكل الآيات التي جاءت مبينة نقض العهد والميثاق من قبل من أخذ منهم تدل على اتصاف أولئك بأسوأ الأخلاق وأقبحها (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:93) (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100).

(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران:77).

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55،56).

وفي المقابل يصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات ومكارم الأخلاق: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: من الآية177) ([504])(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمـران:76) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:1-8).

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) (الأحزاب: من الآية23،24).

ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ) (المائدة: من الآية13) ومع هذه الأخلاق المتراكمة كظلمات بعضها فوق بعض يأمر الله تعالى نبيه r بأن يقابل ذلك بحسن الخلق والصبر والتحّمل: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة: من الآية13) ما أروع هذا القرآن كيف يربي الرجال.

واستمرارًا لورد العهد والميثاق في مجال بناء الأمة على الأخلاق السامية يأمر الله عباده على لسان نبيه r بعدد من الوصايا التي تكوّن جيلا ذا خلق رفيع، ثم يختم تلك الوصايا الخالدة بقوله سبحانه: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام: من الآية152) ([505]).

فالوفاء بالعهد ضمانة لأداء تلك الأوامر واجتناب ما ورد من نواهي ومن ثم يكون الانقياد والطاعة وحسن الخلق، وإخلاف العهد نقض للعهد، ينحط بصاحبه إلى أسوأ البشر أخلاقًا - وبخاصة إذا كان العهد مع الله - فإن المتصف بتلك الصفة ينتقل من مجتمع الصادقين المتقين إلى تجمع المخادعين الكاذبين من المنافقين: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) (التوبة:77).

وفي حالة عصبية مرت على أولاد يعقوب يتشاورون أي طريق يسلكونه للتخلص من المأزق الذي هم فيه، يذكّرهم كبيرهم بخلق رفيع لئلا ينجرفوا مع حل قد ينجيهم ظاهرًا، ولكنه ينافي مقومات الوفاء والأخلاق، ولئن كانوا وقعوا في الكذب في قصة يوسف فلا يجوز الأمر هنا، لأن موثقًا قد تم بينهم وبين أبيهم والله شاهد عليه ووكيل: (قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ) (يوسف: من الآية80).

إذًا ما الحل وأين المخرج؟ يجيبهم: عليكم بالصدق فهو منجاة: (فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ) (يوسف: من الآية81) وهكذا يكون الميثاق سببًا للالتزام بجميل الأخلاق.

وفي سورة النحل يأمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وكلها صفات خلقية حميدة، وينهى عمّا يقابلها من الفحشاء والمنكر والبغي، ثم يعقب ذلك بقوله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) (النحل: من الآية91).

ومثال ذلك في سورة الإسراء حيث يأمر الله بخصال حميدة، وينهى عن عدة خصال من الخصال الذميمة التي لا يجوز للمسلم أن يقرب منها أو يقترفها، وقبل أن ينهى تلك الخصال يقول سبحانه: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: من الآية34).

ثم تواصل الآيات النهي عن بقية الصفات التي تتنافى مع دين المؤمن وخلقه، وتأمره بمحامد الأخلاق وأحسنها. والذي كفر بآيات الله وكذب في دعواه غرورًا وغطرسة وتبجحًا وتعاليًا على المؤمنين، يرد الله ما ادعاه وافتراه ويكشف عن خلقه الذميم، ويتوعده بأشدّ العذاب: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً) (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُـولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً) (مريم:77-79).

وهكذا نجد مصطلح العهد والميثاق يؤدي مهمة أساسية في الحث على مكارم الأخلاق وتخليص الفرد والمجتمع من الصفات الفاسدة التي متى ما شاعت في أمة فهي نذير الهلاك والزوال والاضمحلال، وصدق الشاعر:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت 

 

فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا  ([506])

 

رابعًا: في العلاقات الدولية

تكتسب العلاقات بين الدول أهمية قصوى في تاريخ الأمم والشعوب، فكم أدى حسن الجوار إلى الاستقرار والإزهار، وكم من بلاد دمرت ودماء سفكت وأعراض انتهكت، مبعث ذلك سيادة شريعة الغاب وسياسة أشباه الثعالب والذئاب.

ولقد جاء الإسلام فوجد الجزيرة العربية تعيش في فوضى وتنتابها القلاقل، لا تعرف للاستقرار مذاقًا، الكبير يأكل الصغير، والضعيف لا يأمن غدر القوي، وعند نشأة الدولة الإسلامية الأولى، كان من أولى دعائم أسس هذه الدولة إقامة العلاقة التي تبنى على الاحترام والتقدير، ومن هنا جاءت العهود والمواثيق بين الدولة الإسلامية الفتية وسائر التجمعات والقبائل المتاخمة لها، أو من تربط معها بمصالح سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. وشاع بين القبائل والشعوب أن هذه الدولة لا تعطي عهدًا ولا توقّع ميثاقًا إلا كانت رائدة في الوفاء به وحسن أدائه، لا يعرف عنها الغدر ولا الخيانة، حتى في أحلك الظروف وأقساها، بل إنها تنصف من نفسها قبل أن تطلب الإنصاف من الآخرين، وهذا مما لم تعهده تلك الأمم والقبائل قبل ذلك، فسارعت الإمارات والقبائل والطوائف بطلب الأمان وعقد الميثاق، لتنعم بالاستقرار بعد طول عناء واضطراب، فأرسلت الوفود وأذعنت لسياسة مثلى تسجل صفحة بيضاء في جبين التاريخ.

ولقد جاء القرآن الكريم يرسم بعض معالم تلك السياسة ويحدد مبادئها، وإطارها الذي تسير فيه، وبهذا كانت العلاقات الدولية مجالا من المجالات التي توثقت بالعهود والمواثيق، وكان ذلك عاملا حاسمًا من عوامل انتصار وانتشار الدولة الإسلامية ودعوة الإسلام.

ينعي الله على المؤمنين في سورة النساء اختلافهم وافتراقهم في شأن فئة من المنافقين أرادوا أن يتلاعبوا في دين الله، فيقول سبحانه: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) (النساء: من الآية88) كل فئة لها فيهم رأي، ألا فاسمعوا إلى حكم الله فيهم من فوق سبع سماوات: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء: من الآية89) أمر حاسم وشديد لا مجال للاختلاف فيه، ولكن على فظاعة جرمهم وشدة عقوبتهم ينقلنا القرآن الكريم نقلة فيها احترام للعهود والمواثيق، قد لا تخطر على بال البعض أثناء شدة الطلب وتنفيذ الأمر، حيث قد يلجأ أولئك إلى قوم بيننا وبينهم عهد وميثاق حقنًا لدمائهم وصيانة لأموالهم، ففي هذه الحالة لا قتل ولا أخذ: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (النساء: من الآية90) أنه أمر حكيم، يسموا على العواطف والانفعالات.

والمؤمن تؤدى ديته إن قتل خطأ مع الكفارة، أما إن كان مقيمًا بين الكفار فلا دية له وتؤدى الكفارة، إلا إن كان من قوم تربطهم بالدولة الإسلامية عهود ومواثيق فدية وكفارة، احترامًا للعهد وصيانة للميثاق: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (النساء: من الآية92).

وشر الدواب أولئك الذين يعاهدون الدولة المسلمة ثم ينقضون عهودهم، خسة وخيانة، وجزاؤهم شديد وعقابهم أليم، ليكونوا عبرة لغيرهم ونكالا للآخرين: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأنفال:55-57).

وإن بلغ الدولة المسلمة أن قومًا ممن عاهدوا يريدون الخيانة ويخططون لها، فلا يجوز للمسلمين أن ينقضوا العهد فجأة وبدون سابق إنذار، ما لم يكن هناك من البراهين الظاهرة على مباشرتهم لنقض عهودهم، وإنما لا بد من نبذ العهد وإعلامهم بفسحة قبل حربهم ومناجزتهم احترامًا للعهود: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال:58) والمؤمنون تجب نصرتهم في الدين حتى ولو لم يهاجروا إلا إن كانت النصرة موجهة إلى قوم بينهم وبين الدولة المسلمة عهد وميثاق فلا نصرة ولا مساعدة، فالوفاء بالعهد أولى وأداء حق الميثاق أحرى وأجدى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (الأنفال: من الآية72).

وتأتي سورة التوبة لترسم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها، وتحدد الموقف من المشركين، ومآل العهود والمواثيق التي سبق عقدها وإبرامها معهم، وهل يجوز تجديد تلك العهود أولا في تفصيل شامل بين لا يدع مجالا لتلاعب متلاعب أو غدر خائن: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة:1) ([507]) الآيات.

وهكذا نرى ما للعهد والميثاق من أثر في بنية الدولة الإسلامية، والأطوار التي مرت بها تلك العهود والمواثيق، وما استقر عليه الأمر في النهاية، تبعًا لنشأة الدولة المسلمة واستقرارها.

خامسًا: في المعاملات

التعامل بين الأفراد ركيزة أساسية من ركائز بنية المجتمعات، والتعامل بين المجتمعات دعامة قوية من دعائم بناء الدولة والحكومات.

ولقد عنيت النظم قديمًا وحديثًا في تنظيم هذا الأمر ضمن إطار يحقق المصالح ويجنب الشقاق والنـزاع، ولم تعرف البشرية دينًا أو نظامًا كفل حقوق الأفراد ووضع الأسس التي يسير عليها الناس في تعاملهم كما تم في الإسلام، فقد حظي هذا الجانب بعناية فائقة شأن الإسلام في كل شئون الحياة، ولقد بلغ الاهتمام في هذا المجال حدًا يصوره لنا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، حيث يكشف لنا عما وصل إليه المجتمع المسلم من أسلوب رائع في التعامل نتيجة لتلك الأسس التي بنيت عليها الدولة الإسلامية، يقول t في الحديث الذي يرويه عنه البخاري في صحيحه: ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيًا رده علي ساعيه  ([508]).

ولقد جاء العهد والميثاق في القرآن الكريم في إطار تنظيم التعامل بين الناس لتحمل الثقة والأمانة مكان التوجس والخوف والخيانة، ونجد قوله تعالى في سورة آل عمران: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) قد جاء بعد أن ذكر لنا سبحانه واقع أهل الكتاب من حيث التعامل معهم (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) (آل عمران: من الآية75) الآية.

وهذا دليل قوي على أن التعامل والتقايض نوع من العهود يجب الوفاء به، وأي خلل في ذلك فهو خيانة ونقض للعهود.

وتأتي آية المائدة مؤكدة هذا الأمر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: من الآية1).

والزواج والطلاق نمط من أنماط التعامل البشري يحتاج إلى ضمانة قوية تضفي على طرفي العقد الود والوئام بعيدًا عن أي محاولة للمكر والخداع.

ونلمس قوة هذا العقد وأهميته في ميزان الإسلام عندما نقرأ سورة النساء: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:20،21) وهذا ما آكد المواثيق التي جاءت في القرآن، وسياق الآية يدل على الاهتمام البالغ به.

وفي وصايا سورة الأنعام يجمع بين إيفاء الكيل والميزان وبين الوفاء بالعهد مما ينبئ عن قوة العلاقة بينهما: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام: من الآية152).

ويعقب الأمر بالوفاء بالعهد في سورة النحل الأمر بالعدل والنهي عن البغي، والتعامل بين الناس إن لم يصاحبه العدل كان بغيًا وعدوانًا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً )(النحل: من الآية90،91).

أما في وصايا الإسراء فيأتي الأمر في الوفاء بالعهد ثم يعقبه مباشرة الأمر بالوفاء بالكيل والوزن بالعدل، وهذا يؤكد مدى قوة العلاقة بينهما كما قلت في وصايا سورة الأنعام: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (الإسـراء:34،35).

والأمانة من أهم أشكال التعامل وأخطرها، ومن هنا نجد العناية بها، حيث نلحظ الجمع بينها وبين رعاية العهد في موضعين من القرآن، مع أن الآيات السابقة لهذه الآية في الموضعين واللاحقة كذلك كل آية منها استقلت في موضوع واحد، بينما جمعا في آية واحدة، وهذا لم يأت عبثًا - وحاشا لله عن ذلك - وإنما للرابط القوي بين معناهما فالأمانة عهد والعهد أمانة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:8).

وهكذا يتعامل المسلم مع أخيه أو مع غيره والميثاق والعهد بينه وبين الله يحرسه، فلا بغي ولا عدوان ولا ظلم ولا خيانة، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وإلى الله عاقبة الأمور.

سادسًا: في القضايا الاجتماعية

انطلاقًا من عناية الإسلام في بناء المجتمع المسلم الصالح، جاء الاهتمام في كل قضية تتعلق بالأسرة والمجتمع، وتوالت الآيات والأحاديث التي ترصد كل صغيرة وكبيرة في كيان الأمة الإسلامية في طور نشأتها الأولى، حتى قام صرح شامخ قوي البنيان متين الأركان، لا تهزه العواصف، ولا تفككه الرياح، تهابه الأعداء، وتحسب له ألف حساب، ومن تلك الوسائل التي كونت دعامة أساسية في بناء هذا المجتمع، تلك العناية الفائقة التي أولاها القرآن الكريم لهذه الأمة تربية وإعدادًا، ومن ذلك الآيات التي جاءت تعالج القضايا الاجتماعية، وتكون أسسها ومنطلقاتها، وفي هذا المجال جاء مصطلح العهد والميثاق لبنة قوية من تلك اللبنات المباركة.

ففي سورة البقرة يبين لنا الله سبحانه ما أخذه على بني إسرائيل من ميثاق يتضمن عددًا من القضايا الاجتماعية الأساسية؛ فالبر بالوالدين، وصلة الأرحام، والعطف على اليتامى، والإحسان على المساكين، والقول الحسن لجميع الناس، أمور يجب أن يتحلى بها الأفراد ويلتزم بها المجتمع، فهي من صميم تركيبة البناء: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة:84).

وتأتي الآية التي بعدها مبينة أخذ الميثاق - أيضًا - في قضيتين اجتماعيتين هامتين: عدم جواز قتل الإنسان لأخيه مثلما أنه لا يحل له قتل نفسه، فالحكم واحد والنتيجة واحدة، وكذلك لا يجوز له أن يخرج أخاه من داره وبلده، أو أن يرتكب عملا يؤدي إلى إخراجه هو من مسكنه وبلده: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة:84).

ويجعل الإخلال بهذا الميثاق كفر يستحق صاحبه أشدّ العذاب (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ) (البقرة: من الآية85).

وقضية الزواج والطلاق قضية اجتماعية - كما هي مسألة تعاملية - يؤخذ الميثاق الغليظ على جزئيه فيها مما يدل على خطورتها وأثرها: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:20،21) ([509]).

وما حدث بين يعقوب وبين أبنائه مثال رائع على ما أتحدث عنه: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف:66) (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ) (يوسف: من الآية80) فالميثاق كان عاملا حاسمًا في بداية ونهاية هذه القضية الاجتماعية.

وأولو الألباب - كما في سورة الرعد - هو الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق وهم كذلك يتصفون بصفة لازمة للصفة الأولى وهي أنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل من صلة الوالدين والأرحام وحقوق الجوار وغيرهما مما أمر الله به: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) (الرعد: 20،21) وضد أولئك من نقض عهده وقطع رحمه وأخل بما أمر الله به.

وهكذا تتضح لنا معالم استعمال العهد والميثاق في القضايا الاجتماعية، تنويهًا للاهتمام بها ورعايتها ولما يؤدي التفريط بها من مفاسد تعصف ببنية المجتمع وكيانه.

 

سابعًا: في الجهاد في سبيل الله  ([510])

الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وركن أساس من أركانه  ([511]) فقد ورد العهد في مجال الحث على الجهاد في سبيل الله، وبيانًا لعظم شأنه وعلو مقامه، وأن التخلف يوم الزّحف نقض لعهد الله وانتهاك لحرماته.

ففي سورة التوبة يقول سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: من الآية111) بعد قوله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) (التوبة: من الآية111).

وعهد الله وعد ووعده عهد - سبحانه وتعالى -.

والتعبير هنا بالاشتراء كناية لجامع ما بينهما من الإيجاب والقبول، يؤكده التصريح بالعهد من الله جل وعلا.

ونعى الله على المنافقين في سورة الأحزاب سوء فعلتهم يوم الأحزاب وفرارهم عن الجهاد في سبيل الله، مع أنهم قد أعطوا عهودهم ومواثيقهم ألا يفروا.

(وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً) (الأحزاب:15).

ولكنهم خانوا وغدروا وبئس ما فعلوه.

والمؤمنون مدحهم الله لصدقهم ولوفائهم بعهودهم وثباتهم في ساحة الجهاد، وكانت أرواحهم ثمنًا للوفاء بعهودهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23).

صورتان متقابلتان: صورة المؤمنين بوفائهم وصدقهم مع الله، وصورة المنافقين بغدرهم وخيانتهم وسوء فعلتهم ونقف أخيرًا مع آية سورة الفتح حيث يجعل الله بيعة الصحابة للرسول r بيعة له سبحانه وتعالى ويبيّن جزاء الموفين وعاقبة الناكثين: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10) وعلام كانت البيعة: إنها على الموت في سبيل الله  ([512]).

وهكذا يبدو شأن الجهاد في سبيل الله عظيمًا، كيف لا وقد أخذ العهد على المؤمنين بأدائه والقيام به إلى يوم القيامة، وإن تخلّوا عن ذلك ضرب الله عليهم الذلة في الدنيا وعاقبهم في الآخرة - والله المستعان -.

وأخيرًا: فمما سبق اتضحت لنا المجالات التي استعمل فيها مصطلح العهد والميثاق في القرآن الكريم، وتبيّن لنا الأثر الفعّال لورود العهد والميثاق في تلك المجالات مما سنفصله في المبحث القادم - إن شاء الله -.

 

 

خامساً: المبحث الرابع

الوفاء بالعهد والميثاق

أولا: حكم الوفاء بالعهد والميثاق  ([513]).

دلت الآيات والأحاديث الصحيحة على وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وبيّنت شناعة جرم من نقضهما، أو أخل بهما، وقد يصل الإخلال بهما إلى الكفر كما حدث لبني إسرائيل وغيرهم.

وسأذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب احترام العهود والوفاء بالمواثيق.

أولا: الآيات:

قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة: من الآية40).

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: من الآية1) ([514]).

وقال: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) (الأنعام: من الآية152).

وقال U (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) (التوبة: من الآية4).

وقال: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) (النحل: من الآية91).

وقال: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) (المائدة: من الآية13).

وفي سورة الرعد: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20).

وفي الإسراء: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: من الآية34).

وفي الأحزاب: (وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً) (الأحزاب: من الآية15).

والآيات صريحة الدلالة على وجوب الوفاء وحرمة الغدر والخيانة، وجميع الآيات التي ورد فيها لفظ العهد والميثاق تدل على ذلك المنطوق أو بالمفهوم.

 

 

ثانيًا: الأحاديث:

وردت أحاديث كثيرة في وجوب الوفاء بالعهد وإثم من نقض ميثاقه أو غدر بما عاهد عليه.

فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله r " أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " ([515]).

وعن علي بن أبي طالب t قال: قال رسول الله r " من أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل " - رواه البخاري  ([516]).

وعن أنس t عن النبي r قال: " لكل غادر لواء يوم القيامة " - رواه البخاري  ([517]).

وثبت عنه r - أنه قال: " من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلّن عقدة ولا يشدّها حتى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء " - رواه الترمذي  ([518]).

وعن أبي سعيد عن النبي r - قال: " لكل غادر لواء عند أسته يوم القيامة " - رواه مسلم  ([519]).

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله r - قال " إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان " رواه مسلم  ([520]).

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًا، والسُنة الفعلية تشهد لذلك، ومن هنا فإن وجوب الوفاء بالعهد والميثاق أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان، ونقضهما محرم بصريح الكتاب والسنة.

ثانيًا: آثار الوفاء بالعهد والميثاق

جعل الله لكل عهد جزاء ولكل فعل أثر، والخوف والرجاء من صفات النفس البشرية، فهناك نفس تنقاد مع الوعد وأخرى تخشى الوعيد، والمؤمن يعيش دائمًا بين الرجاء والخوف.

وباستقرار آيات العهد والميثاق نلحظ الآثار التي قد رتبها الله سبحانه وتعالى على الالتزام بالعهد والميثاق، كما نلحظ تنوعها وتعددها، فهناك الآثار التي تخص الفرد وأخرى تعم الجماعة، بعضها في الحياة الدنيا وأخرى يوم القيامة.

وسأذكر تلك الآثار مقتصرًا على ما جاء مصرحًا به، مما يعطي الدلالة على أهمية الوفاء بالعهد والميثاق، وحسن الجزاء الذي ينتظر الموفين بعهدهم، والصفات المثلى التي يستحقونها، والمآل الكريم الذي وعدهم الله به رحمة منه وفضلا، مراعيًا الاختصار والاقتصار.

1- الإيمان وردت آيات كثيرة تنفي الإيمان عن الناقضين لعهدهم وتصفهم بالكفر - كما سيأتي تفصيل ذلك في المبحث القادم - وفي المقابل وصف الله سبحانه وتعالى الموفين لعهودهم ومواثيقهم بالإيمان، والإيمان أثر تنبثق منه آثار كبرى، فإذا آمن الفرد حقق لنفسه السعادة في الدنيا والآخرة، والمجتمع الذي يسوده الإيمان ويحكمه الإسلام، مجتمع آمن مستقر، ترفرف على جنباته الطمأنينة ويعمه السلام.

نجد في سورة (المؤمنون) وصفًا للمؤمنين، ومن أخص تلك الصفات (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:8) فرعاية العهد والأمانة من صفات المؤمنين الصادقين، والتخلي عن تلك الصفة إخلال بهذا الوصف وقدح بالموصوف، ورعاية العهد هنا تشمل العهد العام والخاص، فكل ما صدق عليه لفظ العهد فرعايته من الإيمان.

وفي سورة الحديد يأتي الخطاب بأسلوب الاستفهام الذي يوقظ الحس ويثير المشاعر (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8) يتردد لفظ الإيمان ثلاث مرات بصيغ مختلفة في آيه واحدة " لا تؤمنون.. لتؤمنوا.. مؤمنين ".

والوفاء بالميثاق هو الذي يحقق الإيمان، والموفون بعهدهم وميثاقهم هم المؤمنون.

وبهذا يدرك المسلم أي أثر يناله جزاء لوفائه، وأي نعمة يغتنمها تحقيقًا لوعد الله، وماذا يريد المسلم أعظم من الشهادة له بالإيمان، ومن الذي يشهد له؟ أنه الباري جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (المؤمنون:1) (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون:8) والإيمان وصف يستلزم آثارًا عظمى في الدنيا والآخرة: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون:10،11) .

2- التقوى قال علي بن أبي طالب t التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنـزيل، والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ([521]).

وقيل: التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية  ([522]).

التقوى: كلمة نسمعها كثيرًا، ونعقلها قليلا، وقد وردت كلمة التقوى في القرآن الكريم بتصاريفها المتنوعة أكثر من مائتي مرة.

وكثرة ورودها تدل على الأهمية القصوى لمدلولها. وإن اختلف العلماء في معناها وتعريفها، فهم يتفقون في مآلها وثمرتها.

صفة التقوى خاصية تتعطش لها النفوس المؤمنة، وتسعى لتحصيلها القلوب السليمة، لما لها من أثر حسن وعاقبة حميدة. ولقد جاءت التقوى أثرًا من آثار الوفاء بعهد الله، وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه.

ففي سورة البقرة يخاطب الله سبحانه - بني إسرائيل: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:63) فالتقوى ليست أمرًا مشاعًا لمن غدا أو راح، وإنما هي ثمن كريم وأثر عظيم لمن قام بعمل جليل، فأخذ التوراة التزامًا بالميثاق يؤدي إلى التقوى.

وفي السورة نفسها يذكر الله عدة صفات كريمة شريفة يختمها بذكر عاقبة المتصفين بتلك الصفات، ونجد أن الوفاء بالعهد بعد الوعد من صفات المتقين الصادقين (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) (البقرة: من الآية177) (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: من الآية177) .

وفي سورة آل عمران نجد ثبات حب الله للمتقين، ولا يثبت الحب للموصوف إلاّ بعد ثبات الصفة، وهي التقوى ولمن؟ للموفين عهودهم: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) .

وكما جاء في آل عمران يأتي ما يؤكده في سورة التوبة في آيتين متقاربتين (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: من الآية4) وكما أن إتمام العهد من التقوى فإن الاستقامة عليه تؤدي إليها (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: من الآية7) .

ومن هنا يأخذنا هذا الأسلوب الرائع في عرض الثمرة والأثر مما لا يجد معه المسلم بدًا من الالتزام بعهد الله وميثاقه.

3- محبة الله محبة الله ورضاه غاية الغايات ونهاية المقاصد والحاجات فإذا رضي الله على عبد وأحبه أدخله جناته ووقاه عذابه، وأكرمه في دنياه وأخراه.

ولقد أثبت الله محبته للمتقين الموفين بعهدهم، المستقيمين على عهودهم ومواثيقهم حتى مع أعدائهم ما استقاموا هم على تلك العهود.

(فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: من الآية7) وقبلها بآيتين: (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: من الآية4) .

وفي سورة آل عمران: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) .

وبهذا تكون محبة الله ثمرة من ثمار الوفاء بالعهد وأثرًا من آثار الالتزام بالميثاق، ونعم الثمرة لتلك الشجرة، وطوبى لعبد ظفر بمحبة الله ورضوانه، لقد جمعت له السعادة من طرفيها، وفاز فوزًا لا يشقى بعده أبدًا.

4- حصول الأمن في الدنيا وصيانة الدماء لم تقتصر آثار الوفاء بالعهد والميثاق على المسلمين وحدهم، وإنما شمل عدل الله الكفار الذين لم يدخلوا في دين الإسلام ولهم عهود مع أولئك المسلمين، فجاءت الآيات صريحة بوجوب الوفاء لهم وصيانة دمائهم بل إن قتيلهم الذي يقتل خطأ من قبل المسلمين له مثل ما للقتيل المسلم سواء بسواء، وأكثر من ذلك أن الكافر الذي يطارده المسلمون لقتله عندما يلجأ إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق، ويدخل تحت حكمهم، يعصم دمه ويضع حدًا لطلبه.

يقول تعالى مبينًا حكم بعض المنافقين: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء:89) ومع هذا النهي الحاسم والأمر الجازم بالقضاء عليهم ومقاطعتهم ينقلنا القرآن نقلة قوية تضع استثناء لما سبق:

(إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) (النساء: من الآية90) .

ومن هنا نلمس أن أثر الوفاء بالميثاق لم يقتصر على من عقد معه ووفّى به، وإنما تعداه إلى آخرين أرادوا صيانة دمائهم المهدرة، فلم يجدوا بدًا من اللجوء إلى هؤلاء.

وفي الآية التي جاءت لبيان حكم قتل الخطأ وما يترتب عليه من دية وكفارة نقف أمام عظمة هذا الدين عندما يساوي دية الكافر ([523]). الذي يقتل خطأ وهو من قوم معاهدين بدية المسلم المقيم في دار الإسلام: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (النساء: من الآية92) .

ويبرز أثر الوفاء بالعهد والميثاق في هذه الآية عندما نلحظ أن دية المسلم المقيم عند الكفار غير المعاهدين أقل من دية الكافر المقيم عند قوم معاهدين.

وفي سورة الأنفال يعطي أمانًا صريحًا لمن لهم ميثاق حقنًا لدمائهم وصيانة لأهلهم وأموالهم، فالذين آمنوا ولم يهاجروا إن استنصروا المؤمنين في الدين فتجب نصرتهم وحمايتهم إلاّ في حالة واحدة، إذا كان هذا الاستنصار موجهًا ضد من للدولة المسلمة معهم عهد وميثاق، فهنا لا نصرة ولا مساعدة، وحق أولئك المعاهدين أولى من حق هؤلاء المؤمنين:

(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال: من الآية72) .

وفي سورة التوبة يأمرنا سبحانه وتعالى بالاستقامة على العهد ما استقاموا على عهدهم (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: من الآية7) .

وهذا يعطي المعاهدين ضمانة قوية وأمانًا راسخًا لا يشوبه خوف غدر أو نقض عهد من قبل المسلمين.

ومما سبق نلمس هذا الأثر العظيم على حياة من يرتبط مع المسلمين بعهد أو ميثاق، فإنه يدرك أي أمن يعيش فيه، وأي حياة مستقرة يحياها، فلا خوف على نفسه أو أهله أو مجتمعه من الدولة المسلمة، ولقد اعترف كثير من غير المسلمين بأنهم يأمنون المسلمين أكثر مما يأمنون أهل دينهم وبني جلدتهم، ولذلك فقد سجل التاريخ بصفحات بيضاء أمثلة رائعة لهذا الأمر  ([524]) حتى أتى الكفار إلى المسلمين يطلبون منهم العهد والميثاق، لما لمسوه من أثر إيجابي يتخلى في سلوك المسلمين وأخلاقهم.

 

الحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم

بعد أن أمر سبحانه في سورة النحل بالوفاء بالعهد ونهى عن نقض الإيمان بعد توكيدها، وحث على الصبر على ذلك. ثم أكد على العهود مرة أخرى  ([525]) بيّن عاقبة الصابرين وما أعده لهم من جزاء حسن، ثم جاء بأسلوب بديع يشير إلى - جزاء من عمل صالحًا - والوفاء بالعهد من العمل الصالح  ([526]) حيث وعده بالحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة.

(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:96،97) .

وفي سورة الأحزاب يعد الله الموفين بعهدهم بجزاء عظيم يجمله سبحانه ولا يفصله - زيادة في التشويق وبيانًا لعظم الأجر: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) (الأحزاب: 23،24) .

وفي سورة الفتح يعد المولى جلّ وعلا بالأجر العظيم لمن وفّى بعهده (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح: من الآية10) .

وهكذا نلمس هذه الآثار الجليلة العظيمة جزاء للوفاء بالعهد والميثاق، فالحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم كلها تنتظر هؤلاء الأوفياء الصادقين، وأي أثر أعظم من أن يجمع للإنسان بين سعادة الدنيا والآخرة.

6- تكفير السيئات وإدخال الجنات:

من الآثار التي وردت في أكثر من آية جزاء لمن وفّى بعهده والتزم بميثاقه الوعد بدخول الجنة وتكفير السيئات، نجد هذا في قوله تعالى في سورة البقرة: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (البقرة: من الآية40) قال ابن جرير: وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة  ([527]).

وفي سورة المائدة ذكر الله سبحانه أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل، ثم بيّن هذا الميثاق وذكر الجزاء على الوفاء به (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (المائدة: من الآية12) .

وفي سورة الرعد لما ذكر صفات أولي الألباب ذكر منها أنهم يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، ثم بيّن عاقبة هؤلاء فقال: (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:22-24) .

وبعد أن ذكر صفات المؤمنين في سورة (المؤمنون) ومنها أنهم: (لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون: من الآية8) ذكر مآلهم فقال: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون:10،11) .

ومثل ذلك في سورة المعارج حيث قال مبينًا جزاءهم: (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (المعارج:35) .

وهكذا يبرز هذا الأثر، ويعرض بصور متعددة مشوقة، تدعو المؤمن وتحثه على السعي جادًا للظفر بهذا الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، ويكون أمام عينيه وهو يعضّ بنواجذه على ميثاقه، ويحث الخطى موفيًا بعهده ليفي له الله بوعده، ولينال عقبى الدار، وارثًا للفردوس ومكرمًا في جنات النعيم.

وبعد:

فللوفاء بالعهد والميثاق آثار أخرى سوى ما سبق، وردت في عدة آيات من كتاب الله، كوصفهم بأنهم أصحاب العقول السليمة: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:19،20) .

ووصفهم بالصدق في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) (البقرة: من الآية177) .

بعد ذكر الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، وأن عملهم من البر فهم أبرار.

ومما سبق تتضح لنا أهمية الوفاء بالعهد والميثاق، وما يترتب على الوفاء من آثار كبيرة في الدنيا والآخرة.

وأشير هنا إلى أن تلك الآثار يستلزم بعضها بعضًا، سوى ما يتعلق بالكفار، أما ما عدى ذلك فإنها مترابطة متكاملة فالذين يوفون بعهودهم ومواثيقهم يشهد لهم الإيمان - إن كانوا ممن دخل في الإسلام -، وهم من المتقين الصادقين، ويحبهم الله فيكفر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة، وقبل ذلك يحيون حياة طيبة هانئة في الحياة الدنيا، حياة يعمرها الإيمان والتقوى، ولهم في الآخرة حسن المآب.

ولا يقدر أهمية تلك الآثار إلاّ أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق.

 

ثالثًا: آثار نقض العهد والميثاق

كما أن الوفاء بالعهد والميثاق له آثاره الكبيرة، فإن نقض العهد والميثاق يترك آثارًا كبرى تؤدي بصاحبها إلى الخسران والبوار.

وإذا كانت الآثار الإيجابية حافزة وداعية المسلم للالتزام والوفاء، فإن الآثار السلبية أشدّ إنذارًا وتحذيرًا وتخويفًا، والعقوبة أكثر تأثيرًا في النفس البشرية من الإغراء وحسن الجزاء.

ومن هنا ندرك بعض الحكمة في أن الآيات التي جاءت لبيان الآثار السلبية أكثر من الآيات التي وردت مبينة الآثار الإيجابية للوفاء بالعهد والميثاق.

ولقد تتبعت آيات العهد والميثاق آية آية، ووقفت على تلك الآثار التي رتبها الله سبحانه وتعالى على الإخلال بالعهد وجعلها جزاء لمن نقض الميثاق.

وهذه الآثار منها ما يكون في الدنيا، وأعظمها ما سيكون في الآخرة. وقمت بحصر تلك الآثار، وأدخلت بعضها ببعض حسب تشابهها، وسأذكر كل أثر بأدلته ملتزمًا الإيجاز والاقتصار على ما نص عليه في القرآن الكريم، حسب المنهج الذي سلكته في الآثار الإيجابية.

1- الكفر ونفي الإيمان:

قرن الله سبحانه وتعالى بين الكفر ونقض العهد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ولا شك بكفر من نقض عهده مع الله وأخلّ بميثاقه الذي أخذه عليه في ظهر آدم وعلى ألسنة أنبيائه ورسله، ومن هنا جاء نفي الإيمان عن الناقضين لعهودهم، زجرًا لهم وتهديدًا وإنذارًا.

ففي سورة البقرة يخاطب الله تعالى بني إسرائيل مذكرًا لهم بالميثاق الذي أخذه عليهم ومبينًا الحال التي آلوا إليها: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:93)

وفي السورة نفسها ينفي الإيمان عن النابذين لعهودهم: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)([528]).

وفي سورة النساء يعرض القضية بأسلوب آخر تحمل المعنى نفسه: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:155) ([529])(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً) (النساء:156) .

وتأتي الآيات في سورة التوبة قوية شديدة على أولئك الكفار، آمرة المؤمنين بأمر حاسم لا تردد فيه:

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (التوبة:12) .

وتستمر الآيات مبينة كفر من كذّب بعهد الله وميثاقه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً) (الأحزاب:7، 8) .

وبأسلوب الاستفهام تأتي آية سورة الحديد: (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8) .

وهكذا تبدو معالم نقض العهد والميثاق مخيفة، وآثاره مدمرة، فأي حياة بلا إيمان، وما قيمة الإنسان وقد خرج عن الهدف الذي خلق من أجله، (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان: من الآية44) .

2- الفسق:

الفسق هو الخروج عن طاعة الله ويطلق ويراد به ما دون الكفر كما في قوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام: من الآية121) .

ويأتي بمعنى الكفر كما في قوله تعالى: (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: من الآية110) وقوله: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً) (السجدة: من الآية18) ([530]).

والآيات التي جاءت مبينة فسق من نقض العهد والميثاق وردت بمعنى الكفر، وذلك تأكيد لما سبق من بيان كفر من تخلى عن العهد والميثاق  ([531]) ففي أول آية جاء فيها لفظ العهد والميثاق حكم الله على الناقضين بالفسق فقال: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (البقرة: من الآيتين 26،27) الآية.

وأكد هذا المعنى في سورة آل عمران عندما ذكر ما أخذه على النبيين من عهد وميثاق، حيث طلب من الأُمم الإقرار والتصديق ثم قال: (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:82) .

وفي سورة الأعراف: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (الأعـراف:102) .

وبهذا تؤكد لنا هذه الآيات شناعة فعل الناقضين لعهودهم، وسوء جريرتهم، لخروجهم عن أمر الله وميثاقه.

3- الخسران: 

 الخسران عاقبة من نكث بعهده ونقض ميثاقه، تقرر هذا آية البقرة التي سبق ذكرها، وهي أول آية في القرآن  ([532]) يرد فيها العهد والميثاق: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27) والخسران هنا بمعنى الكفر  ([533]) يبين ذلك قوله بعدها مباشرة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) (البقرة: من الآية28) الآية.

وفي آية أخرى وفي السورة نفسها يأتي ما يؤكد أن الخسران مآل من تولّى عن أخذ الميثاق كما أمر به الله، ولكن بأسلوب يهز النفس ويوقضها من سباتها، مبينًا نعمة الله على بعض عباده حيث رحمهم من أن يكونوا من الخاسرين (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (البقرة:63، 64).

والخسران أثر رهيب، إذا تأمله المسلم ازداد خوفًا ووجلا، فإذا كانت خسارة الدنيا يفرّ منها الإنسان فرقًا ورهبًا، وتترك آثارها على حياته ومستقبله، فكيف بخسران الدنيا والآخرة؟ (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(الزمر: من الآية15).

 

 

4- اللعن وقسوة القلوب والطبع عليها:

 لما نقض بنوا إسرائيل عهودهم كانت العاقبة شديدة والأثر أليم، فقد لعنهم الله وجعل قلوبهم قاسية، وتبعًا لذلك ضلّوا وانحرفوا عن سواء السبيل (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (المائدة: من الآية13) .

وفي سورة النساء يبين سبحانه أنه طبع على قلوبهم جزاء لهم على كفرهم ونقضهم الميثاق (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) (النساء: من الآية155) ([534]).

وفي آية أخرى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) (الرعد: من الآية25) .

وهذه الآيات بيان من الله للمصير الذي ينتظر الناكثين لعهودهم الناقضين لمواثيقهم، وهو إنذار وتحذير للمؤمنين بل وللناس أجمعين.

 

5- الإغراء بالعداوة والبغضاء:

 أخذ الله الميثاق على النصارى كما أخذه على اليهود، ولكنهم سلكوا مسلكهم وأخذوا طريقهم، فنقضوا الميثاق والعهود وبدّلوا في دينهم، وضيّعوا أمر الله، فأورثهم الله العداوة والبغضاء، واستحكمت فيهم الخلافات والأهواء فاختلفوا في نبيهم، وحرّفوا كتابهم، بل وضلوا في ربهم - سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا -.

ومما يزيد هذا الأثر هولا، أنها ليست عقوبة مؤقتة بل هي باقية ما بقوا إلى يوم القيامة، وهذا ما نراه ونلمسه قديمًا وحديثًا مصداقًا لقول الله ووعيده: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة:14) .

6- تحريم الطيبات:

 من الآثار التي جناها بنو إسرائيل عقوبة لهم على نقضهم الميثاق، تحريم الطيبات التي أحلت لهم: يقول ابن جرير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) (النساء:160) .

يعني بذلك جلّ ثناؤه: فحرمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم، وكفروا بآيات الله وقتلوا أنبياءه وقالوا البهتان على مريم، وفعلوا ما وصفهم الله في كتابه (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ) (النساء: من الآية160) طيبات من المآكل وغيرها كانت لهم حلالا عقوبة لهم ([535]).

وهكذا تبدو لنا المعاصي وخيمة في العاجل قبل الآجل والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

 

7- القتل والتشريد:

 من الآثار الدنيوية العاجلة التي تحلّ بالخائنين، الناقضين للعهود والمواثيق، أمر الله لنبيه r إن لقي هؤلاء الخائنين وتمكن منهم، أن يعاقبهم عقوبة يؤدب بها من خلفهم، عقوبة قاسية تتعدى آثارها هؤلاء المجرمين إلى ما يقف خلفهم وبتربص بالنبي r وصحبه الدوائر، يكون من آثارها تشريد أولئك المتربصين وتفريق كلمتهم وتشتيت شملهم، (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأنفال:56، 57) ([536]) .

وهذا ما فعله رسول الله r عندما ظفر ببني قريظة، تنفيذًا لأمر الله من فوق سبع سماوات  ([537]) وأي عقوبة - دنيوية - أشد من هذه العقوبة، إن أخذه أليم شديد.

 

8- الضلال في سواء السبيل:

 من أشد الأشياء على نفس الإنسان وآلمها أن يتيه عن الطريق إذا كان مسافرًا، هناك ينتابه القلق، ويحاول البحث عن السبيل بكل وسيلة ممكنة، إذا كان ذلك كذلك فكيف بمن يضل عن طريق الله وينحرف عن الصراط المستقيم؟ إنه أشدّ قلقًا وحيرة واضطرابًا، وهذه النهاية المحزنة تنتظر كل من رفض الالتزام بعهد الله وميثاقه، وهذا ما حلّ ببني إسرائيل لما كفروا بالله وخانوا مواثيقه: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ) (المائدة: من الآية12) ثم قال في آخر الآية بعد تفصيل الميثاق: (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة: من الآية12).

 

 

 

  9- الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة:

 لما ذكر الله تعالى المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل ذكر خيانتهم وغدرهم ونكثهم للعهود والمواثيق، ثم هددهم قائلا: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ )(البقرة: من الآية85) .

وتأتي الآية التي بعدها مباشرة مؤكدة هذه النهاية المفجعة التي تنتظر هؤلاء الغادرين المتلاعبين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:86) .

وفي سورة المائدة يأتي الوعيد بأسلوب آخر، فبعد أن ذكر نقض النصارى للميثاق بيّن عاقبة هذا الأمر فقال: (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة: من الآية14) .

وهذا أسلوب فيه تهديد شديد، وتخويف لكل من تسول له نفسه التهاون بأمر الله ونهيه.

ويبين سبحانه في سورة الأحزاب ما أعده للكافرين الذين لم يصدقوا مع الله فيما أخذه على النبيين من عهد وميثاق، إنه النـزل الذي يليق بمكانتهم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً) (الأحزاب:7، 8) .

10- الموقف المخزي يوم القيامة:

من أشدّ الآثار إيلامًا، وأقواها تأثيرًا في النفس، ما ذكره سبحانه عن حال الذين يشرون بعهد الله وإيمانهم ثمنًا بخسًا زهيدَا في الدنيا، حالتهم يوم القيامة شر حالة، ومآلهم شر مآل، ومصيرهم أسوء مصير، فلا خلاق لهم ولا حجة ولا نصيب ولا قوام  ([538])وأشد من ذلك أن الله لا يكلمهم كلامًا يسرهم، ولا ينظر إليهم نظر رحمة وعطف، بل ولا يزكيهم ويطهرهم من ذنوبهم وسيئاتهم ([539]) في موقف ينتظر كل إنسان رحمة الله وعفوه ومغفرته، ونهايتهم في العذاب الأليم: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران:77) .

11- السؤال في الآخرة وسوء الدار:

أسلوب القرآن في عرض أهدافه، ومقاصده أسلوب يأخذ بالألباب، فتارة يصرح وأخرى يكنّي، ومرة يبين ويفصل وحينًا يجمل ويعمّم، وهكذا نجد أن الله لما ذكر الناقضين لعهدهم الذي أعطوه بأن لا يولوا من المعركة، ذكر عاقبة هذا التصرف بأنه لن يمّر دون سؤال، وهذا الأسلوب أبلغ في هذا المقام من أسلوب التصريح بماهية العقاب وكنهه، إن مقام السؤال أمام الله جل وعلا مقام عظيم ورهيب، وكيف ستكون حال الإنسان الضعيف وهو يقف أمام الباري U ليسأله عن جريرة اقترفها وذنب عمله: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً) (الأحزاب:15) .

وتصور هذا الموقف كاف للزجر والتهديد. والمصير السيئ ينتظر الناقضين لعهد الله، والنهاية المهلكة مآلهم ومستقرهم، والدار دار سوء لا دار سعادة وفلاح، ولقد حقت عليهم لعنة الله ومقته (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25) .

12- آثار أخرى: 

 ذكرت فيما سبق أبرز الآثار وأعظمها، وهناك آثار أخرى ذكرها القرآن وصفًا للناقضين لعهودهم، الخائنين لمواثيقهم، رأيت أن أجملها في فقرة واحدة، لاشتراكها في كونها أوصافًا يكتسبها أولئك كأثر من آثار غدرهم وخيانتهم.

فبنوا إسرائيل لما أخذ الله عليهم الميثاق ألا يعتدوا في السبت خانوا وغدروا فكيف كانت عاقبتهم؟ لقد جعلهم الله قردة خاسئين، جزاء لسوء فعلتهم وخسة طباعهم: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة:65) وفي الأعراف: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف:166) .

ونفى العقل عن الذين يأخذون كل ما عرض لهم حلالا كان أو حرامًا، مخالفين بذلك ميثاق الكتاب الذي أخذ عليهم، وجاء نفي العقل بصيغة الاستفهام: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأعراف: من الآية169) .

ومن الصفات التي وصفهم الله بها، أنهم شرّ الدواب، ولقد اكتسبوا تلك الصفة جزاء أفعالهم القبيحة، والجزاء من جنس العمل، والفعل دليل على الفاعل: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55،56) .

وتستمر الآيات في الكشف عن صفات هؤلاء، وتكشف ما خفي من طويتهم وحالهم، فلقد دخلوا في زمن الخائنين: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال:58) .

وختام تلك الصفات وأعظمها وصفهم بالنفاق، والكذب، والكذب مطية النفاق: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) (التوبة:75-77) .

وإذا تأملنا هذه الصفات مجتمعة أو متفرقة شعرنا بخطورة الأمر ومآله، وأدركنا أن نقض العهد كان سببًا مباشرًا لما وصفوا به، فوصفهم بالنفاق جاء أثرًا واضحًا لاختلاف الوعد: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ) (التوبة: من الآية77) ووصفهم بشّر الدواب والخيانة والكذب جاء ثمرة لفعلهم وسوء صنيعهم، وقبل ذلك لما نكث بنوا إسرائيل وغدروا جعلهم الله قردة خاسئين.

13- الجناية على النفس:

 أنسب أثر أختم به هذه الآثار التي تنتظر الناقضين لعهودهم، المتلاعبين بمواثيقهم، ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الفتح: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (الفتح: من الآية10) فالناقض لعهده يجني على نفسه ويوبقها، وهذه الأثار هو سببها، وهو حطبها ووقودها.

وإذا تأمل الإنسان هذه النهاية لنفسه، والمصير الذي سيؤل إليه، والثمن الباهظ الذي سيطلب منه، وتذكر أنه لم يظلم بشيء من هذا، ولم يحمل وزر غيره، أدرك خطورة الأمر وفداحة الخطب، وأن الأمر جدّ لا لعب فيه ولا عبث، وأنه لا منجاة له إلا بالوفاء بعهد الله وميثاقه، وأن يعض على ذلك بالنواجذ، ليجنب نفسه وأمته الهلاك والبوار وسوء الدار.

 

وأخيرًا:

ففي ختام مبحث آثار نقض العهد والميثاق أشير إلى أن المتأمل لواقع البشرية الآن يدرك المآسي التي تعيش فيها، فهي تنتقل من محنة إلى محنة، ومن نكبة إلى نكبة، دول تعيش في حروب وأخرى في قلاقل وثالثة تعصف بها الفتن ورابعة وخامسة، مع أننا نجد في مطلع كل يوم معاهدات توقع وعهود تكتب، ونجد أن المنظمات الدولية في ازدياد وتوسع، فهناك الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وقبلها عصبة الأمم، وبعدهما عدم الانحياز وجامعة الدول العربية، وأخيرًا المؤتمر الإسلامي، وبين هذه وتلك المنظمة الأفريقية وغيرها. ولم تستطع أي من هذه المنظمات أن توقف حربًا، أو أن تنفّذ عهدًا أو تحترم ميثاقًا.

وتذكرت كيف كانت تعيش الدولة الإسلامية الأولى وما تلاها من دول إسلامية حقّة، وكيف نعمت وجاراتها باستقرار تحسد عليه، وأدركت أن العهود والمواثيق التي كانت قائمة يومئذ كانت تحترم وتنفذ، فجنى الناس آثارها. أما اليوم فقد سادت شريعة الغاب ودول الذئاب، القوي يأكل الضعيف، لا عهد ولا ميثاق ولا قانون.

ولن يعود للبشرية أمنها واستقرارها إلا بعودتها إلى دين ربها وتحكيم شرع الله ونهجه في الحياة، وهناك يأمن المؤمن والكافر وتحترم العهود والمواثيق، وإلا فمزيدًا من الدمار والهلاك والبوار، سنة الله ولن تجد لسُنة الله تبديلا.

 

 

سادساً: خاتمة

الحمد لله ابتداء وانتهاء، وله الشكر على تيسييره وإعانته وتوفيقه، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه جل وعلا. وأصليّ وأسلم على خير خلقه، الرحمة المهداة، والنعمة المجتباة، به أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، وعلى آله وأصحابه، خير القرون وسادة الأمم.

وبعد:

ففي نهاية هذا البحث، وخير ختام لفصوله ومباحثه، أذكر أهمّ ما توصلت إليه من نتائج، مع الإيجاز غير المخلّ، فأقول مستعينًا بالله ومتوكلا عليه:

1- اتضح لي أهمية دراسة بعض القضايا القرآنية دراسة موضوعية، حيث تكشف لنا مثل تلك الدراسة عن جوانب مهمة، يصعب الوصول إليها عن طريق الدراسة التحليلية، وبخاصة إذا كانت هذه القضية من القضايا المستجدة والمرتبطة بواقع العصر كموضوع العهد والميثاق.

2- علمنا أن كلمة العهد تطلق على عدة معاني، وما اشتق من مادة (وثق) يستعمل لأكثر من معنى، ولكن الغالب على استعمالهما ما اتفقا فيه، وهو اليمين والموثق والعهد المحكم، وتعلق الذمة بشيء أو تعلقه بها، فإذا أطلق أي منهما لم يكد ينصرف إلاّ إلى ذلك، أمّا المعاني الأخرى فلا يفسران بها إلاّ بقرينة تدل عليها.

3- ورد العهد والميثاق في القرآن الكريم في آيات كثيرة وبسور متعددة، وأكثر استعمالها في القرآن الكريم جاء بالمعنى الذي سبقت الإشارة إليه، وما سوى ذلك ورد في آيات قليلة  ([540]) ومن هنا تدرك الأهمية العظمى لذلك المدلول، والأثر العظيم للالتزام به وخطورة نقضه والتفريط فيه، وكثرة ورودها في مواضع في القرآن الكريم، دليل على تلك الأهمية وذلك الأثر.

4- عرضت قضية العهد والميثاق في القرآن الكريم بعدة أساليب، كلها تشدّ النفس وتوقض الحس وتحيي القلوب الميتة.

فأكثر الآيات عرضت بأسلوب خبري في الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، نجد الإجمال والبيان، والإيجاز والتفصيل والإطناب، وهناك آيات جاءت بالأسلوب الطلبي فهذا أمر وذاك نهي، ومرة بصيغة الاستفهام الإنكاري، وأخرى بأسلوب الاستفهام التوبيخي.

ويقف الداعية أمام هذا الأسلوب ليتعلم أن عرض القضية جزء من ذاتها، ويحس بأننا بأمس الحاجة إلى الداعية الذي يحسن عرض دعوته، فكم من داع خانه الأسلوب فنفر منه الناس.

والأمر ليس مجرد كمّ متراكم من النصوص يلقيها المعلم كيفما اتفق، بل إن البحث عن مداخل النفوس، وتحري منعطفاتها ومشاعرها مهمة سامية نتعلمها من القرآن الكريم في أسلوبه الرائع في عرض قضية العهد والميثاق، وليس المراد إقامة الحجة والبرهان فحسب، بل قبل ذلك الهداية هدف جليل وغاية مبتغاة يسعى إليها الدعاة والمصلحون.

5- كما ورد العهد والميثاق في القرآن الكريم فقد ورد في السنة المطهرة، حيث وردت أحاديث صحيحة فيها لفظ العهد وأخرى فيها لفظ الميثاق، وهذا يعطينا دلالة أكيدة على أهمية العهد والميثاق ومدى العناية بهما، حيث كثر ورودهما في الكتاب والسنة، ولم يكن ذلك عبثًا أو حشوًا واستطرادًا وحاشاهما من ذلك، ولكن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى  ([541]).

6- من التحقيق في معنى الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم تبين أن الله أخرج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم، مشهدا بعضهم على بعض، ومشهدًا الإنسان على نفسه، أي أخذ بإقراره، فقال لهم سبحانه وتعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (الأعراف: من الآية172) فأجابوا: (بَلَى) (الأعراف: من الآية172) وهذا قول جمهور العلماء والمفسرين كما سبق بيانه ولا يلتفت إلى قول مخالفيهم كالمعتزلة ونحوهم.

واتضح لنا أن هذا الميثاق ليس كافيًا لإقامة الحجة على الخلق، بل إن الحجة تقوم بإرسال الرسل وإنـزال الكتب: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165). (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15).

ولا تناقض بين الفطرة والميثاق، فلكل منهما دلالته ومعناه. ويشعر المسلم بوجوب الوفاء بهذا الميثاق الذي أخذه الله عليه في صلب أبيه آدم، حيث تأكد ذلك وتحقق برسالة نبينا محمد r - فلم يعد هناك عذر لمعتذر، أو حجة لجاحد أو غادر.

7- أخذ الله العهد والميثاق على النبيين، والذي نفوا ذلك وقالوا إن الميثاق أخذ على أمم النبيين لا على النبيين أنفسهم، أوّلوا الآية وجانبوا الصواب.

وهذا الميثاق هو أن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضًا، وينصره، ويأخذوا ذلك على أممهم، وقد أقررهم الله بذلك فأقروا به، وأعطوا العهد عليه، وأشهدهم على ذلك فشهدوا. وهذا الميثاق أخص مما أخذ عليهم في ظهر آدم مع الذرية.

8- وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أخذ العهد على بني إسرائيل، بعضها مجمل وبعضها مفصل، حيث أخذ الله عليهم العهد بأن يؤمنوا بما في التوراة جملة، ويعملوا بما فيها تفصيلا، كما أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا بالرسول r إذا بعث، وأن يتبعوه، وأن يبيّنوا أمره للناس.

هذا هو الميثاق العام، ثم أخذت عدة مواثيق خاصة تؤكد هذا الميثاق وتبينه، وبعضها يخص قوما من بني إسرائيل دون آخرين.

ويقف المسلم مندهشًا حائرًا أمام هذا الجنس من البشر، قوم كذبوا الرسل وقتلوا الأنبياء، لا عهد لهم ولا ميثاق، آذوا موسى وهو منقذهم من فرعون وقومه، وأعطاهم الله أعظم الآيات فكفروا، ووهبهم أعظم النعم فجحدوا، وتوارثوا الغدر والمكر والخيانة منذ موسى - عليه السلام - إلى يومنا الحاضر، وآيات العهد والميثاق لنا فيها أعظم العبر والدروس، حيث تكشف لنا عن طوية هؤلاء وسوء أخلاقهم، وأنهم لا أمان لهم ولا وفاء.

ومن العجب أننا نجد من بني قومنا وممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون إلى ديننا، نجد من يسعى جادًا إلى إقامة المعاهدات مع بني إسرائيل، وكتابة المواثيق معهم، وكأنه لا يقرأ كتاب الله، ولم يعرف التاريخ، ولا يتعظ بتجارب البشر، إنني وأنا أسمع وأرى هذا السباق المحموم بين بني يعرب للتقرب من يهود وإقامة العلاقات معهم، ظنًا أنهم سيأمنون شرّهم، ويكونون في وقاية من غدرهم، أتساءل هل هؤلاء سيكونون أكرم عند اليهود من موسى - عليه السلام -؟ لا، وألف كلا، موسى نبيهم ورسولهم ومنقذهم ومن بني جلدتهم، ولم يدخر وسعًا لهدايتهم وجلب الخير لهم، ومع ذلك فعلوا به الأفاعيل، وأنبياؤهم من بعد موسى ماذا فعلوا بهم؟، فريقًا كذّبوا وفريقًا يقتلون، إذا كان هذا شأنهم مع أنبيائهم كيف سيفعلون بأعدائهم؟.

وسنن الله لا تتخلف، ولكن أين المؤمنون وأين المعتبرون (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر: من الآية2) وهذا درس عظيم من دروس العهد والميثاق، يجدر بنا أن نفيد منه أيّما إفادة قبل فوات الأوان، وحلول الذل والهوان.

9- بايع رسول الله r - صحابته في عدة مناسبات وهذه هي العهود والمواثيق التي ذكرها الله في أكثر من آية، حيث خصّ بعضها بالذكر كبيعة الرضوان وعمّ أخر خسائر المبايعات.

وقد بايع رسول الله r - صاحبته - وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على الإسلام، وبايع النساء بيعة خاصة.

كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وآخرون على السمع والطاعة. وبايع بعضهم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

هذه هي أهمّ المبايعات والعهود التي أخذها r على صحابته، بعضها عام، وبعضها خاص. ومما يجدر التنبيه إليه هنا ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب مادحًا أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنيًا عليهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23) .

نعم لقد وفّى صحابة رسول الله r بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة والغدر من سماتهم وأبرز سجاياهم وطباعهم.

لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله r أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته فينـزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله، لأنه بايع رسول الله r على ألاّ يسأل الناس شيئًا أعطوه أو منعوه  ([542]).

هذه هي الطاعة وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل إلى مدارج الرقي وسموّ الأخلاق، لقد كان جيلا قرآنيًا فذًا، لم تعرف البشرية جيلا كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: من الآية90) (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: من الآية18) .

10- عقد رسول الله r - عدة عهود مع اليهود، أبرزها عندما قدم المدينة، ومن آخرها ما كان في خيبر. ولكن اليهود هم اليهود، لا يستقيم لهم عهد، ولا يبقى معهم ميثاق، وكما غدروا بنبيهم موسى - عليه السلام - فقد خانوا رسول الله r فلم يعرف على مدار التاريخ أن اليهود وفوا أو حافظوا على ميثاق وبخاصة إذا واتتهم الفرصة للنّقض فلا يدعونها تمر أبدًا، وما يعرف من يسير وفائهم ([543]) فسببه ضعفهم وعجزهم وقوة خصمهم، وحيث لم تسنح لهم فرصة للغدر والخيانة. وأكرر وأؤكد في هذه الدراسة أننا بأمس الحاجة إلى معرفة طبائع اليهود وسوء طويتهم، فهذا دين لا نعذر بجهله أو التفريط فيه، لما يترتب على الجهل من مفاسد عظيمة، وخسائر جسيمة، في الدين والعرض والمال.

 

11- تبين لنا أن رسول الله r ـ أبرم عدة عهود مع المشركين، كان أبرزها وأهمها ما تم بين المسلمين وبين قريش في غزوة الحديبية، كما أنه عقد عدة معاهدات مع غيرهم كخزاعة ومدلج وقبائل بني بكر، وهذه العهود هي التي أشار إليها القرآن في سورة التوبة، كما أشار إليها في سورة النساء، مما سبق بيانه.

وقد اتضح أن بعض المشركين وفّى بعهده وميثاقه وبعضهم خان الله ورسوله فلقي جزاءه.

12- كتب رسول الله r عدة كتب لبعض قبائل المسلمين، وقبائل أخرى من العرب غير المسلمين، كما كتب لبعض اليهود وبعض النصارى، وقد تضمنت هذه الكتب بعض العهود والمواثيق بين الرسول r - وأولئك، مما يعطي دلالة على استقرار الدولة المسلمة وقوتها، حتى إن القبائل أصبحت تخطب ودّها والأمان منها، بل والحماية ضد أعدائها، وهذا أثر فعال للعهود والمواثيق، إذا سادت بين الدول والمجتمعات - وتم الوفاء بها - حلّ الوئام والسلام، بدل الحرب والخصام.

13- أشرت إلى أنه لم يكن للمنافقين عهود خاصة، وإنما كانوا يعطون العهود مع المسلمين كأفراد منهم - ظاهرًا - وما أشار إليه القرآن من نقضهم للعهود حدث منهم بطرق ملتوية وبأساليب متعددة، ولقد ذكر القرآن تلك الأساليب دون التصريح بأسماء من قام بها، مع بيان أنهم من المنافقين.

14- استعمل مصطلح العهد والميثاق في عدة مجالات، ولقد شدّ انتباهي كثرة هذه المجالات وأهميتها، وكيف أن العهد والميثاق جاء ليقرر مبادئ عظيمة، سعدت بها البشرية ماضيًا وحاضرًا، وتسعد بها مستقبلا، وذكرت أن من أبرز تلك المجالات ما يلي:

أ- العقيدة هي أساس وجود الخلق، ولا خير في حياة بدون إيمان، وهل الظلمات إلاّ الكفر والفجور، وما النور إلاّ الإيمان والتقوى. ولهذا جاء العهد والميثاق مقررًا هذه الحقيقة وملزمًا البشرية بتحقيق عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وداعيًا للإيمان به U والعمل بما في كتب الله المنـزلة، حيث تعمل كل أمة بكتابها، فكتب الله يصدق بعضها بعضًا، والمتأخر ناسخ للمتقدم ومصدق به، ولا تعارض في ذلك ولا تضاد.

كما أن الإيمان بالرسل من صميم عقيدة المسلم، فجاء العهد والميثاق في هذا المجال، طالبًا الإيمان بالرسل عمومًا وبالنبي المرسل خصوصًا فبعضهم يؤمن ببعض، فالمتقدم يبشر بالمتأخر والمتأخر يصدق المتقدم، ويعترف به، لا يستقيم الإيمان إلاّ بذاك. والشرائع المنـزلة كلها من عند الله، نؤمن بالمتقدم منها إجمالا، وبالمتأخر تفصيلا.

هكذا جاءت العهود والمواثيق في القرآن الكريم تؤصل هذا الجانب وتؤكده، وتدعو الناس للاهتمام بجانب العقيدة وتحقيقها في عالم الوجود.

ب- أمر المسلم بالعبادة، أصولها وفروعها، وقد أخذ الله الميثاق على الناس بأن يعبدوه، وذلك بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرهما من أنواع العبادات التي شرعها الله، وقد ورد مصطلح العهد والميثاق مبينًا أهمية هذا الجانب ووجوب العناية به، ومحذرًا من التفريط فيه أو الإهمال، فذلك نقض للعهد والميثاق، وعاقبته وخيمة، ومآل صاحبه إلى الخسران والهلاك.

جـ- الأخلاق سرّ من أسرار بقاء الأمم ودوامها، وفقدانها سبب لدمارها وفنائها. والخلق الحسن سمة بارزة في جبين الفرد، يقوده إلى مدارج العزّ والخلود. وهذا المجال واسع رحب له آثاره ومزاياه، لذلك جاءت العهود والمواثيق محتفية بهذا الجانب ومؤكدة عليه، فوردت آيات كثيرة من آيات العهد والميثاق مشتملة على بيان أخذ الله العهود على البشر، ليلتزموا بالأخلاق الفاضلة ويبتعدوا عن أي خلق ذميم، على مستوى الفرد والجماعة.

د- من مآسي العالم في عصرنا الحاضر - وما أكثر مآسينا - عدم احترام العهود والمواثيق التي تبرم بين الدول، فكم من اتفاقية وقعت، وعهود كتبت، لم تزد أن تكون حبرًا على ورق، وهذا سبب القلائل والفتن والحروب. والإسلام يأبى هذه الأخلاق، ودين الله يدعو إلى الوفاء وحسن الجوار.

ومن هنا جاء مصطلح العهد والميثاق في مجال العلاقات الدولية ليرسم للبشرية ما يجب أن تكون عليه سياسة الدول، بعيدًا عن الغدر والخيانة وأخذ الناس الآمنين على حين غرة. وبهذا تسعد البشرية، وتعيش في أمن يسود حياتها، ويتيح لها أن تتقدم في جميع شئون الحياة ومجالاتها، بعيدًا عن الخوف والهلع، وتوقع الغدر والخيانة.

هـ- كما جاءت العهود والمواثيق في مجال العلاقات بين الدول، فد وردت في مجال المعاملات بين البشر، وكما أخذ العهد بوجوب الإيمان بالله، وتصديق رسله، فقد جاء ليرسم للناس أسلوبًا في تعاملهم وحسن تقاضيهم، بعيدًا عن الالتواء والتربص وسوء الطويّة، وهذا من عظمة هذا الدين وسموّ أهدافه وغاياته، واحتفائه بالفروع كاهتمامه بالأصول.

و- في القضايا الاجتماعية وما يكون بين الأسر والأفراد أمور تحتاج إلى عناية ورعاية، ولذلك فقد كان للعهد والميثاق أثر فعال في حسن النظر ومراعاة هذا الجانب المهم في حياة الناس، والتساهل أو التهاون في ما يتعلق بحياة الناس الخاصة وأمور أسرهم يؤدي إلى فساد المجتمعات ومن ثمّ دمار الدول، ولذلك فقد جاءت آيات كثيرة تبّين للناس النمط السوي في محيط القضايا الاجتماعية والحياة الأسرية، محذرة من أي خلل أو تصدع في هذا الكيان، مؤكدة ذلك بالعهود والمواثيق صيانة وحماية للأمة أفرادًا وجماعات.

ما أروع هذا الدين وما أشمله وأكمله، كم يحسّ المسلم بسعادة وهناء وهو يرى مدى اهتمام الإسلام بأخص شئونه وأدقها، بل ويؤخذ عليه العهد والميثاق ضمانة لاستمرار سعادته، وحماية له من الشقاء والعناء.

ز- لا حياة للأمة بدون الجهاد في سبيل الله، وأي أمة تدع الجهاد أمه تعيش الذل بأبشع صوره، الجهاد يحمي الدين والنفس والعرض والنسل، والمال، يحمي البلاد والعباد.

الأمة المجاهدة لها العزة والرفعة والمنعة ولهذا فقد جاء العهد والميثاق في مجال الجهاد في سبيل الله ليرتفع بالبشرية عن مهاوي الردى ونوازع الهوى، ناعيًا عليها التثاقل في الأرض أو الركون إلى شهواتها وملذاتها، وليطلب الموت من أراد أن توهب له الحياة، ومن وفّى ببيعه وفّي الله له عهده (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: من الآية111) .

15- لا خلاف ولا نـزاع في وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وآيات الكتاب وأحاديث المصطفى r صريحة بذلك، كما هي صريحة بحرمة نقض الميثاق أو الإخلال بالعهد، وتوعّد الله بأقسى العقوبات للناقضين عهودهم ومواثيقهم، وصريح المعقول يوافق صحيح المنقول على وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق.

16- الوفاء بالعهد والالتزام بالميثاق صفات كرام الرجال وخيارهم، والآثار الحسنة التي تعود على الموفين بعهودهم ومواثيقهم لا تعدّ ولا تحصى، منها الآثار التي يجنونها في الدنيا، وأعظم منها ما يحصل لهم في الآخرة، وإذا عظم المطلب فالجزاء أعظم.

إن من أعظم الآثار نعمة الإيمان، ولا يعرف قدر الإسلام إلا من عرف الكفر ومآسيه  ([544]).

والتقوى ومحبة الله للمتقين جزاء من ربك عطاء حسابًا للملتزمين بعهودهم المحافظين عليها. الأمن في الأوطان مطلب عزّ مناله، لكنه حاصل لمن عرفوا قدر المواثيق وراعوا حقها، فلهم الأمن والحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم، وفي الآخرة يكفر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنات، ما أعظم هذه الآثار وأزكارها، وما أجدر بالبشرية الحائرة أن تنشد السعادة من معينها فقد طال شقاؤها.

في الإسلام تجد الطمأنينة وفي ظلال الإيمان تعيش الحياة الوارفة، تصون دماءها وتحمي ذمارها، هذا في الدنيا، أمّا في الآخرة فرب كريم، ونـزل عظيم، وحياة أبدية في جنات النعيم.

17- آثار نقض العهد والميثاق مدمرة ومفجعة، بعضها عاجل وبعضها آجل، شيء منها يحلّ بالفرد وآخر يلحق بالأمة، جزاء وفاقًا. الكفر صفة للناقضين عهودهم، والفسق ديدنهم، والخسران نهايتهم، واللعن في انتظارهم، قلوبهم قاسية قد طبع الله عليها، فأغروا بالعداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.

حرمت عليهم الطيبات في الدنيا، والنار مصيرهم في الآخرة. القتل والتشريد جزاؤهم لقاء غدرهم وخيانتهم وضلالهم عن سواء السبيل. يعيشون في الدنيا بخزي أبدي، وفي الآخرة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. هم شرّ الدواب وشرار الخليقة، ولذا فبعض الناقضين عجلت عقوبتهم فأصبحوا قردة وخنازير لغدرهم وخيانتهم. والناقض عهده يجني على نفسه وأمته ويرديها.

إن أثرًا واحدًا مما مضى كافيًا للزجر والتهديد، فكيف بهذه الآثار مجتمعة أو بعضها مما ينتظر الناقضين لعهودهم. إن البشرية اليوم بأمس الحاجة إلى الاستقرار والسعادة بعد طول شقاء وعناء. والمنقذ لها من ذلك كله هو التمسك بحبل الله والوفاء بعهده والالتزام بميثاقه، وأن يكون الإسلام هو المهيمن على شئون الحياة دولا وأفرادًا.

وبعد:

فقد عشت فترة طويلة وقصيرة مع هذا الموضوع، طويلة في حساب الأيام والشهور، وقصيرة مع كتاب الله فلو قضى المسلم عمره مع القرآن الكريم فلا يعدو أن يكون لحظة في عمر الزمن.

ازداد إيماني - ولم يكن ضعيفًا والحمد لله - بأن هذا القرآن هو المنقذ للبشرية من واقعها المرير، فيه النور والبرهان، فيه المخرج لأزماتها، والحلول لمشكلاتها، لا الشرق ينقذنا، ولا الغرب ينفعنا، وإنما كتاب الله هادينا وقائدنا.

أدركت من خلال هذا البحث كم في القرآن الكريم من كنوز مجهولة، ودرر مغمورة بالنسبة لكثير من المسلمين، ولذلك تخبّطوا في حياتهم في الظلمات والنور بين أيديهم، يبحثون عن الهدى والهدي في حوزتهم، إن هذا القرآن منهج للبشر، كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد.

شدّ انتباهي وأنا أعيش بين آيات العهد الميثاق معايشة هذا القرآن العظيم لحياة الناس لحظة بلحظة وساعة بساعة، موجهًا ومنقذًا، ومبشرًا ومعاتبًا ومعاقبًا، يحيط بالناس بعنايته، ويحنو عليهم برعايته، هذا يَعِدُهُ وذاك يتوعّده، وآخر يعلمه ويربيه. إنها دعوة صادقة مخلصة أوجهها لأمتي عمومًا وللعلماء خصوصًا بأن نعود إلى كتاب ربنا ومنهج حياتنا، نتفيء في ظلاله وتسعد البشرية الحائرة، فقد طال بلاؤها وزادت تعاستها، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ختامًا:

لك الحمد ربي على ما تفضلت وأنعمت ووفقت، أشكرك مع كل حرف أخطه وكلمة كتبتها وجملة أصوغها، أشكرك مع كل نسمة هواء تمدني بالحياة، وكل نقطة دم تجري في عروقي، وقطرة ماء تسير في أحشائي، تذكرني بأنك الخالق الواحد لا رب لي سواك.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــ

[1] - ممن أشار بهذا الموضوع أستاذي د. أحمد حسن فرحات، والأستاذ الدكتور مصطفى مسلم حيث ساعدني أيضًا في وضع المخطط، فلهما مني جزيل الشكر والتقدير.

[2] - أردت أن أبين أهمية العهد والميثاق لوروده في السنة النبوية الشريفة - أيضًا - ولم أتوسع في ذلك فقد ذكرت بعض الأحاديث فقط.

[3] - ذكرت آيتين سوى ذلك هما الآية 1 من سورة المائدة، والآية 172 من سورة الأعراف لصلتهما المباشرة في ذلك.

[4] - قد يكون الرقم في الأصل وقد يكون في الحاشية، وسبب ذلك ظروف فنية.

[5] - اتصلت ببعض الجامعات وسألت عددًا من المختصين وكانت الإجابة من الكل تفيد بعدم بحث هذا الموضوع.

[6] - معجم مقاييس اللغة مادة (عهد) 4-167.

[7] - لسان العرب مادة (عهد) 3-311؛ وتاج العروس مادة (عهد) 2-442.

[8] - تهذيب اللغة مادة (عهد) 1-135؛ ولسان العرب مادة (عهد) 3-311.

[9] - لسان العرب مادة (عهد) 3-311، تاج العروس مادة (عهد) 2-442.

[10] - تاج العروس مادة (عهد) 2-442؛ وانظر لسان العرب مادة (عهد) 3/311-312.

[11] - الصحاح مادة (عهد) 1-512؛ ولسان العرب مادة (عهد) 3/311-312.

[12] - الصحاح مادة (عهد) 1-512؛ ولسان العرب مادة (عهد) 3/313.

[13] - تهذيب اللغة مادة (عهد) 1/136؛ ولسان العرب مادة (عهد) 3/313.

[14] - الصحاح مادة (عهد) 1/512، وتهذيب اللغة مادة (عهد) 1/136.

[15] - لسان العرب مادة (عهد) 3/313.

[16] - الصحاح مادة (عهد) 1/513، وتاج العروس مادة (عهد) 2/442.

[17] - تاج العروس مادة (عهد) 2/442.

[18] - تاج العروس مادة (عهد) 2/442.

[19] - تاج العروس مادة (عهد) 2/442.

[20] - تهذيب اللغة مادة (عهد) 1/137).

[21] - الصحاح مادة (ألل) 4/1626؛ وتفسير القرطبي 8/79.

[22] - معجم مقاييس اللغة مادة (وثق) 6/85.

[23] - بصائر ذوي التمييز 5/158.

[24] - تهذيب اللغة مادة (وثق) 9/266.

[25] - تهذيب اللغة مادة (وثق) 9/266؛ ولسان العرب مادة (وثق) 10/371.

[26] - تهذيب اللغة مادة (وثق) 9/266، ولسان العرب مادة (وثق) 10/371.

[27] - الصحاح مادة (وثق) 4/1563؛ ولسان العرب مادة (وثق) 10/371.

[28] - الصحاح مادة (وثق) 4/1563؛ وتهذيب اللغة مادة (وثق) 9/266.

[29] - لسان العرب مادة (وثق) 10/371؛ وتاج العروس مادة (وثق) 7/84.

[30] - وتفصيلها كالآتي: سورة البقرة: الآيات [27، 40]، [80، 100]، [124، 125]، [177]؛ سورة آل عمران: الآيات [76، 77، 183]؛ سورة الأنعام: آية [152]؛ سورة الأعراف: الآيات [102-134]؛ سورة الأنفال: آية [56]؛ سورة التوبة: الآيات [1، 4، 7، 12، 75، 111]، سورة الرعد: الآيتان [20، 25]؛ سورة النحل: الآيتان [91، 95]؛ سورة الإسراء: آية [34]؛ سورة مريم: الآيتان [78، 87]؛ سورة طه: الآيتان [86، 115]؛ سورة المؤمنون: آية [8]؛ سورة الأحزاب:؛ الآيتان [15، 23]؛ سورة يس: آية [60]؛ سورة الزخرف: آية [149]؛ سورة الفتح: آية [10]؛ سورة المعارج: آية [32].

[31] - تفسير الطبري 1/182؛ تفسير القرطبي 1/146.

[32] - تفسير الماوردي 1/81.

[33] - التحرير والتنوير 1/711؛ انظر تفسير الماوردي 1/156.

[34] - زاد المسير 1/516.

[35] - تفسير أبي السعود 1/614.

[36] - تفسير القرطبي 9/307 وقد ذكر بعض المفسرين أن العهد هنا بمعنى الميثاق لقوله بعده "ولا ينقضون الميثاق"؛ انظر الكشاف 2/357.

[37] - تفسير النسفي 3/217.

[38] - تفسير القرطبي 11/251.

[39] - تفسير القرطبي 15/47.

[40] - التحرير والتنوير 23/46.

[41] - تفسير الماوردي 1/99.

[42] - التحرير والتنوير 1/453.

[43] - التحرير والتنوير 1/580.

[44] - ذكر القرطبي أن من معاني العهد هنا: النبوة - أو الإمامة أو الإيمان، والأولى أن تقول أن العهد هو الوعد، ثم يبحث فيما هو الوعد الذي وعد الله به إبراهيم فيصدق عليه ما ذكر من تفسير. (تفسير القرطبي 2/108).

[45] - التحرير والتنوير 1/706.

[46] - زاد المسير 3/505.

[47] - تفسير ابن كثير 2/391.

[48] - تفسير القرطبي 11/146.

[49] - التحرير والتنوير 16/160.

[50] - زاد المسير 3/474.

[51] - تفسير القرطبي 8/210.

[52] - تفسير ابن كثير 3/475.

[53] - التحرير والتنوير 21/307.

[54] - تفسير القرطبي 2/40.

[55] - تفسير الماوردي 1/178، وتفسير أبي السعود 1/307.

[56] - انظر زاد المسير 3/372؛ وتفسير القرطبي 8/30.

[57] - انظر تفسير القرطبي 8/63؛ والتحرير والتنوير 10/103.

[58] - انظر زاد المسير 3/397؛ والبحر المحيط 5/8.

[59] - انظر التحرير والتنوير 10/121.

[60] - تفسير ابن كثير 3/239.

[61] - التحرير والتنوير 18/17.

[62] - التحرير والتنوير 3/289.

[63] - تفسير القرطبي 7/255.

[64] - تفسير الماوردي 2/43.

[65] - تفسير أبي السعود 1/503.

[66] - التحرير والتنوير 1/625 و3/289.

[67] - تفسير الماوردي 1/578.

[68] - تفسير النسفي 2/89.

[69] - انظر تفسير القرطبي 7/271؛ وتفسير النسفي 2/140.

[70] - انظر التحرير والتنوير 25/227.

[71] - انظر زاد المسير 7/320؛ والتحرير والتنوير 25/227.

[72] - التحرير والتنوير 10/129.

[73] - زاد المسير 6/362؛ وتفسير القرطبي 14/150.

[74] - تفسير القرطبي 10/169.

[75] - تفسير الماوردي 2/407-408.

[76] - التحرير والتنوير 14/261.

[77] - انظر الكشاف 2/427؛ وتفسير النسفي 3/59.

[78] - التحرير والتنوير 15/97.

[79] - زاد المسير 7/428.

[80] - تفسير القرطبي 16/268.

[81] - انظر التحرير والتنوير 26/159.

[82] - تفسير القرطبي 11/154.

[83] - تفسير ابن كثير 3/138، وقد فسرها ابن عاشور بالوعد؛ انظر التحرير والتنوير 16/168.

[84] - الكشاف 2/549؛ وتفسير النسفي 3/208.

[85] - لم أتعرض لكلمة "الوثاق" "ولا" الوثقى، لأنها ليست في معنى الميثاق فاقتصرت على أساس الموضوع وتفصيل هذه الآيات كما يلي: سورة البقرة: الآيات 27، 63، 83، 84، 93؛ سورة آل عمران: الآيتان 81، 187؛ سورة النساء: الآيات 21، 90، 92، 154، 155؛ سورة المائدة: الآيات 7، 12، 13، 14، 70؛ سورة الأعراف: الآية 169؛ سورة الأنفال: الآية 72؛ سورة يوسف: الآيتان 66، 80؛ سورة الرعد: الآيتان 20، 25؛ سورة الأحزاب: الآية 7؛ سورة الحديد: الآية 8.

[86] - تفسير القرطبي 1/347.

[87] - تفسير الماوردي 1/82.

[88] - زاد المسير 1/93.

[89] - التحرير والتنوير 1/582.

[90] - انظر تفسير ابن كثير 1/120.

[91] - انظر تفسير ابن كثير 1/126.

[92] - انظر تفسير القرطبي 1/93.

[93] - تفسير القرطبي 6/7؛ وانظر تفسير ابن كثير 1/573.

[94] - انظر زاد المسير 2/310.

[95] - تفسير ابن كثير 2/33.

[96] - تفسير ابن كثير 2/.

[97] - زاد المسير 2/399؛ وانظر التحرير والتنوير 6/272.

[98] - انظر تفسير القرطبي 7/312؛ وتفسير ابن كثير 2/260.

[99] - التحرير والتنوير 9/163.

[100] - تفسير القرطبي 4/124.

[101] - تفسير ابن كثير 3/469؛ وانظر تفسير الماوردي 3/307.

[102] - تفسير القرطبي 5/103.

[103] - تفسير ابن كثير 1/467.

[104] - تفسير القرطبي 5/308.

[105] - تفسير ابن كثير 1/535.

[106] - تفسير الماوردي 1/416.

[107] - تفسير ابن كثير 2/329.

[108] - زاد المسير 3/386.

[109] - تفسير القرطبي 6/108.

[110] - انظر تفسير ابن كثير 2/30.

[111] - زاد المسير 2/315.

[112] - تفسير ابن كثير 2/33.

[113] - تفسير الماوردي 2/287.

[114] - تفسير ابن كثير 2/484.

[115] - تفسير القرطبي 9/242.

[116] - تفسير النسفي 2/409.

[117] - تفسير القرطبي 9/307.

[118] - تفسير القرطبي 9/314.

[119] - انظر تفسير الطبري 27/218؛ وتفسير القرطبي 17/238.

[120] - تفسير أبي السعود 1/614.

[121] - انظر تفسير الماوردي 1/156.

[122] - الكشاف 2/549.

[123] - لسان العرب مادة (عهد) 3/313.

[124] - انظر تفسير القرطبي 7/271؛ وتفسير النسفي 2/140.

[125] - انظر تفسير القرطبي 2/40 و8/30؛ وزاد المسير 3/372.

[126] - انظر التحرير والتنوير 10/103.

[127] - تفسير القرطبي 1/247.

[128] - انظر بيان ذلك بالتفصيل في مبحث (كلمة الميثاق في القرآن الكريم).

[129] - تفسير ابن كثير 3/469.

[130] - زاد المسير 3/386.

[131] - مثال ذلك قوله تعالى في سورة مريم: (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) [87] أي وعدا وقيل: ميثاقا.

[132] - الآية 91 وقد فسرت الأيمان هنا بأيمان العهود والمواثيق.

[133] - الآية 91 وقد فسرت الأيمان هنا بأيمان العهود والمواثيق.

[134] - الآية 7 وقد ذكر أبو السعود في تفسيره 2/521 أنه استفهام إنكاري.

[135] - صحيح البخاري - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام 4/56.

[136] - صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق 1/16.

[137] - مسند الإمام أحمد 1/119.

[138] - مسند الإمام أحمد 4/325.

[139] - سنن الترمذي: أبواب الحج - باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا 2/179.

[140] - عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبواب قيام الليل، باب فيمن لم يوتر 4/293.

[141] - سنن الترمذي، أبواب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة 4/126.

[142] - صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال أشهد بالله 8/167.

[143] - صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب عهد الله عز وجل 8/167.

[144] - صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب عهد الله عز وجل 8/167.

[145] - مسند الإمام أحمد 4/24.

[146] - مسند الإمام أحمد 1/278.

[147] - صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله 7/81.

[148] - انظر الحديث بطوله في مسند الإمام أحمد 5/5.

[149] - تفسير الطبري 1/183؛ وتفسير الماوردي 1/82؛ وتفسير القرطبي 1/246؛ وتفسير ابن كثير 1/66.

[150] - انظر تفسير الطبري 27/218؛ وتفسير القرطبي 17/238.

[151] - رواه الطبري في تفسيره 9/117؛ والبخاري في التاريخ الكبير 8/191.

[152] - مجمع الزوائد 7/187.

[153] - إخراج الذرية من ظهر آدم، بحث الدكتور عبد العزيز العثيم ص21 مخطوط.

[154] - صحيح البخاري (فتح الباري) كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم ذريته 6/363؛ وصحيح مسلم كتاب صفة القيامة، باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبًا 8/134.

[155] - تفسير الطبري 9/110-111؛ ومسند أحمد 1/282؛ والمستدرك 1/27.

[156] - مجمع الزوائد للهيثمي 7/189.

[157] - المستدرك 1/27.

[158] - تفسير ابن كثير 2/261.

[159] - شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق أحمد شاكر ص 189.

[160] - المستدرك 2/258.

[161] - البرهان في علوم القرآن 2/157.

[162] - وانظر بحث إخراج الذرية من ظهر آدم للعثيم ص25.

[163] - تفسير الطبري 9/113.

[164] - تفسير الطبري 9/113.

[165] - انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/562.

[166] - تفسير الطبري 9/118.

[167] - تفسير ابن كثير 2/262.

[168] - انظر تفسير الطبري 9/111؛ وموطأ مالك، كتاب القدر 560؛ وعون المعبود، كتاب القدر 12/470.

[169] - مسند الإمام أحمد (واللفظ له) 5/135؛ وتفسير الطبري 9/115؛ والمستدرك 2/323؛ وشرح أصول اعتقاد أهل السنة 559.

[170] - مجمع الزوائد 7/25.

[171] - المستدرك 2/324.

[172] - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/562.

[173] - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/562.

[174] - تفسير الطبري 9/116.

[175] - تفسير الطبري 9/116.

[176] - تفسير الطبري 9/115.

[177] - تفسير الطبري 9/116.

[178] - تفسير الطبري 9/117.

[179] - تفسير الطبري 9/110.

[180] - تفسير ابن كثير 2/261.

[181] - تفسير القرطبي 7/314.

[182] - تفسير الرازي 15/47.

[183] - تفسير الرازي 15/47 وما بعدها.

[184] - الكشاف 2/129.

[185] - انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 3/113 وما بعدها؛ وانظر روح المعاني للألوسي 9/99 وما بعدها حيث إن تفسيره لها قريب من هذا.

[186] - وقيل شهدت الملائكة، وقيل شهد الله وملائكته، وما ذكرته هو الراجح، قال ابن أبي العز مرجحًا له بعد ذكر هذه الأقوال والأول أظهر وما عداه احتمال لا دليل عليه، وإنما يشهد ظاهر الآية للأول - انظر شرح العقيدة الطحاوية - ص 188.

[187] - انظر المحرر الوجيز 6/134؛ وتفسير الثعالبي 2/64.

[188] - ممن قال بذلك د. عبد العزيز العثيم في بحثه إخراج الذرية من ظهر آدم - ص 50.

[189] - لباب التأويل 2/310.

[190] - لباب التأويل 2/310.

[191] - أضواء البيان 2/336 وما بعدها.

[192] - شرح الطحاوية - ص 185.

[193] - تفسير الرازي 15/50.

[194] - ورد في حديث ابن عباس، انظر تفسير الطبري 9/111.

[195] - نسبه الطبري لابن عباس، انظر تفسير الطبري 9/111.

[196] - قال به السدي، انظر تفسير الطبري 9/116.

[197] - انظر الآثار الواردة في ذلك في تفسير الطبري 9/114 وما بعدها؛ وتفسير ابن كثير 2/263.

[198] - تفسير الطبري 9/112؛ وتفسير ابن كثير 2/262.

[199] - انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة للكائي 3/562 وما بعدها حيث روى عدة أحاديث صحيحة - بعضها في البخاري ومسلم.

[200] - انظر أضواء البيان للشنقيطي 2/336.

[201] - هو قول محمد بن كعب القرضي كما رواه عنه الطبري في تفسيره 9/117.

[202] - كقول من قال: إنهم أرواح بلا أجسام، ومعرفة بلا عقول، وقول: إنها أرواح بأجسام ومعرفة بعقول، انظر الرد على الجهيمية لابن مندة - ص 60.

[203] - وانظر تفصيل ذلك في شرح العقيدة الطحاوية - ص 188.

[204] - روح المعاني 3/209.

[205] - البحر المحيط 2/509.

[206] - تفسير المنار 3/350.

[207] - انظر الكشاف 1/440.

[208] - تفسير القرطبي 3/331؛ والتحرير والتنوير 3/299.

[209] - انظر تفسير المنار 3/350؛ وروح المعاني 3/209.

[210] - تفسير الطبري 3/331.

[211] - تفسير الطبري 3/131.

[212] - انظر تفسير الرازي 8/116.

[213] - انظر تفسير الرازي 8/116.

[214] - انظر تفسير الرازي 8/116.

[215] - انظر تفسير الرازي 8/116.

[216] - انظر تفسير الطبري 3/330 وما بعدها؛ والبحر المحيط 2/508؛ وتفسير ابن كثير 1/377؛ وتفسير الرازي 8/115.

[217] - مسند الإمام أحمد 3/470 و4/265؛ وتفسير ابن كثير 1/378.

[218] - أخرجه ابن كثير في تفسيره 1/378.

[219] - انظر تفسير الطبري 2/508.

[220] - انظر تفسير الطبري 3/131 وما بعدها.

[221] - البحر المحيط 2/508.

[222] - انظر تفسير الطبري 3/333.

[223] - وذلك عند بيان معنى الميثاق المأخوذ على النبيين.

[224] - أي يدرك أمة النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه يدرك شخص الرسول صلى الله عليه وسلم لأن عيسى - عليه السلام - ينـزل في آخر الزمان.

[225] - انظر شرح العقيدة الطحاوية - ص 448.

[226] - انظر تفسير الطبري 3/335؛ والبحر المحيط 2/514.

[227] - انظر تفسير الرازي 8/116.

[228] - انظر تفسير الطبري 3/332؛ وتفسير القرطبي 4/124.

[229] - أصحاب القول الأول لم يشكوا ولكن تأولوا.

[230] - تفسير الطبري 3/333.

[231] - انظر تفسير الطبري 3/331-332.

[232] - انظر تفسير الطبري 3/331-332.

[233] - انظر تفسير الطبري 3/331-332؛ وزاد المسير 1/414؛ وتفسير الرازي 8/115.

[234] - تفسير الطبري 3/332؛ وتفسير ابن كثير 1/378.

[235] - انظر تفسير ابن كثير 1/378؛ وتفسير الطبري 3/332؛ وزاد المسير 1/414؛ وتفسير الرازي 8/115.

[236] - انظر تفسير الطبري 3/332؛ وزاد المسير 1/414.

[237] - تفسير ابن كثير 1/377.

[238] - تفسير الطبري 3/332.

[239] - انظر تفسير ابن كثير 1/377.

[240] - تفسير الطبري 3/334.

[241] - وقيل شهدت الملائكة بذلك - أي أشهدهم الله - وقيل غير ذلك. انظر تفصيل ذلك في البحر المحيط 2/513؛ وروح المعاني 7/212.

[242] - ممن قال بذلك مجاهد. انظر تفسير الطبري 21/126؛ وتفسير القرطبي 14/127.

[243] - ذكر ذلك الألوسي، وقال إن القول الأول بعيد كبعد ذلك الزمان. انظر روح المعاني 3/210.

[244] - الآيات التي ورد فيها لفظ العهد أو الميثاق وما في معناهما 61 آية منها قرابة 20 آية في بني إسرائيل.

[245] - انظر تفسير الطبري 11/236.

[246] - انظر في ظلال القرآن 8/18.

[247] - تفسير الطبري 1/324، وهذا الأثر وإن كان عن بني إسرائيل فليس مخالفًا لما في القرآن بل هو إلى الموافقة أقرب، فنجد قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) [البقرة: 55-56]. وقوله: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) [الأعراف: 171]. وقوله: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) الآية [البقرة: 63].

[248] - تفسير القرطبي 1/437.

[249] - تفسير الرازي 3/107.

[250] - تفسير الرازي 3/107.

[251] - تفسير الطبري 1/327.

[252] - تفسير ابن كثير 1/105؛ وانظر تفسير الطبري 1/327.

[253] - تفسير الطبري 1/442.

[254] - تفسير الطبري 9/107.

[255] - تفسير الطبري 1/182.

[256] - انظر تفسير الطبري 4/202؛ وزاد المسير 1/521.

[257] - تفسير ابن كثير 1/346.

[258] - انظر تفسير الطبري 1/393.

[259] - انظر تفسير الطبري 1/394.

[260] - انظر تفسير القرطبي 2/18.

[261] - انظر تفسير ابن كثير 1/121.

[262] - سورة البقرة آية: 84.

[263] - كالانتحار ونحوه.

[264] - أي يقتل إنسانًا فيقتص منه.

[265] - انظر تفسير الرازي 3/164.

[266] - انظر تفسير القرطبي 2/19 ونسبه لابن خويز منداد.

[267] - انظر تفسير الطبري 6/150؛ وتفسير ابن كثير 2/32.

[268] - تفسير الطبري 6/151.

[269] - تفسير الطبري 6/151.

[270] - تفسير الطبري 6/10.

[271] - انظر تفسير ابن كثير 1/573.

[272] - وذلك في الآيات 63 و93 سورة البقرة؛ و154 سورة النساء وفي المعنى نفسه آية 171 سورة الأعراف بدون ذكر لفظ الميثاق.

[273] - انظر تفسير الرازي 3/106.

[274] - انظر تفسير الطبري 6/158؛ وتفسير ابن كثير 2/33.

[275] - انظر تفسير الطبري 13/12؛ وغرائب القرآن للنيسابوري 13/24؛ وتفسير التحرير والتنوير 13/18.

[276] - قال ابن منظور، البيعة: المبايعة والطاعة، وبايعه عليه مبايعة عاهده، وفي الحديث: "ألا تبايعوني" هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة. انظر لسان العرب (بيع) 8/26.

[277] - انظر تفسير الطبري 26/76 و85؛ وتفسير ابن كثير 4/185.

[278] - انظر تفسير ابن كثير 2/30.

[279] - انظر تفسير القرطبي 9/308.

[280] - انظر تفسير الطبري 21/145؛ وتفسير ابن كثير 3/475.

[281] - ذكرته مختصرًا، حسب ما يقتضيه المقام.

[282] - وذلك في السنة الحادية عشرة من البعثة النبوية. انظر الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي 1/346.

[283] - انظر تاريخ الإسلام للذهبي - السيرة النبوية - ص290؛ وفقه السيرة - ص131؛ وقال الألباني في تحقيقه فقه السيرة - ص131 إسناده حسن.

[284] - في السنة الثانية عشرة من البعثة. انظر الوفاء بأحوال المصطفى 1/347.

[285] - هم: أسعد بن زرارة، وعوف ومعوذ ابنا الحارث وهما أبناء عفران، وذكوان بن قيس، ورافع بن مالك، وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة البلوي وعباس بن عبادة بن نظلة، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وهم من الخزرج، وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة وهما من الأوس - انظر تاريخ الإسلام (والسيرة النبوية) ص291.

[286] - انظر تاريخ الإسلام (والسيرة النبوية) ص291.

[287] - سميت بيعة النساء إشارة إلى قوله تعالى في سورة الممتحنة: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) الآية 12.

[288] - هذه رواية ابن إسحاق كما أوردها الذهبي في تاريخ الإسلام وأخرجه البخاري في عدة مواضع، وابن مندة في كتابه الإيمان وابن سعد في الطبقات والطبري في تاريخه. انظر تاريخ الإسلام (السيرة النبوية) ص292؛ وصحيح البخاري، مناقب الأنصار 5/70؛ وطبقات ابن سعد 1/220؛ وتاريخ الطبري 2/356؛ والإيمان لابن مندة - المجلد الثاني- ص557.

[289] - صحيح البخاري مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار 5/70.

[290] - انظر كتاب الإيمان لابن مندة، ذكر بيعة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على اجتناب الكبائر - ص557- المجلد الثاني.

[291] - انظر تاريخ الإسلام - ص293؛ وتاريخ الطبري 2/357.

[292] - وذلك في السنة الثالثة عشر من البعثة. انظر الوفا بأحوال المصطفى 1/358.

[293] - في المسند: فقمنا، وهو أولى.

[294] - أي: جابر بن عبد الله، حيث أنه أصغر منه.

[295] - في المسند (بشرطه العباس).

[296] - رواه أحمد في المسند 3/339؛ والبيهقي في دلائل النبوة 2/181؛ والحاكم في المستدرك 2/624؛ وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في البداية 3/160 وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ولم يخرجوه، ثم قال: وقال البزار، وروى غير واحد عن ابن خثيم: ولا نعلمه، يروي عن جابر إلا من هذا الوجه. وقال ابن حجر في فتح الباري 7/222: وهو عند أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم وابن حبان عن جابر، وقال الألباني في تحقيق فقه السيرة - ص134؛ وفيه علة وهي عنعنة أبي الزبير وكان مدلسًا وليس من رواية الليث بن سعد عنه، فلعل تصحيحه أو تحسينه بالنظر لشواهده. انظر تاريخ الإسلام - ص297.

[297] - قال ابن حجر في الفتح 7/223 (رواه البيهقي بإسناد قوي عن الشعبي، ووصله الطبراني من حديث أبي موسى الأنصاري، وأخرجه أحمد). أ.هـ - وانظر تاريخ الإسلام للذهبي - ص299.

[298] - قال الألباني في تحقيق فقه السيرة - ص135- حديث صحيح رواه ابن إسحاق وأحمد 3/60-62؛ وابن جرير في تاريخه 2/363. من طريق ابن إسحاق وانظر سيرة ابن هشام 2/60؛ وتاريخ الإسلام للذهبي؛ وقال ابن حجر في الفتح 7/221؛ أخرجه ابن إسماعيل ورواه ابن حبان.

[299] - هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ثقة، مات سنة 135، انظر التقريب 1/405.

[300] - تاريخ الإسلام - ص305؛ وسيرة ابن هشام 2\65؛ وفتح الباري 7\221؛ وتاريخ الطبري 2\363؛ وقال الألباني في فقه السيرة - ص 135: أخرجه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا فهو ضعيف.

[301] - والنقباء هم: أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، ورافع بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع،عبادة بن الصامت، (وقيل: خارجة بن زيد) وسعد بن خيثمة،وأسيد بن حضير،وأبو الهيثم بن التيهان،انظر تاريخ الإسلام ص 303.

[302] - ذكرهم ابن هشام والذهبي عن ابن إسحاق. انظر سيرة ابن هشام 2/73؛ وتاريخ الإسلام ص 305.

[303] - انظر فتح الباري 7/221؛ وتاريخ الإسلام ص 307؛وسيرة ابن هشام 2/85.

[304] - هذا هو الصحيح في هذه المسألة، بل قال النووي في المجموع شرح المهذب 7/78؛ وقد أجمع المسلمون على أن الحديبية كانت سنة ست من الهجرة. وقال ابن كثير وابن حجر: كانت الحديبية سنة ست بلا خلاف. انظر البداية والنهاية 4/164؛ ومرويات غزوة الحديبية للحكمي - ص28.

[305] - تفسير الطبري 26/86؛ وأخرجه ابن كثير في تفسيره 4/191، عن ابن أبي حاتم. وقال حافظ بن محمد الحكمي في مرويات غزوة الحديبية - ص133: سند هذا الحديث ضعيف لضعف موسى بن عبيد لكن يشهد له حديث جابر الذي رواه الترمذي في أبواب السير، باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم 3/75 رقم الحديث 1639.

[306] - هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري - المدني القاضي، ثقة من الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين. انظر تقريب التهذيب 1/405.

[307] - انظر تفسير الطبري 26/86، وقال الحكمي في مرويات غزوة الحديبية - ص134: هذا الأثر مرسل وسنده إلى عبد الله بن أبي بكر حسن وانظر سيرة ابن هشام 3/412.

[308] - انظر مرويات غزوة الحديبية - ص39 وما بعدها.

[309] - انظر صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 6/26.

[310] - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/157.

[311] - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/156.

[312] - انظر صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 6/25.

[313] - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/157.

[314] - انظر صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 6/26.

[315] - شرح النووي على صحيح مسلم +13/2.

[316] - فتح الباري 7/440.

[317] - زاد المعاد 3/388.

[318] - ذكره عن ابن حجر في فتح الباري 7/440.

[319] - وهذا ما ذهب إليه الحكمي في مرويات غزوة الحديبية - ص53.

[320] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة 6/25.

[321] - وقد ذكر الحكمي في كتابه مرويات غزوة الحديبية، الأحاديث والآثار التي وردت في ذلك، انظر مرويات غزوة الحديبية - ص138 وما بعدها.

[322] - صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/159.

[323] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال 6/27، ورواه الترمذي في أبواب السير، باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم 3/75، ورواه أحمد في المسند 4/51.

[324] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 6 6/26.

[325] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال 6/25، ورواه الترمذي، أبواب السير، باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم 3/76، ورواه أحمد في المسند 3/381.

[326] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال 6/25، ورواه الترمذي، أبواب السير، باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم 3/76، ورواه أحمد في المسند 3/381.

[327] - صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا 4/61.

[328] - سنن الترمذي، أبواب السير، باب ما جاء في بيعة النبي 3/76.

[329] - فتح الباري، باب البيعة في الحرب ألا يفروا 6/118.

[330] - قدمت بيعتي العقبة وبيعة الرضوان لخصوصيتهن وشهرتهن فهو من باب تقديم الخاص على العام.

[331] - صحيح البخاري، كتاب الديات، باب القسامة 9/12، وهو جزء من حديث طويل.

[332] - صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب بيعة الأعراب 9/98.

[333] - القائل أحد الرواة.

[334] - مسند الإمام أحمد 4/168.

[335] - سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث 3/212.

[336] - مسند الإمام أحمد 5/71.

[337] - الإيمان لابن منده ذكر بيعة النبي صلى الله عليه وسلم 1/264.

[338] - انظر طبقات ابن سعد 1/291.

[339] - انظر طبقات ابن سعد 1/305.

[340] - انظر طبقات ابن سعد 1/326.

[341] - انظر طبقات ابن سعد 1/291 وما بعدها، وزاد المعاد 3/595 وما بعدها.

[342] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء 6/29.

[343] - صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء 9/99.

[344] - في هامش الصحيح: علينا.

[345] - صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء 9/99.

[346] - صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة الممتحنة 6/187-188.

[347] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة 6/27.

[348] - صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب المبايعة في الحرب 4/61.

[349] - صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب البيعة في الحرب 4/61.

[350] - صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس 9/66.

[351] - صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس 9/96. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع 6/29.

[352] - صحيح مسلم، كتاب الإيمان، الدين النصيحة 1/54؛ والإيمان لابن منده، ذكر بيعة النبي لأصحابه 1/264.

[353] - صحيح مسلم، كتاب الإيمان، الدين النصيحة 1/54؛ ورواه ابن مندة في كتاب الإيمان ذكر بيعة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على النصح لكل مسلم 2/426.

[354] - صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس 9/96؛ وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، الدين النصيحة 1/54.

[355] - زاد المعاد تحقيق الأرنؤوط 3/95؛ وانظر عون المعبود شرح سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة 5/55 حيث ذكر حديث مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه على عدم سؤال الناس شيئًا.

[356] - وكانت تسمى يثرب.

[357] - انظر زاد المسير 3/372؛ وتفسير القرطبي 8/30؛ والتحرير والتنوير 10/48.

[358] - تاريخ الطبري 2/479.

[359] - البداية والنهاية 4/3.

[360] - تاريخ الطبري 2/551؛ وسيرة ابن هشام 3/220.

[361] - تاريخ الطبري 2/553.

[362] - توسعت فيها قليلا نظرًا لشهرتها ولاعتماد كثير من المؤرخين عليها.

[363] - ما بين القوسين زيادة من الوثائق السياسية لمحمد حميد الله - ص 41.

[364] - قمت بوضع الأرقام لمزيد الإيضاح دون أي تغيير في النص أو السياق.

[365] - من باب قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء: 59].

[366] - لا يعني هذا أن دينهم الذي هم عليه الآن حق، ولكن لهم ما للمؤمنين، أو لأنهم أهل كتاب.

[367] - لا يوثق ويهلك.

[368] - عند ابن هشام وفي الوثائق السياسية جاءت مفصلة - دون زيادة في المعنى.

[369] - عند ابن هشام وفي الوثائق: بالزاي.

[370] - عند ابن هشام وفي الوثائق: على أبرّ (من).

[371] - في الوثائق السياسية (لا).

[372] - ما بين القوسين زيادة عند ابن هشام وفي الوثائق وهو مكرر.

[373] - عند ابن هشام وفي الوثائق: جوفها، وقال في حاشية البداية وفي النهاية: الجرف: موضع قريب من المدينة. (ولعله الأصح).

[374] - في البداية: (على من اتقى) وما أثبتَّه من ابن هشام والوثائق وهو أولى.

[375] - دهمهم: غشيهم، وهو الجماعة الكثيرة يأتون على غرة، لسان العرب مادة (دهم).

[376] - زيادة من ابن هشام والوثاق السياسية.

[377] - أي: نصيبهم وما يخصهم.

[378] - ما بين القوسين زيادة من ابن هشام والوثائق السياسية.

[379] - ما بين القوسين زيادة من ابن هشام والوثائق السياسية.

[380] - البداية والنهاية 3/224-225-226.

[381] - انظر سيرة ابن هشام 2/130-134.

[382] - انظر الوثائق السياسية - ص39-47.

[383] - ابن سيد الناس عيون الأثر 1/197؛ وقال د. أكرم العمري في كتاب المجتمع المدني - ص108، ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة.

[384] - الأموال لأبي عبيد رقم 517.

[385] - انظر كتاب الأموال لابن (زنجويه، تحقيق شاكر فياض رقم 750).

[386] - انظر المجتمع في عهد النبوة لأكرم العمري - ص 109.

[387] - انظر كتاب محمد رسول الله 3/170-175.

[388] - انظر مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة - ص 39-40.

[389] - انظر الدولة العربية وسقوطها ترجمة العش حاشية - ص20 (نقلا عن كتاب المجتمع المدني - ص109 (.

[390] - دفاع عن الحديث النبوي والسيرة - ص 25-26.

[391] - انظر رسالة بيان الحقيقة في الحكم على الوثيقة لليامي - ص 34 -38.

[392] - المجتمع المدني في عهد النبوة - ص110 وما بعدها.

[393] - انظر صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار 5/38؛ وانظر صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب مواخاة النبي بين أصحابه 7/183.

[394] - سورة الأنفال: الآية 56؛ وانظر مسند أحمد 1/119 و1/278.

[395] - انظر صحيح مسلم، كتاب العتق، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه 4/216.

[396] - انظر صحيح مسلم، كتاب العتق، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه 4/217؛ وفتح الباري 4 /85، فقد ذكرت صحيفة علي وما ورد فيها.

[397] - وسبب هذا الظن أن ما في صحيفة علي ورد كثير منه في الوثيقة (وليس في صحيفة علي إشارة لليهود).

[398] - المسند 1/278؛ ورواه الطبري في تفسيره عن ابن عباس أيضًا 1/431.

[399] - تفسير الطبري 1/432.

[400] - تاريخ الطبري 2/570.

[401] - قال في لسان العرب مادة (مرر) 5/170: وأصل المرة: إحكام القتل.

[402] - طبقات ابن سعد 2/29.

[403] - طبقات ابن سعد 2/57.

[404] - تفسير ابن كثير 4 30؛ وانظر تفسير الماوردي 4/206.

[405] - طبقات ابن سعد 2/71.

[406] - تاريخ الطبري 2/479.

[407] - انظر زاد المعاد تحقيق الأرنؤوط 3/143 بتصرف.

[408] - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب معاملة النبي أهل خيبر 5/179؛ وصحيح مسلم، كتاب البيوع، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 5/26.

[409] - صحيح مسلم، كتاب البيوع، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 5/27؛ والبداية والنهاية 4/219.

[410] - صحيح مسلم، كتاب البيوع، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 5/27؛ والبداية والنهاية 4/219.

[411] - صحيح مسلم، كتاب البيوع، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 5/27؛ والبداية والنهاية 4/219.

[412] - انظر البداية والنهاية 4/219.

[413] - انظر المجتمع المدني في عهد النبوة للعمري - ص114.

[414] - انظر تفصيل ذلك في كتب السيرة وبالأخص تاريخ الطبري 2/620؛ ومرويات غزوة الحديبية - ص22 وما بعدها.

[415] - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/161.

[416] - انظر مرويات غزوة الحديبية - ص92.

[417] - صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/161.

[418] - وذلك في مبحث بيعة الرضوان.

[419] - كلمة تقال للناقة إذا تركت السير، فتح الباري 5/335.

[420] - أي: تمادت على عدم القيام، فتح الباري 5/335.

[421] - الخلاء للإبل كالحران للخيل، فتح الباري 5/335.

[422] - صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب 3/239.

[423] - انظر تفصيل ذلك في صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب 3/139؛ ومرويات غزوة الحديبية - ص158.

[424] - انظر صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة في الحرب 3/242.

[425] - انظر صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب كيف يكتب 3/228، وباب الصلح مع المشركين 3/229.

[426] - انظر صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب الصلح مع المشركين 3/230.

[427] - انظر صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية 5/174.

[428] - انظر مسند الإمام أحمد 3/268.

[429] - انظر مسند الإمام أحمد 4/325.

[430] - انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في صلح العدو ورقم الحديث (2749) 7/452.

[431] - جمع قراب، وهو غمد السيف وحمالته، انظر الصحاح (قرب) 1/200.

[432] - أراد بينهم موادعة ومكافة عن الحرب، تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يتق بعضهم ببعض (النهاية في غريب الحديث 3/327).

[433] - قال ابن الأثير: الأغلال: الخيانة أو السرقة الخفية، والإسلال من سل البعير، وقيل: هو الغارة الظاهرة، وقيل: الإغلال: لبس الدروع، والإسلال: سل السيوف. النهاية في غريب الحديث 3/38.

[434] - هكذا ورد في حديث المسور ومروان عن أبي داود وإسناده حسن. وقد جاء في حديث ابن عمر عند ابن عدي وغيره، أن مدة الهدنة أربع سنين، ولكن قال ابن حجر أن سنده ضعيف. انظر فتح الباري 5/434؛ ومرويات غزوة الحديبية - ص167.

[435] - انظر صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد 3/242.

[436] - انظر صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن فلان 3/228.

[437] - انظر صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية 5/173.

[438] - انظر المصنف لعبد الرزاق حيث ذكر عدة آثار في ذلك 5/343؛ ومرويات غزوة الحديبية - ص167.

[439] - انظر تاريخ الطبري 2/636، ولكن قال الحكمي أن سنده ضعيف؛ انظر مرويات غزوة الحديبية - ص170.

[440] - حيث لم يذكره مع الشهود وإنما قال: وكتب على صدر هذا الكتاب.

[441] - انظر طبقات ابن سعد 2/97؛ ومرويات غزوة الحديبية - ص170.

[442] - انظر تفسير الآية وبيان هذا الشرط في تفسير الطبري 5/196-197.

[443] - الشاهد في الجزء الأخير من الآية.

[444] - انظر تفسير الطبري 10/59-60.

[445] - وذلك في صلح الحديبية كما سبق.

[446] - مسند الإمام أحمد 4 25، وهو حديث حسن لأنه من طريق ابن إسحاق وقد صرح بالسماع، وبقية رجاله (رجال) الصحيح. انظر مرويات غزوة الحديبية - ص 56 و163.

[447] - انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 414، نقلا عن مرويات غزوة الحديبية - ص196، وفيه قال الحكمي: هذا اللفظ حسن لشاهده من حديث ابن إسحاق (السابق) وقد صرح فيه عبيدة بن الأسود بالسماع، وبقية رجاله فيهم الثقة، وفيهم دونه وأقلهم حالا يعتبر بحديثه.

[448] - انظر تاريخ الطبري 3/42؛ وسيرة ابن هشام 4؛ والبداية والنهاية 4/278؛ وزاد المعاد 3/394 وغيرها من كتب السيرة.

[449] - تاريخ الطبري 3/45.

[450] - انظر تفسير الطبري 10/59 وما بعدها؛ وتفسير القرطبي 8/64 وما بعدها؛ وتفسير ابن كثير 2/332 وما بعدها؛ والتحرير والتنوير 2/103 وما بعدها، وقد فصّل في ذلك.

[451] - انظر طبقات ابن سعد 1/258 وما بعدها؛ وسيرة ابن هشام الجزء الرابع في مواضع متفرقة؛ وزاد المعاد الجزء الثالث في مواضع مختلفة؛ وكذلك البداية والنهاية الجزء الخامس في مواضع متفرقة - أيضًا -؛ والوثائق السياسية القسم الثاني، وقد اعتمدت كثيرًا على طبقات ابن سعد والوثائق السياسية، نظرًا لاهتمامهما في هذا الجانب أكثر من غيرهما.

[452] - ومن أسباب ذلك أيضًا ما أشار إليه د. أكرم العمري في كتابه المجتمع المدني في عهد النبوة قال: وإن هذا الحكم - أي حكمه على نصوص الكتب التي وجهها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك من حيث صعوبة الحكم بصحتها وأنها لا ترقى إلى مستوى الاحتجاج بها في السياسة الشرعية - يسري على معظم وثائق العهد النبوي الأخرى إذ لا مجال لتصحيحها من الناحية الحديثة، ولم تعن الكتب الستة بتخريجها سوى كتاب هرقل في البخاري، وكتاب عمير ذي مزن في سنن أبي داود، رغم أن الكثير منها يمكن أن يكون صحيحًا من الناحية التاريخية، ولكنه يبقى دون الاحتجاج به في موضوعات العقيدة والشريعة. انظر المجتمع المدني في عهد النبوة (الجهاد ضد المشركين) ص154.

[453] - انظر طبقات ابن سعد 1/268.

[454] - انظر طبقات ابن سعد 1/269.

[455] - انظر طبقات ابن سعد 1/271.

[456] - انظر طبقات ابن سعد 1/274.

[457] - انظر طبقات ابن سعد 1/285.

[458] - انظر طبقات ابن سعد 1/268 وما بعدها؛ والوثائق السياسية - ص98 وغيرها.

[459] - أي: لا يحشرون من ماء في الصدقة، ولا يعشرون في السنة إلا مرة - انظر طبقات ابن سعد 1/271.

[460] - طبقات ابن سعد 1/268 والوثائق السياسية - ص138.

[461] - دهمهم: غشيهم، وهم الجماعة الكثيرة يأتون على غرة. انظر لسان العرب مادة (دهم) 12/211.

[462] - طبقات ابن سعد 1/271.

[463] - طبقات ابن سعد 1/285.

[464] - طبقات ابن سعد 1/288؛ والوثائق السياسية - ص246.

[465] - انظر طبقات ابن سعد 1/276؛ والوثائق السياسية - ص91.

[466] - انظر طبقات ابن سعد 1/279؛ والوثائق السياسية - ص73.

[467] - انظر طبقات ابن سعد 1/290؛ وسيرة ابن هشام 4/214.

[468] - طبقات ابن سعد 1/279؛ والوثائق السياسية - ص73.

[469] - طبقات ابن سعد 1/290؛ والوثائق السياسية - ص90.

[470] - انظر تفسير الطبري 3/161؛ وأسباب النـزول للواحدي - ص61.

[471] - انظر طبقات ابن سعد 1/266 و287 و358؛ وانظر الوثائق السياسية - ص140 وما بعدها.

[472] - انظر طبقات ابن سعد - ص316.

[473] - انظر الوثائق السياسية - ص87؛ وطبقات ابن سعد 1/277.

[474] - حيث كتب عدة كتابات وعهود؛ انظر الوثائق السياسية - ص140 وما بعدها.

[475] - انظر طبقات ابن سعد 1/288؛ وزاد المعاد 3/635؛ والوثائق السياسية - ص140.

[476] - انظر الوثائق السياسية - ص140 وما بعدها.

[477] - انظر طبقات ابن سعد 1/270؛ والوثائق السياسية - 216.

[478] - انظر طبقات ابن سعد 1/270؛ والوثائق السياسية - 105.

[479] - انظر طبقات ابن سعد 1/274؛ والوثائق السياسية - ص220.

[480] - انظر طبقات ابن سعد 1/258 وما بعدها، والوثائق السياسية القسم الثاني.

[481] - قال ابن منظور: صوف البحر: شيء على شكل هذا الصوف الحيواني، واحدته صوفة. ومن الأبديات قولهم: لا آتيك ما بلّ بحر صوفه. انظر لسان العرب مادة (صوف) 9/200.

[482] - طبقات ابن سعد 1/274؛ والوثائق السياسية - ص220.

[483] - انظر تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير 10/48 حيث قال بذلك.

[484] - انظر سيرة ابن هشام 3/371 وما قاله الرسول بعد الرجوع من غزوة بني المصطلق - المريسيع، إبّان فتنة المنافقين.

[485] - انظر البداية والنهاية لابن كثير 4/219 حيث ذكر الدعوى هذه وبين بطلانها وكذبها، وأن هذا الكتاب مزود مكذوب مفتعل لا أصل له.

[486] - انظر الوثائق السياسية - ص411.

[487] - انظر الوثائق السياسية - القسم الثاني.

[488] - (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56].

[489] - العهد هنا يحتمل معنى الأمر والوصية على ألسنة الرسل، ومعنى الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم، والنهاية عند التدقيق واحدة.

[490] - أي في الترتيب لا في النـزول.

[491] - المعجم الوسيط مادة (دور) 1/303.

[492] - انظر أسباب النـزول للواحدي - ص58 وفي ظلال القرآن 1/21.

[493] - وصية الله وأمره، وهو داخل في الميثاق الذي أخذه عليهم.

[494] - انظر تفسير الطبري 6/310.

[495] - انظر تفسير الطبري 10/188.

[496] - سورة التوبة آية: 112.

[497] - رواه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة 4/126.

[498] - صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق 8/16.

[499] - صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق 8/16.

[500] - الموطأ، كتاب حسن الخلق - ص563، قال الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي محقق ومخرج أحاديث الموطأ: الحديث حسن، بل صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

[501] - الموطأ، - كتاب حسن الخلق - ص 564، قال محمد فؤاد: قال ابن عبد البر: هو حديث مدني صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة.

[502] - المسند 6/47.

[503] - انظر الآية [85] حيث بيّنت مآل الميثاق.

[504] - جاءت هذه الآية مبينة ما البر، حيث قال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله) الآية، والبر حسن الخلق.

[505] - سورة الأنعام: الآية (152) وانظر الآية التي قبلها حيث ابتدأت (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) الآية (151).

[506] - البيت لأحمد شوقي.

[507] - الآية 1 وانظر ما بعدها من آيات إلى نهاية الآية 15 حيث فيها تفصل ما ذكر.

[508] - صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب إذا بقي في حثالة من الناس 9/66.

[509] - سورة النساء آية: 20.

[510] - أخّرت هذا المجال مع أهميته لقلة الآيات التي وردت فيه بالنسبة لما قبله.

[511] - لا أعني مصطلح الأركان الخمسة، وإنما أعمّ من ذلك، مع أن بعض العلماء عده الركن السادس من أركان الإسلام.

[512] - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية 5/159.

[513] - جاءت هذه الفقرة هنا لارتباطها الوثيق بآثار الوفاء بالعهد والميثاق وآثار نقضهما.

[514] - والعقود هي العهود كما قال ابن عباس.

[515] - صحيح البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر 4/124.

[516] - صحيح البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر 4/124.

[517] - صحيح البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم الغادر للبر والفاجر 4/127.

[518] - سنن الترمذي، أبواب السير، باب ما جاء في الغدر 3/71، وقال محققا زاد المعاد 3/125: إسناد صحيح.

[519] - صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب تحريم الغدر 5/142.

[520] - صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب تحريم الغدر 5/142.

[521] - انظر كتاب التقوى في القرآن.

[522] - انظر كتاب التقوى في القرآن.

[523] - هذا على الراجح من أقوال المفسرين، حيث ذهب بعضهم إلى أنه لا بد أن يكون مسلمًا عند قوم معاهدين، وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط أن يكون مسلمًا لأن الآية سكتت عن ذلك في الوقت الذي صرحت بكونه مسلمًا في الحالتين السابقتين. وهذا ما اختاره الطبري ورد على المخالفين. انظر تفسير الطبري 5/208.

[524] - سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك في العهود التي تمت مع المشركين، وكتب التاريخ مليئة بمثل هذا الأمر على مرّ العصور الإسلامية.

[525] - انظر الآيات [91-95].

[526] - انظر تفسير الطبري 14/170 حيث فسر العمل الصالح هنا بالوفاء بالعهد وعمل الطاعات.

[527] - تفسير الطبري 1/250.

[528] - الآية 100 وانظر تفسير الطبري 1/443 حيث ذكر أن الناقضين لعهد الله أكثر من الموفين، ولذلك فغير المؤمنين أكثر من المؤمنين وذكر أن ذلك أحد وجهي تأويل الآية.

[529] - هذا الإيمان القليل هو تصديقهم ببعض الأنبياء والكتب وهو إيمان قليل لأنه تصديق غير متمكن، ولأنه لو كان تصديقًا حقيقيًا لدعاهم إلى الإيمان بالجميع، لأن الأنبياء يصدق بعضهم بعضًا، والكتب تدعو إلى ذلك، ولذلك فهو إيمان كلا إيمان. انظر تفسير الطبري 6/10.

[530] - الآية 18 وانظر تفسير الطبري 21/407 حيث ذكر أن الفسق هنا هو الكفر.

[531] - أفردتها بفقرة لأهميتها، وذكرتها بعد الفقرة الأولى مباشرة لاتحاد المعنى مع اختلاف اللفظ.

[532] - أول آية في الترتيب لا في النـزول.

[533] - انظر تفسير الطبري 1/185.

[534] - الآية 155 وانظر تفسير الطبري 6/11.

[535] - انظر تفسير الطبري 6/23.

[536] - سورة الأنفال آية: 56.

[537] - انظر تفسير الطبري 10/25.

[538] - الخلاق: هو النصيب والحجة والقوام. انظر تفسير الطبري 1/465.

[539] - انظر تفسير الطبري 3/320.

[540] - وذلك خاص بما ورد بلفظ العهد، أو الميثاق فلم يرد إلا بمعنى العهد.

[541] - هذه العبارة يقصد بها بنية الكلمة، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

[542] - انظر عون المعبود شرح أبي داود، كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة 5/55.

[543] - كالعهد الذي عقد معهم في خيبر بعد فتحها إلى إجلاء عمر - رضي الله عنه - لهم.

[544] - المعرفة هنا لا تعني كونه كافرًا قبل ذلك، بل هي أعم فقد يولد مسلمًا ولكنه عرف الكفر من أوجه أخرى كمعرفته بالكفار مثلا.

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/65724#_ftnref1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك