حضور الأنا والآخر في بعض كتابات الجابري

بقلم: رشيد الأمين و اشريف مزور  

انبنى مشروع الجابري على ما أسماه “تأصيل الحداثة” في ثقافتنا العربية الإسلامية. وهذا التأصيل رهين بتوسل تحديث التعامل مع التراث ؛ يقول الجابري: «إن الحاجة إلى الاشتغال بالتراث تمليها الحاجة إلى تحديث كيفية تعاملنا معه، خدمة للحداثة و تأصيلا لها. وهذه وجهة نظر عبرنا عنها منذ بداية اشتغالنا بالتراث مع منتصف السبعينيات»( ).

ينادي الجابري بتجاوز الفهم التراثي للتراث، أي تجاوز الفهم الذي يأخذ أقوال الأقدمين كما هي: «فالحداثة عندنا لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي، بقدر ما تعني الارتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى ما نسميه بالمعاصرة، أعني مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العالمي»( )، الغرض من ذلك تحرير “تصورنا” للتراث من البطانة الإيديولوجية والوجدانية التي تضفي عليه داخل الوعي العربي طابع العام والمطلق، وتنـزع عنه طابع النسبية والتاريخية.




ما المقصود بالتراث؟ كيف نستفيد منه؟ ما المقصود بالأنا في مشروع الجابري النقدي؟ كيف يحضر الآخر في قراءة وتقويم الأنا؟
إن كلمة “تراث” لم تكن حاضرة في خطاب الأسلاف (وردت في سورة الفجر، آية 19«وتأكلون التراث أكلا لمّا»)، كما أنها غير حاضرة في خطاب أية لغة من اللغات الحية (استعملت كلمة héritage الفرنسية بمعنى مجازي للدلالة على التراث الروحي لحضارة ما).




إن مفهوم التراث يجد إطاره المرجعي داخل الفكر العربي المعاصر ومفاهيمه الخاصة وليس خارجها، وبعبارة موجزة: «إنه المعرفي والإيديولوجي وأساسهما العقلي وبطانتها الوجدانية في الثقافة العربية الإسلامية»( ). أي حاصل الممكنات التي تحققت والتي لم تتحقق وكان يمكن أن تتحقق.
ولدراسة التراث يقترح الجابري منهجا قوامه: المعالجة البنيوية والتي تنطلق من النصوص ذاتها كمدونة بغض النظر عن أقوال المفكرين (الرد الفينومينولوجي)، التحليل التاريخي: ربط فكر صاحب النص بمجاله التاريخي بكل أبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية (تاريخية الفكر المدروس وجينيالوجيته) الطرح الإيديولوجي: الكشف عن الوظيفة الإيديولوجية التي أداها الفكر المعني داخل سياقه التاريخي، لأن ذلك هو الوسيلة المثلى لإعادة التاريخية إليه. الإسقاط الابستيمولوجي: تبيئة الحصيلة الحداثية في دراسة التراث، بل وتطويعها أحيانا لخدمة المقصود : مثال ذلك المفاهيم التي حلل به الجابري العقل السياسي العربي: اللاشعور السياسي عند “دوبراي” : «وهكذا فإذا كانت وظيفة اللاشعور السياسي عند debray هي إبراز ما هو عشائري وديني في السلوك السياسي في المجتمعات الأوروبية المعاصرة، فإن وظيفته بالنسبة إلينا ستكون بالعكس من ذلك إبراز ما هو سياسي في السلوك الديني والسلوك العشائري داخل المجتمع العربي القديم منه والمعاصر»( ).



 
إن المقومات المنهجية لمقاربة الظاهرة التراثية هي التي تمثل لنا ما نسميه بالآخر، ذلك أن تحديث التراث رهين بتجديد أدواتنا ودمغها بإطار عقلاني نقدي، وهذا هو روح الحداثة الغربية. كما أن الرؤية التي ينبغي أن تؤطر التعامل مع التراث هي البحث عن جانب التقدم فيه، ومن ثمة يكون اختيار المنهج على ضوئها، بل إن الجابري يذهب إلى أكثر من ذلك إذ يقول: «إن الموقف لدينا يسبق الرؤية والمنهج، والنتيجة تسبق التحليل... نحن إذن في حاجة إلى ربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل»( ).




وجدير بالذكر أن التراث ومشكلة المنهج في الفضاء الفكري العربي المعاصر مسألة تؤول عند نهاية التحليل إلى قضية النهضة ومشكلة العقلانية النقدية، وذاك هو سر حضور الأنا والآخر في المتن النقدي عند الجابري، لكن قبل التطرق للمنهج والتراث سنتناول بالدرس تفكيك ثنائية الغرب والإسلام... الأنا و الآخر.

المصدر: http://www.alawan.org/article13730.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك