الكاكائية: اجتماع الأوهام والأباطيل
إذا كان الحق لا يتعدد لأنه واحد, فإن الباطل على العكس من ذلك تماما, فإنه يتعدد وتظهر منه صورا وأشكالا مختلفة, تجتمع كلها في كونها على غير جادة الصواب والحق, وتختلف في درجة غلوها وبعدها عن الحق, وإذا كانت أهم علامات الحق أنه واضح وضوح الشمس في رابعة النهار, فإن من أبرز مميزات الباطل الغموض والسرية والكتمان وعدم الوضوح.
وإذا كان الإسلام الصحيح على منهج أهل السنة والجماعة هو الحق الذي لا يتعدد, فإن كثيرا من المذاهب والأفكار والملل والنحل تبتعد عن هذا الحق, ولعل الغلو بكافة أشكاله وألوانه يعتبر القاسم المشترك لمعظم الفرق والمذاهب الباطلة, ومنها "الكاكائية" التي سأحاول تسليط الضوء عليها في هذا التقرير بإذن الله تعالى.
يقول المحامي عباس العزاوي في كتابه "الكاكائية في التأريخ": "هذه النحلة مشهورة الاسم مجهولة الرسوم والتقاليد, بل هي عدوة الرسوم غير معروفة التعاليم أو المعالم".
تعريف الكاكائية وسبب التسمية
الكاكائية: كلمة كردية مأخوذة من "كاكه" بمعنى الأخ الأكبر, وهي طائفة تدعي الانتساب للإسلام, فهم يعلنون أنهم مسلمون, إلا أن الحقيقة أنهم طائفة من غلاة الصوفية, فهم يغالون في محبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وقد وصل عند البعض إلى التأليه, كما تأثروا بالأديان المحيطة بهم, ناهيك عن وجود صلة بين "الكاكائية" المعاصرة وبين تنظيم الفتوة البغدادي والمعروفة بـ (الأخية)، التي شجعها الخليفة العباسي الناصر لدين الله (ت 622 هـ), والذي جعل من نفسه الفتى أو الأخ الأول.
وعن سبب التسمية تذهب معظم الروايات إلى أن فخر العاشقين سلطان اسحاق البرزنجي المولود سنة 671 للهجرة, والذي يعتبر من مؤسس الطريقة البرزنجية الصوفية, أراد أن يبني مسجدا "تكية" وضعت لسقفه الأعمدة, وقد قصرت عن جدران البناء فقال لأخيه: أيها الأخ "كاكه" مدها, فطال الخشب كرامة له, وصاروا يدعون "بالكاكائية".
التأسيس وأبرز الشخصيات
الكاكائية في الأصل طريقة صوفية ظهرت الى الوجود على شكلها الحالى في القرن السابع الهجري على يد فخر العاشقين سلطان اسحاق البرزنجي المولود سنة 671 للهجرة.
وسلطان اسحاق هو مؤسس ومجدد هذه الطريقة الصوفية والتي ظهرت بوادرها في القرن الثاني للهجرة على يد عمرو بن لهب الملقب بـ (بهلول), ولا يعرف لهم عدد حاليا، لكن الكرملي قدر عددهم عام 1928 بحوالي عشرين ألف نسمة. لهم في كركوك 60 بيتاً، وعلى نهر الزاب 480 بيتاً، وفي خانقين نحو 560 بيتا, ولعل من أبرز شخصيات هذه الطائفة:
1- السلطان إسحق : ولد عام 675 هجرية في قرية " برزنجة" التابعة لقضاء حلبجة في محافظة السليمانية, والده هو عيسى بابا علي الهمداني، وأمه "خاتون دايراك رمزبار", بعد وفاة والده نشبت خلافات بينه وبين أخوته، فأنتقل إلى قرية شيخان، في منطقة هورمان، وتوفي عام 798 هجرية، كان له العديد من المريدين من الصين والهند و بخارى وأقاليم إيران، حيث حققت طريقته نجاحا كبيرا في عهده، وإنتشارا واسعا.
استعان إسحق في نشر طريقته الصوفية بعناصر مهمة من الأفكار الروحانية والدينية القائمة قبل الإسلام في إيران, مثل الزردشتية والمزدكية والفكر اليهودي والمسيحي، وكذلك التيارات التي ظهرت بعد الاسلام، وخصوصا في غرب إيران, كما كانت لإسحق إتصالات بالنصيرية.
2- الإمام أحمد بن ميره بك : وهو حفيد ابراهيم ابن محمد ابن السلطان اسحق, ولد في كركوك في القرن الثامن الهجري, كان والده قد ترك شهرزور وقصد هذه المدينة للتبشير بالكاكائية, وقد التف الكثيرون من أكراد كركوك حوله, واشتهر بين العامة من الناس بالامام أحمد، أما الكاكائية فيسمونه بـ (الخان احمد) وقد توفى في نهاية القرن الثامن للهجرة ودفن في محلة المصلى بكركوك, وهناك اعتقاد سائد بين الناس - وخصوصا كاكائية كركوك - بأن الامام يشفي المرضى، لذا فان الناس يقصدون ضريحه للشفاء من الأمراض, واليوم المفضل لزيارة الإمام هو يوم الاربعاء حسب زعمهم.
3- كمال طاهر عزيز: رئيس عشيرة الكاكائية الحالي في العراق, وتعتبر مدينة كركوك مركزا مهما لتجمع الكاكائيين خصوصا بسبب وجود مرقد الامام أحمد فيها, ومن مشاهيرهم: الكاتب و الصحفي فلك الدين الكاكائي رئيس تحرير جريدة التاخي التي تصدر في بغداد باللغة العربية، و الباحث في المسائل التراثية هردويل كاكائي و غيرهم.
الجذور الفكرية والعقائدية
أصل مذهبهم محل خلاف واسع، فهناك من يعتبرهم بقايا جماعة الفتوة وتنظيمها، التي شجعها الخليفةُ الناصر لدين الله (ت 622هـ) بعد أن جعل من نفسه الفتى الأول، ثم تقلّد رئاستها خلفاؤه, وكلمة الكردية "كاكا/الأخ" كانت وراء القول في صلة الكاكائية بالفتوة، المعروفة بالأخيّة أحيانا.
وهناك من يعتقد أنها قبيلة كردية مسلمة تأثرت بالأديان الأخرى، ودخل إليها مزيج من الأفكار والعقائد المستمدة من التصوف والتشيع الغالي والمسيحية والفارسية، وهي ليست دينا أو مذهبا خاصا ولكنها خليط من الأديان والمذاهب.
يقول شمس الدين سامي في قاموس الأعلام في مادة "أخية "كاكائية": ظهرت هذه الطائفة في آواخر الدولة السلجوقية في الأناضول, كانوا في الأصل من طرق الصوفية, ولهم رئيس من أنفسهم يدعوا للإخاء البشري, يحض على التعاون بينهم وبين سائر البشر.....".
ولعل الآراء المتباينة التي ذهبت في تفسير الكاكائية، مردها ما عزاه بعضهم إلى"أنهم يخفون رأيهم الديني على كل إنسان"، إضافة إلى تداخل الديانات في مذهبهم, فالغموض وعدم الوضوح والسرية والتكتم على العقائد والأفكار, عادة ما يثير كثيرا من علامات الاستفهام على أمثال هذه العقائد.
أهم العقائد والأفكار
1- تعتبر عقيدة الإيمان بالله تعالى عندهم من أعوص العقائد وأكثرها غموضا, فالألوهية عندهم لا يمكن إدراك كنها, ولا تصح معرفتها بوجه, أو لا يتيسر الاطلاع عليها أو الوقوف على معرفتها, وذلك لأن الله – حسب معتقدهم – لا يصح وصفه أو نعته, وهو ما يعتبر نفيا لوجوده - سبحانه وتعالى عما يقولون علوا عظيما - بل إنهم يقولون بأنه ليس من الصواب تسميته سبحانه أو الاتصال به من طريق ما إلا في حالة واحدة, بأن يظهر في الأشخاص رأفة منه بهم ورحمة كما يزعمون, وفي ذلك ما يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة بشكل واضح وفاضح.
2- الحلول والاتحاد ووحدة الوجود: وهي عقيدة ظاهرة وواضحة في شعرهم, ولم يخرج عنها سائر شعرائهم, فيعتقدون أن الكون هو الله أو أصله الله – عياذا بالله -, والكل يرجع إليه ويعود إلى حقيقته, وهم بذلك يقولون مقولة الصوفية وعلى رأسهم "الحلاج" الذي يعتبر من أكثر من يؤخذ عنه الاتحاد والحلول ووحدة الوجود.
3- التناسخ: وهذه من عقائدهم الأصلية وهي ملازمة للحلول, فإذا لم يتم التناسخ فلا يكون الحلول أبدا, وفي هذا لا يفترقون عن "مذهب الاتحاية" من المتصوفة الغلاة, كما لا يفترقون عن النصيرية التي تقول بتنقل الأرواح العادية من بدن إلى آخر, حتى تطهر وتكون صالحة مجردة عما ارتكبته من أعمال أو أصابها من مصيبة أو اقترفت من جريرة.
4- الكاكائيون لا يتلون القرآن الكريم لأنه في نظرهم غير معتبر لأن عثمان رضي الله عنه هو من جمعه, ويقولون أن القرآن الكريم من عند محمد صلى الله عليه وسلم, ولا يستدلون بآية منه إلا لتأكيد عقيدتهم.
5- يفضلون عليا رضي الله عنه وبعض رجالهم وأئمتهم – ومنهم داود – على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عقيدتهم أن داود – أحد أئمتهم ورجالهم وليس نبي الله - يرجح على محمد صلى الله عليه وسلم.
6- مفهوم اليوم الآخر بالنسبة إليهم هو "يوم ظهور الله في شخص وحلوله فيه", وهو اعتقاد غلاة الصوفية كما نعلم, كما أنهم لا يلقنون موتاهم الشهادتين ولا يعتبرونها, وفي ذلك ما يخالف أركان الإسلام وأسس الإيمان كما هو ظاهر.
7- لهم مزارات وقبور يعظمونها ومراقد مشهورة يزورونها ويطلبون منها الشفاء وغير ذلك مما لا يجوز طلبه إلا من الله تعالى, ومن أهم مزاراتهم: مرقد سلطان "إسحق" يزورونه سنويا وليس لهم يوم معين لزيارته وغالبا ما يأتونه في فصل الربيع.
كما يزورون قبر سيد ابراهيم في بغداد, ويعتبر من أعاظم رجالهم, فهو – عندهم – من أهل الظهور, ويدخل في سلسلة نسب السادة أمرائهم, ويزعمون انه ظهر بطريق التناسخ ست مرات, وأنهم ينتظرون ظهوره للمرة السابعة, ويعتبرونه المهدي المنتظر في آخر الزمان.
ولهم مزارات ومراقد أخرى كثيرة يزورونها ويقدسونها: كمرق "دكان داود" وزين العابدين, والحاج السيد أحمد ويراني سلطان, والإمام أحمد وغيره.
أهم نشاطاتهم المعاصرة:
من المعلوم أن كثافة نشاط الأقليات في العراق بدأ بشكل واضح بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عام 2003م, ولعل من أهم نشاطات الكاكائيين المعاصرة استقبال "جلال طالباني" - رئيس العراق السابق - في بلدة قلاجولان في التاسع عشر من آب/ أغسطس 2004 وفداً مؤلفاً من (60) شخصية اجتماعية للطائفة الكاكائية, في مناطق الموصل وكركوك والسليمانية وخانقين ومناطق أخرى من كردستان, حيث طالب الوفد الكاكائي الاتحاد الوطني الكردستاني وحكومة إقليم كردستان زيادة الاهتمام بأبناء الطائفة وبمناطقهم, ووعدهم طالباني بتلبية احتياجاتهم ومطالبهم وتنفيذ عدد من المشاريع الخدمية والاعمارية في مناطقهم , ناهيك عن حديثهم المتكرر عن ضرورة تمثيل القوميات العراقية في البرلمان المنتخب.
من أشهر كتبهم
1- كــلام الخــزانــة أو "ســرانجــام" المدون في القرنين السابع والثامن الهجري ويتكون من ستة أجزاء, ويعتبر في رأيهم وحيا منزلا، ويرون فيه تعاليم كاملة، ونهجا قويما، ومرشدا لهم في الحياة، يستندون إليه في حل كل مسائلهم الدينية والدنيوية, وهذا الكتاب لم يُطبع قط في أي مكان, نظرا لطبيعة السرية والكتمان المعتمد على عقائدهم وأفكارهم.
2- من كتبهم المشتركة أيضا "خطبة البيان" المنسوب لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وهو منه براء, وله شرح بالتركية في مجلّد (كشف الظنون)
3- من كتبهم أيضاً "جاوَدانْ عُرفي" وهو كتاب الطريقة الحروفية الصوفية، وكتاب "حياة" و "التوحيد" لـ سلمان أفندي الكاتبي، تُضاف إلى هذه الكتب دواوينَ شعرية، تُتلى كأدعية وابتهالات.
حكم الإسلام فيهم
لا شك أن مجمل العقائد التي تؤمن بها هذه الطائفة أو القبيلة أو الفرقة عقائد لا تمت إلى الإسلام بصلة, فما دام الأساسي الأول والأهم في الإسلام - ألا وهو الإيمان بألوهية وربوبية الله تعالى وحده – غير صحيح ولا مكتمل, فلا شك أن كل ما سواه سيكون كذلك, فما بني على باطل فهو باطل.
كما أن افتراءاتهم على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى كتابه القرآن الكريم, تعتبر دليلا واضحا ودامغا على ابتعادهم عن منهج الإسلام الصحيح المنصوص عليه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي فإن هذه الفئة والفرقة تعتبر فرقة ضالة ومنحرفة عن تعاليم الإسلام وضوابطه وأركانه, وإن زعم أصحابها أنهم ينتسبون إلى الإسلام او ينتمون إليه بالاسم دون الحقيقة والجوهر, وقد أفتى بذلك مركز الفتوى في موقع "إسلام ويب" برقم 71917.
ــــــــــــــــــــــــ
أهم مراجع التقرير
1- الكاكائية والتأريخ / المحامي عباس العزاوي
2- مفصل جغرافية العراق / طه الهاشمي
3- دائرة المعارف الإسلامية
4- الأديان والمذاهب بالعراق / رشيد الخيون
5- بعض المواقع على شبكة الانترنت
المصدر: http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=8516&mot=1