الانعتاق من سلطة الغرب
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
الغرب في سطور:
- جغرافيا هو: أوربا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ترتيب تاريخي لا تأثيري.
- دينيا : مسيحي نصراني باتجاهاته الكبرى: الكاثوليكية، والبروتستانتية.
- ثقافيا : علماني؛ يقرر فصل الدين عن الحياة، ويحصره في الكنيسة. وليبرالي يؤمن بأقصى حدود الحرية، من: إلحاد، وإباحية، وشذوذ. ما لم يصل لانتهاك حريات الآخرين.
- اجتماعيا : يميل إلى الفردية؛ ولأجله فالأسر قليلة، ضعيفة الارتباط، وفي طريقها إلى الفناء.
- تقنيا وعلميا : متقدم جدا، وفي تطور مستمر، في كافة الأصعدة العلمية والصناعية.
- اقتصاديا : ينهج النهج الرأسمالي الفردي، والسوق الحرة، والعولمة، والعمل بقانون: إما أن تأكل أو تؤكل، وأدواته: البنوك، والبورصات، والصناعات.
- عسكريا : متقدم ومتطور، ولديه سباق تسلح لا ينتهي، ويمتلك أسلحة خطره على السلم العالمي، وعنده ما يكفي تدمير العالم مئات المرات، وقد مارس الاستعمار والاحتلال منذ مطلع القرن 19، ولا يزال يمارس.
- سياسيا : براغماتي، يتجه نحو النفعية الخاصة، لا يعترف بمبدأ سواه؛ ولذا تتقلب سياساته بين عشية وضحاها مائة وثمانون درجة، فعدو الأمس هو صديق مقرب إذا لزم الأمر، والعكس.
- موقعه من العالم : موقع المهيمن، المسيطر، المتسلط!!، يتحكم في ثروات قارتين من قارات العالم: أفريقيا، وأمريكا اللاتينية. والمحيطات والبحار تحت تصرفه. وله القدرة على الاتجاه بالدول الضعيفة ضمن خططه الاقتصادية، والسياسية، والثقافية: نحو المفاهيم الغربية. كما له القدرة على توريط تلك الدول في مشكلات: سياسية، واقتصادية، وحروب. لضمان طاعتها، وانصياعها الكامل لما رسم لها من سياسات لا تخدمها، وتخدم الراسم. وتستعمل لأجل تحقيق هذا الهدف أدوات باتت معروفة، هي: الأمم المتحدة. مجلس الأمن. البنك الدول. صندوق النقد الدولي. وهي في طريق ترسيخ الأداة الكبرى للهيمنة: العولمة.
* * *
- أثر الغرب.
وله أثر في الناحيتين: الإيجابية، والسلبية.
فالناحية الأولى ظاهرة في الحقل العلمي والتقني خصوصا. والذي سهل وخدم البشرية في وسائل: الراحة والترف، والاتصالات، والتنقل، والطب، والمباني والمنشآت، والحماية والأمن، والتوسع والتدقيق في مصادر العلوم والبحث العلمي.. وكل ما هو مجمع عليه: أنه من صالح البشرية. لا ينكر أحد ما للغرب من يد طولى فيه، بغض النظر عن أهدافه؛ إن كانت للمصلحة الذاتية، أو لنفع العموم.
كما أن من إيجابياته: نشره لمبادئ حقوق الإنسان، والحريات الدينية، والسياسية، وتأثر كثير من دول العالم بهذه المبادئ، وانعكاسها على شعوبها، حيث أمنت على نفسها من الاستبداد إلى حد ما.
والناحية الثانية: وهي واضحة في أمور متعددة، أبرزها إدخال العالم في معارك عالمية تاريخية، لم يجر مثيل لها في التاريخ. وقتل عشرات الملايين، وتدمير دول ومدن.
وفي السياق ذاته: سباق التسلح المحموم؛ باختراع الأسلحة، الفتاكة، والقذرة، والمحرمة؛ كالنووي، والذري، والدمار الشامل، والألغام، والحارق، والمنضب. وإنفاق مليارات الدولارات، وإغراء دول العالم الثالث بالتسلح، وإجبارها على ذلك، بإشعال الحروب بينها لبيع السلاح.
وله دور في منعها من التقدم!!..:
- إما بتوريطها بديون ربوية، فوائدها مركبة، لا تقف عند حد، بواسطة: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
- أو بتوريطها في نزاعات إما داخلية، أو نزاعات مع دول مجاورة، تستنزف مواردها.
- وإن لزم الأمر، فخلق واختراع المبررات الكاذبة للاحتلال، بدعوى التحرير والتخليص.
وفي ظل هذه الظروف كيف يمكن لهذه الدول من أن تتقدم ؟!.
ومن سلبياته في العالم: نشر ثقافة الانحلال الخلقي، والإباحية، إلى الشذوذ الجنسي؛ المثلي، والحيواني. فالعالم اليوم يمر بمرحلة تفسخ لا مثيل له في التاريخ، وكلها نتاج ثقافة غربية، تؤمن بالحرية المطلقة.
ومن سلبياته: حرمانه الشعوب من التدين، خصوصا المسلمين، بنشر الفكر العلماني، وفرضه في بعض الأحيان، ونقل التجربة الغربية في فصل الدين عن الحياة إلى العالم، مما تسبب انتشار موجة الإلحاد.
* * *
الانعتاق.
فأثره في العالم واضح، بنسب متفاوتة، بحسب قوة البلدان واستقلالها بالقرار..
فالقوية منها أقدر على الاستفادة، واختيار ما يلائمها من التراث والإنتاج الغربي، دون أن يملى عليها ما تستفيده. وأما الضعيفة فهي تحت التأثير السلبي للحضارة الغربية، فما أخذت منها إلا الأثر الاجتماعي، والثقافي، لكنها حرمت من الأثر الإيجابي العلمي ونحوه؛ ولذا فهي في تراجع مستمر.
ومعرفة الطريقة الصحيحة للاستفادة الإيجابية من التقدم الغربي، يرجع إلى استيعاب مفهوم الهيمنة لدى الغرب، فهذا المهيمن على العالم حريص على إبقاء الهيمنة في حدودها العليا، بل والتمادي، والارتقاء بما كان دون ذلك؛ لتستوي الهيمنة، وتتكامل وتعم. فالشعوب إذا لم تقاوم هذا المفهوم بالانعتاق والتحرر، فإنها ستبقى تحت هذا المفهوم إلى الأبد، ولن يحرره الغرب.
فبقاء هذه الهيمنة مرهون بأمرين: حرص الغرب على إبقائها، استسلام الدول لهذه الإرادة.
لا تتم الهيمنة إلا بهذين مجتمعين، فهي عملية تكاملية، ما يعني عدم فاعليتها إذا ذهب أحد العاملين.
فلو أن الغرب لحقته شفقة، واعتراه عدل، وتحرج من الإثم في منعه الدول من الارتقاء، فأراد لها العون، فقدم كل أنواع الدعم، فإن تقدمها أمر متوقع، واستسلامها لن يعوق؛ لغلبة حب التطور على النفوس.
ولو أن هذه الدول فكت قيودها، وتمنعت، وسعت في التطور، وخططت لذلك جادة، واجتمع أمرها، ولم يختلف، فتحررها أمر لازم، ولن تقف خطط الغرب عائقا أمامها.
فمن المهم فهم ارتباط هذين العاملين في التخطيط للتخلص من الهيمنة:
- إذ تعليق الانحطاط والتخلف بالغرب وحده، لن يفيد في قيام وتطور الدول الضعيفة؛ لأن نهضة الأمة سبب رئيس في: تحررها، وتقدمها، وتطورها.
- وتعليق الانحطاط بالأمة وحدها، وتبرئة الغرب لن يفيد في الانطلاقة الصحيحة المتوازنة؛ إذ الغفلة عن هذا العامل ينبؤ عن عدم معرفة بالواقع الجاري في العالم، وأسوأ من ذلك: أنه يدل على الرضى بكل ما يفعله الغرب في العالم، وربما تنبي أهدافه ومخططاته..!!.
وكل هذه الحالات مانعة من الانعتاق والتقدم، وللخروج من الحالتين السلبيتين، لا بد من الالتفات إلى العامل الغربي في تأخر الدول، وبها وبالالتفاتة إلى دور الشعوب في رفض القبول الاستسلام: يمكن الانعتاق والتخلص من التخلف، والتبعية، والضعف.. والهيمنة، والارتقاء إلى صفوف الدول المتقدمة.
* * *
كيف نقاوم ؟.
لدينا وسيلتان، بهما تمكن المقاومة:
الأولى: الالتفات إلى القدرات الداخلية للأمة، وتوفر الكفاءات: البشرية، والمالية، والفكرية. للنهوض بالأمة والاستقلال والاكتفاء الذاتي قدر الممكن.
الأمة لديها طاقات بشرية هائلة، فهذا الغرب نفسه قد انتفع بها للغاية. في مجالات: الطب، والفلك، والصناعات.. إلخ، لديه ثلة من العلماء من بلاد عربية وإسلامية، أسهموا في التقدم والتطور، ولا يزالوان.. إنهم يجدون مكانا وتقديرا لإبداعهم هنالك، ولا يجدونه في بلادهم.. وتلك هي الداهية.؟!!
على الأمة بكل فئاتها: الحكومات، والعلماء، والمفكرين، والتجار، وأهل الصناعات، وأهل التربية والتعليم، وأهل الحرف، والزراع، والعموم: واجب أدبي، وأخلاقي، ووطني، وديني: أن يقدموا خدماتهم بصدق وإخلاص للنهوض بالأمة.
- لا يجوز أن يكون البقاء في السلطة هو الهم الأكبر للحاكم، ولو كان لا يقدم شيئا يذكر.
- ولا يكفي أن يكون غاية العالم نقل العلم وتلقينه، دون السعي إلى ترجمته واقعا في الحياة.
- ومن المؤسف أن يكون هم رجال الأعمال والمال: تنمية الأرصدة، وزيادة الأرباح، عاما بعد عام. واستعمال كل الوسائل الممكنة لذلك، المباحة وغير المباحة. فأين مشروعاتهم للنهوض بالأمة، وهم الذين يمتلكون الشق الثاني من الحل للنهوض: المال. والأول هو: الطاقات.
- ولا يصح أن يكون هدف التعليم إعادة إنتاج أجيال مكررة، تعيد الدورة العلمية نفسها، فتكون كالرحى يدور في فراغ، لا يطحن حبا، ولا يسقي زرعا.
المهمة كبرى، وثقيلة، ولا تحتملها جهة دون أخرى، كل له وعليه واجب على قدره، فواجب الحاكم أكبر من غيره، وهذا معروف. وواجب العالم كبير وحساس، وواجب التاجر أساس ومؤثر.. والكل راع، وهو مسؤول عن رعيته.. فمتى اليقظة، والاستفاقة من الغفلة ؟.
الثانية: إعمال ميزان الشريعة في معاملة الغرب، فمن هذه الموازين:
1- أن الحق ضالة المؤمن: أنى وجدها، فهو أولى بها.
فحيث وجد ما هو مفيد وحق، فمن الضروري الأخذ به0 وهذا الأمر صار من المسلمات عند جماهير المسلمين؛ الخواص، والعوام.
2- أن الغرب المخالف للمسلمين في الدين، منه المحارب، ومنه المسالم؛ دولا، وشعوبا.
فالمحارب يتبرء منه ويعادى، والمسالم يبر به ويقسط إليه؛ بمعنى أن تكون العلاقة معه أحسن وأفضل بالنظر إلى العلاقة مع المحارب، لا إلى المسلم.
إذن لا يصح التعامل مع الغرب على: أنه وحدة واحدة غير مجزئة، ولا متنوعة.
3- أن المصلحة من العلل الشرعية المرعية.
فقد تضيق المعاملة مع المحارب من طريق العقيدة، لكنها تتسع من جهة الشريعة، من طريق المصلحة الشرعية، بشرط عمومها للأمة، فتجوز المهادنة، والمعاهدة معه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش، واليهود، والروم.
4- دعوة الغرب إلى الإسلام.
وتبليغهم وتعريفهم به، فالغرب كله - خصوصا المسالم، وهو الأكثر - محل الدعوة، كسائر البشر، بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، بكافة الوسائل: المرئية، والمقروءة، والمسموعة.
فالتوازن في التعامل مع الغرب مطلوب ومهم، فلا يصح إغفال ما قدمه من خدمة للإنسانية والعالم، كذلك لا يصح إغفال ما تسبب فيه وتورط من الإضرار بالإنسانية، والبيئة، والحياة الفطرية.
والقبول به جملة وتفصيلا، والترحيب به، والترويج لمثله، وقيمه ونشاطاته كلها، يمكن أن يكون أكثر تطرفا من الرفض الكلي، وأشد تنطعا من الإعراض عن كل ما أنتج وأبدع. الذي لا يكاد يوجد اليوم.. فأين نجد اليوم الذي يرفض ولا يقبل بكل ما أنتجه الغرب، مما هو مفيد للبشرية ؟.
قد كان ذلك في فترة مضت عند فئة محدودة قليلة الحظ في العلم، أما اليوم فالإجماع منعقد على الاستفادة من حضارة الغرب، بما لا يخل بالدين، والعقل، والخلق.
أما التطرف الآخر؛ تطرف القبول والرضى بالكل، فهو الذي يعاني منه المسلمون اليوم، وهو من أخطر أسباب انحطاط؛ إذ صار الغرب ينخرها من الخارج، وهذا التطرف ينخرها من الداخل.
من الأمور التي يروج لها هذا الاتجاه المتطرف:
الادعاء بأن تقدم الغرب لم يكن ليحصل من دون جميع تلك السلبيات التي رافقته.
وعليه فالدول التي تبتغي التقدم عليها الأخذ بأنموذج الغربي، بسلبياته، وإيجابياته.
وهذا ادعاء غير مفهوم ؟!!.
فليس من المفهوم عقلا، امتناع التقدم والتطور إلا بالجمع بين السلبيات والإيجابيات،!!، فالسلبيات أمراض تفسد الإيجابيات، وكل العقلاء يقولون: إن الغرب كاد أن يكمل لولا هذه السلبيات.
وفي الغالب أن هذه الفئة عينها على السلبيات، خصوصا وأنها تتعلق بجانب اللذات والشهوات والحرية اللامحدودة، وهذه الفئة هي التي جلبت هذه السلبيات إلى البلاد والدول ورسختها، ولم تأت بشيء من الإيجابيات.!!.
* * *
الصراع بين الغرب وأمة الإسلام .
الصراع مع الغرب قائم، فالغرب يتهدد مصالح المسلمين، ويستحوذ على ثرواتهم، وعقولهم، وجهودهم، ويتجرد من كل رادع، يردعه عن ظلم المسلمين، حتى لو كان بالاحتلال وقتل الآلاف.
وهذه أوضاع صريحة وواضحة في العداء، لا يمكن استغفال المسلمين، والضحك عليهم بكلمات عن السلام والتعايش بين الغرب والمسلمين، فالكلام شيء، والأفعال شيء آخر.
بل إنا لنجد في كلامهم من التحريض ما هو واضح وصريح:
- مثل تصريحات الرئيس الأمريكي بوش: "إنها حرب صليبية".
- وتصريحات البابا ضد الإسلام؛ أنه دين القتل والإرهاب.
- وإهانة القرآن في سجن غوانتنامو، والسجون الإسرائيلية.
- والرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم في الصحف الدنمركية.
ثم ترجمة هذه الكلمات بحرب سافرة ضد بلاد المسلمين، واحتلال، وإشاعة الفوضى فيها، وتدمير البلدان، وقتل مئات الآلاف، والأمثلة معروفة: فلسطين، العراق، أفغانستان. فهو قول وفعل.
فهل بعد هذا يمكن لعاقل حر أبي أن يستغفل بكلام يصدر عن هؤلاء المعتدين أنفسهم، يروجون فيه للسلام والتسامح ؟!!.
إنه تحايل الجزار على الضحية بشيء من العلف.. والنهاية معلومة.
إن هذا ليؤكد الخبر النبوي الكريم عن الحرب الذي بين المسلمين والروم - وهو الاسم القديم لأمة الغرب اليوم – أنها سجال. باقية على مر القرون، حتى خروج الدجال ونزول المسيح ابن مريم، وهذا ما يؤمن به أيضا المتدينون منهم، وهم بانتظار المعركة الفاصلة هرمجدو، بحسب ما يعتقدون.
- عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أعدد ستا بين يدي الساعة... ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا). [رواه البخاري، وبنو الأصفر هم الروم]
فمنذ الحروب الصليبية وإلى اليوم والنزاع والحرب قائم بين الأمتين..
والغرب الذي ينقسم إلى شعوب وحكومات أمره بيده الثاني، أما الأول فليس له من الأمر، وإن بدا ذلك في الظاهر، فمهما كان مسالما، فهو لن يغير في حقيقة الوضع القائم.
وهذه الحالة يجب ألا تغيب على بال المتعاطي للسياسة.
وأما نحن المسلمون فإنا أهل التسامح وأهل السلم، لا نجري وراء حرب، ولا نسعى في العدوان، لكننا أشد الناس بأسا إذا ما نيل من مقدساتنا.