حوار الأديان

هتون بنت محمد الغزواني

 

يعد موضوع حوار الأديان من أكثر الموضوعات المعاصرة بحثا وطرحا ومن ثم اختلافا في وجهات النظر إلى حد التعارض .

ومرجع هذا الاختلاف هو سعة "حوار الأديان" من حيث المفهوم والتناول والأهداف .

فحوار الأديان قد يأتي منصبا على القضايا الدينية التي تختلف فيها الأديان ، مثل قضايا الألوهية في الجانب العقدي ، وقضايا الرسل وقضايا الكتب السماوية ، ومثل قضايا العلمانية وعلاقة الدين بالسياسة ، وقضايا الواقع المعاش وعلاقات الشعوب ببعضها وحرية التعبير والعقيدة .

وقد يأتي للاتفاق على قضايا مشتركة أو مناقشتها ، كمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله مثل قتل الأبرياء والمدنيين والمسالمين ، وتدمير المنشآت العامة ، والاحتلال العسكري للدول .

أو منع القتل بكافة أشكاله كالموت السريري والقتل الرحيم والإجهاض .

أو إدانة التطاول على الديانات والرسل والأنبياء والمسائل المقدسة .

كما قد يأتي حوار الأديان لمناقشة مسائل آنية بعينها ، كما لو أقيم مؤتمرا لحوار الأديان يناقش قضية الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد يأتي أيضا لتمرير أهداف سياسية .

أما من حيث المتحاورين فقد يكون المتحاورون رجال دين يمثلون الأديان المتحاورة ، وقد يكونون أكاديميين ، وقد يكونون ناشطين في المجال الإنساني، وقد يكونون خليطا من كل هؤلاء .

وقد يأتي حوار الأديان مقصورا على ديانتين سماويتين كالإسلام والنصرانية ، أو ثلاث ديانات سماوية ، أو أكثر من ذلك بإدخال بعض الأديان الموضوعة .

كما قد يقتصر حوار الأديان على إقليم معين أو بلد معين أو يكون دوليا عاما .

هذه التنوعات هي ما تخلق البلبلة في الرؤى والتناول ، مما قد يحدو بالبعض إلى رد حوار الأديان برمته ، أو قبوله برمته ، أو الوقوف وقفة المتوجس المرتاب .

والناظر بهدوء في قضية حوار الأديان يجد أنها قد تكون مفيدة في هذا العصر المخيف ، بل قد تشتد الحاجة إليها إلى درجة الوجوب ، بعد أن طغت الآلة على الإنسان مؤخرا ، وابتلع الجشع المادي النقاء الروحي ، وتجرأ العقل على غيبيات الكون ، وتطاول الإنسان على خالقه .

الغرب في مجمله هذه الأيام يشكو ابتعاده التدريجي عن القيم الإنسانية ، والإنسان الغربي أصبح يبحث لقلقه الروحي عن سكن يأوي إليه ، فأخذ يبحث عن هذا السكن في الفن والموسيقى والأدب والرياضة ، لذا فهو في حالة استعداد دائم للاندماج في الثقافات الأخرى والبحث عن قشة سكينة في قرى أفريقيا وعادات الصين وعقائد المسلمين .

وحينئذ فإن تحكم المسلم في عاطفته المتورمة غضبا وحنقا على الغرب جراء ما تجرعه من ويلات ونكبات على طول هذا القرن ، وتجاوزه لبديهيات ردود الأفعال تجاه العدو المغتصب خلق نبوي ، سبقه إليه أكثر الرسل والأنبياء والفضلاء ، وسمو فوق الأنانية الفردية إلى التضامن الإنساني الخلاق ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل } . ( صحيح البخاري / كتاب : المرضى ) .

وفي رواية : { الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون } .

والحقيقة أن صبر المسلم هذه الأيام على القهر وعدم اليأس من الحوار والإقناع والجدال بالتي هي أحسن أمر ملجأ إليه ، فهو الحلقة الأضعف في موازين القوى اليوم ، لذا فليس له في هذه الظروف أن يكذب على نفسه ويتمسك بعنتريات مجوفة وشعارات مفرغة من محتواها .

بل عليه أن يستغل المتاح له من السبل للمطالبة بحقوقه بل وإقناع الآخرين بها ، وليتأكد أنه إن كانت هذه الأمور التي يؤمن بها جديرة بالاتباع والقبول فإنها ستثبت نفسها بنفسها .

نماذج من صبر الأنبياء في سبيل أقناع غيرهم :

نوح عليه السلام :

لقد دعا نوح عليه السلام قومه ألف سنة إلا خمسين عاما بلا كلل ولا ملل ولا يأس ، ومع ذلك كانوا يسخرون به وبدعوته ، قال تعالى :

وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ } : (هود /38) .

إبراهيم عليه السلام :

جرب إبراهيم عليه السلام أقصى أنواع التعذيب في مقابل محاولته لإقناع قومه أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فأضرمت له نارا عملاقة وطرح فيها بالمنجنيق .

عيسى عليه السلام :

كذبه قومه وناصبوه العداء وسخروا به ، حتى انتهى الأمر إلى محاولة صلبه ، لولا أن أنجاه الله برفعه إليه .

محمد صلى الله عليه وسلم :

قضى السنين الطوال يقنع قريشا بالتوحيد ، وهم يكذبونه ويؤذونه ويسخرون به ثم ذهب إلى أهل الطائف يدعوهم بدعوة الإسلام فآذوه وضربوه فلما نزل عليه جبريل وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين وهما جبلان يحيطان بالطائف فآثر النبي صلى الله عليه وسلم إمهالهم وعدم التعجل في أخذهم بذنوبهم أملا في أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله .

بالإضافة إلى قصة حبيب النجار التي جاءت في سورة يس ، حيث دعا قومه إلى عبادة الله فقتلوه ، فقيل : له ادخل الجنة ، قال : ياليت قومي يعلمون! فها هو حتى بعد أن كذبه قومه وآذوه ثم قتلوه يحمل هما إنسانيا خلاقا ويتحسر على أن قومه لم يهتدوا فيدخلوا الجنة مثله .

هذه الأمثلة من السمو الروحي الذي يرتفع بصاحبه فوق حظوظ النفس الفردية إلى الهم الجماعي الإنساني تؤكد قضية قبول حوار الأديان مع غض الطرف عن الممارسات الجارحة التي يقوم بها بعض منتسبي هذه الأديان ، طمعا في إشاعة الحق والسلام والنور .

كما أن الإسلام قرر هذا المبدأ على العموم ، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في شأن أهل الكتاب بقوله : { وجادلهم بالتي هي أحسن } : (النحل/125) .

وقال تعالى : { قُل يا أهلَ الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلا الله ولا نُشركَ به شيئاً } : (العمران/64)

وبالطبع لا يعني هذا قبول كل الحوارات بلا تمحيص ، فأحيانا لا يكون من حوار الأديان إلا اسمه ، فقد يستغل المسمى لتمرير بعض القضايا التي هي أبعد ما تكون عن حوار الأديان وإن كانت تحمل اسمه .

وفي قطر فإن هناك مؤتمرا سنويا لحوار الأديان ، أنهى إلى الآن سنته الخامسة ، وقد يتساءل البعض عن منجزات هذا المؤتمر السنوي وكل المؤتمرات الشبيهة في الدول الأخرى ، لكن الناظر بعمق سيعرف أن مثل هذه المؤتمرات تسير ببطء ، لكنها تسير ، وبطئها ناتج عن تكالب الأفكار الأخرى التي تستبعد فكرة الدين خارج إطار الحياة ، لذا فيتأخر نضوج ثمار هذه اللقاءات .

خلاصة الموضوع :

حوار الأديان كفكرة عامة ، لا أظن أن هناك من يعترض عليها ، إنما تأتي الاعتراضات على تحقيق شروط الحوار ، وتوقيت الحوار ، وتنبع هذه الاعتراضات في مجملها من مسألة الشك في جدية هذه الحوارات وموضوعيتها ، فالدكتور محمد عمارة وهو من أبرز المفكرين الإسلاميين الذين تفاءلوا باكرا بقضية حوار الأديان رجع عن تفاؤله مؤخرا وألف كتابا يندم فيه على ضياع سنوات عمره في هذه الأكذوبة .

لكن لا يزال هناك متسع لمن يريد مخالفة الدكتور عمارة بحجة أن اليأس والقنوط واستعجال النتائج ليس بمنهج علمي ، كما أن المنهج الإسلامي الخالد جاء بعكس هذا مشجعا الحوار والجدال بالتي هي أحسن .

  1. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

يقول الشيخ ناصر الأحمد في خطبة له عن تقارب الأديان بتاريخ 1/7/1429هـ

(( والغاية من هذه الدعوة أحد أمرين:

أولاً: احترام الأديان الباطلة، أو احترام ما يسمى بالأديان السماوية كاليهودية والنصرانية، وذلك بعدم الطعن فيها، وبترك الجهر ببطلانها، وترك إطلاق اسم الكفر على من يدين بها، وهذا ما يعبر عنه بعضهم بـ “التعايش السلمي بين أهل الملل الثلاث”.

ثانياً: الاعتراف بصحتها، وبأنها طريق إلى الله كالإسلام، ومعنى هذا أن كلاً من اليهود والنصارى والمسلمين لا فرق بينهم إذ كل منهم على دين صحيح.

وهذه حقيقة الوحدة المزعومة، وبهذا يكونون إخوة فلا عداوة ولا بغضاء، بل لا دعوة ولا جهاد، والقول بهذه الوحدة كفر بواح، وهو معدود في نواقض الإسلام.

أيها المسلمون: إن دعوة التقارب بين الأديان دعوة إلى نسيان الماضي التاريخي والتخلص من آثاره، كالذي حصل من الصليبين في حروبهم الصليبية وما قاموا به من ظلم وتقتيل وتشريد للمسلمين. إن دعوة التقارب بين الأديان دعوة إلى فتح صفحة جديدة بين الأديان يسودها السلام والعدل والتسامح بزعمهم. ولا يخفى على اللبيب خبث هذه الدعوة وما وراءها ولكنها لا تنطلي على المسلم الواعي لعقيدته، الواعي لتاريخه، الواعي لواقعه المعاصر الذي يمارس فيه هؤلاء الكفار الذين يدعوننا إلى الحوار، شتى صور القتل والتعذيب والتشريد في بلدان المسلمين، ويكفينا ما يدور الآن في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال من الغرب الصليبي اليهودي والذي تتولى كبره أمريكا الكافرة.

إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة بين المسلمين والكفار بحجة التسامح والتقريب والحوار بين أهل الأديان يخطئون في فهم دين الله الحق، وفهم الأديان المخالفة، كما يخطئون فهم معنى التسامح، وفهم الواقع الأليم. فالغرب الكافر يريد من المسلمين أن يتسامحوا من طرف واحد ويتقبلوا العدوان عليهم والتقتيل والاحتلال ويستسلموا للأعداء، أما هو فلا حسيب على عدوانه وحقده لأنه جاء ينشر الحرية والعدل والديمقراطية بزعمه. ومع ذلك نجد من بني جلدتنا من يحسن الظن بعدونا الكافر، ولا ندري هل هذا جهلاً منه أو خبثاً، ويرى أن في مؤتمرات الحوار والتعاون بين الأديان فرصة لنشر السلام والقضاء على الفقر والظلم والعدوان.

نسأل الله جل وتعالى أن يهدي ضال المسلمين ..

بارك الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية:

الحمد لله ..

أما بعد: أيها المسلمون: لقد تحصّل مما تقدم أمور:

أولاً: أن الدين عند الله الإسلام، وهو دين الرسل كلهم.

ثانياً: أن الله لا يقبل من أحد ديناً سواه.

ثالثاً: أن الإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مختص فيما جاء به وفي أتباعه.

رابعاً: أن كل من خرج عن شريعة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة فلا يسع أحدًا الخروجُ عمَّا جاء به.

خامساً: أن اليهود والنصارى كفار تجب دعوتهم إلى الإسلام وجهادهم إذا تهيأت أسبابه، كما تجب دعوة المشركين وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون).

سادساً: أن من صحح دين اليهود والنصارى الذي هم عليه بعد التحريف والتبديل والنسخ، فهو كافر مرتد عن الإسلام.

سابعاً: أن من مات من اليهود والنصارى وغيرهم على كفره، وقد بلغته دعوة الإسلام، فهو من أهل النار خالداً فيها، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار”. رواه مسلم.

ثامناً: وجوب البراءة من الكافرين ومن دينهم، وبغضُهم وعداوتُهم حتى يؤمنوا بالله وحده.

تاسعاً: بطلان دعوة التقريب بين الأديان، أو وحدة الأديان، وأنها دعوة كفرية، لأنها تتضمن صحة دين اليهود والنصارى الذي هم عليه، وهو دين باطل.

عاشراً: تحريم ما يُتخذ وسيلة إلى ذلك، مثل ما يسمى بـ: “حوار الأديان”، ونحوه من الأسماء، وأما الحوار بين المسلمين وأهل الأديان الباطلة لدعوتهم إلى الدخول في الإسلام على أساس من قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون)، وقوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)، وقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون) فهو من سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين).

الحادي عشر: تحريم ما يسمى “احترام الأديان” و “التسامح بين الأديان” الذي مضمونه ترك الطعن في الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية وغيرهما، فإنه لا دين يجب احترامه إلا دين الإسلام، لأنه الدين الحق، دون ما سواه.

الثاني عشر: أنه لا أخوة بين المسلمين والكفار، فلا يجوز أن يقال: إخواننا النصارى أو غيرهم من الكافرين، وإنما الأخوة والولاء بين المؤمنين، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “وكونوا عباد الله إخوانا” متفق عليه، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض)، وقد عقد الله الأخوة بين الكفار والمنافقين، قال تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب)، وجعل سبحانه وتعالى الكافرين بعضهم أولياء بعض، قال تعالى: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير).

الثالث عشر: أن التوراة والإنجيل بعد التحريف والتغيير والنسخ لا يجوز الرجوع إليهما في طلب الهدى ومعرفة ما يقرب إلى الله، ولا يجوز ذكرهما مع القرآن على أن لهما حرمة بحجة أنهما منـزلان من عند الله، فقد دخلهما كثير من الباطل، ونسخ كثير من أحكامهما، وما فيهما من حق أغنى الله المسلمين عنه بكتابه العزيز الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنـزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد)، ولهذا لما أتى عمر بن الخطاب t إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، غضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: “أمتهوكون فيها يا بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني”. رواه أحمد.

نسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين صراطه المستقيم صراط (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين فضلاً منه ونعمة والله عليم حكيم ..

اللهم ..

* هذه الخطبة نص لبيان صدر من الشيخ العلامة عبدالرحمن البراك في 15/6/1429هـ، مع إضافة بسيطة لغيره.

فتن بعض المسلمين خلال سنين مضت بقضية " الحوار مع الأديان الأخرى " أو مع " الغرب " بغية الوصول إلى تعايش سلمي - كما يقال - من خلال نبذ الصراعات والاعتراف المتبادل بين الجميع ، مغترين بالجهود الحثيثة التي يبذلها الآخرون بدعوى الوصول لهذا الهدف ؛ عن طريق إقامة المؤتمرات الحوارية واللقاءات . 

وكان هذا البعض ينتقد كل من يحذره من هذه الدعوات واللقاءات المشبوهة المخادعة المخالفة لسنة الله الكونية والشرعية ، التي يستغلها الآخرون لاستدراج المسلمين لباطلهم ، أو دفعهم للتنازل عن شيئ من دينهم ؛ كما قال تعالى { ودوا لو تُدهن } . متغافلين عن إخبار الله تعالى بأن الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة ، وعن قوله { ولا يزالون يقاتلونكم } ، وقوله { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك . وما أنت بتابع قبلتهم . وما بعضهم بتابع قبله بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين } . وقوله { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } . 

إلا أن العقلاء منهم اكتشفوا بعد جهد ضائع زيف هذه المؤتمرات ودعوات الحوار ؛ عندما وجدوها لا تختلف كثيرًا عن المؤسسات التنصيرية ! رغم التضليل الخارجي المتخفي خلف الشعارات . 

وأسوق هنا اعتراف فارس من فرسان هذه الحوارات واللقاءات ؛ هو الدكتور محمد عمارة ؛ الذي كان في يوم ما مخدوعًا بها ، مؤملا عليها آمالا كثيرة ؛ إلى أن اكتشف في النهاية أن آماله تتبخر مثل السراب بعد كل مؤتمر يحضره أو يشارك فيه . 

ولعل في نشر اعترافه - الذي يشهد لشجاعته - عبرة لمن لازالوا يؤملون أن يجنوا من الشوك العنب . 

يقول الدكتور في مقدمة كتيبه " مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا " ( ص 5-14) : ( مع كل ذلك، فتجربتي مع الحوارات الدينية –وخاصة مع ممثلي النصرانية الغربية- تجربة سلبية، لا تبعث على رجاء آمال تُذكر من وراء هذه الحوارات التي تُقام لها الكثير من اللجان والمؤسسات، وتُعقد لها الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات ، ويُنفق عليها الكثير من الأموال. 

وذلك أن كل هذه الحوارات التي دارت وتدور بين علماء الإسلام ومفكريه وبين ممثلي كنائس النصرانية الغربية، قد افتقدت ولا تزال مفتقدة لأول وأبسط وأهم شرط من شروط أي حوار من الحوارات ؛ وهو شرط الاعتراف المتبادل والقبول المشترك بين أطراف الحوار، فالحوار إنما يدور بين "الذات" وبين "الآخر"؛ ومن ثم بين "الآخر" وبين "الذات"، ففيه إرسال وفيه استقبال، على أمل التفاعل بين الطرفين، فإذا دار الحوار –كما هو حاله الآن- بين طرف يعترف بالآخر، وآخر لا يعترف بمن "يحاوره"، كان حواراً مع "الذات"، وليس مع "الآخر"، ووقف عند "الإرسال" دون "الاستقبال"، ومن ثم يكون شبيهاً –في النتائج- بحوار الطرشان! .. 

موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين هو موقف الإنكار، وعدم الاعتراف أو القبول، فلا الإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء، حتى لتصل المفارقة في عالم الإسلام إلى حيث تعترف الأكثرية المسلمة بالأقليات غير المسلمة، على حين لا تعترف الأقليات بالأغلبية! 

فكيف يكون، وكيف يثمر حوار ديني بين طرفين، أحدهما يعترف بالآخر، ويقبل به طرفاً في إطار الدين السماوي، بينما الطرف الآخر يصنفنا كمجرد "واقع"، وليس كدين، بالمعنى السماوي لمصطلح الدين؟! 

ذلك هو الشرط الأول والضروري المفقود، وذلك هو السر في عقم كل الحوارات الدينية التي تمت وتتم رغم ما بُذل ويُبذل فيها من جهود، وأنفق ويُنفق عليها من أموال، ورُصد ويُرصد لها من إمكانات! 

أما السبب الثاني لعزوفي عن المشاركة في الحوارات الدينية –التي أُدعى إليها- فهو معرفتي بالمقاصد الحقيقية للآخرين من وراء الحوار الديني مع المسلمين، فهم يريدون التعرّف على الإسلام، وهذا حقهم إن لم يكن واجبهم، لكن لا ليتعايشوا معه وفقاً لسنة التعددية في الملل والشرائع، وإنما ليحذفوه ويطووا صفحته بتنصير المسلمين! 

وهم لا يريدون الحوار مع المسلمين بحثاً عن القواسم المشتركة حول القضايا الحياتية التي يمكن الاتفاق على حلول إيمانية لمشكلاتها، وإنما ليكرسوا –أو على الأقل يصمتوا- عن المظالم التي يكتوي المسلمون بنارها، والتي صنعتها وتصنعها الدوائر الاستعمارية التي كثيراً ما استخدمت هذا الآخر الديني في فرض هذه المظالم وتكريسها في عالم الإسلام. 

فحرمان كثير من الشعوب الإسلامية من حقها الفطري والطبيعي في تقرير المصير واغتصاب الأرض والسيادة في القدس وفلسطين والبوسنة والهرسك وكوسوفا والسنجق وكشمير والفلبين .. إلخ .. إلخ .. كلها أمور مسكوت عنها في مؤتمرات الحوار الديني. 

بل إن وثائق مؤتمرات التدبير لتنصير المسلمين التي تتسابق في ميادينها كل الكنائس الغربية، تعترف –هذه الوثائق- بأن الحوار الديني –بالنسبة لهم- لا يعني التخلي عن "الجهود القسرية والواعية والمتعمدة والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر" بل ربما كان الحوار مرحلة من مراحل التنصير! 

وإذا كانت النصرانية الغربية تتوزعها كنيستان كبريان، الكاثوليكية، والبروتستانتية الإنجيلية، فإن فاتيكان الكاثوليكية –الذي أقام مؤسسات للحوار مع المسلمين، ودعا إلى كثير من مؤتمرات هذا الحوار- هو الذي رفع شعار: "إفريقيا نصرانية سنة 2000م"، فلما أزف الموعد، ولم يتحقق الوعد، مد أجل هذا الطمع إلى 2025م !! 

وهو الذي عقد مع الكيان الصهيوني المغتصب للقدس وفلسطين معاهدة في 30-12-1993م تحدثت عن العلاقة الفريدة بين الكاثوليكية وبين الشعب اليهودي، واعترفت بالأمر الواقع للاغتصاب، وأخذت كنائسها في القدس المحتلة تسجل نفسها وفقاً للقانون الإسرائيلي الذي ضم المدينة إلى إسرائيل سنة 1967م!! 

بل لقد ألزمت هذه المعاهدة كل الكنائس الكاثوليكية بما جاء فيها، أي أنها دعت وتدعو كل الملتزمين بسلطة الفاتيكان الدينية –حتى ولو كانوا مواطنين في وطن العروبة وعالم الإسلام- إلى خيانة قضاياهم الوطنية والقومية! 

وباسم هذه الكاثوليكية أعلن بابا الفاتيكان أن القدس هي الوطن الروحي لليهودية، وشعار الدولة اليهودية، بل وطلب الغفران من اليهود، وذلك بعد أن ظلت كنيسته قروناً متطاولة تبيع صكوك الغفران ! 

أما الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية الغربية، فإنها هي التي فكرت ودبرت وقررت في وثائق مؤتمر كولورادو سنة 1978م: 

"إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرة البشر، ونحن بحاجة إلى مئات المراكز تؤسس حول العالم بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام ليس فقط لخلق فهم أفضل للإسلام وللتعامل النصراني مع الإسلام، وإنما لتوصيل ذلك الفهم إلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودهاء"!! 

ولقد سلك هذا المخطط –في سبيل تحقيق الاختراق للإسلام، وتنصير المسلمين- كل السبل اللا أخلاقية- التي لا تليق بأهل أي دين من الأديان- فتحدثت مقررات هذا المؤتمر عن العمل على اجتذاب الكنائس الشرقية الوطنية إلى خيانة شعوبها، والضلوع في مخطط اختراق الإسلام والثقافة الإسلامية للشعوب التي هي جزء وطني أصيل فيها، فقالت وثائق هذه المقررات: 

"لقد وطّدنا العزم على العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصارى والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي، إن النصارى البروتستانت في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، منهمكون بصورة عميقة ومؤثرة في عملية تنصير المسلمين. ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها، وتقتحم بعزم جديد ثقافات ومجتمعات المسلمين الذين تسعى إلى تنصيرهم، وعلى المواطنين النصارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معاً، بروح تامة من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين". 

فهم يريدون تحويل الأقليات الدينية في بلادنا إلى شركاء في هذا النشاط التنصيري، المعادي لشعوبهم وأمتهم ! 

كذلك قررت "بروتوكولات" هذا المؤتمر تدريب وتوظيف العمالة المدنية الأجنبية التي تعمل في البلاد الإسلامية لمحاربة الإسلام وتنصير المسلمين، وفي ذلك قالوا: 

"إنه على الرغم من وجود منصرين بروتستانت من أمريكا الشمالية في الخارج أكثر من أي وقت مضى، فإن عدد الأمريكيين الفنيين الذين يعيشون فيما وراء البحار يفوق عدد المنصرين بأكثر من 100 إلى 1، وهؤلاء يمكنهم أيضاً أن يعملوا مع المنصرين جنباً إلى جنب لتنصير العالم الإسلامي، وخاصة في البلاد التي تمنع حكوماتها التنصير العلني"! 

كذلك دعت قرارات مؤتمر كولورادو إلى التركيز على أبناء المسلمين الذين يدرسون أو يعملون في البلاد الغربية، مستغلين عزلتهم عن المناخ الإسلامي لتحويلهم إلى "مزارع ومشاتل للنصرانية"، وذلك لإعادة غرسهم وغرس النصرانية في بلادهم عندما يعودون إليها، وعن ذلك قالوا: 

"يتزايد باطراد عدد المسلمين الذين يسافرون إلى الغرب؛ ولأنهم يفتقرون إلى الدعم التقليدي الذي توفره المجتمعات الإسلامية، ويعيشون نمطاً من الحياة مختلفاً –في ظل الثقافة العلمانية والمادية- فإن عقيدة الغالبية العظمى منهم تتعرض للتأثر. 

وإذا كانت "تربة" المسلمين في بلادهم هي بالنسبة للتنصير "أرض صلبة، ووعرة" فإن بالإمكان إيجاد مزارع خصبة بين المسلمين المشتتين خارج بلادهم، حيث يتم الزرع والسقي لعمل فعال عندما يعاد زرعهم ثانية في تربة أوطانهم كمنصرين"! 

بل إن بروتوكولات هذا المؤتمر التنصيري لتبلغ قمة اللا أخلاقية عندما تقرر أن صناعة الكوارث في العالم الإسلامي هي السبيل لإفقاد المسلمين توازنهم الذي يسهل عملية تحولهم عن الإسلام إلى النصرانية! فتقول هذه البروتوكولات: 

"لكي يكون هناك تحول إلى النصرانية، فلابد من وجود أزمات ومشاكل وعوامل تدفع الناس، أفراداً وجماعات، خارج حالة التوازن التي اعتادوها. وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية، كالتفرقة العنصرية، أو الوضع الاجتماعي المتدني. وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة، فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية .. 

إن تقديم العون لذوي الحاجة قد أصبح عملاً مهماً في عملية التنصير! وإن إحدى معجزات عصرنا أن احتياجات كثير من المجتمعات الإسلامية قد بدلت موقف حكوماتها التي كانت تناهض العمل التنصيري ؛ فأصبحت أكثر تقبلا للنصارى " ! 

فهم –رغم مسوح رجال الدين- يسعون إلى صنع الكوارث في بلادنا، ليختل توازن المسلمين، وذلك حتى يبيعوا إسلامهم لقاء مأوى أو كسرة خبز أو جرعة دواء! وفيما حدث ويحدث لضحايا المجاعات والحروب الأهلية والتطهير العرقي –في البلاد الإسلامية- التطبيق العملي لهذا الذي قررته البروتوكولات، فهل يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي ومثمر مع هؤلاء؟! 

تلك بعض من الأسباب التي جعلتني متحفظاً على دعوات ومؤتمرات وندوات الحوار بين الإسلام والنصرانية الغربية، وهي أسباب دعمتها وأكدتها "تجارب حوارية" مارستها في لقاء تم في "قبرص" أواخر سبعينيات القرن العشرين، ووجدت يومها أن الكنيسة الأمريكية –التي ترعى هذا الحوار وتنفق عليه- قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين، "قاعدة" ومقراً لإدارة هذا الحوار ؟! 

ومؤتمر آخر للحوار حضرته في عمّان –بإطار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية- مع الكنيسة الكاثوليكية في الثمانينيات وفيه حاولنا –عبثاً- انتزاع كلمة منهم تناصر قضايانا العادلة في القدس وفلسطين، فذهبت جهودنا أدراج الرياح! على حين كانوا يدعوننا إلى "علمنة" العالم الإسلامي لطي صفحة الإسلام كمنهاج للحياة الدنيا، تمهيداً لطي صفحته –بالتنصير- كمنهاج للحياة الآخرة ! 

ومنذ ذلك التاريخ عزمت على الإعراض عن حضور "مسارح" هذا "الحوار"! . انتهى كلام الدكتور عمارة . 

قلتُ : ويحسن بالقارئ لمعرفة المزيد عن زيف مؤتمرات حوارات الأديان أن يطلع على رسالة قيمة مطبوعة في أربعة مجلدات للدكتور أحمد القاضي بعنوان " دعوة التقريب بين الأديان " . وكذا رسالة " تسامح الغرب مع المسلمين في العصر الحاضر - دراسة نقدية في ضوء الإسلام " . 

أما عن المؤتمر الشهير الوحيد ! الذي شارك فيه بعض العلماء بحسن نية فقد ذكر تفاصيله الأستاذ مطيع النونو في كتابه الجديد " حوار الحضارات بين المملكة العربية السعودية والفاتيكان - في إطار الحوار الإسلامي المسيحي " .

 

حوار الأديان ..... النشأة والهدف.

بدأت فكرة حوار الأديان في الظهور على الساحة العالمية في القرن الماضي وتحديدا في عام 1932م كانت فرنسا أول من نادى بها، عندما قامت بإرسال ممثلين إلى علماء الأزهر للتحاور معهم حول إمكانية توحيد الديانات الثلاث، الإسلام والنصرانية واليهودية.

التطور الفكري لحوار الأديان

ومع مرور الأعوام؛ تطورت فكرة حوار الأديان، تم انعقاد الكثير من المؤتمرات العالمية، إلى جانب الندوات المحلية، والحوارات التي جرت بين رجال الدين، والتي تبنت الفكرة في حيز التنفيذ.

إلا أن الصورة لم تظل على حالها، وتباينت أهداف و منطلقات حوار الأديان.

حوار الأديان، رؤى مختلفة

اختلفت رؤى علماء الدين، ورجال الفكر والسياسة في قضية حوار الأديان، وما هي الصورة المرجوة منه، وذلك على عدة آراء:

أ- مبدأ وحدة الأديان، أو تعانق الأديان: أي الاتفاق على قواسم مشتركة بين الأديان، بحيث أنه من آمن بتلك المبادئ المجمعة من الأديان السماوية، وربما غير السماوية صار مؤمناً، ولا يخفى بطلان تلك الدعوى لطمسها للهوية الإسلامية.

ب- توسيع حوار الأديان ليشمل الأديان الغير السماوية: وهذا ما حدث في المؤتمرات الأخيرة، حيث تم دعوة ممثلين عن الديانة البوذية، والهندوسية، لحضور المؤتمر، وإن كان الحوار مع أهل الكتاب له ثابت شرعي؛ للاتفاق على وجود إله ورسالة سماوية، فكيف يكون الحوار حوار أديان بين من لا يعترف بوجود رسالة، أو من يعبد صنماً، أو يسجد لدابة؟!!!

ج- اتخاذ حوار الأديان مطية لتطبيق أجندة سياسية معينة: وهذا ما حدث على سبيل المثال، في مؤتمر حوار الأديان بقطر، حيث تم الحوار بدعوى من الفاتيكان، الذي جاء بممثلين عنه ودعا أطرافاً إسلامية معينة دون أخرى، وتم فرض الموضوع المطروح للمناقشة؛ وهو حرية الردة، هذا إلى جانب دعوة حاخامات صهيونيين للمؤتمر، مما جعل بعض من علماء منظمة المؤتمر الإسلامي يقاطع المؤتمر؛ لأن هذا يجر الأمة إلى التنازل على ثوابت ومرتكزات رئيسية .

د- أن حوار الأديان فرصة لاجتماع الأديان السماوية، والاتفاق على بعض القضايا المشتركة، كأهمية الأخلاق الفاضلة، وحقوق الإنسان، وتحريم الاغتصاب، وغيرها من القضايا...

ويبقى أصحاب تلك التوجه في خانة المثالية، حيث لم يسلك هذا المسلك في أي من المؤتمرات السابقة، وإن كان؛ فينتهي ببعض التوصيات التي لم تقدم شيئاً ولم تؤخر.

أجندة مفروضة أم حوار

ولاشك أن حوار الأديان - على النحو الذي يراه الثلاثة فرق الأولى- أمر مرفوض، فالأديان لا تندمج، ولا يذوب بعضها في بعض، ولا يمكن أن تكون القواسم المشتركة بين الأديان هي معيار الإيمان لدى أصحاب الحوار.

إن هذا مما يفرغ رسالة الإسلام من مضمونها، تلك الرسالة التي أتت فنسخت الشرائع التي نزلت من قبلها، [[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ]]، [[وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ]].

أضف إلى ذلك؛ أنه كيف يتم الحوار بين الأديان، والآخر لا يعترف بك؟ أو من يعرض عليك أجندة مسبقة للحوار.

وهذا ما أكده العلماء في الاجتماع الأول لجمعية مقاصد الشريعة، الذي عقد بالقاهرة بتاريخ 15/ 12/ 2005، أن حوار الأديان أصبح بلا جدوى، خاصة مع رفض الاعتراف بالإسلام كدين سماوي ورفض اعتبار فلسطين دولة إسلامية.

وأن هناك مسائل يتم الحرص عليها في الحوار من الجانب المسيحي أهمها: السماح ببناء الكنائس بلا قيد، والسماح بالبعثات التبشيرية في الدول الإسلامية، والسماح بزواج المسلمة من غير المسلم.

أما الحوار بين الأديان للدفاع عن الثوابت الأخلاقية المشتركة؛ كحرمة الزنا، واللواط، والقتل، إلى غير ذلك، أو الحوار الذي يأخذ طابع درء الشبه عن الإسلام؛ فهذا مما ينبغي الحرص عليه؛ ولكن لا تحت مسمى حوار الأديان بل حوار مع الآخر أو الحوار على كلمة سواء مع أهل الكتاب كما سماه القرآن
قال الله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) وقال تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) وهاتان الآيتان القرآنيتان تدلان مع غيرها من آي الذكر الحكيم ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على أن كل ما عدا الإسلام من الأديان والملل باطلة كلها ، قال تعالى ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) وقال تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليه ولا الضالين ) والمغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى كما بين أهل العلم ، وقد جاء في آيات الفاتحة التأكيد على أن الطريق الوحدي الصريح الصحيح المؤدي إلى رضوان الله هو الإسلام ( الصراط المستقيم ) ، ولذا فكل حديث عن أن هنالك أديانا أخرى تحفظ كيان الأسرة كاليهودية أو النصرانية على سبيل المثال وتحفظ القيم والسلام كلام لا دليل عليه ، بل الأدلة على ضده ، فالتحريف الذي حدث في اليهودية والنصرانية وادخل على التوراة والإنجيل يجعل تلك الأديان باطلة ومنسوخة ، بل يجلعها بعد تحريفها سببا للشر في العالم ، ولو لم تكن سببا للشر في العالم ولو لم تكن باطلة لما أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدين الحق الذي جعله يهيمن على كل الأديان وينسخها ويبطلها ويجعل أهلها مغضوبا عليهم وضالين .
وإن الحوار المزعوم مع تلك الأديان وأهلها الهدف منه هو تذويب الفروق بين الإسلام والكفر ، وبين المسلمين والكفار ، ولقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة إلى الناس أجمعين داعيا لهم مبينا لهم طريق الحق ، ولذا فالعلاقة التي يجب أن تربط المسلمين بغيرهم هي علاقة الدعوة واعتقاد بطلان ما عند سواهم ، واعتقاد سلامة الإسلام وعصمته وكماله ، وأما الاحتجاج بقوله تعالى ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) فقد جاءت في سياق آية الدعوة التي مطلعها ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125النحل ، فهي إذن الدعوة وخلال الدعوة لا بد من الحوار وبيان الحق وتفنيد الباطل وإزهاقة ولكن كما أمر الله بالحكمة : أي العلم ، والموعظة الحسنة : بالتي هي أحسن ،أما الحوار فيعني التكافؤ والمجاملات وإقرار الباطل ، وهذا ما لم يأذن به الله ، وهذا ما يريده من يريد تفريغ الإسلام من حقيقته وتحريفه وتغييره ، والله الهادي إلى سواء السبيل .

حوار الأديان وعالمية الإسلام 

   كلمة الدين مأخوذة من فعل حروفه دَان يَدِيْنُ دِينًا وديانة، وذلك إذا خضع وذل فأطاع، يقول ابن فارس في معجمه (معجم مقاييس اللغة لابن فارس): الدال والياء والنون أصل واحد، إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذُل فالدين الطاعة، وقال صاحب مختار الصحاح: دَانَه يَدِينه دِينًا بالكسر أذله واستعبده، وفي الحديث: الكَيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت.  

الدين اصطلاحًا

   اسم لجميع ما يُعبَد به الله، وهو الملة والإسلام. وهو: اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان، بما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

حاجة الإنسان إلى الدين

   فَطَرَ اللهُ الإنسانَ على الخضوع والاتباع، ولا يتحقق ذلك إلا بنموذج يضعه الإنسان نُصب عينيه، والدين يمثل هذا النموذج في صورة محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث من عند الله، الذي يحمل رسالة الله إلى الإنسانية، فالإنسان في أمس الحاجة إلى الدين؛ لأنه به يستنير الطريق، وعن طريقه يحقق إنسانيته، فحاجته إلى الدين أشد من حاجته إلى الطعام والشراب والتنفس والهواء .

فطرية التدين وأصالة التوحيد

   خلق الله الإنسان على التوحيد، فالتوحيد فطرة فيه، قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم قالوا بلى شهدنا.....} وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ..." متفق عليه، ولم يقل أو يُمَسْلِمَانِه؛ لأن الإسلام هو الفطرة فلا يحتاج إلى توجيه، بشرط أن يتخلى عن المسلم شياطين الإنس والجن . لذلك لا يشك مسلم قط أن ما تدعيه الحَفْرِيات والمكتشفات الأثرية بأن الأصل في الإنسان الشرك، وأن التوحيد طارئ، كذب مكشوف، وافتراء واضح، ومسخ لفطرة الإنسان التوحيدية ولن تسمع من هؤلاء المكتشفين إنهم وجدوا ضمن مكتشفاتهم التوحيد؛ لأن ذلك يناقض هدفَهم الذي خرجوا من أجله ويريدون بثه في البشرية، والحق أن البشرية تسير في خطين متوازيين لا يلتقيان ولا يرتفعان خط التوحيد وخط الشرك والوثنية.

وحدة أصول الرسالات الإلهية وأن دين جميع الأنبياء هو الإسلام

   كل الرسالات التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزلة من عند الله العليم الخبير، وتمثل خطًا واحدًا سلكه كل المبعوثين من عند الله، ويظهر من تتبع دعوات الرسل أن الدين الذي دعت إليه جميعًا واحد، هو الإسلام قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} والإسلام ليس اسمًا خاصًا لدين خاص، وإنما هو اسم للدين المشترك الذي أتى به كل الأنبياء. فهذا نوح يقول لقومه: {فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين} والإسلام هو الدين الذي أُمِرَ به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}، وبه وصى كلٌ من إبراهيم ويعقوب أبناءهما قائلََين {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.

   فالإسلام دين عام طالب به كل الأنبياء أتباعَهم، منذ أولى الرسالات إلى خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ولُبُّ هذه الرسالات عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دون الله اتفقوا جميعًا في المعتقدات، إذ لا نسخ فيها، منذ آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وربما اختلفوا في الأحكام العملية إذ النسخ يدخلها، فهم متفقون في المعتقدات وربما يختلفون في الأحكام العملية كأحكام الطهارة والزواج وما شابه ذلك .

زمالة الأديان أو حوارها أو وحدتها في نظر الإسلام

   منذ أربعة عقود خلت، بدأنا نسمع بين الحين والآخر ما يسمى بالتقارب بين الأديان، أو التوحيد بينها، أو خلط بعضها في بعض، والخروج منها بدين يجمع بين شعاراته جُل الطقوس التي يدين بها البشر، فيُرضيهم جميعًا، وقد عقدت من أجل ذلك العديد من الندوات والجلسات المشتركة، بين اليهودية والنصرانية والإسلام، منها ما عقد في مدينة روما، ومنها ما عقد في العديد من الدول الإسلامية. ولا شك أن ذلك بمثابة ترك الحق الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم "تركتكم على المَحَجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وتبني الباطل الذي لا يشك مسلم في بطلانه، قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ...} وقال سبحانه: {وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله ...}.

الإسلام ناسخ لجميع الرسالات ومهيمن عليها

   القرآن والسنة كتابا الإسلام، فشرع الله الأخير المحفوظ في كتابه جَمَعَ بين دفتيه محاسن ما قبله من الكتب الإلهية السابقة، كالتوراة والإنجيل قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ...} ومن هنا كان القرآن هو الحاكم على تلك الكتب، والناسخ لما جاء في تلك الرسالات السابقة، وأما ما هو موجود في تلك الرسالات فهو مُغيَّر أو منسوخ لا يجوز العمل به .

موقف المسلم من الأديان المعاصرة

   يجب على المسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن جميع الأديان السابقة منسوخة، وأن دين الإسلام الأخير الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي سيبقى إلى يوم القيامة، وأن ما سواه من الأديان دخلها التحريف والتغيير، وأن الصحيح منها موجود في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم اهد ضال المسلمين، ورده إلى الحق المبين، إنك قادر حكيم.  

قال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) ( ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
إن دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أمر فرضه الله على المسلمين ، وقد مارسه المسلمون طوال أربعة عشر قرنا
قال تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ...)
فدعوتنا لغير المسلمين هي دعوة لاعتناق الإسلام وترك الكفر . وأما فكرة حوار الأديان التي يروج لها اليوم ، فهي فكرة غربية خبيثة دخيلة ، يحرمها الإسلام لأنها تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الأديان ، بل تدعو إلى دين جديد ملفق بدلا من الإسلام لأن الذي يدعون له هم الكفار الغربيون .
هذه الفكرة الخبيثة دعي إليها بشكل دولي عام 1932م عندما بعثت فرنسا ممثلين لها لمفاوضة رجال الأزهر في فكرة توحيد الأديان الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية ثم تلا ذلك مؤتمر باريس 1933م حضره مستشرقون ومبشرون ، ثم أخذت هذه المؤتمرات تتعاقب في السنوات 1936م و 1964 التي وجه فيها البابا الدعوة إلى حوار الأديان ومنذ ذلك الوقت انعقد اكثر من 15 مؤثمرا. وقد برروا لانعقاد المؤتمرات الأخيرة الوقوف في وجه الكفر والإلحاد المتمثل بالاتحاد السوفيتي قبل انهياره ، وللدفاع عن المؤمنين في الأرض ، وللبحث عن الحقيقة التي لا يجوز لأحد أن يدعي احتكارها إشارة إلى قوله تعالى (ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) وإنما يجب إخضاع الحقيقة حقيقة الدين إلى الديمقراطية ليكون رأي الأكثرية هو الأقرب إلى الحقيقة . لذلك جمعوا للمؤتمرات الحاليه كل أصحاب الديانات الزايفة ليكون لهم الرأي باعتبارهم الأكثرية . هكذا يريدون أن يكون الدين بالرأي وليس باتباع الوحي . ويريدون إيجاد معان جديدة لكلمات الكفر والإلحاد والشرك والإيمان والإسلام لكي لا نصفهم بالكفر والشرك والإلحاد كما وصفهم الله في كتابه . يريدون بلورة ميثاق مشترك لحقوق الإنسان التي داسها نصارى الصرب في البوسنة والهرسك وضربوا بل وارتكبوا أهمج ما يرتكبه حيوان في افتراس فريسته في كوسوفا . وها هي أيديهم تقطر دما مما يرتكبونه من قتل لأبناء العراق ولبنان وفلسطين . ويريدون إيجاد عوامل مشتركة بين الأديان في العقيدة والأخلاق بحيث لا تكون هناك عوامل تفرقة في التعامل بين مسلم يشاهد أخاه المسلم تداس كرامته وتنتهك حقوقه على أيدي اليهود والصليبيين وبين أولئك الطغاة الفجرة الكفرة . يريدون أن لا نصدق قول الله تعالى : (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) وقوله تعالى (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون)
إن نظرتهم الحقيقية للإسلام نظرة عداء وهي الدافع لهذا الحوار ، فالموسوعة الفرنسية الثقافية التي هي مرجع لكل باحث تنص على أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "قاتل ، دجال ، خاطف نساء ، وأكبر عدو للعقل البشري" وكذلك معظم الكتب المدرسية في أوربا الغربية تصف المسلمين ونبيهم بأبشع الصفات .

إن الهدف الرئيسي من هذا الحوار هو الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحياة كنظام لأنه يهدد مبدأهم وحضارتهم ويقضي على مصالحهم ونفوذهم . لذلك تجدهم يسمون المجاهد إرهابيا ، والمدافع عن حقه مخربا ، والمتمسك بدينه أصوليا متعصبا أما المتجاوز إلى ما نهى الله عنه فيسمونه معتدلا .

هذا هو واقع المسلمين اليوم ، فمنذ تفرقت أمتهم وتعددت كياناتهم والفتن والمحن تزداد انتشارا في أرضهم والفساد يعم مجتمعاتهم فها هي الحروب تقرع أسماعهم ، وتحرق الصواريخ وتهدم بيوتهم ، وتقصف الطائرات جموعهم وتدوس الدبابات جثثهم . فكم من باكية زوجها وحزينة على يتم أطفالها ، وهائمة في الخراب على وجهها ، ولا احتجاج ولا صوت من دولنا ، ولا ممن يدعون حقوق الإنسان ، وكأن هدم مدن بكاملها واجتثاث أمة من أرضها ليس إرهابا ولا تخريبا ، هذه هي مفاهيم الغرب التي يريد حوار الأديان أن يحققها ، فلا نفرق بين من يقتل أبناء عقيدتناوينتهك حقوقنا وبين إخوان لنا في ديننا يستغيثون ولا من مغيث 
لا تعجبوا ولا تستغربوا من سكوت المسلمين عما يجري في العالم لإخوتهم من ذبح وقتل ، فقد أقنعهم مؤتمر حوار الأديان بأن الجهاد في سبيل الله همجية وأن مناصرة إخوانهم وبني دينهم عصبية ، والله الذي لا إله إلا هو إن لم تعملوا جادين لإقامة دولتكم دولة الإسلام التي تحمي ديار المسلمين ، وترعى شؤونهم وتجاهد لحمايتهم لتظلون أذلاء أمام أعدائكم . وإن الذي جرى في البوسنة والهرسك وكوسوفا و في الشيشان ويجري في فلسطينوافغانستان والعراق ليجرين لكم

 

للحوار الإسلامي مع الغرب
-والذي يسمونه حوار الأديان أو الحضارات- حقيقته القائمة، وهي تمييع القضايا، وتقديم التنازلات عبر المساومات الرخيصة، والبحث عن نقاط التقاء لا قيمة لها في الحقيقة؛

لأن شركهم وكفرهم محبط لجميع أعمالهم، فالواجب في مثل هذا الحوار دعوتهم -بالتي هي أحسن- إلى الدخول في الإسلام، وليس اتخاذ موقف المدافع عن الإسلام، الذي يحاول أن يبرئه من أمور هي عندهم تـُهَمٌ، وعندنا فضائل.

فالجهاد مثلاً: هم يرونه تدخلاً في الشئون الداخلية. فالبعض يرد ويقول: هو عندنا جهاد دفع فقط، والحقيقة أننا نرى أن الجهاد بنوعيه -الدفع والطلب- هو حق لشعوب العالم على أمة الإسلام، فرضه الله -تعالى- عليها؛ لتـُزال عبادة الطواغيت من الأرض، الذين يحولون بين الناس ونور الحق، والذين يحرمون الأجيال القادمة من حقها في أن يصلها الإسلام كما أنزله الله. 

ومثال آخر في أمر البغضاء والعداوة مع الكفار لأجل كفرهم: كثير من المحاورين يتبرأ منها، والحقيقة أنها جزء من اعتقادنا بنص القرآن (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة:4)،

فلا نستطيع أن نقول لهم كما يقولون: "بيننا وبينكم كل مودة"، أو "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية". 

فالحوار مطلوب، وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية مطلوب، أما المداهنة والسكوت عن باطلهم، وترك دعوتهم إلى الإسلام فغير مقبول. ولا نأمل في أن يعترفوا بالإسلام كدين سماوي -كأحد البدائل- فهذا مطلب ليس بغالٍ، ولا يحقق لنا شيئاً

 

لو قيل لهؤلاء الداعين، أو المدَّعيـن، لما يسمى حوار الأديـان: تعالوا نفتح حـوارا بينكم وبين شعوبكـم، إذ هذه الشعـوب المسحوقة تعاني من شتّى أصنـاف الظلم، والقهر، والفقر، وتُعامـل كقطعـان الغنـم، فلا يُؤخذ رأيها حتى في قضاياها المصـيريّة، إلاّ في شكليات مثيرة للسخرية تُسمّى مجالس الشورى، أو الشعب، أو الأمّة.. الخ، ويُعبث بثرواتـها، بل بكرامتـها، ولا يُسمـح لأحـد أن يتدخـل في مساءلة السلطة، ولا يتجرأ أن ينتقدها، كأنَّ القائمين عليها ملائكة نزلوا من السماء! ولا يجرؤ مفكـّر أن يطالب بحقوق المسحوقيـن، أو إصلاح النظام السياسي، أو الأمني أو القضائي ـ وقد امتلأت السجون بسبب فساد النظـام بالمظلومين حتى خيار الناس من علماء، ومجاهدين ـ ولا يُقـبل إخضاع السلطة لنظام يجعلها محاسبة أمام شعبها في مؤسسات قوتها مستمدة من نظام الدولة، أو مساءلة القائمين على الحكم عما يفعلوه من نهب وسلب، وظلم، وكنز أموال يحسدهم عليها قارون.. الخ.

فستكون المطالبة بهذا الحوار، من أعظم الإجرام في الأرض، لا يُقبل من المطالب به صرف، ولا عدل! 

فليت شعري، ما معنى أن يُمنع الحــوار عن هذه القضايا المصيرية داخل بلادنا، ويحُظـر طـرح هذه القضايا للنقاش لإنقاذ شعوبنا من بؤسـها ويأسها، ويُجعـل هذا كلُّه حرماً حراماً، وحجراً محجوراَ...

بينما فجأة يصحو الضمير لتخليص الإنسانية، خارج أوطاننا، بحوار مع الأديان الأخرى! ثـمّ تنطلق في حالة من التجلّي الإنساني المفاجىء، تلك الدعوة إلى حوار الأديان! 

لاسيما هنـا جزيرة العرب، والنفـط!!

فوالله ما تذكرنـا هذه الصحوة إلاّ بصحوة ضميـر البابا بعد ألف عام!!
حينـما أصدر البابا السابق، وثيقة تبرئة اليهود من "دم المسيح"، متجاهلا النص الإنجيلي، الذي أعلن فيه اليهود منذ حوالي ألفي عام أن دم المسيح "دمه علينا وعلى أولادنا" (متى 27-25).

كما تذكرنـا بصحوة الكنيسة الكاثوليكية عندما عاقبت ـ ولم تقبل حوارا هنا ـ المطران "كابة تشي" الفلسطيني وجمدت نشاطه الكنسي، والوطني، نتيجة لطلب "إسرائيل"، بعد اتهامه بالتعاون مع المقاومة الفلسطينية!

والعجيب من تناقضات هذه القضية أمران: 

أحدهـما: أنَّ الداعين يزعمون الحاجة إلى هذا الحوار لتخفيف وطأت الحروب، بينما المتحاورون من هؤلاء الباباوات يزعمون أنهم لا يُسمح لهم ـ وفق النظام العلماني ـ بالتدخل بالسياسة! ثـمَّ هذه الحروب التي طــمَّ الغـرب علينا دمارها ـ نحن المسلمين، كلُّها أصـلا من سياسة الغرب... 

فلعمري.. ما فائدة حوارنا مع هؤلاء الباباوات إذاً؟!

والأعجب من هذا، أنَّ هذه الجيوش الغربية عندما تحتل بلادنا، تأتي حملات التنصيـر مع الغزاة، فهؤلاء يقتلون، وهؤلاء يشربون من دماءنـا، ثم يقولون لنـا إنه "حوار الأديان"!! 

والأمر الثاني: أنَّ أمريكا، والكيان الصهيوني ـ وهما الراعيان الخبيثان لهذه الدعوة المشبوهـة ـ نراهما يقاطعان أيَّ مؤتمر يُخشى فيه التطرق لعنصرية اليهود، وإجرامهم، كما أعلن مؤخـرا عن مقاطعة أمريكا والصهاينة، مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا أول عام 2009م! 

فهنـا لا يقبلان الحوار، كما لا يقبل الصهاينة بحوار عن خرافة الهولوكست!! 

بينما نطالب نحن بفتح بلادنا لمؤتمرات ظاهرها حوار ثقافي، وحقيقتها قبول إهانة مذلِّـة من جهات دينيـّة تشتمنا، وتمعن في تشويه ديننا، وتحتل دولهُــا بلادَنـا، وتقتل أبناءنا، وتنهب ثرواتنا، بتحريض ودعم لا محدود من الذين يحضرون تلك المؤتمرات المشبوهـة، من قساوسة، وحاخامات، أو من بعضهـم!!

هذا.. وإنَّ أمــر هذه المؤتمرات لـم يعد يخفـى على أحـد، فهـو كما قال أحد المفكرين: "تختفي وراء مظاهر التسامح والرحابة الفكرية البرّاقة، دعوة عنصرية لفرض ثقافات، و قيم، و توجهات الغرب، على الثقافات الأخرى، و بالذات على الإسلام بوصفه دينا، و عقيدة، و ثقافة.. فإن دعوة التعددية تسوي بين جميع الأطراف الداخلة فيها فلا يصبح هناك حق أو باطل، أو جيد أو رديء.. بل الكل سواء طالما أنه دخل في سياق التعددية... والمحصلة النهائية مرة أخرى هي علمنة الإسلام أي نزع القداسة والمنزلة الإلهية عنه..." (مجلــة البيان الأعــداد 100 و134).

فهي دعوات هدفها التمهيد لهذا كلِّه، ولفتح الطريـق أمـام مشاريع التنصيـر، الذي يمـرّ عـبر ما يسـمّى التوفيق بين الأديان، أو الدعوة إلى وحـدة الأديان، وهذه الدعوة هي أخـطر ما يراد من شعار حوار الأديان.

وهـي دعوة تنشط وراءها الحركة الصهيونية، وما يدور في فلكها من الدوائر الماسونية.

وهي دعوة شيطانية يقصد بها: وضـع معان جديدة مناقضة لمعاني القرآن: للكفر، والإلحاد، والشرك، والإيمان، والإسلام، والاعتدال.. الخ، وذلك بحجة منع هذه الأسماء الشرعية، والأحكام المرعية، من التفريق بين أصحاب الديانات! ولئلا يوصف اليهود، والنصارى، بما وصفهم الله به في القرآن، بل ليوصفوا بالإيمـان فيؤدي ذلك إلى إزالة العداوة، فنسخ الجهاد!

كما يقصد بها إيجاد معاني واحـدة بين الأديان، للسلام، وحقوق الإنسان، والمرأة، والديمقراطية والتعددية، والحرية، والسلام العالمي.. الخ، تناقض أحكام القرآن، وتخالف ما فيه من البيان.

يقول الدكتور المصلح محمد محمد حسين رحمه الله: "أما التوفيق بين الأديان -بين المسيحية والإسلام على وجه الخصوص- فقد بدأ في العصر الحديث، باتفاق قسيس إنجليزي اسمه (إسحاق تيلور ) مع الشيخ محمد عبده، وبعض صحبه في أثناء نفيه بدمشق 1883م على التوحيد بين الدِّينيْن.

ثم ظهرت الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة، حين قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية، بعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م، وقد كثرت الأقاويل في أهداف هذه الجماعة، وفي مصادر تمويلها، وأصدر الحاج أمين الحسيني بياناً أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية" (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصـر: 2/319-320).

ولا ريب... لن نجـد مهما وصفنا حقيقة مؤتمرات حوار الأديان المشبوهة، أبلــغ مما ذكره الدكتور محمد عماره الذي خَبـَر حقيقتها، بعدما انخـدع بها برهة من الزمـن، حتـى تبين له بعد ذلك، كم فيهـا من سموم تختفي وراء شعاراتها الخدّاعة.

قال الدكتور محمد عمارة في مقدمة مؤلفـه (مأزق المسيحيـة والعلمانية فـي أوربا ص 5-14): "مع كل ذلك، فتجربتي مع الحوارات الدينية –وخاصة مع ممثلي النصرانية الغربية- تجربة سلبية، لا تبعث علي رجاء آمال تُذكر من وراء هذه الحوارات التي تُقام لها الكثير من اللجان والمؤسسات، وتُعقد لها الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات، ويُنفق عليها الكثير من الأموال.

وذلك أن كل هذه الحوارات التي دارت وتدور بين علماء الإسلام ومفكريه وبين ممثلي كنائس النصرانية الغربية، قد افتقدت ولا تزال مفتقدة لأول وأبسط وأهم شرط من شروط أي حوار من الحوارات؛ وهو شرط الاعتراف المتبادل والقبول المشترك بين أطراف الحوار، فالحوار إنما يدور بين "الذات" وبين "الآخر"؛ ومن ثم بين "الآخر" وبين "الذات"، ففيه إرسال وفيه استقبال، على أمل التفاعل بين الطرفين، فإذا دار الحوار –كما هو حاله الآن- بين طرف يعترف بالآخر، وآخر لا يعترف بمن "يحاوره"، كان حواراً مع "الذات"، وليس مع "الآخر"، ووقف عند "الإرسال" دون"الاستقبال"، ومن ثم يكون شبيهاً –في النتائج- بحوار الطرشان..!! 

موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين، هو موقف الإنكار وعدم الاعتراف، أو القبول، فلا الإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء، حتى لتصل المفارقة في عالم الإسلام إلى حيث تعترف الأكثرية المسلمة بالأقليات غير المسلمة، على حين لا تعترف الأقليات بالأغلبية! 

فكيف يكون، وكيف يثمر حوار ديني بين طرفين أحدهما يعترف بالآخر، ويقبل به طرفاً في إطار الدين السماوي، بينما الطرف الآخر يصنفنا كمجرد "واقع"، وليس كدين، بالمعنى السماوي لمصطلح الدين؟!

ذلك هو الشرط الأول، والضروري المفقود، وذلك هو السر في عقم كل الحوارات الدينية التي تمت وتتم رغم ما بُذل ويُبذل فيها من جهود، وأنفق ويُنفق عليها من أموال، ورُصد ويُرصد لها من إمكانات!

أما السبب الثاني لعزوفي عن المشاركة في الحوارات الدينية –التي أُدعى إليها- فهو معرفتي بالمقاصد الحقيقية للآخرين من وراء الحوار الديني مع المسلمين، فهم يريدون التعرّف على الإسلام، وهذا حقهم إن لم يكن واجبهم، لكن لا ليتعايشوا معه وفقاً لسنة التعددية في الملل والشرائع، وإنما ليحذفوه ويطووا صفحته بتنصير المسلمين!

وهم لا يريدون الحوار مع المسلمين، بحثاً عن القواسم المشتركة حول القضايا الحياتية التي يمكن الاتفاق على حلول إيمانية لمشكلاتها، وإنما ليكرسوا –أو على الأقل يصمتوا- عن المظالم التي يكتوي المسلمون بنارها، والتي صنعتها وتصنعها الدوائر الاستعمارية التي كثيراً ما استخدمت هذا الآخر الديني في فرض هذه المظالم وتكريسها في عالم الإسلام.

فحرمان كثير من الشعوب الإسلامية من حقها الفطري والطبيعي في تقرير المصير واغتصاب الأرض، والسيادة في القدس، وفلسطين، والبوسنة والهرسك، وكوسوفا والسنجق، وكشمير، والفلبين.. الخ.. الخ.. كلها أمور مسكوت عنها في مؤتمرات الحوار الديني. 

بل إن وثائق مؤتمرات التدبير لتنصير المسلمين التي تتسابق في ميادينها كلّ الكنائس الغربية، تعترف –هذه الوثائق- بأنَّ الحوار الديني –بالنسبة لهم- لا يعني التخلي عن "الجهود القسرية، والواعية، والمتعمدة، والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر" بل ربما كان الحوار مرحلة من مراحل التنصير!

وإذا كانت النصرانية الغربية تتوزعها كنيستان كبريان، الكاثوليكية، والبروتستانتية الإنجيلية، فإن فاتيكان الكاثوليكية –الذي أقام مؤسسات للحوار مع المسلمين، ودعا إلى كثير من مؤتمرات هذا الحوار- هو الذي رفع شعار: "إفريقيا نصرانية سنة 2000م"، فلما أزف الموعد، ولم يتحقق الوعد، مد أجل هذا الطمع إلى 2025م!! 

وهو الذي عقد مع الكيان الصهيوني المغتصب للقدس وفلسطين معاهدة في 30-12-1993م تحدثت عن العلاقة الفريدة بين الكاثوليكية وبين الشعب اليهودي، واعترفت بالأمر الواقع للاغتصاب، وأخذت كنائسها في القدس المحتلة تسجل نفسها وفقاً للقانون الإسرائيلي الذي ضم المدينة إلى إسرائيل سنة 1967م!! 

بل لقد ألزمت هذه المعاهدة كل الكنائس الكاثوليكية بما جاء فيها، أي أنها دعت وتدعو كل الملتزمين بسلطة الفاتيكان الدينية –حتى ولو كانوا مواطنين في وطن العروبة وعالم الإسلام- إلى خيانة قضاياهم الوطنية والقومية! 

وباسم هذه الكاثوليكية أعلن بابا الفاتيكان أن القدس هي الوطن الروحي لليهودية، وشعار الدولة اليهودية، بل وطلب الغفران من اليهود، وذلك بعد أن ظلت كنيسته قروناً متطاولة تبيع صكوك الغفران! 

أما الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية الغربية، فإنها هي التي فكرت ودبرت وقررت في وثائق مؤتمر كولورادو سنة 1978م:

"إن الإسلام هو الدين الوحيد، الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً، وسياسياً، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرة البشر، ونحن بحاجة إلى مئات المراكز تؤسس حول العالم بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام ليس فقط لخلق فهم أفضل للإسلام وللتعامل النصراني مع الإسلام، وإنما لتوصيل ذلك الفهم إلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودها!!" 

ولقد سلك هذا المخطط ـ في سبيل تحقيق الاختراق للإسلام، وتنصير المسلمين ـ كل السبل اللا أخلاقية- التي لا تليق بأهل أي دين من الأديان- فتحدثت مقررات هذا المؤتمر عن العمل على اجتذاب الكنائس الشرقية الوطنية إلى خيانة شعوبها، والضلوع في مخطط اختراق الإسلام والثقافة الإسلامية للشعوب التي هي جزء وطني أصيل فيها.

فقالت وثائق هذه المقررات: 
"لقد وطّدنا العزم على العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصارى، والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي، إنّ النصارى البروتستانت في الشرق الأوسط، وإفريقيا وآسيا، منهمكون بصورة عميقة، ومؤثرة في عملية تنصير المسلمين، ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها، وتقتحم بعزم جديد ثقافات، ومجتمعات المسلمين الذين تسعى إلى تنصيرهم، وعلى المواطنين النصارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معاً، بروح تامة من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين".

فهم يريدون تحويل الأقليات الدينية في بلادنا إلى شركاء في هذا النشاط التنصيري، المعادي لشعوبهم، وأمتهم! 

كذلك قررت "بروتوكولات" هذا المؤتمر تدريب وتوظيف العمالة المدنية الأجنبية التي تعمل في البلاد الإسلامية لمحاربة الإسلام وتنصير المسلمين، وفي ذلك قالوا: "إنه على الرغم من وجود منصرين بروتستانت من أمريكا الشمالية في الخارج أكثر من أي وقت مضى، فإن عدد الأمريكيين الفنيين الذين يعيشون فيما وراء البحار يفوق عدد المنصرين بأكثر من 100إلى 1، وهؤلاء يمكنهم أيضاً أن يعملوا مع المنصرين جنباً إلى جنب لتنصير العالم الإسلامي، وخاصة في البلاد التي تمنع حكوماتها التنصير العلني!".

كذلك دعت قرارات مؤتمر كولورادو إلى التركيز على أبناء المسلمين الذين يدرسون أو يعملون في البلاد الغربية، مستغلين عزلتهم عن المناخ الإسلامي لتحويلهم إلى "مزارع ومشاتل للنصرانية"، وذلك لإعادة غرسهم وغرس النصرانية في بلادهم عندما يعودون إليها، وعن ذلك قالوا: "يتزايد باطراد عدد المسلمين الذين يسافرون إلى الغرب؛ ولأنهم يفتقرون إلى الدعم التقليدي الذي توفره المجتمعات الإسلامية، ويعيشون نمطاً من الحياة مختلفاً –في ظل الثقافة العلمانية والمادية- فإن عقيدة الغالبية العظمى منهم تتعرض للتأثر". 

وإذا كانت "تربة" المسلمين في بلادهم هي بالنسبة للتنصير" أرض صلبة، ووعرة" فإن بالإمكان إيجاد مزارع خصبة بين المسلمين المشتتين خارج بلادهم، حيث يتم الزرع والسقي لعمل فعال عندما يعاد زرعهم ثانية في تربة أوطانهم كمنصّريـن!"

بل إنّ بروتوكولات هذا المؤتمر التنصيري لتبلغ قمة اللا أخلاقية عندما تقرر أن صناعة الكوارث في العالم الإسلامي هي السبيل لإفقاد المسلمين توازنهم الذي يسهل عملية تحولهم عن الإسلام إلى النصرانية! فتقول هذه البروتوكولات: "لكي يكون هناك تحول إلى النصرانية، فلابد من وجود أزمات ومشاكل وعوامل تدفع الناس، أفراداً وجماعات، خارج حالة التوازن التي اعتادوها. وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية، كالتفرقة العنصرية، أو الوضع الاجتماعي المتدني. وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة، فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية.. 

إن تقديم العون لذوي الحاجة قد أصبح عملاً مهماً في عملية التنصير! وإن إحدى معجزات عصرنا أن احتياجات كثير من المجتمعات الإسلامية قد بدلت موقف حكوماتها التي كانت تناهض العمل التنصيري؛ فأصبحت أكثر تقبلا للنصارى!!"

فهم –رغم مسوح رجال الدين- يسعون إلى صنع الكوارث في بلادنا، ليختل توازن المسلمين، وذلك حتى يبيعوا إسلامهم لقاء مأوى أو كسرة خبز أو جرعة دواء! وفيما حدث ويحدث لضحايا المجاعات والحروب الأهلية والتطهير العرقي –في البلاد الإسلامية- التطبيق العملي لهذا الذي قررته البروتوكولات، فهل يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي ومثمر مع هؤلاء؟! 

تلك بعض من الأسباب التي جعلتني متحفظاً على دعوات، ومؤتمرات، وندوات الحوار بين الإسلام، والنصرانية الغربية، وهي أسباب دعمتها وأكدتها "تجارب حوارية" مارستها في لقاء تـم في "قبرص" أواخر سبعينيات القرن العشرين، ووجدت يومها أن الكنيسة الأمريكية –التي ترعى هذا الحوار وتنفق عليه- قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين، "قاعدة" ومقراً لإدارة هذا الحوار؟! 

ومؤتمر آخر للحوار حضرته في عمّان –بإطار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية- مع الكنيسة الكاثوليكية في الثمانينيات وفيه حاولنا –عبثاً- انتزاع كلمة منهم تناصر قضايانا العادلة في القدس وفلسطين، فذهبت جهودنا أدراج الرياح! على حين كانوا يدعوننا إلى "علمنة" العالم الإسلامي لطي صفحة الإسلام كمنهاج للحياة الدنيا، تمهيداً لطي صفحته –بالتنصير- كمنهاج للحياة الآخرة! 

ومنذ ذلك التاريخ عزمت على الإعراض عن حضور "مسارح"هذا "الحوار!". انتهى ما قالـه الدكتور عمارة. 

وبعد هذا كله، تبين أن الدعوة إلى حوار الأديان، لو كان الدافع لها نية صالحة، لجعـلت في إطار دعوتهم إلى الهدى، وجدالهم بالتي هي أحسن، لإدخالهم في الإسلام، فإنَّ هذا هو الحوار الذي دعا إليه القرآن، وفعله نبينا صلى الله عليه وسلم.

أما أن يُرفع شعارا، تحت وطأة الضغط السياسي الغربي، وعلى بلادنا جيوش احتلاله، ليغطي تحتــه مشاريع هدم الإسلام، وهضم حقوق المسلمين، وإزالة معالم الدين، فهذه والله الطامة الكبرى، والمصيبة العظمى.

ولا ريب أنَّ من أوجب الواجبات على علماء الإسلام، فضح هذه المؤامرات، وكشف هذه المخططات، والعمل على توعية الأمّـة من خطرها، واستبدالها بمؤتمرات تحضُّ المسلمين على التمسك بدينهم، والاعتزاز بهويتهم، وجهاد عدوهم، وطرد المحتلين من بلادهم، ورد هذه الهجمـة الشرسة على مقدسات الإسلام.

هذه الهجمـة التي دخنهـا من تحت قدمي بابا النصارى الدجّال نفسه، الذي يدعي الحوار، وهو لا يدع مناسبة إلاّ ويطعن في الإسلام، كما تنطلق من حاخامات الصهيونية الذين يفتون بأنَّ الفلسطينيين أفاعي يجب قتلها، ثم يمدّون أيديهم بالملطّخة بدماءنا، يطلبون حوارا زائفا، لـه مقاصد أخبث من خَبَـث ضمائرهم المتعفّنة.

وختاما ننقل هنا كلاما مهما يبين إجماع علماء المسلمين، على أنَّ من كذب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الشاملة للثقلين، الناسخة لكل الأديان السابقة، فهو كافر ودينه باطل، ومن يشكّ في كفـره فهو مثله، هــذا مع أنَّ كفرة بني إسرائيل، قـد كفروا بربهم، وحرفوا دينهم، ثم زادوا على ذلك تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم عندما بعثه الله رحمة للعالمين، فازدادوا كفرا إلى كفرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أن الذي يدين به المسلمون، من أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الثقلين: الإنس والجن، أهل الكتاب وغيرهم، وأن من لم يؤمن به فهو كافر، مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد، وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك، وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه، من غير الكتاب، فإنه تعالى أنزل عليه الكتاب، والحكمة، ولم يبتدع المسلمون شيئاً من ذلك من تلقاء أنفسهم، كما ابتدعت النصارى كثيراً من دينهم، بل أكثر دينهم، وبدلوا دين المسيح وغيّروه، ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام". 

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء حول الدعوة إلى وحدة الأديان:
"إن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم، فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان؛ وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا، بجميع أدلة التشريع في الإسلام، من قرآن وسنة وإجماع"..

"ومما يجب أن يعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام، واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلاّ بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعته بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 64]. 

أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام، ومعاقد الإيمان، فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة: 49].. (فتاوى وبيانات مهمة للجنة الدائمة للفتوى بالسعودية ـ دار عالم الفوائد الطبعة الأولى 1421هـ).

قال الشيخ ابن العثيمين ـ رحمه الله ـ: "قد يُسمع ما بين حين وآخر كلمة "الأديان الثلاثة"، حتى يظن السامع أنه لا فرق بين هذه الأديان الثلاثة؛ كما أنه لا فرق بين المذاهب الأربعة! ولكن هذا خطأ عظيم، إنه لا يمكن أن يحاول التقارب بين اليهود والنصارى والمسلمين إلاّ كمن يحاول أن يجمع بين الماء والنار". (خطبة يوم الجمعة، 15/1/1420هـ. نقلاً عن رسالة "دعوة التقريب بين الأديان" 1/32 ).

والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصيـر

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/153457

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك