فن الحوار الأسري
منى عبدالإله مولوي
ثقافة الحوار الاسري
1 - معنى الحوار لغةً واصطلاحاً:
الحِوَار لغةً ؛ مشتق من الحَوْر , وهو الرجوع ،فالحوار هو : مراجعة الكلام ، والمحاورة : المجاوبة والتحاور والتجاوب .
والحوار اصطلاحاً ؛ الحوار في اصطلاح علماء اللغة والتفسير معانٍ كثيرة وإن استوت في الإجمال، على سياق واحد. "حاوره محاورة وحواراً". فالمحاورة هي المجاوبة، أو مراجعة النطق والكلام في المخاطبة والتحاور والتجاوب ، لذلك كان لا بد في الحوار من وجود طرفين متكلِّم ومخاطب يتبادلان الدور في أجواء هادئة بعيدة عن العنف والتعصب فحيناً يكون المتكلم مرسلاً للكلام وحيناً متلقياً له ، أي يكون المتكلم مخاطباً حين يصمت ليسمع كلام نظيره ، وهكذا يدور الكلام بين طرفين في إطار حلقة تبادلية يكشف كل منهما عما لديه من أفكار، فيتشكَّل جرّاء ذلك ما يمكن أن نسميه بالخطاب المشترك الذي تولده القضية المتحاوَر فيها .
2 - الحوار الأسري :
هو التفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة عن طريق المناقشة، والحديث عن كل ما يتعلق بشؤون الأسرة من أهداف ومقومات وعقبات و يتم وضع حلول لها، وذلك بتبادل الأفكار والآراء الجماعية حول محاور عدة ، مما يؤدي إلى خلق الألفة والتواصل.
3- ثقافة الحوار الأسري :
أما ثقافة الحوار فهي أسلوب الحياة السائد في مجتمع الأسرة و المعضد للحوار ، و يشتمل على قيمَه الروحية والفكرية ، وقيمها السلوكية والذوقية والخلقية وعاداتها ، واتجاهاتها .[1] و ما يترتب عليه من إنصات وتقبل واحترام للأطراف المتحاورة .
4 - أهمية الحوار الأسري :
1. يعد الحوار الأسري أساس للعلاقات الأسرية الحميمة البعيدة عن التفرق والتقاطع .
2. يساعد على نشأة الأبناء نشأة سوية صالحة بعيدة عن الانحراف الخلقي والسلوكي .
3. يخلق التفاعل بين الطفل وأبويه مما يساعدهما إلى دخول عالم الطفل الخاص ، ومعرفة احتياجاته فيسهل التعامل معه .
4. يجعل من الأسرة كالشجرة الصالحة التي تثمر ثماراً صالحة طيبة ، وهي السلوى لهذه الحياة .
5. تعد الأسرة المصدر الأول لمعرفة الطفل ، والمصب الرئيسي لفهمه الحياة ، لذلك الحوار الأسري يجعله فرد معتز بنفسه واثق من نفسه .
6. يتعلم كل فرد في الأسرة أهمية احترام الرأي الآخر ، فيسهل تعامله مع الآخرين .
7. يعزز الثقة في أفراد الأسرة مما يجعلهم أكثر قدرة على تحقيق طموحاتهم وآمالهم .
5- ضوابط الحوار الأسري :
وللحوار ضوابط تجعله حوارا ايجابيا و بناء منها:
1. تقبل الأخر ؛ ومعنى ذلك قبول الأخر والاعتراف بحقه ، وأن يحافظ الحوار على ضرورة تقبل الاختلاف في الآراء ، وذلك بالتشاور والتأني بالحكم .
2. حسن القبول ؛ وهو أن ينهج المتحاورون في كلامهم منهجا من الهدوء والكلمة الطيبة التي تهدف إلى حل مشكلات الأسرة المتعلقة بجميع الجوانب الإنسانية والعاطفية والاقتصادية.
3. أن يكون حواراً مبنياً على الاحترام المتبادل بين الأطراف التي تبدي آراءها وأفكارها.
4. أيضاً من الضروري أن تتوفر الثقة بين أطراف الحوار في الأسرة.
5. تعلم فن الإصغاء والاستماع من قبل المتلقي -المستمع- وذلك بالنظر إلى تعبير وجه المتحدث وعينه .
6. تجنب إتباع أسلوب الاستهزاء في حوار كل طرف مع الآخر سواء الأزواج مع بعض أو الآباء مع الأبناء .
6 - أنواع الحوارات :
أ- الحوار الايجابي :
وهو حوار يساعد على دعم الروابط بين الزوجين وينمي لغة التفاهم مع الأبناء يتطلب مهارة في التعبير ومهارة في الإنصات ، فهناك ثلاثة أمور تميز الأسرة الأكثر حوار واندماج وهي : تبادل رسائل واضحة ومباشرة ، والاستماع الفعال ، والتعبير اللفظي ، ويكون ذلك بأحد الطرق التالية :
1. الحوار ألنقاشي : إما مواجهة أو مكتوب ، وهو من أكثر الأساليب التي يتم من خلالها الحوار بين طرفين خصوصاً في الأمور التي تنحى منحى الجدية أكثر ، وقد تختصر مراحل كثيرة في التفاهم بين الطرفين ، وكثير من الأسر لم تتعود هذا النوع من الحوار الزوجي مع أهميته وتأثيره الكبير في الحياة الزوجية ، فالأولى من الزوجين عدم غلق هذا النوع من أنواع الحوار بل يجب طرح أي موضوع خصوصا فيما يتعلق بحياتهما كزوجين وبما يتعلق بأمور أبنائهم ليتم الحوار فيه والاتفاق حوله .. ولكن إذا كان الطرف الآخر لا يحب أو لا يجيد الحوار عبر الكلمات فإن الحوار ألنقاشي يتم عن طريق الكتابة ، حتى لا نجعل من هؤلاء الذين لا يحبون المواجهة ذريعة للهروب من الحوار والتعبير عن رأيه ، ولا يقتصر هذا النوع من الحوار على هذه الفئة ، بل هو نوع آخر من أنواع الحوار فقد يجد الإنسان مجالاً أكبر في التعبير عبر الكتابة خصوصاً في بداية الحياة الزوجية فقد يصعب على أحد الطرفين أو كلاهما عرض بعض الأمور مباشرة والتحدث حولها . المهم أن يخرج أفراد الأسرة وكل منهم قد فهم وجهة نظر الآخر ببساطة وبفهم واضح .
2. الحوار العابر : وهو من أكثر أنواع الحوارات الشائعة في داخل الأسرة سواء بين الزوجين أو مع الأبناء ، وممارسة هذا الحوار عادة يكون تلقائي وبدون الشعور إنه حوار ، كالتعليق على حدث ما ، أو شرح لموضوع معين ، فمثل هذه المداخلات تسبب مدخل جيد ومناسب للحوار .
3. الحوار عن طريق العيون : في كثير من الأحيان نجد العيون وسيلة من الوسائل التي تعبر عن كثير من الكلام فقد يفهم الإنسان من خلال حواره من شخص آخر من عينيه أكثر مما يفهمه من كلامه ، فنظرات الإنسان وحركاته هي جزء من حواره مع أي طرف .
4. الحوار الشاعري الايجابي : ليس شرطاً أن يكون الحوار الأسري للمسائل الخلافية فقط أو للاتفاق حول أمر ما ، فقد يكون هناك حوار يتبادل فيه الزوجان المشاعر العاطفية وأحاسيس كل طرف اتجاه الطرف الآخر ، وهناك حوار شاعري وإطراء ايجابي على سلوكيات الأبناء فهذا من شأنه أن يزيد الألفة والمحبة بين الأسرة ويقوي روابط الحب بينهم . فتستخدم المشاعر الإيجابية في إيقاف دائرة الخلاف الأسري بحيث تحرك المشاعر من الجانب السالب إلى جانب أقل سلبية (مشاعر محايدة) .
5. حوار مرآة الآخر : وهو من الأنواع الهامة ويعني وضع الذات في مكان الشخص الآخر، ويرتبط ذلك إيجابيًّا بالرضا عن العلاقة ، والعكس صحيح ، فينتج عن ذلك أن يعدل أفراد الأسرة سلوكهم في المواقف الاجتماعية المختلفة كنتيجة لفهم وجهة نظر الآخر، فالأسرة القادرة على وضع وجهة نظر الآخر في الاعتبار يظهرون اهتماماً أكبر بحاجات واهتمامات ورغبات الآخر .
ب- الحوار "السلبي" :
التواصل اللفظي الخاطئ " الحوار السلبي " يعد مصدراً للمشاكل الأسرية ، فهذا النوع من الحوار يسبب قدراً كبيراً من الإحباط لدى أفراد الأسرة ، فتتضح على ملامحها الحياة الغير سعيدة وذلك لأنهم كثيراً ما يعقدون مشاكلهم ويزيدونها توتر عن طريق التواصل اللفظي الخاطئ ؛ حيث يكون التعبير غير واضح وغير كامل مشحون بالتصيد على كلمات الطرف الآخر ، ويكون ذلك بالطرق التالية :
1. الحوار ألتعجيزي : وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كلاهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات وينتهي الحوار إلى أنه "لا فائدة".
2. حوار المناورة (الكر والفر): حيث ينشغل الزوجان (أو أحدهما) بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة وهو نوع من إثبات الذات بشكل سطحي .
3. الحوار المبطن: وهنا يعطي ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنه وذلك لكثرة ما يحتوي من التورية والألفاظ المبهمة، وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر.
4. الحوار التسلطي (اسمع واستجب): هذا الحوار هو نوع شديد من العدوان حيث يلغي طرف كيان الطرف الآخر ويعتبره أدنى من أن يحاور، بل عليه فقط الاستماع للأوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة أو تضجر.
5. الحوار المغلق : كثير ما تتكرر تلك العبارة فيه (لا داعي للحوار فلن نتفق وهو نوع من التعصب والتطرف الفكري وانحسار مجال الرؤية.
6. الحوار العدواني السلبي : وهو اللجوء إلى الصمت والعناد والتجاهل رغبة في مكايدة الطرف الآخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة .
7 - لماذا ثقافة الحوار موضوع بحث واهتمام ؟
1. لكسب الحب داخل الأسرة والتواصل معها .
2. وسيلة من وسائل الاتصال الأسري الفعال .
3. التقريب في وجهات النظر والتفاهم وإشاعة روح الحب والود .
4. التوصل إلى حقائق ومفاهيم مغايرة لما يؤمن به طرف من أطراف الأسرة .
5. إبراز الحقيقة من خلال ثقافة الحوار مما يؤدي إلى فهم أفضل .
6. يحتفظ كل فرد من أفراد الأسرة بحقوقه كاملة إذا مارس ثقافة الحوار .
7. ارتقاء الإنسان نفسه حينما يمارس ثقافة الحوار .
8. القيام بثقافة الحوار تطبيق لشرع الله الذي أوجده في كتابه وعلمنا إياه نبيه الكريم .
8 - الأسباب التي تؤدي إلى انعدام الحوار الأسري :
1. تباين المستوى الثقافي والعلمي بين أفراد الأسرة، يقلل من فرصة الحوار، وذلك ظناً منهم بعدم فهم كل طرف لما يحمله الطرف الآخر.
2. انشغال كل من الأب والأم بأعمالهما ومهماتهما بعيداً عن الأبناء والمنزل .
3. انعدام الثقة بقدرة الحوار على إحداث النتيجة المطلوبة .
4. الجهل بأساليب الحوار الفعالة .
5. عدم أخذ الحوار على محمل الجد باعتباره ترفاً زائداً للابن ، فيمكن الاستغناء عنه.
6. دخول الفضائيات التي احتلت الوقت الذي تقضيه الأسرة في الحديث .
7. اختلاف معطيات العصر من جيل إلى آخر، فجيل الآباء يختلف عن الأبناء تماماً .
8. الاعتماد على القوة من قبل الوالدين وإهمال عاطفة الأبناء .
9. دكتاتورية بعض الآباء التي تجعلهم يرفضون الحوار مع أبنائهم ، اعتقاداً منهم أنهم أكثر خبرة من الأبناء ، فلا يحق لهم مناقشة أمورهم. [2]
10. وجود الخادمات في البيوت وإسناد المهام الرئيسية في شئون الأسرة عليها سواء مهام خاصة للزوج أو الأبناء .
11. الترف المادي الزائد عن حده الطبيعي حيث تشكل الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر وشاشات السينما جزء من حياة الأبناء وهم في أعمار صغيرة فأخذت وقت طويل منهم عن أسرهم فابتعدوا وانقطع الاتصال الحواري معهم ، وانعدم تعليمهم فنون الحوار .
12. تعدد الزوجات وعدم العدالة بينهن جعل بيوت خربة مليئة بالإحاطات ، ومعدومة الاتصال فيما بينها " هذه المعلومة تحتاج حقيقة إلى دراسة " ، فقد اضطررت إلى كتابتها لأنني أملك أسر كثيرة دمرت بسبب التعدد .
13. الإنجاب الكثير والغير متوازن مع دخل والأسرة وظروف المعيشة القاسية يعتبر من أحد الأسباب التي جعلت للحوار الأسري بعد ضيق وشبه معدوم .
9 - الآثار السلبية الناتجة عن انعدام لغة الحوار الأسري :
ينظر الكثيرون إلى الحوار على إنه ليس ذو قيمة غير ملتفتين لأهميته وقيمته على الحالة النفسية والمعنوية التي ممكن أن تبنى في الأسرة ، ولكن المتطلع إلى السلبيات التي ممكن أن تحدث جراء عدم الالتفات لهذه القضية على أنها محور هام في العلاقة وتاج لحل كثير من المشاكل الأسرية ربما يولي عدم اهتمام بشأن قضية الحوار في داخل الأسرة الى :
1. تفكك الأسرة وانتشار البغض والحقد بين أفرادها .
2. البحث عن البديل وربما كان الهاوية بالنسبة لأي فرد لا يجد من يستمع له فعالم الاستشارات الزوجية والأسرية تئن من كثرة لجوء كلاً من الزوجين لرفقاء النت والسقوط في المحرمات وأسبابها العلاقة الأسرية البعيدة عن الحوار ومعرفة الداخل من النفس ، فانجراف الكثير من الشباب إلى الخطيئة سببها هو تنشئتهم وعلاقتهم الغير حميمة داخل أسرهم حيث لا يجدون فيها من يخاطبهم ويحاورهم ويجيب عن تساؤلاتهم .
3. انعدام الثقة بين أفراد الأسرة .
4. يؤدي انقطـاع الحوار بين الأبوين وأبنائهما منذ الصغر إلى انقطاع صلة الرحم في الكبر.
5. المشاكل النفسية المترتبة على انقطاع لغة الحوار في داخل الأسرة سواء بين الأزواج مع بعضهم أو بين الآباء وأبنائهم ، ففي مؤتمر "التربية الوجدانية للطفل" القاهرة: في الفترة من 8-9 ابريل 2006م ، خرج المؤتمر بتوصية إنه لابد من إيجاد لغة الحوار بين الوالدين والأطفال لما لها من مردود إيجابي على التربية الوجدانية للطفل ، فانعدام الحوار يجعل من الفرد إنساناً معزولاً رافضاً لشتى أساليب الحوار والمناقشة مع الأخرين في حياته المستقبلية ، فيغلب عليه طابع الانطوائية .
6. إن عدم وجود الإذن الصاغية للطفل في المنزل ، تجعل منه فريسة سهلة لرفاق السوء لبحثه عن من يستمع له ويعبر عن قيمته وذاته ، والتنفيس عما بداخله .
7. الأمراض الجسدية التي تظهر على أفراد الأسرة كلها مبناها من كتمان الأمور وخاصة السلبيات التي لا تجد من يستمع لها ويحن عليها .
10 - علاقة الأمراض النفسية والجسدية وفقدان وثقافة الحوار في الأسرة:
أكدت دراسة أجراها مختصون في مجال علم النفس على إن تعرض المراهقين من الذكور والإناث للضغوط بشكل مستمر ممن يعيشون ضمن عائلات “مضطربة” قد يساهم في إصابتهم بالأمراض العضوية لاحقاً. ويوضح الباحثون وهم علماء في جامعة كور نيل الأمريكية بأن الأبناء المراهقين قد يتعرضون لضغوط تؤثر في أعضاء الجسم وأنسجته مثل ضغط الدم والقلب والشرايين نتيجة عدة عوامل مثل الاضطراب الأسري الناجم عن العنف وسوء الأحوال المعيشية مثل الفقر.
وفي دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة بنسلفانيا الأمريكية شملت نحو مائتي أسرة تضم أطفالا ما بين الصف الأول والرابع الابتدائي لتقييم مدى تأثير تصرف الوالدين وعلاقاتهما الأسرية على نمو الطفل ، حيث وجد الباحثون إن ضغوط العمل والمشكلات الأسرية وما ينجم عنها من أزمات نفسية للأطفال يمكن أن تعرقل وسائل التواصل النفسي بين الأبوين وأطفالهما. وفي دراسة أخرى حول الترابط الأسري وأثره في تكوين شخصية الشباب وجد أن نسبة 50% من عينة الدراسة غير راضية ، عن وضع الأسرة و50% أفادت أن ثمة شجاراً دائماً بين الأب والأم وفقدان الحوار المتواصل و32% لا يهتم به أحد في المنزل .
من جانبه يؤكد الدكتور رعد الخياط ، استشاري الطب النفسي للأسرة على أهمية وتأثير الوالدين على الأبناء في رعايتهم وتنشئتهم وتوفير احتياجاتهم المادية والمعنوية وتكوين شخصياتهم والنمط الذي يتفاعلون به مع الآخرين والمركز الاجتماعي الذي يتبوءونه، مضيفاً إنه كلما كان كيان الأسرة متوازناً ومتماسكاً انعكس ذلك على الأبناء بشكل ايجابي، أما إذا كانت الأسرة تعاني من اضطرابات في ارتباطاتها ووظيفتها إضافة إلى خلاف وشقاق الوالدين مع انعدام التفاهم والحب والاحترام الأمر الذي يؤدي إلى نفور الأبناء وعنادهم مع الآخرين .
ويتابع : هذه العوامل تنعكس على الأبناء في حرمانهم من العطف والحنان وفقدانهم للشعور بالاطمئنان والاستقرار وتمزقهم وراء رغبات الأب الأنانية ودوافع الأم الذاتية ، كذلك عدم مراعاة نفوس الأبناء ومشاعرهم ، فإن ذلك ينعكس سلباً على الأبناء في المستقبل .
ويشير الدكتور الخياط إلى أن الأبناء لديهم رغبة في تقليد ومحاكاة الوالدين في غضبهم وعنادهم واكتساب ما لديهم من صفات وأنماط سلوكية خاصة في اللاشعور معهم، كما انه قد يؤثر على الأبناء في ظهور أعراض مرضية بحاجة إلى علاج ومتابعة كما هو في حالات الاكتئاب والقلق والرهاب ، حيث إن بعضها تؤدي إلى حالات ذهنية كالفصام على سبيل المثال .
ويذكر الدكتور فيصل عودة ، استشاري الأمراض الباطنية : إن المؤثرات الاجتماعية السلبية بكل أشكالها وطرقها في حياة الأسرة التي تحدث بين الأم والأب على مرأى ومسمع الأبناء تسبب لهم Trauma، مشيراً إلى أن تكرار هذه الضغوط والنزاعات في حياة “الأبناء” قد تؤثر فيهم سلباً بتعرضهم للاكتئاب والأمراض النفسية حيث أن الدراسات العلمية أثبتت إن هؤلاء الأبناء يتعرضون لأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والعدوانية في تصرفاتهم عندما يكبرون ، ويضيف إن الضغوط العائلية تسبب أمراضا عضوية عدة مثل القولون العصبي وهو عبارة عن انتفاخ البطن ومن أعراضه آلام في البطن والإمساك أو الإسهال ، كذلك أمراض القلب والشرايين والضغط التي قد تؤدي إلى جلطة دماغية وإعاقة مبكرة في حياة الفرد .
ويتابع الدكتور عودة : ومن الأمراض العضوية الناجمة عن الضغوط العائلية التي تسبب إنعالات نفسية هي القرحة ، حيث إن الضغط والانفعال النفسي يزيدان من إفراز المعدة والجهاز الهضمي الأمر الذي قد يؤدي إلى القرحة في المعدة والإثنى عشر ، مشيراً إلى أن أعراضها تشمل آلاماً في البطن وعسر الهضم وزيادة الحموضة، كما إن القرحة قد تؤدي إلى التضييق في الإثنى عشر مما يسبب تباطؤاً في تفريغ الطعام من المعدة مسبباً الارتداد ألحامضي والذي بدوره يسبب تقرحات في المريء حيث تتطور هذه الصورة المرضية إلى الإصابة بسرطان المريء.
وذكر انه وبسبب الانفعال النفسي يصاب الأبناء بالاكتئاب الذي يشمل أعراضاً عضوية عدة منها الصداع وهو من الأمراض التي لا يجب التهاون في علاجها.
أما الدكتور علاء زعرب، طبيب عام ؛ يذكر إن معظم الأمراض العضوية التي تصيب الأبناء جراء معايشتهم للاضطرابات الأسرية ترتبط مع أسباب عصبية أو تغير في الجهاز العصبي بشكل عام ، كذلك فإن معظم الأمراض المتعلقة بالحالات العصبية لها علاقة بالجهاز الهضمي مثل مشكلات الهضم والمعدة والقرحة وآلام في المرارة، كما إن زيادة الاضطراب الذي يتعرض له الأبناء قد يجعلهم يعانون من حالات الإمساك، والصداع النصفي وآلام الرأس وسوء البصر.
ويضيف ؛ الطفل بطبيعته يحتاج ويطلب من الوالدين العناية والانتباه له وعند مشاهدتهم مختلفين فيما بينهما يرى نقصاً في العناية به ، حيث أن الذكور أكثر إصابة بالأمراض العضوية من الإناث كونهم يتطلعون لحب الاستطلاع أكثر بينما تكون الإناث تحت سيطرة الأمهات.
ذكر الدكتور زعرب إن الدراسة التي أجراها العالم ريبل أظهرت إن الأمهات اللواتي يفتقدن العاطفة الأمومية والاستقرار الأسري يعجزن على أن يقدمن أمومة سليمة لأطفالهن ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى نمطين عنيفين من الاستجابات عند الرضع هما الخلفة Negativism ويتميز بالامتناع عن الامتصاص وفقدان الشهية وارتفاع ضغط الدم والإمساك ، أما النمط الثاني فهو النكوص أو الارتداد Regression ويتميز بالهدوء الاكتئابي وفقدان الميل إلى الطعام والنوم الذي هو أقرب إلى الغيبوبة وفقدان العضلات لقوامها الطبيعي وعدم انتظام التنفس والاضطرابات المعدية والمعوية مثل القيء والإسهال .[3]
11 - مفهوم ثقافة الحوار شرعاً :
لأجل نعيش حياة سعيدة ضمن مجتمع مليء بالانفعالات والتغيرات لابد من أن نعي مفهوم ثقافة الحوار شرعاً لأنها وسيلة كفيلة بتضييق الخلاف أو إنهائه وهو ما يدعو إليه ديننا الحنيف في القرآن والسنة لضمان العيش بسلام .
لم يخلقنا الله عز وجل لأجل حياة غير منظمة فالذي خلق جعل الدقة في خلق عباده منظمة بصور عجيبة للفاهمين والباحثين فيها ، فمنظومة الآيات القرآنية التي ننهج منها دستور حياتنا دروس في التربية وفي سلوكيات لو أتقنا تطبيقها وفهمها لعشنا السعادة التي يطمح لها جميع البشر .
" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" [4] . إذاً فقد جعل الله الاختلاف حقيقة في البشر ولكن تقيدها ضوابط ونصوص وإلا أصبحنا في عالم الغاب وعالم ألا طبيعي ، ولنا في كتابنا الذي ننتهج منه دستور حياتنا دروس وعبر في التحاور على مختلف الأنواع ، فيحاور رب العزة جل جلاله مخلوق من مخلوقاته في هذه الآيات بروعة الصياغة قائلاً :
1. "ولقد خلقناكم ثم صوَّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس لم يكن من الساجدين . قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك . قال أنا خير منه خلقتَني من نار وخلقتَه من طين . قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبَّر فيها فاخرج إنك من الصاغرين. قال انظرني إلى يوم يُبعثون. قال إنك من المنظرين . قال فبما أغويتَني لأقعدَنَّ لهم صراطك المستقيم . ثم لأتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدُ أكثرهم شاكرين . قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأنَّ جهنم منكم أجمعين"[5] .فمن خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان ، تبرز حقيقة الثواب والعقاب ، الخير والشر ، الإيمان والكفر ، وما كان لصورة هذه الحقيقة أن تكتمل من دون هذا الحوار؛ وما كان لهذا الحوار أن يقوم من دون وجود الآخر.
2. " وإذا قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحيِ الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنَّ إليك ثم اجعل على كلِّ جبل منهن جزءًا ثم ادعهنَّ يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم "[6] .
3. "قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرًا. قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"[7] .
4. "ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه إن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت. قال أنا أحيِ وأميت. قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآتِ بها من المغرب. فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين"[8] .
5. وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ، يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ، قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ، قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا .[9]
6. قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . [10]
ولم تبتعد سنة نبينا الكريم عن تلك القواعد والثقافة الحوارية سواء كانت حوارات أسرية أو تربوية أو اجتماعية أو عقائدية فأرسى نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قاعدة التفاهم والحوار بين المحيطين به على اختلاف أجناسهم فإن كان في موقف تربوي يتحاور بأسلوب تعليمي تأصيلي ، وإن كان في موقف حياتي أسري غرس مفهوم التأصيل الأسري ويتجلى ذلك في حواراته التالية ؛
حوار نبوي تربوي :
1. حدثني مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال يا رسول الله أستأذن على أمي فقال نعم قال الرجل إني معها في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلماستأذن عليها فقال الرجل إني خادمها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها ، إن هذا الحوار أوصل السائل إلى نتائج واضحة فيها غاية الأدب والاحترام والتوقير للأمهات المحارم من الأخوات والخالات والعمات حيث يجب عند إرادة الدخول إليهن الاستئذان عليهن قبل الدخول.
2. عن المقداد بن الأسود انه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من المشركين فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال لا تقتله ، فقلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله ، قال لا تقلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال . رواه البخاري ومسلم.
حوار نبوي أسري:
1. روى مسلم في آخر الكتاب عن عائشة قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندنا ليلا فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع فقال : ما لك يا عائشة أغرت ؟ قالت : وما لي لا يغار مثلي على مثلك فقال : لقد جاءك شيطانك فقالت : يا رسول الله أو معي شيطان ؟ قال: نعم. قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم. قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم ولكن ربي أعانني حتى اسلم ، وفي هذا الحوار الأسري يوضح النبي صلى الله عليه وسلم إن كل إنسان معه شيطان وعليه ألا يغلبه فيوقعه في الشر. فأم المؤمنين أصابها القلق من خروج النبي عليه الصلاة والسلام من عندها فحاورها وبين لها حتى سكن روعها.
2. عن أبي هريرة قال جاء رجل من بنى فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال إن فيها لورقا قال فأني أتاها ذلك قال عسى أن يكون نزعة عرق قال وهذا عسى أن يكون نزعة عرق .
12 - متطلبات ومقومات الحوار الناجح :
1. تجنب الانفعال : الإنسان المنفعل والغاضب يفقد جزءا من إدراكه للواقع, وبالتالي ربما لا يرى ولا يسمع ولا يحس ، ففي كثير من الأحيان نتفوه بألفاظ ولكننا لم نسمعها والسبب شدة الانفعال والغضب بل قد تصل الحالة إلى أنه يسمع إلى ما لا يقال له وبالتالي تكون هناك ردود فعل لأشياء لم تقل بتاتا ، فعلينا أن نتجنب الحوار عندما نشعر بأن الطرف الآخر بات أكثر انفعالا مما هو مطلوب .
2. الضمير في الخطاب والحوار للأزواج وللأبناء يجب أن لا يكون بضمير أنت لأن هذا الضمير معناه النقد وكشف العيب والخطأ ، فضمير الأنا من المهم استخدامه في أثناء الحوار الأسري .
3. الاستماع الجيد للطرف المتحدث ذو أهمية بالغة بدل التحضير لجمل الدفاع والاتهام والهجوم على المتحاور .
4. الحرص على التوصل لنتيجة من الحوار: كثير من الأحيان لا يحقق الحوار نتائج مثمرة فيصاب المتحاورون على خيبة أمل من جراء ذلك فيذهب طرف في حال سبيله ، وهذا حل غير مجدي وغير نافع ، لأنه ممكن لا نخرج بنتيجة ولكن ممكن أن نؤجل اتخاذ القرار في مسألة الحوار للتفكير لوقت آخر بدل إهماله لأن تركه سلبية تسبب تراكم للمشاكل تنفجر في لحظات غاضبة .
5. تخصيص وقت للحوار وتصيد المناسبات السعيدة فرصة ذهبية يجب أن نوليها الاعتبار في حواراتنا ، فالاهتمام بما يحب الطرف الآخر جزء من الحوار الفعال والناجح .
6. اللغة الواضحة التي يجب اعتمادها مع أفراد الأسرة فهي وسيلة لفهم الأطراف الأخرى .
7. أسلوب المخاطبة يجب أن يكون على حسب الشخص الذي نتحاور معه فالأطفال لهم أسلوب مختلف عن أسلوب الكبار ، والزوجة لها أسلوب مختلف عن الباقين ، يعني تحديد الأسلوب مع عمر المخاطب .
8. عدم الاستئثار بالحديث ، غلبت على حواراتنا الأسرية التداخل وإعلاء الصوت وفرض الرأي وعدم سماع الصوت الأخر لأننا لا نترك مجال للطرف الأخر أن يتكلم .
9. استخدام الأساليب التوضيحية في التحاور وخاصة عندما يكون الحوار للأبناء لأن الأمثلة والأساليب التوضيحية تثبت الهدف الرئيسي من التحاور والمطلوب من الكلام .
10. السؤال في حال عدم فهم وجهة نظر الطرف الآخر .
11. تحديد موضوع الحوار وأن يكون محور وحيد للقاء ، فلا يجب إشراك أكثر من موضوع في آن واحد ولذلك حتى تترتب الأفكار والخروج بنتيجة من اللقاء .
12. اختيار الوقت المناسب: أنسب وقت للمصارحة متى كان الطرفان هادئين ، وإذا كان
أحدهما متوتراً فلن تكون هناك مصارحة بينهما.
المراجع:
دراسة الباحثة الأستاذة استقلال احمد باكر
1. القرآن الكريم .
2. رياض الصالحين ، الإمام النووي ،دار المأمون للتراث، بيروت ، 1993 م، الطبعة الثالثة .
3. المحاور المحترف آداب ومهارات ؛ إبراهيم الديب .
4. فنون الحوار والإقناع ؛ محمد ديماس ،دار ابن حزم , بيروت ، 1999م، الطبعة الأولى.
5. محاورات زوجية ؛ محمد رشيد العويد ، دار ابن حزم ، بيروت ، 1993م ، الطبعة الأولى .
6. قوة الذكاء الاجتماعي ؛ توني بوزان ، مكتبة جرير ، المملكة العربية السعودية ، 2005م ، الطبعة الأولى .
7. زاد الأخيار " الجزء السابع " ، اللجنة العلمية ، مؤسسة الكلمة للنشر والتوزيع ،2000م الطبعة الأولى .
8. فن الحوار مع الأبناء ؛ د0 سعد رياض، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة ،القاهرة ، 2007م ، الطبعة الأولى.
[1] بشير خلف " الحوار المتمدين " http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=69648
[2] حنان محمد حليحل : http://www.al-forqan.net/linkdesc.asp?id=866&ino=318&pg=6
[3] دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر : http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=393754
[4] سورة هود ؛ الآيتان 118- 119 ) .
[5] سورة الأعراف ؛ (الآيات من 11 إلى 25).
[6] سورة البقرة ؛ ( الآية 260).