مواجهة الحملات الإعلامية المضادة للإسلام

الأستاذ: محيي الدين عبد الحليم

 

تتفق المخططات العلمانية والصهيونية والشيوعية على حرب الإسلام ورجاله، وتجد في النظم الليبرالية مجالا رحبا لتنفيذ مخططاتها نظرا لحرية الفكر والحركة، وحرية الصحافة والمطبوعات وعدم وجود قوانين أو لوائح تحول دون العمل الذهني، أو لوائح تمنع النشاط الفكري والإعلامي.



هذا بخلاف المستشرقين الذين يعمل أكثرهم ضد الإسلام والمسلمين من خلال الكتابات المنحازة والعروض المغلفة، ودوائر المعارف العالمية التي كثيرا ما تحوي بيانات يجانبها الصواب، ومراكز المعلومات التي تستقي مادتها من مصادر غير موثوقة أو متحيزة، وغير ذلك من الجهات التي تعمل في مجال صناعة الفكر وتشكيل الرأي وتكوين الاتجاهات.



هذا إلى جانب الدعوات التي يطلقها البعض لتقليص الإسلام وتحجيمه وحبسه موضوعيا وجغرافيا، وربطه بالعروبة على اعتبار أنه الجانب الإلهي أو النظام الديني للأمة العربية، وأن العروبة هي الأصل والإسلام هو الفرع.. وأن العروبة هي القاعدة والأساس والإسلام هو بعض أجزائها، أي أن الإسلام كان حركة عربية، والفضائل التي زرعها الإسلام كانت فضائل عربية، والعيوب التي حاربها الإسلام كانت عيوبا عربية؛ وبالتالي فإن هذا الدين لا يمكن أن يعيش إلا في كيان الأمة العربية، ولا يعبر إلا عن فضائلها وأخلاقها ومواهبها، فهو طور متقدم للحياة العربية.



وتوجه الاتهامات إلى الشريعة الإسلامية في مواضع كثيرة منها على سبيل المثال مسألة تعدد الزوجات وتدعي هذه المزاعم أن الشريعة الإسلامية شرعت تعدد الزوجات لأن الرجال المسلمين يحفلون بالمتعة، ويقضون جل حياتهم في إشباع الرغبة الجنسية.. 

ويكشف "نورمال دانيال" بطلان هذه الادعاءات قائلا: "إن الهجمات المحمومة التي تشنها العناصر المسيحية المتعصبة ضد الإسلام لا معنى لها؛ لأن جوهر الدين الإسلامي والدين المسيحي واحد؛ وبالتالي فإن الأسباب التي تدعو للهجوم واحدة في كل من الإسلام والمسيحية إذا كانت صحيحة.



هذا إلى جانب العديد من الأفكار التي لا تخلو من غموض أو ابتسار والتي تلصق بالإسلام والتي يسهم فيها بعض الكتاب العرب أنفسهم، الذين بهرتهم الحياة الغربية بمباهجها ومفاتنها، كما يسهم في ترسيخها البعض من العرب بسلوكهم وأعمالهم أثناء وجودهم في البلاد الأوروبية سواء للسياحة أو العلاج أو التعليم.

والإسلام هو الدين الوحيد الذي تعرض لهذا الحجم الهائل من المؤامرات والطعنات والغزوات، وذلك منذ غزو جحافل المغول والتتار ومحاولتهم الإطاحة بالتراث والثقافة الإسلامية، إلى جانب الحملات الصليبية، وإلى عصر الانحطاط والجمود الذي مرت به الأمة في بعض العصور خصوصا في أواخر أيام خلافتها، وحتى بونابرت في القرن التاسع عشر ومن ورائه الاستعمار الفرنسي، ثم الاستعمار البريطاني، وأخيرا محاولات الاحتواء الغربية أو الشيوعية أو الصهيونية.



وفي حالة غياب مؤسسات إعلامية إسلامية تأخذ على عاتقها مواجهة هذه المخططات وتقوم بتفنيد كافة المزاعم، وتصحيح الأخطاء والادعاءات التي تلصق بالإسلام، وترد على مختلف الأسئلة والاستفسارات التي تثار هنا وهناك، فإن الإسلام سوف يكون مجالا خصبا لهذه الطوائف الحاقدة والكارهة والمعادية التي تسهم في تكوين الصورة الذهنية غير الصحيحة عن الإسلام لدى العالم.



وهكذا تلعب الحملات العدائية الموجهة للإسلام دورا نشطا للتشكيك في الدعوة الإسلامية، من خلال خطط علمية منظمة توظف فيها تكنولوجيا الاتصال ووسائله التي دخلت كل بيت وأصبحت جزءا أساسيا من حياة الناس اليومية في مختلف المجتمعات نظرا لسعة انتشارها وقوة تأثيرها وعناصر الجذب التي تتمتع بها.



ويعمل العديد من القوى المضادة على استثمار هذه الوسائل بكافة الطرق الممكنة، ومختلف الأساليب المباشرة بهدف احتوائها والسيطرة عليها وتوجيهها وتوظيفها بالشكل الذي يخدم أغراض هذه القوى.



والمجتمعات الغربية بصفة خاصة تضم العديد من الملل والنحل وأصحاب المذاهب والديانات المختلفة التي تسعى للسيطرة على الصحافة وأجهزة الإعلام الأخرى، سواء عن طريق الإغراء بالمال، أو الإعلانات ، أو الإرهاب لكي تعمل وفق الأيديولوجيات التي تستهدفها، ويتضح هذ بصورة واضح في المجتمعات الليبرالية التي تسيطر فيه القوى الأغنى والأقوى.



وتلعب الحملات الدعائية الدولية المنظمة والموجهة ضد الإسلام والمسلمين دورا كبيرا في الإساءة لهذا الدين من خلال تقديم صورة نمطية كريهة وتدبير المؤامرات ووضع الخطط الإعلامية الموسومة بالتواطؤ مع الجماعات المنشقة التي ترفع لواء هذا الدين في الوقت الذي تلعب فيه دورا كبيرا في الهجوم على الإسلام وبتأييد من بعض الحكومات والمؤسسات الغربية، ويسهم بعض المستشرقين في هذه الحملات الظالمة حين يتناولون الإسلام كظاهرة بشرية تخضع لما تخضع له الظواهر الإنسانية من نواميس وقواعد.



وتكشف الدراسات العلمية عن مدى التحامل في دراسات وبحوث العديد من المستشرقين والتي تتضمن كثيرا من الهجوم والتهكم والسخرية على الإسلام والمسلمين، ويقدمون ذلك بأسلوب بارع يكسب كتاباتهم مسحة من الموضوعية المزيفة، في الوقت الذي يكيلون فيه الاتهامات للإسلام، ويصفونه بأنه أيديولوجية معارضة للسامية وأن المسلمين عاجزون عن قول الصدق أو رؤيته أو تقبله.(الاستشراق والمستشرقون: 90).



وفي المقابل إذا لم يوجد جهاز إعلامي إسلامي قوي يعمل من خلال استراتيجية علمية منظمة، ينسق الجهود ويضع الخطط ويجري الدراسات على مختلف الشرائح الجماهيرية المستهدفة، ويرد على الهجمات الشرسة التي توجه ضد الإسلام ودعوته، والمؤامرات التي تحاك دائما لإحداث الوقيعة وبث الفرقة بين المسلمين وإحداث البلبلة في صفوفهم، فإن صورة الإسلام قدد تتحول إلى صورة بغيضة كريهة في نظر الجماهير غير المسلمة مما يؤثر على إدراكهم الصحيح لحقيقة هذ الدين ويزرع في عقولهم اتجاهات معادية ورافضة سلفا لأي محاولة تعمل على تصحيح هذه الصورة.. وقد يحدث ذلك أثرا عميقا ويترك انعكاسات سيئة على الأجيال التالية التي ترتبط بالأجيال التي سبقتها من خلال الجماعات الأولية التي تنتمي إليها .



ولعل هذا يبرز الدور الهام الذي تتحمله منابر الدعوة ومراكز الإعلام الإسلامي في الخارج، كما يحمل المسلمين حكومات ومؤسسات وأفرادا مسؤولية دعم هذه المنابر بالإمكانات المادية اللازمة والطاقات المدربة والمؤهلة لأداء هذا الدور، والقادرة على مخاطبة هذا العالم المتقدم والعمل على استمالة هذه الشرائح المثقفة والذكية من الجماهير، كذلك مواجهة الخطط المضادة والمدعومة بالإمكانات الكبيرة للنيل من الإسلام والمسلمين.

المصدركتاب الدعوة الإسلامية والإعلام الدولي. 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك