منهجية الحوار الجدلي في القرآن الكريم والسنة النبوية

تمهيد :
كلمتا الحوار والجدل تسيران دائماً جنباً إلى جنب في مسيرة الفكر الإنساني وقد تعاورت الكلمتان الدلالة في كثير من الأحيان واستخدمتا بمعنى واحد أو مختلف لدى كثير من الدارسين فقالوا : في البدء كان الحوار ( )، وقالوا الجدل ظاهرة إنسانية لازمت الإنسان منذ وجد في هذا الكون( ) ، بل قالوا الجدل ظاهرة كونية لوجودها في غير الأجناس البشرية كالملائكة وإبليس ( ) .
ولأن كل مسلم رضي بالله عز وجل رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد  نبياً مكلف بالدعوة إلى الإسلام ، والدفاع عنه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه رسالة كل مسلم في حياته .
وانطلاقاً من هذا المبدأ الذي حث القرآن الكريم عليه نهض المسلمون بواجبهم في الدعوة والدفاع ، ولما كان الداعي والمدافع لابد وأن يلتقي بكل أصناف الناس ويصطدم بمختلف التيارات والثقافات والاتجاهات ، فلا بد له من إتقان أساليب الدعوة والدفاع المتمثلة في الحوار ، والجدل بالحسنى ، وأصول الدعوة والمناظرة ، ونجد أمثلة كثيرة من القرآن الكريم في مجادلة اليهود والنصارى والمشركين والثنوية ، ومنكري النبوات وغيرهم .

المبحث الأول
تعريفات ونماذج في الحوار الجدلي

أولاً : تعريف الحوار والجدل والعلاقة بينهما :
الحوار في اللغة من الحوَر : وهو الرجوع والتردد بين شيئين ، والتحاور من التجاوب والمحاورة ، وحاورته : راجعته في الكلام ، وكلمته فما رد علي محورة ، وما أحار جواباً : أي ما رجع . والمحاورة : مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة .
وأما الجدل فله معاني لغوية كثيرة منها : اللدد في الخصومة والقدرة عليها ، وهذا المعنى مشتق من معاني أخرى منها : الفتل أو شدة الفتل ، ومنه زمـام مجدول أي مفتول .
ومنها : القوة والاشتداد ولذلك قيل للصقر الأجدل لقوته .
ومنها : الصرع ، ولذا قيل جدله فانجدل وتجدل : أي صرعه على الجدالة وهي الأرض ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " أنا خاتم النبيين في أم الكتاب ، وإن آدم لمنجدل في طينتـه " ( ) ومن معاني الجـدل الإحكام والانتظام ، ولذا قيـل للقصر المشرف " المجدل " وجدلاء ومجدولة : محكمة النسج ودرع جدلاء قال الحطيئة :
فيه الجياد وفيه كل سابغةٍ جدلاء محكمة من نسج سلام
ويدخل في هذا حسب ظني الجدول أي جدول الماء ، لانتظام جريانه وتناسقه . والجدل الناحية والطريقة والقبيلة ( ).
اصطلاحاً : يعرف الباجي الجدل بأنه : " تردد الكلام بين اثنين قصد كل واحد منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه " .( )
ويسرد الجويني تعريفات متعددة للجدل ، ثم يعترض عليها ويختار هو التعريف التالي : الجدل " إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة ، أو ما يقوم مقامها من الإشارة والدلالة " ( )
ويلاحظ أن تعريف الجويني هذا يرتبط بالمعنى اللغوي ، ويعتصم به لأنه قائم على التدافع بين الخصمين لأن أحد معانيه اللغوية الصرع من المصارعة .
كما يلاحظ عليه أنه يدخل في الجدل المناظرات الشفوية والكتابية لأنه قال بالعبارة أو ما يقوم مقامها من الدلالة والإشارة .
وعلى هذا يبدو أن الجدل لا يكون إلا بين اثنين متنازعين فأكثر وهو ما نلاحظه في تعريف الباجي السابق ، والجويني ، كما نلاحظه في تعـريف العكبري " ت : 616 هـ " التالي : الجدل هو : " عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجة أو شبهة ، وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره " ( )
أما الجرجاني فيعرف الجدال بأنه : " عبارة عن مراء يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها " . ويعرف الجدل بأنه : " القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات والغرض منه إلزام الخصم وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان أو هو دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة . ( )
ويبين لنا إمام الحرمين الجويني المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي الذي عرفه به العلماء فيقول : " إن قلنا إنه في اللغة للإحكام فكأن كل واحد من الخصمين إذ كان يكشف لصاحبه صحة كلامه بإحكامه وإسقاط كلام صاحبه ، سميا متجادلين " .
وإن قلنا : إنه مأخوذ من الفتل ، فلأن كل واحدٍ من الخصمين يفتل صاحبه عما يعتقده إلى ما هو صائر إليه " . ( ) وإن قلنا من الصرع فكأن الخصمين يتصارعان وكل واحدٍ منهما يقصد إسقاط كلام صاحبه بغلبته وقوته .( )
ومن مرادفات الجدل والمجادلة نجد المناظرة وهي " النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين شيئين إظهاراً للصواب " وقد يكون مع نفسه ، ومنها المكابرة وذلك إذا علم المجادل بفساد كلامه وصحة كلام خصمه وأصر على المنازعة ، ومنها المعاندة وهي المجادلة مع الجهل بالقضية التي يجادل فيها ( ) .
ومنها المحاورة وهي المراجعة في الكلام ومنه التحاور أي التجاوب ، وهي ضرب من الأدب الرفيع ، وأسلوب من أساليبه ، وقد ورد في موضعٍ واحد في القـرآن الكريم " والله يسمع تحاوركما " وقريب من ذلك المناقشة ( ) .
وقد وردت لفظة " الجدل " وما تصرف منها في القرآن الكريم في تسعة وعشرين موضعاً منها خمسة وعشرون موضعاً كان الجدل فيها مذموماً ، ومنها أربعة مواضع( ) كان الجدل فيها محموداً ( )، وهذا يعني أن أغلب الجدل والجدال مذموم يؤدي إلى المنازعة ، وليس فيه فائدة كما يعني هذا أن من الجدل ما هو مفيد ومستحسن وذلك إذا تجرد من الأهواء، وحب التصدر ، والأنانية ، والقصد إلى الحق ، وإلى هذا قصد القرآن الكريم في الآيات المشار إليها في الهامش .
لقد كانت كلمة الحوار في القرآن الكريم أقل استعمالاً من كلمة الجدل فقد جاءت لفظة الحوار في ثلاثة مواضع اثنان منها في سورة الكهف في معرض الحديث عن قصة صاحب الجنة وحواره مع صاحبه الذي كان أقل مالاً ونفراً وقد كان من حوارهما : ( )
// فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً // 34 الكهف
// قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً // الكهف 37 .
والموضع الثاني الذي ذكر فيه الحوار في سورة المجادلة // قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها // ...
والجدل كما يرى بعض الباحثين يحتوي على معاني الصراع والإغراق في الكلام في معظم أحواله ولذلك اتجه الفكر المعاصر إلى استبداله بالحوار واهم ذلك دعوة الفاتيكان في الوثيقة التي صدرت عام 1965 م ( ).
والحقيقة أنه لا فرق بين مصطلحي الحوار والجدل فكلاهما يمكن استخدامه بشكل سلبي أو إيجابي وإذا كان الجدل يوحي بمعنى الصراع فإن الأصل فيه هو الدعوة إلى الجدل بالحسنى // وجادلهم بالتي هي أحسن // والاتجاه إلى الصراع واللدد والخصومة جاءت بسبب تمسك كل إنسان بهواه وإعجاب كل ذي رأي برأيه .
وهذا يمكن أن يكون في الحوار أيضاً بل إن الحوار اليوم يتخذ أشكالاً مراوغة ويسعى إلى إقناع الآخرين بأن يستسلموا أو يتخاذلوا تحت مسميات مختلفة ودعوات متسترة . فالمشكلة الحقيقية هي في الإنسان نفسه وليس في الوسائل .
ثانياً : أنواع الحوار الجدلي في القرآن الكريم :
لقد كان الجدل في القرآن الكريم نوعان : محمود ، ومذموم ، وأن المذموم ما كان بقصد الغلبة والرياء والجدل للباطل ، أو بغير علم ، أو في مكان غير مناسب ، أو لقصد الجدل فقط ، كما قال عز وجل :
مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ  ( ). فالقصد هنا الجدل للجدل .
وقال : مَا يُجَـادِلُ فِي ءَايَـاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَـرُوا فَلا يَغْـرُرْكَ تَقَلُّبُهُـمْ فِي الْبِلادِ  ( ). الجدل هنا مكابرة لأنها مجادلة في أمور بديهية .
وقال :  وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ  ( ) الجدل هنا غايته نصرة الباطل ، ومدافعة الحق عن علم وقصد .
وقـال : وَمِـنَ النَّـاسِ مَنْ يُجَـادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْـمٍ وَلا هُـدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ  ( ) وقـال عز وجل  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ  ( ). الجدل هنا بغير علم وهو ما نراه اليوم كثيراً في مجتمعنا ، وخصوصاً فيما يتعلق بأمور الدين ، فقد أصبح الدين كما يقول الدكتور البوطي أشبه ما يكون بالكلأ المباح ، يقتحمه كل الناس بعلمٍ وبغير علم ، ودون أن يُراعى فيه أي تخصص ، بخلاف العلوم الأخرى فإن لها أسيجة من الحصانة والحماية .
وأما الجدل المحمود فهو ما كان بقصد الوصول إلى الحق ، ودفع الباطل ، والدعوة بالحسنى ولذلك قرنه الله عز وجل بالدعوة فقال :
 ادْعُ إِلَى سَبِيـلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَـةِ وَالْموْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهـمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( ) .
وقـال عز وجـل :  وَلا تُجَـادِلُوا أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَـنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ  . ( ) لأن مجادلة الظالمين غير مجدية وإنما يجدي معهم السلاح والقوة . ودعا القرآن الكريم إلى إحضار الدليل أو البرهان فقال :
 قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ  ( ) .وقال عز وجل :
 قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( ) .
وقد جادل الأنبياء أقوامهم كثيراً ولم يملوا من ذلك حتى قال الباري عز وجل حكاية عن قوم نوح :  قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا  ( ) .
وجادل إبراهيم عليه السلام أباه وقومه فقال عز وجل يحكي عنه :
 إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَاأَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ ءَالِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِياً  قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا  وَأَعْتَـزِلُكُمْ وَمَـا تَدْعُـونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُـو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا  ( ) .
وقال عز وجل :  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  ( ) .
كما جادل القرآن الكريم أهل الملل المختلفة وقد استغرق الحديث عن اليهود صفحات كثيرة من سورة البقرة وآل عمران وسورة المائدة وذلك لكشف خبثهم ودناءتهم ومكائدهم وعداوتهم لله عز وجل ولرسوله  قال عز وجل :  لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ  ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ  الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ  ( ) .
ومع النصارى يقول عز وجل :
 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ  ( ) .
ومع الثنوية والمشركين يقول عز وجل :  وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَلَهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًـا أَفَغَـيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ  ( ).
ويقول : لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ  ( ).  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَعَالِـمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَاـلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ  ( ) .
ويخاطب عز وجل الملحدين والمشركين فيقول :  قُلْ أَرأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَـارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُـونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ  وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  ( ) .
ويقول :  قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُـونَ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ) .
ويقول جل شأنه :  إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَفَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِوَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَوَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَوَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُـمْ وَخَرَقُـوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ  [سورةالأنعام95 –102]
ومع منكري النبوة يقول عز وجل : وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا  ( ) .
ويقول عز وجل : وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌوَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْـرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَوَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ  ( ) .
هذا الحوار والجدل القرآني مع أصحاب الملل المختلفة يدفع كل مسلم صادق في إيمانه إلى أن يسلك سبيل القرآن في الدعوة بكل الوسائل الخطابية والجدلية والبرهانية ، وهي المعاني التي يشير إليها بعض العلماء ( ) عند استعراضهم للآية القرآنية :  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( ) .
هذا فيما يتعلق بالقرآن الكريم ونفس الأمر نجده في سنة المصطفى  إذ في سيرته نجد نماذج تدفع المسلم لأن يتأسى ويقتدي به  في الدعوة ومجادلة الآخرين قال عز وجل في كتابه المنزل :  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  ( ) .
فمن ذلك ما يروى أن النصارى أتوا إلى رسول الله  فخاصموه في عيسى ابن مريم : وقالوا له من أبوه ؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان ، فقال لهم النبي  ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا بلى : قال ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه ؟ قالوا بلى : قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً ؟ قالوا : لا . قال أفلستم تعلمون أن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل يعلم عيسى من ذلك شيئاً إلا ما علم ؟ قالوا : لا : قال : فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء فهل تعلمون ذلك ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذي كما يتغذى الصبي ؟ ثم كان يطعم الطعام ، ويشرب الشراب ، ويحدث الحدث ، فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ ( ) قال الراوي : فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً ، فأنزل الله تعالى  الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ  ( ) .
واضح من خلال هذه الرواية كيف يستخدم معهم النبي الكريم  الأدلة البرهانية والبديهية التي لا يجحدها إلا مكابر أو معاند فالإله لا يمكن أن يدخل في بطن امرأة ، ولا يمكن أن يأكل الطعام ، ولا يحدث الحدث لأن هذه صفات نقص لا تليق بالكمال الإلهي ، وقد خلت المناظرة كما نلاحظ من التعقيدات والتقسيمات الجدلية ، وهذه عادة القرآن الكريم وعادة النبي  أن الاستدلال يكون واضحاً جلياً بديهياً يقنع الأمي الجاهل كما يقنع العالم المتبحر .
وهذا الاستدلال النبوي الشريف ، ومثله الاستدلال القرآني :  إِنَّ مَثَـلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ) وقوله عز وجل :  مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ  ( ) .
لقد كان هذان الاستدلالان القرآني والنبوي أسوة حسنة لكل المجادلين المسلمين تقريباً فلا نجد مجادلاً إلا ويرفض دعوى ألوهية المسيح مستنداً إلى عوارض البشرية ، ومظاهر الإنسانية التي كان عيسى متلبساً بها ، والتي عبرت عنها نصوص الأناجيل بكل صراحة ووضوح .
ومن الأمثلة التي أفحم النبي  فيها أهل الكتاب ما جاء أنه أتي برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فقال لليهود ما تصنعون بهما ؟ قالوا : نسخِّم ( ) وجوههما ونخزيهما قال  : فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ، فجاؤوا فقال لرجل ممن يرضون : يا أعور إقرأ ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها ، فوضع يده عليها ، قال : ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا فيه آية الرجم تلوح ، فقال : يا محمد : إن عليهما الرجم ولكنا نكاتمه ، فأمر بهما فرجما ، فرأيته يجانئ ( ) عليها بالحجارة ( ). لقد ألزمهم النبي  بالتحريف ، وكتمان الحق فلم يجد أعورهم مناصاً من الاعتراف بذلك .
ونكتفي بهذه الأمثلة القرآنية الكريمة ، والنبوية الشريفة التي تدل دلالة واضحة على أن القرآن الكريم والسنة النبوية كانا دافعاً قوياً ، وحافزاً كافياً لاستثارة كل مسلم صادق في إسلامه للدفاع عن الإسلام والدعوة إليه .

أشكال الاستدلال في الحوارية القرآنية
نبقى مع كتاب الله عز وجل لنؤكد أن الأثر الأكبر كان له في منـاهج المسلمين إذ أننا سنجد أن القرآن الكريم يخاطب الناس بكل دلائل العقل البرهانية ، والجدلية والخطابية كما أشرنا آنفاً وذلك لكي يلبي كل حاجات الناس العقلية ومواهبهم وقدراتهم وسوف نرى أن أكثر طرق الاستدلال التي استخدمها القرآن الكريم تتجلى في المنهج الكلامي الإسلامي :
فقد استخدم القرآن الكريم قياس الأولى بشكل واسع النطاق وله تطبيقات كثيرة في كتـاب الله عز وجل : } وَلَهُ الْمَثَـلُ الأَعْلَى فِي السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { ( ) ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل : } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ { . وقوله عز وجل : } أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ { ( ) . ففي هاتين الآتيين الكريمتين إثبات حكم الشيء بناء على ثبوته لنظيره بشكل آكد وأقوى لأن من خلق الشيء يكون قادراً على خلق مثله أو أقل منه ( ) .
وقوله عز وجل } لَخَلْقُ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ { ( ) وقوله عز وجل : } وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ! قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ! الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ !أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ !إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ { ( ) فالذي يخلق من العدم من باب أولى قادر على الإعادة والذي يخلق الشيء من ضده كالنار من الشجر الأخضر ، قادر على خلقه من عناصره ( ) . وقوله عز وجل : } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { ( ) . } وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ { ( ).
من أمثلة ذلك في الرد على النصارى قوله عز وجل : } إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{ ( ) فإذا كان الخلق من غير أب مسوغاً لاتخاذ عيسى إلهاً فأولى بآدم المخلوق من غير أب ولا أم أن يكون هو الآخر إلهاً ، لكن لما لم يكن آدم إلهاً باعترافكم فمن باب أولى أن لا يكون عيسى إلهاً ( ).
واستخـدم القرآن الكريم قيـاس الخلف ، وهو إثبـات المطلوب بإبطـال نقيضه وذلك في قوله عز وجـل : } لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { ( ). ويسمى هذا الدليل برهـان التمـانع أيضاً ، ومن أمثلته أيضاً في القرآن الكريم : } وَلَـوْ كَانَ مِنْ عِنْـدِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَـدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا { ( ) . ففي الآية الأولى تعدد الآلهة باطل لأنه يورث الفساد فثبت أن الله عز وجل واحد .وفي الآية الثانية الاختلاف والتناقض باطل لا وجود له في القرآن الكريم فثبت نقيضه وهو أنه محكم معجز فهو لذلك كلام الله عز وجل ( ).
واستخـدم القرآن الكريم قيـاس الغائب على الشاهد الذي يسمى أيضاً قياس التمثيل ( ) ، ولكن الفرق كبير جداً بين استخدام القرآن الكريم له ، واستخدام المتكلمين ، فالقرآن الكريم يستخدمه لإثبات قدرة الله عز وجل بأمور مشاهدة للإنسان أو معلومة له بشكل قطعي بدهي لا تنكره العقول ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : } وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ! قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ !الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ !أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ !إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ { ( ) . وهي الآيات التي ذكرناها قبل قليل مثالاً لقياس الأولى .
فالقرآن الكريم يقيس الغائب هنا وهو الإعادة بعد الموت على أمور معلومة قطعاً للإنسان وهو أنه وجد من لا شيء بعد أن لم يكن أو على شيء مشاهد محسوس يراه الإنسـان بعينـه وهو استخـراج الحـار من الشجر الأخضر الرطب أي استخراج الشيء من ضده ( ) .
ومثل ذلك قوله عز وجل : } وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِـعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَـا الْمَـاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّـذِي أَحْيَـاهَا لَمُحْيِي الْمَـوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُـلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { ( ). فقياس الغائب هنا وهو إحياء الموتى على أمر مشاهد محسوس لا يشك فيه عاقل وهو حياة الأرض بعد جفافها ويبسها .
هذا الاستخدام القرآني يختلف جداً عن استخدام بعض المتكلمين إذ جرت عادتهم على استخدامه في الصفات والأفعال الإلهية مما جر إلى كثير من الأخطاء .
واستخدم القرآن الكريم التسليم الجدلي للخصـوم ثم كر على مقـالاتهم بالنقض والإبطال ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل : } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُـلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَـقَ وَلَعَـلا بَعْضُهُـمْ عَلَى بَعْـضٍ سُبْحَـانَ اللَّهِ عَمَّـا يَصِفُونَ { ( ). والمعنى ليس مع الله عز وجل إله ، ولو سلم ذلك لكم لزم من ذلك ذهاب كل إله بما خلق وعلوُّ أحدهما على الآخر ، فلا يتم في العالم أمر ، ولا ينتظم فيه حكم والواقع خلاف ذلك ، لأن نظام العالم قائم على أحسن حال ، والتناسق الموجود في الكون غاية في الجمال ، فبطل إذن وجود آلهة غير الله عز وجل لأنه يلزم من ذلك اختـلال النظـام في العـالم ، وهذا النوع لا يختلف عن قياس الخلف إلا من جهة التسليم الجدلي المذكور اقتراضاً وليس حقيقة وواقعاً ( ). ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى يحكي عن الأنبياء وأقوامهم :
}قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ !قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَـاءُ مِنْ عِبَادِهِ{ ( ) فهنا تسليم جدلي من الأنبياء عليهم السلام للمنكرين لنبوتهم لأنهم بشر بأنهم بشر حقاً ولكن ليست البشرية مانعاً من النبوة ( ) .
واستخدم القرآن الكريم طريقة القسمة ويضرب السيوطي ( ) مثلاً لذلك بقوله عز وجل : } ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ … { ( ) .
هذه الأمثلة القرآنية لاستخدام صور متعددة في الاستدلال ، كان لها الأثر الكبير في مناهج المتكلمين الذين استخدموها بشكل واسع النطاق ، ولكن ما ينبغي المقارنة بين المنهج القرآني في الاستدلال ، والمنهج الكلامي ، ذلك لأن القرآن الكريم لا يخوض في التقسيمات والتشقيقات والتفريعات المملة والمرهقة التي نجدها لدى بعض المتكلمين ، والتي لا تؤدي إلا إلى إتعاب الناظر ، وإجهاد عقله وفكره دون جدوى ، إضافة إلى أن جدل المتكلمين موجه إلى العقل فقط ، فهو لذلك يتسم بالجفاف والتعقيد ولا يعطي في الغالب ثمرة إيجابية ، لأن اليقين العقلي لا يكفي وحده لدفع الناس إلى الالتزام ، إذ لا بد من أن يقترن هذا اليقين بدافع من الحب أو الخوف أو الرغبة أو الرهبة ، وهذا هو منهج القرآن الكريم الذي لا يفصل دائماً بين الدليل العقلي ، والوازع القلبي والعاطفي ، ويقرن دائماً الترغيب والترهيب بأدلة العقول والنظر ، فلنتأمل في بعض هذه الآيات يقول عز وجل : } إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ! إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا! مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا {( ) . فهو بعد أن توعد المنافقين استثنى منهم التائبين والمخـلصين ثـم بيـن أنـه عز وجل غني عن عـذاب العـالمين : } ما يفعل الله بعذابكم {. أي أنه عز وجل لا شأن له بعذابكم لأنه منزه عن دفع المضار وجلب المنافع وإنما قصده حمل المكلفين على فعل الحسن ، واجتناب القبيح ( ) .
ومع النصارى نعود إلى الآيات القرآنية لنتأمل فيها يقول عز وجل : } لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ !لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ !أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ! مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ! قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ! قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ {( ). يجد المتأمل في هذه الآيات أن القرآن الكريم يستخدم مع النصارى الدليل العقلي والدليل الوجداني وقد تمثلت الأدلة العقلية في هذه الآيات في :
 أن المسيـح نفسه يتـبرأ من هـذه الدعوى ويعلن عبوديته لله عز وجل ويدعو الآخرين إلى عبـادة الله وحـده } وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ {.
 وأن الأدلة قـامت على أنه لا إله إلا إله واحد فكيف تدعـون أنهـم ثلاثة } وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ { .
 إضافة إلى أن المسيح رسول كغيره من الرسل يأكل الطعام وأكل الطعام كناية عن إحداث الحدث وهو في قمة الدلالة على العبودية والضعف } كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ { .
 إضافة إلى أن المسيح عاجز عن الضر والنفع ، ولا يملك من ذلك شيئاً وكله بيد الله عز وجل : } قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { .
وأما الأدلة الوجدانية فقد تمثلت في :
 الترهيب والوعيد وذلك في قوله عز وجل : } إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ وقـوله جـل شأنه : } وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { .
 والترغيب والتأنيس وذلك في قوله عز وجل : } أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { .
ونفس الأمـر نجـده مع اليهـود فنجـد التقريع والتهديد في قوله عز وجل : } وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { ( ). ثم نجد في الآية التي تليها ترغيبٌ في الآخرة :
}وَلـوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتـابِ ءامَنُوا وَاتَّقَوْا لكَفَّرْنَا عنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ {. وترغيب في سعة الرزق وبسطة العيش في الدنيا كما في قوله عز وجل :
} وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ { . ولعل ذلك لأنه عز وجل يعلم شدة حرصهم على الحياة الدنيا وطمعهم في ملذاتها .
إن دعوة القرآن الكريم الرفيعة اللينة لتأخذ بالألباب ، وتدخل إلى الوجدان فتؤثر في النفوس أيما تأثير حتى أن تلك النفوس المرتكسة في غيِّها تتفاعل فيها الأحاسيس والمشاعر عند سماع القرآن وتوقن في قرارات أنفسها بأن هذا يعلوا على أساليب البشر .( )
وهذا ما وقع لكثير من المشركين عند سماع القرآن الكريم فقد سمع جبير بن مطعـم رسـول الله r يقرأ في صلاة المغرب بالطور فلما بلغ رسول الله r هذه الآيات : }أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ! أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ! أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ { ( ) قال كاد قلبي يطير ، وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي ( ) .
وهكذا نجد أن المنهج القرآني في الحوار الجدلي يسلك طرائق مختلفة تخاطب الجوانب المختلفة في النفس الإنسانية : العقل والضمير والوجدان والحواس .

الخاتمة :
الحوار ليس المراد منه هو الحوار فقط كما هو الشأن في الخطاب المعاصر ، وإنما المراد هو الوصول إلى نقاط ارتكاز مشتركة بين المتحاورين تؤسس لتفاهم أكبر على المستوى الحياتي والنشاط الإنساني ، ولكن للأسف فما يحصل اليوم هو أن الطرف الأقوى يفرض الحوار على الطرف الأضعف ويقرر النتائج كما يريدها وكما يتصورها وما على الآخر إلا أن يصغي ويبارك وإلا فإنه سيوصم بالتخلف أو الإرهاب أو رفض الآخر !!
الحوار الذي يحصل اليوم هو بين شخصين أحدهما فقير ضعيف لا يملك من أمر نفسه شيئاً والآخر متغطرس يملك القنابل الذكية والترسانات النووية يلوح بها في ذات الوقت الذي يمد يده الأخرى للحوار .
الحوار اليوم شعار يختفي وراءه مضمون الإكراه والقهر والاستبداد . ولذلك لا نجد نتائج إيجابية لكل هذه المؤتمرات التي تُعقد في العالم منذ سنوات عديدة لأن المشكلة هي ليست في إمكانية الجلوس على مائدة الحوار وإنما المشكلة هي في إرادة العدالة وإرادة الحقيقة وإرادة المساواة هذه هي المطالب الإنسانية الأساسية التي تضيع بين صخب الإعلام وهدير الطائرات وغطرسة القوة .
الإسلام هو دين الحوار ولكنه الحوار المتكافئ القائم على إرادة الفهم ، وإرادة العلم ، وإرادة التعايش بعيداً عن الإكراهات المختلفة السياسية والاجتماعية والنفسية والفكرية .

د. أحمد إدريس الطعان
كلية الشريعة – جامعة دمشق

الأكثر مشاركة في الفيس بوك