كيف نتعامل مع المشكلات

د. محمد بن عبدالله الدويش

ضرورة إيجاد منهج متكامل لحل المشكلات:
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد: 
    مـدخـل وتـوطـئـــــة: 
    لا يخفى على المتأمل أنّ الحديث عن المشكلات حديثٌ كثيرٌ ومتجدد لا يكاد ينقطع، و لعله سيظل هكذا ما تعاقب الليل والنهار, فليس في هذه الحياة أحد ٌيعيش بمعزلٍ عن المشاكل, وخاصّةً الشباب، فهم - بحكم المرحلة الحرجة التي يمرون بها- أكثرُ شرائح المجتمع تأثراً و معاناةً من المشكلات و الصّعوبات. 
    وبحكمِ تعاملي اليوميّ مع القضايا الشبابية تَرِدُني أسئلةٌ كثيرةٌ تدور حول جملةٍ من المعضلات التي يواجها الشباب، ويعانون منها. ومن البَدَهيّ أنّ هذا السيل المتدفق من الأسئلة يصب في محيط التساؤل عن طرق العلاج الناجع لهذه الإشكالات.
    إنّ هذه المشكلات فضلاً عن كثرتها فهي متنوعةٌ، تختلفُ مجالاتُها وتتفاوت. فعلى سبيل المثال: نجد شاباً يشكو من كثرة دخوله على المواقع الإباحيةِ في الإنترنت، ويحاول أن يتخلص من هذا الأمر، فلا يستطيع. وآخرَ يشكو من عدم استطاعته الاستيقاظ لصلاة الفجر، وقد حاول جاهداًَ فلم يستطع. و آخرَ يعاني من كثرة ممارسته للعادة السرية، وقد حاول الإقلاع عنها فلم يستطع...وإلخ.
     ومن جملةِ كمٍ غير قليل من الأسئلة التي وقفتُ عليها، تبيّن لي أنّ كثيراً من هؤلاء الشباب الذين مرّوا ويمرّون بأمثال هذه المصاعب، يسعون بأنفسهم في البداية، لإيجاد حلولٍ جذريةٍ لهذه المشكلات، فيبذل أحدهم أقصى جهده محاولاً الانفكاك و التخلص من قيود أزمته, فإذا عجز - وغالباً ما يكون العجز حليفه - لجأ بعد ذلك للبحث عن الحل والعلاج عند غيره. 
إن كثرة هذه الأسئلة والمشكلات تلفت أنظارنا إلى أمرٍ مهم للغاية، وهو أننا بحاجة إلى منهج متكاملٍ في التعامل مع مشكلاتنا.
    إنّنا كثيراً ما نتناول بعض المشكلات ونتحدثُ عنها بالتفصيل، ونقدم للناس خطواتٍ عمليةً، كثيراً ما تكون مفيدةً. لكن التناول بهذا الأسلوب وعلى هذا النحو سيظل قاصراً على أفرادِ مشكلاتٍ ووقائعَ بعينها دون غيرها. وسنظل بهذه الصورة نتعامل مع جزئياتٍ محصورةٍ ونغفلُ الكليات.
        ومن هنا تنبع الحاجة إلى التركيز على محاور، ونقاط منهجية، للتعامل مع المشكلات بصورةٍ كليّةٍ وشاملةٍ نستطيع تطبيقها على جميع مشكلاتنا باختلافِ أسبابها وتنوّعِ أنماطِها.
     وانطلاقاً من هذه النقطة، فلن أتناول مفرداتِ مشكلاتٍ ووقائعَ كالتي أشرت إليها، إلا إذا اقتضى الأمر إيرادها على وجه التمثيل والتوضيح.و سأحاولُ حصر نطاق المحاضرة بالتركيز على بيان بعض الأمور والنّقاط التي أعتقد أنها تحسِّن كثيراً من طريقة مواجهتنا وتعاملنا مع المشكلات.
     ولعل من نافلة القول، أن نبيّن أنّ موضوع هذه المحاضرة يعني بالدرجة الأولى شريحتين:
    الأولى: شريحة الشباب و الفتيات باعتبارهم - كما أسلفنا القول - من أكثر الشرائح معاناةً من المشكلات.
    الثانية: شريحة المربين، من المعلمين والمصلحين والآباء والأمهات، باعتبار احتكاكهم المباشر بمشكلات الأبناء، فهم بحاجةٍ إلى منهجٍ يتعاملون به مع هذه المشكلات، ويستفيدون منه في تعويد أبنائهم على التعامل مع مشكلاتهم بطريقةٍ هادئةٍ وموضوعيةٍ، خاصّةً ما يتعلق منها بمسألةِ التديّن.
    خطورة المشكلات المتعلقةِ بالتديُّن: 
     إنّ الإنسان - بحكم طبيعة الحياة - تواجهه مشكلاتٌ كثيرة ومتنوعة. وكثيراً ما يكون لها أثرٌ بالغٌ علي حياته، إذ أنّها تكبِّله وتسيطر على تفكيره، وتترك أثراً سيئاً على كثير من جوانب حياته الدنيوية المادية، فتتضاءل إنتاجيته، وتتشتت أفكاره وطاقاته. و برغم هذا، فقد يتحملها الإنسان، وقد يوطّن نفسه على التأقلم والتعايش مع الآثار المترتبة عليها، مهما كانت وخيمةً.
     لكن هذا الأمرُ لا ينطبق بأيِّ حالٍ من الأحوالِ على قضايا ومشكلات التّدّين، إذ أنّ لها حساسيةً ووضعيةً خاصّةً, لا تقبل التعايش والتأقلم. وهذه الحساسية من شأنها زيادة الضغط على الشاب, لأنّها تُشعِرُ هُ بخطورة المشكلة، وقابليتها للتطور والتأثير علي تدينه.ممّا قد يفضي به إلى خسارةِ دينِهِ وبالتالي آخرته.  
    ومن هنا تظلّ المشكلاتُ المتعلقة بالسلوك الدينيّ أكثرُ المشكلاتِ خطورةً على الإطلاق، ولهذا فهي تأتي على رأس قائمة الاهتمامات، باعتبار أنّ الدينَ أهمُّ أولويّات الحياة بلا منازع، فهو أثمنُ ما يملكُ المسلمُ في هذه الحياة، ولأجل ذلك نجدُ المسلمَ يضحي بماله وولده، ويقدمُ نفسه رخيصةً في سبيل الله عز وجل. ولو خُيِّرَ بين الكفر أو القتل لاختارِ أن يقتلَ، لِما ذاق من حلاوة الإيمان، والذي يمثل لباب الدّين، ولذا جاء في الحديث ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ... وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ). رواه البخاري (15)، ومسلم (60).

الأمر الأول -مما يعين على تجاوز المشكلات:
هناك جملة من الأمور تشكِّلُ في مجموعها منهجاً عمليّاً يعيننا على التعامل مع المشكلات بطريقةٍ صحيحةٍ تسهمُ في إيجاد الحلول بطريقةٍ عقلانيّةٍ هادئةٍ، وسأذكر هذه الأمور، مع الحرص - ما أمكن - على التمثيل بمثال، لا نقصد منه أن نحصر الإطار، وإنّما نقصد منه التوضيح والإفهام.
     الأمر الأول: ضرورةُ إدراك ِ أنّ الحياةَ لا تخلو من المشكلات:  
     فحين خلق الله آدم، أسكنه الجنة، وحذره من إبليس، وأخبره أنه سيسعى إلى إخراجه منها, وأنّ خروجه منها سيسبب له شقاءاً ومصائبَ، قال الله تبارك وتعالى: ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فتشقى. إنّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تعرى وأنك لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى  ) طـه:117-119
    فالمصاعب والمشاق أمر ملازم لطبيعة الدنيا. فالذي يعيش الفقر والعوز، يشقى ويعاني بفعل الجوع والمسغبة والمرض. والذي يعيش الغنى والترف، يشقى هو الآخر بمعاناته من أمراض ضغط الدم والسكر وزيادة الوزن, فالمعاناةُ أمرٌ يشترك فيه الناس وإن تفاوتوا في ذلك. فلابدّ لنا من إدراك هذا الأمر إدراكاً تامّاً. 
     إنّ إدراكنا لطبيعة الدنيا، وما فيها من صعوبات و مشكلات, لن تنتهي حتى نُودّعَ الدنيا. ليس كفيلاً بحلِ مشكلاتِنا وتخليصنا منها، لكنه سيجعلنا أكثر تحملاً وصبراً، وسيجعلنا نعيد النظر فيما يدخل ضمن دائرة المشكلات وما لا يدخل.

 للأعلى


الأمر الثاني: التيقن من أنّ طريق الطاعة محفوف بالمكاره
 لئن كانت المشقة ملازمة للحياة الدنيا، فطريق الطاعة محفوف بالمكاره مما يزيد الأمر صعوبة ومشقة، يقول الله تبارك وتعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة:214 
    والناس قد زُيِّنَتْ لهم الشهواتُ، كما قال تبارك وتعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ). ) آل عمران: 14
    وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ؛ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ. فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. فَلَمَّا خَلَقَ النَّارَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا. فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ؛ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا ) رواه البخاري (6006) وأحمد (8434) واللّفظ له.
    وبيّن الله تبارك وتعالى أن النفس أمارة بالسوء، كما في الآية: ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ). يوسف: 53 
    ورغماً عن توافر الأدلة حول هذا الأمر، نجد أنّ بعض الناس يُمَنِّي نفسه- والمنى رأس أموال المفاليس- أن يصل إلى حالةٍ يندفع فيها إلى الطاعة بصورةٍ تلقائيةٍ، فلا تحدثه نفسه بالمعصية، ولا يحتاج إلى مجاهدتها لترك الباطل، والانقياد للحق. وهذا أمرٌ مستحيل، يصادم الفطرةَ و الجبلةَ البشرية، ففي الحديث الشريف:( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ).رواه أحمد (12637) و الترمذي(2423) واللّفظ له.
     فالوقوع في المعصية معضلة تستوجب التوبة، ولكن تظل هناك معضلةٌ أكبرُ منها وهي استمراءُ الوقوعِ في المعاصي والأخطاءِ، والتغاضي عن النظرِ في فرصِ الحلِ والعلاجِ.

 

الأمر الثالث: التحديد الدقيق للمشكلة

حينما نريد التعامل مع مشكلةٍ ما، بطريقة صحيحة، فإنّنا نحتاج أولاً إلى معرفة المشكلة وتحديدها تحديداً دقيقاً. فمثلاً: حينما يتعامل الفني مع مشكلةٍ في مكبر الصوت, فإنه يحتاج إلى تحديد طبيعة المشكلة: هل المشكلة أنّ هناك صدىً؟هل الأسلاك متلامسة في مكبر الصوت؟ هل ...الخ.
     فإذا حُدِّدَت المشكلةُ وعُرَِفَت طبيعتُها، أمكَنَ علاجُها بعد ذلك.
     إنّ عدمَ معرفة المشكلة، وعدم تحديدها تحديداً دقيقاً، يؤدي إلى تضخيمها بحيث تدخل فيها أمورٌ ليست من صلبها، وقد لا تَمُتُّ لها بصلة من قريبٍ أو من بعيدٍ. 
    فهذا أمرٌ ينبغي مراعته عند شروعنا في تحديد طبيعة المشكلات، سواء على مستوى الأحاديث الموجهة لشرائح المجتمع المختلفة, كما هو الحال بالنسبة للمعلم في حديثه لطلابه، أو الخطيب حينما يتناول الظواهر الاجتماعية، أو حتّى على مستوى تناولنا لمشاكلنا الشخصية التي نسعى لعلاجها. 
     مثلاً: هناك مشكلة يدور السؤال حولها كثيراً، وهي مشكلةُ الإعجاب بين الفتيات بعضهن ببعض، وتعلّق الشباب بعضهم ببعض، وهي بلا شك مشكلةٌ ماثلةٌ في واقعنا بصورةٍ يمكن أن توصفَ بأنّها حالةٌ مرضيةٌ. لكننا أحياناً قد نحشو فيها ما لا يَمُتُّ لها بصلةٍ ولا قرابةٍ؛ نظراً لأننا أصبحنا نظن أنّ أيّ صلاتٍ قويةٍ من هذا النّوع، ستؤدي حتماً إلى مشكلةٍ، بل ومشكلةٍ خطيرةٍ. والحقيقة ليس ثمّةَ مشكلة. 
     أن أرتاح إلى صديقٍ ما، وأن أجلس وأتحدث معه أكثر من غيره، هل هذا في حدِّ ذاته مشكلة؟! 
    إنّني أظنُّ أنّ أصلَ المشكلة موجودٌ في عقولنا وفي طرق تفكيرنا. فمن الطبيعي أن أرتاح لفلان من الناس أكثر من غيره، ومن الطبيعي أن ترتاح فتاةٌ لزميلتها أكثرَ من غيرها.
     لكن إذا تجاوز هذا التّعلّقُ والإعجاب الحدَّ والقدرَ الطبيعيَ وصارفيه مبالغةٌ، وقفز إلى درجةِ أن يقول أحدُ الطرفين: ( إذا افتقدته فلابد أن أحدثه بالهاتف و إلاّ سأكون في مشكلةٍ ), ( أفكرُ فيه كثيراً ويفكر فيّ كثيراً ). فهنا نكون قد انتقلنا إلى دائرة المشكلة.
     اتّصل عليّ شاب وقال: أنّ عنده مشكلة مزعجة, وهي أنه متعلق بزميله, ثم أخذنا نتحدث مدةً من الوقت، وفي النهاية اكتشفتُ أنّه ليس ثمّةَ مشكلة, فكل ما في الأمر: زميلٌ تربطه به علاقةٌ جيدةٌ وارتياحٌ متبادل، وأظنّ أنّ سماع هذا الشاب للحديث كثيراً عن هذه المشكلة جعله يضخم الأمر ويحشر نفسه داخل إطار المشكلة وهو أصلاً خارج إطارها. 
    مثال آخر: شابٌ يعاني من مشكلةٍ متعلّقةٍ بالشهوة، فهل المشكلة هي مجرد وجود الشهوة القوية، أم أنّ المشكلة هي ارتكابه للحرام؟! 
    ومن أجل تلافي التضخيم هنا يجب أن نفرق بين القضيتين، فوجود الشهوة أمر طبيعيٌ يتفاوت فيه الناس، وهو شيء لا يُلامُ عليه الإنسان.
     لكن المشكلة تكمن في الاستجابة لنداء الشهوة، الدّاعي لارتكاب ما حرمه الله. 
    إذن فحينما تواجهنا مشكلة يجب أن نحدد أين تكمن المشكلة؟ لأن تحديدها يكفل وضعها وحصرها في إطارها وحَيِّزِها الطبيعي، وبالتالي نوفق لسهوله علاجها والتعامل معها.

الأمر الرابع: وضع المشكلة في إطارها الطبيعي
في إطار سعينا لعلاج المشكلات ينبغي أن ننتبه كثيراً لضرورة أن نضع مشكلاتنا في إطارها الطبيعي، ومن المهم جداً أن نحذر من طرفين، وهما: المبالغة، والتهوين. 
    سأذكر مثالين للتوضيح، وكِلاهما واجهني في بداية رمضان: 
    المثال الأول: قام واعظٌ - نحسبه خيِّراً - وتحدث عن اقتناءِ الأطباق الفضائية، فقال: والله الذي لا إله غيره. إنّ هؤلاء الذين يقتنون هذه الأطباق، ليس فيهم من يريد الخير، وليس فيهم...وإلخ.
    و هذا كلامٌ فيه مبالغة, فمن المفترض أن يقول: هذا أمرٌ محرمٌ، أو: هذا تساهلٌ.
     لكن أن يحلف بالله، أنّ هؤلاء ليس فيهم من يريد الخير, فهذا لا يخلو من الغلو والمبالغة.
    لقد كان أحدُ الصّحابة يشربُ الخمر، وكان يُجْلَد من أجلِ ذلك مراراً وتكراراً، حتى أن أحدهم لَعَنَهُ، وقال: ما أكثر ما يؤتى به ؟! فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( إنّه يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه) رواه البخاري (6282). و هو صلى الله عليه وسلم لا يتكلم من فراغ.
    المثال الثاني: سمعت شخصاً آخر، يتحدث مع الناس قائلاً: إنّ هناك من المسلمين، من لا نراه إلا في رمضان. ثم قال: والله الذي لا إله غيره، إنّهم مؤمنون، صادقون، يحبون الله ورسوله.
     فهذا كلامٌ فيه مبالغةٌ، وتهوينٌ من أمر الصلاة، فلا يمكن لأحدٍ أن يشهد للجالسين أمامه ممن يستمع إلى كلامه في المسجد، بالإيمان أو أنهم يحبون الله ورسوله؛ لأن الإيمان قضية غيبية. فكيف يشهد لأناسٍ لا يشهدون الصلاة مع المسلمين؟! وابن مسعود رضي الله عنه يقول:( لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ... الحديث ). رواه مسلم ( 1045). 
     فالواجبُ إذن أن نحذر من المبالغة و التهوين. فإنّ إعطاء المشكلة حجماً بفعل مبالغتنا أو تهاوننا وتساهلنا.كثيراً ما يمنعنا من التفكير لإيجاد حلٍ صحيحٍ للمشكلة. 
    مثلاً: قد يقع الإنسان في معصية لا يستطيع أن يتركها، فيلجأ إلى تضخيمها، فيرى أنّ الوقوع فيها سبب لسوء الخاتمة وأن...وأنّ... إلخ، معتقداً أنّ هذا التضخيم سيردعه من الوقوع فيها، وفي النهاية وحينما يفشلُ في تركها فسيقول مخاطباً نفسه: أنا منافقٌ ومخادعٌ، ومن الأفضل لي أن أكون منطقياً وأتركَ طريق الطاعة، ولا أتظاهرَ بالصلاحِ والاستقامةِ. 
    إنّ حلول مشاكلنا وأزماتنا تنسجم غالباً مع تصوراتنا الأولية لحجم للمشكلة، فكلُّ غلوٍ ومبالغةٍ في تصور المشكلة، سيعقبه غلوٌ وزللٌ في المعالجةِ - كما مرّ علينا في هذا المثال - وكلُّ تهاونٍ وتساهلٍ في تقدير حجم المعضلة قد يقود إلى تهاونٍ وتساهلٍ في الحلول. وهذا في حدِّ ذاته يمثّل مشكلةً أخرى.

الأمر الخامس: تصحيح طريقة التفكير في المشكلة

 وهذا الأمر - في نظري - من أهم الأمور التي ينبغي الانتباه إليها، فنحن غالباً ما نفكر في مشكلاتنا بطريقة عشوائيةٍ، غيرِ منظمةٍ. 
    هناك طريقتان للتفكير: 
    الأولى: طريقة التفكير العشوائي: وعادةً ما نستعملها، وهي أن يجلس الإنسان ويتذكّر ويتفكّر كيف يتصرف وماذا يصنع و...إلخ، دون تنظيم وترتيب للخطوات والحلول المقترحة، فهذا هو نمطُ التفكيرِ السائدِ عند غالب الناس. 
    الثانية: طريقة التفكير العلمي: وهي محاولةُ تفكيرٍ هادئةٍ لافتراض وتجميعِ الحلولِ الممكنةِ، ثم ترتيبها منطقياً, الحل الأول ثم الثاني تم الثالث...إلخ.ومِن ثَمَّ اختبارها وتقييمها بالنظر إلى ما يترتب علي كلِّ حل ٍمن سلبيّات وايجابيّات، ثم اختيار المناسب منها.
    مثلاً: لنفترض أنّ أحد المصلين استند على عمود في المسجد ونام، وحين استيقظ فوجئ أنّ المسجد خالٍ، وجميع الأبواب موصدة. قطعاً إنّ أوّل سؤال سيقفز إلى ذهنه ماذا سأصنع؟ 
    هب أنك مررتَ بهذا الوضع. فعلى افتراض أنك تفكر بطريقةٍ صحيحة، فهناك خطوات ينبغي أن تسلكها في اتجاه إيجاد الحلّ:
    الخطوة الأولى: إفتراض الخيارات المتوفرة لحل هذه المشكلة: 
    وهي في مثالنا هذا كالآتي:
    الخيار الأول: أن تتصل على أحد معارفك بواسطة الهاتف المحمول. 
    الخيار الثاني: أن تبيت هذه الليلة في المسجد وتخرج بعد صلاة الفجر. 
    الخيار الثالث: أنّ تدقّ على الأبواب، على أمل وجود أحدٍ قريب.
    الخيار الرابع: أن تبحث عن نافذةٍ يمكن الخروج منها.
    الخيار الأخير: أن تفتح مكبر الصوت لإسماع الحارسِ حتى يأتي لإخراجك.
    الخطوة الثانية: اختبار مجموعة الفروض المتوفرة:
    وذلك بالنظر إليها و تقليبها واحداً تلو الآخر ومحاولة استنتاج ما سيترتب على كلِّ خيارٍ من نتائج، سلباً كانت أو إيجابا. و حتماً سيوجد من بينها ما هو صلحٌ ومناسبٌ ليكون حلاً.
    إنّ استخدام الإنسان لهذه الطريقة الهادئة والمنهجية في التفكير، كفيلٌ بأن يفتح له فرصاً واسعةً لحلّ مشكلاته. أمّا الطرقُ التقليديةُ فليس له مفعولٌ سوى تعقيدِ الأمورِ وإدخالِ صاحبِ المشكلةِ في دوامةٍ من الهمومِ والأحزانِ، لن يستطيع معها أن يفكر تفكيراً منظماً, وبالتالي لن يجد الحلول الممكنة والمناسبة لمشكلاته. 

الأمر السادس: الحذر من ارتكاب خطأً أكبر

   من أعظم الأخطاء التي نرتكبها عند حلّ مشكلاتنا، أن نقومُ بحلِّ مشكلةٍ بمشكلةٍ أكبر منها، وهذا خطأ ظاهرٌ ومشاهدٌ في واقعنا. 
    مثلاً: كثيراً ما يتعطّل جهازٌ ما، رافضاً أن يعمل، وكثيراً ما نُمنَى بالفشل في محاولاتنا لإصلاحه، وقد يجد اليأسُ سبيله ممهداً إلى نفوسنا. وبعضنا قد يصاب بالسّآمةِ والإحباط، فيرمي الجهازَ بقوةٍ نحو الحائط حتى يتحطّم. لكن هل توصلنا بهذا إلى حلّ المشكلة وعلاجها؟! 
    كلا، بل تولّدت مشكلةٌ أكبر. 
     مثال آخر: بعض الشباب يفشل ويعجز عن تركِ معصيةٍ ما، ويؤلمه هذا الفشل والعجز، ولا يجد لنفسه مخرجاً سوى أن يقول لنفسه: أنا منافق، أنا مخادع، أنا ...إلخ، وقد يجره منطقه هذا لترك طريق الصالحين، حذراً من التمادي في النفاق والخداع - بزعمه - ظانّاً أنّه قد ظفرَ بالحلِّ، ولا يدري أنّه بهذا يعالج مشكلته بأخرى أكبر منها.أو كما يُقال: ( يداوي الدّاءَ بالدّاءِ ).
    إنّ هذا الشاب، ما دام واقعاً في المعاصي في كل الأحوال، فإنّ ملازمة الأخيار خيرٌ له من مفارقتهم، لأن ملازمتهم إن لم يكن فيها رجاءٌ لإصلاح الحال، فلن تضرّ بالتأكيد, أمّا المفارقة فستزيده وقوعاً في المعاصي بلا شكٍ.
     إذن: علينا دائما أن نتروّى و أن ندرسَ الخيار الذي نختاره دراسةً جيّدةً ومتأنيةً، حتى لا نُبتَلى بخيارٍ يمثّلُ مشكلةً، قد تكون أسوأ من المشكلة التي نواجهها.

الأمر السابع: التركيز على مجال السيطرة:
شاب يعاني من والده بشدّةٍ. فوالده يمنعه من مصاحبةِ الصالحين، والمشكلة تكمن في أن طريقة تفكير الوالد لا تتفق مع طريقةِ تفكير الابن، فما هو الحل؟ 
    قد يقول قائل: إنّ الحلّ يكمن في أن يعمل الابن على التغيير في طريقة تفكير والده!!
    وهذا قطعاً أمرٌ لا يمكن، لأن هذا القدرَ من المشكلة خارجٌ عن نطاقِ السيطرة، وبناءاً على ذلك فيجب إلغاؤه من تفكيرنا. لأنه بالتأكيد، لا يصلح أن يكون مجالاً للعلاج 
    إذا كانت هناك مشكلةٌ ترتبطُ بأطرافٍ أخرى، فالحل الصحيح هو أن نركز ونحاول دائماً معالجة المشكلة في إطار المجال والقدر الذي نُحكِمُ السيطرة عليه، سواءاً كان الحل يتعلق بنا شخصياً أو يتعلق بغيرنا.

الأمر الثامن: التخلص من عقدة الخيارين:

    تواجهنا في الحياة مواقفُ عصيبةٌ، ومتنوعةٌ، وحينما نبحثُ أمرَ علاجها، كثيراً ما نجدُ في الأمرِ سعةً وسهولةً، وبرغم هذه السّعة المتمثّلة في توافرِ الحلول لكننا نضيّق على أنفسنا أحياناً كثيرةً، إذ نحصر الحل والعلاج في خيارين فقط، ونتغافل عن خياراتٍ أخرى، منطقية،ٍ وعقلانيةٍ، متاحةٍ أمامنا. 
    مثلاً: شابٌ واجهته صعوباتٌ في الجامعة، فحاول أن يستمر لكنه لم يستطع، وكثيراً ما يضعُ نفسه أمام خيارين هما: أن يستمر في تخصصه الذي يدرسه الآن، أو أن يترك الجامعة ويلتحق بوظيفة مناسبة، لكنه يغفل أو بتعبيرٍ أدقّ: يتغافل ويهملُ خياراً ثالثاً وهو: أن يغيّر من تخصصه وينتقل إلى قسم آخر. 
     إنّ تعاملنا مع مشكلاتنا بمنطقِ الإجابة بنعم أو لا، تعاملٌ غيرُ صحيحٍ، إذ أنّ الجواب في مقام حل المشكلات قد لا يحتمل نعم مطلقاً أو لا مطلقاً، فإنّنا كثيراً ما نجدُ خياراتٍ متاحةً تنقضُ هذا المنطقَ، بل وكثيراً ما ترقى هذه الخيارات إلى مستوىً أفضل من مستوى تلك التي حصرنا أنفسنا فيها.
    أحياناً قد نجدُ أنفسنا أمام معضلةٍ ينحصر علاجها في خيارين فقط، وليس هناك سواهما. ومع هذا فقد يكون الخياران سيئان، لكننا قد نضطر لاعتمادِ أحدهما كحلٍ, من منطلقِ: تحمّلِ أخفِّ الضررين لتفويت أعظمهما وأشدّهما ضرراً.
    فلو أن شخصاً خرج من المسجد فقابله مجنون يحمل في يمناه مسدساً وفي يسراه عصا، وفي مقابل أن يواصل سيره فقد خيّره هذا المجنون: فإمّا أن يطلق عليه رصاصةً من المسدس أو أن يضربه بالعصا. فهذان خياران وكلاهما سيئٌ، ولا مفرَّ من وقوع أحدهما, وليس ثمّةَ خيار ثالث. 
    لكن الذي لاشك فيه أنّ خيار العصا - مع ما فيه من الأذى - أهونُ من خيار القتل. 
    وهذا هو الصّواب باتفاق العقلاء، بل وتؤيده قاعدةٌ فقهيةٌ شرعيةٌ:  إذا تعارضت مفسدتان قدّمنا أدناهما, وإذا تعارضت مصلحتان قدّمنا أعلاهما. 
    مثال آخر: امرأة تعانى من زوجها – وهذا كثيراً ما يحدث في الحياة الزوجية - وتشعر أنّه من المستحيل أن تعيش معه وتتحمله, ومِن ثَمَّ تقرر اختيار الطلاق، فهل يمثّل هذا الخيارُ أسلمَ الخيارات المطروحة على طاولة العلاج؟
    قد يكون وضع هذه المرأة مع زوجها وضعاً سيئاً، لكن البديل بعد الطلاق قد يكون أسوأ. لأنها إمّا: أن تبقى وحيدةً، أو قد تتزوج بآخر كبير السن مثلاً، أو متزوج من أخرى، وهذا ربما ينقلها إلى وضعٍ أسوأ، الأفضلُ منه أن تتقبل وضعها الأوّل بما فيه من العلل. مع اجتهادها لإيجاد حلولٍ أخرى مناسبة.

 

الأمر التاسع:حتميّة التعايش مع المشكلة:

هناك ملاحظةٌ مهمةٌ، وهي أنّنا نسعى ليكونَ تعاملنا مع المشكلات بطريقةٍ منهجيّةٍ متسلسلةٍ: 
    أولا: حاولنا التخلص من عقدة الخيارين وذلك بإيجاد خيار ثالث.
    ثانياً: في عدم وجود خيار ثالث.حاولنا أن نكتفي بأهون الشرين.
    ثالثا:ً في حالة عدم وجود أيِّ خيارات, سنضطر إلى التعامل مع المشكلة. 
    فهناك أنواعٌ من المشكلات نجد ُأنفسنا مضطرين للتعايش والتعامل معها، باعتبار أنها الخيار الأوحد.فمثلاً: لو فرضنا وجود شخصين في السجن, أحدهما: محكوم عليه بالمؤبّد، و القانون لا يجد له أملاً في العفو. والثاني: يتوقع و ينتظر أن يُحكَمَ عليه بعدة احتمالات منها: القتل، ومنها: السجن، وغير ذلك.
    والسؤال: أيُّ هذين سيكون أكثر استقراراً؟
     الإجابة: قطعاً، الأول؛ لأنه عرف مصيره، فاضطر إلى التعامل مع الوضع الناجم عن المشكلة، ووطَّنّ نفسه على التأقلم و التعايش معه. 
    مثالٌ آخر من الواقع:  اتصلت فتاةٌ تشتكي من سوء معاملة والدها، فقلت لها: أريدُ أن أوجّه إليكِ سؤالاً، قالت: تفضل, قلت: هل تستطيعين أن تغيّري والدك و تبحثين عن والد آخر؟. والسؤال كان مضحكاً لها، فقالت: هذا أمرٌ لا يمكن. فطلبت منها أن تفكر في التعايش مع وضعها هذا بطريقة مناسبة. لأن الأمر بالنسبة لها محصورٌ في إطارٍ ضيّقٍ، إذ لا يتوفر أمامها إلا خيارٌ واحد.
    على كلّ حالٍ يمكننا القول: إنّ جزءاً كبيراً من حل المشكلة وعلاجها يعود أحياناً إلى إلينا.
     ولهذا فقد نجد شخصين يعيشان وضعاً واحداً، لكننا نرى أحدَهُما يعاني أحوالاً سيئةً، والآخر يعيش بصورةٍ طبيعيةٍ وعاديّةٍ، وهذا ناتجٌ عن الفرقِ في نظرةِ وتعاملِ كلٍ منهما مع المشكلة؟.

 

الأمر العاشر: اعتبار عامل الزمن:

 قد نجد مشاكلاتٍ يستغرق حلُّها وقتاً طويلاً بجكم طبيعتها، فلا يمكن بالطبع أن نقومَ بِحَلّها في مدىً زمنيٍ قصير. وأقربُ مثالٍ على ذلك: العاداتُ السيئةُ. 
     فلو أن أحداً تعوّد على عادة سيئة, ثم أراد أن يتخلص منها، فلا يمكنه التخلص منها في خلال يومٍ أو اثنين أو حتّى أسبوع؛ إذ لابدّ من إعطاء المشكلة حيّزاً زمنيّاً واسعاً وكافياً، يناسبُ حجمها ويتيحُ حلاً نهائياً ناجعاً.

 

الأمر الحادي عشر: تحديد مايجب أن تأخذه المشكلة من أذهاننا
 قد تأخذ المشكلةُ من أذهاننا مساحةً واسعةً وحيزاًً أكبرَ مما ينبغي. وهذا قد يتيحُ للمشكلةِ أن تؤثر علينا تأثيراً بالغاً.
     تحدثت مع أحد الطلاب، وسألته: هل تواجهه صعوبة في دراسة بعض المواد؟
    لقد كانت الإجابة: نعم، في اللغة الإنجليزية.
     هذا الطالب يدرس سبع مواد. تشكل اللّغةُ الإنجليزيةُ نسبة 7:1. والحاصل أن هذا الطالب يضخم حجم معاناته من هذه المادة حتى أنّها تسيطر على حيّزٍ كبيرٍ من ذهنه، مع أنه ينبغي أن يتسع للمواد الأخرى، وغير ذلك من القضايا الأسرية، و العلاقات الاجتماعية مع زملائه.
     ومع أن هذه المادة تعتبر جزءاً من سبعة أجزاء، لكن تضخيمها بهذه الصّورة قد يعطيها نسبة 7:5 من مجموعِ المواد - إن لم يكن أكثر- مما قد يؤثر على المواد الأخرى؛ بحكم أن التفكير والاهتمام بها طغى على بقية المواد، ونتيجةً لذلك فقد يرسب الطالب في مادتين أو ثلاث بدلاً من مادة واحدة. 
    إذن من الأفضل دائماً أن نحصر مشكلاتنا في إطارها الطبيعي المحدود، و ألا نفسح لها من أذهاننا حيزاًً أكبرَ مما ينبغي. 
    إنّ تعاملنا مع المشكلات بهذه الطريقة سيكفل لنا حياةً طبيعيةً، وسيتيح لنا- بدرجةٍ كبيرة- أن نكون في مأمنٍ من الآثار السالبةِ الناجمة عن تضخيم المشكلات.

الأمر الثاني عشر: إحسان التعامل مع مواقف الفشل
لاشك أنّ كلََّ إنسانٍ – بحكم النقص البشريِّ - مرّت وستمرُّ عليه مواقفُ يُمنَى فيها بالفشل، مما قد يقود البعض إلى الشعور بالإحباط وفقدان الأمل. ومن ثَمّ فإنّ هذا قد يجرّ إلى التعامل بطريقة غير صحيحة مع مواقف الفشل المتكررة في حياتنا.
     ومن هنا يشعرُ المرء أنه في حاجةٍ ماسِّةٍ لموجِّهاتٍ تُصَحّحُ طريقةَ تعامله مع هذا الجانب، ولعل أبرزها:
     أولاً: حتميّة تقبل الفشل:
    عندما يرى أحدنا مواقف الفشل تتكرر في العالم المحيط به. ويعلم أنّ قطاعاً كبيراً من معارفه قد مرّوا بمواقف فشلٍ متعددةٍ في حياتهم، لكنهم تجاوزوها. فإن هذا سيبعث في نفسه الشعور بأن الفشل أمرٌ طبيعي، وعلى هذا الأساس علينا أن نتقبل وقوعه.
    إنّنا حينما نفشل في موقف فهذا لا يعني ولا يمكن أن يفسّر بأيِّ حالٍ من الأحوال على أنه نذيرٌ سيئ ودلالةٌ على الفشل في سائر الحياة، ولذا ينبغي أن نُعَلِّمَ أبناءنا وطلابنا أنّهم حين يفشلون في موقف أو مواقف، فهذا لايعني حكماً بفشلهم في حياتهم. 
     ثانياً: التركيز على توظيف الفشل واستثماره بطريقة صحيحة:
     حينما يفشل الإنسان في دراستة، أو في حياته الزوجيّة، أو في تجارته، أو في أي موقف آخر. فإنّ عليه أن يبحث عن سببِ أو أسبابِ هذا الفشل، من أجل أن يركز علي علاجها حتى لا تكون مدخلاً لتكرار الفشل مرة أخرى.
    مثلاً: لو سألتكم عن هذه المحاضرة... 
    هل تعتقدون أنني حققتُ النجاح المأمول في توصيل هذه الأفكار للمتلقين أم لم أنجح؟ 
    فلنفترض أنني فشلتُ بالفعل. و لنفترض أنّ هذا الفشل وصل إلى مستوى، لا يمكن لأحدٍ منّا إنكاره. فالسؤال : ماذا يجب أن أفعل في مواجهة هذا الفشل؟
    الأمر الأول: من الواجب أن أتقبل هذا الفشل.
    الأمر الثاني: من الضّروريّ أن أركز علي استثمار هذا الفشل وتوظيفه بغرضِ الاستفادة منه في مواقف أخرى, وهنا عليّ أن أسأل: لماذا فشلتُ ؟
    قد يكون أحد الأسباب تقصيري في الإعداد للمحاضرة بصورةٍ جيدةٍ، وقد يكون السبب أن الموضوع غير مناسب للحاضرين، وقد تكون هناك أسبابٌ أخرى. وهذا يعني أنني يجب ألا أتهاون في الإعداد الجيّد للمحاضرات القادمة.
     فالشاهد أنني يجب أن أوظف هذا الفشل لتلافي جميع الأسباب التي يمكن أن تفضي إلى تكراره.

 

الأمر الثالث عشر: تقوية الإرادة والعزيمة
قد نجد إنساناً يتمنى من صميم قلبه أن يقلع عن التدخين لكنه يفشل.
    إنّ الواقع المشاهد يدل على أنّ جزءاً كبيراً من أسباب هذا الفشل يرجع إلى ضعف الإرادة، وخور العزيمة. وهذا الأمر ينطبق على كثيرٍ من المشكلات التي نواجهها.
    كنت أتحدث مع شابٍ مدخنٍ، من تلاميذي. تحدثنا و تحاورنا سوياً عن التدخين، و مما قاله لي: سأكون جاداً معك. لو أردت فعلاً أن أترك التدخين لاستطعت، لكننا لا نملك عزيمة لصنع ذلك، وإلا فالإنسان الذي يشرب الخمر أو يتعاطى المخدرات وهو أكثر تعلقاً يستطيع أن يتركها.
    نعم، إنّ الأمر فيه صعوبةٌ ومشقّةٌ، لكن ليس فيه استحالة. 
    كلُّ ما في الأمر أننا بحاجة لتقوية الإرادة والعزيمة في أنفسنا، من أجل حملها على أن تقول: لا، حينما يقتضي الأمر أن نقول: لا, وأن تقول: نعم، حينما يقتضي الأمر ذلك.
    إنّنا بحاجة أيضاً لغرس هذا الأمر في نفوس من نقوم على تربيتهم من أبنائنا وطلابنا، حتى ننمي عندهم الإرادةَ القوية، والعزيمةَ الصادقة، التي تدفعهم للسيطرة على نفوسهم وضبط ما يتعلق بشهواتهم ونزواتهم البشرية.

 

الأمر الرابع عشر: التعوّد على الحسم
 لنفترض أنني أريد السفر. ولمّا ذهبت إلى المطار، فوجئتُ أن الطائرة قد أقلعت. ولم أجد رحلة إلى الجهة التي أريد، لا غداً ولا بعده.فما هي الخيارات المتاحة لإيجاد الحل المناسب:
    الخيار الأول: أن أمكث في هذه المنطقة.
    الخيار الثاني: أن أسافر على السيارة.
     هناك ملاحظة مهمة وهي: أنَّ تقليب الخيارات المتاحة والتفكير فيها سيأخذ وقتا،ً وهذا قد يعني مزيداً من التأخير، وضياع الفرص. وربما تكون هناك رحلاتٌ متاحة, وقد تفوت فرصةُ استثمارِها, فلا بدَّ إذن من اتخاذ قرارٍ حازم وسريعٍ، يكفل استثمار المتاح من الفرص، يعقبه تصميمٌ على المضي في التنفيذ، لأنّ التسويف غالباً ما يُفَوِّتُها.
     وحتى لو لم يكن الخيار ناجحاً، فمن الطبيعي أن نَمُرَّ بمواقف نجاحٍ أو فشل، إذ لا يمكن للإنسان أن يصل إلى مرحلة النجاح المطلق لكل قراراته، وربما يكون القرار الأكثر فشلاً في هذه الحالة، أن نجلس عاجزين مكتوفي الأيدي.

الأمر الخامس عشر: استثمار الجوانب الإيجابية في النفس
لا يخلو إنسانٌ ممن يعيش على ظهر هذه البسيطة من العيوب والسلبيات، و بنفس القدر لا يوجد أحدٌ يخلو من الجوانب الإيجابية, لكن المشكلة تكمن في أنّ الكثيرين يهملون هذه الايجابيات إمّا جهلاً أو تعمداً. 
    أذكر أنّني درّستُ طالباً رسب ثلاث مرات في السنة الأولى الثانوية، بفعل تدني مستواه الدّراسيّ.
     و على الرغم من هذا التدني إلا أنّ الطالب هذا كان يمتلك ناحية ايجابية مهمة جداً، فقد كان متميزاً في إجادة الحوار والأخذ والعطاء.
    ترك هذا الطالب الدراسة والتحق بالعمل في مكتب لتحصيل الدّيون, وقد قابلته مرّةً وجلسنا نتكلم وسألته: عن أحواله وطريقة عمله. فعلمتُ أنه قد نجح في مجال العمل الذي ارتاده، بل وصار أكثرَ ثراءاً واستقراراً من زملائه الذين استمروا في الدراسة.
    وهنا علينا أن نلاحظ أنّ هذا الشاب، بالرغم مما كان يعانيه من مشكلات وصعوباتٍ جمّةٍ في ميدان الدّراسة، إلا أنّه لم ينظر للحياة من خلال منظارٍ أسودٍ قاتم، ولم يتخذ هذا الأمر دليلاً على فشله في سائر حياته، بل عرف من نفسه جانباً إيجابياً فاستثمره بطريقةٍ صحيحةٍ أفضت به إلى النجاح.  
    مثال آخر: طالبٌ كسولٌ جداً وضعيفٌ ومهملٌ في اللغة الإنجليزية، في مرةٍ جاء معلم المادة لينظر إلى ما يشغل هذا الطالب في أثناء الدرس، ففوجئ المعلم بأنه قد رسم له رسماً متقناً ( بغض النظر عن أن رسم الصورة حرام فنحن فقط نستشهد بالموقف )
    ومع أنّ هذا الموقف فيه استخفافٌ، إلا أن المدرس كان عاقلاً، فقال له: يا بني؛ ليس هذا مكانك، فأنت تملك موهبةً في الرسم، ولو اتجهت إليها لأمكنك أن تحقق فيها نجاحاً أكثر من نجاحك في الدراسة. وفعلاً اتجه هذا الطالبُ إلى ذلك المجال، فكان من أبرز الفنانين التشكيليين.
    فالشاهد أنّ كل إنسان يملك إيجابيّاتٍ وجوانبَ نجاحٍ، فإذا تمّ استغلالها بصورةٍ واعيةٍ وصحيحةٍ فقد يكون لها بالغ الأثر في حل كثيرٍ من المعضلات. 
    فمثلاً: لو أردنا أن نؤثر على شخصٍ ما، و أن نغيِّر من أرائه واتجاهاته, فينبغي علينا أن نتلمّس الجوانبَ الإيجابيةَ عنده، ثمّ نعمل على استثمارها بطريقةٍ توصله إلى القدرةِ على حلِّ مشكلاته.

 

الأمر السادس عشر: تجفيف منابع المشكلة
 ما من معضلة أو مشكلة إلا ولها ذرائعُ تؤدي إليها، وأبوابٌ تحضُّ الإنسان وتدعوه لولوجها، فإذا بحث الإنسان عن هذه الطرق والأبوابِ، ثمّ قام بسدّها وإغلاقها، فإنه سيزيح جزءاً كبيراً من الضغوطِ التي تكبّله وتثقلُ كاهله.وبالتالي يستطيع أنْ يتحركَ بثباتٍ وثقةٍ نحو الحلول النّاجعة لمشكلاته.  
     مثال: رجلٌ مدخن، اتخذ قراراً بترك التدخين، وهو الآن لا يدخن، وهذا قطعاً أمرٌ جيّد.
     لكن هذا وحده لا يكفي لضمان استمراره على هذا الوضع المحمود، إذ أنّ هناك طرقاً وأبواباً قد تُفضي به إلى الانتكاسة والعودة إلى الموضع الأوّل. 
    مثلاً: أبرز هذه الطرق، طريق الأصدقاء المدخنين، لأنّ مخالطتهم أمرٌ لا تؤمن عواقبه، فغالباً ما تكون ذريعةً ومدخلاً لمجاملتهم. فالأسلم لهذا التائب أن يترك هذا الصنف ويفارق مجالسهم.
    إذن، من المهم جدّاً أن نجفف منابع المشكلة ونسدَّ أبوابها وطرقها، لأن ذلك من شأنه أن يضعفَ دوافعَ الانتكاسةِ وفرصَ الفشلِ، ويجعلَ الإنسانَ أكثرَ قدرةً وقابليةً لمواجهة المشكلات بصورة هادئةٍ وحازمة.

 للأعلى


الأمر السابع عشر: الاتجاه نحو مصدر المشكلة
بعض الشاب يعاني من الوقوع في معصيةٍ ما, ويعزم مراراً وتكراراً ألا يعود إليها، ثمّ ما يلبث أن يخور عزمه فيعود إلى سابق عهده، ثم مرةً أخرى يعاهد الله عز وجل.
     بل وقد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يعاهده في الحرم. وهذا كله من أجل الضغط على النفس وكبح جماحها.
     إنّ استعمال البعض لهذا الأسلوب، ليس مدعاةً لاعتباره أمراً صحيحاً، بل واقع الحال يشهد أنّه خطأٌ لا يقرّه الشرع، ولا يقرّه المنطق السليم. 
    أمّا شرعاًُ: فلو أنّ شابّاً عاهد الله أن لا يرجع إلى المعصية، ثم تكرر وقوعه فيها مرة بعد أخرى، فإنه يكون بهذا قد وقع في مخالفتين وهما: المعصية، ومخالفة العهد. والله عز وجل يقول عن: ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ ) التوبة:75-77. 
    وامّا منطقيّاً: فلأنّ مصدر هذه الانتكاسة وسببها يكمن في ضعف الإرادة و خور العزيمة.
    و المنطق الصحيح يوجب ضرورة الاتجاه إلى مصدر المشكلة وليس إلى أمر بعيدٍ لا يقدِّم، بل قد يقود إلى تأخيرٍ يفضي لاستفحال الأمر وصعوبة العلاج.
     مثلاً: لو دخل أحدنا المسجد و وجد الجوَّ حاراً وخانقاً. فهل يكمن الحل في إطفاء مكبر الصوت أو تشغيله؟!. كلا، فليس لجهاز الصوت أدنى علاقة بالمشكلة. فالحلّ الجَذريُّ يكمن في تشغيل التكييف. 
    ومن هنا، فإنّ إقامة العهود والمواثيق مع الله عزّ وجلّ لن يفيد، بل ولن يحرّك الأمر نحو الحل ولو قيد أنملة.
    ثمّ لو افترضنا أنّ المصاب بهذه المعضلة عاهد الله ثم التزم، فهل نعزو هذا الالتزام إلى عهوده ومواثيقه مع الله عزّ وجل؟!. بكل تأكيدٍ الإجابة: لا، فليس هذا مصدرُ الالتزام وسببُه، بل سببه ومبعثه، قوةُ العزيمةِ، وصلابةُ الإرادةِ، و قد تكون هناك عوامل أخرى مؤثرة.مثل: كثرة الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، وطلب العون منه، ومصاحبة الأخيار، والتأسّي بهم، وما إلى ذلك.

 

الأمر الثامن عشر: التطلع إلى المثل العليا
  إنّ ترقّب الإنسان وتطلّعه إلى القِيَمِ و المُثُلِ العليا، يمنحه علوّاً في الهمة وصلابةً في العزيمة تدفعه لتجاوز توافه الأمور وسفاسفها. إذ أنّه سيكون ذا وقتٍ مشغول، وجهدٍ مبذول، في مكابدة مسئولياتِ القضايا الكبرى، والهمومِ الجِسام، فليس له التفاتٌ للصغائر. 
     أمّا فارغُ الذهنِ ومعطّلُ  الفِكرِ ممن ليس له همٌّ نافعٌ يشغله، فسيعاني حتى على مستوى المشاكل الضئيلةِ والمحدودةِ، لأن المشكلة قد تكون ناتجةً عن فراغٍ، أو تضخيمٍ بلا أسبابٍ حقيقيةٍ، أو نتيجةَ تفكيرٍ خاطئٍ، أو غير ذلك.
    لنفترض: أنّ مربياً مصلحاً يتعاملُ مع مشكلاتٍ على مستوى المجتمع، تفاجأ عند دخوله إلى البيت بمشكلة في أحد الأجهزة، فإنّ تعامله معها لن يكون كتعامل ذلك الشخص الفارغ والخالي من الاهتمامات الجادة.
    فبالرغم من أن المشكلة واحدةٌ، إلا أن النظرة والتعامل والنتيجة ليست واحدة، وكما قيل:

               وعلى قَدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ      
                                                 وعلى قَـدْرِ الكِرامِ تأتي المَكَارِمُ      
    خاتمة وتذكير
    في ختام هذه المحاضرة، أودُّ أن أذكرَ بما قلته في ثناياها: 
    ( إنّ أسلوب نظرتنا للمشكلة وطريقة تفكيرنا فيها هو الذي يضخم المشكلة أو يقللها, فالمشكلة عبارة عن شيء واحدٍ محددٍ، لكنّ كيفية النظر، وكيفية التعاطي والتعامل معها هو الذي يقضي بتضخيمها أو إعطائها حجمها الأصليّ، ووضعها في قالبها الطبيعيّ. فعلى حسب الحيز الذي نعطيه للمشكلة لتشغله من أذهاننا، تتحدد مدى سيطرتنا على المشكلة ومدى سيطرتها وتأثيرها علينا ).
     إذن، هذه بعض الوسائل والخطوات التي يمكنها أن تعيننا على تجاوز وحلّ مشكلاتنا، وهي قطعاً ليست وصفةً لتبديل الأمور بمجرد تعاطيها، بل هي جملةُ موجهاتٍ مساعدةٍ، تضع الأقدامَ على أوّلِ نقطةٍ في طريقِ العلاج، فقد سلمنا في بداية حديثنا أنّ طبيعة الحياة وتركيبتها تحتم أن نواجه فيها صعوباتٍ ونكابد مشقاتٍ. 

                                      وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=64&MenuID=23&TempID=3

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك