الصحافة والإعلام الرسمي وصراع البقاء !

أمل زاهد

تثبت مواقع التواصل الاجتماعي يوما بعد يوم أن هناك وعيا مختلفا يتشكل ويتنامى داخل دهاليزها ،ويفرز خطابا مختلفا ومغايرا تعلو فيه النبرة الحقوقية ويرتفع فيه سقف مطالبات وقضايا كانت حتى وقت قريب غير قادرة على التعبير عن نفسها أو تمزيق أردية الرقابة والصمت!.

في الواقع صار المتلقي شريكا في صناعة الخطاب وتشكيل الرأي العام ولم يعد مرتهنا لمقص الرقيب سواء على صفحات القراء أو في المساحات المخصصة للإعلام التفاعلي في الصحف. بل إن كثيرا من قضايا مشهدنا اليوم تتولد ويشتعل فتيلها داخل مواقع التواصل، ثم تتلقفها الصحف الرسمية إذا ما سمح سقفها بذلك . وكم من قضية تفجرت عبر وسم أو ” هاشتاق ” في “تويتر”، ثم انتقلت لصفحات الجرائد مخترقة جدار الصمت والحساسية!. ولا أدّل على ذلك من قضية العنصرية “الشائكة” المولودة بين جنبات تويتر بوسم أو هاشتاق “العبدة “. فتم تسليط الضوء في الوسم على مفردات خطاب العنصرية وممارستها الفجة عبر قضية ( نوال هوساوي )،التي استطاعت بذكاء واقتدار إدارة دفة الرأي العام وتوجيهها إلى حيث يصطدم المجتمع بخطابه ” الذاتي” وما يحفل به من سلوكيات وممارسات، وكأنما تضعه أمام مرآة يرى فيها نفسه ويتلمس فيها أعراض الداء ! ثم انتقلت القضية من أروقة ” تويتر” إلى الإعلام المرئي والصحف ليتم مناقشتها بكثير من الشفافية والمكاشفة والاعتراف الصحي بالعرض، فيما ظلت قضية ” العنصرية” تتلفع بالصمت ردحا طويلا من الزمن أو تناقش على خجل واستحياء في الصحافة ما بين فينة وأخرى . والأمثلة أكثر من حصرها فكثيرا ما تقتات الصحف اليوم على مواقع التواصل التي ترفدها بالعديد من القضايا ،وتساهم في إثارة أسئلة كانت حتى وقت قريب تدخل تحت حيز “التابو” أو المحرمات!..بل كم من صورة أو مقطع يلتقطه المواطن الذي شحذ الإعلام الجديد أدواته وقدراته وأيقظ حسه الصحفي أحرجت مسؤولا ، وكشفت النقاب عن مواطن الخلل وكلنا يذكر مقطع ” عندك حلول “وما أثاره وقتها من تفاعل ،.. وحديث ” المؤخرات ” وما أثاره على تويتر من تعليقات عزف كثير منها على أوتار السخرية اللاذعة ! وغيرها من الإشكاليات التي يأجج ساكنها مقطع مأخوذ على حين غرة يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي ليتحرك الراكد ويستيقظ الخامد من القضايا!. ولن يكون آخرها ضغط الرـأي العام في موضوع فيروس كورونا ، وانعدام الشفافية وتفشي سياسية التكتم والصمت في وزارة الصحة مما أجج غضب الشارع !.

وكأنما مواقع التواصل والإعلام الجديد تفتح اليوم كوة في السقف الرقابي ، ثم تقود الإعلام الرسمي إلى حيث يحاول اجتراح فضاءات جديدة علّه يستطيع منافستها ومجاراتها في استقطاب وجذب المتلقي المتطلع لمناقشة قضاياه المهمة بشفافية والمتشوف أبدا لحرية التعبير. مما يفرض على الإعلام الرسمي المرئي منه والمقروء تحديات جديدة تحتم عليه رفع سقف حرية التعبير في صناعة الرأي ، ليتمكن من الاستمرار في صراع البقاء واستعادة الثقة، حتى لا يكون مصيره الهجران من متلق تعددت أمامه السبل والروافد للتلقي واستقاء المعلومة والمعرفة . وعلى المسؤول أن يدرك خطورة أن يفقد المتلقي ثقته في إعلامه الرسمي وصحافته !

صناعة الخبر نفسها أيضا وليس فقط الرأي باتت اليوم مطواعة وسهلة التشكيل ورهن إشارة الإعلام الجديد ،.. مما يحتم أيضا على الإعلام الرسمي رفع مقاييسه واختراق سقفه المتكلس ليستطيع مواكبة الحدث ، فهو اليوم يتحدث مع متلق منفتح على مختلف القنوات الإخبارية العالمية منها والعربية . فضلا على تلاقحه وتماسه مع مستخدمي وسائل التواصل من كافة أنحاء العالم مما يسهل نقل الخبرات والآراء والمقاطع، مما يمّكنه – المتلقي- من آليات قراءة الخطاب الإعلامي ويرفع حسه النقدي ، ويجعله قادرا على التقييم والمقارنة ثم الفرز والاختيار . ولعل نقل التلفزيون السعودي لبرنامج طبخ عندما كانت جدة تمر بكارثتها الأولى سيظل مطبوعا في الذاكرة السعودية الجمعية ، ونستطيع أن نلمس ملامح عدم الثقة في الإعلام الرسمي من خلال التغريدات المختلفة والمعبرة عن المكنون والمخبوء !

على مواقع التواصل الاجتماعي نستطيع أيضا تلمس ملمح السخرية اللاذعة والقدرة على استيلاد النكتة والحرفية في صناعتها وخلقها من قلب الواقع وملابساته وأوجاعه ومخاوفه ، بكل ما تتضمنه السخرية من حمولات ودلالات تستدعي الوقوف أمامها وتأملها طويلا،.. وهي تعني في بعض ما تعنيه تنامي شعور الغضب وعدم الرضا الشعبي ، مما يتطلب أيضا خطابا إعلاميا جديدا يتسق مع المرحلة يقوم على المكاشفة ومناقشة المشاكل بشفافية ،حتى لا يقع المتلقي في براثن الشائعات ومطلقيها على تويتر وغيره من المواقع والأقنية الإعلامية وحتى لا يذهب لتسقط أخباره ومعرفتها بعيدا عن إعلامه بينما يفترض أن يجد عنده كافة الإجابات الشافية.

في المقابل كشفت مواقع التواصل الاجتماعي أيضا عن عوار الخطاب الثقافي القائم على الكراهية وعدم القدرة على تقبل الاختلاف، والأحادية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ، والنعرات الطائفية والتجييش المذهبي ودعاوى النفير العام . ناهيك عن الإقصاء الممارس من بعض المحسوبين على النخبة الذي يصل للمكارثية والاستعداء وغيره من الأدواء الثقافية الملحوظة في الخطاب المتمظهر على مواقع التواصل الاجتماعي.

شعبية موقع “تويتر” خاصة والخطاب الحقوقي العالي الوتيرة فيه ، دفعت (توماس فريدمان ) الصحفي الأمريكي المعروف لكتابة مقال في ( نيويورك تايمز ) من عدة أشهر يتناول فيه تأثيره على المجتمع الخليجي والسعودي، ويتحدث فيه عن تمرد في الخليج يهدف إلى الإصلاح والتطوير ومعالجة الخلل ،مؤكدا أن تويتر وفيس بوك أصبحا مصدرا لاستقاء المعلومات في الخليج بعيدا عن مقص الرقيب . وسواء أتفقنا مع فريدمان أو اختلفنا معه في مدى استجابة المسؤولين لما يتأجج في تويتر من قضايا ، فلا شك أن المواطن السعودي يطمح لحياة أفضل وإصلاحا لكافة جوانب حياته ،ويتطلع لمستقبل زاهر بعيدا عن كافة أنواع الانسدادات الاقتصادية منها والسياسية حفاظا على الاستقرار، وهو ما كتب عنه الدكتور عبد العزيز الدخيل باستفاضة في مقالاته الجميلة بصحيفة ( الشرق ).. حتى لا نقع في الهاوية .

المصدر: http://amalzahid.wordpress.com/page/2/

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك