الكراهية المقدسة !
أمل زاهد
حدثني – متألما- قريبي الشاب الذي لم تفسد فطرته السليمة دعاوى الكراهية وسموم الطائفية ، بأن رئيسه في العمل بمؤسسة خاصة نجا جانبا السيرتين الذاتية لشابين فقط لكونهما من الطائفة الشيعية ، قائلا بمجرد مغادرتهما : دعك منهما فمؤسستنا لا توظف شيعة !.. في الحادثة الآنفة تتجلى إحدى الممارسات الطائفية المقيتة والخطيرة في مجتمعنا، حيث تقوض حقوق المواطنة ومعايير الكفاءة لحساب الكراهية على الهوية المذهبية !..كما تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حروب الكراهية الشعواء ومعارك ” الهاشتاقات ‘ الطاحنة التي تعيث في النفوس فسادا، حيث تنتشر البذاءة اللفظية والشتائم وإطلاق التهم على عواهنها !!،. فيما لم تتورع بعض المقولات في دهاليزها عن التكفير والدعوة الصريحة للقتل سواء بناء على الاختلاف الفكري – كما حدث في الدعوة لحز رأسيّ كاتبين-، أو بناء على الاختلاف المذهبي الذي وصل للتحريض على القتل والحرق وتدمير الأماكن والمواقع ! كما تتساقط أيضا على أجهزتنا الالكترونية قوائم المقاطعات التجارية ” الموتورة ” ضد إخوتنا في الدين وشركائنا في الوطن ، وتهويمات نشرات (الوتساب) المحملة بالأفكار النمطية الداعية للكراهية ، والتي تمرر بضغطة زر دون أن تخضع للمساءلة والتمحيص ناهيك عن الدراية والعقلنة !
في واقع الأمر انتشرت دعاوى الكراهية الطائفية منذ أن وطأت أمريكا أرض منطقتنا واحتلت العراق ، ثم تنامت وتعالت وتيرتها بعد انطلاقة الانتفاضات العربية وظهور القنوات الطائفية بخطابها التجيشي المحرض على كراهية المختلف في المذهب ! وبلغت أقصى حدتها مع الأحداث السورية وظهور الفصائل المتطرفة من أمثال داعش وجبهة النصرة وغيرهم من الإخوة الأعداء. ومع تحول المعركة في الأرض السورية إلى حرب أهلية تديرها المصالح والصراعات الإقليمية انعكس المشهد بتوتراته وانسداداته على مجتمعنا ، لنختنق بالكراهية وروائحها التي تزكم الأنوف .
تحث دعاوي الكراهية على رفض المختلف في المذهب ثم تكفيره وشيطنته واستدعاء مخزون وموروث الكراهية من بطون التاريخ ، مخرجة أبشع مافي دواخل متبنيها من عوار وبشاعة ! وبدلا من تأثيم الكراهية كدافع شعوري يقود لرفض المختلف مذهبيا ويدعو لمقاطعته -وصولا للتكفير والقتل والحرق والتدمير – ، يتم تكريسها وتعزيزها برفعها إلى منزلة التقديس !،..كيف لا وهي ترفع ألوية الدفاع عن الدين والذود عن المحرمات حسب زعمهم ، وبذلك يتم تسويغ الكراهية وتبريرها بمفاهيم نمطية لا تخضغ للنقد وإلباسها لبوسا دينيا ، وهنا تكمن خطورتها وقدرتها على التجييش والتعبئة ! نتيجة لذلك لم تعد الكراهية انفعالا طارئا تنتاب فردا شاذا منا ؛ فيحاول من حوله ردّه إلى صوابه مستنكرين ما آل إليه حاله ،!..بل باتت الكراهية بمفرداتها التشرذمية وخطابها المفتئت على اللحمة الوطنية والسلم الاجتماعي حاضرة ” مقدسة ” في مناخ ملغم مشحون ، وعلى أهبة الاشتعال عند أول ظرف تجيشيي أو سانحة تحريضية ! ومن رحم التطرف والكراهية لابد أن يولد تطرفا وكراهية مضادة ، مما يجعل المشهد برمته كمرجل يغلي على نير الطائفية والطائفية المضادة !..
المفارقة العجيبة أن تتمسح الكراهية برداء القداسة وترتدي ثوبها ، وبإسم الذود عن الدين والدفاع عنه تنتهك القيم الدينية وتنحر الأخلاق والمثل ، فعندما تتسيد الكراهية المشهد ويرتفع صوتها فلابد أن تخفت كل الأصوات الأخرى الداعية للمحبة والتعايش وتقبل المختلف ! وبإسم الله تعالى المنزه وعلى وقع التكبير والتهليل رأينا في سوريا من يجز الرقاب ويأكل الأكباد ويجتث الأرواح وينتهك حرمة وقدسية الإنسان. ففي المناخ المشبع بالكراهية والموبوء بنتن ريحها يتوارى صوت العقل ، ويرتفع صوت الغريزة ويخرج الوحش البدائي من مكامنه الدفينة ليحرق الأخضر واليابس متمترسا خلف الكراهية ” المقدسة “! ليصبح فعل الكراهية بحمولاته المحرضة على الإنسان والمفتتة للوحدة الوطنية مقدسا منزها ، فيما هو يأتي على المقدس وينتهك حرماته ، ويتألى على الله تعالى بالحكم على البشر وادعاء معرفة ما في قلوبهم ، ويفتئت على سنته في خلقه فلو شاء تعالى ما خلق البشر مختلفين .. قال تعالى : ” ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم “.
الكراهية على الاختلاف في المذهب كما أراها ليست إلا اعتراضا على سنة الله في خلقه ورفضا لها ، فيما يتعين التعايش مع الاختلاف كواجب ديني ولازم وطني يقينا شر التشرذم والانقسام ، ويساهم في الحفاظ على الوحدة والوئام داخل النسيج المجتمعي الواحد. وفيما يدعو الدين للمحبة والرحمة التي تطال كافة الخلق بما فيهم العصاة والمذنبين وغير المسلمين ، ويحثنا الله تعالى على الدفع بالتي هي أحسن ليصبح من بيننا وبينه عداوة ولي حميم .. يتم استحضار موروث الكراهية وإطلاق حممها في وجه الأخ والقريب.. وليس العدو!..
الخطير في الأمر هو تحويل دفة الكراهية إلى الداخل لترمي سهامها الطائشة الإخوة في الدين ، بدلا من توجيهها إلى عدونا الإسرائيلي الغاشم !!، ..فلم نعد نسمع عن قضيتنا الأولى ( فلسطين ) وأرضنا المحتلة ، وهو تحديدا ما يريد عدونا أن يوصلنا إليه من محو للذاكرة وتجريف للتاريخ وتطبيع مع وجوده الدخيل الغاصب.. وصولا للقبول به كأمر واقع ! ولن يتحقق له ذلك إلا بتقسيمنا وشق صفوفنا وزرع الفتن بيننا ، لنتحول إلى قنابل كراهية موقوتة على أهبة الانفجار في وجه بعضنا بعضا !.
من يزرع الكراهية لا يحصد إلا مثلها ، ومن يحارب أهل بيته فلن يرث إلا الرياح العاتية المدمرة ، ولأن الإنسان يُحمي ويتسيد بالقانون فلابد من قانون حازم صارم يجرّم الكراهية ، ويتصدى لشرورها حتى نحافظ على سلمنا الاجتماعي،. تحقيقا للمادة 12 من النظام الأساسي للحكم والتي تنص على : تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل مايؤدي للفرقة والفتنة والانقسام .
المصدر: http://amalzahid.wordpress.com/