الممارسة الديمقراطية بين بلاد الغرب وبلاد يعرب
محمد شركي
من المعلوم أن عقدة الشعور بالتخلف أصبحت لعنة تلاحق الإنسان العربي ، فلا يكاد يخوض في موضوع من المواضيع إلا ولجأ إلى مقارنة بلاد الغرب ببلاد يعرب وهو مبهور بما يوجد في بلاد الغرب ، ومحبط بما يقابله في بلاد يعرب . وأكبر عقدة نقص يعاني منها الإنسان العربي هي استحالة وجود الممارسة الديمقراطية في بلاد يعرب على غرار الممارسة الديمقراطية في بلاد الغرب . فبالأمس تجرع الإنسان العربي مرارة غياب الممارسة الديمقراطية في وطنه من خليجه إلى محيطه عندما أعلن عن نتائج الاستفتاء الديمقراطي في اسكتلندا بخصوص البقاء ضمن المملكة البريطانية العظمى أو الانفصال عنها . ولبني بعرب في تجربة الاستفتاء الأسكتلندية عبرة ذلك أن أطراف القضية احتكموا إلى الممارسة الديمقراطية واحترموها فلا المملكة البريطانية منعت الاستفتاء ولا الاسكتلنديون أنكروا الانتماء إليها وقد عاشوا أجواء الديمقراطية في التوحد مع الوطن الأم . ولم يطعن الذين كانوا يريدون الانفصال عن بريطانيا في نتائج الاستفتاء ، ولم يستدع البريطانيون مراقبين من بني يعرب من أجل إضفاء المشروعية على استفتائهم كما يفعل بنو يعرب وهم يمارسون الغش في الاستفتاءات والانتخابات في ديمقراطيات مزيفة ، ويموهون عليه بشهود من الغرب حيث الديمقراطية بالمعنى الصحيح . لم يدنس البريطانيون استفاءهم بشهود من بني يعرب الذي تربوا على الغش والكذب والتزوير لأنهم يقدسون ديمقراطيتهم ويثقون فيها . فأين تجربة بني يعرب المحسوبة على الديمقراطية زورا وبهتانا من تجربة البريطانيين أصحاب الديمقراطية الصادقة والسليمة من شوائب الغش والتدليس ؟ في بلاد الغرب يحتكم الغربيون إلى صناديق الاقتراع ، ويحترمون نتائجها ، ويقبل الخاسرون الخسارة بروح رياضية ولا يترددون في تهنئة الفائزين وهم على خلاف معه أو حتى وهم على طرفي نقيض . أما في بلاد يعرب فصناديق الاقتراع لا تشبه صناديق الإقتراع الغربية سوى في مادة الزجاج أما غير ذلك من صدق وشفافية فلا وجود لهما . ويخادع حكام بني يعرب شعوبهم حين يستعملون صناديق الزجاج التي يعبث بها شر عبث في الكواليس . ولا توجد نتائج انتخابات في بلاد يعرب لم تحسم سلفا ، وتكون الصناديق الزجاجية بعد ذلك مجرد مسرحية هزلية يستدعى إليها شهود من بلاد الغرب من أجل شرعنة النتائج المطبوخة سلفا . وإذا ما قارنا الممارسة الديمقرطية في مصر " أم الدنيا " كما يسميها أهلها ، وهي في الحقيقة في مؤخرة الدنيا سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة وفكرا مع استفتاء اسكتلندا فإننا نضحك ملء أشداقنا من عبث الممارسة المحسوبة على الديمقراطية في مصر حيث أفرزت صناديق الاقتراع على ما شابها من تزوير فائزين لم يعترف لهم بالفوز منذ أول يوم واستهدفوا بالنقد والتجريح ، ولم يهدأ بال فلول النظام الذي أسقطته ثورة يناير حتى أعلن الانقلاب على نتيجة الانتخابات ، وهو انقلاب للغرب فيه يد مع شديد الأسف ، هذا الغرب الذي يطفف فإذا اكتال الديمقراطية في أرضه يستوفي وإذا كالها لبلاد بني يعرب ينقص . والأشد أسفا وحسرة أن أنظمة عربية وتحديدا خليجية وقفت مع الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر مخافة أن تنتشر هذه الديمقراطية الفتية فتصل إليها ، وتسقط عروشا . ومعلوم أن الذي جعل فلول النظام المنهار في مصر يقبل خوض اللعبة الديمقراطية هو أجواء ثورة يناير الذي كانت طوفانا لا أحد يستطيع الوقوف في وجهه ، فلما هدأ الطوفان الشعبي كادت الفلول للفائزين في الانتخابات شر كيد بليل ، وألبت عليهم شعب قد ضربت الأمية أطنابها فيه ، ولا زال يستعمل عبارات العبودية من قبيل : " حاضر يا باش مهندس يا فندم ..." ومع ذلك يسخر منه بعبارات تدغدغ مشاعره الساذجة بالقول : "مصر أم الدنيا ، وشعب مصر العظيم" وهي في الحقيقة أم الدنيا في استعباد العباد منذ عصر الفراعنة الطغاة . لم يقر في مصر الذين خسروا الانتخابات بالهزيمة ، ولم يهنئوا الفائزين كما فعل الاسكتلنديون ، وكما يفعل الغربيون عموما بل أنكروا وشككوا في النتائج منذ أول لحظة ، وطار الخاسرون إلى بلدان الخليج وعقدوا فيها المؤتمرات الصحفية للطعن في نزاهة الانتخابات ، ولو كانوا هم الفائزين لكانت الانتخابات نزيهة وشرعية ... ولما أجهز الانقلاب على الديمقراطية عمد متزعمه إلى مسرحية انتخابية هزلية بعد أن فض الاعتصامات بالحديد والنار وقتل وسجن الفائزين وجماهيرهم ، وزعم أن نتائج المسرحية الانتخابية التي فبركها صحيحة والعملية نزيهة ، وباركها الخليجيون والغربيون بنفاق مكشوف وهم يعلمون أنها مزورة شر تزوير إذ كيف يطعن في انتخابات سابقة بلا جيش ولا سلاح ، ويشاد بأخرى فيها جيش وسلاح وقمع وقتل واعتقال . إن التجربة الديمقراطية في بريطانيا عبارة عن صفعة لكل أنظمة بني يعرب التي تتبجح بالديمقراطية المزيفة ، وتسخر من شعوبها من خلال اقتناء صناديق زجاجية تشف عن أبشع تزوير . والممارسة الديمقراطية المغلوطة في بلاد بني يعرب هي التي حولت أنظمة جمهورية إلى ملكيات ، وهي التي ابتدعت الرئاسة مدى الحياة ، وهي التي أفرزت الرئاسة المعوقة على كرسي متحرك وبجسد نصف مشلول ، وهي التي تستطيع أن تحول الرئاسة من عسكرية إلى مدينة ، فيكفي أن يخلع العسكري بذلته ليصير مدنيا ....، وهي التي جاءت بالعجب العجاب . ولو قدر لبني يعرب خوض تجربة الاسكتلنديين لوجدنا كل حي وكل قبيل وكل قرية وكل مدينة تصوت لصالح الانفصال عن الوطن الأم لأن شعوب بني يعرب ذاقت ذرعا من أنظمتها المستبدة .
المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/20/342476.html#ixzz3DtR45TLw