هل الإعلام يصنع الإرهاب؟

علي سعد الموسى

هل تلعب بعض دوائر الإعلام وأقنيته ووسائطه دور المتحدث الرسمي لمنظومة الإرهاب؟ هل تصنع بعض وسائط الإعلام صورة الإرهابي، وهل يصنع الإرهابي على النقيض حجم ونفوذ الوسيلة الإعلامية؟ هل تجري بعض وسائط الإعلام إلى أخبار الإرهاب وبياناته باعتبار ذلك سبقا صحفيا بغض البصر عن حجم الكارثة الثقافية حينما يصبح الإعلام ناقلاً رسمياً للشيفرة الإرهابية؟.

 

من المدهش بمكان أن بعض تلك الأسئلة بعاليه كانت نقاش ندوة حوار ثقافية تناقش هذه القضايا البالغة الخطورة ولكن: بعد مضي عقد كامل من ـ عشرية ـ الإرهاب وكأن المنظومة الفكرية والثقافية لم تنتبه من سباتها الطويل لخطورة هذه الظاهرة. يصبح الإعلام من حيث لا يدري شريكاً في الظاهرة السلبية، أياً كانت هذه الظاهرة، إذا ما أوغل في الكثافة والتغطية ويصبح متواطئاً، وربما من حيث لا يقصد، إذا ما بالغ في ملاحقة الخبر الإرهابي واستمرأ أن تكون بيانات التنظيم سبقاً إعلامياً فهناك فارق جوهري بين السبق للسبق والإثارة من أجل لفت الانتباه والاستثارة. المفارقة أن يصبح أصحاب الكهوف من الأسماء المطاردة أول الحضور على العناوين الأولى من نشرات الأخبار. 

الرسالة الخاطئة التي يبثها الإعلام بفعل هذه الممارسة ليست بأكثر من ترسيخ وتكثيف الإرهابي ـ كبطل ـ وبالخصوص حين تستقبل الأجيال الفتية المراهقة هذا التنميط في العمل الإعلامي وهم في فترة وزمن عمري شغوف جداً بالشهرة والانتشار وتسويق الاسم: هنا يظهر الإرهاب بيئة مثالية للانتشار والظهور. يصبح المطارد الخفي أكثر انتشاراً وشعبوية وشهرة من السوي الوسطي المعلن.

أخطر من هذا أن الإرهاب كفعل والإرهابي كاسم يتحولان مع كثافة الإعلام وطول الفترة إلى ـ استمراء ـ اجتماعي أقرب إلى الصورة اليومية المتكررة التي لا تستفز منه إلى الصورة الشاذة الخطأ. خذ بالمقاربة أن تكرار الاسم ـ الجوجلي ـ لأيمن الظواهري، مثالاً، يفوق بأضعاف كثيرة ذات التكرار في النسخة العربية للأستاذ الجامعي النوبلي ـ أحمد زويل ـ رغم أن الأول، ومنذ عقد من الزمن لا يبث إعلامياً إلا ذات الكلمة المكررة المطبوعة التي تستنسخ مفرداتها من بعضها البعض لأن الإرهاب ورموزه كأفعال بيانية لا تأتي بجديد في المطلق: الإعلام، للأسف، هو من يبث صورة ـ التجديد ـ في كل هذه النسخ الإرهابية، بيانات كانت أو رسائل أو أخبارا أو مقاطع حركية مختلفة.
وللأسف الشديد، لا توجد في الأفق أية معايير للتعامل الإعلامي مع الفعل الإرهابي، رمزاً كان هذا الفعل أو حركة. ماذا يمكن تصنيف بعض الإعلام وأقنيته إن كانت بعد عقد من الزمن تصبغ لقب ـ فضيلة الشيخ ـ على الإرهابي، لا في النشرة الرسمية للأخبار، ولكن بسماحها بمرور هذا اللقب في البرامج الحوارية، وحتماً سيكون عذرها أن هذا رأي ـ المتداخل ـ لا رأي الوسيلة الإعلامية. تلمح هذا التوصيف المختل المخل حتى في تحالف اليساري القوي مع الأصولي المتطرف وخذ بالمثال توصيف عبدالباري عطوان أو السباعي ـ لفضيلة الشيخ ـ حين يمررون هذه الرسالة البالغة الخطورة. تأسف أن جملة واحدة على فم واحد من هؤلاء تحتوي على اسمي أيمن الظواهري وشيخ الأزهر مسبوقين تماماً بذات اللقب ثم يقف الإعلام نفسه متفرجاً على هذا المنهج الإعلامي الخفي خصوصاً وأن ـ اللغة ـ دائماً ما تبرهن على قدرتها المدهشة في توطين الفكرة ـ السيكولوجية ـ على المتلقي وبالتحديد على من ما زالوا يرضعون المفردات ولا يستطيعون التمييز المصطلحي ولا يمتلكون القدرة على فهم الفوارق في اللغة الإعلامية.



ونهاية، فإن الإعلام، وبعض الإعلام العربي بالتحديد، يساهم لا في خلق صورة اعتيادية مستساغة للإرهاب كرمز أو تنظيم أو فعل، بل إنه للأسف الشديد يتحول إلى وسيلة عبور لمثل هذه الأفكار المضطربة. أكثر من هذا فإن الإرهاب كصناعة يعرف تماماً أن ـ اللعبة الإعلامية ـ هي سواء الصناعة الأغلب ومعظم العمل الإرهابي في ظل اليقظة الاجتماعية والأمنية ليس إلا ـ لغة ـ بيانية كلامية في ظل انحسار الفعل. هنا يتحول الإعلام وبكل صراحة إلى واجهة إرهابية.

المصدر: http://al7ewar.net/forum/showthread.php?25267-%E5%E1-%C7%E1%C5%DA%E1%C7%...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك