الإسلام والتعايش

الشيخ حسن سلمان
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام والتعايش

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

إن أوضاع العالم المتوترة تستدعي اليوم التعامل بالحكمة، والدفع بالتي هي أحسن إستجابة لأمر الله ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً) الآية(35) من سورة الإسراء.

ومتى ما كان التعايش السلمي ممكناً فإن المصير إلى ما سواه جناية بحق البشرية فوق أي أرض، وتحت أي سماء، وعلى اية ملة، (وإن جنحوا للسلم فأجنح لها ...) الى ية(61) من سورة الأنفال.

والدين الإسلامي أقدر الأديان على وضع الحلول للأزمات المستعصية، وتوفير أجواء تحقق للإنسانية العيش الكريم، فكيف تتأزم الأمور في ظله؟ وهو لا ينهى عن البر والقسط لكل مخالف في العقيدة، ما لم يقاتل في الدين خاصة، أو يخرج المسلمين من ديارهم أو يظاهر عليهم الأعداء والمحاربين. قال تعالى( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم * لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم  أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) سورة الممتحنة  الآية(7-9) ، ولن تتأتى الرغبات المشتركة إلا إذا حررنا مسائلنا، وقاربنا بين مفاهيمنا حول القضايا المشتركة، وحددنا مصادرها، ورسمنا أساليب مواجهتها، ومتى توخت الحضارات العدل والصدق، ووفرت الحقوق، ووحدت المواقف والمكاييل، أمكن  الإنتقال من الصدام إلى الحوار، ومن التناحر إلى التعاذر، ومن التناوش إلى التعايش.

لقد طالبنا الإسلام وفق أخلاقياته وسمو نظرياته إلى معايشة الأديان الأخرى والتساكن معها مهما اختلفت لأن هذا الإختلاف بين الناس أمر حتمي قضى به خالق الناس لحكمة يعلمها هو جل وعلا، يؤكد ذلك قوله تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (99) سورة يونس.

هذا وإن من السمات البارزة والمزايا الحميدة للإسلام أنه دين يعترف بالأديان السماوية الأخري، وأن نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم قد آمن بما أنزل على موسى وعيسى مما لم يحرفه اليهود ولا النصاري.كما قال تعالى (أمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) الآية(285) من سورة البقرة . كما أكد القرآن الكريم أن الذي أنزل على موسى وعيسى عليهما السلام هدى ونور للناس قال تعالى(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ...) الآية(44) من سورة المائدة .

وفي إطار ما حفل به القرآن الكريم من معان سامية ينبغى أن تسود البشر لإصلاح أمورهم  في دنياهم وأخراهم، بما في ذلك تأكيده على قيم العدل والمساواة والتعاون والسلام بين البشر- وهي قيم ينبغي أن تكون لها السيادة في العلاقات السياسية الدولية- أتى  بها الإسلام وسبق غيره بقرون عديدة.

وعالمية الإسلام تكسب التوجهات الإسلامية بعدها العالمي {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً}الفرقان الآية(1) ، وقد أمر الإسلام بالتعايش والتعارف{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...}الحجرات 13 ، وأمر بالعدل ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة الآية(8) ويعتبر الإسلام أن السلام هو السياسة الإسلامية الأصيلة التي تمارس داخل المجتمع الإسلامي في علاقاته مع مخالفيه، وهو يفرق في هذا الصدد بين الذين يسالمون المسلمين والذين يقاتلونهم، والإختلاف ليس سبيلاً للحرب بل إنه كامن في طبيعة الحياة والسلام لا يعني الإستسلام للمعتدين وحتى في حالة الحرب فلها سياستها وآدابها والإسلام يدعوا إلى التعايش والحوار كمنهاج لممارسة السياسة، وفي ظلها تنمو العلاقات السياسية والإقتصادية وغيرها من أوجه العلاقات التي تتم في إطار السياسة الدولية.

أما التنافس والتدافع في المصالح والأمور السياسية فلا يعني بالضرورة تصارعاً وقتالاً، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التي تحقق التوازن والتداول في إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز) سورة الحج الآية 40 .

وقد عرف النظام الإسلامي أسلوب التعايش وكتابة الوثائق والمعاهدات وسبق إتفاقيات جنيف التي عقدت عام 1948م .

مفهوم التعايش :

يعني التعايش في اللغة: الإشتراك في الحياة على الإلفة والمودة (المعجم: مادة عيش) وهي على وزن تفاعل الذي يفيد وجود العلاقة المتبادلة بين الطرفين.

 وسيراً على المعني اللغوي تكون كلمة (السلمي) وصف مؤكد لطبيعة التعايش، وعلى فرض وجود نوع من التعايش غير السلمي يكون الوصف مقيداً يخرج به نوع التعايش غير السلمي ويسود مصطلح التعايش السلمي في الأوساط البدائية في المجال الإجتماعي، كالتعايش بين الأفراد أو المجموعات الإثنية أو القبلية، وإنتقل المصطلح من المجال الإجتماعي إلى المجال السياسي في ظل الدولة الحديثة القائمة على أساس التنوع الديني أو الإثني، وما ينتج عنه من صراعات ونزاعات، ثم صار الآن مطلباً دولياً في ظل الصراعات العالمية والدولية.

ومصطلح التعايش السلمي كشعار سياسي يعني البديل عن العلاقة العدائية بين الدول ذات النظم الإجتماعية المختلفة، ومع هذا ليس هنالك أي مانع للتوسع في إستخدامه في ساحة العلاقات الإجتماعية بين أتباع الديانات المختلفة وبخاصة المقيمين في دولة واحدة.

وإذا كان المفهوم يتجه إلى البحث للتعايش بين الإتجاهات المتباينة دينياً أو سياسياً فإني أرى أن الحاجة ماسة لبلورة رؤية مستوعبة حتى لأهل الملة الواحدة المتفقة دينياً والمتباينة من بعض الوجوه التي تؤدي إلى الاحتراب في كثير من البلدان وخاصة الإسلامية.

وإذا كان الأمر كذلك فإن التعايش السلمي يمكن أن يشمل الآتي:-

  1. التعايش بين أهل الملة الواحدة.
  2. التعايش بين أهل الملل المختلفة.
  3. التعايش بين الدول المختلفة سياسياً.
  4. التعايش بين القوى الاجتماعية المختلفة.

وبالرغم من إمكانية إشتمال المفهوم على ذلك لكن يبقى المفهوم السائد الآن –غالباً- هو بين أهل الملل المختلفة والدول المتبيانة، ومع ذلك هنالك أسس ومعالم تصلح لكافة الأنواع وبما أن البحث يتركز على التعايش في الإسلام كان لابد من التعريج على طبيعة الرسالات لنقف على طبيعة الرسالة الخاتمة.

طبيعة الأديان والرسالات.

منذ أن أهبط الله آدم إلى الأرض توالت الديانات والرسالات لتخرج الناس من  الظلمات إلى النور، ولتحمل البشرية إلى طريق السعادة والتوافق مع منطق الفطرة، وطبيعة هذه الأديان أنها ربانية والمقصود بذلك ما يلي:

  1. أنها ربانية المصدر، فمصدرها هو الله.
  2. أنها ربانية الوجهة، فمقصودها هو الله.

وغاية الأديان عبر التاريخ هو:

  1. تحقيق العبودية الصحيحة التي تربط العباد بالله.
  2. تحقيق الإعمار والنماء في الأرض وفق منهج الله (أي منهج العبادات والمعاملات).

وللوصول إلى هذه الغاية فقد حملت الرسالات الإنسان رويداً رويداً لتصل به إلى منطق الرشد، ونلمس ذلك في الخطاب الديني على النحو التالي:-

  1. إنتقل الخطاب الديني بالإنسان من المشاهد إلى الغيب.
  2. وإنتقل به من المحلية إلى العالمية.
  3. وإنتقل به القومية إلى الإنسانية.
  4. وإنتقل به من شرعة الأغلال والآصار إلى شرعة التيسير والرحمة.
  5. وإنتقل به من المعجزات المادية إلى معجزة القرآن القائمة على حقائق العلم وقوة الحجة ومنطق المناظرة والحوار، ليخاطب عقل الإنسان كما يخاطب وجدانه.

ونلاحظ بأن الرسالة الخاتمة جاءت بالآتي:

  1. حاكمية الكتاب.
  2. عالمية الخطاب.
  3. شرعة التيسير والرحمة.

وإذا كانت هذه هي طبيعة الرسالة الخاتمة القائمة على أساس تقرير الحق وتنزيل الأمر وتبصير الخلق بالعاجل والآجل أي المسيرة والمصير فإن مفهوم التعايش ينبع من ذات الطبيعة وليس من خارجها.

وبناءاً على ذلك ندلف إلى الحديث عن دعائم العلاقات الإنسانية في الإسلام.

دعائم العلاقات الإنسانية في الإسلام.

أولاً : التكريم:

أ‌-     التكريم في أصل الخلق قال تعالى(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء الآية (70) وقال تعالى(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) التين40.

ب‌-                       التمييز بالعنصر الروحي (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) سورة ص الآية(72) ، ويبنى على ذلك مبدأ الوحدة الإنسانية كمبدأ طبيعي وكقانون ثابت لا يتبدل، وأنهم أمة واحدة تعيش في أسرة إنسانية واحدة، وتتقوى هذه الوحدة كما أدرك الناس مقوماتها المتمثلة في: وحدة الربوبية لرب واحد، ووحدة النسب من سلالة واحدة، ووحدة الناموس الذي يحكمهم، ثم وحدة المهام والهدف المقدر لهم.

ت‌-                       تحريم الاعتداء على النفس الإنسانية بأي شكل من مظاهر الإعتداء.

ث‌-                       استخلافه في الأرض وتسخير الكون له.

ج‌- إنزال الكتب وإرسال الرسل لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية.

ثانياً: الرحمة :

إن رسالة الإسلام رسالة رحمة في مصدرها ومنهاجها ورسولها وحملتها، قال تعالى عن نفسه : (الرحمن الرحيم) الفاتحة  الآية(3)، (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف : 156، وقال عن كتابه: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء: 82، وقال عن رسوله صلى الله عليه وسلم: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء(107)، وقال عن ورثة الرسول وحملة الدعوة :( أشداء على الكفار رحماء بينهم) الفتح: 29 والرحمة لا تقتصر على علاقة الإنسان بالإنسان بل تتعداه إلى عالم الحيوان والاشياء والنبات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لا يرحم لا يرحم) رواه البخاري، وقال:( لا تنزع الرحمة إلا من شقي) رواه الترمذي وأحمد، وقال:( في كل كبد ذات رطبة أجر) رواه البخاري.

ثالثاً : العدل:

قامت جميع الشرائع السماوية على العدل والقسط،قال تعالى:( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد: 25، وبالعدل قامت السماوات والأرض، وبه تستقيم أمور الحياة، وبالظلم تنهار الحضارات والأمم، قال تعالى:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان)النحل:90، وقال :(ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة:8 ، وقال تعالى في الحديث القدسي :( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلتها بينكم محرماً فلا تظالموا...)وكما يقول العلامة ابن خلدون(الظلم مؤذن بخراب العمران)،فالعدل قيمة دينية تتفرع عن قيمة الرحمة التي لا تفريق فيها باي سبب من الاسباب الدينية أو العرقية أو غيرها.

رابعاً: المساواة:

يولد الناس جميعاً متساوون في أصل الخلقة، وأنهم أحرار، ويظلون كذلك في نظر الشرع، ولهم حق الفرص المتساوية في التعليم والتوظيف والعمل والأجر والتعويض، ويجب أن يكون التمييز بينهم معتمداً على الذكاء والفطنة والمعرفة والإنتاجية والتفوق، وعلى الفضيلة والإستقامة والصلاح.

وأن المساواة جاء تأكيدها في قول النبي صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على أعجمي،ولا لأحمر على أسود  ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) رواه أحمد.

وأن المساواة في الشريعة فرع العدل وإحدى معانيه.

خامساً: المعاملة بالمثل :

من العدالة في التعامل الإنساني بين الآحاد والمجموعات المعاملة بالمثل، قال تعالى(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ماعتدى عليكم)البقرة(194) وقال تعالى(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )النحل (126), ويبنى على هذا المبدأ كثير من الأحكام الفقهية في السياسة الشرعية .

 

 

سادساً:التمسك بالفضائل (الفضيلة):

وهي المعبر عنها في القرآن الكريم بالتقوى والإحسان والبر، ومن مظاهرها:الرفق ولين الجانب والعفو والصفح والصبر، وكل ما يندرج من معاني الأخلاق ومحاسنها، قال تعالى:(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن، فلذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)فصلت:34، ويندرج تحت ذلك مفهوم التسامح (لكم دينكم ولي دين)الكافرون:6

سابعاً: الحرية:

هي من أكبر مظاهر الكرامة الإنسانية والطريق إلى الإيمان الصحيح والمسئولية، حيث تركت الشريعة للإنسان حرية الإختيار والمشيئة دون جبر أو إكراه على الدين الحق، قال تعالى :( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)الكهف:29 ،( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي...)البقرة 256،(لست عليهم بمصيطر )الغاشية:22،(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) ، والمقصود بالحرية:حرية الإعتقاد،حرية التفكير ،حرية الكلمة، وحرية التصرف والتملك والتنقل والسكن والعمل...إلخ.

وما شرع الجهاد إلا لإزالة النظم والحكومات التي تكره شعوبها على الإستعباد لها ومنعها من حرية الإختيار للدين الذي تطمئن إليه.

ثامناً: التعاون:

الإنسان كائن إجتماعي لا يعيش بمفرده دون أن يتعامل معه أخيه الإنسان، ولذلك فإن التعاون أساس في حياة الناس، وجاءت الشرائع لتنظيم كيفية التعامل، وتمنع من الإعتداء فيه، قال تعالى:( وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة:2، وجعل الإسلام التعارف المفضي إلى التعاون غاية للتنوع القبلي والشعوبي: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)الحجرات :(13)،فالتعاون أساس التعايش بين الناس على كل مستوياتهم.

تاسعاً: الوفاء بالعهد:

العهد هو الميثاق أو الإلتزام الجازم بين طرفين، وقد جاءت الشريعة بالوفاء بالعهود والعقود، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أفوا بالعقود...)المائدة:(1)، وقال تعالى:( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) الإسراء:( 34)، (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها...) النحل: (91).

وجعل الإسلام إخلاف العهود من علامات  النفاق (وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر)، وإن هذه القيمة تعزز الثقة بين الناس، وتقوى روابط التعاون بينهم، ولذلك جاءت الشريعة بالإعلان عن نقض العهد إذا ما شعر المسلمون بالنقض من الطرف الآخر قال تعال:( وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) الأنفال: (58).

مظاهر التعايش السلمي في الإسلام

  1. الإعتراف والإقرار بالرسل والشرائع السابقة، وجعلها جزءاً من الإيمان، قال تعالى:(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) البقرة(285).
  2. البحث عن المشتركات الدينية والإرتكاز عليها، والمتمثلة في قوله تعالى(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام (151- 153).
  3. الخطاب بالحسنى في دعوة أهل الكتاب، قال تعالى:( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) العنكبوت: (46).
  4. إقرارهم على دينهم وعدم إكراههم على الإسلام ،(لا إكراه في الدين) البقرة: (256).
  5. تسمية أهل الكتاب بهذا المصطلح تمييزاً لهم عن الكفار الأصليين.
  6. السماح لهم بممارسة الشعائر التعبدية.
  7. التعامل مع المسالمين منهم بالبر والقسط والإحسان، قال تعالى:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أن تبروهم وتقسطوا إليهم).
  8. إباحة الزواج منهم وأكل ذبائحهم وأطعمتهم، وعيادة مرضاهم، قال تعالى( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ...) المائدة: (5).
  9.  مشاركتهم في الأفراح الإجتماعية، مع مراعات حقوق الجوار منهم.
  10. التكافل الإجتماعي للضعفاء والعجزة منهم.
  11. القبول بهم في ظل الدولة الإسلامية كمواطنين لهم حقوق المواطنة والتزاماتها.
  12. كفالة الحقوق المدنية كافة.
  13. الإلتزام بأخلاقيات الحرب عند وقوعها بمنع كافة أشكال العدوان أو الإستغلال، مع ترك قتل النساء والأطفال والشيوخ والعباد.
  14. حماية الرسل والمبعوثين حتى في حالة الحرب.

نماذج من  التعايش في التاريخ الإسلامي

أولاً: نموذج دولة المدينة:

ولقد كان إنشاء الدولة الإسلامية في المدينة، وامتداد نفوذها بالتدريج في معظم أجزاء شبه جزيرة العرب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة مجهودات كبيرة حربية وتشريعية وسياسية، وكانت حصيلة النشاط السياسي والدبلوماسي مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات التي تحدد العلاقات السياسية على أسانيدها من القرآن والسنة النبوية.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن صاحب رسالة دينية فقط، وإنما كان ايضاً رئيساً للجماعة الإسلامية الناشئة، التي وضع اساسها بمقتضى الصحيفة والتي يمكن أن يطلق عليها(دستور المدينة) إذ تضمنت تنظيماً واضحاً للعلاقات بين أعضاء المجتمع الإسلامي  ورياسة هذه الجماعة، وبينهم وبين من يخالفهم في الدين.

وتعتبر الصحيفة نقلة نوعية في المنظور السياسي، حيث تضمنت من المعاني – على خلفية عالمية الإسلام- عناصر بالغة الدلالة من حيث العلاقات الدولية، فقد تضمنت إطاراً لدول متعاونة على كل ما عرف خيره تتحمل مسئوليتها فرادى وجماعات في عمارة الأرض وعدم الفساد، وأنه لا إكراه في الدين، وبر من يخالفنا ما لم يعتد علينا في ديارنا أو ديننا، وأن الخلق كلهم عيال  الله، وأن الحوار والتفاوض في السياسة أمران واردان.

وهنا نقتبس منها بعض السطور، حيث جاء فيها:

(بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلتهم، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف).

وعدد الرسول صلى الله عليه وسلم قبائل المؤمنين على هذا النمط، ثم قال(وأنه لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ظلم أو أثم، وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم، ولايقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وإن ذمة الله واحدة.

ثم اتجهت الصحيفة للحديث عن  اليهود فقالت:وإن اليهود ينفقون ما داموا محاربين، وإن يهود بين عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف (وعدد على هذا النمط قبائل اليهود) ثم استمرت الصحيفة تقول: وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وان البر دون الإثم وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) سيرة ابن هشام:(2/108).

وخلاصة هذه الصحيفة :

  1. أن للجماعة شخصية دينية وسياسية ومن حقها أن تعاقب المفسد وتؤمن المطيع.
  2. أن الحرية الدينية مكفولة للجميع.
  3. الإعتراف بوجود الآخر الديني ككيان ديني وسياسي وإجتماعي له الحق في تنظيم حياته الخاصة وفقاً لتقاليده الداخلية بما لا يتعارض وقواعد النظام العام.
  4. إقرار مبدأ اللامركزية الذي يراعي الجوانب النفسية والثقافية للجماعات.
  5. طرح مفهوم جديد للأمة يستوعب المخالف في الدين (الأمة بمعناها السياسي).
  6. على سكان المدينة من مسلمين وغير مسلمين أن يتعاونوا مادياً وأدبياً وعسكرياً، وعليهم أن يردوا متساندين أي اعتداء قد يوجه لمدينتهم، وهو مفهوم متقدم للمشاركة(أي المشاركة في المغنم والمغرم).
  7. الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو الرئيس الأعلى لسكان المدينة، وتعرض عليه القضايا الكبرى وحالات الخلاف بين الأفراد ليفصل فيها.

فأي تعايش وتساكن واعتراف أفضل مما جاءت به الشريعة الإسلامية.

ثانياً: نموذج الخلافة:

لقد سلك الخلفاء جميعاً في تعاملهم مع الآخر الديني منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالف، حيث تمتع أهل الكتاب بالحقوق التي كفلتها الشريعة وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاءوا إليه في عهده، وابرزهم نصارى نجران حيث أقرهم الخلفاء على ما أعطاه لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرز خلافة عمر رضي الله عنه نمطاً خاصاً في التعامل مع النصارى في الشام(بيت المقدس) الذي وقع معهم إتفاقاً تم بموجبه دخول المسلمين بيت المقدس مع الحفاظ للنصارى بحقوقهم الدينية التي سرت عبر التاريخ الإسلامي، وظل النصارى يحتفظون لهم حتى اليوم بوجودهم هناك.

كما شهدت خلافته فتح مصر والتي برزت معها الحالة القبطية حتى اليوم وفقاً للأتفاق الذي دخل به المسلمون أرض مصر دون اعتداء عليهم أو تصفية لوجودهم، بل تمتعوا بالعدالة الإسلامية أن يكون والى عمر يخضع للمحاسبة لأن إبنه تعرض لأحد الأقباط وقال عمر مقولته الشهيرة التي سرت بها الركبان: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً ).

كما شهدت فترة الخلافة اتفاق المسلمين مع أهل النوبة في شمال السودان وجنوب مصر والتي أرست اسساً للتعايش بين المسلمين وأهل النوبة، انداح الإسلام على إثرها إلى السودان .

ثالثاً: النموذج العثماني :

تعتبر الدولة العثمانية آخر نموذج إسلامي للخلافة، وقد توسعت الدولة الإسلامية في العهد العثماني في كثير من الأراضي الأوروبية وتنوعت في إطارها الأديان من يهودية ونصرانية، وعاشت في ظل الدولة بحقوق وامتيازات عديدة تطورت في ظلها الأنماط الإدارية والسياسية بما عرف في تلك الفترة(النظام الملي)، وهو أن يحكم أهل كل ملة إقليمهم ومناطقهم في إطار الدولة الإسلامية.

وخلاصة الأمر أن التاريخ الإسلامي شاهد بالتعايش السلمي بين أهل الأديان، ولم يعرف ما عرفته أوروبا من حرب المذاهب الدينية والمذابح الجماعية للمخالفين، وخاصة المسلمين في الأندلس.

آفاق التعايش ومجالاته :

1- التعاون في مواجهة الاتجاهات الإلحادية والوثنية التي تنحدر بالإنسان عن آدميته.

2- مواجهة كافة أشكال الظلم والعدوان، ومنع الحروب السياسية ونزع فتائل التوتروالتعصب من خلال ابراز قيم الدين الداعية إلى حفظ النفوس والأموال والأعراض.

3- مقاومة كافة أشكال الفساد والإفساد، وخاصة التي تستهدف البناء الإجتماعي من هدم للأسر وإشاعة للفاحشة ونشر للرذيلة.

4- التعاون في الكوارث والأمراض الفتاكة التي تفتك بالمجتمعات الإنسانية.

5- إرساء الحوار العقدي والفكري وصولاً إلى الحق والهداية بالتي هي أحسن، لأن ذلك هو مقصود الرسالات والأديان.

6- تطوير العلاقات الإقتصادية بما يحقق المصالح المشتركة دون استغلال للضعيف من قبل القوى.

مهددات التعايش :

ونحن نسعى لإرساء دعائم التعايش علينا أن ندرك أن التعايش تعترضه مهددات لا بد من العمل لتجنبها، أهمها ما يلي:

  1. الاستبداد بكافة أشكاله، وانتهاكات حقوق الإنسان، حيث أنه لا تعايش في ظل الاستبداد والانتهاكات من مجموعة ضد أخرى.
  2. الإحتلال والعدوان الذي يعتبر من أكبر مهددات التعايش،حيث إنه لا تعايش مع الإحتلال في كافة الشرائع.
  3. انتهاك الحرمات والمقدسات، ونعني بذلك أن التعايش لا يعني السكوت عن الإعتداءت التي تمس الذات الإلهية أو الكتب السماوية أو أنبياء الله وكافة المقدسات.
  4. عدم الإعتراف بالآخر عقبة كأداء تحول دون تحقيق التعايش السلمي.
  5. خيانة القيم الدينية والثوابت الوطنية تعد من مهددات التعايش.

وفي الختام فإن شعوب شرق إفريقيا بحاجة ماسة إلى إرساء دعائم التعايش، وخاصة في هذه المرحلة التي تعيش فيها نزاعات وصراعات متعددة وتتعرض فيها لتدخل سافر من القوى الدولية، وهي شعوب قد حصدتها الحروب، فهل من سبيل لسلام تنعم به المنطقة؟!.

المراجع:-

  1. القرآن الكريم.
  2. السنة النبوية.
  3. سيرة ابن هشام.
  4. أحكام أهل الذمة لابن القيم.
  5. السير الكبير لمحمد الحسن الشيباني.
  6. التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم لسو رحمن هدايات .
  7. وثيقة المدينة المضمون والدلالات لأحمد قائد الشعيبي.
  8. الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية لكمال السيد حبيب.
  9. الحوار من أجل التعايش لعبد العزيز بن غسان التويجري.                 
  10.  10- العالمية الثانية لابوالقاسم حاج حمد           
  11. المصدر: http://www.al-massar.com/ar_studies_detail.php?id=51
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك