أمريكا.. ونهاية أسطورة العرب!!
من المتعذر تجاهل أمريكا، عدواً أو صديقاً، فهي منغمسة بأحداثها بعد أن ورثت تركة مسؤوليات أوروبا الغربية أثناء انحسار نفوذهم بالمنطقة العربية وبروز قوتين متنافستين، الاتحاد السوفيتي وأمريكا، ومثلما أسس المعسكر الشرقي قواعد عسكرية ونشر ايدلوجيته مستغلاً العداء من دول الاستعمار، فقد أيقظت أمريكا الحس الخطير عند السوفييت وعقيدتهم النافية للوجود الديني ومحاربته، لتجد في الإسلام العامل المضاد باعتباره العقيدة التي تتجاوز القوميات للدفاع عن مقدسها، لكن القضية رجحت مواقف السوفييت اثناء الحروب الثلاث 1956م، 1967م، 1973م مع إسرائيل، ولأول مرة تصطدم أمريكا بحلفائها حين استخدم النفط سلاحاً مسانداً في الحرب، فكان عملاً مفاجئاً وفاعلاً لم تكن أمريكا تدرك صدمته وتبعاته، ومن هنا جاءت حسابات التأثر من تلك المرحلة، وكأن حلفاءها انضموا للمعسكر الشرقي حتى ما بينهم من تقاطعات دينية حساسة، تخالف هذا التلاقي..
حالياً تضاعفت الشكوك بالأهداف الأمريكية باعتبارها اللاعب الأكبر في المنطقة، فهي ضد الروس في قفزاتهم التي لا تتناسب وحجم تأثيرهم وقوتهم، وعندما استطاعوا كسب الأسد وإيران كحلفاء فاعلين بعدم سقوط نظام الأسد، في الوقت الذي اعتبرت أمريكا أنها ضد هذا التحالف، ولكنها لا ترغب تسليح المعارضة أو دعمها، ومع التحولات السريعة التي تبعت ذلك، وقفت ضد ثورة مصر أمام الإخوان وإسقاطهم لأنها كانت ترى بهم مشروع دولة إسلامية لديها تطلعات إعادة الخلافة الإسلامية وقد قرأت الموضوع وعرفت استحالة تنفيذه لأسباب عديدة، ولكنها رأت بقدوم الإخوان إحداث تغييرات في الداخل المصري، بحيث يتم حل الجيش كقوة مضادة، وتقسيم مصر إلى عدة كيانات تنهي أي احتمال لإعادة قوتها أمام إسرائيل، وعندما فشل المخطط أدارت ظهرها لكل الحلفاء والتوجه لإيران بهدف أنها قوة إقليمية مركزية قادرة أن تعود حليفاً لكن بصورة مغايرة لتبعية الشاه، ولتساعدها في الاستمرار على إنهاء وحدة العراق ككيان واحد، والإبقاء على سوريا في حظيرتها بمساعدة حزب الله ومليشيات العراق والتفاوض مع روسيا بالتسليم بالأمر الواقع ضمن دائرة نفوذ تخدم البلدين..
صعود داعش والتي دار حولها الشكوك بمن سجل ميلادها، وأقامها، وصل إلى أن إيران وأمريكا هما من أحدثا هذا التغيير المفاجئ، حتى أن استيلاءها على أراض مهمة في العراق وسوريا كان ينظر إليه أنه جزء من اتفاقات مرسومة سلفاً، يستدل بذلك أنها وقفت من النظامين في البلدين موقف المحايد، في الوقت الذي أصبحت أداة لضرب المعارضة السورية وتقتيل المسلمين السنّة هناك، وإعلان ما يشبه الهدنة مع العشائر العراقية لكنها هدنة مؤقتة بانتظار الانقلاب عليهم، بينما هناك من يفسر الموقف أنهم يشبهون احتضان القاعدة التي حاربت السوفييت في أفغانستان ونتيجة إهمالهم انقلبوا على أمريكا، وأن نفس السياسة قد تحدث مع داعش، وهي الحسابات التي لم تتأكد لأن ما تقوم به يخدم نظامي الأسد والمالكي وإيران وأمريكا معاً، وبالتالي لا يعرف حتى الآن من يقوم بخدمة أهداف الآخر..
أمريكا أظهرت وجهاً آخر حيث في الترويج الإعلامي وهيمنته الهائلة يتحدث بشكل علني أن تقسيم المنطقة إلى دويلات هو الهدف، وأن اللحظة المواتية أصبحت في دائرة التنفيذ، فهل يعي الساسة والقادة، والمواطنون العرب ما يحيط بهم من مخاطر؟ أم أن الموضوع لا يزال في دائرة الشك بينما أمريكا تسعى لتنفيذ أجندتها، وأهدافها؟..