قيعان أمة القرآن
يتكرر المشهد في بيئاتنا المختلفة. فيأتيك زميل في العمل او المدرسة او الاستراحة وهو يحمل بشرى الفتح العظيم، ويبدأ بفتح احد تطبيقات جواله لتشاهد معه جوانب من الاعجاز العلمي في القرآن الكريم بعد ان أثبتتها أبحاث الغرب او الشرق. فتحزن. لأن تلك الأبحاث لم تخرج من عالمنا الإسلامي الذي بدأت تغلب عليه ثقافة الموت أكثر من ثقافة الحياة. بل وتحزن اكثر عندما تعرف ان ردة افعالنا لا تتجاوز اكثر من إعادة ارسال المقطع. ولا يقف حال أمتنا وجهودها المبعثرة فقط هنا. فكم من مسابقات تحفيظ وتلاوة القرآن الكريم تقام في عالمنا الإسلامي ولا مكترث الا في حال بروز نوابغ او نوادر من الابداع نتبادلهم في مقاطع فيديو. أما غير ذلك فأصبحت تلك المسابقات اضعف وربما تتلاشى مع تلاشي اهتمام شخص بها وليست مؤسسة قائمة على نجاحها.
وعندما ننتقل الى شق آخر يتمثل في تعدد طباعة القرآن الكريم وخروج شائعات بوجود خطأ هنا او هناك نقف حيرى حتى يأتينا الصواب من اين مصدر تلك الطبعة. هذه امثلة فقط والقائمة تطول وانما اردت ان ادلل بتلك الأمثلة حال تعاملنا الفردي والمؤسسي والإسلامي، فعند تعاملنا المؤسسي مع كتاب الله. في جانب الاعجاز العلمي لم يخرج من حبنا وإعجابنا وانبهارنا الايماني من يقوم بالبحث في الاعجاز ابعد من الافراد وبالتالي اصبح لدينا مؤسسات عاجزة عن الاعجاز. والسبب في هذا الامر ان الجهود مبعثرة ومتناثرة وضئيلة. فماذا يمنع هذه الامة التي اختلفت ولا تزال حتى وقعت في فتن هامشية لا تصل الى جوهر العقيدة ان تتفق على الأقل في تقنين الانفاق والعمل على الإنجاز. فلماذا لا تتطوع دولة إسلامية وباتفاق بقية الدول على استضافة المركز الإسلامي للاعجاز العلمي في القرآن الكريم، وتتبنى الأبحاث والدراسات وتبحث عن التمويل المناسب. فالكويت مثلا من الدول الأولى التي حاولت تقديم مبادرة نشر علمي باسم مجلة العربي، والبحرين مثلا لديها بيت القرآن. ولكن تلك الجهود ضعيفة جدا عند وضعها على معيار احتيجات الامة. ولكن أيضا جهود الامة مبعثرة. فماذا قدمت الامة للبحرين ليصبح بيتها للقرآن الكريم المركز الرئيس والذي يتم فيه عرض المخطوطات وغيرها؟
اعتقد ان المشروع الوحيد والناجح هو مجمع الملك فهد يرحمه الله لطباعة القرآن الكريم. فهو المشروع الكبير الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين جل اهتمامها مع رعاية الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن. وهي نماذج ناجحة أتمنى ان تحتذى. وبالتالي اعتقد ان عالمنا الإسلامي في الحد الادنى يجب ان يجتمع في تحديد جهة مخولة بمراجعة الطباعة ولا يترك موضع كشف الخطأ والتصويب لاجتهاد الافراد عبر تويتر ونشر الشائعات. وطالما اننا امام نموذج ناجح فأتمنى ان تحول منظماتنا الإسلامية تلك الجهود الى عمل مؤسسي تتبناه كل دولة لتكون المقر الرئيس لمشروع يخدم الامة بدلا من الانفاق على تدميرها. وتحدد مساهمات الدول الأعضاء او المتوقع منهم. وفي اعتقادي يكفينا حاليا في عالمنا الإسلامي تطبيق قاعدة" افعل خيرا او اصمت"، فلقد مللنا من امة الشعارات ولنبحث عن امة الإنجاز. يقول المصطفى عليه افضل الصلاة واتم التسليم: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان، لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (منهج الصالحين، ص 296). وهذه هي حال قيعان جهودنا في خدمة القرآن إما ان تمسك لنا الماء او لن نستطيع له طلبا." ولكن لنبدأ من النيات التي تقود الى النجاح، فصلاح الاعمال بصلاح النيات بل وصلاح العقائد أيضا تتم بصلاح النيات. تقبل الله من الجميع صالح الاعمال.