الشريعة الإسلامية واضحة المعالم.. لا طلاسم فيها
عبدالعزيز محمد الروضان
بادئ ذي بدء نحن البشر نحمد الله ونشكره بأن من الله علينا بأديان سماوية تخرج البشر من دياجير الظلام ودهاليز الضلال إلى ساحة الهداية والنور، وهذه الأديان السماوية أنزلت من عند العلي القدير على صفوة الله من خلقه، هم رسله الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وختمت هذه الأديان بذلك الدين الذي تتوجت الأديان به، فالدين الإسلامي وسط بين مقاصد وأهداف الديانات السابقة، فهو يتسم بسمو المبادئ وعلو المثل، كما أنه دين يتسم بطابع الشمول والكمال، فما من شاردة ولا واردة إلا وجعل علمها بين أيدينا قال الله تعالى في وحيه الطاهر: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) -38الأنعام وقال تعالى: (أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً)114 – الأنعام وقال تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين) النحل: 89
إذا نفهم من هذا وذاك أن كل شيء اختلف الناس فيه أو احتاجوا إليه هو في كتاب الله قال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدًى ورحمةً لقوم يؤمنون) 64 النحل.. إذا فكتاب الله الذي أنزل على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم هو كتاب جامع مانع لكل شيء قال تعالى: (وتمت كلمت ربك صدقًا وعدلًا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)115 الأنعام.. ولكن مع ذلك كله أرى أن من أبناء الأمة الإسلامية أحيانا تنأى عن هذا المعين الذي لا ينضب وتذهب لأشياء أخرى تجعلها أشبه بما يمكن أن يكون البحث فيما أجمله القرآن الكريم أو السنة النبوية من أحكام وتشريعات لمقصد ما، إذا نفهم جليا أن الذي يؤصل الأحكام وينشؤها ويؤسسها ويؤطرها هو كتاب الله، والسنة الشريفة عادة تقيد وتفسر وتفصل ما أجمل في كتاب الله من أحكام تأخذ صيغة العموم دون التفصيل، علما أن الأحكام التي يرتكز عليها الدين الإسلامي فإن القرآن الكريم تولى حسمها وبيانها وتفصيلها أيما تفصيل كالشرك بالله والربا والقتل والزنا إلى غير ذلك من الأحكام الرئيسة.
أما تلك الأحكام الأخرى التي تتسم بطابع الإجمال فهي أحكام يستساغ الاجتهاد فيها،كما أنه بنفس الوقت يستساغ الخلاف فيها، ولكن الخلاف المستساغ فيها يجب أن يكون خلافا في الدرجة والنوع لا اختلاف تضاد وتصادم، ومع ذلك كله إن الاختلاف في مثل هذه الأحكام التي هذا هو حالها يجب أن يؤطر بإطار من ثوابت الشريعة وعبر بوابة القرآن الكريم وصحيح السنة لا أن تؤطر هذه الخلافات بأقوال زيد أو عمرو، والانكفاء على تلك الأقوال والركون إليها، لأن من تلك الأقوال ما تصيب وأحيانا أخرى تخطئ.
إن الركون إلى بعض تلك الأقوال يجعل من ركن إليها رهينة لها، ومن ثم فلن يدلف إلى فكر نير خلاق، فالفقهاء الذين سبقونا كانوا يحذروننا من اتباع أي فكر أو فقه جانبه الصواب حتى ولو كان من معطيات بنات أفكارهم، فكان الواحد منهم يقول:الصواب مذهبي ويردف آخر قائلاً كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول- وليس معنى كلامي هذا أني أنادي بمصادرة الفكر الماضي بقضه وقضيضه وأن نتنكر لأولئك الرجال الذين أثروا الفكر الإسلامي بدررهم وجواهرهم، فهم قد عصفوا بأفكارهم من أجل الحق ليس إلا- فلهم منا الشكر والعرفان وأجزل الله لهم المثوبة، إلا أن بقاء الحال من المحال،فإن لكل زمن أحداثه ونوازله، وإذا كان بعض الناس يقول إن الخلاف بين الفقهاء ظاهرة صحية طالما أن الخلاف يسبح في فلك جزئيات الشريعة دون عمومياته، وأنه يسبح في فلك متحركاتها دون ثوابتها، فإن الخلاف حينئذ أمر مستساغ.
إن المسلم حينما يستمع إلى فقيه وهو يقول في هذه المسألة قولان أو أكثر فإنه يتساءل أليست الشريعة الإسلامية واضحة المعالم ! وإذا كانت كذلك فلماذا الأمر على هذا الحال ! إني أقول إن الذي يكون لديه ثلاثة أقوال في مسألة ما هو إلا لأن هذا القائل استند في مسألته تلك على أقوال الرجال الذين سبقوه،إذا كل خلاف قديم وحديث إذ إن كل خلاف يجب علينا أن نرده إلى كتاب الله قال تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) 10 الشورى.. إذا فشريعتنا الإسلامية واضحة المعالم لا طلاسم فيها ولا غموض إذا استوحيناها من فهمنا للقرآن الكريم وفهمنا للسنة الصحيحة، إن أفكار هذا الموضوع تتقاذفني ذات اليمين مرة وذات الشمال مرة أخرى فمن أجل ذلك فإن استدرار أفكاره قد يكون عصيا علي، ولكني هنا أريد أن أنفذ إلى شيء مهم ألا وهو أنه يجب أن يكون للفقه الحاضرعلى الفقه السابق استدراكات وتصويبات، وليس معنى كلامي هذا أن فقه فقهاء العصر الحاضر هو الفيصل أو القاطع على صحة فقه السابق، وإنما نعرض فقه الأمس على مصادر الشريعة الإسلامية الرئيسة وهما كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة اللذان بهما الصواب الحتمي إذ إن على فقهاء اليوم مسؤولية كبيرة في تصحيح تلك الأقوال وهم يستطيعون ذلك،لأنه بالإمكان اجتماعهم تحت قبة واحدة بعدما أصبحت وسائل المواصلات والاتصالات سهلة فلا يوجد عذر والحالة هذه فما أريد أن أخلص إليه في هذا المقال إن صحة ومتانة فقهنا مرهون بقربنا من المصادر الرئيسة في التشريع الإسلامي.