القبيلة وداعش
داعش الدولة ليست دولة أرض وشعب وحكومة بل دولة فكرة فمجرد ان يقتنع الفرد بها انضم لدولتها الخيالية، وهذا اقصى ما تسعى داعش لتحقيقه كسب قناعات جديدة بوجودها، فقيام دولة في العراق باسم الدولة الاسلامية لا يثبت المكان والحكومة والشعب بقدر ما يثبت انها فكرة توظف لحسابات من صنعها وتملك القدرة على الانتقال من مكان الى مكان متى ما اراد صانعوها لها ان تنتقل، فالدولة في العراق هي فكرة فلا امل باعتراف دولي بها ولا يمكن ان تقوم بينها وبين الكيانات القانونية الدولية مصالح مشتركة.. من أنتج هذه الفكرة؟ ربما تكون الاجابة موجودة بموقع مجلة ارمد فور سيس القوات المسلحة الامريكية، يونيو 2006 تحت اسم "وثيقة حدود الدم" تذهب هذه الوثيقة الى تحديد الحدود بين الدول على اعتبارات العرق والمذهب والقبيلة، بهدف تأمين اسرائيل من جوارها العربي بدون حاجة الى مفاوضات سلام.
نعود لفكرة الدولة السرطانية ونكثف الرؤية في داخلنا السعودي، لنتعرف على هيكل الدولة الفكرة وادواتها، بداية لابد من المعرفة بأن ليس هناك جماعة مندسة او متآمرة تعقد مؤتمرا صحفيا وتعلن عن اهدافها، فهذا لايتماشي مع منطق الاختفاء في العمل السري، فداعش الفكرة موجودة في أكثر من مكان وأكثر من دماغ، وتصطبغ بأكثر من لون، تنكر اهدافها إن ارادت ان تحقق اهدافها، فهي ليست غبية أو منقطعة الصلة عن الفكر الذي يحركها، بل تعمل وفق مخطط فضحته الممارسة اكثر من الاتباع، يبدأ هذا المخطط بضرب كل حلقة توصل المجتمع ببعضه فالدين تم تقسيمه لدين حكومي ودين حق، وهذا الاخير معلق باجتهادات متصارعة لا تعرف الثبات طوائف يكفر بعضها بعضا، المراد ان لا يكون هناك عقيدة توحيد مشتركة، ومشاهد ذلك في تعدد التسميات والصراع الذي ينطلق منها وعليها فلم يعد الاختلاف محمودا في الاجتهاد بل ملعونا ويجب استئصاله، ومن انكر هذا البعث من المشايخ الورعين اصبح حسب وصفهم من شيوخ السلطان، أين يوجد العالم الزاهد في نظرهم يوجد في السجن "السناني نموذجا "، ولماذا هو نموذج لانه من دعاة الدولة الفكرة التي لا توجد لها ارض واقعة كي تستقر عليها، فكرة تؤدي الى العدم وتوصل الى النهايات المدمرة.. فعالم الدين وفق عقيدة داعش هو من يكفر بوجود الدولة الوطنية، التي يسمونها دولة الطواغيت، وكيف يحاربون الدولة الوطنية؟ عن طريق الاعتراضات الحدية التي لا توصل لشيء، فكل شيء تعمله الدولة هو عمل تغريبي يتطلب انكاره والوقوف ضده، عمل المرأة والابتعاث والرياضة، وحتى دار الافتاء اصبحت في نظرهم مؤسسة تغريب، وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤسسة علمانية، الاتجاه المباشر للحلول العدمية لينتهي كل شيء حتى تخرج الدولة الفكرة التي في رؤوسهم.
الاتجاه الملاحظ مؤخرا لدولة الفكرة هو تعميق الشعور القبلي وتعزيز الانتماءات الضيقة وتقديمها على الانتماء الوطني وحتى الديني ان لزم الامر، فالهدف هو كسر حلقة الانتماء الوطني، فقد عملوا على بناء شعور قبلي يكره ويوالي وفق ما يرتضيه حسب وصفهم نخوة الاجداد، مثل كلامهم بان القبائل هم رجال دين مخلصون وان القبيلة هي من تدافع دائما عن العقيدة، ودفع القبائل للتنافس في حماية الدين الذي يصورونه بانه مهدد من احزاب علمانية لا تمت للقبيلة بصلة، وان غضبوا على شخص ينتمي لقبيلة طالبوا ابناء قبيلته باعلان البراءة منه وكأن الناس تعيش اليوم في مضارب القبيلة وليس في دولة وحكم وقانون، المقصود من هذا ان تكون للقبيلة سلطة معنوية على المنتمين اليها، وان تحقق ذلك اصبح العرف القبلي مصدر الانتماء وليس الدولة، هذه الجماعات الارهابية التي تحرم الغناء والفخر في الانساب تجد لها حضورا معلنا في تشجيع "الشيلات" التي خرجت علينا مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، زد في الغناء والانشاد فهو محمود مادام ليس للدولة به ذكر يحمد.. الأنكى من ذلك ان بعض مؤرخي داعش اصبحوا يصلون نسب الصحابة ببعض القبائل لكي يكون الفخر مباركا ويحفه رضوان الله وبركاته، قبائل تفتخر وانتماء يموت مشهد من مشاهد وثيقة حدود الدم، لكي تكون للقبيلة مضارب وليس دولة يجد الانسان فيها كرامته واستقراره، فكرة خبيثة لدولة الفكرة الخبيثة.