عندما تشرق الشمس يذوب الجليد
إن الفرق بين الرفيع والوضيع هو الخلق، وبين الهزيل والبدين الوعي الصحي، وبين السامي ومادون ذلك التربية، والمتعلم والجاهل العلم، والإنسان الكوني والمنغلق البيئة والمجتمع، فإذا سلمنا جدلاً أن الزمن الحديث بات مكشوفاً بمعنى أصبح تقنياً عالمياً يستحث الوعي ويجدد قناعاته ونظرياته، ويساهم في تضاؤل أضداد كثيرة، بلغت ذروتها في التاريخ المنصرم، وأيضاً في التاريخ المعاصر.
ومن جهة أخرى أدى تعارض بعض المفاهيم إلى السلب دون أن تكف عن الاستمرار، حيث عوّل الاتصال بين المجتمعات على (تفادي الخلط بين الالتزام والإلزام، وبين طلب الحرية والتنظير للفوضى ونبه إلى المخاطر الناتجة عن التمرد والعصيان وعن الخضوع والاغتراب والتفويض من جهة أخرى، وحرص على تأصيل علاقة تجربة الالتزام بالعواطف القومية، والمشاعر الدينية، والبواعث الاجتماعية، حسب عوائق الالتزام ومخاطره التي أفاد بها زهير الخويلدي) عبر شبكات وقنوات عامة.
وهكذا، تفرعت أسس مبنية على الإشكال الدائم، وطرق مؤدية في النهاية إلى اتجاه واحد، يختلف عليه الناس، بينما هناك تعارض آخر يؤمن بمنطقه الإنسان الكوني الذي عاش أو تعلم بين ثقافات مختلفة لا يعرف الانقسامات العميقة، أو يستنزف قدراته لأمر مماثل لا وجود له. أو يتحرق شوقاً ليمزق أراء الآخرين إرباً إرباً.
لقد أصبح لدى بعض المجتمعات ثقافة عامة متواضعة تمكن الفرد من الخوض في الشؤون الدينية والسياسية والصحافية والسياحية، وثمة عدد ليس بالقليل يعيد قراءة النظريات حسب هيمنة المجتمع والبيئة، فالملاحظ أنه يصف جميع النقاط حسب قدراته الثقافية، ويعطي وعداً ويصدر حكماً ويشرّع شروطاً، ويحمل إرثاً لكل الأجيال بما فيه من أخطاء، وهو يعلم أنه ليس بالضرورة أن يتسلق الشجرة، ويقدم أشياء غير ملزم بها.
فكلما تلبدت السماء بالغيوم وحُجبت الشمس، وتأجلت بشائر الأفراح وتغيرت الترتيبات، وأعلنت حالة الطوارئ، ثم ضاق الأفق العقلاني، وبدأ ذلك جلياً عندما غزت عقول الشباب تعليمات مغلوطة تنافي الإنسانية والأنظمة الدولية، من أفراد أو جماعات غير مؤهلة لقيادة حياة سياسية أو اجتماعية أو دينية، ووظفوا الثورات الداخلية في ذواتهم توظيفاً خاطئاً أدى إلى الإرهاب، وحشد القدرات إلى أهداف غامضة ومبهمة.
بل حطت رحالهم في محطات أنشأتها تيارات مختلفة ضيقت الخناق على المسلمين وحرمت على الإنسان نعماً لا تعد ولا تحصى بدعوى التشدد والترهيب، والاضطلاع بمهام تجذب الأنظار وتزيد من وطأة الضغوط على المجتمع، وحرضت في دواخلهم أشياء عميقة لم تُناقش من قبل.
إجمالاً يمكن تسليط بعض الأضواء على الأعداد الكبيرة التي تسابقت في مضمار الدول المنكوبة، وودعت مئات من الشباب إلى الحرب، لم يحقق العقل أي محاولة لقراءة واقعها التكويني، أو تفسيراً لتصرف عشوائي يوصل إلى الموت بكل يسر وسهولة، وفي علم المنطق، أن (التراجع اللا متناهي أو التقدم اللا متناهي فاسد، فهو غير متماسك من الناحية العقلية ويقضي على نفسه من الناحية العملية) إذن هناك خلل يستدعي إصلاحه في تلك المدن.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).