في إنسانية الإنسان

محمد محفوظ

    

إننا نعتقد أن الطريقة الحضارية وفق المكاسب الدستورية والإنسانية اليوم لتظهير قيم الإنسان وإنسانيته المفتوحة دائماً على الخير والعطاء والتضحية هي في تحقيق مواطنية المواطن

 

 

 

كل المنظومات الفكرية والأيدلوجية تسعى وفق قناعاتها وأنظمتها المعرفية والاجتماعية إلى استعادة إنسانية الإنسان، أو تظهير قيم الإنسان الكامنة في كل إنسان في الوجود الإنساني. وفق قناعة عميقة تشترك جميع هذه المنظومات في إبرازها وتظهيرها، ومفادها: ان الحياة البشرية لا يمكن أن تحرر من عيوبها وصراعاتها وحروبها، إلا بإبراز إنسانية الإنسان بحيث يكون هذا البعد الجوهري هو السمة العامة والناظم الأساسي لأي وجود اجتماعي. وان جميع الجهود الإصلاحية التي تؤسسها تلك المنظومات الفكرية والأيدلوجية، تستهدف إزالة الركام التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي يمنع من تظهير إنسانية الإنسان..

فكل هذه المنظومات تشترك وتتفق حول أهمية إبراز هذه الحقيقة، إلا أنها تختلف أو تتباين حول سبيل تحقيق ذلك.. فثمة سبل متعددة توصل إلى هذه الغاية وفق التجارب الإنسانية المتنوعة..

فهناك مشروعات معرفية وأيدلوجية، ترى في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للناس، السبيل الأسرع لتظهير إنسانية الإنسان سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي.

كما أن هناك أيدلوجيات ترى في إزالة الفوارق الطبقية والاقتصادية بين الناس هي التي توصل الجميع إلى تلك الغاية النبيلة.

وعلى كل حال تتعدد السبل بتعدد المرجعيات المعرفية والأيدلوجية.

وما نود إثارته في هذا المقال كوسيلة لتظهير إنسانية الإنسان على المستوى الاجتماعي، هو أن السبيل إلى ذلك تحقيق مواطنية الإنسان في وطنه. لأننا نعتقد أن سلب أو منع إنجاز مواطنية المواطن على المستويات الدستورية والسياسية والثقافية والاجتماعية، هو الذي يحول دون تظهير القيم الإنسانية الكامنة في كل إنسان.. لأن الإنسان المسلوب من حقه الوجودي في مواطنة متساوية في أبعادها المعنوية والمادية، يتحول بفعل غياب حقوق وقيم المواطنية إلى إنسان يبحث عن مصالحه الضيقة ويسعى نحو تحقيقها حتى على حساب مجتمعه ووطنه.

لذلك فإننا نعتقد أن الطريقة الحضارية وفق المكاسب الدستورية والإنسانية اليوم لتظهير قيم الإنسان وإنسانيته المفتوحة دائماً على الخير والعطاء والتضحية هي في تحقيق مواطنية المواطن.

فحينما يذهب أحدنا إلى البلاد المتقدمة، ويجد أن إنسانها في كل المدن والقرى والأرياف وعلى تفاوت وعيهم وأعمارهم، أنهم جميعا يلتزمون بالنظام والقانون، ليس لأنهم يختلفون جينياً عن الآخرين، وإنما لأنهم

جميعاً يشعرون أن هذا الالتزام هو الذي يضمن استمرار حياتهم وفق مقاييس الكرامة والوطنية..

أما في البلدان المختلفة والتي يفتقد فيها المواطن إلى أدنى حقوقه المواطنية، فإنك ترى الناس تخترق القوانين والأنظمة بسبب أو بدون سبب، وترى الجميع يلهث وراء رزقه حتى لو تطلب منه الأمر التعدي على الحقوق العامة..

فالاختلاف بين المواطن في الدول المتقدمة والدول المتأخرة، أن المواطن في الدول الأولى يشعر بمواطنيته وأن جميع حقوقه محترمة ومصانة، لذلك هو يعمل على حفظ هذا النظام الذي ضمن له الحقوق والكرامة.

أما في الدول المختلفة فهو يشعر بعمق أنه ضحية من ضحايا الأوضاع العامة، ولولا هذه الأوضاع لكانت حياته أفضل من جميع النواحي.

لذلك فإننا نعتقد أن خضوع الإنسان للنظام العام وصيانته واحترامه للمجال العام مرهون بمدى مواطنة هذا الإنسان. فإذا كان مواطناً كامل الحقوق، فهو يظهر إنسانيته مع ذاته ومحيطه ووطنه، أما إذا كان مسلوب المواطنية فإن الجانب الذئبي لدى الإنسان هو الذي يبرز ويظهر.

وإن الإنسان لا يمكنه أن يعيش كامل إنسانيته إلا في مواطنيته. أما ذلك الإنسان الذي يفقد بعض عناصر مواطنيته، فإنه بذات القدر يفقد بعض عناصر إنسانيته. لأنه المواطنية تعني فيما تعني أن يعيش الإنسان في ظل مجتمع يضمن له كامل حقوقه، ويقوم هو بدوره في سياق متحد اجتماعي وطني بواجباته الملقاة على عاتقه بوصفه مواطناً، ينتمي إلى هذه الدولة وذلك المجتمع. ولعلنا لا نجانب الصواب حين القول: إن الكثير من الأزمات والمآزق السياسية التي تعانيها شعوب المنطقة اليوم، تعود عبر التسلسل المنطقي إلى غياب حقيقة المواطنية في علاقة الإنسان بدولته، وعلاقة دولته به، بحيث تسود حالات الاستزلام السياسي تحت يافطات عديدة، هي التي تضيع مفهوم المواطنية في الحياة الاجتماعية والسياسية. لذلك فإن حجر الأساس في مشروع الإصلاح السياسي والاجتماعي، هو في تظهير قيم المواطنة والالتزام بمقتضيات هذه القيم. والمواطنية كمنظومة قانونية ودستورية، هي قاعدة العلاقة التعاقدية التي تنسج وتتشكل بين أحاد المجتمع مع بعضهم البعض، وبينهم وبين مؤسسة الدولة التي تديرهم وترعى حقوقهم ومصالحهم. وأي علاقة بين مكونات الشعب مع الدولة بعيداً عن نسق المواطنة، هي علاقة مليئة بالمخاطر والتهديد التي تتجاوز الأفراد، وتهدد المجموع البشري.

لأنها علاقة بدون مرجعية دستورية، وبدون أفق مدني، يجعل الجميع يتعالون على فروقاتهم التقليدية لصالح المتحد الاجتماعي الوطني الجديد القائم على المواطنة.

http://www.alriyadh.com/942861

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك