الإيمان والحياة
من المؤكد أن الناس لا يقفون على قدم المساواة في أرزاقهم، وأموالهم وحظوظهم في الحياة.. إلخ.. ولكنهم يقفون على قدم المساواة في همومهم ومشكلاتهم وأوجاعهم بكل تأكيد.
كلم متشابهون في ذلك، والنظرة الفلسفية العميقة لا تميز الفرق بين مليونير وفقير في هذه الناحية، فقد يكون المعدم أنقى، وأزكى نفساً، وأصح بدناً من الملياردير! وهنا تسهل عملية الحياة بين الأحياء، ولكن بشرط أن يفهم الناس الحياة بحلاوتها ومرارتها، فلا سعادة مطلقة ولا شقاء مطلق.
وتبقى قضية مهمة هي الأكثر تعقيداً وعمقاً وهي قضية الإيمان بالله، الإيمان بالحياة، الإيمان بالقدر.. فمتى امتلك الإنسان هذه الميزة أو هذه الصفة فإنه بلا شك أكثر غنى، وهناء وسعادة.. ولكن بشرط: أن يكون إيمانه ذلك الإيمان العميق المطلق.. فالفوارق الإيمانية كثيرة في هذا الجانب فهنا إيمان ضعيف، وإيمان متوسط، وإيمان قوي..! كما أن هناك الإيمان الراكد، وهذا ما يتصف به الكثير من الناس.. فهم يؤمنون إيماناً شبه وراثي، أو إيماناً عرفياً إن جاز التعبير، وهؤلاء أكثر الناس اهتزازاً أمام مشاكل الحياة من ناحية إغرائها أو الخوف منها، وهم دائماً يذهبون في داخلهم إلى محاولة إقناع أنفسهم بأن إيمانهم لا يتعارض مع خوفهم من المستقبل، أو من الجوع والفقر إلخ، وهؤلاء هم المزعزعون غير الثابتين، والذين يمكن أن يتحولوا من حال إلى حال، ومن موقف إلى آخر بسهولة تشبه العفوية وهي غير عفوية بالطبع، وإنما هي نفعية تحاول إيجاد توازن بين الإيمان والمصلحة وإن كانت هذه المصلحة تتعارض بحدة مع المبادئ الإيمانية نتيجة لتفكيك البنية الإيمانية داخلهم، حيث إن هذا التفكك يظهر جلياً في مواقفهم وهذا نتيجة للإيمان الهش والموقف القلق المزعزع في التعامل مع المستقبل.
هناك أناس يموتون من أجل إيمانهم بمبادئهم، وهناك أناس تموت مبادئهم على عتبات المنفعة!
أما الذين تتغلب لديهم نزعة الإيمان القوية بالمبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية فنجدهم في لحظات الارتباك أكثر صلابة وصموداً فينظرون إلى ما حولهم من مظاهر الخطر والقلق باعتبارها مظاهر عابرة ولا بد أن تنتهي إلى الزوال.. لأنهم يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن العدل والخير والأخلاق الإنسانية هي قيم ناموسية كونية إلهية لا بد لها في النهاية من أن تبقى وأن تنتصر، ولولا هذه الفئة ذات الإيمان المطلق لاهتزت جوانب الكون وسار سيراً سريعاً نحو الانهيار!