من يقود العالم.. الفرضيات.. أم الحتميات؟!
المتغير العالمي تقوده الدول المتقدمة، أو الساعية للتقدم لصالحها، ويبقى المتخلفون مجرد مستهلكين لأدوات الحضارة المتسارعة، وفي ظل ذلك، هل تختفي الجماليات من آداب وفنون وعواطف لصالح عالم مادي، وكذلك الروحانيات عندما نرى من يؤم الكنيسة في أوروبا هم الأقليات الصغيرة من أصحاب الأعمار الكبيرة؟
وماذا عن صورة الأديب المنتج للرواية والمبدعين في اللوحة، والتماثيل، بحيث تذهب الخاطرة القصيرة لصالح كاتب المقالة، والرواية للفيلم السينمائي، والمسرحية للمسلسل، واللوحة لآلة التصوير السريعة اللقطة، والقصة القصيرة لحدث اللحظة؟
وفي الوحدات القومية هل ستختفي مقوماتها من وحدة التاريخ واللغة والتراث الواحد لمصلحة الهويات الجديدة، العائلية والقبلية، والأثنيات المنقسمة إلى طوائف، وزوال الدولة المركزية لصالح هذه التجمعات، وكيف أن وحدات وطنية لم تشكلها اللغات الأصلية عندما توحدت الهند وجعلت لغتها الإنجليزية، وكذلك البرازيل اعتمادها اللغة البرتغالية، وجنوب أفريقيا الإنجليزية لتظل بقية اللغات محلية قد تختفي ثقافتها لصالح اللغات المستوطنة في معظم قارات العالم؟
ثم ألا يمكن رؤية التحدي من أفق أبعد عندما نرى كوكبنا يتآكل بفعل التلوث وشح في الطاقة والمواد الأولوية، واختفاء الغايات والتقاتل على المياه، ومضاعفات التعداد البشري الذين بدأت تضيق بهم بيئاتهم المحلية لتدفعهم للهجرة لدول الوفرة؟
وكيف نرى الإنسان في صورته الجديدة مع العولمة، هل يمكن أن تختفي الصراعات المحلية والانقسامات الاجتماعية لصالح النظام المدني والديمقراطية وتطور الأحزاب والتعددية والليبرالية لتأسيس أنظمة جديدة تُبنى على العدالة، أم أن المسار سوف يضعنا أمام تكتلات جديدة للتجار والتقنيين، ونقابات العمال والمعلمين والطلبة، في أندية خاصة بهم بحيث تأتي العزلة الاجتماعية لصالح الحركة المتسارعة لهذه المجاميع الجديدة التي أتت بها مراكز التواصل الاجتماعي لينشأ عنها عزلة جديدة بمكونات طبقية وثقافية تتباعد مع الماضي لصالح الفئوية وحدها؟
وماذا عن النخب الجديدة من رأسماليين وسياسيين ومثقفين ومهندسين وغيرهم، هل يمكن فرزهم كطبقة تقود المجتمعات نحو عالم بديل، بحيث تصبح آلية العمل وحدها هي المعيار لانتقاء المبدعين وأصحاب الكفاءات العالية التأهيل لتكون الظل لطبقة النخبة، وميدان استقطابها، لتبقى الفئات الأخرى عوامل مساعدة لا ترقى بمؤهلاتها لأن تصل إلى القيادات العليا في دورة الحياة القادمة؟
وأيضاً كيف ستحدث النقلة بين فئات المجتمع الواحد، على مبدأ القدرة المادية أم الكفاءة، أم الفرصة المتاحة؟ وهل سيكون السباق حتمياً بين مجتمعات أم دول أم قارات تتصارع للسيادة المطلقة على الآخر، ومن سيظل في المقدمة والقاع، أم تعود الأممية من جديد في صياغة أيدلوجيات تهتم بالنوعية بدلاً من فرضية القومية والوطنية والدين؟
أسئلة تحيّر من يتعاطى مع الثقافة الشمولية، ويطل على المجتمعات من أفقها الواسع، وفي حدود ما نفهم فإن المستقبل لم يعد تقرره دول أو تكتلات إذا كانت الاقتصادات والثقافات اتجهت لعبور القارات لتصوغ عالماً آخر لم تتضح معالمه..