مَنْ يعيد للمعلم هيبته وقيمته المعنوية؟

د. عباس العصيمي

    مما لا شك فيه أن من أهم أسباب تردي التعليم لدينا هو ضياع هيبة المعلم، فالقريب من سلك التعليم يدرك ذلك، فقد تعرض المعلم في العقدين الأخيرين لحملة شعواء لهضم حقوقه وتشويه صورته، وتقليص صلاحياته في ظل تحصين الطلاب بالأنظمة التي تشجعهم على التمرد وعدم المبالاة سواء من الناحية السلوكية أو الانضباطية في مسألة الحضور أو حتى الناحية التحصيلية، والأدهى من ذلك هو إلصاق جميع ما يحدث في التعليم من تردي بشخصه المسكين، حتى ترسّخ ذلك في أذهان الكثيرين ممن لا يعرفون الكثير من الخفايا. وسوف استعرض بعض الشواهد لهذا الهضم الذي يتعرض له المعلم على سبيل المثال لا الحصر لضيق المساحة.

أولا: الهضم المادي

1- المعلم مهما بلغت خدمته لا يتقاضى إلا ثلاثة آلاف ريال عن كل سنة، بينما أساتذة الجامعات يأخذون راتب شهر عن كل سنة، مع العلم أن طبيعة عملهم متجانسة.

2- تم تعيين العديد منهم على بند 105 أو على مستويات لا يستحقونها في تصرفات لا نجد لها أي مبرر، وعندما تم تصحيح أوضاعهم لم يُمكنوا من إضافة خدماتهم، أو حتى الحصول على فروقاتهم التي هي حق مشروع لهم، رغم المطالبات العديدة والمتكررة التي تقدموا بها.

3- حرمانهم الجمع بين مكافأتين الذي كانوا يتمتعون به عقودا من الزمن في قرار غريب وعجيب، وكأنهم يريدون استفزازهم، وتحطيم نفسياتهم، مع العلم أن المعلمين هم أقل الموظفين قضاء للمدة القانونية لمشقة المهنة. وحسب علمي ولست متأكدا من ذلك أن هذا القرار صدر بناء على مرئيات رفعتها وزارة التربية والتعليم نفسها. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو الفرق بينهم وبين أساتذة الجامعات الذي صدر التوجيه مؤخرا باستحقاقهم الجمع بينهما، أليس هذا من الهضم الموجع. وأملنا كبير في صاحب السمو وزير التربية في استعادة حقوقهم المسلوبة، نظرا لما عُرف عنه من قوة الشخصية ونفاذ الكلمة في إحقاق الحق.

ثانيا: الهضم المعنوي

1- إصدار بعض التعاميم المستفزة ابتداء بذلك التعميم الشهير الذي يمنع المعلمين من الإفطار الجماعي في المدارس، ومرورا بحتى يطرحه أرضا، وانتهاء بتعميم منع المعلمين من لبس السراويل القصيرة الذي أحدث ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي إن صح خبره.

2- تصيد أخطاءهم وتفخيمها ونشرها على صفحات الجرائد، في مقابل التغاضي عن الأخطاء التي تحصل من الطلبة ما لم تصل درجة القتل.

3- فرض الغرامات الباهظة على من يقوم بتصوير الطلبة، في حين السكوت عن تجاوزات الطلبة الذين يقومون بتصوير المعلمين.

4 تقليص إجازاتهم حتى لو أدى ذلك إلى ملل الطلاب وكثرة غياباتهم، وعندما أحسوا بهذه المشكلة قدموا اختبار بعض المواد، لكي يوحوا للطلاب بالغياب، ومن يتحمل العتاب والحساب هو المعلم.

5- تحصين الطالب بالأنظمة وتسهيل أمور نجاحه، في مقابل تقليص صلاحيات المعلم ومحاسبته على كثرة الرسوب.

6- كم كنت أتمنى أن يخرج مسؤول كبير من الوزارة في أي وسيلة إعلامية مقرؤة أو مرئية ويشيد بالمعلم والدور الذي يؤديه وما يجب له من التقدير والاحترام، لأن ذلك سوف يكون في صالح التعليم بالمقام الأول، ولكن حسب علمي أن شيئا من ذلك لم يحدث، ومن وجد ذلك فليدلني عليه.

هذا ما أردت إيضاحه في هذه العجالة، فهل يستحق المعلم الذي تخرجنا جميعا من تحت يده، والذي شبهه المنصفون بالشمعة التي تُحرق نفسها لتضيء الطريق للأخرين كل هذه الجفوة.

إضاءة:

فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه

واصبر لجهلك إن جفوت معلما

http://www.alriyadh.com/935899

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك