ما الذي يجمع العرب بآسيا الوسطى وأذربيجان؟!
كما هو في أبجديات المعرفة، أن الفرص تؤخذ ولا تعطى، فإن العلاقات الدولية تأخذ بهذا المبدأ من باب كسب الظروف والعوامل التي تؤدي إلى نجاح المكاسب دون هدر للوقت والمال..
عربياً خضنا بسياساتنا معارك وليس علاقات متوازنة مع العالم، وانشطرنا بين غرب وشرق، وأهملنا عالماً لديه الرغبة في إنشاء تعاون معنا والانفتاح علينا، غير أن المصائب السياسية التي أغرقنا أنفسنا فيها شلت قوانا، وأضاعت زمناً غير بسيط من وقتنا في جني المتاعب والخسائر المادية والسياسية..
لنرَ كيف أن آسيا الوسطى المنجم العالمي الذي تتسابق عليه الصين وأمريكا وأوروبا، وتركيا وإيران، لا يوجد ظل للعرب في هذه المنافسة على موقع جغرافي مهم اقتصادياً واستراتيجياً، ولعل الجامعة العربية في دعوتها لانعقاد مؤتمر يجمع تلك الدول وأذربيجان مع دول الجامعة لا تعد مبادرة بقدر ما هي حاجة لتنويع علاقات تبنى على قيم التعامل من أجل المصالح أولاً، وعودة إلى تاريخ طويل لعالمين أثرت فيهما الحضارة الإسلامية، ودفعت بعلماء وفقهاء ورموز وصلت إلى العالمية في تأثيرها، ولعل الدعوة إلى اجتماع كهذا في عاصمة المملكة الرياض، وضمن صياغة مشروع طويل يتلمس احتياجات وآفاق التعاون تقربنا من فهم أبجديات المعاملات الجديدة التي عبرت الحدود، وألغت الأبعاد والمسافات الجغرافية، ونحن الأقرب لهذه الدول من غيرها لأن الروابط عميقة ودرب الحرير المشهور أضاف لنا ولهم وللعالم مكاسب لازال يرددها التاريخ..
فنحن وهم عشنا همّ الاحتلال، وخيبات الأمل، ونسف التراث وقطع الطرق بيننا وبين أن نساهم في حضارة العالم وتقدمه، والأسباب غير قابلة للإعادة لأن التاريخ الحديث أوضحها، لكن أن نبدأ من هذا التاريخ في بناء مفهوم للتعاون الاقتصادي والثقافي وبدون حوائط تحجز بيننا ونؤكد هويتنا وتطلعاتنا، فإننا سنجد أن المناخ مناسب لمن يريد تحقيق الفرصة المتاحة، وهو أولى خطوات لنا..
فالوطن العربي غارق في هموم قطع الطرق المظلمة، وآسيا الوسطى وأذربيجان تريدان تصحيح مسار تاريخهما، ولأن الهموم مشتركة فإن لقاءً على هذا المستوى والأهمية سيطرح أبعاد مشروع تأسيس اتجاه للتعاون، ولا نعتقد أن هناك معوقات، أو وصايا دولية تفرض على الجميع تنسيق السياسات بدعوات ورغبات من طرف خارجي، وهذا الاجتماع، وإن كان البداية، فهو يأتي لتأسيس المرحلة الأولى، والحجر الأول، وبالتالي، فالقواسم المشتركة معروفة سلفاً لكل من يمثل بلده ومؤسساته وقواه الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، والمطلوب أن نستقل بقراراتنا عن أي نزعة سياسية دولية، أو خلافات أيدلوجية وتقاطعات دينية، لأن الرابط أهم من ذلك كله..
ومثلما عشنا تاريخاً سعيداً وعظيماً، فإن أجيالنا الحاضرة لديها الرغبة في العودة لاستعادة ما خسرناه، والقادرة على ربط الماضي بالحاضر وفق أسس نبني عليها مستقبلنا وأجيالنا..