حين تتحول المأساة إلى «كوميديا»!!

يوسف الكويليت

    القتل هو محاكاة للجريمة بأعتى وسائلها، ولا فرق أن يكون القتل بخنجر أو سيف أو رمح، أو الخنق واستعمال الأسلحة من البندقية إلى القنبلة النووية والكيماوية، أو نشر السموم والأوبئة الفتاكة..

الأسلحة المحرمة لم تشرع لها القوانين إلاّ بعد أن طالت حرم من صنعوها وروّجوها، واكتووا بنارها أو خافوا منها، ولكن المنع لهم فقط، ويباح للعالم الآخر شبه المتخلف والذي لا مانع أن تُجرى عليه التجارب كفئران المعامل..

نماذج هذه الحروب وغيرها في التاريخ لا تزال قائمة، فبريطانيا سجلها عامر كبقية الدول الأوروبية الأخرى في افتعال الظروف لشن الحروب، فقد زرعت الأفيون في مستعمرتها الهند، وفرضت ترويجه على الصينيين باسم التجارة الحرة، وأقامت حربين باسمه من أجل مكاسب مادية شاركتها فيهما أمريكا وفرنسا لنفس الغاية والغرض..

الأسبان والإنجليز قدموا للقبائل الهندية في الأمريكتين بطاطين ملوثة بجرثومة الجدري ففتكت بهم، والروس ألقوا بجثث الموتى على أسوار مدن آسيا الوسطى الملوثة بالطاعون لنشره وقتل أكبر عدد منهم لاستسلامهم، واليابان استخدمت ذات الأسلوب في حروبها الجبروتية مع شعوب آسيوية أخرى..

أمريكا في حرب فيتنام دمرت بالأسلحة الكيماوية المحاصيل الزراعية والغابات انتقاماً من المقاومة، وقدمت للبشرية أسوأ مذبحة في «ماي لاي»، وإسرائيل لها ذات السجل بالجريمة فقد وضعت عام 1948م بكتيريا الكوليرا في مياه النيل وكررتها عام 1967م لقتل أكبر عدد من المصريين..

هذه الحوادث تضعنا أمام الحقيقة المرة وهي أن ما يجري في سورية وقبلها العراق ليس مهماً الوسائل التي يُقتل بها الشعبان، طالما روسيا ممون سخي بالأسلحة التقليدية، وإيران بالبراميل المتفجرة وتصنيع الأسلحة الكيماوية ولذلك فالموت مباح إلا إذا ظهر سلاح محرم، وهنا تأتي اللعبة المدروسة المتفق عليها بين مختلف الأطراف، ليوضع السكرتير العام أمام الوقائع الموثقة، ليبعث مندوبين يحققون في الحوادث واستقصائها، لتدور التداولات بين جبهات عديدة، بينما دائرة الموت تجري، ولذلك ف «فيتو» روسيا صك لحماية النظام من المساءلة أو التحقيق فيما يمارسه، وأمريكا وحلفاؤها والأمم المتحدة بسكرتيرها ولجانه، يديرون الحكاية بالرواية، ولا يهم أن تجري الحرب بأساليبها المختلفة طالما الكل تبرأ منها في العلن، ويغذيها في السر، والتي لن تخرج وثائقها إلا بعد مضي نصف قرن بعد ذهاب جيلين وولادة مثلهما..

سورية جزء من تجربة حصدت شعوباً أخرى بكافة المحرمات، وأكبر فرية في التاريخ الحديث عن تطبيق حقوق الإنسان وحماية كرامته وروحه، فهي قوانين مزايدات تحميها المصالح بالقوة، ولا اعتبار للآخرين إذا كان الأمر لا يتعلق بنسب ولو ضئيلة من المخاطر عليهم..

المأساة أن هذه الدروس لا يستفاد منها، سواء لقراءة تاريخ الحروب أو أسبابها ونتائجها، وفي منطقتنا العربية تحديداً كلّ زعيم طائفة ودولة وحزب يبرر فعله بأنه مشروع، طالما قانون الموت هو السائد، ولعل آخر نكتة في المسألة السورية مطالبة إيران بمكافحة الإرهاب فيها، فالمأساة تحولت إلى كوميديا!!

http://www.alriyadh.com/932582

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك