النّفخ في الرماد.. قراءة في تناقضات الحركيين!

بينة الملحم

    تحدثتُ في مقالات سابقة عن التشكيلات التي ظهرت مع الثورات الحالية من العدم، إذ أشرتُ إلى عودةِ بعض الحركيين للقواعد الأولى والمربعات الأساسية، ولم تعد المناطق الرمادية مغريةً لهم كما كانوا من قبل.

وإذا تتبعنا خطاب التيارات الحركية التي تشكّلت على رياح موجة ثورات الدول العربية سنجد أنها حاولت ركوب موجة الاحتياجات الاجتماعية. المتصفح للجرائد اليومية والإعلام يرى النقد المستمر على الأداء الحكومي والوزارات، وهذا ليس ممنوعاً، بل إن الدولة تستجيب للنقد البنّاء الحقيقي، ولكن المشكلة في "استغلال احتياجات الناس"، وهذه الظاهرة رأيناها لدى بعض الذين تم تهميشهم اجتماعياً أو بانت تناقضاتهم.

كانوا يسيرون بود مع بعض الأنظمة التي سقطتْ ثم حين ثار الناس عليها ركبوا موجة البراءة من ذلك النظام، غير أن تلك المواقف لم ينسها الناس، وحين تشكّل وعي شعبي ضد أولئك الذين يتلوّنون، حاول بعضهم بأقصى ما يستطيع ليعيد "الشعبية المفقودة" من خلال استغلال احتياجات الناس.

من الطبيعي أن الجمهور لديه "عقل جمعي" بمعنى أنه يسير ضمن رؤية شعبية في الغالب، لكنه يشكل أحياناً مواقف عقلانية تجاه شخصياتٍ تتلوّن، ومن هنا يأتي التهميش الذي استفز البعض، فذهب إلى مربعه الأول ليطرح نفسا من المعارضين، محرقاً مرحلة التغيير التي لم تكن إلا رماداً، فلم يقفوا ضد التحريض الإقليمي، كما في دعوات ما سمي ب"حنين" أو اعتصام 21 محرم" أو آخرها "الشعب يتحرك ١٩ أبريل" بل فُهِم من عباراتهم دعمها والتحريض عليها، وإشعال وقودها، لكنهم كانوا ينفخون أيضاً في "رماد".

كل المجتمعات لديها احتياجات دائمة، ولنضرب مثلاً بالأزمة الاقتصادية في أوروبا، أو البطالة في الولايات المتحدة، غير أن تصحيح تلك الأخطاء الموجودة لا يأتي بالتحريض الأيديولوجي المدعوم من جماعات وتنظيمات خارجية أو من قوى إقليمية، فهذا التحريض العلني لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن الأمر ليس إصلاحاً بقدر ما هو ركوب موجةٍ ربما تعيد المجد التليد، بعد أن تناقضت المواقف، فأصبحوا يأخذون أي مشكلةٍ أو حريق أو معضلة ليثبتوا من خلالها صدقهم الذي شكّ الناس فيه، في المقابل لا تجد لهم مواقف من أجل التنمية في وطنهم، بل يعارضون الكثير من القرارات التنموية التي تطرحها الحكومة بسبب التمسك الحاد بأيديولوجياتٍ حركية تمنعهم من خوض غمار التنمية، كما أثبتت الأحداث "الطموح السياسي" الذي ظهر لدى البعض على طريقة الإخوان المسلمين وسواهم من البراغماتيين الذين يهدأون حتى يصلوا إلى مصالحهم، لكن هدوء البعض لم يدم إذ سرعان ما تكشّفَت المواقف الخفية التي كانت مضمرةً بين طيّات العبارات العمومية.

لاشك أن مفهوم "الإصلاح" استخدم خلال العقود الثلاثة الماضية من أجل أهدافٍ سياسيةٍ أيديولوجية، إذ يستخدمون الناس وقضاياهم الصغيرة من أجل أهدافهم السياسية الكبيرة.

بعد عقودٍ ثلاثةٍ من حديث أولئك عن الإصلاح وجدنا أن الرؤية لم تختلف عن أي مشروعٍ حركي آخر يريد أن يصل إلى السلطة بسبب مواقف شخصية ذاتية، والقضايا التي لدى بعض الناس هي الوقود الذي يذكون به نيرانهم المحدودة والتي لم تحرق سوى المشروعات ذات الأهداف الضيقة والاستراتيجيات المحدودة.

لايمكن لمن يرتهن نفسه لجماعة أو تنظيم يعادي بلاده، أو لقوةٍ إقليمية ما أن يكون صادقاً في طموحاته التي يتحدث بها لوطنه، فالولاء أساس من أسس بناء الرؤية للوطن، فالذي يحقد ويخطط ويتآمر لا يمكنه أن يطرح مشروعاً منتجاً لأن عنصر الصدق الاجتماعي يظلّ مفقوداً، وهذا ما يعانون منه الآن، منذ دعوات "حنين" التي لم يخرج فيها أحد، وكانت تلك بيعة جديدة من الشعب السعودي للدولة وعلامة على أن الحضور الكلامي في الانترنت لا يطرح مشروعيةً أو شعبيةً على أرض الواقع، وحتى فشل "الشعب يتحرك ١٩ أبريل" والذي لم يكن مغرياً للشعب أبداً.

لا يمكن لمدّعي الوطنية أن يحضر تنموياً من خلال اعتراضات وتحريضات أو تسويق لفكر جماعات وتناقضات، وظاهرة البطولات الإنترنتية تثير فقط الجدل وضجيج الكلام الكثير، لكنها لا تُقدّم للشعب أيّ خير أو تنميةً. هذا وإن دلّ فإنما يدلّ على تلاشي زمن الأحلام والأوهام ولم يبقَ منه إلا تغريدات والكثير من "الصوت العالي"!

http://www.alriyadh.com/929057

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك