الأعداء المتضادون!!
تحتار وأنت ترى أمة عجزت أن تتفق لا على سياسة أو اقتصاد ولا على المصير المشترك، وتجد الخلافات جزءاً من واقع لم نحصل على تفسير له، إلاّ أننا نعيش في عصر نزاعاتنا القبلية الموروثة وقد تخطتنا الأمم والشعوب، لأنها حسمت حلولها بالبدائل الموضوعية متناسية خلافاتها ونزاعاتها إلى خلق أجواء مصالحة مع الذات ثم المجتمع فكسبت التعايش والبناء الشامل للتنمية.
فقد اختلفنا وتآخينا مع الدول الاستعمارية، فهناك من دعوا في مساجدهم أن يوفق حكومات المستعمرين، وهناك من أدخلهم الإسلام وبارك فعلهم وآخرون قاوموهم وحصلوا على الاستقلال ولكنهم قابلوهم بالتحالف ضد حتى الأقربين، وأثناء قطبية الشرق والمغرب كنا اللعبة الصغيرة في ميادينهم وتعادينا إلى حد القتال بمن يتبع الشرق والغرب والحصيلة أنهما اعتبرونا لا نصلح حتى أن نكون أدوات تدار بأوامرهم.
الآن لا نزال نعيش على نفس الأفكار والانقسامات، بل إن الماضي الغريب كان أفضل من الحاضر الراهن، والمستقبل ضبابي وسنبقى خارج الزمن إذا كنا بلا قوة ردع معنوي أو عسكري واقتصادي، وهذا ما أكد للقوى الاقليمية الثلاث إسرائيل وتركيا وإيران لترانا (تركة الرجل المريض) مما ضاعف مطامعها وأصبحت إيران هي من تحرك أحجار الشطرنج في بغداد ودمشق وبيروت والسودان، وتطرح الحوثيين كسلطة قائمة في اليمن أو بديل للسلطة القائمة.
ومثلما ضاع الحكماء أمام الغوغاء في إصلاح الشأن العربي، صرنا نستجدي القوى الخارجية أن تحل عقدة خلافاتنا، وقد لا تكون معنية أن تدخل رمال العرب المتحركة ويكفي أن أميركا أعلنت اعتزال الحروب بسبب أفغانستان والعراق، ورفضت أن تبقى جزءاً من الحل والمشكلة، ونفس الأمر مع قوى أخرى رأت أن العرب هم القضية التي ليس لها مقياس ثابت سياسي أو عسكري يخلق أجواء مصالحة بها.
الحمى لم تكن فقط مستشرية في دول المشرق العربي، بل زحفت على مغربه ومن يشاهد ظاهرة التباعد والاتهامات والحذر الذي يصل إلى الشك والعداء يجد أن المشكل عربي بالأساس لأن الشعوب والأمم الأخرى عانت مثلنا أو أكثر تعقيداً تعالت على جروحها فتعافت وخرجت من الرماد إلى الحياة.
دول الخليج العربي ظلت متماسكة، وإن لم تصل إلى الاتحاد والتنسيق في مختلف السياسات، إلاّ أن مظاهر الخلاف ظلت مستترة، إلى أن انفجرت، وذهبت إلى حد القطيعة رغم كل الظروف التي تجعلها الأقرب للتجانس، ولعل العقدة الأساسية جغرافية وسكانية ومحور دولي للبعض وداخلي للبعض الآخر، وهي أزمة وجود كما يراها الأصغر مع الأكبر مع أنه لا توجد مخاطر ولا نيات سيئة، أو تحالفات مع وضد وسياسة النفس القصير سوف تؤدي إلى أزمات جديدة قد لا تنفع معها مداواة الجروح بالتخدير أو التسكين أو إيجاد وسطاء هم بغير حاجتهم لو كانت الأمور تدار بالعقل لا بالعواطف.
الزحف غير المقدس في تعريف من معي وضدي عقدة العقل العربي، ولذلك لم يعد مستغرباً أن نكون الحلقة الأضعف مع خصوم وجدوا أننا بيئة لا تبني للحياة طالما تسير بالظلام، وتعيش على الأوهام.