الحرب على الأبواب أيها المخذلون
لم ألمس عند أي من دعاة الفتنة وكثير غيرهم أدنى ميل للسلم. في كل مراحل دعواتهم الدولية تلاحظ روح تكريس الحرب. حتى على المستوى المحلي لا تلاحظ الرغبة في التصالح وقليل من السلام أو قبول الآخر ولو جزئياً. وضعت هذا السؤال في وعيي باستمرار. ما الذي يمكن أن يجنيه هؤلاء من التجييش المستمر ووضع أصابع اتباعهم على الزناد في انتظار الإشارة ببدء الحرب في أي لحظة. تلاحظ دون عناء أن ثقافتنا الفكرية في السنوات الثلاثين الماضية ارتبطت بالحرب رغم أننا في المملكة في حالة سلم مقيم. لم يعكر صفو هذا السلم سوى حرب تحرير الكويت التي عالجتها الحكومة بطريقة قللت من انعكاساتها على حياتنا اليومية بشكل كبير.
لماذا يعمد بعض الدعاة إلى التصرف والتخاطب كأن الحرب على الأبواب. إذا لم تكن حرباً بالسلاح فهي حرب فكرية، وإذا لم تكن حرباً، فكرية فهي حرب تآمرية وإذا لم تكن موجهة لقتل البشر فهي موجهة للأخلاق أو النساء أو المستقبل أو العقيدة، وفي كثير من الأحيان هي حرب تجتمع فيها كل هذه الأسباب وعلى شبابنا العمل أو على الأقل البقاء بروح الاستعداد واليقظة والتحدث إلى النفس عن الحرب على الدوام.
قرأت كثيراً في هذا المضمار بحثاً عن جواب ولكني وقعت بالصدفة على كتاب بعنوان (أثر العلم في المجتمع بقلم براتراند رسل). كنت أقرأ هذا الكتاب لأسباب خارج إطار تساؤلي فوقعت على فقرة أراها في غاية الأهمية. يقول رسل(.... وهكذا يبين لنا أن أعضاء أي منظمة تمتلك هدفاً قتالياً يقاومون انتقاد موظفيهم أو أعضائها الكبار ويميلون إلى قبول تجاوزاتهم وممارساتهم الكيفية والتي كانوا سيرفضونها بقوة لولا عقلية القتال..). أي إن كل إنسان مجيش ويستعد للحرب لا يمكن أن ينتقد قياداته.
استعيد اليوم ذكرى علاقة جيلنا بقيادات المقاومة الفلسطينية. كان الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعب العربي في فورة الحماس لتحرير فلسطين. كان الإعلام والأدب والمجالس العامة والشخصية في حالة حديث لا يتوقف عن المقاومة. أمست قيادات المقاومة بمثابة الأبطال الأسطوريين. كل واحد منهم أشد تطرفاً من الآخر في الحديث عن القتال والتحرير والنصر والتمكين. تتسرب في بعض الأحيان همسات عن فساد بعض هؤلاء القياديين. ما كنا لنسمح لأنفسنا أو لغيرنا الخوض في هذه السفاسف حتى وإن كانت حقيقة لا تدحض. من واجبنا أن نغض النظر وأن نتجاوز عن أخطاء قياداتنا فالمعركة الحاسمة على الأبواب. تظهر بعض الأصوات القريبة من هذه القيادات وتقدم الأدلة على فساد هذه القيادات وأحيانا لا نحتاج إلى أدلة لشد عفونة روائحها. كنا نتهم من يردد مثل هذه الأقوال بالعمالة وفي أقصى درجات التسامح كنا نتهمهم بالمخذلين.
يمتلك دعاة الفتنة اليوم حرباً أوسع وأعمق من حرب تحرير فلسطين. حرب في تشاد وحرب في اليمن وحرب في سورية وحرب في نيجيريا وحرب في منمار الخ وهذه الحروب الدولية لا تعادل في خطورتها الحرب الداخلية ضد غزوات التغريب
من يستطيع الآن أن ينتقد أياً من هؤلاء الدعاة وهم يقودوننا في حرب على امتداد العالم وفي عمق حياتنا؟. سمعنا أن أحدهم سرق كتاباً بالكامل وسمعنا أن أحدهم اشترى متابعين في التوتير وسمعنا أن أحدهم باع واحدة من أراضيه بمئتي مليون ريال وسمعنا أن أحدهم يقضي الصيف بين لندن وباريس إلى آخر ما سمعنا ولكن من يجرؤ على الكلام. نحن في حالة حرب فلماذا يخوض هؤلاء العلمانيون والمخذلون في توافه الأمور.
جريدة الرياض