ياعمال العالم تفرقوا
جمهورية جورجيا التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي بعد انهياره عام 1991، تسعى الآن إلى إنقاذ اقتصادها المتدهور عبر تقديم عروض مغرية للمستثمرين الخليجيين عبر قطع أراض زراعية، بأسعار زهيدة، مقابل أن يقوم أجير جورجي بالعمل فيها والاهتمام بها.
هذا بعد أن استثمر في أراضي جورجيا الخصبة الكثير من الدول منها (الإمارات وقطر) كنوع من الأمن الغذائي لهم.
مقدمة المقال الأخبارية تحمل في كواليسها الكثير من النستولجيا ودواعي التأمل حول المتمرد الشيوعي الذي بات يستجدي العالم بحثا عن... سيد رأسمالي جديد.
وتهيئة فرص الاستثمار المغرية التي تحاول أن تستقطب رؤوس الأموال، بحيث يصبح مالك الأرض في جورجيا بطريقة تلقائية إقطاعياً متنفذاً ومالكاً للأرض بينما يعمل مزارعوها كأجراء عنده.
وروسيا بعد أن علقت المشانق لقياصرتها قبل قرن... هاهو تروتسكي ولينين... يبحثان عن قياصرة جدد. روسيا الحمراء سيدة المعسكر الشرقي، المطرقة والمنجل وشعارات عمال العالم، وطبقة البرولتاريا والثورات، تستورد أسيادها من الخارج، أسياد يعودون فوق مواكب الدولار، يعيدون الصحة والعافية لاقتصاد مهلهل استنزفته سنين من الشيوعية، الشيوعية امرأة مجنونة أسرفت في حلمها الجامح دون أن تضع العشاء فوق مائدة أبنائها؟
ديالكتيك عربة كارل ماركس فقد عجلاته، وصراع الطبقات تحول إلى إعلانات صحف للبحث عن زوج جديد لتلك الحمراء المشعثة، ويوتيبا المجتمعات المشاعية المتحررة من رجس (رأس المال) دخلت متحف التاريخ، من الذي غرر بالآخر الحلم أو ماركس؟
أم قصائد لوركا وكتيبات ماوتسي تونغ التي أفضت بهم إلى قبة الحزب الشيوعي في دورة برولتارية متسلطة هدمت مجد روسيا العظمى ونصبت بدلاً منها خوذات العسكر وأعضاء الحزب.
ضجيج هدم الأصنام والإقلاع عن أفيون الشعوب، ورأس المال الذي كان يرى به أس الشرور، المال شيطان المدينة، وتلك العاصفة الحمراء التي عصفت بالعالم من بيانات تروتسكي في أقاصي روسيا إلى نضالات تشي غيفارا في أدغال أمريكا اللاتيتنية وجمهوريات الموز، والبيارق الحمر التي كانت وقوداً لأدبيات خطاب يساري ثوري اختطف من العالم جزءاً من عقله فكان عندما تمطر السماء في موسكو يفتح مظلته.
الحرب الباردة وشعارات النضال والهجمة على الرأسمالية وأموال النفط، والآن باتوا يرون أن أموال النفط تطهرت من رجسها، وباتت قادرة على ابتياع منزل لمزارع ومائدة عامرة بالطعام.
عادت جورجيا منهكة من محفل الشيوعية وهدير المطرقة والمنجل يصم أذانها، متقشفة بسيطة، كشأنها زمن روسيا القيصرية، مجتمع زراعي بسيط يقترب من بداية استقرار المجتمعات البشرية بعد مرحلة الصيد والالتقاط.
لم تعد جورجيا تبالي بأناشيد العمال، بعد أن عرفت أن ماركس ليس سوى مهرطق ماكر، ثرثر لها كثيراً عن الجنة الفاضلة، ولكن لم يمرر لها خريطتها، تماماً مثل المشعوذ راسبوتين، فقد كان يحمل صليبه ضد مسار درب الجلجة...قاد الحشود خلفه، فأحرقت كنائس ومساجد، وتحولت الأخرى إلى متاحف، ولكن لم يستطيعوا أن يقدموا من رمادها معجون أصنام جديدة ينفخون فيها الروح، وجرت دماء وأزهقت أرواح، ودفعت أثمان غالية، قبل أن يكتشف هذا العالم، أن عجلة التاريخ تتأبى على الأطر والقواعد واليقين المطلق، عجلة التاريخ متفلتة من القوانين، وهي فقط تسير سواء بدفع الديلكتيك أو سواه.
ياعمال العالم...تفرقوا وانتشروا في الأرض وانغمروا في المسيرة الإنسانية ومغامرة الاكتشاف التي لا تنقطع.... فعدوكم ليس الإقطاعي أو البرجوازي...بل تلك الأصنام المتسلطة التي تمنحكم حقيقة قطعية وجواباً واحداً... لكل الأسئلة.
المصدر: http://riy.cc/919503