[1]
أحترم السلفية التي تكون اقْتِناعاً، لا قِناعاً.
[2]
يَحْتَفِي الدِّين بالنُّور، ولذلك قيل إنَّ العلم نور، بما يعنيه ذلك عند المسلمين، من معرفة بالطَّريق السليم، ومن انتصار على الجَهْل، الذي كان، دائماً، صِنْواً للظَّلام. ألَم يَأْتِ في قول بعض الأئمة إنَّ«اللَيْلَ كافِرٌ»؟ فالكُفْرُ، في أصْلِه، جَهْلٌ، وهو المعادل الموضوعي للظلام، حيث تستحيل الرؤية، وتعْشَى الأبصار، أو يُصيبُها الخَلْط، وتصير «خَبْط عَشْواء». أليس في هذا ما يدعونا للتَّساؤل عن العلاقة الغريبة بين هذا الذي جاء في الدِّين، وما تحمله بعض هذه السلفيات من صفات، رغم ادِّعائها لِلدِّين، لعلَّ أبرزَها «الظلاميون». أليس المسلم، هو مَنْ يعمل في الضَّوْء، ويميل لوضوح النظر، دون تدليس أو تلبيس؟
[3]
حين طلب مني صديقي السلفي أن أُؤَدِّي الشهادتين أمامَه، «لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»، كما قال. أجَبْتُه: «ليست الشهادة هي ما يؤَكِّد إيمان المسلم أو ينفيه. فالنَّيَةُ أبلغ من العمل». قال، مُسْتَنْكِراً جوابي «الكُفْرُ أبوابٌ، كُلَّما أغْلَقْتَ باباً، فُتِحَ باب». «هذا أفضلُ من أن يكون الأيمان غُرْفَةً مُغْلَقَةً لا أبواب لها، ولا نوافذ»، كان هذا هو جوابي له، رغم أنَّه غادرَ قَبْلَ أن يَسْمَعَهُ.
[4]
قالت لي طالِبةٌ «هل الحِجاب ضرورة أملاها الدِّين؟» نظرتُ إليها، مُتسائلاً، بدوري «وهل الدِّين كَشْفٌ وإظهار، أم حَجْبٌ وإخْفاءٌ؟». قادَنِي هذا للتَّساؤُل عن رؤية الدِّين للفرق بين الليل والنَّهار، وبين النور والظلام.
[5]
عندما لا نكون عارفين بالشيء، نتمادَى في الحديث عنه، وكُلَّما كان الشيءُ مِلْك يَدِنا، فإنَّنا نتفادَى ادِّعاءَه.
هذا ما ينطبق على الدِّين. فالعَالِم لا يُجِيب إلاّ بعد فَحْصِ وتقليب النَّصِّ على كل الأوْجُه، أما الجاهِلُ، فَيُجِيبُ فَوْراً، بعد أن يكون قَلَبَ النَّصَّ رأساً على عَقِبٍ.
[6]
السلفيُّ لمُتَنَوِّرُ، هو مَنِ اختار النَّظَر والمعرفة بالنص، في ما احْتَمَلَه من تأويلاتٍ، فاجْتَهَد، واضعاً النَّصَّ في خدمة الواقع، لا الواقع في خدمة النص، مُنْصِتاً، لِما جاء على لِسانِ أسلافه، من أصحاب النظر: «لِكُل مقام مقال»، لا لأسلافه، مِمَّن خانَهُم النظر: «ما تَرَكَ الأوَّل للآخِرِ شَيْئاً».
[7]
حين أقرأُ القرآن، تأخُذُني لُغَتُه، كما تأخُذُنِي معانيه التي كانت ثورةً على كثير من القيم السابقة عليه، وهذا ما يدفعُنِي لِأتَمَثَّلَه، في أن تكون لي، أنا أيضاً، لُغَتِي التي بها أُعَبِّر عن المعاني التي أعْمَل فيها على مُراجعة كثير من القيم التي أصبحت عند الكثيرين ثَوابِت ومُسَلَّماتٍ لا تقبَل المُراجعة أو النظر. هذا ما تَعَلَّمْتُه من الدِّين، باعتباره ثورةً، لا باعتباره عَثْرَةً.
[8]
الاختلافُ في الدِّين، تأكيدٌ لِرَحابَتِه، وغير هذا، إنَّما هو تَفْنِيدٌ للدِّين بالدِّين نفسِه.
[9]
دِينُ المَظاهِر، هو الدِّين السَّائِد في حياتنا اليوم، وهو الدِّين الذي تصبح فيه العبادةُ إنَاءً لا مَاءَ فيه.
[10]
ـ مَنْ يَقُدِ الآخَرَ: النص أم الإنسانُ؟
ـ أنا أقولُ الإنسان، لأنَّ النَّصَّ لا يَحيا ولا يَسْتَمِرّ إلاَّ بما يُضْفِيه عليه الإنسان من حياةٍ، فالنص إذا قادَ الإنسانَ سيكون تكراراً واستعادةً لنفس المعنى، وتبعاً لهذا سيكون الإنسان تابعاً، ومَحْكُوماً بمعنى النص، الذي سيصير معنًى ثابتاً، أبدياً، يسري على الجميع، دون قياس فرق الزمان والمكان، وما يجري على الإنسان نفسه من انقلابٍ في الفكر، وفي طبيعة النظر.
[11]
حين هاجَم الدِّين الشِّعْرَ، فهو كان يعرف خَطَر «السِّحْر» على الإنسان، أو بالأحرى، خطرَ اللغة، بما فيها من انشراح وقدرة على التعبير والتصوير في قَلْب القِيَم، وفي التأثير على الإنسانِ، ووضعه أمام حقيقة وُجُوده، لذلك اختار القرآن لُغَةً فيها كثير من «السِّحْر»، بدليل قول الرسول نفسِه: «وإنَّ من البيانِ لَسِحْرا».
[12]
ـ لا وُسَطاءَ في الإسلام.
ـ ومَنْ يتكلَّم بغير لِسانه، أو يُصْبِحُ ناطِقاً باسم الله ، ما حُكْمُ «الشَّرْع» فيه؟
[13]
سلفية محمد عبده، هي سلفية أُصُول، أو عودة للأصول، وهي سلفية كانت تعود للنَّص، أو لـ «السلف الصَّالح»، عند وُقوع الخلاف، ولم تكن سلفيةً تكتفي بتأويل النص، أو سلفيةً اعتبرت التَّأْوِيلَ هو النص. الفرق بين السَّلَفِيَتَيْن، هو فرق بين عَقْلَيْن، واحد يَقِظ، يَحْيا بالمُراجعة وإعادة النظر، والآخر، يرفض المُراجعة، ويَحْسِم في كل نَظَرٍ.
[14]
ليس الدِّين هو التَّدَيُّن. الدِّين إيمانٌ خالص، يَسْبِق العِلْمُ فيه الجَهْلَ، والتَّدَيُّن ادِّعَاءُ، الجَهْل فيه يَسْبِق العِلْمَ.
[15]
لا أُومِنُ بالفكر المُغْلَق الذي لا مَكانَ فيه للعقل والخيال، كما لا أُومِنُ بالدِّين الذي يَعْلُو فيه النص على النظر، أو يصبح فيه الإنسان خادِماً للنص.
[16]
ـ الاجتهاد، نافِذَةٌ مفتوحَة على العالم، والانغلاق، غُرْفَةٌ، لا بابَ، ولا نَوافِذَ لَها.
ـ أليس هذا هو الفرق بين الظُّلْمَة والنور؟
[17]
أن نكون إضافةً في الوُجود، هذا هو الإيمانُ، والكُفْر، هو أن نكون عالةً على هذا الوُجود.
[18]
لَمْ يَكُنِ المَعَرِيّ رافِضاً للِدِّينِ، بل كان رافضاً لِلْفَهْم المَقْلُوبِ للدِّين. مَنْ يَقْرآ شِعْرَه، سيراه مُوْمِناً، أكثر مِمَّن كانوا يُصِرُّون على ادِّعاء الإيمان.
[19]
ـ لا أَفْهَمُ كيف تُسَوِّلُ نَفْس «المُسْلِمِ» لـ «المُسْلِم» قَتْل غير المُسْلِم!
ـ وهَلْ تَفْهَم كيف يَجْرُؤُ ا«المسلم» على قَتْلِ أَخِيه المسلم؟
ـ الدِّينُ، أَفْيُون الشُّعُوبِ. حين قال ماركس هذا، كان يدعُو الإنسان لِحَلِّ مُشْكلاتِه بنفسه، لا أنْ يبقى عالِقاً في الفراغِ، ينتظر أن ينزل عليه الخُبْزُ من السَّماء.