وزراء.. وسفراء..
في الدول المتقدمة، لا يبحث الإنسان عن الوظيفة الحكومية، لأنها رمز للسكون وعدم الإبداع، عكس ما هو موجود عندنا، فالوظيفة الحكومية هي الأساس، وغيرها الهامش ولذلك ولدت البيروقراطية بأعلى مراحلها وصار منجز الفرد لا يساوي ربع ما يحصل عليه من راتب، والمشكل أن بناء نظامنا جاء استنساخاً لما كان في مصر والمتوارث من النظام التركي القديم، ولذلك انعدم التطوير والأداء الجيد..
فالوزراء، وهم من يملكون الصلاحيات العليا، لا زالوا يديرون أعمالهم بنفس النسخ التي تتكرر مع من سبقوهم، وقد كان الاستثناء للمرحوم الدكتور غازي القصيبي الذي أين أقام أو رحل وضع بصمته الخاصة بالتجديد، حتى أنه صاحب فكرة جلب شركات آسيوية في الطفرة الأولى لتنجز المشاريع التي طرحت على شركات أمريكية وأوروبية غالت بأسعارها وشروطها، لكننا لا نظلم ثلاثة وزراء هم الذين يخططون لنقلة نوعية في دوائرهم في الصحة والعمل والتجارة، أي أننا بدأنا نشعر أن هناك من يتحرك ويستجيب لعملية التطوير وقبول النقد، ومحاورة الناس لتنفيذ أهدافهم، كذلك الأمر مع الخيار الناجح بوصول الأمير خالد الفيصل لوزارة التربية والتعليم، وشبه المتقاعدة منذ أزمنة طويلة، ليرث ثقلاً هائلاً من التعقيدات والبيروقراطية وسوء الإدارة في المركز والفروع وهي العملية التي تحتاج إلى قلب المفاهيم قبل تغيير الأشخاص وسن النظم الجديدة..
لا ندري لماذا الرفض لأي جديد يهدف إلى تطوير الإدارة الحكومية رغم عمر معهد الإدارة الذي كان من المفترض أن يساعد في بث روح النشاط والتطوير، وكذلك وجود وزراء على تأهيل دراسي جيد، حتى أن تأخر المشاريع الهائلة التي رصدت لها ميزانيات لم تحدث في كل تاريخ المملكة، والمفترض أن تنقلنا إلى العالم الأول، كانت الاختبار الذي أشعرنا أن العقدة في النظام ثم بعض الأشخاص، وهذا لا يقبل التعميم على الكل، لكن الرؤية العامة عند المواطن بنت صورة مغايرة حتى أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي هي من ترسم حالة الشؤم من نجاح عوامل التنمية إذا ما ظل الشكل والمضمون في الإدارة الحكومية ساكناً لا يبعث على الحياة..
القصور لا يتصل فقط بالجهاز الحكومي الداخلي، فالسفارات في الخارج، إلاّ ما ندر لا تجد لها حضوراً مؤثراً، كما نرى في سفارات الدول الأجنبية عندنا، لدرجة أن مراجعة المواطن لأي منها حتى ولو لتسجيل جواز سفره غالباً ما يرى أنه واقع في ورطة يريد تحميل السفارة تبعاتها، هذا عدا التعرف على المجتمعات وفهم سلوكياتها، وربط علاقات مع المراكز الأساسية في الجامعات ودوائر صنع القرار، والمثقفين والصحافة وغيرها، رغم أن كل عامل في تلك السفارات يمثل وطنه بتفاعله بمحيطه ونشر صورة بلده، لدرجة أن صورتنا العامة حتى في البلدان القريبة منا لا تظهر بالشكل الحقيقي حين انحصرت بأننا أثرياء نفط باذخون لا زالوا يهتمون بسباق الهجن أكثر من فهم أبجديات الحياة المتطورة، بينما لدينا الآن علماء ومثقفون واختصاصيون في مهن بعضها معقد ويتساوون مع غيرهم بالوعي والتحصيل وهو قصور لابد من مراجعته وسد ثغراته.
المصدر: جريدة الرياض