أعظم الاختراعات في التاريخ
... لو كان عمري 300 عام لأخبرتك أن الاختراعات (أيام زمان) كانت أكثر بساطة ووضوحاً وأهمية من اختراعات اليوم.. لتذمرت وقلت إن الاختراعات التي قدمها أديسون، وجراهام بيل، ومايكل فارادي "في زماننا" كانت واضحة وذات منفعة مباشرة.. فالأول قدم مصباحاً كهربائياً يطرد الظلام، والثاني هاتفاً صوتياً ينقل الكلام، والثالث مولداً كهربائياً يزود الجميع بالطاقة.
... أما اليوم فلم يعد "لديكم" ابتكارات حقيقية وأساسية بل مجرد (أجهزة معقدة) لا يمكن لشخص واحد إبداعها أو لغير المتخصصين فهمها كأجهزة الكمبيوتر وطائرات الهليكوبتر التي تتكون من آلاف القطع والابتكارات الصغيرة!!
... أما لو كان عمري3000 عام لتذمرت من "الشايب السابق" ورأيت حتى في المصباح الكهربائي، والهاتف الصوتي، ومولد فارادي تعقيدا ما بعده تعقيد.. كنت سأتحسر على (أيام زمان) وأقول رحم الله العجلة، ومكينة الغزل، وناعورة الماء، ومن علمنا زراعة القمح وتربية المواشي!!
... أما لو كان عمري 30,000عام لقلت "لا أفهم كيف يفكر جيل اليوم!؟" ماذا نريد بالعجلة، ومكينة الغزل، وناعورة الماء، وإرهاق أنفسنا بالزراعة والرعي؛ أليست لنا أقدام نتنقل بها، وجلود حيوانات نلبسها، ومياه تنساب بطبيعتها، وثمار وطرائد لا نحتاج لغير اصطيادها !!
... العودة بالزمن بهذه الطريقة تُثبت لنا أربع مفارقات مهمة:
الأولى أن الأجيال الأقدم هي دائماً الأكثر تذمراً لصعوبة تفهمها للإنجازات الحديثة وسر تعلق الأجيال الجديدة بها (ولو اخترعت الكتابة قبل مليون عام لتوقعت شخصياً اكتشاف مخطوطة يتذمر فيها الجيل القديم من كسل وفراغ الجيل الجديد)!!
والثانية أنه كلما تقدمنا بالزمن كلما تحولت الكماليات (في نظر الجيل السابق) الى ضرورات لا يستغني عنها الجيل اللاحق...
والثالثة أنه كلما عدنا للماضي كلما كانت الابتكارات (والحياة) أكثر بساطة واستقلالية ووضوحاً...
والرابعة أنه كلما تقدمنا للحاضر كلما اندمجت الاختراعات البسيطة ضمن اختراعات أكبر وأكثر تعقيداً...
فحين تفكر في سيارتك مثلاً تلاحظ أنها تتكون من عدد مهول من الابتكارات والاكتشافات التي تراكمت طوال قرون.. فهي مكونة مثلاً من حديد وألمنيوم وزجاج تعلم الإنسان استخراجه وصنعه قبل عشرة آلاف عام.. كما تتكون من مطاط وبلاستيك ولدائن تعلم صنعها من النفط في آخر مائة عام.. كما تتضمن آلاف المسامير والأزارير والمقابض والدهانات واللمبات والدوائر الكهربائية.. أضف لكل هذا؛ أجهزة قائمة بذاتها كجهاز التكييف وتبريد المكينة وماسحات الزجاج والملاحة الجوية ومضخة البنزين.. والأهم.. محرك الاحتراق الداخلي...
وجميعها تجمع لآلاف الاختراعات الصغيرة التي تعاونت وتعاضدت لخلق جهاز واحد كبير ومعقد نطلق عليه اسم سيارة (وصدقني؛ لا ترغب بمعرفة مكونات البوينج والأيرباص)...
لهذا السبب لا يمكنك أن تدعي أن السيارة أو الطيارة مثلاً هي أعظم اختراع في التاريخ كونها محصلة لعشرات الاختراعات البسيطة والأساسية التي تراكمت خلال قرون!!
ولهذا السبب أيضاً أعتقد أن "أعظم الاختراعات في التاريخ" هي الآلات البسيطة (كالعتلة والرافعة والعجلة والمحراث) التي شكلت لبنات الأجهزة الكبيرة والماكينات المعقدة.. هي الآلات (وليس الماكينات) التي تدخل كمكون أساسي فيها من الصاروخ والطائرة والسيارة، إلى مكينة الحلاقة وساعة اليد وباب المنزل!!
... وبطبيعة الحال لو كان عمري أقل من 30عاماً لرشحت "الانترنت" كأعظم اختراع في التاريخ!!
المصدر: جريدة الرياض